مركز عدن للدراسات التاريخية

علاقات دول الجوار مع دول الإقليم

(العلاقات السورية-التركية أنموذجًا)د.حنان أحمد أبوبكر المرقشي

الملخص:

تعُّد العلاقات السورية- التركية من أكثر العلاقات توترًا من بقية دول الجوار العربي بحكم الموقع الجغرافي والتاريخي ومشكلات أخرى معقدة، والتحالف التركي الإسرائيلي وأثره من سورية.وأثر اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي أرادت فيه تركيا أن تقدم نفسها زعيمًا إقليميًّا للتوجهات الديمقراطية في عديد من البلدان العربية وفي مقدمتها سوريا، ومن هنا كان الموقف التركي تجاه الأزمة السورية تحكمه اعتبارات عديدة داخلية وخارجية أي مرتبط بالقرارات الإقليمية.

إلَّا أن العلاقات السورية-التركية حاليًّا انتقلت إلى وضع مختلف كليًّا على ما كانت في السابق، وعليه شهدت العلاقات السورية التركية تطورات سياسية نشطة تدرجت من التقارب حذر، ثم إلى الدخول في مسار متسارع لبناء علاقات متميزة.

كلمات مفتاحية: علاقات دول الجوار، دول الإقليم، سوريا، تركيا، الصراعات الإقليمية.

Summary:

Syrian-Turkish relations are among the most tense among the rest of the neighboring Arab countries due to the geographical and historical location and other complex problems, as well as the Turkish-Israeli alliance and its impact on Syria. Following the outbreak of the Arab Spring revolutions, in which Turkey wanted to present itself as a regional leader of the democratic trends in many Arab countries, most notably Syria, the Turkish position towards the Syrian crisis was therefore governed by several internal and external considerations, that is, linked to regional decisions. However, Syrian-Turkish relations have now moved to a completely different situation than they were in the past, and accordingly Syrian-Turkish relations witnessed active political developments that graduated from a cautious rapprochement, then to entering an accelerated path to building distinguished relations..

المقدمـة:

يحد عالمنا العربي عدد كبير من دول العالم،والتي تصل إلى أحد عشر دولة تتفاوت العلاقات  مع هذه الدول وتأخذ طابع التوتر أحيانًا والهدوء حينًا آخر، ولكن أكثر العلاقات التي لها تأثير في المنطقة هي تركيا، وإيران وإثيوبيا، ويعود سبب اختياري في هذا البحث عن العلاقات التركية السورية كونها ومنذ وطأت أرضنا العربية،وهي لم تترك العرب بحالهم وهذا ما حصل عندما  سيطرت الدولة العثمانية على عالمنا العربي تحت تسمية الإسلام وعاثت فيه خرابًا إلى أن سقطت وتقوقعت وأعلنت الدولة التركية بعد الحرب العلمية الأولى وجرى تقاسم نفوذها بين الدول الاستعمارية على إثر توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام1916م.

لقد حاولت الباحثة في هذا البحث تقديم نبذة تاريخية عن الأطماع التركيةمنذ زمن بعيد إلى وقتنا الراهن،والذي نعيش فيه أزمة وتدهور في العلاقات السورية التركية على إثر اندلاع ثورات الربيع العربي أو ما يسمى بالربيع العربي، والتي أرادت فيه تركيا أن تقدم نفسها زعيمًا إقليميًّا للتوجهات الديمقراطية في عديد من بلداننا العربية وفي المقدمة منها سوريا، وأبدت اهتمامًا خاصًا بالأزمة السورية، وأظهرت ومنذ البداية عدم الاستعجال في نهايات سريعة للأزمة، وتجنبت في البداية الصدام العسكري المباشر، حتى لا تقع في مستنقع يهدد الأمن القومي التركي، والموقف التركي من الأزمة السورية تحكمه اعتبارات عديدة بعضها داخلي وبعضها خارجي؛ أي مرتبط بالقرارات الإقليمية.

لقد جرى تنافس بين إيران وتركيا على صياغة مستقبل المنطقة وتشكيله. وما قامت به تركيا من فرض عقوبات على سوريا كان له انعكاسه المباشر والكبير على المواطن السوري، وهو من دفع الثمن؛ إذ أقدمت على تجميد جميع التعاملات الاقتصادية وتجميد أموال أي مسؤول سوري، ووقف المعاملات جميعًا مع البنك المركزي السوري، وعلقت تعاونها مع دمشق في مجال الطاقة وتزويدها بالكهرباء، واحتواء المعارضة السورية ودعمها بالسلاح واستضافتها في إسطنبول، هذا إلى جانب قيام الجيش التركي نشر مدافع وصواريخ مضادة للطائرات في جوار مراكز حدودية مع سوريا؛ بل وصل الأمر إلى اجتياح الأراضي السورية بالدبابات التركية والاعتداء على سيادة الأراضي السورية.

أما أهمية البحث وأهدافه فتكمن في إبراز علاقة دول الجواربعالمنا العربي؛ لما تتركه من آثار سلبية في حالة التوتر الإقليمي عمومًا، وبصفة خاصة إبراز العلاقة التركية السورية، كما اعتمد البحث في تناوله ذلك على المنهج التاريخي الوصفي التحليلي،وقسمت البحث على مقدمة وأربعة محاور وخاتمة وقائمة المراجع، وهي كالتالي:

المحور الأول: نبذة تاريخية.

المحور الثاني: الخلافات والنزاعات التركية السورية في تسعينات القرن العشرين.

المحور الثالث: حزب العدالة والتنمية ورؤيته السياسية للمنطقة.

المحور الرابع: التقارب التركي الإيراني ومستقبل تسوية الأزمة السورية.

