طرق القوافل التجارية في حضرموت القديمة
د. محمد عوض باعليان
د. محمد عوض باعليان([1])
ملخص
يعالج هذا البحث طرق قوافل التجارة الرئيسة في حضرموت القديمة من خلال تقصي مسارات تلك الطرق ودروبها عبر وديان حضرموت وسهولها وهضابها الواسعة الممتدة بين ظفار شرقًا وحدود حضرموت الغربية، التي كانت تربط بين موانئ حضرموت وأهمها سمهرم وقنا وبين العاصمة شبوة وغيرها من المدن والأسواق، إلى جانب الطرق الرئيسة والبديلة التي كانت تخرج من شبوة باتجاه عواصم ممالك الجنوب الأخرى، والإشارة إلى محطات الاستراحة والمرافق الخدمية الواقعة على تلك المسالك لتوفير الغذاء والحماية لقوافل التجارة، كما يناقش البحث العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى ازدهار تلك الطرق أو اضمحلالها.
Abstract
This article discusses the main commercial caravans routes in the ancient Hadramout by exploring these roads through the valleys, plains and plateaus of Hadramout, which extends from Dhofar in the east to borders of West Hadramout, which connected between ports of Hadramout as Samhram and Qena with capital Shabwa and other cities. as well as The main and alternative routes that were coming out of Shabwa towards the capitals of the other southern kingdoms, and the dedicate the rest stations and service facilities located on those routes to provide food and protection for caravans commerce.
المقدمة:
مارس اليمنيون القدماء التجارة على نطاق واسع داخليًا وخارجيًا في مختلف البضائع المحلية والمستوردة، وكانت الطيوب لاسيما اللبان والمر على رأس السلع النقدية التي كانت تعود بمردود كبير على اقتصاد ممالك جنوب الجزيرة العربية من خلال تصديرها إلى الشعوب والبلدان المجاورة عبر شبكة معقدة من الطرق البرية التي يعود أقدم مسالكها إلى عصور ما قبل التاريخ في اليمن. وقد كانت شبكة الطرق الداخلية تجتمع لتؤلف الطريق التجاري الدولي أو طريق اللبان بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها خلال العصور التاريخية. وكانت مملكة حضرموت أكبر ممالك جنوب الجزيرة العربية إنتاجًا للُّبان، وقد ساعدها ذلك على التحكم في طرق التجارة الرئيسة داخل حدودها وخارجها، حيث مهدت مساراتها وشقت الممرات الجبلية في مسالكها الوعرة ورصفتها بالحجارة، فضلًا عن تزويد الطرق بمحطات لراحة القوافل وأبراج لمراقبة وتأمين طرق التجارة وتأسيس مراكز لتحصيل الضرائب.
ويتناول هذا البحث موضوع طرق القوافل التجارية البرية الرئيسة التي كانت تقع ضمن نطاق أرض حضرموت قبل الإسلام، وهو موضوع لم ينل ما يستحقه من الدراسة من قبل. ويهدف هذا البحث إلى تتبع تلك الطرق عبر دراسة وصفية تُحدد مساراتها وتقدر مسافاتها، والمحطات الواقعة عليها من خلال ما ورد عنها في كتابات الكلاسيكيين والرحالة المستشرقين، إلى جانب بعض الأبحاث المتعلقة بالتجارة ومسالكها في جنوب الجزيرة العربية.
ويقسم هذا البحث إلى مبحثين يتناول أولهما نشوء التجارة المحلية في جنوب الجزيرة العربية وأهم مراكزها التجارية والسلع الأكثر رواجًا. ويتناول المبحث الثاني مسارات طرق التجارة البرية الحيوية في حضرموت التي ربطت العاصمة شبوة بمناطق إنتاج اللبان الواقعة في شرق وجنوب المملكة من جهة، وبموانئها الرئيسة من جهة أخرى، إلى جانب تتبع طرق التجارة البديلة بين شبوة وعواصم الممالك العربية الجنوبية المجاورة.
المبحث الأول
نشوء التجارة المحلية في جنوب الجزيرة العربية
تشير المعطيات الأثرية إلى أن أقدم عمليات التبادل التجاري في جنوب الجزيرة العربية ترجع إلى مرحلة العصر الحجري الحديث في حوالي الألف الخامس قبل الميلاد. وقد تنوعت السلع المتبادلة بين أقاليم جنوب الجزيرة العربية وكانت مادة حجر الأوبسيديان من بين أبرز المواد التي راج تبادلها محليًا في هيئة مادتها الخام أو على شكل أدوات مصنعة ومتعددة الاستخدامات مثل المكاشط والشفرات وبعض خرز الزينة التي تم العثور على بعضها في موقع متفرقة في وسط الجزيرة العربية وجنوبها وشرقها، كظفار في شرق حضرموت وذمار وريده وعسير في منطقة المرتفعات، وقطر على الساحل الشرقي للجزيرة العربية([2]).
وقد تطلب تبادل تلك المواد نشوء عدد من المسالك البرية التي ربطت أقدم التجمعات السكانية والمستوطنات البشرية الواقعة في شرق الجزيرة العربية وجنوبها غربها. وتم عبرها نقل مختلف المنتجات التي لم يعثر الآثاريون منها إلا على بعض المواد التي قاومت عوادي الزمن وعوامل التلف، مثل بعض الخرز والمكاشط وقليل من أدوات الزينة المصنوعة من الأوبسيديان والأحجار الكريمة وشبه الكريمة والأصداف التي تم الكشف عنها في مناطق متفرقة وفي أماكن بعيدة عن مناطق إنتاجها، حيث لم يستدل في مناطق العثور عليها على أي مناجم أو ورش لإنتاج تلك الأدوات، وهي إشارة واضحة إلى أنه تم نقل تلك المواد من أماكن إنتاجها وورش صناعتها الأصلية([3]). ففي المطهفة بظفار شرق حضرموت مثلًا دلت التحقيقات الأثرية والتحاليل الكيميائية على أن مصدر تلك المواد هو منطقتي ذمار وريدة في المرتفعات الغربية، كما تم الكشف عن سبع خرزات من الأوبسيديان في قبرين شرق قطر يؤرخ لهما بالألف الخامس قبل الميلاد، وتبين بعد الكشف الكيميائي عن تلكم الخرزات السبع أن مصدرها منطقة عسير، وهو ما يشير كما يبدو إلى ارتباط جنوب الجزيرة العربية بشرقها عبر شبكة من الطرق التجارية امتد بعضها لمسافات تصل إلى(1500كم) عبر الصحراء إبان مرحلة العصر الحجري الحديث([4]).
وبنهاية تلك المرحلة مرت المنطقة بتغيرات مناخية قلَّت معه الأمطار الساقطة عليها ما أدى إلى حدوث هجرة تدريجية للسكان الرعاة، بعضهم توغل نحو مناطق المرتفعات الغربية لليمن التي احتفظت بنسبة رطوبة أكثر من غيرها، والبعض الآخر استقر في الشريط المحاذي لأطراف رملة السبعتين من الجنوب والغرب، معتمدين على استغلال مياه الأمطار المنحدرة من الجبال الجنوبية والغربية. وفي زمن لاحق من العصر البرونزي في اليمن(2600-1800 قبل الميلاد) ظهرت أولى المستوطنات في مناطق خولان الطيال جنوب شرق صنعاء، في دلالة على بدء حياة الاستقرار([5]) التي أدت بالضرورة إلى مزاولة سكان تلك المستوطنات لبعض الحرف، مثل صنع الفخار الذي تم إنتاجه بأشكال وأحجام متنوعة، وبكميات تجارية هائلة في موقع صبر شمال عدن، الذي كشف فيه عن أكبر معامل لصناعة الفخار في الجزيرة العربية يعود تاريخها إلى عصر البرونز([6]). وفي مجال الزراعة، تم العثور على بذور القمح والشعير والذرة. وبطبيعة الحال، فإن هكذا نشاطات أدت إلى وجود فائض في المنتجات الزراعية والحيوانية شجع على نشوء نوع من التبادل تجاري للسلع بين التجمعات السكانية الصغيرة، يمكن لنا أن نتصور أنه كان متواضعا في بداياته، ولكنه ما لبث مع مرور الزمن أن ازدهر مؤديًا إلى ظهور طرق بسيطة كانت تسلكها الحمير كأقدم حيوان نقل وركوب، حيث كانت هناك اتصالات وتبادل للسلع الرئيسة كالذرة والقمح والتمر بين مناطق جنوب الجزيرة العربية إبَّان عصر البرونز([7]).
لا شك أن استئناس الجمل الأسرع والأقوى والأكثر تحملًا في المدة ما بين منتصف الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد في منطقة جنوب غرب الجزيرة العربية([8]) أدى إلى تحسن سرعة وكثافة التبادل التجاري في تلك المرحلة ونشوء الطرق التجارية الطويلة بين جنوب وشمال الجزيرة. وفي سياق متصل، تشير المعطيات التاريخية والأثرية إلى رواج التجارة الداخلية بشكل ملحوظ منذ بداية العصور التاريخية في اليمن في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد تقريبًا، وتجلى ذلك في زيادة حركة نقل البضائع وتبادلها بمختلف أنواعها بين مدن جنوب الجزيرة العربية وحواضرها الواقعة على الحواف الجنوبية لرملة السبعتين التي كانت تمثل مركز الثقل السياسي والاقتصادي لجنوب الجزيرة العربية حتى ظهور الميلاد. وقد أدى رواج التجارة المحلية إلى شيوع مناخ من التواصل والتعايش والتفاعل بين سكان المجتمعات المحلية، إذ تشير بعض النقوش القتبانية مثل ( (RES4329;4337إلى أن مدن مثل تمنع وهربت في وادي حريب كانت مستقرًا لعدد من الجماعات (الجاليات) السبئية والمعينية التي كانت تشتغل بالتجارة مع القتبانيين([9]).
ومن نافلة القول إن ازدهار تجارة جنوب الجزيرة العربية قد ارتبط بزيادة الطلب على مواد البخور العطرية لاسيما اللبان والمر من مختلف المراكز الحضارية في الشرق القديم، لذلك ظهرت بوادر الضعف في تجارة اليمن الدولية عندما قل الطلب على مواد البخور بعد أن تبنت الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية كدين رسمي للدولة في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي. وترتب على ذلك ترك المعتقدات الوثنية القديمة وهو ما أدى إلى العزوف عن استخدام البخور (العربي) في المراسم والاحتفالات الدينية والطقوس الجنائزية، ولم يؤثر ذلك على اقتصاد ممالك اليمن القديم فحسب بل تضرر منه اقتصاد الإمبراطورية الرومانية نفسها وأصيب بالركود. ومما زاد الأمر سوءًا، اكتشاف حركة الرياح الموسمية في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي، وتنامي حركة النقل البحري على حساب حركة التجارة عبر الطرق البرية([10])، والذي أدى بدوره إلى تدني أهمية حواضر ممالك الجنوب الواقعة على تخوم الصحراء على الطريق الرئيس للتجارة (طريق اللبان)، فانتقلت السيطرة من تلك الحواضر إلى منطقة الهضبة أو المرتفعات الغربية([11]). أضف إلى ذلك، أن احتدام الصراعات الداخلية بين ممالك اليمن القديم خلال تلك المرحلة أسهم في تدني اقتصادات تلك الممالك بشكل تدريجي حتى تلاشى الدور الريادي لتجار جنوب الجزيرة العربية في نقل التجارة، مع سقوط آخر الممالك الجنوبية على يد الأحباش في بداية القرن السادس الميلادي، وانتقال السيطرة على التجارة الدولية ومسالكها إلى قبيلة قريش في وسط الجزيرة العربية([12])
- 1. أهم السلع التجارية:
مارس اليمنيون القدماء التجارة على نطاق واسع داخليًا وخارجيًا في مختلف البضائع وعلى رأسها عدد من المواد العطرية أهمها اللبان والمر والقرفة والإذخر وغيرها([13])، إلى جانب المتاجرة بمنتجات النباتات الليفية كالكتان والقطن وكذا الأصباغ العضوية مثل نبات النيلة([14]). فضلًا عن التجارة بالسلع المستوردة عبر الموانئ من مصر والشام وأهمها القمح والنبيذ والمنسوجات الملونة والموشَّاة والأواني المصنوعة من الذهب والفضة والنحاس([15])، ومن بلاد فارس كان يصل الذهب واللؤلؤ([16]) والزجاج وأدوات الزينة النسائية مثل المشابك والدبابيس والأساور والقلائد([17]). ومع تطور النشاط السكاني وتنوعه تنوعت السلع والمنتجات وظهرت حرفة التعدين باستخراج النحاس والقصدير، ثم الفضة والذهب والأحجار الكريمة كالعقيق بأنواعه من مناجم كثيرة في المرتفعات الوسطى ظلت مستغلة إلى زمن العصور الوسطى الإسلامية، حيث تم الكشف عن أكثر من 40 موقعًا لاستخراج النحاس يقع أكبرها إلى الشمال من منطقة البيضاء([18])، وتبع ذلك معرفة حرفة صناعة حلي الزينة البدائية مثل العقود المصنوعة من الأحجار والصدف، وفيما بعد من الذهب المرفق بالأحجار الكريمة التي يمكن رؤية بعض نماذجها ضمن معروضات المتاحف في اليمن وخارجها، ولا ننسى صناعة الأسلحة كالسيوف والخناجر التي اشتهر بها اليمن قبل الإسلام والتي تم تمثيل أقدم نماذجها بالنحت الغائر على بعض الكتل الحجرية الضخمة العائدة إلى مرحلة عصر البرونز في منطقة الجول بحضرموت ومناطق متفرقة أخرى([19]). وكانت حياكة المنسوجات ودباغة الجلود والصناعات المرتبطة بها من أهم منتجات منطقة المرتفعات نظرًا لوفرة الثروة الحيوانية ولاسيما الأبقار التي استخدمت جلودها في عدة أغراض حياتية.
