د. عبد الفتاح قاسم ناصر الشعيبي
د. عبد الفتاح قاسم ناصر الشعيبي([1])
ملخص:
للأوقاف دور كبير وفاعل في نهضة الأمة الإسلامية على مرّ العصور التاريخية للإسلام، وفي تلبية حاجات المجتمع بكل مكوناته، وتاريخنا الإسلامي مليء بالأوقاف التي لبّت مصالح الناس منذ ظهور الإسلام إلى حاضرنا، ودليل ذلك ما جاء في كتب التراث والتاريخ وجميع الوثائق والمدونات المتعلقة بالأوقاف التي حفظتها خزائن المكتبات، فعن طريق تلك الأوقاف شُيِّدت المدارس وبنيت المساجد والمكتبات والبيمارستانات وغيرها من المراكز والمصالح العلمية، وكان عصر السلاجقة الأتراك أنموذجًا لتلك النهضة التي أحدثتها الأوقاف في بعض الأجزاء الخاضعة لحكمهم، ويعد الملوك والسلاطين والأمراء السلاجقة الأتراك رواد حركة النهضة العلمية، فيعود إليهم الفضل في غرس المفاهيم الفكرية المتطورة في عصرهم من خلال فتحهم الأفق الواسع للمعارف والعلوم المختلفة، وقد تناولنا في بحثنا هذا دور السلاجقة الأتراك العظام في دعم الأوقاف، وأهم أوقافهم خلال المدة من سنة 429 حتى سنة 552هـ، ودور مصادر التموين الوقفي في تشجيع العلم والمتعلمين في عصرهم، ودورهم في ظهور المراكز العلمية، وتشجيع العلماء والمتعلمين والقائمين على تلك المراكز والمقيمين فيها، ومدى التأثير الذي أحدثته تلك الأوقاف على النواحي العلمية في الحقبة المبحوثة.
الكلمات المفتاحية: أوقاف المراكز – عصر السلاجقة- دورها – النهضة العلمية الإسلامية.
Abstract
Endowments (awqaf) have a large and effective role in the rise of the Islamic nation throughout the historical ages of Islam and in meeting the society needs. Our Islamic history is full of endowments that have responded to peoples’ interests since the advent of Islam and what is written in the books of heritage, history , all the documents and codes and what preserved in the libraries is a mark of this. Through those endowments, schools, mosques, libraries and other centers and scientific interests were built. The Seljuk era was a model for the renaissance that was brought about by some of the parts ruled by the Seljuk. Seljuk kings, sultans and princes are considered the pioneers of the renaissance movement, they have the honor to implant the modern intellectual concepts in their time by opening up the broad horizons of knowledge and different sciences.
In this research, we have discussed the role of the Seljuks and their support of the endowments and the most important places and the sources of supply and finance in their time and their role in the emergence of scientific centers and the encouragement of scientists and learners and those who hold these centers and residents in and the extent of the effect that these endowments have on scientific aspects in the period under investigation.
تمهيد:
يُعد عصر السلاجقة الأتراك العظام (429- 552هـ) بحق عصر النهضة العلمية الإسلامية لاسيما في المناطق والأجزاء التي انطوت تحت حكمهم أو نفوذهم، كما أن تأثيراته ومؤثراته العلمية التنويرية شملت المساحة التي أنتشر فيها الإسلام، بل وتعداها، فشرقًا الهند والصين، وغربًا دول أوروبا. كما يعد السلاطين والملوك والأمراء السلاجقة الأتراك رواد حركة النهضة العلمية، فيعود إليهم الفضل في غرس المفاهيم الفكرية المتطورة في عصرهم من خلال فتحهم الأفق الواسع للمعارف والعلوم المختلفة، وإنشائهم للمراكز العلمية (مساجد- مدارس- مكتبات – زوايا – أربطة – بيمارستانات)، فأوجدوا بذلك صروح المعرفة، وأعطوا كل تلك المراكز جُل اهتمامهم ورعايتهم، بل وبذلوا قصارى ما عندهم من أجل ذلك، فحموا العلم في عهودهم واجتذبوا العلماء، وتنافسوا في هذا المضمار، ولم يبخلوا بالإنفاق على العلم.
وإن من أبلغ مظاهر اهتمام السلاجقة الأتراك بالعلم تلك الأوقاف التي وقفوها رجالًا ونساءً من أراضٍ زراعية ودور ومبانٍ وأسواق وقرى ووديان وغيرها من الأوقاف السخية لصالح المراكز العلمية، حتى إن بعض المراكز العلمية نفسها وقفت لصالح العلم والمتعلمين.
سيتناول بحثنا هذا أوقاف المراكز العلمية في عصر السلاجقة الأتراك ودورها في النهوض العلمي الإسلامي، وكيف أن هذه الأوقاف كانت الداعم الرئيس في إقامة المراكز العلمية، والإنفاق على العلماء وطلاب العلم، وبفضلها استمرت المراكز العلمية من مدارس ومعاهد في تأدية رسالتها ونشر علومها ومعارفها، فحاولنا إبراز أهم تلك الأوقاف وموقفيها، والتي كان لها الدور الأكبر في ظهور أعلام العلماء المدرسين ومدارسهم الشهيرة. لقد اتّبعنا في بحثنا هذا المنهج التاريخي التحليلي والوصفي مع استخدامنا لأسلوب المزاوجة بينهما، وبما أننا أخذنا عن الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك، وهو الذي شمل مساحة أو رقعة واسعة من أرض الإسلام، وأمتد أكثر من قرن من الزمان وتأثيره تعدى ذلك، فإننا سنكتفي بإيراد نماذج الأوقاف الأكثر أثرًا على مسيرة الحياة العلمية في هذه الرقعة، وعليه فقد اتّبعنا في بحثنا هذا المتواضع التقسيم التالي :
المبحث الأول : الأوقاف ودور السلاجقة الأتراك في دعمها
أولًا: تعريف الوقف وأقسامه:
ثانيًا: دور السلاجقة الأتراك في دعم الأوقاف.
المبحث الثاني: أهم الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك ودور نظام تموينها
أولًا: أهم الأوقاف للمراكز العلمية في عصر السلاجقة.
ثانيًا: دور نظام التموين الوقفي في تشجيع العلماء والمتعلمين.
المبحث الثالث: دور الأوقاف في ظهور المراكز العلمية وتأثيراتها.
أولًا: دور الأوقاف في ظهور المراكز العلمية في عصر السلاجقة الأتراك.
ثانيًا: التأثيرات العلمية والفكرية للأوقاف السلجوقية.
الخاتمة : وقد ضمت أهم النتائج والاستنتاجات التي توصلنا إليها في بحثنا المتواضع.
قائمة المصادر والمراجع.
ملخص البحث باللغة الإنجليزية.
المبحث الأول
الأوقاف ودور السلاجقة الأتراك في دعمها.
أولًا: تعريف الوقف وأقسامه:
فالوقف في الإسلام نوع من أنواع الصدقات التي رغب الشارع فيها وندب إليها، وهو وسيلة من وسائل القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه. ولا فرق في ذلك بين الوقف على جهة عامة كالفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك، أو الوقف على القرابة والذرية، إلا أن السلف الأول من هذه الأمة يفضلون أن يكون آخره للمساكين.
هو الوقف المخصص للنواحي العلمية، كوقف المساجد، والمدارس، والكتاب(الكتاتيب)، والمكتبات، والكتب، وأدوات نسخ الكتابة[6]، وحوانيت الوراقين، ومنازل العلماء، والرُبط، والزوايا، والخانقاهات، والبيمارستانات وغيرها.
ومن المعروف تمامًا أن الأوقاف لها دور كبير وفاعل على مر العصور التاريخية للإسلام في نهضة الأمة، وتلبية حاجات المجتمع بكل مكوناته، وتاريخنا الإسلامي مليء بالأوقاف التي لبت مصالح الناس، منذ ظهور الإسلام إلى حاضرنا، ودليل ذلك ما جاء في كتب التراث والتاريخ وجميع الوثائق والمدونات المتعلقة بالأوقاف والتي حفظتها خزائن المكتبات، فعن طريق تلك الأوقاف شيدت المدارس وبنيت المساجد والمكتبات وحفرت الآبار وغيرها[7].
إذن فالوقف العلمي هو الوقف الذي له الدور الكبير في رفد الحركة العلمية والنهوض بمراكزها من مدارس ومساجد ومراكز بحث ومكتبات ورعاية طلبة العلم وكفايتهم، وغيرها.
وعلى ذلك يمكن القول إن أثر الأوقاف في التعليم لم يقتصر عند علم معين، وإنما شمل أنواعًا مختلفة من العلوم وألوان المعرفة، سواء في ذلك الشرعي منها، والدنيوي من طب وفلك ورياضة وصيدلة وغيرها، مما جعل للوقف دورًا بارزًا في إحداث نهضة علمية شاملة لجميع أنواع المعرفة.
لقد تنوعت خدمات الوقف لدور التعليم والمتعلمين حيث كفلت للمعلمين والمتعلمين شؤون التعليم والإقامة والطعام والعلاج، بل وتأمين أماكن إقامة يأوي إليها المسافرون لطلب العلم، وهذا من شأنه أن يوفر وسائل التعليم لجميع فئات المجتمع الواحد، وبالتالي يؤدي إلى وجود أعداد غفيرة من المتعلمين وبتخصصات مختلفة ومتنوعة، ولهذا أستأثر الوقف على التعليم خاصة مكانًا بارزًا في جميع القطاعات التعليمية.