المحور الأول: نبذة تاريخية

منذ أن احتل العثمانيون القسطنطينية ازداد اهتماهم بالسلطنة المملوكية، واتخذ ذلك مظهر العداء أو الدعم بحسب الظروف، وحدث بين الطرفين صراع على النفوذ في إمارة البستان، التي امتدت على الفرات الأعلى بين مرعشوملاطية، وهي واحدة من إمارات تركمانيةعديدة،( مثل الحمل الأسود والحمل الأبيض) نشأت في مناطق الثغور بسبب تجمع التركمان فيها. وسميت هذه الإمارة( بالبستان) نسبة إلى عاصمتها، ودُعيت كذلك بإمارة ذي القدر أو القدرية، على اسم أسرة تركمانية حكمتها في المدة 1353م/ 1522م حين احتلها العثمانيون، وقد حصل تدخل من العثمانيين والمماليك في شؤون هذه الإمارة، وأيد كُّل منها أميرًا تركمانيًّا، ومارس النفوذ عبر الانتماء إليها، ونتج عن هذا اقتتال بين أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة البستان وتأزم في العلاقات التركية المملوكية.([1])

اتجهت العلاقات إلى التحسين بين العثمانيين والمماليك في العقد الأول من القرن السادس عشر بسبب تهديد البرتغاليين الخطر الأول للدولتين، والصفويين والخطر الثاني. وقد أدى تدخل البرتغاليين في البحر الأحمر إلى طلب المماليك الدعم من العثمانيين، وفي عام 1511م نجح العثمانيون بإيصال مساعدات إلى المماليك كما أرسلوا قبيل عام 1512م عددًا من ضباط البحرية إلى مصر للإشراف على نفسها، وزود العثمانيون المماليك بالخشب والقطران والحديد، لصناعة السفن.والخطر الآخر الذي قرب بين العثمانيين والمماليك في القرن السادس عشر هو الخطر الصفوي، عندما هاجم الشاه إسماعيل إمارة البستان وأخضعها لنفوذه.

لقد أثار تبني الصفويين المذهب الشيعي رسميًّا قلق جيرانهم العثمانيين والمماليك، وزاد في الأمر محاولة الشاه إسماعيل إيجاد حلفائه في أوروبا وعثور المماليك على مكاتبات بينه وبين البنادقة بهذا المعنى.([2]) وهذا يهدد مصالح العثمانيين والمماليك على حد سواء؛ لكن المماليك لم يدعموا العثمانيين حين هاجموا الصفويين،  وانتصروا عليهم في معركة(جالديران)، وحاول المماليك التفاهم مع الصفويين واستاء العثمانيون، واتهموا المماليك بالتآمر عليهم، واصطدم الجيشان العثماني، والمملوكي، في 23آب 1516م في مرج دابق.([3])

 أسفرت معركة مرج دابق شمال حلب في 24 أغسطس 1516م عن هزيمة السلطان المملوكي قنصوة الغوري،وسيطرة السلطان العثماني سليم الأول على بلاد الشام، ومما أعان العثمانيين على هذا الانتصار خيانة بعض أمراء المماليك للسلطان المملوكي. وقسم بلاد الشام على ثلاث باشوياتقائمة بنفسها، وهي:

  1. باشوية دمشق أو سوريا(الشام).
  2. باشوية حلب.
  3. باشوية طرابلس.

في أواخر العصر الثاني اتسعت باشوية حلب بضم بضع مناطق إليها كانت من قبل خارجة عن التشكيل الإداري لسوريا في الرها والرقة ومرعش وعينتاب والبستان؛ولكنها لم تبق تابعة لسوريا بعد انتهاء الحكم العثماني؛فقد عادت إلى الحكم العثماني الجمهورية التركية وألحق بها لواء الإسكندرونة.([4])

إن شعور السوريين بشخصيتهم أمر لا شك فيه ولكن المسألة ليست مجرد شعور أو عواطف؛ بل إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي مرت بالمنطقة هي التي دفعتها إلى الشعور بشخصيتها المتميزة وبالشكل الذي شعرت به، وقبل غيرها من الأقاليم العربية لقد باتت سوريا مثل بقية أقاليم الدولة العثمانية، تخضع للحكم التركي، ولكن قربها من أوربا ساعدها على الاحتكاك بحضارة الغرب قبل غيرها من الأقاليم، وجاء القرن التاسع عشر ليزداد النفوذ الغربي في المنطقة، نتيجة لتركيز الاستعمار الغربي في الهند والشرق الأقصى، وسلوكه طريق سوريا والشرق الأدنى للوصول إلى ميدان الاستعمار والاستغلال في الشرق الأقصى، وقعت سوريا على طريق المواصلات الإمبراطورية، ومرت فيها التجارة بين الشرق والغرب؛فساعد هذا على معرفتهابالشرق والغرب في الوقت نفسه.([5])

هنا ظهرت طبقة برجوازية تجارية، وهذه الطبقة حاولت أن توجد مجالًا حيويًّا لها؛ فحصل صدام مع الطبقة الإقطاعية القديمة، التي احتفظت بالأرض وبحلفائها العسكريين والمدنيين من الأتراكوالمتتركين بروز هاتين الطبقتين أدى إلى التنافس فيما بينها في المجال الحيوي لكل منهم، وكان من الطبيعي أن تنتج طبقة البرجوازية في كسب أبناء الأقاليم أكثر من نجاح الطبقة التركية.

  • الأتراك اعتمدوا على الإسلام في وجودهم في سوريا.
  • السوريون بدأوا  يؤمنون بمذهب جديد نتيجة احتكاكهم بالغرب، وهو مبدأ: (الدينلله والوطن للجميع)؛ أي: فصل الدولة عن الدين وتوحيد صفوف أبناء البلد، وهذا الاتجاه العلماني ساعد على نمو الطبقة البرجوازية.
  • البعثات التبشيرية ساعدت على نمو الشخصية العربية من عدد من رجالها بدراسة أحوال المنطقة ودراسة التراث العربي وتعددت البعثات، وأصبحت تنافس بعضها بعضًا، وهذا ساعد على قيام حكومة مدنية لا تفرق بين المسلم والمسيحي أمام القانون.

وعمل البروتستانت على محاولة كسب العرب وإحياء التراث العربي أكثر من الكاثوليك؛ فاضطر الكاثوليك إلى النزول إلى الميدان والتنافس مع البروتستانت، وهذا التنافس ساعد على اهتمام العرب بتراثهم وشخصيتهم العربية؛ بعيدًا عن شخصية الأتراك.([6])

مع انتشار(مذهب الدين لله والوطن للجميع) تحولت الأنظار إلى أوروبا تنشد الحرية والمساواة؛ هروبًا من الكبت الذي عاشته، وعندما انعقد المؤتمر العربي الأول في باريس عام 1913م جاءت قراراته مثبتة للنمو الفكري والاجتماعي والاقتصادي في منطقة الشرق العربي عامة والشام خاصة، وهنا تظاهرت الدولة العثمانية بمحاولة إرضاء هذه الشخصية العربية المناهضة لسياستها.