نالت الطيوب النصيب الأكبر من الاهتمام من بين كل البضائع التجارية في جنوب الجزيرة العربية بوصفها أهم السلع المصدرة للخارج التي عادت بمردود كبير على اقتصاد ممالك جنوب الجزيرة العربية بصفة عامة. إذ كانت طيوب اللبان والمر من أبرز السلع النقدية في جنوب الجزيرة العربية. وقد ذُكر اللبان في النقوش العربية الجنوبية مثل(UAM204;YM467) باسم(ل ب ن ي)، وينتمي إلى فصيلة(Boswellia sacra) وهي نبتة شديدة الخضرة وخالية من الشوك وتنمو في مناطق حضرموت كظفار والمهرة وفي شمال الصومال وإثيوبيا والسودان، ويوجد منها خمسة أنواع من أشجار اللبان إلا أن تجارة جنوب الجزيرة العربية اعتمدت على نوعين منها فقط عرفا بـاسم (Carterii .([20])(Frereana أما المر فقد جاء في نقوش المسند مثل(RES3427) باسم(أ م ر ر ن)، وتنتمي شجرته إلى فصيلة تعرف باسم(Commiphora)، وتتصف ببعض صفات نباتات الصحراء فهي غبراء اللون كثيفة الشوك، وتشبه في شكلها شجرة العلب(السدر)، ولها أوراق صغيرة يميل لونها إلى الرمادي([21])، وكانت تنمو بكثرة في سفوح السلسلة الجبلية الواقعة على التخوم الجنوبية والغربية لأرض قتبان وأوديتها الفرعية كوادي مرخة الذي اشتهر قديمًا بزراعة أشجار المر([22]).
وقد عُدت المتاجرة بمادتي المر واللبان من أهم ركائز اقتصاد اليمن القديم، وذلك بسبب الإقبال الشديد على شرائها في مدن الشرق القديم وحوض البحر الأبيض المتوسط؛ كونها من المواد الرئيسة للتعطير أو التبخير(البخور المقدس)، وذلك بحرقها في أثناء الطقوس الدينية في المعابد الفرعونية والرومانية وفي بلاد الرافدين؛ ونظرًا لذلك، كانت أسعار تلك التوابل والعطور مرتفعة جدًا؛ لذا ساعدت على نمو حجم التبادل التجاري لجنوب الجزيرة العربية الذي أسهم بدوره في حدوث تلاقح ثقافي بين حضارتي الجنوب وسورية القديمة منذ الألف الأول قبل الميلاد([23]).
تنمو أشجار اللبان والمر بشكل طبيعي في وديان جنوب الجزيرة العربية وهضابها وسفوحها، ونتيجة لازدهار المتاجرة بمنتجاتها العطرية؛ تم استحداث مزارع لرعايتها إلى جانب الأشجار البرية التي كانت تنمو بشكل طبيعي على مساحات شاسعة، حيث ظهرت منذ القرنين السابع والسادس قبل الميلاد مزارع خاصة لأصناف مختلفة من أشجار البخور(المر واللبان) في أماكن واسعة ومتفرقة تمتد على طول سلسلة الهضاب والمرتفعات الجنوبية لمملكتي قتبان وحضرموت التي تمتد من هضبة ظفار شرقًا حتى تلتحم بكتلة المرتفعات الوسطى غرب اليمن، وهي أراض تمثل النطاق الجغرافي الرئيس لزراعة أشجار المر واللبان. ويتصف الجزء الأكبر لهذه المرتفعات بمناخ مداري ملائم لنمو شجر المر واللبان، حيث ينمو اللبان بكثرة في مناطق تحظى عادة برطوبة كافية أكثر مما يحتاجه المر، حيث كانت أشجار اللبان تنمو في مناطق الهضبة الواقعة بين ظفار والمهرة، وقد أشار بعض الدارسين إلى نموه في المناطق المقابلة للشريط الساحلي لمسافة يُقدر طولها بأكثر من(500 ميل) بين ظفار شرقًا وقنا غربًا بما فيها وادي حجر([24])، بل تمتد منابت اللبان حتى منطقة حبان غرب ميفعة([25])، وهو ما جعل جل الدارسين يعتقد أن مملكة حضرموت كانت الدولة الرئيسة المنتجة والمصدرة للُّبان في جنوب الجزيرة العربية([26]).
- 2. أهم الأسواق والمراكز التجارية:
مثلث عواصم ومدن الممالك العربية الجنوبية أبرز الأسواق والمراكز التجارية في منطقة جنوب الجزيرة العربية، وتشير كتابات الإغريق والرومان إلى أهم مركزين تجاريين وهما: مدينتا تمنع العاصمة القتبانية، وشبوة حاضرة مملكة حضرموت، اللتان كانتا مركزين تجاريين لتجميع السلع التجارية المحلية والمستوردة عبر الموانئ الجنوبية. حيث تقع شبوة عند وادي المعشار قرب مصبّ وادي عرما وتتموضع عند تقاطع عدد من مسالك التجارة التي تمر بها قادمةً من نواحي المملكة في الجنوب والشمال والشرق([27])، فيما تقع مدينة تمنع عند مصب وادي بيحان وتضم سوقًا عُرف بسوق شمَر يقع وسط المدينة، وتنتصب في ساحته مسلة حجرية كتب عليها نصّ قانون قتبان التجاري على هيئة نقش بالمسند يوسم بـ(RES4337)، وهو قانون مهم ينظّم التجارة وعملية البيع والشراء داخل المدينة([28])، حيث كانت تمنع مركزًا مهما لجمع المر من مناطق إنتاجه في سفوح سلسلة الجبال الواقعة جنوب مملكة قتبان وغربها، فيما كانت مدينة شبوة أكبر مركز تجاري لخزن اللبان الحضرمي بكميات تجارية قبل تصديره للخارج.
وغني عن القول، أن موانئ جنوب الجزيرة العربية أدّت دورًا مهما كأسواق ومراكز تجارية حيوية تنشط وتنتعش بقدوم السفن ببضائعها المستوردة والمتنوعة من خارج البلاد، حيث كان يتم تسويق وتبادل البضائع مع قارات العالم القديم، فكانت تلك الموانئ الوسيط التجاري بين أسواق جنوب شرق آسيا من جهة، ومدن حوض البحر الأبيض المتوسط وأسواق الإمبراطورية الرومانية وأسواق شرق إفريقيا وموانئها من جهة أخرى، فكان ميناءا قنا وعدن أهم المرافئ الواقعة على البحر العربي على الإطلاق، فضلًا عن ميناء موزع التي كانت تمر عبرها مختلف السلع التجارية المستوردة، كأقمشة الحرير، والملابس المنسوجة، والعباءات، والبطانيات، والعطور، والمراهم، والقمح، والخمور، والحبوب، والجلود، والخيول، والبغال، والذهب، والنحاس، والأحجار الكريمة، والعاج، وغيرها([29])، إلى جانب السلع المحلية مثل المر واللبان (البخور) وغيرها، التي كانت تصلها من البر الداخلي ثم تُصدَّر إلى شمال الجزيرة العربية ومدن البحر الأبيض المتوسط([30]) عبر قوافل الجمال التي كانت تعود من هناك ببضائع تلك البلاد التي يعاد تصدير الفائض منها إلى مدن جنوب شرق آسيا وإفريقيا.
المبحث الثاني
طرق القوافل التجارية في حضرموت القديمة
تعد مملكة حضرموت القديمة إحدى ممالك جنوب الجزيرة العربية الرئيسة (الأربع) وأكبرها مساحة، ويمتد تاريخها من بداية الألف الأول قبل الميلاد إلى نهاية القرن الثالث الميلادي. ولا تقتصر أرض حضرموت القديمة على واديها الشهير كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ، بل كانت رقعتها الجغرافية تمتد شرقًا حتى هضبة ظفار، وشمالًا حتى حدود الربع الخالي، وغربًا إلى حدود مملكة قتبان، وجنوبًا حتى سواحل بحر العرب.
وتتشكل طبوغرافيا حضرموت أو الهضبة الشرقية من صخور رسوبية سهلة التشكيل ساعدت على تكوين الأودية العميقة التي حفرتها مياه السيول، وكانت همزة الوصل بين مناطق الساحل والداخل([31])، إلى جانب السهول والهضاب الواسعة. ويُعد وادي حضرموت أبرز معالمها الجغرافية، وعُرف في النقوش بلفظ (سررن)([32])، ويمتد لمسافة (200كم) من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، حتى يصبّ في بحر العرب غرب سيحوت، ويتصف مجرى الوادي باتساعه في الغرب وتتقلص مساحته تدريجيًا نحو الشرق، وتبلغ حوالي(5. 22كم2)، وترفده عدد من الأودية الصغيرة، تبدأ من الغرب قرب مدينة شبوة بوادي رخية ووادي دهر. ومن معالم حضرموت، الجول الجنوبي، وهو هضبة جرداء مستوية السطح يبلغ ارتفاعها حوالي(1350متر) ومساحتها(200كم2) تقريبًا، وتنحدر منها باتجاه الشمال والشمال الشرقي عدد كبير من الأودية والشعاب باتجاه الوادي الرئيس، وأهمها وادي عمد ووادي دوعن وعينات وسنا. وهناك أيضًا وادي حجر وهو من أكبر أودية حضرموت المنحدرة من المرتفعات الغربية للجول الجنوبي باتجاه الجنوب الشرقي حتى ساحل البحر العربي عند قرية ميفع حجر اليوم غرب مدينة المكلا، إلى جانب الجول الشمالي الذي تسيل شعابه نحو الوادي الرئيس في الجنوب وأهمها سر و تريم و عيديد و دمون([33]).
مارس الحضارم التجارة منذ القدم في مختلف السلع المحلية والمستوردة التي مر بنا ذكرها، ولكن اللبان يعدُّ السلعة الرئيسة ذات القيمة العالية في تجارة حضرموت القديمة، التي كانت تنقل برًا وبحرًا إلى خارج حدود المملكة، إلى جانب سلع أخرى مثل: الصبر، ودروع السلاحف، والسمك، المملح، والأخشاب، والمعادن، والأقمشة، ومواد الصباغة، والحبوب، وغيرها([34]). وقد دلت الأبحاث العلمية وأعمال المسح الأثري في مناطق مختلفة من حضرموت على وجود شبكة من الطرق البرية لنقل السلع التجارية يعود استخدام أقدمها إلى عصور ما قبل التاريخ كما مر بنا، ولاسيما تلك الطرق التي ربطت ظفار بمنطقة المرتفعات اليمنية الغربية من جهة، وبشرق الجزيرة العربية من جهة أخرى، فضلًا عن طرق أخرى كانت تصل بين الموانئ الرئيسة للمملكة على ساحل البحر العربي مثل سمهرم وقنا وسيحوت، وبين شبوة حاضرة حضرموت وغيرها من المدن. وسوف نتتبع هنا مسالك أبرز طرق التجارة الحيوية داخل حضرموت:
1.1. الطريق البري بين ظفار و شبوة(خريطة رقم1)
ظفار، هضبة تقع في أقصى حضرموت، ويرتفع حدها الجنوبي المطل على ساحل البحر العربي حوالي(300متر)، ويتدرج في الارتفاع نحو الشمال حتى(800 متر) تقريبًا فوق مستوى سطح البحر. ويتخلل هذه الهضبة عدد من الأودية المنحدرة نحو الشمال، وهي منطقة تتصف بمناخ شبه صحراوي، مقارنة بمناخ جنوب الهضبة([35]) الذي يمتاز بخصوبة أراضيه، ويتمتع بغطاء نباتي كثيف؛ نظرًا لما تحظى به تلك المنطقة من أمطار غزيرة بفضل كميات البخار الكبيرة المندفعة إليها بفعل الرياح الموسمية للمحيط الهندي(monsoon)، التي تشكل كميات كثيفة من السحب الممطرة تسقط فوق جبال ظفار مهيئةً بذلك بيئة ملائمة لنمو أشجار اللبان بوفرة ضمن شريط أفقي يمتد عرضه حوالي 40كم وتقع جل مساحته خلف الجبال الواقعة شمال ميناء سمهرم على ارتفاع يتراوح بين (600-750متر) فوق سطح البحر، وتحديدًا بين خطي الطول (53°.00,55°.21)([36])، مما جعلها من أكبر مراكز إنتاج اللبان في جنوب الجزيرة العربية([37]). وقد تبنت الدولة عملية زراعة اللبان وإنتاجه وتصديره، وكان يتم جمع محصول اللبان بواسطة عبيد تابعين للملك([38])، وبعد ذلك ينقل المحصول إلى محطات تجميع ومخازن تقع في أطراف أرض اللبان من جهة الشمال، وأخرى تقع جنوبًا في ميناء سمهرم (خور روري). ومن ثم ينقل محصول اللبان باتجاه العاصمة شبوة عبر طرق برية وأخرى بحرية، كما سنرى لاحقًا.