بحسب نظرة الفقهاء فقد تم تقسيم الوقف إلى قسمين[8]:
هو أقل منفعة من الوقف الخيري حيث تنحصر منفعته في فئة قد لا تكون بحاجة ماسة إليها أو يكون نفعه خاصًا منحصرًا على ذرية الواقف ومن بعدهم، على جهة بر لا تنقطع[9] ثم إنه قد يكون له جوانب سلبية تتمثل فيما يحدث بين ذرية الواقف من شقاق وخلافه، وقد شهدت المحاكم في كثير من البلاد الإسلامية قضايا كثيرة تتعلق بالأوقاف الذرية لاسيما مع تقادم الزمن وتفرق الذرية مما زاد في تعقيد قضايا تلك الأوقاف، وهو ما كان مشجعًا لمن يعارضون نظام الوقف بالهجوم عليه في بعض بلدان الإسلام.
هو أكثر فائدة وأشمل نفعًا وهو ذاك النمط الفاعل من الوقف الذي أسهم إسهامًا واضحًا في مسيرة المجتمع الإسلامي عبر العصور فبواسطته شيدت المدارس والمعاهد والمستشفيات ومهدت الطرق وأوجدت مصادر المياه، وأنشأت الملاجئ والأربطة، وأنفق على العلماء وطلبة العلم ووفرت المكتبات، مما أدى إلى ازدهار الحضارة وتقدم المجتمع الإسلامي عمومًا. هذا كله بالإضافة إلى الوقف على المساجد من عمارتها وصيانتها والإنفاق على الأئمة والمؤذنين وغير ذلك، وهو الوقف الذي يشمل الوقف العلمي والتعليمي.
ثانيًا: دور السلاجقة الأتراك في دعم الأوقاف:
لم يبخل السلاجقة الأتراك في دعم الأوقاف وذلك بغية مرضاة الله ولأداء رسالة الأوقاف العلمية على أفضل ما يكون، حيث كان ملوكهم وسلاطينهم وولاتهم وأمرائهم ونسائهم وبناتهم، وكذا بعض حواشيهم وأغنيائهم وقضاتهم وفقهائهم وغيرهم ينفقون الشيء الكثير على مراكز التعليم المختلفة، ولذا لعبوا دورًا لا يستهان به في إتمام هذه المراكز لمهمتها الإنسانية والعلمية والحضارية؛ يتضح ذلك من خلال كثرت الأوقاف التي كان السلاجقة الأتراك يتسابقون لفعل الخير من خلالها، وهذه الظاهرة الملحوظة التي برزت بشكل أكبر ولافت للانتباه في عصرهم – رغم أنها وجدت قبل ذلك- أصبحت تشكل علامة فارقة ومثل يحتذى به في جميع مواطن الإسلام بعد عصرهم.
وحقيقة نقول أن السلاجقة الأتراك بدورهم الريادي الذي لعبوه تجاه الأوقاف ودعمها بسخاء تام إنما كان محاولة منهم لاستنهاض الهمم التواقة لأعمال الخير وكبح جماحها في رفد العملية التعليمية بل والمعرفية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وكذلك لترميم البنيان العلمي الذي كان قد بدأ يتداعى في السقوط، فدورهم الذي لعبوه كان لمعانًا وبريقًا وضوءًا أوهن به السائرون نحو العلم والنهضة الحضارية والإنسانية.
لقد خص السلاجقة بدورهم في دعم الأوقاف أن تكون رسالتها ومهمتها مكملة لمهمة الدولة تجاه المراكز العلمية، وهو الأمر الذي أعطته الأوقاف جُل اهتمامها ورعايتها حتى فرضت أمرًا واقعًا وأصبحت من المراسم الإدارية والمالية في نظم الدولة الإسلامية بكل مراحلها وأبعادها المختلفة. ونلمس الدور الذي قام به السلاجقة في دعم الأوقاف من خلال وقفهم الأراضي والعقارات للمنفعة العلمية التي يصاحبها بناء وتعمير المساجد والمدارس والمكتبات والرُبط والخانقاهات والزوايا والبيمارستانات والحمامات وغيرها.
ثم يأتي بعد البناء دورهم في وقف تلك الأماكن والمنشآت للانتفاع بها في الوجوه المختلفة من الحياة ومنها العلمية على وجه الخصوص وهي محور الارتكاز والقاعدة الأساسية والصلبة التي بنيت عليها ولها الأوقاف.
وعلى الرغم من وجود عينات من الأمراء والولاة ممن حاولوا التعدي على أموال الوقف لكنهم لم ينجحوا إلى حدٍ ماء بسبب التكامل الاجتماعي في وجه أي محاولة للاستيلاء على تلك الممتلكات الوقفية.
إن دور الخلفاء والسلاطين والأمراء والأغنياء في تطوير هذا المنحى الاجتماعي من خلال التقرب إلى الله تعالى وإبقاء ذكراهم طيبة عند الناس، مع هذا كان لهم جميعًا اليد الطولى في إنشاء المدارس والمراكز العلمية كنظام الملك الوزير السلجوقي أبو علي الحسن بن علي الطوسي(ت:485هـ) الذي ملأ بلاد العراق وخراسان بالمدارس حتى قيل إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة، ووقف لها الأوقاف الدارة[11].
المبحث الثاني
أهم الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك ودور نظام تموينها :
أولًا: أهم الأوقاف للمراكز العلمية:
1- أوقاف المدارس:
كثيرة هي المدارس التي تم تمويلها بأموال الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك، وقد تفاوتت الأوقاف على المدارس حسب مكانة الواقف وما خصصه من مال، ولم تقتصر الأموال الموقوفة على عمارة المدارس فقط بل شملت صيانة المدرسة وتجهيزها بالأثاث واللوازم المدرسية ودفع المرتبات للعاملين فيها، حتى شملت في بعض الأحيان توفير مساكن للطلبة وتقديم الطعام للطلاب والعاملين في المدرسة، كما شملت أحيانًا أخرى المعالجة الطبية والملابس كما حدث في بعض المدارس الموقوفة في القدس[12]. والمدارس إذ تتفاوت في إمكاناتها المادية وما تقدمه من خدمات تفاوتت أيضًا في فـروع المعرفة التي تدرسها من حيث الكم والكيف، وفي العموم فإن المدرسة كمركز للنشاط العلمي السني تدين بوجودها لأسرة السلاجقة الذين تحفزوا لوقف الأوقاف على تلك المراكز، ومن الأمثلة على أوقاف هذه المدارس في عصر السلاجقة الأتراك ما يلي:
– وقف نظام الملك على المدارس النظامية ببغداد وغيرها: فقد أشار بهذا الصدد سبط ابن الجوزي أن الوزير نظام الملك أبو علي الحسن بن علي الطوسي الذي بنى المدرسة النظامية ببغداد سنة 457هـ، وقف لها سنة 462هـ الأوقاف، ومما وقف: سوق المدرسة، وضياع، وأماكن، وكتب، وأملاك[13]، كذلك توجه نظام الملك إلى إنشاء المدارس في المدن والقرى، وأمدها بالعلماء ووقف لها الأموال والكتب والأبنية لتأمين الموارد لها، وطبق نظام التعليم العام على نطاق واسع[14]، وهو ما أكد عليه ابن جبير في رحلته الذي رأى فيها ببغداد نحوًا من ثلاثين مدرسة بقوله: “إنه ما فيها مدرسة إلا وهي يقصر القصر البديع عنها، وأعظمها وأشهرها النظامية التي بناها نظام الملك، ولهذه المدارس أوقاف عظيمة، وعقارات واسعة للإنفاق على الفقهاء والمدرسين بها، وللإجراء على الطلبة”[15]، ووقف نظام الملك على المدرسة النظامية بالموصل أوقافًا كثيرة أسوة ببغداد[16].
– وقف أرسلان خاتون على بعض مدارس بغداد: وهي خديجة بنت داؤد أخو السلطان(طغرل بك) السلجوقي، وقد كانت من الكريمات والخيرات، وكانت مُحبة للعلماء، ولها جملة أوقاف على محلات خيرية ومنها المدارس في بغداد وغيرها من الممالك الإسلامية[17].
– وقف أزدوجا خاتون: وهي زوجت السلطان السلجوقي أوزبك، وقد قيل عنها أنها: “من أفضل الخواتين وألطفهن شمائل وأشفقهن، ولها مآثر وخيرات دارة على مساجد وتكايا ومدارس في بلادها”[18].
– وقف زوجة السلطان السلجوقي ملكشاه(ت:487هـ): وهي تركان بنت طراج الجلالية، بانية ثالث مدرسة أنشئت ببغداد في العصر العباسي، وهي المعنية وغيرها بقــول ابن جبير الذي زار الشام في العصـر الأيوبي: “ومن النساء الخواتين ذوات الأقدار ممن تأمر ببناء مسجد أو رباط أو مدرسة، وتنفق فيها الأموال الواسعة، وتعين لها من مالها الأوقاف”[19].