مع ازدياد النفوذ الألماني في الدولة العثمانية، ازداد ميل العرب إلى الحلفاء الغربيين، ومع إعلان  الحرب، انظم العرب إلى البريطانيين والفرنسيين، وشهروا السلاح في وجه الأتراك.

كان الأتراك مخلصين في كفاحهم ضد الاستعمار وباسم الإسلام، وفي الوقت نفسه كان العرب مخلصين في كفاحهم ضد الحكم التركي، وكان جمال باشا قد أرسل نسخة من اتفاقية سايكس بيكو إلى الأمير فيصل في العقبة في أول العمليات السورية ونشر البلاشفة هذه الاتفاقية، وشرح جمال باشا خطورة الموقف، وطلب الالتفاف من العرب والمسلمين حول الخلافة وتوحيد الجهود ضد الاستعمار وإخراجه من الأراضي العربية، والتوقيع على تحالف عربي تركي والنزول إلى الميدان من أجل الوطن والإسلام، وقال إنه مستعد للاعتراف باستقلال الدول العربية، لكن فيصل لم يتمكن أن يأخذ أي قرار بهذا الشأن.([7])

المحور الثاني: الخلافات والنزاعات التركية السورية في التسعينات

لم تكن العلاقات السورية التركية طبيعية منذ استقلال سوريا عام 1946م؛ بل سادت حالة من العداء والتأزم مجمل هذه المدة وذلك في ضوء عديد من الاعتبارات؛ ولعَّل أهمها العداء التاريخي كهيمنة تركيا في ضمهالمقاطعة لواء الإسكندرونة عام 1939م، وليس هذا فحسب ولكن تركيا اختارت أن تكون متحالفة مع المعسكر الغربي وعملت على حصار المد القومي العربي، وهذا ما أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين وحشد تركيا قواتها العسكرية على الحدود السورية عام 1957م بعد تأسيس حلف بغداد وانضمام سوريا إلى مصر في شجب هذا الحلف وإدانة سياساته.([8])

وبعد نقل فيصل مقر قيادته إلى الشرق من عمان، والتي بدأت قواته تتمركز في شهر سبتمبر1918م، ثم قطع مواصلة السكة الحديد قبل بدأ الهجوم الإنجليزي شمالًا بثلاث أيام، وجاءت قوات عثمانية كبيرة لإصلاح هذه السكة الحديدية؛وذلك أفسح المجال أمام الإنجليز في الهجوم نحو الشمال، وقطع خط الرجعة على الأتراك إذا ما حاولوا الرجوع غربًا، واستخدم اللمبي الخديعة؛ فأوهم الأتراك بأنه سيهجم وسط الجبهة، ثم ركز هجومه على السهل الساحلي، وتمكن من التغلب على مقاومة الأتراك في هذا القطاع، واستمر تقدمه شمالًا، في حين عجز الأتراك من التحرك نتيجة لوجود القوات العربية على جناحهم الآخر، وفي الوقت نفسهفجَّر عرب فلسطين الثورة ضد الأتراك وتشتت القوى العثمانية وانتهت أيامهم في فلسطين.([9])

الاستيلاء على سوريا

لم يبقَ أمام الأتراك إلا محاولة الاحتفاظ بسوريا؛إذ بدأوا يسحبون قواتهم من عمان ومعان في 22من سبتمبر1918م، واسرع الإنجليز بإرسال قواتهم لاحتلال عمان. ودخلت القوات العربية واحتلت (معان) في 23سبتمبر ثم سارت القوات العربية شمالًا، وتقدمت وحدات بريطانية نحو دمشق، والقوات العربية وصلت دمشق في 30سبتمبر في العام نفسه، وأرسلوا مندوبهم طالبين الأهالي القيام بالثورة، وإعلان الحكومة العربية، ودخلت القوات العربية المدينة، وكان علم الثورة مرفوعًا في المدينة؛ إذ دخلها الشريف ناصر على رأس قواته مع وحدة من الفرسان البريطانيين، وبعد يومين حضر اللمبي وفيصل، ودخلا عاصمة الأمويين وأعلنا نهاية أربعة قرون من الحكم التركي العثماني. واستولوا على كل سوريا في نهاية شهر أكتوبر في العام نفسه، واحتل العرب مواصلة السكة الحديدية السورية مع سكة حديد بغداد في يوم19 أكتوبر وفي اليوم التالي وقعت تركيا على هدنة مودريس.([10])

ومن أهم النزعات والخلافات التركية السورية كانت:

أولًا: لواء الإسكندرونة

يقع لواء الإسكندرونة المسمى باللغة التركية(هاتاي) في الجانب الجنوبي من تركيا، على ساحل البحر المتوسط، وقد ضُمَّ اللواء إلى تركيا عام 1939م بموافقة فرنسا، التي كانت منتدبة على سوريا آنذاك، وقوبل هذا الإجراء التركي باحتجاج عام في سوريا، ولم تعترف أي من الحكومات السورية المتعاقبة في ضم اللواء إلى تركيا، واستمرت سوريا في إبقاء رسم اللواء في الخرائط السورية الرسمية، وفي كتب التعليم جزءًا من أراضيها، ولكن وفي الوقت نفسه وعلى الرغم عدم من اعتراف سوريا بضم لواء الإسكندرونة إلى تركيا، إلا فهي لم تتقدم إلى أي جهة دولية بطلب رسمي بهذا الشأن.([11])

ثانيًا: مشكلات تتعلق بالمياه

أنشأت تركيا سلسلة من السدود الكبرى على نهر دجلة والفرات، وهذا أدى إلى حجز القسم الأعظم من مياه النهرين، وحجزت مياه نهر الخابور بأكملها حتى جف وأوقفت جريانه في الأراضي السورية؛فقد بدأت تركيا تسحب المياه فعلًا، وذلك أثار الشكاوى من جانب سورية، ومن جانب العراق الذي أنشأ سد الحبانية. وعلى إثر ذلك طلبت سورية تأليف لجنة ثلاثية لوضع اتفاق نهائي ينظم التوزيع العادل بين الدول الثلاث طبقًا للعرف الدولي([12])،إلَّا أن تركيا تمسكت بموقفها بأن الفرات ودجلة من الأنهار العابرة للحدود وليست من الأنهار الدولية، وهو ما يعطيها الحق في إقامة السدود التي تريدها، ورفضت تركيا طلب سوري عراقي بتقسيم مياه الفرات ودجلة على حصص متساوية، وقد رفضت تركيا أيضًا اتفاقية دولية بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21مايو 1997م. متذرعةبأن هذه الاتفاقية مجحفة في حق الدول، التي بنت سدودًا في أراضيها، وهذا ما أدى بسوريا أن تواجه أزمة انخفاض تدفق المياه إليها بسبب السدود.([13])