ارتبطت العاصمة الحضرمية شبوة بمناطق المملكة ومدنها في الجنوب والشرق بشبكة من المسالك التجارية البرية التي كانت تنطلق من أراضي إنتاج اللبان والمر، ومن الموانئ المطلة على سواحل بحر العرب باتجاه مدينة شبوة التي كانت تعد أكبر مركز تجاري في مملكة حضرموت لتجميع وخزن البضائع التجارية بمختلف أصنافها، وفي مقدمتها اللبان الذي ينقل إليها على ظهور الإبل، ومنها يتم تصدير البضائع إلى الأسواق المحلية أو إلى شمال الجزيرة العربية وشرقها عبر طريق اللبان الشهير، بعد أخذ الضرائب المقررة على تلك السلع التي قدرت بالعُشر كيلًا لا وزنًا([39]) لاسيما على مادتي اللبان والمر. لذلك حرص ملوك حضرموت على أن تكون عاصمتهم مجمع وملتقى لأهم طرق القوافل التجارية في المملكة، والتي تلتحم بطريق اللبان الرئيس بدءًا من شبوة، ومن أجل ذلك حرصت الدولة على بناء المخازن الكافية في عاصمة المملكة لحفظ البضائع قبل تجهيزها للتصدير داخليًا وخارجيًا. وفي هذا السياق، كشفت البعثة الفرنسية التي نقبت في أطلال مدينة شبوة سنة 1975م على عدد من الغرف الصغيرة المتجاورة حول مبنى معبد المدينة يعتقد أنها كانت تستخدم كمخازن لحفظ اللبان في المدينة([40]).
وقد تقصى بعض الدارسين عددًا من مسارات طرق التجارة الرئيسة المباشرة وغير المباشرة التي كانت ممتدة بين ظفار ومدن حضرموت وموانئها، وأهمها مدينة شبوة التي كان يتجه إليها طريقان: أحدهما ينطلق من جنوب ظفار ويسير إلى الغرب بمحاذاة الساحل صوب ميناء قنا والموانئ الواقعة على ساحل المهرة وأهمها سيحوت، والطريق الآخر كان يبدأ من شمال ظفار في منطقة حانون الواقعة على بعد(60كم) شمال سمهرم، وهي منطقة عرفت في نقوش المسند مثل النقش (Ja895/4) باسم (سأنن) (سأنن)، وقد بنى فيها الحضارم معبدًا لمعبودهم سين([41])، حيث كشف الآثاريون هناك عن أساسات مخازن تشبه مخازن ميناء سمهرم وهو ما يؤيد أن حانون كانت محطة لتجميع اللبان قبل نقله إلى مدينة شبوة([42])على ظهور الجمال عبر طريق يسير بمحاذاة الحافة الشمالية للمرتفعات الجبلية حتى منطقة حبروت، وهي إحدى أكبر مستوطنات العصر الحجري الحديث في المهرة، وتؤرخ بين (6000-2500 قبل الميلاد)([43]). وتشير الشواهد الأثرية إلى استمرار الاستيطان فيها خلال العصور التاريخية، حيث ورد ذكرها في نقش عبدان الكبير المؤرخ بمنتصف القرن الرابع الميلادي في سياق سرده لقرى المهرة ومدنها التي غزاها اليزنيون (عبدان/22)، وكانت كما يبدو سوقًا ومحطة استراحة للقوافل التجارية بين شرق حضرموت وغربها. ويرجح الباحثون أن الطريق كان يتفرع في حبروت إلى مسارين: أحدهما يتجه جنوب غرب حتى يتصل بالطريق القادم من ظفار نحو سيحوت بمحاذاة الساحل، فيما يتجه الطريق الآخر غربًا نحو وادي حضرموت، مخترقًا القفار عبر منطقتي سناو وثمود([44])، ويستمر بموازاة سلسلة المرتفعات التي تشكل الحد الشمالي الشرقي لهضبة الجول الشمالي. وقرب منطقة السوم، تهبط قوافل الجمال إلى مجرى وادي حضرموت، وتستمر في السير نحو الغرب مرورًا بمدن تريم وشبام حتى حريضة، وهي مستوطنة ومحطة تقع في مخرج وادي عمد، ومنها يمكن للطريق التجاري أن يتفرع إلى اتجاهين: أحدهما يصعد عبر مجرى وادي عمد حتى سطح هضبة الجول الجنوبي، ويلتحم بمسالك الطرق الصاعدة من وادي حجر باتجاه شبوة، أو الهابطة من الجول عبر وادي عماقين إلى ميفعة، ثم إلى قنا([45])، وقد أشارت إليه الرحالة الإنجليزية فريا ستارك عندما زارت حضرموت في عام 1934م، وذكرت أنه حينما تسوء الأحوال الأمنية في أعلى وادي عمد فإن القوافل تتحول إلى الطريق بين بير علي ودوعن عبر الجول([46]).
أما المسار الرئيس للطريق فيواصل تقدمه باتجاه الغرب حتى مدينة شبوه. وتجدر الإشارة إلى أن القوافل التجارية يمكنها الانحراف عن مسار هذا الطريق متجاوزةً شبوة نحو نجران مباشرةً مرورًا بمحطة العبر، وهي موقع استيطان قديم ذكرته نقوش المسند الجنوبية منها(Ja665/15;CIH541/32)، وكانت بمثابة مركز لتحصيل الضرائب ومحطة تجارية تتجمع فيها طرق القوافل الخارجة من شبوة ومن وادي حضرموت باتجاه وادي الجوف ونجران.
ويعتقد بعض الباحثين مثل(Groom.N) أن هذا الطريق لم يكن طريقًا رئيسًا بين ظفار وشبوة؛ نظرًا لطوله ومشقته لاسيما في جزئه الممتد بين ظفار ووادي حضرموت، حيث يمر بمناطق قاحلة وشحيحة المياه مثل صحراء ثمود([47])، وأنه لذلك استخدم على نطاق ضيق في مقابل الطريق البحري الأقصر والأيسر والأقل تكلفة، ويرى أن هذا الطريق لم يستخدم سوى في ظروف محدودة حين تتعطل فيها عملية الإبحار مثل القرصنة، واضطراب الأحوال الجوية، وتوقف حركة النقل البحري، إذ كان تجار اللبان لا ينتظرون تحسن الظروف الملائمة للإبحار بل يلجؤون إلى الطريق البري لنقل تجارتهم على ظهور الجمال إلى شبوة؛ كي لا تفوتهم بداية الموسم التجاري والبيع بأسعار أفضل([48])، إلى جانب رغبة كبار التجار في التهرب من دفع المكوس المرتفعة التي ربما كانت تفرض على بضائعهم في مينائي سمهرم وقنا([49]).
والحقيقة أن ذلك الاعتقاد مبني على تقرير مسح ميداني(قديم) للطريق قام به سبرنجر (Sprenger)، لم يذكر فيه أي دليل يدعم استخدام هذا الطريق كمسلك رئيس للقوافل التجارية، مثل محطات الاستراحة وآبار المياه، ولم يستدل على أثر لأي محطة في شمال ظفار يمكن أن تكون نقطة تجمع للقوافل التجارية قبل انطلاقها إلى شبوة([50]). غير أن هذا الرأي يصبح ضعيفًا في ضوء نتائج بعض الاكتشافات الأثرية الحديثة في حانون الواقعة على الحدود الشمالية لمنطقة زراعة اللبان، والتي كشفت عن أطلال مباني يرجح أنها كانت مخازن، نظرًا للتطابق بينها وبين المخازن المكتشفة في ميناء سمهرم([51])، وهي إشارة إلى أن منطقة حانون كانت مركزًا لتجميع محصول اللبان وتخزينه، أي أنها النقطة التي كان يبدأ منها طريق القوافل التجارية إلى شبوة. وفي ضوء ما تقدم نعتقد أن هذا الطريق لم يكن ثانويًا بل ربما كان الطريق الرئيس الذي ربط شرق حضرموت بغربها لقرون طويلة قبل تأسيس ميناء سمهرم في حدود القرن الثاني قبل الميلاد، لاسيما أن المعطيات الأثرية تدعم فرضية استخدام هذا الطريق لنقل السلع المحلية بين ظفار ومنطقة المرتفعات الغربية اليمنية خلال العصر الحجري الحديث([52])
1.2. الطريق البري بين ظفار و قنا(خريطة رقم1):
يبدو أن جزءًا كبيرًا من محصول اللبان كان يُجنى من منابته في جبال ظفار، ثم يُنقل جنوبًا إلى مخازن في مدينة سمهرم على ساحل خليج القمر([53])، حيث يتم تجهيزه للتصدير بكميات تجارية إلى ميناء قنا عبر طريقين: أحدهما بري على ظهور الجمال، والآخر بحري يُحمل عبره اللبان فوق طوافات من الجلد المنفوخ إلى ميناء قنا([54]) الواقع في كنف جبل حصن الغراب غرب قرية بير علي اليوم، والواقعة بين خط الطول(8‚47) شرقًا ودائرة العرض(59‚13) شمالًا. ويعد ميناء قنا من أهم موانئ جنوب بلاد العرب على سواحلها الجنوبية. ويرى بعض الدارسين أن بداية نشاط الميناء تعود إلى منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد([55])، إلا أنه لا توجد أدلة أثرية حتى الآن تعود بتاريخ الميناء إلى تلك الحقبة([56])، حيث تشير المكتشفات الأثرية الناتجة من تنقيب البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة في قنا إلى مرور الموقع بمرحلتين من الازدهار، الأولى: هي مرحلة سيطرة حضرموت على الميناء التي امتدت من القرن الأول حتى الثالث الميلادي، وانتهت بتدمير الميناء وحرقه في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي على يد الملك السبئي شعر أوتر، وهو حدث أشارت إليه نقوش تلك المرحلة ومنها نقش(Ir13/39). والمرحلة الثانية كانت في عهد السيطرة الحميرية على المنطقة من القرن الرابع إلى نهاية القرن السادس الميلادي ومع نهايتها اختفى نشاط هذا الميناء. وتتميز المرحلة الأولى بغناها مقارنة بالمرحلة الثانية؛ نظرًا لأن أكثر العملات التي عثر عليها المنقبون تعود إلى تلك المرحلة من عمر الميناء([57])، حيث كان ميناء قنا في بداية العصر الميلادي هو الميناء الرئيس لمملكة حضرموت، فكانت تصدر منه وإليه البضائع التجارية من موانئ حوض البحر الأبيض المتوسط، وموانئ جنوب شرق آسيا وسواحل إفريقيا وموانئ الخليج العربي([58]) لعدة قرون، ومنها المر واللبان التي كانت ترد إليه من مختلف مناطق حضرموت مثل ظفار والمهرة ووادي حجر، وكانت تكوم هناك في مخازن مخصصة، عثرت البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة في ثمانينيات القرن الماضي على بعض أساساتها في مربع حفر رقم (6) شمال غرب الموقع، حيث تم الكشف على عدد من الغرف تبلغ مساحة الواحدة منها حوالي (290متر)، وكانت سقوفها مدعمة بأعمدة([59])، وعثر في أرضيات بعضها على قطع وبقايا متناثرة من اللبان([60]). وهناك طريق بري آخر يمتد بين مينائي سمهرم في الشرق وقنا في الغرب، يبدأ من سمهرم أو من السفوح الجنوبية لهضبة ظفار باتجاه الغرب نحو ميناء حضرموت الرئيس في مسار متعرج ترتفع أرضه في المهرة إلى قرابة (250متر) عن مستوى الساحل، فبعد اجتيازها حدود ظفار تقطع القوافل مسافة تقدر بأكثر من (370كم) حتى سيحوت([61]) التي تصب عندها سيول وادي حضرموت (المسيلة)، وكان بها ميناء قديم يُجمع فيه اللبان الذي يتم جنيه من مناطق المهرة والجول الجنوبي، ثم يُصدر جزء منه إلى ميناء قنا الكبير قرب بير علي([62]). ومن سيحوت يتفرع الطريق التجاري إلى مسارين: أحدهما يسير باتجاه الغرب قرب ساحل البحر إلى ميناء قنا([63])، فيما يصعد المسار الثاني للطريق عبر وادي المسيلة إلى وادي حضرموت الواقع على بعد حوالي (165كم) من سيحوت([64])، ويلتحم هناك بالطريق التجاري القادم من ظفار إلى شبوة([65]) مرورًا بالوادي. وطبقًا لطبوغرافيا المنطقة، لا شك أن القوافل المرتادة لهذا الطريق كانت تجتاز عددًا من المسالك الوعرة والأراضي الكلسية والرملية ومجاري الشعاب والأودية التي تصب في البحر.