هذا بالنسبة لأوقاف المدارس، على أن هناك مدارس عديدة ليس بوسعنا حصرها جميعها في بحثنا هذا تموقفها لصالح العلم والمتعلمين، ولما من شأنه ضمان استمرار المراكز العلمية في أداء دورها التعليمي في شتى جوانب المعرفة، ومثال على ذلك:
* المدرسة الأمينية: قيل إنها أول مدرسة بُنيت للشافعية بدمشق، بناها أتابك العساكر بدمشق أمين الدين كمشتكين بن عبدالله الطغتكيني واقف الأمينية (ت:541هـ)، وكان قد وقف هذه المدرسة سنة 514هـ، ووقف عليها غالب ما حولها من سوق السلاح، وقيسارية القواسين، وكانت تسمى حق الذهب ولها حصة من بستان الخشاب بكفر سوسيا، وغير ذلك[20].
* المدرسة الخاتونية البرانية: توجد هذه المدرسة عند مكان يسمى صنعاء الشام المطل على وادي الشقراء، وهو مشهور بدمشق[21]، بنيت هذه المدرسة المنسوبة إلى صاحبتها الست زمرد خاتون زوجة الملك بوري، ووقفتها على أصحاب المذهب الحنفي بدمشق[22].
* المدرسة الخاتونية الجوانية: أنشأتها عصمت الدين خاتون بنت معين الدين أُنُر ، وقد وقفت هذه المدرسة على أصحاب المذهب الحنفي[23].
* مدرسة الأحناف: هي مدرسة بناها الملك أبو سعيد محمد بن منصور(من ملوك السلاجقة)، أو مستوفي مملكة السلطان ألب أرسلان السلجوقي سنة 459هـ ببغداد بعد أن بنى مشهد أو قبة على قبر الإمام أبو حنيفة، وبنى عنده مدرسة للحنفية، وفي ظننا أن الذي يبني مشهدًا ومدرسة لابد أن يوقف لها الأوقاف للصرف على قومتها، وابن جبير وصف ذلك البنيان وصفًا مجملًا فقال: “وفي تلك المحلة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وبه تعرف المحلة أي محلة أبي حنيفة”[24].
مما سبق يظهر جليًا أن السلاجقة الأتراك رجالًا ونساءً حكامًا وخُدامًا أسهموا برصد الأوقاف للمدارس التعليمية على اختلاف علومها ومشاربها واتجاهاتها الدينية والدنيوية، مما شجع أيضًا رجال العلم وطلابه على التحصيل العلمي لاسيما وأن هناك موردًا رئيسًا وهو الأوقاف يضمن الاستمرار في عملية التعليم والتسابق العلمي في ذلك العصر.
2– أوقاف المساجد:
تعد المساجد مراكز علمية وثقافية في آن واحد، فضلًا عن دورها الاجتماعي، فلم تكن المساجد مخصصة للعبادة فقط، فقد كانت أيضًا واجهة علمية وثقافية وحضارية في المجتمع الإسلامي، فابتداءً من دروس الوعظ والإرشاد وخطب الجمعة والمناسبات، وانتقالًا إلى الحلقات العلمية لكبار العلماء حول أساطين(أعمدة) المساجد وفي زواياها لتدريس المذاهب الفقهية والعقائدية أو اللغوية، وانتهاءً بالمراكز العلمية ومنها المدارس أو ما دونها، فإن نشاطها حتى وقت قريب كان يتمحور حول المسجد، ولذا اهتم المسلمون بأمرها وأولوها عنايتهم ورعايتهم، فقد حظيت بعناية الواقفين حيث سعوا إلى تعميرها أو بنائها وصيانتها والإنفاق على القائمين عليها من الأئمة، والوعاظ، والعلماء، والمؤذنين، وطلبة العلم، وكذا تزويدها باحتياجاتها من الفرش والبسط وخزائن الكتب والصرف على العاملين فيها. ومن المساجد أو الجوامع التي اشتهرت بحلقاتها العلمية في عصر السلاجقة الأتراك ما يلي:
مسجد ابن جردة(ت:467هـ)، في بغداد[25]، ومسجد الشريف الزيدي(ت:575هـ) الواقع في درب دينار شرق بغداد، واشتهر بسبب خزانة كتبه الموقوفة فيه[26].
وكان للأوقاف الدور الأكبر في انتشار المساجد في سائر أنحاء العالم الإسلامي في ذلك العصر، حيث تُعد الأوقاف هي المصدر الرئيس في الإنفاق على المساجد، فقد كان يوقف على كل مسجد ما يقوم به من أراضٍ ودور، وغير ذلك مما يضمن توفر الريع الكافي لمؤنته والإنفاق على القائمين عليه. فبواسطة الأوقاف بُنيت الكثير من المساجد في مدن الإسلام، وبواسطتها تم ترميم الكثير من الجوامع والمساجد، وتسابق أهل الخير على إقامة المساجد والإنفاق عليها وعلى من يقيم ويعمل فيها.
3- أوقاف الكتب والمكتبات:
من الأمور البديهة أن المدارس والمساجد لابد لها من كتب علمية والتي يصعب توافرها إلا بالدعم المتواصل وتخصيص أماكن محددة لحفظها والعناية بها وتعيين من يقوم بإدارتها، ولذلك فإن مهمة الأوقاف لا تقف عند إنشاء المدارس والمساجد، بل أهتم الواقفون بإنشاء المكتبات وتزويدها بأمهات الكتب، وقد انتشرت خزائن الكتب والمكتبات الوقفية والتي تعد من أهم مراكز العلم والنهوض العلمي، فنجد أمثلة لذلك في العديد من مدن الإسلام ففي كرخ بغداد خزانة الكتب التي وقفها الوزير أردشير سنة 451هـ وكان بها عشرة آلاف وأربعمائة مجلد من أصناف العلوم منها: مائة مصحف بخطوط بني مقلة، لم يكن في الدنيا أحسن كتبًا منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة، وأصولهم المحررة[27]. وفي البصرة خزانة كتب وقفها القاضي أبو الفرج بن أبي البقاء(ت: 499هـ)[28]، ودار الكتب التي وقفها الوزير أبو منصور بن شاه فردان، وكان بها نفائس الكتب[29]، انتفع بها رجال العلم، وتعددت مكتبات الأوقاف في المدارس والمساجد ومراكز تعليمية أخرى، وراجت منذ القرن الخامس وتحديدًا منذ بداية عصر السلاجقة الأتراك، بحيث يمكن القول بأنه قلما تخلو مدينة من كتب موقوفة، ففي بغداد التي قيل إن مدارسها تجاوزت الثلاثين مدرسة ومعهدًا علميًا في عهد الوزير السلجوقي نظام المُلك كانت لكل واحدة مكتبة غنية بالمجلدات والكتب النفيسة الموقوفة في كل فن، ومكتبة المدرسة النظامية تعد أنموذجًا لذلك والتي تعتبر من أوائل المدارس في العالم الإسلامي وأشهرها وأقدمها، وقد ازدحمت فيها خزائن الكتب الموقوفة، وحوانيت الوراقين، ودكاكين الكتب والمكتبات[30].
وكانت الأوقاف المصدر الرئيس الذي ينفق منه على المكتبات العامة لاسيما مكتبات المساجد وما يلزمها، ويشمل ذلك ترميم البناء، وتزويد المكتبة بالكتب ودفع المرتبات للموظفين القائمين عليها[31]. وتعد مكتبات المساجد هي النواة التي قامت على أساسها كل أنواع المكتبات الأخرى، فقد كان من عادة العلماء أن يوقفوا كتبهم على المساجد ليضمنوا حفظها وإتاحتها للطلاب الدارسين[32]، ولما انتشرت مكتبات الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك شغف العلماء إلى تعلم العلوم وتعليمها وأبحروا فيها، وكان العالم منهم يتقن ويجمع أكثر من علم. وارتبط ظهور المكتبات العامة – رغم خصوصيتها في بداية الأمر وانتشارها- بمبدأ وقف الكتب أي حبس الكتب على كتب معينة أو طائفة معينة من القراء، ولا يجوز التصرف فيها بحال من الأحوال[33]. وقد تنوع الوقف على الكتب فشمل مكتبات بأكملها، ووقف الكتب على المدارس، وقد نقل في وصف الوزير نظام الملك: “ومتى وجد في بلد مَن تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة، ووقف عليها وقفًا وجعل فيها دار كتب”[34]، ونرى قاضي دُجيل أبوبكر الرطبي(ت:489هـ)، وهو شافعي المذهب يوقف كتبة فانتفع بها الناس[35]، كذلك نجد إشارة عند ابن الأثير إلى أن مسجد عُقيل في نيسابور والذي كان مجمعًا لأهل العلم، وجدت فيه خزائن الكتب الموقوفة، وكان من أعظم منافع نيسابور[36]، وشملت كتب الوقف المشافي والمراصد والرُّبط والخانقاهات، كما كان هناك نوع يتمثل في وقف كتب عالم بعد وفاته على أهل العلم وعلى ورثته. واهتم واقفوا المكتبات بتوفير دخل مادي ثابت لصيانتها وترميمها، والصرف على العاملين بها، كما أنّ بعضهم عيّن ريعًا يصرف منه في إنماء الكتب عبر السنين[37].
ومن الأمثلة على وقف الكتب في الأربطة: رباط المروزي عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبدالله (ت:539هـ)، فقد وقف كتب كثيرة في هذه الرباط[38]، وكذلك السيدة زمرد خاتون أم الخليفة الناصر لدين الله وقفت على مكتبة الربط المأمونية، وكذا وقفت زوجة الناصر مكتبة ضخمة أخرى في رباط أنشأته لأصحاب الفتوة والمجاهدين[39].