ثالثًا: التعاون التركي الإسرائيلي

وصل التعاون التركي الإسرائيلي إلى مرحلة متقدمة، وهذا أدى إلى مزيد من التأزم في العلاقات، وعدَّت دمشق هذا التحالف الإستراتيجي بينهما ضعفًا إستراتيجيًّا عليها في كل المجالات، وأيضًا عدَّته خطرًا على الأمن القومي العربي.([14])

لقدشهدت العلاقات التركية الإسرائيلية في مدة التسعينات تطورًا كبيرًا عندما جرى الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية فيما بينهم، وتوقيع اتفاقية بين وزيري الدفاع للبلديين تنص على التعاون في مجال الدفاع، أضف إلى ذلك تأسيس مجمل رجال الأعمال التركي الإسرائيلي في مارس 1993م، وفي نوفمبر 1993م وقع الطرفان مذكرة تفاهم بشأن إنشاء لجان مشتركة بهدف التصدي للتحديات الإقليمية،مثل: الإرهاب والتطرف، وبلغ ازدهار العلاقات ذروته عام 1996م عندما تم توقيع للتعاون العسكري والإستراتيجي بينهم في 23 فبراير 1996م.([15])

رابعًا: حزب العمال الكردستاني

في أوائل التسعينات قامت حكومة الحكم الذاتي للأكراد في إقليم كردستان العراق، وهذا الأمر ولُّد قلقًا كبيرًا لدى الأتراك، ولمتكن موافقة على قيام هذا الحكم الذاتي؛ خشية أن يطالب أكراد العراق بالحقوق نفسها، وكانت تركيا قد قامت بعمليات عديدة شمال العراق هادفة إلى تدمير قوات حزب العمال الكردستاني التركي(PKK)، وهذا الحزب يشنّ بحرب العصابات من أجل حصوله على الاستقلال منذ عام 1984م، وتتمركز قواته في منطقة اسمه(جبال قنديل) تقع بين إيران وتركيا والعراق، وبطبيعة الحال من المعروف أن تركيا لا تعترف بوجود قومية تركية، وتسمي الأكراد( أتراك الجبال)، وتحظر عليهم استخدام لغتهم المحلية.([16]) هذا إلى جانب إعلان تركيا قيام المنطقة الأمنية في شمال العراق في 22 أكتوبر 1997م، وأكدت نفيها في القيام بالعمليات العسكرية في حربها ضد الأكراد.

وأيضًا فيما يتعلق بمسألة الأكراد فقد وجهت أنقرة الاتهامات إلى النظام السوري بتوفير كل المساعدات اللازمة للأكراد، وقالت إن سوريا تهدف بذلك إلى زعزعة الأمن القومي التركي، وهذا أدى إلى بلوغ الأزمة التركية السورية ذروتها وعملت تركيا على إرسال حشود عسكرية كبيرة على الحدود في أكتوبر 1998م، وأعلنت عزمها على اجتياح الحدود السورية إذا لم تلتزم سوريا بمطالب تركيا في وقف الدعم لحزب العمال الكردستاني وتسليم زعيمه عبدالله أوجلان.([17])

لقد تفجرت الأزمة السورية التركية في بداية تشرين الأول 1998م؛ وذلك عقب  تصريحات كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الأتراك ضد سورية؛فقد هدد الرئيس التركي سليمان ديميرئل بالانتقام من سورية لدعمها(PKK)، في حين كان الطرف السوري تعامله هادئًا جدًّا مع الأزمة. وكادت تلك الأزمة أن توصل البلدين إلى حرب عسكرية لولا التعامل العقلاني للقيادة السورية، وجهود الوساطة التي قامت بها مصر وإيران لتطويق الأزمة.([18])

وعلى أثر ذلك بدأت وساطات إقليمية بين البلدين أدت إلى انتهاء الأزمة، وتوقيع اتفاقية أمنية في أضنة في20 أكتوبر1998م، جرى خلالها تعهدات باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع العمليات التي تسمى إرهابية أو أعمال العنف، وبعد توقيع اتفاق أضنة دخلت العلاقات التركية السورية مرحلة جديدة من التقارب، خاصة بعد أن زار الرئيس التركي سوريا في يونيو2000م؛ من أجل تقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، وفي عام2002م زار رئيس الأركان السوري  العماد( حسن توركماني) تركيا ووقع اتفاقًا للتعاون الأمني تضمن تبادل المعلومات والمساعدات التقنية والتدريب وإمكانية القيام بمناورات مشتركة.([19])

المحور الثالث: حزب العدالة والتنمية ورؤيته السياسية للمنطقة

شهد العام2000م بداية لمرحلة من السياسات الانتقالية، التي أدت إلى تعزيز اتجاهات التحول في العلاقات؛ انطلاقًا من تغيرات داخلية. فقد عبر الرئيس بشار الأسد عن رغبة أكيدة في التعاون مع تركيا، وقد شهدت تركيا نموًّا متزايدًا لاتجاه الأسلمة والمنافسات الداخلية في شأن الهوية واتجاهات السياسة الخارجية.

وعلى أثر ذلك في 19يونيو2002م زار رئيس الأركان السوري العماد حسن توركمانيتركيا، ووقع اتفاقًا للتعاون الأمني تضمن تبادل المعلومات والمساعدات التقنية والتدريب وإمكان إجراء مناورات مشتركة… إلخ[20].

وعند وصول حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى السلطة في 3نوفمبر2002م محطة فاصلة بين مرحلتين، وبعدما كانت لاعبًا إقليميًّا داخل محور الغرب والأطلسي؛ حاولت تركيا مع حزب العدالة والتنمية أن تؤسس لنفسها حيثية لا تتعارض مع انتمائها الأطلسي، لكنها تتيح لها أن تعبر أكثر عن البعد الأيديولوجي لحزب العدالة والتنمية.