- .3. طرق التجارة بين قنا ومدينة شبوة:
رغم الدمار الذي لحق بميناء قنا على يد السبئيين في مطلع القرن الثاني الميلادي إلا أنه مارس نشاطه لثلاثة قرون لاحقة على الأقل([66])، فمنه كانت تنطلق قوافل الجمال المحملة بالسلع المختلفة(المحلية والمستوردة) إلى أسواق حضرموت الداخلية، وأكبرها سوق مدينة شبوة الذي يربطه مع قنا طريقان رئيسان: أحدهما غربي عبر ميفعة، والآخر شمالي عبر وادي حجر:
- .3. 1. الطريق الغربي عبر ميفعة (شكل رقم1):
وهو طريق رئيس يربط قنا بمدينة شبوة بطول(257كم)([67])، ويتكون من جزأين تفصلهما مدينة ميفعة(نقب الهجر) بوصفها أكبر سوق ومحطة تجارية تقع على هذا الطريق، وهي حاضرة حضرموت القديمة، وتقع على بعد حوالي(100كم) غرب قنا([68]). وطبقًا لطبوغرافيا المنطقة فإن مسار هذا الطريق يبدأ من قنا نحو الغرب عبر سهل ساحلي فسيح يتصف بسهولة أرضه وملائمته لحركة قوافل الجمال، وتقع على مساره عدد من المحطات التجارية منها سبع محطات رئيسة للمبيت تبعد كل واحدة عن الأخرى مسافة مرحلة(نهار يوم كامل) تقريبًا، ربما كانت تمثل أسواقًا تجارية صغيرة فيما مضى، إلى جانب عدد مماثل تقريبًا من المحطات الصغيرة أو الثانوية التي تتوقف فيها القوافل وقت الظهيرة للراحة وللتزود بالماء والعلف، وقد تموضعت بانتظام في منتصف المسافات الفاصلة بين المحطات الرئيسة. بمعنى آخر، أن جميع محطات الطريق توزعت على مسافات متساوية تتناسب مع أوقات الراحة المفترضة للقوافل بحيث تفصل بين كل محطة وأخرى مسافة (نصف مرحلة) أي ما يعادل نصف نهار، أي أن جمال القوافل كانت تستريح كل 6ساعات من النهار في إحدى المحطات الثانوية الواقعة على الطريق في حال انطلاقها عند الصباح أو بعد الظهيرة. ويبدو أن هذا النظام كان متبعًا في الطرق التجارية التي كانت تمر بمناطق مأهولة كهذا الطريق. أما الطرق التجارية المارة بمناطق مقفرة فكان عدد محطات الاستراحة (الصغيرة) فيها أقل، وتقع الرئيسة منها على مسافات متباعدة. وفي هذا السياق، تقصى (دي ميغرية) المسافة بين محطتين تقعان على طريق البخور شمال نجران ووجدها تقدر بحوالي (41كم) وهي مسافة تتفق مع المسافة التي يقطعها الجمل العربي في نهار اليوم الواحد([69]). وفيما يتعلق بهذا الطريق، فإن أولى المحطات التجارية الواقعة على مساره بعد قنا هي جِلْعِه، وهي قرية ما تزال عامرة إلى اليوم، تقع قرب الساحل إلى الغرب من بير علي، وتصلها القوافل في منتصف النهار بعد انطلاقها من قنا في الصباح، تليها محطة الجُوَيْرِي التي تبلغها القوافل مع حلول مساء اليوم الأول للرحلة، حيث تبيت فيها ثم تنطلق منها في صباح اليوم الثاني إلى عين بامَعْبَد، فتصلها عند الظهر وتستريح بعض الوقت قبل أن تتحرك غربًا حتى السَهَيم حيث تبيت فيها القوافل، وفي صباح اليوم الثالث تسير حتى تصل محطة الحَوِيل (حويل بلعرب) ظهرًا، وبعد استراحة قصيرة تواصل مسيرها إلى محطة لَمْصُون للمبيت قبل أن تتابع طريقها صوب مدينة مَيْفَعَة، فتصلها عند منتصف اليوم الرابع من الرحلة([70]). وفي ميفعة يمكن لقوافل الجمال أن تستريح بقية النهار، وتبيت في المدينة بوصفها محطة وسوق تجاري كبير، قبل أن تستأنف رحلتها في صباح اليوم التالي، وفي حال أراد تجار القوافل مواصلة السير بعد ظهر اليوم نفسه من ميفعة إلى شبوة فإن عليهم سلوك طريق صاعد عبر مجرى وادي عمقين([71]) حتى أعلى هضبة (السوط)([72]) أو الجول الجنوبي لحضرموت المذكور في بعض نصوص المسند مثل (RES3945/1). وأولى القرى أو المحطات الواقعة على مسار الطريق هي مدينة الحوطة التي تبيت فيها القوافل بعد مسيرة نصف نهار من ميفعة، وفي صباح اليوم الخامس تنطلق القوافل إلى الروضة فتصلها عند الظهر، وبعد برهة قصيرة تواصل السير فتبيت في قرية سر([73]). ومع بداية اليوم التالي تتابع جمال القوافل طريقها عبر وادي عمقين فتصل محطة ريمة في منتصف النهار، ومنها يصعد الطريق عقبة رهوان إلى قرية الظاهرة([74]) مع نهاية نهار اليوم السادس، وهي قرية كما يشير اسمها تقع في الجول أعلى وادي عمقين، وبعدها تقطع القوافل هضبة الجول ثم تهبط إلى مجرى وادي جردان المنحدر باتجاه الشمال الغربي عبر عقبة العلهانة التي تربط عمقين بوادي جردان([75])، ويسير الطريق بأرض الوادي إلى هجر البريرة عند مخرج جردان، وهي محطة لتحصيل الضرائب([76]) عُثر فيها على بعض العملات النقدية وبقايا منشآت معمارية وخزانات مياه وقنوات ري وأطلال سور تقع عليه بوابة في اتجاه الشمال.
شكل رقم1طرق القوافل بين قنأ وشبوةبتصرف، عن حبتور(1997) |
ومن البريرة تتجه القوافل بعد ظهر اليوم السابع نحو شبوة مرورًا بمحطة البناء الواقعة على بعد بضعة كيلومترات شمال غرب البريرة، وهو موقع كان يحيطه سور دائري محاط بالحقول الزراعية([77])، وهي آخر استراحة لمبيت القوافل قبل تحركهما في اليوم التالي، ومرورها بدربس وعياذ الواقعتين على الطريق إلى مدينة شبوة التي تدخلها قوافل الجمال عبر بوابتها الجنوبية في نهاية اليوم الثامن للرحلة من قنا.
After: FOUILLES_DE_SHABWA_II |
وتكمن أهمية هذا الطريق بسهولة مسالكه مقارنة بغيره من الطرق، إذ لا يوجد به الكثير من العقبات أو الممرات الجبلية سواء عقبتي رهوان والعلهانة([78])، كما يعد أقصر الطرق الرابطة بين قنا وشبوة في ذلك الوقت؛ لأنه يمر عبر مجرى واديي عمقين وجردان اللذين يقطعان هضبة الجول الجنوبي الفاصلة بين ميفعة في الجنوب وشبوة في الشمال([79])، ويتميز الواديان بسكناهما وخصوبة أراضيهما، لذلك كان طريق القوافل المار عبرهما يمر بالعديد من محطات الراحة والمبيت التي كانت توفر إمدادات الغذاء والحماية للقوافل التجارية([80]). لا شك أن هذا الطريق يعد أقدم الطرق الرئيسة التي كانت تربط مناطق جنوب غرب حضرموت بالعاصمة شبوة الواقعة عند المدخل الغربي لوادي حضرموت، التي أصبحت تمثل المركز الإداري والسياسي للدولة بسبب تموضعها في منطقة تشرف على مسالك الطرق التجارية المتصلة بطريق البخور الرئيس، وتحكمها في تحصيل الضرائب على مرور البضائع. ومن ثم فإن هذا طريق يسبق زمنيًا الطريق الشمالي المار بوادي حجر والذي نرجح أن ظهوره ارتبط بتأسيس مينا قنا وازدهاره بين القرن الأول والثالث الميلاديين.
- .3. 2. طريق ميفعة- الحاضنة-شبوة (شكل رقم1)
يتخذ مسار الطريق الغربي نفسه حتى مدينة ميفعة ثم يتفرع شمال المدينة عند نقطة التقاء واديي عمقين وحبان فتسلك القوافل وادي حبان غربًا، وتمر بعدد من القرى أهمها: لماطر، والنقوع، وقطاو، والنبوة، ولهية([81])، وصولًا إلى مدينة حبان الواقعة على بعد(65كم) من ميفعة([82])، وتعد من أكبر المحطات والأسواق التجارية الواقعة في منطقة الحدود الفاصلة بين مملكتي حضرموت في الشرق وقتبان في الغرب.ومن حبانتصعد القوافل نحو الشمال عبر هضبة الضلعةحتى حاضنة خليفة، بعد أن تقطع قرابة(60كم) مرورًا بالعطف وخمر إلى منطقة الجابية، وبعدها يمر الطريق بعدد من المحطات أهمها: نوخان، ونعضة، والمصينعة، وهي مستوطنات قديمة تضم العديد من المخربشات والرسوم الصخرية لحيوانات كالجمال والخيول والكلاب([83])، وجميعها تقع على الطريق التجاري المتجه إلى شبوة عبر محطتي البناء وعياذ أسفل وادي جردان.
- 3. 3. الطريق الشمالي عبر وادي حجر(شكل رقم1)
يقدر طول هذا الطريق بنحو(273كم)([84])، يبدأ من ميناء قنا باتجاه الشمال مرورًا بوادي هرشان ثم منطقة النوبة فجول باحاوه، حتى ممر أو جدار البناء أو المبنى([85])، وهي منشأة تقع في الجبال شمال ميناء قنا على بعد(30كم) تقريبًا عند الإحداثيات(([86])(N 14.28588 E 48.33187 E lev.409. وعُرفت في نقوش المسند بعقبة(قلت)، وتتكون من جدار رئيس يمتد من الشرق إلى الغرب، بُني على منحدر جبلي يشرف مباشرة على وادي العوارض المؤدي إلى وادي حجر بطول يبلغ حوالي (154متر) وارتفاع (4متر)، ويتدرج سمك الجدار من (1.18متر) في طرفه الغربي حتى (1.55متر) ناحية الشرق، وتتوسطه بوابة ضخمة يبلغ متوسط عرضها (2.5متر)، كانت القوافل الجمال تمر عبرها إلى وادي حجر (صورة رقم1، 2)([87]). كما يوجد أربعة جدران أخرى بُنيت جنوب شرق المنشأة الرئيسة على المنحدر الشرقي للوادي(الممر) وعلى مسافات متباعدة ممتدة من الشمال إلى الجنوب، وفي مواضع تمنع رواد الطريق من التسلل بعيدًا عن البوابة الرئيسة الآنفة الذكر. ويعود تاريخ جدار البناء إلى عهد مكرب حضرموت يشهر إل يهرعش ابن أب يسع في حدود القرن الأول الميلادي، وطبقًا لما ذكره النقش(RES2687) المسجل على كتلة حجرية في جدار البوابة الرئيسة، فقد أمر المكرب الحضرمي آنف الذكر أحد أتباعه ويدعى شكمم سلحن بن رضوان للإشراف على بناء عقبة )طريق جبلية صاعدة) سماها(قلت) ووجهه أن يبني هناك جدارًا وبوابة، وبناء طريق جبلية أخرى(عقب (في وادي حجر وتحصينها من جهة البحر بحجارة من أسفلها إلى أعلاها. ويذكر النقش أن أتباع الملك وصلوا إلى ميفعة وتوقفوا في أرض قبيلة الضيفة)ضيفتن) وبنوا وحصنوا عقابها وبنوا جدارًا وبوابة وبرجين دفاعيين، وقد سجل صاحب النقش أن تلك التحصينات التي بنوها في قلت كانت بهدف التصدي لغارات حميرية على حدود حضرموت.
النقش RES 2687 :
- ش ك م م/ س ل ح ن /ب ن / ر ض و ن/ ق ت د م ] / [(م( ر أ (س/ ي ش ( [ه[ (ر أ ل/ ي) ]ه](ر)[ع][ (ش)/ ب ن/ أ ب ي س ع/ م ك ر ب/ ح ض ر )م (ت/م ت/ أ م ر س/م ر أ س و و .
2– ه ي س ]ع [ أ ل/ ع ل ه ن/ ب ن/ ب ن أ ل/ و د و س م /م س( ب ض/ب
ن/ظ ( ر ب/ ه ب )ن ( أ/ ع ق ب ت ه ن/ ق ل ت/ و ع ق ب/ ح ج ر/ ع ل ه ت ه ن /ب ن/ب ح ر ه ن/ ق د م م/ ع ل ه ي/ ج ر
3 – ب ت/ و )ن ه (م ت/ و ج م س م ه ي/ ج ن أ/ ق ل ت/ و ع ق ب )ه ( ن/ )م) ت/ح ذ ر و/ ح م ي ر م/ و ت ب ع/ه ي س ع أ ل/ و د و س م/ و ع م س م ن/ب ن/ أ ب ه ت ي/ح ض ر م ت/ و م ت س ك/ ب
-4 م ي ف ع (ت)/ و(ض) [ي ف ت] (ه) ن/ ق ر ن ه م/و ب ن ي/ و ي ع ر/ع ق ب/ض ي ف ت ه ن/و ب ن ي/ج ن أ ه ن/و م ح ف د ي ه ن/ي ذ أ ن/و ي ذ ت أ ن/و خ ل ف ه ن/ي ك ن/ب م ع ر ب/و س3 د م/و ض و ي م/
5- […..]/ و أ ب ر ي/ ب ن م و/ ر ب ب م/ أ د/ش ق ر م/ ب ن م و/ ل ب ن/ش م س/ذ ه ي/ي ش [ر] ح (إ) ل/ذ ع ذ ذ م/س3 ن ي ه ن/ش ل (س3) ت/أ و ر خ م/ب ع ش ر ي/و م أ ت/أ س د م/ج س م ه (م).