لقد توافرت في عصر السلاجقة الأتراك عوامل عديدة أدت إلى ازدهار المكتبات، وجُل هذه العوامل ارتبط بعملية الوقف، كبذل السلاطين والأمراء ونسائهم، وحب العلماء، وحب العلم والمعرفة، وسعي طلبة العلم لاقتناء الكتب بنسخها أو استعارتها من المكتبات الموقوفة أو بشرائها[40]، لذلك كله يتبين بجلاء تام أن الكتاب(مصدر المعرفة) حظي بالمنزلة الراقية في قلوب أهل العلم بمختلف مشاربهم وميولهم الفكرية، وأسهمت الكتب والمكتبات في تعزيز المعرفة، وفي النهضة العلمية والثقافية لاسيما ممن غلب عليهم شحَّت الإمكانات المالية.
4- أوقاف الخوانق والربط والزوايا:
الخوانق أو الخانقاهات جمع خانقاه، وتكتب أحيانًا “خانكاه” وهي كلمة فارسية معربة في الإسلام على ما ذكر المقريزي في حدود 400هـ[41]. أي أن وجودها صاحب بداية ظهور السلاجقة الأتراك على المسرح السياسي والذين كان لهم الدور الأكبر في بروز ووجود الخوانق.
وتعد الخوانق دور عبادة وعلم، بحيث تقوم بأدوار دينية وثقافية واجتماعية، وقد شاركت مع مراكز تعليمية أخرى في تقديم خدمات جليلة للتعليم والمتعلمين عبر العصور، وهي من الخدمات التي تكفل الأوقاف بتوفيرها وعنايته بأفراد آثروا الخلوة والانقطاع للتعبد وطلب العلم بعيدًا عن مشاغل الحياة، وقد وقف عليها الأوقاف الكافية لتوفير أسباب الراحة والعيش لساكنيها، وتقوم فيها دراسة العلوم الشرعية، كما يدرس فيها التصوف علمًا، ويمارس سلوكًا، وقد كان محمد بن الحسين بن حمزة الجعفري(ت:463هـ) يُكثر من بناء الخانقاهات[42].
وقد اهتم السلاطين السلاجقة الأتراك وأمراؤهم ونساؤهم وبعض علمائهم وأغنيائهم وحواشيهم بهذه المنشآت في عصرهم، فشيدوا منها الكثير وحبسوا عليها الأوقاف الغنية والدارّة للصرف عليها وعلى الساكنين بها بما يقوم بخدمتهم.
أما الرُّبُط، فهي جمع رباط، وهي في الأصل اسم للمكان الذي يرابط فيه الجنود لمجاهدة العدو، وحراسة ثغور الدولة الإسلامية، ثمّ استعير الاسم للأماكن التي يتخذها المتصوفة والزهاد للانقطاع فيها للعبادة، ومجاهدة النفس[43]، وتعتبر من المراكز العلمية التي أسهمت في النهوض الفكري، وهي أيضًا مأوى للفقراء وعابري السبيل، فهي تتشابه مع الخوانق في الوظائف، وإن كانت هناك بعض الاختلافات الشكلية في إمكانيات كل منهما وفي تجهيزاتهما، إذ يبدو أنّ الخوانق كانت أكبر مساحة وأكثر أوقافًا، وأنها كانت تتسع لأعداد أكثر من الرُبُط باعتبارها معدة لإقامة أطول من الإقامة بالربط.
وقد انتشرت الربط انتشارًا واسعًا في مناطق متفرقة من العالم الإسلامي في كل من بلاد الشام والعراق وغيرها، واشتهرت تلك الربط بتقديم خدمات اجتماعية وتعليمية رائدة ومن هذه الربط على سبيل المثال:
رباط الحريم الطاهري، أنشأه الخليفة الناصر لدين الله غربي بغداد على نهر دجلة، يقول عنه ابن الأثير: “هو من أحسن الرُّبط، ونقل إليه(يعني الخليفة) كتبًا كثيرة من أحسن الكتب”[44]. ورباط الزوزني مقابل جامع المنصور ببغداد، يُنسب إلى علي بن محمود بن إبراهيم الزوزني الملقب بالعُشاري(ت:451هـ)[45]. ورباط شيخ الشيوخ ببغداد يُنسب إلى أبي سعد أحمد بن محمد بن دوست النيسابوري(ت:580هـ)، وهو الذي تولى بناء الرباط، وبنى وقوفه، وبنى وقوف المدرسة النظامية أيضًا، وهو الرباط الذي درس فيه أبو نصر القشيري سنة 469هـ[46]. ورباط أبي الحسن البسطامي الصوفي(ت:493هـ)، وهو رباط مشهور على نهر دجلة غربي بغداد، بناه أبو الغنائم بن المحلبان فنُسب إلى مدرسه البسطامي[47]. وربـاط الأرجُـونية المنسوب إلى والدة الخليفة المقتدي بالله، وقد درس بهذه الربـاط أبو الفتوح بن الأسفراييني سنة 517هـ[48]. ورباط أبي الحسن محمد بن المظفر بن علي بن المُسلمة(ت:542هـ)، حيث كان دارًا للشخص نفسه ووقفه رباطًا للصوفية في بغداد[49]. ورباط قصر حرب بالموصل الذي كان مقصدًا لطلاب العلم والأدب في عصر السلاجقة يدرسون فيه ويحققون وهم مكفولون في الرباط ينفق عليهم بما وقّف عليه من أوقاف[50].
وفي مدينة مرو رباط المروزي يُنسب إلى عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن حمدويه أبو المعالي المروزي (ت: 539هـ)، وقد وقف في هذا الرباط كتبًا كثيرة، والرجل عُرف بأنه كان كثير الصدقة والعبادة[51].
ومن هذه الرُبُط التي اشتهرت بسكنى الفقراء وأهل العلم في المدينة المنورة رباط أقامه الوزير جمال الدين الأصفهاني (ت:559هـ) خصصه للفقراء والزائرين، ووقف عليه الأوقاف المناسبة للصرف عليه وعلى من به، وبنى الرُّبُط في أغلب الأماكن وقصده الناس من أقطار الأرض[52]، وفي هذا يظهر أن التأثيرات السلجوقية انتقلت إلى مدن وحواضر إسلامية عديدة.
أما الزوايا فواحدتها زاوية وهي ركن الدار، ثمّ أصبحت تطلق على الدار الصغيرة التي تتسع لأشخاص قليلين ينقطعون في الغالب للعبادة وهي أصغر من الرباط، وربما كانت جزءًا منها حيث كانت تعدّ لإقامة بعض الصوفية والفقراء والأيتام وغيرهم[53].
وقد انتشرت الزوايا مع انتشار التصوف واتساع نطاقه، ولاسيما في عصر السلاجقة الأتراك في كل من العراق والشام[54]وغيرها، فالخوانق، والربط، والزوايا من المراكز العلمية، وتتشابه في معانيها ووظائفها حتى إنّ الأمر قد اختلط على كثير ممن كتب عنها ولم يستطيعوا التفرقة بين مدلول كلّ واحدة منها لدرجة جعلت المقريزي وهو يعرف كلّ نوع في موضعـه، لم يباعد عن معنى واحد، وهو أنها كانت جميعًا بيت الصوفية ومنزلهم[55]، وقد زودت كل من الخوانق والربط والزوايا بما يحتاجه المقيمون بها، ورتبت من أجل ذلك الكثير من الوظائف، حتى إنه وُقِفت بداخل هذه الدور مجموعات من الكتب التي شكلت مكتبات جامعة يرجع إليها الطلبة عند الحاجة[56].
وينطبق حال الأوقاف في المدرس والمساجد على مدارس الصوفية المنعوتة سلفًا، فكان أثر الأوقاف فيها كبيرًا وحصتها منه وفيرة، إذ تُدِين الحركة العلمية في زوايا وربط وخوانق المساجد السلجوقية في استمرارها إلى الأوقاف، حيث كان لكل زاوية وقف يصرف منه على مشاغلها[57].
5- أوقاف البيمارستانات:
تعد البيمارستانات مراكز علمية أسهمت في النهوض العلمي في مجال الطب والتطبيب والصيدلة وغيرها، فبفضل الأوقاف برزت المدارس الطبية، فلم يقتصر أثر الأوقاف في الرعاية الصحية عند معالجة المرضى، بل تعداه إلى النهوض بعلم الطب وتعليمه، سواء في داخل البيمارستانات حيث يرتبط التدريس النظري بالعملي، أم في مدارس متخصصة أنشئت لغرض تعليم الطب في كثير من الحواضر الإسلامية، وهو ما سمي في الحضارة الإسلامية بالمدارس الطبية المتخصصة[58]، تلك المدارس التي لم تختلف عن غيرها من المدارس في نظمها والأوقاف الخاصة بها، حيث كانت تلك المدارس تسمى في أغلب الأحيان باسم منشئها أو واقفها، وقلما عُرفت باسم مدرسها أو جهة وجودها، وكان منشئوها يوقفون عليها من الأوقاف ما يكفي للصرف عليها وصيانتها وللإنفاق على مدرسيها وطلبتها ومستخدميها ومعالجتهم، كما كان يحدد في حجة الوقف عدد من يشتغلون بهذه الصناعة من المدرسين والطلاب وصفاتهم، فمثلًا: اشترط الواقف لإيوان الطب في المدرسة المستنصرية ببغداد أن يكون بها عشرة من الطلاب المسلمين يدرسهم طبيب حاذق مسلم[59].