وهذا ما جعل تركيا تضع أمامها هدف أن تكون لاعبًا أساسيًّا مؤسسًا لنظام إقليمي جديد وعلى وفقما كان يكرره دائما وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو. هذا لم يكن متاحًا من دون أدوات تجعل منها قوة اقتصادية كبيرة من جهة، وأنموذجًا يقتدى به من جهة أخرى، وكان على رأس هذه الأدوات اتباع سياسة الانفتاح على دول الجوار القريب والبعيد، وهو ما عرف بسياسة تصفير المشكلات، وفعلًا قدمت هذه السياسات خدمة لتركيا ما لم تقدمه لها سياسات سابقة فتحولت علاقاتها إلى علاقات إستراتيجية مع دول كانت إلى الأمس القريب عدوة أو مصدر تهديد مثل سوريا، إضافة إلى العراق وإيران ولبنان وبلدان الخليج، وانتقلت صورة تركيا البلد المعادي لمحيطه والحليف لإسرائيل والمهدد للأمن القومي العربي إلى بلد ينظر إليه بإعجاب.([21])

لقد كانت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى تركيا في6 يناير2004م بداية مسار نشط نحو تفكيك عدد من العقد والهواجس العميقة في العلاقات الثنائية، والانطلاق في سياسة تقارب متسارعة نسبيًا استغرق الإعداد لها زمنًا طويلًا، ربما بسبب القضايا الخلافية، التي وجد الطرفان صعوبات في التوصل إلى تفاهمات سابقة في شأنها. ومن ثم عُدَّت الزيارة تاريخية ومؤشرًا إلى أن الطرفين قررا في المضي في علاقاتهما لمواجهة التحديات ومصادر التهديد القائمة.[22]

وبذلك عبر الرئيس التركي آنذاك أحمد نجدت للرئيس السوري بشار الأسد عن أهمية الزيارة بقوله:” أن زيارتكم لها صبغة تاريخية ومغزي خاص كونها أول زيارة رسمية لبلادنا لرئيس للجمهورية العربية السورية، مشيرًا إلى أن الزيارة تعدُّ مؤشرًا على أعلى مستوى إلى التطور السريع للعلاقات الثنائية في المرحلة الأخيرة على أساس الاحترام المتبادل والفهم والحوار المشترك.[23]

دخلت تركيا من جديد إلى المنطقة بثقلها السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، وهذا أعطى أملًا للبدء بمرحلة جديدة وصولًا إلى الحديث عن محور ثلاثي أو رباعي يضم تركيا وسوريا وإيران والعراق، غير أن عاملين أثرا سلبًا في هذا النهج التفاعلي بين تركيا ودول الجوار ولا سيما المباشر منها، وهما:

العامل الأول: الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة في نهاية مايو2010م والذي استهدفت دور تركيا المتعاظم بعد نجاح تركيا مع البرازيل في التوصل إلى إعلان ظهران قبل ذلك في أيار 2010م بشأن البرنامج النووي الإيراني، فكان ضرب مرمرة رسالة من الغرب فتفهما تركيا.

العامــل الثاني:تمثل في ما يسمى الربيع العربي فقد وجدت فيه تركيا نفسها قادرة على أن تكون اللاعب الإقليمي الأوحد، وهذا يتطلب إضعاف إيران تحديدًا ومن معها.([24])

الأحداث المتسارعة التي جرت في تونس، وأدت إلى الإطاحة بالزعماء العرب في تونس ومصر وليبيا، ووصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، كل هذا شجع تركيا أن تذهب بعيدًا في الرهان على إسقاط النظام السوري.

هذا التوجه التركي عبرت عنه النزعة التي يحاول حزب العدالة والتنمية أن ينكرها، وهي نزعة العثمانية الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة.

وهذا ما عبر عنه أحمد داوود أوغلو؛ إذ قال:(( سوف تقود تركيا موجة التغيير في الشرق الأوسط، وسنستمر في أن يكون طليعة موجة التغيير هذا أن تركيا لن تكون فقط دولة صديقة وشقيقة لمجتمعات الشرق الأوسط؛ بل أيضًا صاحبة فكر جديد يحدد مستقبله وبلد هو طليعة النظام الإقليمي الجديد، وللمنتقدين لهذه السياسة عليهم أن يفكرون تجاه السياسة الخارجية التركية بالنسبة إلى سوريا)).([25])

الثورة السورية: هل هي استثناء من الربيع العربي؟

الكاتب اللبناني حسام عيتاني قال إن اندلاع الثورة في مارس2001م تركت توقعات عند مؤيديها ومناصري الحكم في دمشق عن مواعيد قريبة لانتهائها؛ ولكن هذه التوقعات لم تكن دقيقة. وكان هناك تصورات لمؤيدي الثورة بأن التظاهر السلمي والتحركات الشعبية والعمل الإعلامي  والديمقراطي، سيؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط نظام بشار الأسد؛ لكن الاحتجاجات الشعبية لم تنجح والمفاوضات، التي كانت تسعى إليها المعارضة بنقل السلطة إلى مجلس حكم مؤقت إلى حين إجراء انتخابات نزيهة وشفافة فشلت في أعقابها؛ فشكلتحكومة وطنية جديدة أيضًا لم تنجح، واختار النظام طريق الاعتقالات والقمع والاقصاء، والحال أن النظام لجأ في أسلوبه إلى ما مارسه منذ نهاية السبعينات وطول الثمانينات من القرن الماضي ونجح بوساطته من تطويق الانتفاضة.

تشكل سوريا عقدة إستراتيجية بالغة الأهمية في الشرق الأوسط مقارنة مع الأهمية لكل بلدان الربيع العربي كمصر وموقعها بين قارتين وحيازتها لقناة السويس، إضافة إلى ثرواتها الأخرى من سياحة وزراعة وطاقات بشرية، ومثل ليبيا الغنية بالنفط وذات المساحات الشاسعة جغرافيًّا والقريبة من أوروبا، تتضاعف أهمية الموقع السوري الذي اعتد مدة عديدة من القرن العشرين، ومصدر أهميتها الوحيد فتوسطها منطقة الشرق العربي وتشاركها بالحدود مع العراق، وتركيا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، إضافة إلى امتلاكها منفذًا بحريًّا مهمًّا يضعها في موضع المؤثر والمتأثر بما يجري في هذه البلدان.