معنى النص:
- شكيم سلحان بن رضوان تقدم سيده يشهر إل يهرع شبا أب يسع مكرب حضرموت، وذلك عندما أمره أسياده.
- هيسع إل علهان بن بن إل ودوس مسربض بن ظرب لبناء عقبة قلت وعقبة وادي حجر المواجهتان لناحية البحر من أعلى الواجهة.
- وسمت الدار وسور قلت والعقبة، وذلك حذرًا من قبيلة حمير، ووجه هيسع إل ودوسم برفقة شيوخ حضرموت وتوقفوا.
- في ميفعة وموطن قبيلة الضيفة وبنوا عقبة الضيفة وبنوا السور والبرجين يّذأن ويّذتأن وبوابة يكن وكسوها بالحجارة في الدخل والمأوى.
- ودعموها من الأساس إلى أعلى القمة بعون شمس، وذلك لسنتين من زمن يشرح إل ذو عذاذ وخلال ثلاثة أشهر وبواسطة مأة وعشرون رجل.
وطبقًا لما سجله النقش(RES2687)، فإن منشأة البناء تمثل تحصينات دفاعية كان هدفها الرئيس صد أي هجمات محتملة من حِمْيَر(الحميريون) على حدود مملكة حضرموت عبر وادي حجر، ولكننا لا نعلم على وجه اليقين أهي حِمْيَر الدولة المعروفة، أم أن المقصود بها قبيلة حِمْيَر (الصغرى) التي ما تزال تعرف بهذا الاسم إلى اليوم في بلاد الواحدي في محافظة شبوة، والتي يرى البعض أنها مارست التقطع والسطو على القوافل التجارية في أطراف مملكة حضرموت الغربية؟، الأمر الذي دفع ملوك حضرموت إلى إقامة هذه المنشأة الدفاعية وغيرها لصد هجمات السطو على القوافل التي تمر بوادي حجر([88]). إلى جانب ما ذكره النقش أعلاه، توحي طبيعة منشأة عقبة(قلت) أنها كانت تمثل صمام أمان لمنطقة حضرموت الداخل([89])، وهذا يعني أنها كانت الموضع الطبيعي الوحيد في هذه المنطقة الذي يمكن أن تنفذ عبره الطريق المؤدية إلى مرتفعات الجول ووادي حضرموت، لذلك فقد استغلت كمحطة لتحصيل الضرائب من تجار القوافل الذين أجبرتهم الدولة كما يبدو على سلوك هذا الطريق الجبلي(العقبة) باتجاه العاصمة شبوة أو نحو وادي حضرموت عبر وادي عمد، وتفاديًا لقطَّاع الطرق المتربصين على طريق(قنا- ميفعة – شبوة).
وقد تتبَّع هارولد إنجرامز(Ingrams.H) سنة 1939م مسار هذا الطريق وذكر أنه بعد اجتياز بوابة البناء(قلت) تهبط القوافل في اليوم الثاني إلى مجرى(نهر) وادي حجر عبر ممر وعر يسمى نوعب، فتسلك مجرى الوادي حتى قرية الصدارة الواقعة على بعد يومين من السير على الأقدام، وهي مسافة تقدر بـ 80كم تقريبًا. وأشار إنجرامز إلى وجود عدد من الخرائب والحصون، ومقالد المياه(أحواض) المحفورة في الأرض، فضلًا عن عدد من نقوش المسند على الصخور المنتشرة على جانبي الطريق، إضافة إلى وجود العديد من أكوام الحجارة التي تسمى محليًا بالعروم، وهي نوع من القبور المنتمية إلى ثقافة عصور ما قبل التاريخ([90])، والتي ربما استخدمت فيما بعد كلامات أرضية لتحديد مسار الطريق الرئيس للقوافل التجارية. ومن الصدارة يصعد مسار الطريق من أرض الوادي، ويجتاز ممر أو عقبة البيضاء([91]) بعد ظهيرة اليوم الرابع، ومنها تتجه القوافل إلى أعلى هضبة الجول الممتدة بين منطقة حجر في الشرق وأعالي وادي جردان في الغرب([92]). وفي صباح اليوم الخامس من الرحلة تواصل القوافل سيرها نحو الشمال الغربي على طول منبسط الجول في يسر وسهولة على مدى ثلاثة أيام تمر خلالها بمناطق مأهولة أهمها المشيجرة والشعبة في أرض قبيلة بلعبيد، وبينهما تنتشر على جانبي الطريق كثير من العروم وكتابات المسند ورسوم الوعول. ويجتاز الطريق بعض المسالك الضيقة مثل ممر المعابر، وعددًا من الممرات الجبلية أهمها عقبة المجورة أو (Majarrah)، وهو ممر جبلي تم رصف أرضيته وجوانبه بالحجارة على امتداد عدة كيلومترات تسهيلًا لحركة الجمال وربما العربات([93])، وعلى بُعد بضعة كيلومترات يتصل الطريق بممر جبلي ثان يسمى عقبة فتورة(العقيبات)، وهو طريق يربط مرتفعات الجول بوادي عرما المؤدي إلى مدينة شبوة([94])، وقد تم تمهيده وبناؤه على منحدر وعْرٍ بعرض يبلغ حوالي(5متر)، ورُصفت أرضيته ودُعمت بعض جوانبه بحجارة ضخمة([95]). ويعتقد البعض أن بناء فتورة وغيرها من العقاب على هذا الطريق ينسب إلى الملك الحضرمي(سمهرم علهان)، الذي شهد عهده ازدهارًا تجاريًّا في المملكة خلال القرن الرابع قبل الميلاد، والذي ترك نقشين بالمسند على إحدى صخور عقبة فتورة([96]). كما عثر إنجرامز هناك على نقش بالمسند محفور على واجهة إحدى الصخور يعرف بـ(Ingrams 1)([97]). وعبر عقبة فتور، تنزل القوافل التجارية متخذةً من أرض وادي عرما طريقًا لها نحو مدينة شبوة مرورًا بعدد القرى الواقعة على جانبي الوادي أهمها قرية المافود التي تصلها القوافل في نهاية اليوم الثامن تقريبًا. وبالقرب من شبوة يلتف مجرى عرما نحو الجنوب الغربي، عندها يصعد طريق القوافل من أرض الوادي باتجاه الشمال ليختصر المسافة نحو شبوة من خلال اجتياز طريق جبلي أخير يسمى العُقيْبة([98])، وهو ممر عريض مرصوف بالحجارة يقع على بعد عدة كيلومترات شرق مدينة بشبوة([99]) التي تصلها القوافل في منتصف اليوم التاسع تقريبًا من بداية الرحلة بين قنا وشبوة.
يعدُّ هذا الطريق أنموذجًا لهندسة طرق التجارة البرية؛ نظرًا لقيام الدولة بشق ممراته الجبلية الوعرة ورصفها وتدعيم جوانبها بالحجارة لعدة أميال، إضافة إلى تزويد مسار الطريق بعدد من المنشآت الخدمية، مثل أحواض المياه المنحوتة في الصخر أو المبنية على جوانب الطريق التي ما تزال أطلالها باقية إلى جانب عدد من النقوش والمخربشات على الصخور في أماكن متفرقة على طول هذا الطريق([100])، والتي تدل على حيويته وكثرة استخدامه على الرغم من وعورة مسالكه مقارنة بالطريق الآخر المار عبر ميفعة([101]). ويعزا هذا الاهتمام بحسب رأي بعض الباحثين لعدد من الأسباب: منها حرص الدولة على التحكم في حركة التجارة وتوجيهها إلى العاصمة شبوة؛ كي تتمكن الدولة من فرض الضرائب على كميات اللبان والمر وغيرهما من البضائع، وكان الطريق عبر وادي حجر أأمن الطرق الواصلة إلى شبوة. لذلك سنّ ملوك حضرموت عقوبات صارمة تصل إلى حدّ الإعدام لمن ينحرف من التجار عن المرور بهذا الطريق([102]). وعلى النقيض من ذلك، كان الطريق عبر ميفعة أقل أمانًا؛ لأنه يمر بسهول فسيحة ومفتوحة يسهل من خلالها على تجار القوافل الهرب ببضائعهم باتجاه الغرب عبر الطرق الذي يربط ميفعة بوادي حبان ومنها إلى تمنع القتبانية عبر وادي يشبم([103]). ومن الأسباب الأخرى لازدهار الطريق الشمالي هو أن وادي حجر والمنطقة المحيطة به تُعد من الأراضي المنتجة للمر واللبان منذ القدم وحتى الوقت الحاضر، ويرجح أن إنتاجها من اللبان في غابر الأزمان كان يجمع وينقل إلى شبوة مباشرة أو إلى ميناء قنا ليصدر إلى الخارج. وفي هذا السياق، ذكر كتاب(Natural History) منطقة سماها(Sariba) وذكر أنها تبعد عن شبوة مسيرة ثمانية أيام([104]). وبناء على تلك المعطيات يرجح أن(Sariba) هي المنطقة الواقعة شمال مينا قنا وتضم أراضي وادي حجر وما جاورها بدليل أن المسافة الحقيقية من منطقة وادي حجر إلى مدينة شبوة تقدر بثمانية أيام سيرًا على الأقدام([105]).
2. 4. الطريق بين قنا و دوعن(خريطة رقم1)
وهو طريق يمتد بين قنا ودوعن([106]) ليربط الميناء الرئيس لحضرموت بعمق الأرض الحضرمية (وادي حضرموت). يبدأ من ميناء قنا باتجاه منشأة البناء ثم وادي حجر الذي تخرج منه القوافل باتجاه هضبة الجول عبر وادي محجون، وتجتاز قرى وربة ولبنة بارشيد حتى محطة الخريبة([107])، وهي قرية كبيرة تقع على حافة الجول المطلة على وادي دوعن، ثم يهبط الطريق ويسير على طول مجرى الوادي وجوانبه إلى محطة ريبون في مخرج دوعن. وقد قام بعض أعضاء البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة للتنقيب عن الآثار في سنة1987م بتتبع هذا الطريق ووصفوا مساره والقرى التي يمر بها، وقاموا بتسجيل المسافات ورصدوا بقايا بعض الجدران والأسوار على جوانب الطريق، وذكروا بعض البقايا الإنشائية المنتشرة على طول الطريق مثل الممرات الجبلية وأحواض المياه المحفورة في الأرض وبعض محطات الاستراحة لخدمة القوافل. كما تم العثور على بعض كتابات المسند التي تؤرخ بناء على شكل الخط بالمدة من القرن الرابع إلى السادس الميلادي، إلى جانب نص يوناني عثر عليه في وادي خراش، ويعود إلى القرن الخامس أو السادس الميلادي، وفي ذلك إشارة إلى استخدام هذا الطريق إلى عصور متأخرة([108]).
- .5. الطرق الخارجة من حضرموت
هناك عدد من طرق القوافل البرية التي كانت تنقل عبرها تجارة حضرموت إلى أسواق مدن الممالك الواقعة إلى غرب شبوة لاسيما قتبان، التي تربطها بحضرموت حدود متداخلة تبدأ في الجنوب الغربي قرب حبان، وتمتد نحو الشمال الغربي حتى حدود أودية المشرق مثل عبدان وضراء التي خضعت لمملكة حضرموت. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الحدود كانت تتمدد وتنكمش من حين لآخر تبعًا للمتغيرات السياسية بين الدولتين.
- .5. 1. الطريق بين قنا و تمنع (شكل رقم1)
ارتبط ميناء قنا بطريق مباشر بمدينة تمنع القتبانية ويعد من أكثر الطرق استقامة في مساره بين قنا وتمنع([109])، حيث يتخذ مسار الطريق الخارج من ميفعة حتى حبان ومنها يصعد الطريق عبر وادي يشبم المتصل بوادي حبان. وتقطع القوافل مسافة تقارب(22كم) من حبان وتمر بعدد من القرى أهمها الشعبة ويشبم حتى الصعيد حاضرة وادي يشبم([110])، ومنها يتابع الطريق مساره ويخرج من يشبم باتجاه قرية أو محطة الجابية، ومنها ينعطف غربًا نحو نصاب كبرى مدن المشرق، ومنها تتقدم القوافل إلى أسفل وادي مرخة، ثم تكمل مسارها صعودًا نحو الجنوب الغربي على طول مجرى الوادي، بعدها يقطع الطريق عدد من الممرات الجبلية إلى أعلى وادي بيحان، ثم ينحرف جنوبًا صوب العاصمة القتبانية تمنع.
ويبدو أن وادي يشبم كان يشكل شريان رئيس لمرور القوافل التجارية منذ القدم، حيث يذكر النقش القتباني (MuB659/4-5) الذي يؤرخ له بالقرن الثاني قبل الميلاد([111]) عبارة(خ ل ف ن/ ي ش ب م) وتعنى (بوابة يشبم)إضافة إلى عبارة (أربعن/ كسوتن/ذتي/شأمن/ ويمن)(سطر7-9) التي يرى بافقيه أنها تعني “أربع كسوات لجانبي البوابة“([112])، بينما يرى الباحث البعسي أن تلك العبارة تشير إلى أربعة أبراج تقع عن يمين ويسار وادي يشبم، والتي مازالت آثارها موجودة إلى اليوم على جانبي الوادي، وتظهر البقايا الماثلة للعيان اليوم آثار غرف صغيرة إلى جانب بقايا منشآت مائية كانت ملحقة بتلك الأبراج.([113]).