ولم يكن عصر السلاجقة الأتراك ليعدم من هذه الظاهرة الصحية العلمية، بل أنهم أي السلاجقة رواد هذه الحركة ومطوروها، ومن هذا يفهم أن دور الأوقاف لم يقتصر على ناحية معينة، بل شملت نواحي الحياة المختلفة الدينية والمدنية والعسكرية، والأخيرة كانت مركز لتعليم الفنون والعلوم العسكرية، ولهذا أنشئت لها البيمارستانات ووقفت لها الأوقاف.
ثانيًا: دور نظام التموين الوقفي في تشجيع العلماء والمتعلمين:
مما لاريب فيه أن ظاهرة كثرة المراكز العلمية في عصر السلاجقة الأتراك لم تكن قائمة وفق إطار سياسة تعليمية مرسومة من الدولة أو السلاطين، بل كانت الدوافع الدينية والسياسية هي السبب الأهم أو الرئيس في إقامة تلك المراكز، وهذا ما أعطى الأوقاف أهمية خاصة بالنسبة للتعليم، فالأوقاف هي التي ثبَّتت أركان المراكز العلمية جميعها، ودعمت نظامها، وكان الريع الذي تقدمه الأعيان الموقوفة على المراكز المعنية شهريًا أو سنويًا، نقدًا أم عينًا، هو الضمان لاستمرار العمل في المركز، حيث كانت تدفع منه مرتبات موظفي المركز التعليمي وطلبته بحسب شروط الواقف[60].
لقد توزعت الأوقاف الكثيرة على مراكز ذلك العصر، وكان ذلك سبب توجه المدرسين إليها، وإقبال طلبة العلم عليها[61]. وابن جبير في صدد حديثه عن الأوقاف المخصصة للعلم يذكر المساجد الشرقية والغربية في بغداد مثلًا بأنها لا يأخذها التقدير فضلًا عن الإحصاء، وكانت المساجد، كما يقول ابن جبير، مكانًا لتعليم القرآن لطلبة العلم الذين كانوا يفدون إلى المساجد لهذا الغرض، وكان لهؤلاء التلاميذ، ولمقرئيهم مرتبات خاصة يستحقونها في مقابل تدريس القرآن ودراسته[62].
إن وجود أوقاف سخية الإيرادات وإدارة جيدة وسلطة سياسية مهتمة تمثل العامل الأهم في ديمومة عمل المراكز العلمية واستمرارها في تقديم خدماتها، فقد أشير إلى أن ثمن الأوقاف التي وقفها الوزير نظام الملك السلجوقي على مدارسه التسع[63] كان 600,000 دينار عراقي، أي نحو 75,000 دينار عراقي لكل مدرسة، لذلك استمرت معظم هذه المدارس أكثر من ثلاثة قرون بعد وفاة نظام الملك لاسيما نظامية بغداد[64]. ولم يدخر السلاجقة الأتراك جهدًا في توفير الإمكانات المادية التي تساعد على النهوض برسالتها على أكمل وجه، ولذا نراهم ينفقون عليها بسخاء ويخصصون لها الأوقاف الواسعة، فيذكر ابن الجوزي أن نظام الملك وقف على مدرسته ببغداد ضياعًا وأملاكًا وسوقًا بُنيت على بابها، وأنه فرض لكل مدرس وعامل بها قسطًا من الوقف، وأجرى للمتفقهة (الطلاب) أربعة أرطال[65] خبز يوميًا لكل واحد منهم، أما مدرسة أصبهان فقدرت نفقاتها وقيمة أوقافها بعشرة آلاف دينار سنويًا، وكان لنظامية نيسابور أوقاف عظيمة، وقد اهتم نظام الملك بتوفير السكن للطلاب داخل هذه المدارس[66]. أما الريع الذي كانت تنتجه الأوقاف المخصصة لنظامية بغداد، فقد ورد أنه كان 15000 دينار عراقي في السنة الواحدة[67]، وقد كان ذلك الريع كافيًا لمرتبات الشيوخ ولما يدفع للطلبة، وكان يشمل مؤونة طعامهم وملابسهم وفرشهم، وغير ذلك من ضرورات معاشهم حتى نبغ فيها جمع من الفقهاء الأفاضل ممن لا يحصون عددًا[68].
وتشير بعض الروايات التاريخية أن بعض طلبة العلم في النظامية كانت لهم غرف خاصة، إذ روي أن واحدًا من طلابها، ويُدعى يعقوب الخطاط(ت: 547ﻫ) كانت له غرفة، فعندما توفي حضر متولي التركات، وختم على غرفته في المدرسة[69]، كما حرص نظام الملك على توفير الحياة الكريمة لطلاب مدارسه، وأيضا تهيئة المناخ العلمي الذي يساعدهم على الدراسة والبحث، حيث اجتهد في توفير المراجع العلمية داخل هذه المدارس، فكانت في كل مدرسة مكتبة تضم أحسن المراجع، يتولى أمرها قوام على شؤونها، وكان نظام الملك يتفقد هذه المدارس خاصة نظامية بغداد، ففي سنة 479هـ، وقيل 480ﻫ زار هذه المدرسة وجلس في خزانة كتبها، وقرأ بها كتبًا، ثم شارك في التدريس، فقرأ الفقهاء عليه شيئًا من الحديث الشريف، وأملى عليهم بعضًا منه[70]؛ وكان من الطبيعي أن تؤدي كل هذه الجهود في تشييد هذه المدارس وتيسير سبل العلم فيها، وتوفير الحياة الكريمة بداخلها، إلى رغبة طالبي العلم بالسعي إليها، فأقبلوا عليها حتى بلغ عددهم في نظامية بغداد سنة 488ﻫ 300 طالب كانوا يتفقهون على الإمام أبي حامد محمد الغزالي(ت: 505هـ). أما نظامية نيسابور فكان يجلس بين يدي إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله بن يوسف المعروف بالجويني (ت: 478هـ) كل يوم نحو من 300 من الأئمة والطلبة. ولم يقتصر في الواقع الإقبال على هذه المدارس النظامية الشافعية على الطلاب فقط، بل شمل أيضًا الكثير من الأساتذة الذين تطلعوا إلى التدريس بها حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يضحي في سبيل هذه الغاية بالتخلي عن مذهبه، ومن هؤلاء: أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان الفقيه المعروف بابن الحمامي (ت: 518ﻫ) كان حنبليًا، فانتقل إلى المذهب الشافعي، وتفقه فيه على يد أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي(ت: 507هـ) والغزالي فجعله أصحاب الشافعية مدرسًا بالنظامية[71].
وهذا يعني أن الأوقاف السخية لم تقتصر على المدارس وإنما شملت أيضًا المساجد والمراكز العلمية الأخرى، مما دفع برجال العلم من العلماء والمتعلمين إلى ارتياد تلك الصروح العلمية التي برزت في عصر السلاجقة الأتراك ، ورجل كنور الدين خرّجته مدرسة الإسلام الرحيبة الشاملة لا يمكن إلا أن يرى في العمل والتزيين في المضمون والشكل في الوقائع والجماليات وجهين لعملة واحدة، فقد وقف بستان الميدان والغيضة التي تليه في دمشق لتطييب جوامع دمشق ومدارسها لكي يظل هواؤها معبقًا بالروائح الطيبة والشذى العبق، وكان على اهتمام كبير بهذه المسألة بحيث إنه حدّد مصارف وقفه المذكور: نصفه على تطييب جامع دمشق، والنصف الآخر يقسم عشرة أجزاء، جزآن على تطييب المدرسة التي أنشأها للحنفية والثمانية أجزاء الأخرى على تطييب المساجد التسعة في دمشق وأطرافها. وجلب للمدرسة الحلاوية التي بناها في حلب[72]، من مدينة أفاحية، مذبحًا من الرخام الملكي الشفاف الذي إذا وضع تحته ضوء شفّ من وراء الرخام، ولما دخل قلعة دمشق سنة 549هـ أنشأ بها دارًا عامة في غاية الحسن سماها دار المسرّة.
ولا شك أن كثرة الأوقاف على المراكز العلمية الأخرى في عصر السلاجقة الأتراك قد أسهم في تحقيق مجانية التعليم حيث لم يكن ممكنًا تفرغ العلماء للتعليم لو لم تؤمن معيشتهم على وجه يكفيهم[73]. ولم يقتصر مورد هذه المراكز على الأوقاف الكثيرة التي كانت تخصص لها، بل كان للعلماء عطايا وهبات خاصة يمنحها لهم الأمراء ومرتبات تصرف لهم من خزانة الدولة[74]. كما أن من مظاهر اهتمام الحكام السلاجقة الأتراك بالنشاط العلمي ما ذكر من أن السلاطين أنفسهم كانوا يهتمون بالأخذ بنصيب من الثقافة بالقدر الذي تمكنهم منه ظروفهم، فقد روي عن الواعظ المغربي أبي القاسم البكري(ت: 476هـ) أنه ورد بغداد سنة 475هـ فقصد الوزير نظام الملك، فأحبه ومال إليه، فأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية[75]؛ وعندما سمع نظام الملك من- أبي بكر محمد بن ثابت الخجندي(ت:552هـ) – وهو يعظ في مدينة مرو، وعرف محله من الفقه والعلم، حمله إلى أصبهان، وجعله معلمًا بالمدرسة النظامية فيها{أصبهان}، فنال جاهًا عريضًا ودنيا واسعة، وكان نظام الملك يتردد إليه ويزوره[76].