ومن اللافت للنظر أنه وبعد اندلاع الثورة في سوريا واتساعها وما صاحبها من عنف فما زال النظام السوري يتلقى دعمًا ماليًّا وعسكريًّا صريحًا من حلفائه الخارجيين على نحو يجعله قادر على البقاء والقتال بغض النظر عن التكلفة البشرية والمادية، التي تتحملها سوريا، وهذا استثناء للثورة السورية.

ومن هنا يمكن القول إن الثورة السورية اتسمت بسمات الحرب الباردة الجديدة بين معسكرين دوليين كبيرين يتواجهان مواجهه غير مباشرة على أرض سورية، وهذا أيضًا ما يميزها من باقي الثورات.

المحور الرابع: التقارب التركي الإيراني ومستقبل تسوية الأزمة السورية

تعود العلاقات التركية الإيرانية إلى قرون مضت في عهد الإمبراطورية العثمانية؛ فقد عرف العهد الصفوي-العثماني صراعات دموية مريرة بين الطرفين على الخلفية المذهبية الشيعية-السنية، إلى أن حسم العثمانيون الصراع لمصلحتهم في معركة(جالديران) عام 1514م؛ إذ هزموا الفرس الصفويين بقيادة الشاة إسماعيل الصفوي وأعلنوا الريادة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومنذ تأسيس تركيا الحديثة على يد(كمال أتاتورك) انتقلت العلاقات بينهما إلى مرحلة الهدنة؛ حيث طريق الإصلاحات التركية التي قام بها (أتاتورك) فيما يتعلق بنهجه للعلمانية وانفتاحه على الغرب لتحقيق الحداثة. انتباه الشاه الإيراني:(رضا بهلوي)، وجعلته يقوم بمثل هذه الإصلاحات في بلاده.([26])

دخلت إيران في حلف عسكري مع انقرة عام 1955م اسمي بـــ(حلف بغداد) وهذا رسخ العلاقة بين البلدين، ومع قيام ثورة( آية الله الخميني) الثورة الإسلامية عام 1979م، انقطعت فجأة هذه العلاقات، وتخوف الأتراك من تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى بلد إسلامي مثل تركيا، ومن الجانب الآخر أبدى الإيرانيون قلقهم من العلمانية التركية، ومع الغزو الأمريكي للعراق تحسنت العلاقات من أجل تحقيق المصالح المشتركة؛إذ تخوفت تركيا من إنشاء الأكراد لدولة في شمال العراق، ويمكن القول إن هناك ثلاثة عوامل تحكم العلاقات بين البلدين، وهي:

  1. التوازن الإقليمي: هناك تنافس بين كل من تركيا السنة وإيران الشيعة، وإسرائيل اليهودية على منيكون المركز في الدولة الإقليمية.([27])
  2. المصالح الاقتصادية: يوجد تبادل تجاري اقتصادي كبير بين إيران وتركيا يصل إلى 25مليار دولار قابل للزيادة في الأعوام القادمة إلى 35مليار دولار، ويعدُّ الغاز والنفط الإيراني الجزء الأكبر من صادرات إيران إلى تركيا.
  3. الاعتبارات الجيوبوليتيكية: تنظر تركيا إلى إيران بوصفها جزءًا من الأمن القومي التركي بسبب الامتداد الكبير للحدود بينهما، وخاصة لما يمثله الأكراد وحزب العمال الكردستاني الذين يوجدون على الحدود بين البلدين ويشكلون تهديدًا للأمن القومي التركي.([28])

الثورة السورية وتوتر العلاقات التركية –الإيرانية

شكل اندلاع الثورة السورية في عام 2011م على أثر ما يسمى بالربيع العربي، وكيفية تعامل النظام السوري معه، والتي اتصف بالعنف وفي قمع الاحتجاجات، شكل تهديدًا وتوترًا في العلاقات مع تركيا على خلفية التناقض بين البلدين تجاه الأزمة السورية، وانطلقت تركيا وإيران بالنظر إلى ما يجري في سوريا من مصلحته الخاصة ومشروعه الإقليمي في المنطقة؛ إذ رأت إيران أن ما يجري في سوريا قد ينتقل إلى إيران ويؤثر في أمنها الوطني، ولهذا أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري، وقدمت كل ما يلزم لحماية بشار الأسد وأعلنت أنه إذا فرض عليها الخيار بين تركيا وسوريا فإنها ستختار سوريا، وأعلنت أن الإطاحة بنظام بشار الأسد خط أحمر. من الجانب الآخر عدَّت تركيا أن ما يجري في سوريا إنجاز من إنجازات حزب العدالة والتنمية في ضوء ما يتبناه من إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.([29])

دعمت تركيا دفاعًا عن مشروعها الإقليمي من أجل الإطاحة بنظام لشار الأسد التنظيمات المعارضة لنظام الأسد والسماح لها بعقد لقاءات على أراضيها وقد استخدمت نبرة شديدة اللهجة بدت واضحة في التصريحات، التي أدلت بها عديد من القيادات التركية بشأن الأزمة السورية، هو الأمر الذي جعل نظام الأسد يستاء من التصريحات التركية ومن موقفها الرافض لوجوده في السلطة، وحذرت إيران تركيا أنه في حالة استخدام أمريكا القواعد الموجودة في تركيا لضرب سوريا، فإن هذه القواعد ستكون هدفًا إلى إيران، وهذا زاد من التوتر بين البلدين.([30])

عندما وصل الرئيس:(حسين روحاني)عام2013م إلى سدة الحكم في إيران، الذي كان أكثر انفتاحًا على العالم بدأ التقارب التركي الإيراني من جديد، وهذا يعود إلى الدوافع الآتية:

  1. ما شهدته الأزمة السورية من تطورات متصاعدة منذ ظهور التوافق الأمريكي- الروسي على تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية بديلًا للخيار العسكري الأمريكي ضد النظام السوري، الذي كانت تركيا تراهن على سقوطه، وهنا أدركت تركيا أن رهان إسقاط النظام السوري غير وارد. وهذا يتطلب تبني أنقرة توجهًا جديدًا.([31])
  2. توقيع إيران الاتفاق النووي مع الدول الكبرى في23 نوفمبر2013م أكد إقرار الغرب وخاصة أمريكا دور إيران الإقليمي.
  3. القبول بدور إيران ودورها الرئيس في حل للأزمة السورية.
  4. حرص أنقرة على إعادة جزء من التوازن في علاقاتها بالمنطقة.
  5. وجود بواعث قلق مشترك بين طهران وأنقرة من تزايد الطابع الطائفي للحرب الدائرة في سوريا، الذي اصبحت تداعياته تمتد نحو أنقرة وبغداد وظهران، وما تمثله الحرب من خطر متزايد يتجاوز حدود المنطقة، وهذا يتطلب جهود مشتركة للحيلولة من دون تحول الصراع في سوريا إلى صراع طائفي.([32])
  6. نفوذ الجماعات الإرهابية التي أصبحت تواجهها الدولتان.
  7. عجز أنقرة على تحجيم قوة (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)السوريونفوذه، وإصرار الحزب بمشاركة بعض الأحزاب الكردية على تنفيذ مشروع الإدارة الذاتية المؤقتة في غرب كردستان، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا كبيرًا للأتراك.([33])

أي تقارب بين طهران وأنقرة من المرجح أن يحدث معادلات إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا سيكون على حساب الدول العربية، وخاصًة دول الخليج، وخاصة أن النظام الإقليمي العربي الراهن سيظلُّ عاجزًا عن الوقوف في وجه هذا التقارب في ظل غياب مشروع عربي قادر على تأسيس كتلة متماسكة قادرة أن تنافس القوى الإقليمية الكبرى.([34])ولا شك أن التقارب التركي الإيراني يتخلله الإسهامفي التوصل إلى حل سياسي حقيقي للأزمة السورية.([35])

                              الخاتمـــة

لم تترك الدولة التركية، التي حلت محل الدول العثمانية من دون تدخل؛ بل عمدت إلى الاحتفاظ ببعض الأراضي السورية عندما جرى تخطيط الحدود التركية السورية في إطار اتفاق(فرانكلين بويولون) عام 1921م، وحينها استقطعت تركيا أجزاء من الأراضي السورية، وأهمها منطقة(كليكيا) وثبت ذلك في معاهدة لوزان 1923م، ثم تبع ذلك ضم لواء الإسكنرونة عام 1923م بعد استفتاء صوري، نظمته الدولة المنتدبة فرنسا، قابلة رفض شعبي حتى نيل سوريا الاستقلال الشكلي عام1943م، والاستقلال النهائي عام 1946م.

شهدت العلاقات التركية السورية مدًّا وجزرًا منذ الاستقلال، وحتى يومنا هذا تارة هدوء، وتارة أخرى توتر وهذا هو حال علاقات دول الجوار، فسوريا قدمت كل التنازلات اللازمة من أجل الحفاظ على أمنها الإقليمي وتحسين العلاقة مع تركيا؛ ولكن تركيا مادامت تخلق الذرائع للتدخل في الشؤون السورية؛ ولعلَّ أبلغ مثل على ذلك ما جرى بعد ما يسمى الربيع العربي في سوريا والدعم والاحتواء للمعارضة السورية سياسيًّا وعسكريًّا في مواجهة النظام السوري؛ بل أكثر من ذلك دخول الأراضي السورية عسكريًّا والاعتداء على سيادتها وأمنها.

لن يكون سلام لأي دولة تعيش مشكلات مع دول الجوار، خاصًة إذا كان بهذه الدولة أطماع أو تقوم تنفيذ أجندات خارجية، وهذا هو ما حاصل اليوم.

سوريا لا يوجد لها أي أطماع في تركيا أو الأراضي التركية، وتنازلت عن لواء الإسكندرونة، وسلمت زعيم الأكراد أوجلان من أجل أن تنهي صفحة الخلافات مع تركيا؛ ولكن تركيا هي من عادت لتفتح صفحة خلافات جديدة.

قـائمة المراجــع

أولًا: المراجع العربية

  1. إبراهيم، العلبي: التقارب التركي الإيراني على طريق خارطة سياسية جديدة في المنطقة، مسار للتقارير والدراسات، 29نوفمبر 2013م.
  2. ابن طولون، شمس الدين محمد بن علي أحمد: مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
  3. برهان، غليون: العلاقات السورية التركية، درس الديمقراطية، الحوار المتمدن، العدد 2792  7/10، 2009م . www. ahewar.org/ http
  4. جلال، عبدالله معوض: صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية التركية، مركز دورات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، آب/ أغسطس 1998م.
  5. جلال، معوض: الجديد في العلاقات التركية العربية، بحث مقدم إلى ندوة العلاقات العربية بدول الجوار المتغيرات الراهنة، والرؤى المستقبلية، مركز البحوث والدراسات، جامعة القاهرة، 1998م.
  6. جلال، يحيى: العالم العربي الحديث، ج1، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ص2003م.
  7. جلال، يحيى: العالم العربي الحديث والمعاصر،ج1،الإسكندرية، 2001م.
  8. الحافظ،النويني: العلاقات التركية الإيرانية بين التعاون والتنافس وانعكاساتها على الشرق الأوسط،1/3/2013م.www alhewar.org  //https:
  9. سامية، بيبرس: مستشار أول الأمانة العامة لجامعة الدول العربية-القاهرة، شؤون عربية، العدد161، 2015م.
  10. سامية، بيرس: الأبعاد الإقليمية والدولية لأزمة حزب العمال الكردستاني، ملف الأهرام الإستراتيجي، العدد 156، السنة الثالثة عشر، 2007م
  11. صافيناز، محمد أحمد: إيران وتركيا، من ينتزع أوراق الآخر الأقلية، شؤون عربية، العدد161، 2015م.
  12. عبدالكريم رافع: العرب والعثمانيون 1516-1916م، دمشق، ط2، 1993م.

عقيل، محفوظ: العلاقات السورية التركية التحولات والرهانات.  المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يناير 2011م.

  1. عمر، كوش: التقارب التركي الإيراني وتصحيح المسار، الجزيرة نت، 5/12/2013م. www Aljazeera. net //https:
  2. عمر، كوش: العلاقات السورية التركية، من التأزم إلى التعاون.الجزيرة نت12/11/2009م.www Aljazeera. net //https:
  3. محمد بن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، الأجزاء 3،5، الطبعة الثانية،ج2، القاهرة، 1960م.
  4. محمد، السلمي: قراءة في التقارب السياسي بين إيران وتركيا،28/11/2013م، شؤون عربية مجلة قومية فصلية تصدر عن الأمانة العامة للجامعة العربية، العدد 161، 2015م.
  5. محمد، زهير دياب: العلاقات السورية- التركية  حسن جوار أم عداء؟، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد7، العدد28، (خريف1996م).
  6. محمد، سعيد إدريس: فرص التقارب التركي مع إيران والعراق، جريدة الخليج الإماراتية، 8/11/2013م.
  7. محمد، نور الدين: تركيا والمنطقة، المأزق المستمر، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، بيروت، شؤون عربية، العدد151، 2012م.
  8. هاني، زايد: محللون يحذرون من التقارب التركي الإيراني، جريدة الوطن، 31/4/2014م. wwwalwalan. net //https:

ثانيًا: المراجع الأجنبية:

  1. F.Taschner, El, S.V, Albitan: tt. Mordmann- (V Menage) E-L S V. Dal- kady.
  2. Patricin Carley, Turkeya Role in The Middle EasT, P,cit
  3. Khorshid Patim, Tur key- Iran relations and the Syrian dilemma middle EST Monitor 30-1-2014 http//www middlcasTmon- itor-com.   
  4. Khorshid Dali- Turkey- Iran relations and the Syrian dilemma, opcit.

([1])F.Taschner, El, S.V, Albitan: tt. Mordmann- (V Menage) E-L S V. Dal- kady.

([2]) شمس الدين، محمد بن علي أحمدبن طولون: مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص201. 343. محمد بن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ج 3،5، الطبعة الثانية، القاهرة، 1960م، ج4، ص 191،205.

([3])عبدالكريم رافع: العرب والعثمانيون 1516-1916م، دمشق، ط2، 1993، ص61.

([4]) عبدالكريم رافع:  المرجع السابق، ص 38-87.

([5])جلال، يحيى: العالم العربي الحديث والمعاصر، ج2، الإسكندرية، 2003م، ص201.

([6])جلال يحيى: المرجع السابق،ص206.

([7])جلال، يحيى: المرجع السابق، ص 220-221.

([8])برهان، غليون: العلاقات السورية التركية، درس الديمقراطية، الحوار المتمدن، العدد 2792  7/10، 2009م .

 www-ahewar,org/ http

[9] جلال، يحيى: العالم العربي الحديث، ج1، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ص2001م، ص549.

[10]جلال، يحيى: المرجع السابق، ص552.

([11])سامية، بيربرس: مرجع سابق، ص165.

[12] محمد، زهير دياب: العلاقات السورية- التركية  حسن جوار أم عداء؟، مجلة الدراسات الفلسطينية، م7، العدد28، (خريف1996م)، ص32.

([13])جلال، معوض: الجديد في العلاقات التركية العربية، بحث مقدم إلى ندوة العلاقات العربية بدول الجوار المتغيرات الراهنة، والرؤى المستقبلية، مركز البحوث والدراسات، جامعة القاهرة، 1998م. ص51.

([14])عمر، كوش: العلاقات السورية التركية، من التأزم إلى التعاون. الجزيرة نت www Aljazeera. net //https:

([15])جلال، عبدالله معوض: صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية التركية، مركز دورات الوحدة العربية، بيروت، أغسطس ،ط1،1998م، ص63.

([16])سامية، بيرس: الأبعاد الإقليمية والدولية لأزمة حزب العمال الكردستاني، ملف الأهرام الإستراتيجي، العدد 156، السنة الثالثة عشر،2007م.ص35.

([17])Patricin Carley, Turkeya Role in The Middle EasT, P,cit

[18] حامد، محمد طه السويداني: العلاقات التركية السورية 1998/ 2011م، مركز الدراسات الإقليمية.

([19])عقيل، محفوظ: العلاقات السورية التركية التحولات والرهانات. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يناير 2011م، ص20

[20]الجزيرة نت، الدوحة، 29 يونيو/ يوليو2002م

([21])محمد، نور الدين: تركيا والمنطقة، المأزق المستمر، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، بيروت، شؤون عربية، العدد151، 2012م، ص49.

[22]عقيل، مخفوض: العلاقات السورية- التركية التحولات والرهانات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يناير، 2011م، ص20.

[23]حسن محلي: الأسد في أنقرة وجبهة مشتركة، جريدة المستقبل، بيروت،7يناير 2004م

([24])محمد، نورالدين: المرجع السابق، ص50.

([25])محمد، نورالدين: المرجع السابق، ص52.

([26])سامية، بيبرس: مستشار أول الأمانة العامة لجامعة الدول العربية-القاهرة، شؤون عربية، العدد161، 2015م، ص192.

([27])الحافظ، النويني: العلاقات التركية الإيرانية بين التعاون والتنافس وانعكاساتها على الشرق الأوسط، موقع الحوار المتحدث

www. ahewar.org/ http

([28])محمد، السلمي: قراءة في التقارب السياسي بين إيران وتركيا،28/11/2013م، شؤون عربية مجلة قومية فصلية تصدر عن الأمانة العامة للجامعة العربية، العدد 161، 2015م،ص194.

([29])صافيناز، محمد أحمد: إيران وتركيا، من ينتزع أوراق الآخر الأقلية، شؤون عربية، العدد161، 2015م، ص197.

([30])Khorshid Patim, Tur key- Iran relations and the Syrian dilemma middle EST Monitor 30-1-2014

 www middlcasTmon- itor-com//http

([31])محمد، سعيد إدريس: فرص التقارب التركي مع إيران والعراق، جريدة الخليج الإماراتية، 8/11/2013م.

([32])إبراهيم، العلبي: التقارب التركي الإيراني على طريق خارطة سياسية جديدة في المنطقة، مسار للتقارير والدراسات، 29نوفمبر 2013م.

([33])Khorshid Dali- Turkey- Iran relations and the Syrian dilemma, opcit.

([34])هاني، زايد: محللون يحذرون من التقارب التركي الإيراني، جريدة الوطن، 31/4/2014م.http www alwalan-com                                                                   

([35])عمر، كوش: التقارب التركي الإيراني وتصحيح المسار، الجزيرة نت، 5/12/2013م. http www aljazera net-com