- .5. 2. الطريق بين شبوة و تمنع (خريطة رقم2)
هناك عدد من طرق القوافل التجارية الرئيسة والبديلة التي كانت تربط مدينة شبوة بمدن الممالك المجاورة لحضرموت من جهة الغرب (قتبان وسبأ ومعين). ففيما يتعلق بالطريق إلى تمنع يذكر بليني في سياق حديثه عن اللبان الحضرمي أنه “لا يمكن تصديره إلا عبر بلاد القتبانيين، حيث تفرض هناك ضريبة تدفع للملك”([114]). ويفترض بعض الباحثين مثل(Groom.N) وجود طرق ثانوية أو بديلة كانت تربط -إلى جانب الطرق الرئيسة- بين شبوة وكل من تمنع ووادي الجوف ونجران، منها طريقان يصلان بين شبوة وتمنع، أحدهما مباشر يمتد لمسافة(145كم) تقريبًا تقطعها القوافل خلال(5-6 أيام)([115])، وعلى الرغم من قصر مسافته مقارنة بغيره من المسالك، إلا أن هذا الطريق يتصف بالمشقة؛ لأن القسم الأكبر منه يخترق الأطراف الجنوبية لرملة السبعتين، فهو يخرج من تمنع نحو الشرق عبر السهل الفيضي لوادي بيحان الذي تجتازه القوافل في يسر وسهولة لمسافة 48كم تقريبًا حتى مناجم عياد للملح. ومن هذه النقطة تحديدًا، يبدأ الجزء الشاق من الطريق، وتكمن مشقته في السير على مدى ثلاثة أيام خلال سهل واسع من الحصى بين البريرة ومصب وادي بيحان يخلو من مصادر المياه([116]). وجدير بالإشارة إلى أن هذا الطريق ما يزال يستخدم من البعض للوصول إلى بيحان([117]).
ويرى (Groom.N) أن مسار هذا الطريق يعد من الطرق البديلة المؤدية إلى بيحان، ويفترض وجود طريق تجاري رئيس آخر بين شبوة وتمنع تقطعه القوافل خلال( 8-9 أيام)([118])، ورغم طول مساره إلا أنه آمن وسهل المسلك؛ لأنه يمر بمحطات كثيرة للراحة والتزود بالماء والغذاء بسبب ابتعاده عن الصحراء نحو الجنوب بمحاذاة مصاب الأودية المنسابة صوب الصحراء. حيث يبدأ من مدينة شبوة باتجاه الجنوب مرورًا بالبريرة، ومنها يتخذ الطريق مساره على أرض منبسطة وحصوية نحو الجنوب الغربي في خط مستقيم حتى القاع الفيضي لوادي مرخة، ومنه يمكن للطريق أن يتخذ مسارين: أحدهما يصعد الوادي متجاوزًا مدينة نصاب، ويستمر حتى أعلى وادي مرخة، ثم يجتاز بعض الممرات الجبلية المؤدية إلى داخل وادي بيحان، فينعطف جنوبًا باتجاه مدينة تمنع، فيما يسلك المسار الآخر من الطريق وادي همام باتجاه جنوب غرب، حتى ينتهي في مدينة نصاب ومنها تتجه القوافل غربًا إلى وادي مرخة([119]).
3 .5 .3. الطريق بين شبوة و قرناو (خريطة رقم2)
كان هناك طريق مباشر يربط مدينة شبوة بوادي الجوف، يتجه من شبوة نحو الغرب، ويخترق صحراء رملة السبعتين متحاشيًا المرور بكل من تمنع ومأرب، حتى يصل إلى قرناو في وادي الجوف([120]). وفي منتصف الطريق تقع محطة الرويك وهي موقع استيطان يضم عددًا من الأطلال العائدة إلى ما قبل الإسلام. ومن الرويك يمكن للقوافل أن تغير مسارها الرئيس، وتنعطف قليلًا نحو اليسار(جنوب غرب) صوب مدينة مأرب مباشرة، وربما كان يمر في المناطق التي يمر بها الطريق في الوقت الحاضر بين مارب وحضرموت. وقد استمر استخدام الطريق بين شبوة والجوف من قبل القوافل التجارية حتى بداية خمسينيات القرن العشرين([121])، إذ قطع الرحالة فلبي مسار هذا الطريق بالسيارة في ثلاثينيات القرن الماضي، ووصف مشقة وصعوبة السفر عبره، حيث تنعدم فيه مصادر المياه إلى مسافة(241كم) تقريبًا قبل الوصول إلى اقرب آبار وادي الجوف، لذلك يرى البعض أنه يعد من الطرق الثانوية لاسيما أن مساره يخلو من وجود أي آثار تدل على استخدامه من قبل تجار القوافل، ولكنه ربما كان يستخدم في أثناء الحروب التي تتسبب في تعطيل الحركة عبر الطرق الرئيسة([122]).
5. 4. الطريق بين شبوة و نجران (خريطة رقم2)
يعدّ هذا الطريق مسارًا مختصرًا لنقل اللبان والسلع التجارية الأخرى من قنا إلى نجران في خط مباشر يمر بشبوة ويتحاشى المرور بعواصم ممالك الجنوب الأخرى الواقعة على طريق اللبان الرئيس، ويبدأ من العاصمة شبوة باتجاه الشمال حتى محطة العبر التي كانت ومازالت ملتقى لعدد من الطرق الداخلة والخارجة من حضرموت، منها طريق كان يخرج من وادي حضرموت بدءًا من منطقة العروض، ثم عين على حدود حضرموت الغربية مرورًا بعدد من محطات الراحة وآبار المياه مثل حضابر وخليفة. ومن محطة العبر يتجه الطريق في خط مستقيم نحو الغرب، ويمتد مساره على أرض صخرية عبر وادي القبيح، وفي منتصفه تقع المشينقة، وهي محطة استراحة للقوافل وسط الصحراء عثر فيها جون فلبي سنة 1936م على بئر جافة حفرت في الصخر، إلى جانب كتابة حميرية ربما تدل على استخدام الحميريين لهذا الطريق([123]). ومن المشينقة تواصل قوافل الجمال المحملة بالسلع التجارية سيرها غربًا، ثم تلتف مع الطريق التجاري ناحية اليمين في حركة دوران حول الحدود الجنوبية الغربية لصحراء الربع الخالي باتجاه شمال غرب، حتى يتصل بطريق اللبان الدولي الخارج من وادي الجوف صوب نجران([124]). ويَعدُّه بعض الدارسين من مسالك طرق التجارة القديمة المهمة بدليل العثور على بضعة آبار للمياه وعدد من المخربشات على الصخور المتناثرة على جانبي الطريق في وادي العقبان([125]).
يستنتج مما تقدم أن بعض الطرق التجارية الخارجة من شبوة نحو شمال الجزيرة العربية كانت تتجاوز مدن تمنع ومأرب وقرناو، أي أنها لم تلتزم بخط التجارة الدولي(طريق اللبان) الذي كان يمر بعواصم ممالك الجنوب كمحطات تجارية مهمة. ما يعني أن غالبية تلك الطرق كانت بديلة، ويلجأ إليها تجار القوافل في حالات يتعذر معها سلوك طريق اللبان الرئيس. وعلى الرغم من أن تلك الطرق تختصر مسافات الرحلة لاسيما بين شبوة ونجران، إلا أنها تتصف بمشقة السفر عبرها نظرًا لاجتيازها مناطق صحراوية شحيحة المياه، تغطيها الكثبان الرملية المتحركة التي يصل ارتفاع بعضها إلى(91متر)([126]). وهنا يبرز السؤال: ماهي الأسباب التي أدت إلى نشوء طرق القوافل البديلة ؟.
وللإجابة عن هذا السؤال، فإننا نفترض وجود دوافع أمنية وأخرى اقتصادية وربما كلاهما معًا، أدت إلى ظهور طرق بديلة للتجارة كان يسلكها تجار القوافل رغم صعوبة ممراتها وأراضيها الواقعة في صحاري جنوب الجزيرة العربية. وتتمثل الدوافع الأمنية في الحروب التي كانت تنشب بين ممالك اليمن القديم في أزمنة متفرقة بسبب التوسع والتنافس على النفوذ والسيطرة، لاسيما تلك الممالك التي تقع طرق التجارة الرئيسة في أراضيها كحضرموت وقتبان، والتي تسببت في اضطراب نظام الحماية الذي كانت توفره الدولة لطرق التجارة، وينتج عن ذلك التقطع والسطو على القوافل التجارية من قبل قطاع الطرق والقبائل التي تفقدها الحرب بعض امتيازاتها الاقتصادية. وبطبيعة الحال، ففي حالات الحرب تحاول أطراف الصراع تضييق الخناق على بعضها، ويسعى كل طرف إلى حرمان خصمه من موارده المالية مثل ضرائب المرور التي كانت من أهم موارد الدول القديمة، وذلك من خلال حرف مسالك التجارة الرئيسة المؤدية إليه، وتشجيع القوافل وتوجيهها لسلوك طرق بديلة تتفادى المرور بمدن العدو وحرمانه من موارده الضريبية. فضلًا عن ذلك، كان الضعف الاقتصادي الناتج عن الحروب يؤدي إلى ركود حركة التجارة وتدنيها، وضعف في الأداء الأمني، وارتخاء سيطرة الدولة على إدارة طرق التجارة الدولية، فيمتنع التجار عن الالتزام باستخدام مسالك التجارة التقليدية المارة بعواصم الدول الضعيفة ومدنها، واللجوء إلى سلوك طرق بديلة تهربًا من دفع الضرائب.
وبناءً على معلوماتنا التاريخية عن أحوال جنوب الجزيرة العربية، نستطيع رصد العديد من مراحل الاضطراب السياسي والاقتصادي التي مرت بها ممالك جنوب الجزيرة، حيث شهدت المنطقة حروبًا طويلة اشتد أوارها بين الأطراف المتصارعة خلال القرن الثاني والثالث للميلاد. حيث نشبت حروب وتحالفات مركبة بين كل من سبأ وحمير وقتبان وحضرموت. ويمكننا أن نفترض أن زمن نشوء الطرق المباشرة والبديلة بين شبوة وكل من وادي الجوف ونجران، إنما يرجع إلى مراحل اضطراب أوضاع دولة قتبان التي اضمحلت في حدود سنة175م([127]) بسبب صراعها مع سبأ التي اقتطعت أجزاءً واسعة من أراضيها منذ القرن الأول الميلادي([128])، بل وتحالفت ضدها مع حضرموت؛ مما أدى إلى ضعف تحكم قتبان بحركة التجارة وفقدان سيطرتها على طرق القوافل المارة بأراضيها لصالح جارتها حضرموت التي سنحت لها الفرصة لتغيير مسارات الطرق الرئيسة وإنشاء طرق بديلة بعيدًا عن أراضي قتبان، لاسيما بعد تدهور الأخيرة ووقوع أراضيها تحت السيطرة الحضرمية في النصف الثاني من القرن الثاني([129]). كما استغلت حضرموت كما يبدو انشغال السبئيين بحروبهم الطويلة مع حمير، وتجاوزت بتجارتها أرض السبئيين عبر سلوك طريق يؤدي مباشرة إلى وادي الجوف. وخلال تلك المدة عقد اتفاق حضرمي معيني لتسيير تجارة جنوب الجزيرة العربية نحو شمالها([130]). وفي هذا السياق كتب المؤرخ(Pliny) يقول: “إلى جانب الحضارمة هناك المعينيون الذين ينقلون عبر أراضيهم اللبان…”([131]). وللتقليل من ضرر ذلك التحالف على اقتصادها لجأت قتبان إلى عقد اتفاقيات تجارية مع كل من حضرموت ومعين تتعلق بدفع الضرائب، والمحافظة على تسيير قوافل التجارة عبر طريق اللبان الرئيس المار بأراضيها([132]).
الخلاصة:
يُستنتج مما تقدم أن أقدم الطرق التجارية القديمة في حضرموت تعود بتاريخها إلى مرحلة عصور ما قبل التاريخ، وكانت تربط مناطق شرق حضرموت القديمة بغربها. وقد تحكمت طبوغرافيا المنطقة في تحديد مسارات الطرق، فيلاحظ أن أغلب طرق القوافل كانت تتخذ من مجاري الوديان مسالكًا لها؛ نظرًا لسهولة السير فيها وتوافر خدمات الطريق بفضل التجمعات السكانية الموجودة في تلك الوديان. أما المناطق الوعرة وصعبة المسالك فقد نالت اهتمام الدولة بتمهيدها للقوافل، وشق ممراتها الجبلية، ورصفها وتدعيم جوانبها بالحجارة، وتزويدها بأحواض للمياه محفورة في الأرض. وتشير خرائط الطرق المعاصرة إلى أنها أنشئت على مسارات طرق القوافل القديمة نفسها، لاسيما تلك التي كانت تربط شرق حضرموت بغربها.