ومن حب السلاجقة الأتراك للعلماء وتشجيعهم أن نظام الملك قصد القاضي أبا الحسين محمد بن محمد بن البيضاوي الفقيه الشافعي(ت: 468هـ)، وكان رجلًا عابدًا خيرًا يُدرِّس الفقه، فاستمع نظام الملك لوعظه حتى بكى[77].
ويمكن القول أنه كان يُوجد اهتمام كبير بالعلم والعلماء خلال عصر السلاجقة الأتراك وتحديدًا في عهدي ألب أرسلان والسلطان ملكشاه، حيث كان الوزير نظام الملك يَعمل في الدولة خلال حكمهما والذي قام بجهود كبيرة لدعم العلم والأدب، وقد أعطى نظام الملك رواتب منتظمة للعلماء في جميع أنحاء دولة سلاجقة الأتراك لتشجيعهم على عملهم، وقد بلغ عدد من يَصرف لهم المال 12,000 عالم وأديب، كما اهتم بمجالسة أهل العلم فكانت مجالسه تعج بهم. واهتم أيضًا بإنشاء المدارس النظامية، فأسس العديد منها خلال عهد ألب أرسلان في أنحاء العراق وفارس من بغداد والبصرة إلى نيسابور وهراة، وأسس المكتبات أيضًا وملأها بكتب من مختلف مجالات العلم. حتى أن ابن الجوزي قال عنه أنه: “كانت سوق العلم في أيامه قائمة والعلماء في عهده مرفوعي الهامة”[78]، على أن من أبلغ الأمثلة على ذلك الحب للعلم والعلماء، ما قام به نظام الملك حين بنى مدرسة نظامية في الموصل بالقرب من الجامع النوري، بناها للقاضي أبي بكر بن محمد بن أبي علي الحسن الخاندي المعروف بالسديد، ووقف عليها الكثير من الأوقاف التي توازي أوقاف نظامية بغداد[79]، وبالجملة فإن السلاجقة الأتراك خصوا الجوانب التعليمية (المراكز العلمية) بشيء من الاهتمام والرعاية والعناية لبالغ أهميتها.
المبحث الثالث
دور الأوقاف في ظهور المراكز العلمية وتأثيراتها.
أولًا- دور الأوقاف في ظهور المراكز العلمية في عصر السلاجقة الأتراك:
لا يمكن إغفال الدور الذي أسهمت به الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك في إثراء الحركة العلمية والثقافية في ديار الإسلام، فقد وفرت الوظائف المنتظمة للعاملين على صيانة ورعاية المراكز العلمية الموقوفة والموقوف عليها، ووفرت كتب العلم ومصادر التعليم، وساعدت في حفظ مصادر المعلومات من الضياع للمساعدة في نشر العلوم بين الأجيال القادمة، وتوفير مصادر المعرفة المختلفة، وجمعها، وحفظها، وتصنيفها، وترتيبها، والمساعدة في نشر الأخلاق الفاضلة، وترسيخها بين أفراد المجتمع، وتقوية الروابط الإنسانية، وتقوية الروابط بين العلماء.
لقد أدت أروقة المساجد دورًا بناءً في الحركة التعليمية قبل ظهور المدارس[80]، فضلًا عن كونها المؤسسة الأولى في الدولة الإسلامية كانت دار علم[81]، ومركز للحلقات العلمية والأدبية يلتقي بين أروقتها المعلمون والمتعلمون ليتدارسوا أصول عقيدتهم الدينية وأركانها[82]، وقد كان للمساجد والجوامع أثر عميق في ظهور مجموعات متعددة وأعداد كثيرة من الأجيال العلمية التي برزت في ميادين العلوم المختلفة ، ولهذا وقف السلاجقة ومنهم السلاطين والأمراء والتجار والمحسنون الكثير من الأوقاف على المساجد لخدمة طلبة العلم الذين يترددون إلى هذه الحلقة العلمية أو تلك[83]. فظهرت العديد من المدارس، وليس أدلنا على ذلك من المدارس النظامية التي أنشأها نظام الملك الذي يقول عنه السبكي: “أنه بنى مدرسة ببغداد، ومدرسة ببلخ، ومدرسة بنيسابور، ومدرسة بهراة، ومدرسة بأصبهان، ومدرسة بالبصرة، ومدرسة بمرو، ومدرسة بآمل طبرستان، ومدرسة بالموصل”[84]، ويقول الذهبي عنه: “…، مجلسه عامر بالقراء والفقهاء، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم وأدرَّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث،..، وبنى الوقوف، وجذب الكبار إلى جانبه..”[85].
لقد بذل السلاجقة وعلى رأسهم الوزير نظام الملك وغيره جهودًا مضنية للنهوض بالحركة العلمية وتجديدها، وذلك عبر المراكز العلمية التي أنشأوها في كل مكان، وكان لها الأثر الكبير في الحياة العلمية الإسلامية، وفي التنظيم التعليمي، الذي أسس لنظام تربوي جديد يقوم على أساس التخصص، وأيضًا توفير البيئة المناسبة للعلم والتحصيل العلمي للعلماء والطلبة على حد سواء.
لقد أعطى ازدهار الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك للنواحي العلمية والأدبية فرصة لظهور مراكز مختلفة في شتى فنون المعرفة، فلمع منها علماء أفذاذ أبدعوا وأتقنوا صناعة العلم بكل محتوياته، وصنفوا كتبًا مدهشة وعالية الأهمية من الأعمال العلمية والفنية والأدبية، ومن الشواهد على ذلك الآثار الباقية لفن عمارة المساجد والمدارس والخانقاهات والربط وغيرها، وكذلك آثار الأدب التركي السلجوقي مثل بعض المعاجم اللغوية والحكايات الملحمية في الفن السلجوقي والتي يمكن من خلالها ملاحظة ظهور الناس كمواضيع للوحات والأعمال الفنية، ويَعتقد الدارسون حاليًا أن ما ولّد هذا التطور هو تغير فلسفتهم الإنسانية التي تتمثل في التساؤل حول دور الجنس البشري في الكون والرغبة في الحصول على المعرفة وتطوير نظام أخلاقي، ولولا الأوقاف لما ظهر ذلك التميز العلمي، ولما برزت تلك المراكز وأهميتها التعليمية بل المعرفية برمتها.
ثانيًا- التأثيرات العلمية والفكرية للأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك:
رغم انشغال السلاجقة الأتراك بمقارعة الأعداء والدفاع عن ديار الإسلام، وفي الوقت نفسه إيصال رسالة الإسلام إلى أقصى ما يمكن إيصاله في مدة الفتوحات والتوسعات الإسلامية؛ إلا أن النظرة العميقة للعلم وأهميته أوجد رجالًا خيرين في عصرهم-السلاجقة- قاموا بسد هذا الفراغ عن الحكام، فعنوا بالإكثار من زيادة الأوقاف على مجالات العلم المختلفة؛ الأمر الذي أسهم في نشر مراكز العلم والمعرفة ومجالس العلماء في كل مكان، والتي كان يحضرها كبار العلماء ويقيمون فيها المناظرات، ومن أمثلة ذلك: دار سابور الذي قصده وأقام فيه الفيلسوف والشاعر أبو العلاء المعري(ت:499هـ)[86]، وكانت تلك المجالس ميدانًا لتنافس العلماء، ووسيلة لهم لشغل المناصب العامة أو العمل كمؤدبين لأبناء السلاطين والأمراء، كما ساعدت الأوقاف على تقدم الحركة العلمية في مختلف المراكز واتساع خطاها، وكذلك قدمت خدمات كبيرة للباحثين وزودتهم بمصادر المعرفة اللازمة لأبحاثهم.
لقد كان للأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك أثر واضح في ازدهار الحركة العلمية والثقافية بدءًا بإنشاء نظام الملك المدارس والمساجد والمكتبات، ومرورًا بالمراكز العلمية العديدة التي شيدت في مدن الإسلام المختلفة، ومن خلال مطالعة تاريخ المراكز في مدن الإسلام في عصر السلاجقة الأتراك، يتضح فضل الأوقاف في ازدهار الحياة الفكرية، ورغم انتهاء عصر السلاجقة الأتراك الذي دام ما يقارب القرن من الزمان وأكثر، إلا أن تأثيرات ذلك العصر أحدث هزة عنيفة في مسلمات الحياة العلمية التي كانت بعضها تعدو مقيتة وهدامة، فأنعشوا الحياة العلمية حينها بسيل جارف من الأفكار النيرة التي صححت المفاهيم المغلوطة لدى بعض الفرق والطوائف والأحزاب أكانت سياسية أم دينية، واستمر سريان ذلك إلى ما بعد عصرهم بقرون طوال.
وترك الوقف العلمي آثارًا جليلة على الحركة العلمية بشتى أنواعها، وعلى الحياة الاجتماعية لمن ارتاد الحياة العلمية بلا استثناء، وترك آثارًا سلبية من خلال سوء استخدامه[87]، وعلى ضوء ذلك يمكن لنا في هذا المقام أن نبرز أهم التأثيرات العلمية والفكرية للأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك دون الخوض في تفاصيلها:
الخاتمة:
أسهمت الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك مساهمة فعالة في ظهور المراكز العلمية في مدن الإسلام المختلفة، والتي كان لها الأثر الأكبر في النهضة الفكرية التي شهدتها الأمة الإسلامية، وقد كانت الأوقاف الضامن الأساسي في استمرار أداء المراكز العلمية لمهامها التعليمية والتربوية والاجتماعية وغيرها، وهي العمود الفقري للمراكز العلمية من مساجد ومدارس وغيرها، والتي كانت مراكز موقوفة تقدم التعليم مجانًا من ريع أوقافها بالإضافة إلى مرتبات ومخصصات للمعلمين وللطلاب، كما أن عصر السلاجقة الأتراك كان عصر العلوم وظهور العلماء الأجلاء، وهو العصر الذي تعددت فيه وتنوعت مصارف الوقف على العلم والتعليم مما يصعب حصره، وأيضًا العصر الذي شهد العلم فيه رواجًا عاليًا وذلك بفضل رجاله ونسائه الذين أولوا مراكز البحث العلمي والطلبة والمدرسين عنايتهم التامة ورعايتهم الكاملة، وذلك بتخصيصهم الأوقاف السخية، ومن جراء ذلك ظهرت مراكز البحث العلمي في كل مكان، ونشطت أو ازدهرت حركة التأليف والترجمة بسبب كثرة خزائن الكتب والمكتبات وتنوع أصنافها، والعناية بها والقائمين عليها، وبعد ذلك انتشارها في أغلب مدن الإسلام الكثيرة والكبيرة.
ويمكننا القول أن الأوقاف في عصر السلاجقة الأتراك كانت بمثابة الدعامة الرئيسة للحركة العلمية والحضارية في العالم الإسلامي ولقرون عديدة قبل أن تقل منابعه أو تجفف، كما هو الحال في معظم البلاد الإسلامية اليوم. كما أن الأزمات التمويلية التي أصابت نظم التعليم في العالم العربي والإسلامي خلال فترات حديثة متعددة، هي مبرر لإعادة الاعتبار لواحد من أهم أساليب التعليم التي أفرزتها الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة، وعصر السلاجقة الأتراك مدعاة فخر ومضرب مثل في ذلك، أي نظام الوقف الإسلامي على المراكز العلمية، حيث ينظر كثير من الباحثين إلى نظام الوقف باعتباره أحد الأسس المهمة للنهضة الحضارية الإسلامية الشاملة بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، لذا فقد اتجهت الأنظار إليه مرة أخرى بعد تغييب دوره العظيم لعقود طويلة، باعتباره البذرة الصحيحة لبداية النهضة الشاملة لجميع مجالات الحياة في الأمة المسلمة. ولا شك أن البداية الصحيحة لعودة الوقف إلى مكانه الفاعل في العجلة التنموية الشاملة يتمثل في إثارة الشعور واستنهاض الهمم نحو تجلية حقيقته والدور الذي قام به سابقًا، وذلك عبر إعادة إحياء دور الوقف من أجل المحافظة على المراكز العلمية وغيرها وضمان استمرار وجودها.
([1]) أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته المشارك اليمن – جامعة عدن – كلية التربية/صبر.
([2]) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993، د. ط، ج9، ص359-360؛ المعجم الوسيط، إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط2، دار المعارف، 1400هـ، ج1، ص101.
([3]) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد أحمد محمد، المغني في الفقه الحنبلي، تحقيق: الدكتور عبدالله التركي وزميله، ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1412هـ/ 1992م، ج8، ص184؛ العيني، محمود بن أحمد، البناية في شرح الهداية، تصحيح: محمد بن عمر الرامفوري، ط1، دار الفكر، بيروت، 1400هـ/1980م، ج3، ص13.
([4]) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أبو الحسين، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1374هـ/1955م، د. ط، ج3، ص1255.
([5]) الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، بيروت، 1973، د. ط، ج6، ص21.
([6]) أمين محمد محمد، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر، دار النهضة، القاهرة،1980م، د. ط، ص259.
([7]) القحطاني، راشد سعد راشد، أوقاف السلطان الأشرف شعبان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض 1414هـ/ 1994م، د. ط، ص25.
([8]) زهـدي يكـن، الوقـف في الشريعـة والقانون، دار النهضة العربيـة، القاهـرة، 1388هـ، د. ط، ص14-18.
([9]) بن أبي شيبة، الحافظ أبي بكر عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، المصنف، ط1، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/ 1988م، ج6، ص251؛ البيهقي، أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، دار الفكر، بيروت، 1978م، د. ط، ج6، ص166.
([10]) ابن قدامة، المغني في الفقه الحنبلي، ج8، ص184؛ الكبيسي، محمد عبيد عبدالله، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1397هـ/1977م، د. ط، ج1، ص42؛ أبو زهرة، الشيخ محمد، محاضرات في الوقف، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت، ص4، 36.
([11]) السبكي، تاج الدين عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود الطناحي وعبدالفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى الحلبي البابي، القاهرة، 1383هـ/1964م، د. ط، ج4، ص314.
([12]) انظر الحنبلي، أبو اليمن مجير الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن العليمي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، عمان ، د. ت، د. ط ، ج2، ص47.
([13]) شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاوغلي، مرآة الزمان، دار الشروق، د. ت ، د. ط ، ج2، ص121.
([14]) السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج4، ص314.
([15]) أبو الحسن محمد بن أحمد، الرحلة المسماة بـ(رحلة ابن جبير أو الرحلة)، تقديم: سليم بابا عمر، موفم للنشر، د. ت، د. ط، ص229.
([16]) عبدالجبار حامد أحمد، الحياة العلمية في الموصل في عصر الأتابكة(521-660هـ)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الموصل، 1976م، ص114.
([17]) العاملي، زينب بنت يوسف فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، دار المعرفة، بيروت ، د. ت، د. ط ، ج1، ص9.
([18]) العاملي، زينب، الدر المنثور، ج1، ص12.
([19]) ابن جبير، الرحلة، ص104.
([20]) انظر: النعيمي بن عمر بن محمد، عبدالقادر بن محمد، الدارس في تاريخ المدارس، طبعة مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1988م، د. ط، ج1، ص132-135.
([21]) الحموي ، شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله، معجم البلدان، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1970م، د. ط، ج3، ص426.
([22]) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، ط1، دار التقوى، القاهرة، 1420هـ/1999م، ج12، ص339؛ ابن العماد، شهاب الدين أبو الفلاح عبدالحي بن أحمد بن محمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، طبعة دار المسيرة، بيروت، 1979م، د. ط، ج4، ص272.
([23]) النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص507؛ الذهبي، شمس الدين عبدالله بن محمد بن أحمد بن عثمان، العبر في خبر من غبر، دار الكتب العلمية ، بيروت، 1985م، د. ط، ج3، ص27-28.
([24]) ابن جبير، الرحلة، ص203؛ ابن الأثير، أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني، الكامل في التاريخ، تحقيق: الدكتور علي شيري، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1425هـ/ 2004م، ج8، ص281.
([25]) أبو نصر، محمد عبدالعظيم، الأوقاف في بغداد في العصر العباسي الثاني، ط1، عين للدراسات والبحوث الاجتماعية، القاهرة، 2002م، ص15.
([26]) انظر: الذهبي، شمس الدين عبدالله بن محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1401هـ، د. ط، ج2، ص276؛ النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص114.
([27]) الحموي، معجم البلدان، ج1، ص534؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص251؛ كوركيس عواد، خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000هـ، بغداد، د. ت، د. ط، ص231.
([28]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص55.
([30]) المصدر نفسه، ج10، ص523.
([31]) أحمد جاب الله شلبي، تاريخ التربية الإسلامية، مكتبة النهضة، 1973م، د. ط، ص373.
([32]) محمد محمد أمان، الكتب الإسلامية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1990م، د. ط، ص59.
([33]) شعبان عبدالعزيز خليفة، الكتب والمكتبات في العصور الوسطى، الدار المصرية اللبنانية، 1997م، د. ط، ص309.
([34]) العماد الأصفهاني، محمد بن محمد بن حامد، تاريخ دولة آل سلجوق، طبع شركة الكتب العربية للنشر، مصر، 1318هـ/1900م، د. ط، ص57.
([35]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص48.
([37]) الساعاتي، يحيى بن محمود، الوقف وبنية المكتبة العربية(استبطان للموروث الثقافي)، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1408هـ/1988م، د. ط، ص33.
([38]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص309.
([39]) ابن بطوطة، محمد بن عبدالله اللواتي الطنجي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المسمى بـ(رحلة ابن بطوطة)، تحقيق: علي المنتصر الكناني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1965م، د. ط، ص278.
([40]) الزايدي، عبدالله بن عبدالعزيز، الأثر الثقافي للوقف في الحضارة الإسلامية، مجلة أوقاف الكويت، العدد(11)، 15 يناير 2007م، ص104.
([41]) المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بـ(الخطط المقريزية)، دار صادر، بيروت، د. ت، د. ط، ج2، ص414.
([42]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص291.
([43]) انظر: الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، مختار الصحاح، بيروت، 1979م، د. ط، ص 229.
([44]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص252؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص85.
([45]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ، ج10، ص190.
([46]) المصدر نفسه، ج8، ص314، 350.
([47]) المصدر نفسه والجزء ، ص437.