أثر ظهور الموانئ البحرية لمملكة حضرموت وازدهار النقل البحري على أداء طرق التجارة البرية، فقد تسبب نشوء ميناء سمهرم في إهمال الطريق البري القديم بين ظفار وشبوة، كما أدى ازدهار ميناء قنا بين القرنين الأول والثالث الميلاديين إلى نشوء طرق جديدة أهمها طريق قنا- حجر-شبوة، الذي يرجح أن ذروة استخدامه كانت معاصرة لازدهار الميناء في تلك المدة. من جانب آخر، تأثر نشوء طرق القوافل وازدهارها بالمتغيرات السياسية والأمنية التي كانت سائدة بين ممالك اليمن القديم، حيث أدى أفول مملكة قتبان وانشغال سبأ بحروبها مع الحميريين إلى سيطرة حضرموت على نقل تجارتها الدولية من خلال طرق بديلة ومباشرة بين شبوة ونجران. كما أدى اضطراب الأوضاع الأمنية على حدود حضرموت الغربية بين القرن الأول والثالث إلى إهمال الطريق الغربي عبر ميفعة لصالح الطريق الشمالي إلى شبوة عبر وادي حجر.
الاختصارات
AFSM= The American Foundation for study of Man
CIH= Corpus Inscriptionum Himyaretic,1889,1932
Ir= Inscriptions published by al-Iryani. M.
Ja= Inscriptions studied by Jamme.A.
JRAS= Journal of Royal Asiatic Society
MuB= Museum of Baihan
RES= Repertoire d’ Epigraphy Sémitique
UAM= University of Aden Museum
YM= Yemeni Museum, Sanaa.
, Economic Botany,Vol.40,No.4,( 1986).
([1]) أستاذ مشارك في قسم الآثار بكلية الآداب- جامعة عدن.
([2]) زارنس، يورس، أرض اللبان- دراسة ميدانية أثرية في محافظة ظفار بسلطنة عمان، تحرير وترجمة معاوية إبراهيم وعلي التجاني الماحي، منشورات جامعة السلطان قابوس، سلسلة علوم الآثار والتراث الثقافي، مجلد(1)، (2001)، ص64-65.
([3])دي ميجرية، اليساندرو، عصر البرونز في المرتفعات، في: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق،(1999)، ص36؛ إدريس، جمال الدين محمد، قراءة في عصور ما قبل التاريخ حول نشأة المدينة في مرتفعات اليمن الوسطى، مجلة كلية الآداب، عدد 4، يوليو، كلية الآداب، جامعة عدن،(2007)، ص286.
([4]) زارنس، أرض اللبان، ص64-65.
([5]) Fedelel.F,”Man,Land. and Climate: Emerging Interactions from the Holocene of the Yemen Highlands” in: Man’s Role in Shaping of the Eastern Mediterranean Landscape ,S. Bottema, G. Entjes-Nieborg and and W. va Zeist (eds), Balkema, Rotterdam, ( 990), p.38-39
([6]) ينظر: دي ميغريه، عصر البرونز، ص34-39؛ فوكت، بوركهارت و سيدوف، اليكسندر، ثقافة صبر على الشاطئ اليمني: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق، (1999)، ص42- 48.
([8]) باعليان، محمد عوض، حيوانات النقل والحرب في اليمن القديم، دراسة في ضوء النقوش والآثار، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن(2012) ، ص46.
([9]) بافقيه محمد عبد القادر، بيستون، الفرد، روبان، كريستيان، الغول، محمود، مختارات من النقوش اليمنية القديمة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس،( 1985)، ص302؛ القدسي، بشير حميد، الطرق التجاري موزع- ظفار، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، قسم الآثار، جامعة صنعاء، (2016)، ص49.
([10]) الجرو، أسمهان سعيد، دراسات في التاريخ الحضاري لليمن القديم، دار الكتاب الحديث، القاهرة،( 2003)، ص114.
([11]) عربش، منير، و فونتين، اوج، اليمن: مدن الكتابات المسندية، المركز الفرنسي للآثار والدراسات الاجتماعية، صنعاء، (2006)، ص26.
([13]) أحمد، عبد المعطي محمد عيد، نشاط قتبان التجاري وعلاقتها بمصر القديمة، رسالة ماجستير(غير منشورة) جامعة الزقازيق،(مصر)، (2000)، ص106-107.
([14]) باور ج.م، و لوندين، أ، تاريخ اليمن القديم- جنوب الجزيرة العربية في أقدم العصور، ترجمة أسامة أحمد، دار الهمداني للطباعة والشر، عدن، (1984)، ص16.
([15]) Casson.L, The Periplus Maris Erythraee, translation and commentary by Lionel Casson,Princeton University press,( 1989), ch.24,p.65
([17]) Pliny, Natural History,Vol.XII, no.88
([18]) زارنس، أرض اللبان، ص82.
([19]) للمزيد ينظر: اودوان، ريمي، وادي ضراء: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق،(1999)، ص212-214.
([20]) Tucker. A ,Frankincense and Myrrh, Economic Botany,Vol.40,No.4,(1986), p.425;Raffaelli M, Mosti. S, Bellini. C, Mariotti. M .Lippi, Dhofar, the Land of Frankincense, in: Along the aroma and spice routes ,The harbour of Sumhuram, its territory and the trade between the Mediterranean, Arabia and India, Finito di stampare nel mese di Gennaio, (2011), p.25
([21]) جروم، نايجل، اللبان والبخور، دراسة لتجارة البخور العربية، ترجمة عبد الكريم بن عبدالله الغامدي، جامعة الملك سعود،(2008)، ص148؛Bowen. R.L,”Ancient Trade Routes in South Arabia” in: Bowen, R. and Albrigt, F.P: Archaeological Discoveries, (AFSM), Baltimore press. ,(1958), p. 41;
([22]) الجرو، أسمهان سعيد.، طرق التجارة البرية والبحرية في اليمن القديم، مجلة جامعة عدن للعلوم الاجتماعية والإنسانية، صنعاء، مج2، عدد3، ( 1999)، ص43.
([23]) كليب، مهيوب غالب، مدخل إلى دراسة التاريخ السياسي والحضاري لجنوبي شبه الجزيرة العربية-اليمن القديم(2)، دار جامعة ذمار للطباعة والنشر(2012)، ص333.
([24]) جروم، اللبان والبخور، ص169-170.
([25]) جروم، المرجع نفسه، ص168van beekGus W, Frankincense and Myrrh in Ancient South; Arabia, Journal of the American Oriental Society, Vol. 78, No.3, (1958), p. 142 ;
([26]) باوزير، محمد عبدالله، بلاد الأحقاف.. حضرموت- الاسم والموقع من خلال المصادر التاريخية، مجلة اليمن، مركز الظفاري للدراسات والبحوث، جامعة عدن، عدد34، (2015)، ص310؛ كوجين، يوري، العمارة الطينية الحضرمية التقليدية، تعريب عبدالعزيز بن عقيل، مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، المكلا،(2015)، ص83.
([27]) ينظر: بريتون، جان فرانسوا، شبوة: عاصمة حضرموت، اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة: يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق، (1999)، ص112- 114.
([28]) النعيم، نوره، التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية حتى نهاية دولة حمير، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، (2000)، ص182- 185.
([29]) Casson, The Periplus, ch.24-27,p.65-67
([30]) كوجين، العمارة الطينية، ص65.
([32]) بافقيه وآخرون، مختارات، ص232.
([34]) قريازنفتش، بطرس، وبيتروفسكي، ميخائيل، التجارة والطرق التجارية في حضرموت القديمة: نتائج أعمال البعثة اليمنية السوفيتية المجمعية المشتركة لعام 1988م، الجزء (1)، تحرير بطرس قريازنفتش وعبد العزيز بن عقيل، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، سيؤون، (1988)، ص87.
([35]) Raffaelli et al, Dhofar, p.25
([36]) زارنس، أرض اللبان، ص62.
([37]) زارنس، المرجع نفسه، ص21.
([38]) الجرو، طرق التجارة، ص32.
([39]) Pliny, Natural History,Vol.XII, no.63
([40]) جروم، اللبان والبخور، ص281، 284.
([41]) Beeston. A., Ghoul. M, Muller. W,Sabaic Dicitionary, Publcation of Sana,a University, Louvain et Biyrouth(Librariane du liban),(1982), p.127
([42]) عبد المولى، أسامه محمود، تجارة البخور في جنوب شبه الجزيرة العربية في الفترة من القرن العاشر حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد، رسالة ماجستير(غير منشورة)، جامعة الزقازيق، الزقازيق، (2013)، ص55.
([43]) نهيم، حسين سالم، و خالد الحاج، صلاح الحسيني، أعمال المسح الأثري في محافظة المهرة، الموسم الثالث، مديرية حوف، الهيئة العامة للآثار والمتاحف- المهرة، (2005)، ص6.
([44]) جروم، اللبان والبخور، ص275.
([45]) Ingrams.H, From Cana(Husn Ghorab) to Sabbatha(Shabwa): the south Arabian Incense Road, JRAS,No.2,(1945), p. 171
([46]) ستارك، فريا، البوابات الجنوبية لجزيرة العرب، رحلة إلى حضرموت عام1934م، ترجمة وفاء الذهبي، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، (2013)، ص262 – 263.
([47]) جروم، اللبان والبخور، ص275.
([48]) جروم، المرجع نفسه، ص276.
([49]) النعيم، نوره، الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية في الفترة من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي، دار الشواف، الرياض، (1992)، ص213.
([50]) جروم، اللبان والبخور، ص275- 276.
([51]) عبدالمولى، تجارة البخور، ص55.
([52]) ينظر: زارنس، ارض اللبان، ص64-65.
([53]) van beek, Frankincense and Myrrh, p.144
([54]) Casson, The Periplus, ch. 27,p. 67
([55]) حبتور، ناصر صالح، وادي ميفعة، دراسة تاريخية لأحد المراكز الحضارية في اليمن القديم، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن، (1997)، ص110- 111.
([56]) قريازنفتش، بطرس، دراسة ميناء(قنا) القديم(آفاق ونتائج أولية): نتائج أعمال البعثة اليمنية السوفيتية المجمعية المشتركة لعام 1988م، الجزء(1)، تحرير بطرس قريازنفتش وعبدالعزيز بن عقيل، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، سيؤون، (1988)، ص27.
([57]) أكوبيان وآخرون، التنقيبات الاثرية، ص50 – 51.
([58]) Casson, The Periplus,ch.32,p.69-71
([59]) سيدوف، الكسندر، قنا ميناء كبير بين الهند والبحر المتوسط: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق، (1999)، ص194.
([60]) أكوبيان وآخرون، التنقيبات الأثرية، ص52-53.
([61]) نهيم وآخرون، أعمال المسح، ص4.
([62]) جروم، اللبان والبخور، ص167.
([63]) الجرو، طرق التجارة، ص24.
([65]) نهيم وآخرون، أعمال المسح، ص8.
([66]) حبتور، ناصر صالح، اليزنيون: موطنهم ودورهم في تاريخ اليمن القديم، جامعة عدن ودار الثقافة العربية، الشارقة، (2002)، ص206.
([67]) جروم، اللبان والبخور، ص277.
([68]) أكوبيان وآخرون، التنقيبات الأثرية، ص55 – 56.
([69]) de MaigretA, La route caravanière de l’encens dans l’Arabie préislamique, Éléments d’information sur son itinéraire et sa Chronologie, in; Chroniques yéménites,no.11, (2003), p.5
([70]) حبتور، وادي ميفعة، ص60.
([71]) يتمتع وادي عمقين الذي تتجه مياهه نحو الجنوب بأهمية تاريخية؛ نظرًا لوقوعه في منطقة تتناثر فيها التجمعات السكانية التي مارس أهلها بعض الأنشطة الزراعة على ضفاف الوادي، مستغلين مياه الغيول التي ما زال بعضها جاريًا إلى اليوم، وقد ذكر الوادي في نقوش المسند مثل النقش(RES 5085/6) من القرن الخامس الميلادي، ومن أشهر الأماكن الواقعة في عمقين شعب ينبق الذي كشف فيه عن 49 نقشًا بالمسند أشهرها نقش ينبق 47 من عهد اليزنيين، ويؤرخ له بالقرن السادس الميلادي وذكر أسماء عدد من مناطق مملكة حضرموت مثل ميفعة ورخية وجردان وساكلن (ظفار) وسكرد (سقطرى) واسعين (الشحر)، ينظر:(بافقيه وروبان، نقوش جديدة من ينبق (اليمن الديمقراطية)، ريدان- حولية الآثار والنقوش اليمنية القديمة، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف- عدن، منشورات بيترز- بلجيكا،(1979)، العدد الثاني، ص25-28.
([72]) جروم، اللبان والبخور، ص277.
([73]) حبتور، وادي ميفعة، ص63.
[74])) الخليفي، محمد أحمد السدلة، وادي جردان من القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي (دراسة تاريخية)، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن، (2013)، ص94 – 95.
([75]) الخليفي، المرجع نفسه، ص12.
([76]) النعيم، الوضع الاقتصادي، ص213.
([77]) الخليفي، وادي جردان، ص100؛ Doe.B, Monuments of south Arabia, oleander press and falcon press, Itay,(1983), p.135-136
([78]) الخليفي، وادي جردان، ص95.
([80]) النعيم، الوضع الاقتصادي، ص213؛ جروم، اللبان والبخور، ص276.
([81]) حبتور، وادي ميفعة، ص27.
[82])) الخليفي، وادي جردان، ص97 .
[83])) الخليفي، وادي جردان، ص97- 98.
([84]) جروم، المرجع نفسه، ص277.
([85]) قريازنوفتش وبيتروفسكي، التجارة والطرق، ص92.
([86]) الحسيني صلاح سلطان، الحواجز الجدارية في المناطق المفتوحة في اليمن القديم- دراسة آثارية ميدانية، أطروحة دكتوراه(غير منشورة)، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المغرب، (2016)، ص69.
([87]) الحسيني، الحواجز الجدارية، ص70 – 72.
([88]) جروم، اللبان والبخور، ص280.
([89]) الجرو، طرق التجارة، ص24.
([90]) Bin ‘Aqil1. A., McCorriston. J, Prehistoric small scale monument types in Hadramawt (southern Arabia):convergences in ethnography, linguistics and archaeology, ANTIQUITY 83,(2009),p.606
([91]) Ingrams, From Cana, p. 177-180
([93]) Ingrams, From Cana, p. 181-182
([94]) جروم، اللبان والبخور، ص277.
([95]) Ingrams, From Cana, p. 182-183
[96])) الخليفي، وادي جردان، ص13- 14.
([97]) يعود هذا النقش إلى عهد الملك الحضرمي يدع إل بن رب شمس الذي حكم في القرن الثالث الميلادي،ويتكون من ستة أسطر، وهو نقش لا يتعلق ببناء الطريق، بل يحكي عن رحلة صيد قام بها ملك حضرموت يدع ال بن ربشمس إلى وادي عرما، حيث يبدو أن هذا الوادي كان حينذاك منطقة صيد للنمور والفهود والوعول التي ذكر النقش أنه تم اصطيادها في هذه الرحلة.
([98]) النعيم، الوضع الاقتصادي، ص214.
([99]) Ingrams, From Cana, p.183
([100]) Ingrams, From Cana, p.179-180
([101]) جروم، اللبان والبخور، ص278.
([102]) Pliny, Natural History, translation by H. Rockham,M.A, Harvard university press, London,(1968),Vol.XII,no.37
([103]) جروم، اللبان والبخور، ص279.
([104]) Pliny, Natural History,Vol.XII, no.52
([105]) جروم، اللبان والبخور، ص265-266.
([106]) Bowen, Ancient Trade, p.42
([107]) قريازنوفتش وبيتروفسكي، التجارة والطرق، ص92.
([108]) قريازنوفتش وبيتروفسكي، المرجع نفسه، ص92-94.
([109]) عبدالمولى، تجارة البخور، ص51؛Bowen, Ancient Trade, p. 37.
([110]) البعسي، فيصل حسين، شبكة الطرق القديمة في أودية كور العوالق في اليمن، مجلة الحكمة للدراسات التاريخية، مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر،(2014)، ص77.
([111]) Kitchen. K.A, Documentation for Ancient Arabia ІІ, Bibliographical catalogue, Liverpool University Press,(2000), p.23
([112]) بافقيه، محمد عبدالقادر، نقوش ودلالات، ريدان، عدد(6)، مؤسسة ريدان للدراسات الأثرية والنقشية، عدن، (1994)، ص8-9.
([113]) البعسي، شبكة الطرق، ص79.
([114]) Pliny, Natural History,Vol.XII, no.63
([115]) جروم، اللبان والبخور، ص286.
([116]) جروم، المرجع نفسه، ص287.
([117]) استخدم هذا الطريق في أثناء الحرب(2015-2017م) كطريق بديل للوصول إلى بيحان بدلًا عن الطريق الرئيس عتق- نصاب- بيحان.
([118]) جروم، اللبان والبخور، ص289.
([119]) جروم، اللبان والبخور، ص288.
([120]) جروم، المرجع نفسه، ص289.
([121]) Bowen, Ancient Trade,p.39
([122]) جروم، اللبان والبخور، ص287-288
([123]) Bowen, Ancient Trade, p.39
([124]) جروم، اللبان والبخور، ص287.
([125]) جروم، المرجع نفسه، ص288.
([126]) جروم، المرجع نفسه، ص286.
([127]) البعسي، شبكة الطرق، ص47.
([128])عربش وفونتين، اليمن، مدن الكتابات، ص19.
([129]) عربش وفونتين، المرجع نفسه، ص20.
([130]) جروم، اللبان والبخور، ص292.
([131]) Pliny, Natural History,vol.XII, no.32
([132]) جروم، اللبان والبخور، ص292.
قائمة مراجع البحث
- المراجع باللغة العربية:
أحمد، عبد المعطي محمد عيد، نشاط قتبان التجاري وعلاقتها بمصر القديمة، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة الزقازيق، مصر،(2000م).
إدريس، جمال الدين محمد، قراءة في عصور ما قبل التاريخ حول نشأة المدينة في مرتفعات اليمن الوسطى، مجلة كلية الآداب، عدد 4، يوليو، كلية الآداب، جامعة عدن(2007م).
أكوبيان، آرام، ومحمد بامخرمة، يوري فيتو قرادوف، التنقيبات الأثرية في ميناء قنا القديم: نتائج أعمال البعثة اليمنية السوفيتية المجمعية المشتركة لعام 1988م، الجزء(1)، تحرير بطرس قريازنفتش وعبدالعزيز بن عقيل، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، سيؤون، (1988م).
أودوان، ريمي، وادي ضراء: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق،(1999م).
باعليان، محمد عوض، حيوانات النقل والحرب في اليمن القديم، دراسة في ضوء النقوش والآثار، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن (2012م).
بافقيه، محمد عبدالقادر، نقوش ودلالات، ريدان، عدد(6)، المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، باريس،(1994م).
بافقيه، محمد عبدالقادر، و روبان، كريستيان، نقوش جديدة من ينبق (اليمن الديمقراطية)، ريدان- حولية الآثار والنقوش اليمنية القديمة، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف- عدن،، منشورات بيترز- بلجيكا،(1979م)، العدد الثاني.
بافقيه، محمد عبد القادر، و بيستون، الفرد، و روبان، كريستيان، و الغول، محمود، مختارات من النقوش اليمنية القديمة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس،(1985م).
باور، ج.م، و لوندين،أ، تاريخ اليمن القديم- جنوب الجزيرة العربية في أقدم العصور، ترجمة أسامة أحمد، دار الهمداني للطباعة والشر، عدن،(1984م).
باوزير، محمد عبدالله، بلاد الأحقاف.. حضرموت- الاسم والموقع من خلال المصادر التاريخية، مجلة اليمن، مركز الظفاري للدراسات والبحوث، جامعة عدن،(2015م) عدد34.
بريتون، جان فرانسوا، شبوة: عاصمة حضرموت، اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق،(1999م).
البعسي، فيصل حسين، شبكة الطرق القديمة في أودية كور العوالق في اليمن، مجلة الحكمة للدراسات التاريخية، مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر، (2014م).
الجرو، أسمهان سعيد، طرق التجارة البرية والبحرية في اليمن القديم، مجلة جامعة عدن للعلوم الاجتماعية والإنسانية، (1999م)، مج2، عدد3.
- دراسات في التاريخ الحضاري لليمن القديم، دار الكتاب الحديث، القاهرة، (2003م).
جروم، نايجل، اللبان والبخور، دراسة لتجارة البخور العربية، ترجمة عبد الكريم بن عبدالله الغامدي، جامعة الملك سعود، (2008م).
حبتور، ناصر صالح، وادي ميفعة، دراسة تاريخية لأحد المراكز الحضارية في اليمن القديم، رسالة ماجستير(غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن، (1997م).
- اليزنيون، موطنهم ودورهم في تاريخ اليمن القديم، جامعة عدن ودار الثقافة العربية، الشارقة، (2002م).
الحسيني، صلاح سلطان، الحواجز الجدارية في المناطق المفتوحة في اليمن القديم- دراسة آثارية ميدانية، أطروحة دكتوراه(غير منشورة)، جامعة الحسن الثاني، المغرب، (2016م).
الخليفي، محمد أحمد السدلة، وادي جردان من القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي(دراسة تاريخية)، رسالة ماجستير(غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن،(2013م).
رشاد، مديحة، واينزان، ماري لويز، فن الرسوم الصخرية واستيطان اليمن في عصور ما قبل التاريخ، المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، (2007م).
زارنس، يورس، أرض اللبان- دراسة ميدانية أثرية في محافظة ظفار بسلطنة عمان، تحرير وترجمة معاوية إبراهيم وعلي التجاني الماحي، منشورات جامعة السلطان قابوس، سلسلة علوم الآثار والتراث الثقافي، (2001م)، المجلد الأول.
ستارك، فريا، البوابات الجنوبية لجزيرة العرب، رحلة إلى حضرموت عام1934م، ترجمة وفاء الذهبي، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، (2013م).
سيدوف، الكسندر، قنا ميناء كبير بين الهند والبحر المتوسط: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق، (1999م).
عبد المولى، أسامه محمود، تجارة البخور في جنوب شبه الجزيرة العربية في الفترة من القرن العاشر حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد، رسالة ماجستير(غير منشور)، جامعة الزقازيق، مصر، (2013م).
عربش، منير، وفونتين، اوج، اليمن، مدن الكتابات المسندية، المركز الفرنسي للآثار والدراسات الاجتماعية، صنعاء، (2006م).
فوكت، بوركهارد و سيدوف، الكسندر، ثقافة صبر على الشاطئ اليمني: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق، (1999م).
قريازنفتش، بطرس، دراسة ميناء(قنا) القديم(آفاق ونتائج أولية): نتائج أعمال البعثة اليمنية السوفيتية المجمعية المشتركة لعام 1988م، الجزء(1)، تحرير بطرس قريازنفتش وعبدالعزيز بن عقيل، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، سيؤون،(1988م).
قريازنفتش، بطرس، وبيتروفسكي، ميخائيل، التجارة والطرق التجارية في حضرموت القديمة: نتائج أعمال البعثة اليمنية السوفيتية المجمعية المشتركة لعام 1988م، الجزء(1)، تحرير بطرس قريازنفتش وعبدالعزيز بن عقيل، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، سيؤون، (1988م).
كليب، مهيوب غالب، مدخل إلى دراسة التاريخ السياسي والحضاري لجنوبي شبه الجزيرة العربية-اليمن القديم(2)، دار جامعة ذمار للطباعة والنشر، (2012م).
كوجين، يوري. ف، العمارة الطينية الحضرمية التقليدية، تعريب عبدالعزيز بن عقيل، مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، (2015م).
دي ميغرية، اليساندرو، عصر البرونز في المرتفعات، في: اليمن، في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي، باريس، ودار الأهالي، دمشــــــق،(1999م).
النعيم، نوره، الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية في الفترة من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي، دار الشواف، الرياض، (1992م).
- التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية حتى نهاية دولة حمير، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، (2000م).
نهيم، حسين سالم، و خالد الحاج، صلاح الحسيني، أعمال المسح الأثري في محافظة المهرة، الموسم الثالث، مديرية حوف، الهيئة العامة للآثار والمتاحف- المهرة، (2015م).
- مراجع بلغات أجنبية:
Van Beek. Gus W., Frankincense and Myrrh in Ancient South Arabia, Journal of the American Oriental Society,(1958), Vol. 78, No. 3.
Beeston. A., Ghoul. M, Muller. W., Sabaic Dicitionary, Publcation of Sana,a University, Louvain et Biyrouth(Librariane du liban),(1982).
Bin ‘Aqil1. A., McCorriston. J., Prehistoric small scale monument types in Hadramawt (southern Arabia):convergences in ethnography, linguistics and archaeology, ANTIQUITY 83,(2009).
Bowen. R.L., “Ancient Trade Routes in South Arabia” in: Bowen, R.L. and Albrigt, F.P: Archaeological Discoveries, (AFSM), Baltimore press. ,(1958).
Casson.L., The Periplus Maris Erythraee, translation and commentary by Lionel Casson,Princeton University press,(1989).
Doe. B., Monuments of south Arabia, oleander press and falcon press, Itay,( 1983).
Fedele.F., “Man,Land. and Climate: Emerging Interactions from the Holocene of the Yemen Highlands” in: Man’s Role in Shaping of the Eastern Mediterranean Landscape ,S. Bottema, G. Entjes-Nieborg and and W. va Zeist (eds), Balkema,
Rotterdam,( 1990).
Ingrams.H., From Cana(Husn Ghorab) to Sabbatha(Shabwa): the south Arabian Incense Road, JRAS,No.2,( 1945).
de Maigret. A., La route caravanière de l’encens dans l’Arabie préislamique, Éléments d’information sur son itinéraire et sa Chronologie, in; Chroniques yéménites,no.11,(2003).
Pliny., Natural History, translation by H.Rockham,M.A, Harvard university press, London,(1968).
Raffaelli. M, Mosti. S, Bellini. C, Mariotti. M .Lippi., Dhofar, the Land of Frankincense, in: Along the aroma and spice routes, Avanzini et al,The harbour of Sumhuram, its territory and the trade between the Mediterranean, Arabia and India, Finito di stampare nel mese di Gennaio,( 2011).
Tucker. A., Frankincense and Myrrh