([49]) المصدر نفسه والجزء، ص309.
([50]) ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1417هـ/1997م، ج4، ص142.
([51]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص297.
([52]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص224-225. ويقول ابن الأثير في الجزء نفسه والصفحة عن جمال الدين أيضًا: “ويكفيه أن ابن الخُجندي وهو صدر الدين أبوبكر عبداللطيف(ت:553هـ) رئيس أصحاب الشافعي بأصبهان قصده، وابن الكافي قاضي قضاة همدان، فأخرج عليهما مالًا عظيمًا، وكانت صدقاته وصلاته من أقاصي خراسان إلى حدود اليمن”.
([53]) عبداللطيف حمزة، الحركة الفكرية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي الأول، ط8، دار الفكر العربي، القاهرة، 1968م، ص105.
([54]) ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، مؤسسة جمال، بيروت، د. ت، د. ط، ج1، ص778-779؛ النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص136-137.
([55]) المقريزي، الخطط، ج2، ص414، 427، 430.
([56]) الساعاتي، الوقف وبنية المكتبة العربية، ص107-113.
([57]) المقريزي، الخطط، ج2، ص255-256.
([58]) انظر: الظاهري، خليل بن شاهين، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، تحقيق: بولس راويس، المطبعة الجمهورية، باريس، 1894م، د. ط، ص29.
([59]) ابن القوطي، كمال الدين أبو الفضل عبدالرزاق بن تاج الدين أحمد، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة، تحقيق: مصطفى جواد، 1932م، د. ط، ص56؛ حسين أمين عبدالمجيد، المدرسة المستنصرية، مطبعة شفيق، بغداد، 1960م، د. ط، ص105.
([60]) أمين محمد، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر، ص240.
([61]) ابن الجيعان، شرف الدين يحيى ابن المقر، التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية، دار الكتب الظاهرية، دمشق، د. ط، د. ت، ص7، 8 – 154.
([62]) ابن جبير، الرحلة، ص85. ويقول ابن جبير أيضًا : “وعند فراغ المجتمع السبعي من القراءة صباحًا يستند كل إنسان منهم إلى سارية، ويجلس أمامه صبيٌّ يلقنه القرآن، وللصبيان على قراءتهم جراية معلومة، وأهل القدرة من الآباء ينزهون أبناءهم عن أخذها”، ويقول: “وتعليم القرآن للصبيان تلقين، ويعلمون الخط في الأشعار ونحوها”. الرحلة، ص273.
([63]) وهي: المدرسة النظامية في مرو، وفي الموصل، وفي بغداد، وفي نيسابور، وفي بلخ، وفي البصرة، وفي آمل، وفي هراة، وفي أصبهان.
([64]) البرهاوي، رعد محمود، خدمات الأوقاف في الحضارة العربية الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الميلادي، بغداد، 2002م، د. ط، ص104.
([65]) المقصود به الرطل البغدادي(رطل الكيل أو رطل الأشياء)، ومقدار الرطل البغدادي في الوقت الحاضر هو(57 ,128 ×2,975).
([66]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج2، ص121؛ ابن الجوزي، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ط1، مطبعة حيدر أباد، الهند، 1359هـ، ج8، ص256؛ سعيد نفيس، مدرسة نظامية بغداد، طهران، 1313هـ، د. ط، ص3.
([67]) محمد عبده، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، ط3، دار الحداثة للطباعة والنشر، بيروت، 2007م، ص98.
([68]) الألوسي، محمود شكري، تاريخ مساجد بغداد، طبعة بيروتية مصورة، د. ت، د. ط، ص102.
([69]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص345.
([70]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص347.
([71]) المصدر نفسه، ج9، ص191؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج1، ص257؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص194.
([72]) ابن العديم ، كمال الدين بن العديم عمر بن أحمد بن أبي جرادة، بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، د. ت، د. ط، ص920.
([73]) الزايدي، الأثر الثقافي للوقف، ص94.
([74]) وذكر القاضي الفاضل في إحدى رسائله إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي “أن أرزاق أرباب العمائم في دولته ، إقطاعًا وراتبًا يتجاوز000 ,200 دينار ، وربما وصل 000, 300 ألف شهادة لله”. أبو شامة، شهاب الدين أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: محمد حلمي ومحمد مصطفى زيادة، مطبعة وزارة الثقافة والإرشاد، القاهرة، 1962م، د. ط، ج1، ص124.
([75]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص327.
([76]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج9، ص28-29.
([78]) ابن الجوزي، المنتظم، ج8، ص173. انظر أيضًا: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص379.
([79]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص244، 248.
([80]) عماد عبدالسلام رؤوف، مدارس بغداد في العصر العباسي الأول، بغداد، 1966م، د. ط، ص5.
([81]) الشطي، أحمد شوكت، مجموعة أبحاث في الحضارة العربية الإسلامية والمجتمع العربي، دمشق، 1963م، د. ط، ص188؛ أحمد جاب الله شلبي، الفكر الإسلامي(منابعه وآثاره)، القاهرة، 1986م، د. ط، ص32.
([82]) ابن جبير، الرحلة، ص213، 222؛ أحمد رضا أحمد، المدارس في بلاد الشام في العصر الأيوبي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة الموصل، 2008م، ص20.
([83]) محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله، الوقف في الفكر الإسلامي، المغرب، 1996م، د. ط، ص 3-4.
([84]) السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج4، ص314.
([85]) الذهبي، العبر، ج3، ص52.
([86]) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج1، ص114.
([87]) الشجاع، عبدالرحمن عبدالواحد، من مظاهر الوقف في اليمن، ط1، دار النشر للجامعات، صنعاء، 1432هـ/2011م، ص77.
([88]) الزايدي، الأثر الثقافي للوقف الإسلامي، ص94.
([89]) انظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص282،314، 328، 350،362، 365، 437، 450- 451؛ وج9، ص20،58، 178، 345.
([90]) الشجاع، من مظاهر الوقف، ص74.
([91]) الهلالي، عبدالرزاق، تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني، بغداد، 1959م، د. ط، ص48؛ سعيد الديوه جي، التربية والتعليم في الإسلام، العراق، د. ت، د. ط، ص17.
([92]) عماد عبدالسلام رؤوف، مدارس بغداد، ص12.
المصادر والمراجع
أولًا : المصادر:
ابن الأثير، أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني(ت: 630هـ):
ابن بطوطة، محمد بن عبدالله اللواتي الطنجي(ت:779هـ):
البيهقي، أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي(ت:303هـ):
ابن جبير، أبو الحسن محمد بن أحمد(ت: 614هـ):
ابن الجوزي، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد(ت: 597هـ):
ابن الجيعان، شرف الدين يحيى ابن المقر(ت: 553هـ):
الحنبلي، أبو اليمن مجير الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن العليمي(ت: 927هـ):
ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد بن محمد(ت:808هـ):
ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر(ت:681هـ):
الذهبي، شمس الدين عبدالله بن محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748هـ):
الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر(ت: بعد سنة 666هـ):
السبكي، تاج الدين عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي بن علي(ت:756هـ):
سبط ابن الجوزي، شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاوغلي(ت:654هـ):
أبو شامة، شهاب الدين أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل(ت: 665هـ):
ابن أبي شيبة، الحافظ أبي بكر عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان(ت:235هـ):
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد(ت: 1250هـ):
الظاهري، غرس الدين خليل بن شاهين(ت:873هـ):
ابن العديم، كمال الدين بن العديم عمر بن أحمد بن أبي جرادة(ت:660ه):
العماد الأصفهاني، محمد بن محمد بن حامد(ت:597هـ):
ابن العماد، شهاب الدين أبو الفلاح عبدالحي بن أحمد بن محمد(ت:1089هـ):
العيني، محمود بن أحمد(ت: 855هـ):
ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد(ت: 620هـ):
ابن القوطي، كمال الدين أبو الفضل عبد الرازق ابن تاج الدين أحمد(ت: 723هـ):
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر(ت:774هـ):
مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أبو الحسين(ت: 261هـ):
المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي(ت:845هـ):
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم(ت: 711هـ):
النعيمي، عبدالقادر بن محمد بن عمر بن محمد(ت: 927هـ):
الحموي، شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله(ت:626هـ):
ثانيًا: المراجع:
أحمد رضا أحمد:
أحمد جاب الله شلبي:
الألوسي، محمود شكري:
أمين محمد محمد:
البرهاوي، رعد محمود:
حسين أمين عبدالمجيد:
القحطاني، راشد سعد راشد:
الزايدي، عبدالله بن عبدالعزيز:
زهدي يكن:
أبو زهرة، الشيخ محمد:
الساعاتي، يحيى بن محمود:
سعيد الديوه جي:
سعيد نفيس:
الشجاع، عبدالرحمن عبدالواحد:
الشطي، أحمد شوكت:
شعبان عبدالعزيز خليفة:
العاملي، زينب بنت يوسف فواز:
عبدالجبار حامد أحمد:
عبداللطيف حمزة:
عماد عبدالسلام رؤوف:
الكبيسي، محمد عبيد عبدالله:
كوركيس عواد:
محمد عبدالعزيز بن عبدالله:
محمد عبده:
محمد محمد أمان:
المعجم الوسيط:
أبو نصر، محمد عبدالعظيم:
الهلالي، عبدالرزاق: