مركز عدن للدراسات التاريخية

تاريخ الاستيطان القديم في خليج عدن

د. أحمد بن أحمد باطايع

د. أحمد بن أحمد باطايع

قسم الآثار-كلية الآداب-جامعة عدن

ملخص

بقيت معرفتنا بآثار السهول الساحلية للبحر الأحمر وخليج عدن، قليلة ونادرة لمدة طويلة بالمقارنة مع أقاليم أُخرى في العربية الجنوبية الغربية، إذ عرفت حصريًا عن طريق المسوحات الأثرية سيما أنها لم تشهد أية حفريات أثرية حتى العام 1994م.

يتناول هذا البحث منطقة عدن في سياقها التاريخي الذي يمتد من مضيق باب المندب حتى واحة أبين في الشرق، حيث وجدت مؤشرات استيطان كثيرة منذ عصور ما قبل التاريخ. كما أن الماضيالجيولوجي والمناخي كان له عظيم الأثر في استيطان هذه المنطقة، ونقصد بذلك الحركات التكتونية التي أدت إلى نشوء البحر الاحمر وبالتالي انفصال أفريقيا عن آسيا، فضلا عن التقلبات في حركة مستوى سطح البحر التي شكلت العقبة الرئيسية في فهم وتحديد انتشار المواقع القديمة (خلال عصري الباليستوسين والهولوسين)، وبالتالي بعدها النسبي عن الشريط الساحلي. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن ساحل خليج عدن شهد مظاهر للاستيطان منذ العصر الحجري القديم تمثلت بهجرة الإنسان من شرق أفريقيا عبر مضيق باب المندب -كأقصر طريق-وانتقاله الى حضرموت. وقد مهد كل ذلك الطريق للتوسع في دراسة وكشف عدد من المواقع الاثرية على امتداد الساحل، وهي مستوطنات الصيادين وجامعي القواقع في عدن الصغرى وخور عميرة والتي تعود للعصر الحجري الحديث، فضلًا عن كشف ثقافات عصر البرونز الفخارية التي لم يسبق كشفها من قبل في ساحل تهامة وخليج عدن والتي استمرت حتى ظهور الفترة التاريخية.

الكلمات المفتاحية: الاستيطان القديم، باب المندب، عدن، السهول الساحلية، راس عمران.

Abstract

Our Knowledge about the archaeology of the costal plain of the Red sea and the golf of Aden where for long seant and rare. It was known through archaeological surveys and was excavated only in 1994.

This research studies the site of Aden in its historical context، where there exist evidences of ancient habitation since prehistoric periods.

Recent discoveries denotes that early humans left/migrated from east Africa to Asia via Bab al Mandab and reached Hadramaut. This encouraged the archaeological investigations along the coast while revealed cultures not known before.

تمهيد:

إن معرفتنا بآثار السهول الساحلية للبحر الأحمر وعلى وجه الخصوص في خليج عدن، بقيت بالمقارنة مع أقاليم أُخرى في العربية الجنوبية الغربية، لمدة طويلة قليلة ونادرة وأنها قد عرفت حصريًا عن طريق المسوحات الأثرية حيث إنها لم تشهد أية حفريات أثرية حتى العام 1994([1]). وإذا حاولنا تتبع هذه الرؤية، ربما يعود السبب في ذلك فيما يراه نفر ليس بالقليل من الباحثين المهتمين بالدراسات التاريخية في اليمن، بأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الإطار الجغرافي والسياسي؛ إذ أن اليمن كان منقسما إلى شطرين، مما أدى إلى تطور الدراسات الأثرية في كل إقليم بشكل مستقل.

أولاً: الموقع والطبيعة الجغرافية:

في سياق هذا البحث سنتناول ليس موقع عدن المدينة /الميناء فحسب، وإنما عدن في سياقها التاريخي، ونعني بذلك “عدن التاريخية “. ونقصد بها المنطقة الممتدة التي تبدأ من مضيق باب المندب وإلى الشرق منه لمسافة 100 كم على ساحل خليج عدن حتى ميناء عدن والمنطقة الخلفية في واحة تُبَن إلى الشرق منه ([2])، حيث توجد مؤشرات أثرية لاستيطان أكثر قِدما مما تعارفنا عليه في شبه جزيرة عدن وعدن الصغرى وامتداد ساحلها ليصل إلى رأس عمران قرب باب المندب ([3]) (خريطة رقم 1 ) وهو ما سيتم تناوله مفصلا في هذا البحث.

ومن حيث الطبيعة الجغرافية فإن اليمن تحتل موقعا متميزا في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجريرة العربية، وبذلك فإنها تقع في ملتقي البحر الأحمر مع منطقة خليج عدن.

إن هذا الموقع أدى إلى أن يتميز اليمن بأقاليم جغرافية وطبيعية شديدة الاختلاف لعبت دورًا هامًّا في تاريخ الاستيطان في المنطقة، فضلًا عن إنها قد قسمت تضاريسها إلى أقاليم طبيعية رئيسية:

إقليم حضرموت ورملة السبعتين ومناطقها المجاورة، ثم مرتفعات اليمن الوسطى والشرقية، فضلًا عن ذلك هناك الساحل الشرقي للبحر الأحمر الذي يعرف بساحل تهامة الذي يمتد لمسافة 500 كم بدءًا من جيزان في العربية السعودية شمالًا ونزولًا حتى باب المندب، وإلى الشرق منه لمسافة 100 كم على امتداد ساحل خليج عدن حتى ميناء عدن ([4]) (خريطة رقم 1).

ومن أجل إيجاد تفسير لمختلف مظاهر سطح الأرض هذه، تأتي أهمية توضيح الماضي الجيولوجي والمناخي فضلا عن الجيومورفولوجي لليمن، وأثر ذلك على ساحل خليج عدن. فمن وجهه النظر الجيولوجية فإن العربية الجنوبية كانت تشكل جزءًا من الصحن العربي القاري الملتحم مع القارة الافريقية، وعلى إثر الحركات التكتونية التي أدت إلى حركة الصدع القارية في منطقة البحر الأحمر التي بدأت منذ 30 مليون سنة، في أواخر العصر الثلاثي([5])،ثم تتالت الحركات التكتونية حتى تم صدع البحر الأحمر وخليج عدن، وبالتالي تم الانفصال التام لشبه الجزيرة العربية عن قارة أفريقيا.

وجدير بالذكر أن هذه الظاهرة التكتونية قد توقفت خلال عصر الميوسين المتأخر (12-15) مليون سنة ([6]) وعليه فإن البحر الأحمر وخليج عدن تكونا نتيجة لهذا الانفصال وعلى إثر ذلك برزت حركة رفع على جانبي هذا المنخفض أدت إلى بروز سلسلة جبلية مرتفعة في النهاية الجنوبية للبحر الاحمر في كل من إرتيريا /اثيوبيا (أبسينيا/Abyssinian) من جهة والعربية الجنوبية الغربية من الجهة الأخرى.

وبما أن المستهدف بالدراسة “عدن التاريخية ” أي ساحل خليج عدن فقد لاحظت العديد من البعثات الأثرية العاملة في السواحل اليمنية وفي تهامة وساحل خليج عدن، بأن العقبة الرئيسية في تحديد وفهم انتشار المواقع الأثرية القديمة، برهنت على أنها تعود الى التغييرات الجيومرفولوجية المستمرة للمنطقة فضلًا عن حركة الشطآن الساحلية على وجهه الخصوص([7]).

إن الشريط الساحلي لليمن شهد تغيرات عبر الزمن كاستجابة للتغيرات المناخية العالمية التي تعزى لأسباب عدة، منها الدورات الجليدية، فضلًا عن الأثر العالمي النطاق لتأرجح مستوى سطح البحر.

إذ تعرضت الأرض خلال العصر الرباعي الذي يمثل العصر الجيولوجي الأخير من تاريخ الأرض والحياة، الذي بدأ منذ حوالي ثلاثة ملايين سنة وما زال مستمرا حتى الآن إلى الكثير من التغييرات المناخية، وقد قسمه الباحثون إلى قسمين: الأول، عصر البلايستوسين ((Pleistocene ويبدأ من حوالي ثلاثة ملايين سنة حتى عشرة آلاف سنة. والثاني، عصر الهولسين(Holocene) ويبدأ من عشرة آلاف سنة ويستمر حتى الآن.

إن أهم ما يميز عصر البلايستوسين إنه عصر بارد حدثت فيه تقلبات مناخية كبيرة. إذ تتابعت على امتداده دورات جليدية وأخرى دافئة. لقد أثرت تلك التقلبات المناخية على البحار التي تعرضت لحركات “مد” (Transgression) ارتفع فيها مستوى مياه البحار وغطت مناطق من اليابسة المحيطة وحركات “جزر” (Regression)عندما تراجعت مياه البحار إلى الخلف وانحسرت عن المناطق التي غطتها في مرحلة الارتفاع[8])). وعموما شهدت العصور الجليدية تقلبات مناخية بين تقدم الجليد أو تراجع الجليد، بين فترات باردة وأخرى دافئة، كان لها تأثير كبير على إنسان ذلك الزمان. ومما يجدر ذكره هنا ما أكدته الدراسات الجيولوجية في جنوب البحر الأحمر، أنه في أغلب العصر الجليدي، خاصة في ذروة العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 18 ألف سنة، فإن مستوى سطح البحر الأحمر كان أدنى بحوالي 80 مترا عن المستوى الحالي، وإن البحر الأحمر ربما كان معزولا تماما عن المحيط الهندي([9]).

 وعلى امتداد نهاية العصر الجليدى الأخير منذ حوالى 12 ألف سنة بدأ مناخ الأرض يدفأ تدريجيا مفسحا المجال لأحوال دافئة ورطبة خلال البداية الكاملة لعصر الهولسين منذ 10 ألف سنة، مما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة الذوبان الكامل للغطاء الجليدى. علما أن هذا بدوره شهد فترات لتقلبات مناخية بين الرطبة والجافة أدت الى ارتفاع وانخفاض في مستوى سطح البحر، يؤيد ذلك أنه خلال عصر الهولسين فإن الشريط الساحلي للبحر الأحمر قد شهد تغييرات مناخية هامة، أهمها الارتفاع الملحوظ لمستوى سطح البحر نتيجة لذوبان الجليد، هنا يجدر بنا ذكر ملاحظة العديد من الدارسين لهذه المنطقة، بأن مظاهر عصر الهولسين خاصة في سواحل البحر الأحمر لم تجد الدراسة المفصلة بعد ([10]).

ورغم ذلك فإن المعطيات الحديثة بدأت بتقديم بعض النتائج كالدراسة الجيولوجية الحديثة الخاصة بآثار عصور ما قبل التاريخ الساحلية الغارقة في البحر الأحمر التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الكشوفات الأثرية تحت الماء (علم الآثار البحرية)، وذلك اعتمادا على تقلبات مستوى سطح البحر منذ نهاية ذروة العصر الجليدي الأخير منذ حوالى 18 ألف سنة حتى عصر الهولسين، وتأثير ذلك على مستوى سطح البحر في الشريط الساحلي في منطقه باب المندب([11]). وتشير الدراسات الجيولوجية لجنوب البحر الأحمر، بأنه في عصر الهولوسين قد ارتفع مستوى سطح البحر إلى ما فوق المستوى الأدنى الذي وصل إليه خلال العصر الجليدي الأخير، وأن مستوى سطح البحر قد أخذ في الارتفاع تدريجيا منذ الهولوسين المبكر حوالي الألف التاسع ق.م حتى الألف السادس ق.م، وأنه قد وصل إلى ذروة ارتفاعه في الألف السادس ق.م، وأن الشريط الساحلي كان يبتعد لمسافة 10 كم الى الداخل من الساحل الحالي([12])، ودليلنا على ذلك هو وجود المستوطنات الساحلية للمجموعات البحرية القديمة الممثلة في الأكوام الصدفية التي تنسب إلى العصر الحجري الحديث في ساحل تهامة منذ الألف السادس ق.م([13]) والتي تقع على الشريط الساحلي المرتفع بين 1-2 مترا فوق مستوى سطح البحر الحالي وتبعد لمسافة من 5 حتى 10 كم من الساحل الحالي ([14]) إلا أن مستوى سطح البحر قد تراجع في الفترة الواقعة بين الألف السادس ق.م والألف الثالث ق.م، وبالتالي فإن الشريط الساحلي تراجع لمسافة 10 كم عما كان عليه([15])، وإن الشريط الساحلي الحديث فقد تكون قبل حوالي2500-_2000 ق.م ([16]) وكنتيجة لهذه التغيرات فان البعد النسبي لكل موقع للركام الصدفي من الشريط الساحلي أصبح يستخدم في عملية تأريخ الموقع، رغم أن ذلك دُعم أحيانا بتحاليل الكربون المشع ([17]). وعليه فإن كل المواقع الأثرية التي كانت تقع على الساحل مباشرة والسابقة للألف السادس ق.م يعتقد بأنها قد غرقت تماما تحت مياه البحر وذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر([18])، وبما أن البحر أخذ في الانخفاض بعد الألف السادس ق.م، فإن الأكوام الصدفية التي تقع بين الشريط الساحلي الحديث والشريط الساحلي للألف السادس ق.م، حوالي 10كم إلى الداخل، فإنها قد أُرخت إلى ما بين الألف السادس والثالث ق.م. ([19]).

وبالتزامن مع ارتفاع مستوى سطح البحر في فتره الهولوسين الأوسط الرطبة (9000- 6000سنة)، فقد تم توثيقها بشكل جيد في أنحاء كثيرة من اليمن وجنوب الجزيرة، ففي اليمن فقد أكدتها سجلات المناخ معززة ببيئة البحيرات القديمة في مرتفعات اليمن (تربة جهران) في إقليم ذمار([20]) فضلا عن النشاطات البُحيرية Lacustrine)) في صحراء اليمن الداخلية “رملة السبعتين”([21])، فضلا عن جريان نهر الجوف/ حضرموت ليصب في المحيط الهندي وذلك قبل حوالي 7000 سنة([22])، وجميعها يمكن مقارنتها مع بحيرة “مندوفان” في الربع الخالي في جنوب العربية السعودية التي يعود تأريخها بين 9600 – 8000 سنة، التي ترتبط من الناحية الأثرية بفترة العصر الحجري الحديث المطير في شبه الجزيرة العربية (Neolithic Pluvial of the Arabian Peninsula) الذي يؤرخ بين-9000-6000 سنة.([23])

كما تشير الدراسات الحديثة في ساحل خليج عدن، أنه في أسفل السبر الاختباري في موقع ” ام معليبة” الذي يبعد لمسافة 5 كم إلى الشرق من موقع “صبر” في محافظة لحج، توجد ثلاثة أمتار أخرى رواسبها تماثل تلك من مرحلة مناخ الهولوسين الأوسط الرطب([24]). كما أن نهر وادي “تبن” ربما وصل حتى البحر في هذه الفترة، وأن الشريط الساحلي ربما كان أبعد إلى الداخل على الأرض المنخفضة([25]) وربما كان قرب زنجبار([26])، كما أن موقع “صبر” وبعده لمسافة 20 كم من الساحل ربما تمثل أحد هذه المظاهر.

كما يميز هذه الفترة للهولوسين الأوسط أيضا هو الانتشار الواسع لغابات المانجروف على امتداد الشريط الساحلي للبحر الأحمر وخليج عدن، ووجود الأعداد الكبيرة من الأكوام الصدفية التي تكونت بواسطة تراكمات كثيفة لرخويات”Terebraliapalustris” التي تتعايش مع طين المانجروف، والتي توسعت إلى الداخل مزيلة بذلك المستوطنات السابقة لها، وتعد الآن بيئة ساحليه منقرضة، بينما الأكوام التي تهيمن عليها أنواع رخويات “Strombus، murex” فإنها تؤشر لمواقع ذات مخلفات لمراحل متأخرة.([27])

إلا أنه منذ حوالي الألف الرابع ق.م قد شهد المناخ مرحلة جفاف بسبب ضعف الرياح الموسمية، وصاحب هذه الفترة انخفاض تدريجي في مستوى سطح البحر وصولا إلى مستوياته الحالية([28]) وهنا نلاحظ ما أشار إليه Doe، بأن مستوى سطح البحر قد انخفض حوالي مترين منذ كتاب الطواف في حوالي منتصف القرن الأول الميلادي ([29])وهذه الفترة تقابل فتره الهولوسين المتأخر الموافق لعصر البرونز الذي يمثل أواخر عصور ما قبل التاريخ ثم العصور التاريخية اللاحقة. وكان من نتائج جفاف المناخ أن انتقلت مستوطنات الأكوام الصدفية باتجاه الساحل الحديث، فضلا عن تراجع البيئات الغابية المانجروفية وما يرافقها من البيئات الحيوية البحرية، ثم الانتشار الواسع للمسطحات الملحية التي تمتد لمسافة 1،5 كم من الساحل.([30]) وبالتالي فإن تغيير المناخ أدى إلى تغيير الطبيعة الإقليمية والإمكانيات الاقتصادية مما استدعى تكثيف التدخل البشري باستخدام أنظمة الري وتطوير نظم الزراعة، ومن ثَم النمو السكاني والاستيطان في قرىً كبيرة وبالتالي المدن، وعليه يمكننا القول إنه منذ بداية الفترة المتأخرة لعصور ما قبل التاريخ فقد بدأت مرحلة طويلة من تحول الأرض والطبيعة، فضلا عن التعرية التي ما زالت مستمرة حتى الآن.

ثانياً: لمحة عن تاريخ الكشوف الأثرية في منطقة خليج عدن: 

المرحلة الأولى:

 يمكننا القول إن الدراسات الحديثة في عدن قد بدأت تحت الحماية البريطانية، علما بأنه طوال فترة الاستعمار البريطاني لم يتم في مدينة عدن (كريتر) أية حفريات أثرية أو كشف آثاري يخص فترة ما قبل الإسلام، عدا ما كشف عنه الكابتن هنسHaines) ) أول حاكم بريطاني لعدن، لنقش على قطعة من المرمر عندما كان العمال يشقون طريقا من صيرة إلى حقات، وهو النقش المعروف ب(RES 2641) و نشر في العام 1842م في المجلة الآسيوية البنغالية، ويوجد النقش حاليا في متحف بومبي بالهند. كما تم العثور على بعض القطع الأثرية القديمة مستخدمة في بعض المباني، أي أنها منقولة عن مواقعها الأصلية([31]).

ومنذ بداية أربعينيات القرن الماضي بدأت في الساحل الغربي لليمن خاصة في ساحل خليج عدن عمليات المسح الأثري بشكل غير متواصل. ففي عام 1943 نشر Hamilton عرضًا لبعض المواقع الأثرية لمحميات عدن الغربية، حيث قدم ملاحظات هامة عن منطقة عدن-لحج، وقد تضمن أول وصف لموقع صبر الأثري([32]). كما قام الخبيران الأثريان بمصلحة الآثار Harding و Doe بمسوحات أثرية في أنحاء مختلفة من جنوب اليمن، بما فيها المنطقة الخلفية لعدن فضلا عن واحة أبين([33])، بينما قام الجيولوجي Cambridge عام 1966بكتابة تقرير عن مواقع ركام الأصداف في عدن الصغرى والذي يعود تاريخه إلى عصر البرونز([34]).

كما قام Doe وآخرين بمسوحات أثرية حول عدن استطاعوا فيها أن يحددوا مستوطنات قديمة ترتبط بحضارة ممالك اليمن القديمة، كموقع “بئر فضل” شمال غرب المنصورة، ومستوطنة “بئر ناصر” شمال شرق دار سعد، و “كدمة الساف/ الحبيل” شمال غرب الحوطة فضلا عن عدد من المستوطنات في حوض وادى تبن/لحج وحوض أبين([35]).

المرحلة الثانية:

 وهي مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني في عام 1967حيث كانت البداية مركزة على ترتيب أولويات الدولة الفتية وما يتطلبه ذلك من معالجات للنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا شهدت هذه الفترة تباطؤًا في النشاط الأثري ولهذا يمكننا أن نقول إنه حتى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كانت الاهتمامات العلمية بآثار تهامة على البحر الأحمر وكذلك في ساحل خليج عدن تعتمد على معلومات المسح السطحي وهذه بدورها كانت انتقائية ومتقطعة ([36]).

إلا أن هذه الرؤية قد تغيرت بصورة جذرية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وذلك من خلال المسح الأثري الشامل لأراضي المملكة العربية السعودية بواسطة البعثة السعودية – الأمريكية، وذلك عند دراستها المفصلة للمنطقة الجنوبية-الغربية ومرتفعات عسير وسواحل تهامة السعودية، وخصوصا عندما نشروا نتائج مجساتهم الاختبارية التي أجروها في موقع “سيحي”(Sihi) جنوب جيزان([37]).

وقد كان من نتائج تلك النشريات أن أصبحت فتحًا جديدًا على الآثار اليمنية، ومن ذلك أن البعثة الإيطالية التي كانت تقوم بمسوحات وتنقيبات في مرتفعات اليمن الشرقية في منطقة خولان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي قد وسعت نطاق بحثها الميداني إلى ساحل البحر الأحمر في تهامة بين زبيد ومنطقة وادي سردد؛ وذلك بغرض الأبحاث الأثرية والبيئية، حيث أكدوا على وجود الكثير من المواقع الأثرية التي تتميز بظاهرة تركزات كبيرة من الأكوام الصدفية (Shell Middens) مقدمين الأدلة الأثرية للاستيطان البشري القديم في ساحل تهامة واستغلال المصادر البحرية كاستراتيجية غذائية لسكان ما زالوا يعتمدون على جمع القوت منذ المرحلة المبكرة للعصر الحجري الحديث في الألف السابع ق.م.  حتى العصور الميلادية الموازية للمالك العربية القديمة([38]). وتكمن أهمية الأكوام الصدفية في أنها تقدم نموذجا لثقافة بيئية إذ إن هذه الأكوام الصدفية تعيش ضمن علاقة تكاملية مع نبات المناجروف، أي نظم بيئية مختلفة ومتعايشة.

وبهذا فإن البعثة الايطالية تكون قد قامت بدراسة ظاهرة الأكوام الصدفية لأول مرة في ساحل اليمن، كما أشاروا أيضا إلى وجود مكثف لهذه الأكوام في منطقة خليج عدن([39] (. وهو بحث ستواصل البعثة المشتركة الألمانية-الروسية التوسع فيه في خليج عدن. وفضلا عن ذلك فإنهم عثروا على آلات حجرية ضمن سياق إستراتجرافي تؤكد على آثار لوجود استيطان بشري يعود إلى العصر الحجري[40])).

ومنذ بداية تسعينيات القرن العشرين فإن وضع البحث الأثري في ساحل تهامة وعلى وجه الخصوص في خليج عدن قد شهد تطورًا كبيرًا، وذلك بدءًا من أعمال البعثة اليمنية-الأمريكية (1992-1990م)، التي تعد البداية الحقيقة للدراسة المنهجية للآثار والتطور التاريخي في ساحل خليج عدن بالرغم من أن أبحاثها قد تركزت أساسا على فترة العصر الحجري القديم ( (Palaeolithic، حيث قامت بمسح أثرى حول باب المندب في خليج عدن (خريطة رقم 2) أكدوا فيها على الاستيطان البشري في هذه المنطقة منذ العصر الحجري القديم، وبالتالي بحثهم عن سيناريوهات طرق انتقال البشر خارج أفريقيا، الذي ربما كانت الطريق المائي عبر مضيق باب المندب كأقصر طريق([41])(خريطة رقم3)، وهذا السيناريو تم تأكيده والسير فيه بمزيد من الأبحاث الحديثة ([42])(خريطة رقم 4). ثم أعقبتها البعثة الألمانية-الروسية المشتركة التي استمرت بين 1994-2000، علما بأن البعثة الروسية كانت تعمل في اليمن منذ العام 1983-1990، باسم البعثة السوفيتية-اليمنية المشتركة ([43]).

إن تكوين البعثة المشتركة شكل منعطفًا هامًا في تطور ثقافة العربية الجنوبية الغربية، فضلا عن تطور تاريخ البحث الأثري، كما أنها قد مهدت الطريق للتوسع في المسح والتنقيب، ومن ثَم الكشف عن عدة مواقع أثرية في خليج عدن والمنطقة الخلفية لها، حيث قدمت توضيحا لنموذج اجتماعي/ اقتصادي يتناول مستوطنات قديمة للصيادين وجامعي الرخويات Ancient Fishers and Mollusc Gatherers)) كثقافة لمستوطنين في منطقة خليج عدن بدءًا من حوالي الألف الخامس ق.م، أي منذ العصر النيوليتى المتأخر مرورا بعصر البرونز وصولا حتى بداية العصر الميلادي([44]). وهذا يتفق مع ما أشار إليه أميرخانوف (Amirkhanov) بأن منطقة ساحل خليج عدن ظلت حتى وقت قريب منطقة مجهولة ولم تستكشف بعدterra incognita ([45])

استهلت البعثة المشتركة بواكير أعمالها بإجراء حفريات أثرية في ربيع عام 1994م في موقع ” صبر” في محافظة لحج على بعد 20 كم إلى الشمال من عدن في دلتا وادي تبن، وهو يمثل حضارة فخارية ساحلية امتدت على طول ساحل البحر الأحمر وخليج عدن([46]) (خريطة رقم 5) و تاريخها يتراوح بين القرن الرابع عشر ق.م. حتى أوائل القرن التاسع ق.م. وبذلك فهو يمثل الفترة المتأخرة من عصر البرونز.

أما الفترة المبكرة من عصر البرونز فيمثلها موقع “اُمعليبة” الذي تم الكشف عنه في أثناء المسح الأثري للبعثة المشتركة في العام 1996، وأجريت فيه عمليات للسبر الاختباري خلال عامي 1997-1998.

يقع موقع “اُمعلبيه” في السهل الساحلي بين لحج وعدن وحوالى 5كم إلى الشرق من موقع صبر([47]) وفخاره يشير إلى مرحلة مبكرة من ثقافة صبر الساحلية ويعود تأريخه إلى حوالى 2000-1600 ق.م ([48]). كما أكدت الأبحاث في هذا الموقع على وجود مستوطنات زراعية، إذ تم فيها الكشف عن عدة قنوات للري الصناعي مما ينم عن معرفة بالزراعة منذ عصر البرونز وقبل نشوء الممالك اليمنية القديمة([49])(شكل رقم 1).

وأدت أهم نتائج البعثة الألمانية / الروسية المشتركة من خلال نتائج المسح والتنقيبات إلى اكتشاف عناصر أثرية جديدة لم يسبق اكتشافها من قبل، و نعني بذلك مواقع الأكوام الصدفية التي تمثل ثقافة “جديدة” للصيادين وجامعي الرخويات الذين استوطنوا في سواحل خليج عدن([50])، ومنها الكشف عن عدة مواقع أثرية أهمها موقع “النبوة” غرب عدن، والذي يمتد تاريخه بين الألف الرابع الى منتصف الألف الثاني ق.م.([51])(شكل رقم 2)

أما المنطقة الثانية فقد كانت في منطقة خور عميرة قرب باب المندب وحوالى 80 كم إلى الغرب من عدن، وقد تم كشفها خلال المسوحات الميدانية في العام 1999م، وتم الحفر فيها عام 2000م؛ مما أدى إلى الكشف عن العديد من المواقع الساحلية لمستوطنات الصيادين وجامعي القواقع، وأكثرها أهمية موقع “كود قهيو” الذي يرجع تأريخه إلى الألف الخامس ق.م. – الألف الرابع ق.م.([52] )(شكل رقم 3) فضلا عن الكشف عن موقع للركام الصدفي من عصر البرونز في عدن الصغرى([53])(شكل رقم 4).

ومن خلال هذا الجهد لمحاولة تتبع تاريخ البحوث الأثرية والتاريخية، يتضح لنا بأن السهل الساحلي لخليج عدن والمنطقة الخلفية المتصلة به، لم يتضح تطورها التاريخي بشكل كافٍ حتى الآن، بالرغم من أنها شهدت استيطانا منذ بداية عصور ما قبل التاريخ مرورًا بالعصور التاريخية ثم الفترة الإسلامية وصولا إلى التاريخ الحديث والمعاصر.

كما توضح لنا أيضا تنوع الثقافات التي توجهت نحو الساحل وإن أقدمها تلك التي تهيمن عليها الركامات الصدفية ثم الثقافة الزراعية التالية لها، فضلا عما يوضحه انتشارها الجغرافي، وذلك بصرف النظر عن الفجوات التاريخية الكبيرة التي ما زالت قائمة مما يتطلب المزيد من مواصلة الجهود الحثيثة الأثرية والتاريخية.

ثالثاً: عدن في المصادر التاريخية:

  1. عدن في النقوش

لم تذكر عدن في النقوش المنشورة والتي تعود لفترة قبل الميلاد، كما هو الحال في ذكر كثير من المدن اليمنية القديمة، ولكن يفهم من نقش النصر(RES 3945) وهو نقش المكرب السبئي كرب إل وتر بن ذمر علي المؤرخ من القرن السابع ق.م، بأن منطقة عدن كانت ضمن الأراضي التي احتلها السبئيون كما هو حال أراضي دهس وتبن ثم دثينة، وكان من نتائج حروب هذا المكرب اختفاء مملكة أُوسان التي حلت محلها مملكة قتبان التي استعادت بعض أراضيها المحتلة من قبل أُوسان، وتوسعت أراضي قتبان مع بداية القرن الرابع ق.م حتى بلغت حوض وادى تبن في خليج عدن وباب المندب، وما يؤكد ذلك العثور على نقش قتباني (غير منشور) بين عدن وباب المندب (نقش العذقة/وادي مرخة/خرز).

أما في القرون الميلادية الأولى نجد نقشين مهمين يشيران صراحة الى عدن كمدينة وبحر، ويؤكدان على قدم تسمية عدن ودورها التجاري والسياسي، أولهما نقش مدينة (قفط) على النيل في صعيد مصر، حيث كان لهذه المدينة علاقة تجارية مع عدن، إذ يذكر النقش أحد تجار عدن يدعى (هيرميوس بن أثينيو) وهو تاجر ومواطن “مدينة” عدن على البحر الإريتري، يقدم نقشا على مسلة تذكارية أيام القيصر “في سبازيان أقسط” وذلك في 9 أغسطس سنة 70 ميلادية، وهذا المواطن اليوناني الأصل هاجر واستوطن في عدن وصار أحد تجارها ([54]).

والنقش الثاني (المعسال5) الذي خطه (حظين أوكن) قيل ردمان وخولان أيام حكم الملك ياسر يهنعم (ملك سبأ وذو ريدان)، وكان هذا القيل قائدا للجيش الحميري الذي حارب وطارد الأحباش في الأجزاء الجنوبية بل وحاربهم في بحر عدن ولم ينج منهم -أي الأحباش-سوى عشرين رجلا، وكان ذلك في بداية النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي([55]).

  • عدن في المصادر الكلاسيكية

قبل أن نتناول ذكر عدن في المصادر الكلاسيكية، يجب الإشارة بأن الاسم (عدن) قد جاء ذكره في” التوراة، الإصحاح 27″ من كتاب/سفر “حزقيال” وذلك حوالي 600 ق.م، إشارة إلى أهميتها كموقع تجاري، حيث ذكرت الى جانب سبأ وقنا في اليمن وحواضر أُخرى في شمال الجزيرة العربية، كالآتي: (وتجار سبأ ورعمة هم تجارك، بأفخر كل أنواع الطيب وبكل حجر كريم والذهب، أقاموا أسواقك حران وكمنة وعدن وتجار شبأ وآشور كلمد تجارك).

وفي بداية القرن الأول الميلادي نجد صاحب كتاب “الطواف حول البحر الإرتيري”، بعد وصفه لميناء “أوكليس” يصف موقعا شرق باب المندب في خليج عدن صالحا كميناء ومرسى للسفن تتوفر فيه المياه العذبة وينعزل عن البر، حيث ينفرج البحر المتجه نحو الشرق وعلى بعد مائتي إستاديا، توجد “Eudemon Arabia” أي العربية السعيدة، قرية في البحر في مملكة كرب إيل، وفيها مرسى مناسب، وأماكن للمياه عذبة، وأفضل من أُوكليس، وتقع على مدخل خليج ويبعد عن البحر([56]) وأشار الشيبة بأنها سميت بالسعيدة لأن المدينة في أيامها الخوالي قبل أن يتم السفر مباشرة من الهند الى مصر، وقبل أن يجرؤ الملاحون على الإبحار من مصر الى الموانئ الواقعة عبر المحيط مباشرة، كانت تتجمع جميع المتاجر من البلدين كما هو الحال بالنسبة للإسكندرية حيث تصلها الأشياء التي تبتاع من الخارج ومن مصر، وكان ذلك بالنسبة لعدن قبل خرابها من قبل القيصر Caesar ([57]). ولكن هناك عدة آراء حول خراب عدن هذا، فمن الباحثين من يرى أن هذا التدمير قد قام به القيصر، بينما آخرين يعتقدون بأن هناك تحريف قد حدث لكلمة “Caesar”والمقصود ملك حضرموت “Eleazos” ملك بلاد البخور “اى ايل عزيلط” (190 -230م)، وفريق ثالث يرى أن هذا التدمير تم عن طريق أُسطول روماني في وقت غير معروف أو أنه تم على يد الإمبراطور” سبتميو سسيفروس” في أثناء حملته الثانية على البارثيين عام (197-199م) ([58]) وعلى كل حال فإن وصف صاحب (الطواف) للموقع أعلاه ينطبق على ميناء عدن أكثر من غيرها من المناطق في خليج عدن. أما”بطليموس” فيصف عدن بأنها فرضة بلاد العرب “”Arabia Emporium، وكان هذا وصفها وتعريفا لها لفترة طويلة من القرون الميلادية الأولى، إلى جانب وصف صاحب الطواف لها بالعربية السعيدة Eudemon Arabia””، وهذا يضفي على عدن أهمية تجارية خاصة. ولعل إطلاق اسم عدن في الخرائط الأوربية منذ عصر الرومان حتى عصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي على اليمن كله كان أمرا شائعا، فهي ثغر اليمن، وسمى اليمن بمملكة اليمن وسلاطينها بسلاطين عدن ([59]).

هذا وكانت عدن محمية من محميات الإمبراطورية الرومانية، واعتُبرت إحدى أسواقها، وفي القرن الرابع الميلادي تفوقت على موانئ حضرموت وميناء موزع واستحوذت دون منافس على تجارة البحر الأحمر وكانت كذلك خلال الاحتلال الحبشي والاحتلال الفارسي لليمن، واشتهرت في القرن السادس الميلادي كواحدة من أسواق العرب، وعُرفت بمنسوجاتها وبضائعها الثمينة الأُخرى المرغوبة في ذلك الوقت.

رابعاً: التطور التاريخي في خليج عدن:

هناك أدلة أثرية تؤكد أن بلاد اليمن قد تم استيطانها منذ أقدم عصور ما قبل التاريخ، وهذا يشمل إقليم تهامة عموما وساحل خليج عدن خصوصًا. ولهذا سنحاول في هذا الجزء من البحث أن نتتبع أقدم مظاهر استيطان ساحل خليج عدن، بدءا من عصور ما قبل التاريخ، بالرغم من أن أبحاثها ما زالت حديثة العهد، إذ أن الأبحاث كانت قد تركزت على الفترة التاريخية أي عصر الممالك اليمن القديمة.

  1. ساحل خليج عدن في عصور ما قبل التاريخ

إن الوجود الجغرافي للبحر الأحمر الذي يمثل مضيق باب المندب المدخل الوحيد له، والفاصل بين أفريقيا وآسيا، أدى إلى تباين الآراء حول هذا الممر البحري، فهناك من اعتقد أن البحر الأحمر ربما شكل حاجزًا هائلا لحركة البشرية وذلك منذ عصور ما قبل التاريخ، فضلا عن أنها تقدم تأييدًا لفكرة أن شبه الجزيرة العربية كانت من الناحية الجغرافية طريقا مسدودًا قليل الأهمية خلال أغلب العصر الحجرى القديم)[60]) وهو ما يتفق تماما مع الفكرة التي كان قد أثارها من قبل الآثاري Coon وهي فكرة العزلة الثقافية للعربية الجنوبية الغربية فيما قبل عصر الحديد (عصر الممالك اليمنية القديمة)[61])) إلا أن هذه الفكرة قد تم دحضها بنجاح منذ ثمانينات القرن الماضي، بالعثور على أدلة أثرية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وذلك منذ العصر الحجري القديم/ الباليوليت حتى عصر البرونز وتفترض أن باب المندب ربما كان الطريق الأقصر لهجرة الإنسان من أفريقيا إلى آسيا (خريطة رقم 3، 4). وهنا نذكر الدراسة الحديثة التي تدرس فرضية أن سواحل البحر الأحمر كانت مكانا جاذبا للاستيطان البشرى والتواصل الثقافي في عصور ما قبل التاريخ وذلك عبر دراسة مستويات سطح البحر منذ العصور الجليدية فضلا عن عمليات أدلة المسح والكشف الأثري للآثار الغارقة تحت الماء([62]).

وبالرغم من البداية المتأخرة للأبحاث الأثرية في ساحل خليج عدن، فإنه يمكننا أن نقسمها إلى مرحلتين:

  • المرحلة الأولى:

تشكل البداية الحقيقة لدراسة التطور الأثري والتاريخي في ساحل خليج عدن، الذي نشأ بواسطة البعثة اليمنية الأمريكية عندما حاولت التثبت من فرضية قدم الاستيطان في ساحل خليج عدن، وذلك عندما قامت في الأعوام 1990، 1992م بمسوحات أثرية وحفر اختباري في خليج عدن قرب باب المندب عند مدخل البحر الأحمر وفي الوديان أسفل المرتفعات، وذلك على بعد 25-40 كم من الساحل([63]) ومرد ذلك أنه في ثمانينات القرن الماضي تم العثور على مواقع في شرق وغرب آسيا تضم هياكل بشرية مؤرخة بشكل جيد وآلاتها الحجرية تطابق تلك من العصر الأشولى المبكر/ الألدوفان المتطور(Oldowan) في شرق أفريقيا، وذلك في مواقع مثل، موقع “العبيدية” في وادى الأردن في فلسطين الذي أُرخت بقاياه العظمية إلى 1،4 -1 مليون سنة([64])، وفي موقع )دمانيسى Dmanisi) في القوقاز/جورجيا حيث كُشف فيه عن فك أسفل لبشر يؤرخ إلى 1،8 مليون سنة[65])) ثم في موقع “سانجران دوم ” (Sangiran Dome) في جاوا/إندونيسيا حيث تم إعادة تأريخ جمجمتين بشريتين الى  1،6و1،8مليون سنة على التوالي([66])، كما دلت هذه الأبحاث على أن هذه المواقع الآسيوية المبكرة كانت قد أُستوطنت بواسطة مواطنين ذوي أصول أفريقية، وبالتالي فإن أقدم بشر خارج أفريقيا يعود إلى حوالى 1،8 مليون سنة.

إن هذا الوجود يفترض انتقالا مبكرا من أفريقيا وعبور شبه الجزيرة العربية ليس أقل من حوالى 1,9 – 2 مليون سنة. وحسب معرفتنا الحالية فإن أفريقيا تعد مهد الإنسان وتحديدا في شرقها وذلك منذحوالى 2,5 سنة([67]). ولذا فإن وجود هذه المواقع الآسيوية التي تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى يثير السؤال عن الممرات الرئيسة لحركة انتقال البشر، كيف وصلوا إلى هناك؟، وأي طريق انتقال خارج أفريقيا سلكوا؟

وفي هذا الخصوص هناك الافتراض الذي استمر طويلا، وهو الطريق “البرية” إلى الشمال، الذي يسير محاذيا للنيل نزولا من إثيوبيا ثم عبور شبه جزيرة سيناء وصولا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط (خريطة رقم 3)ومنها باتجاه الشمال إلى القوقاز وشرقا من خلال زاجروس إلى الهند ثم أرخبيل إندونيسيا.

وحاليا فإن مناخ البحث قد بدأ يتغير ويقدم افتراضا آخرا يرتكز على أن الحركة الأولى للبشرية قد تم عبر طريق الانتقال المائي الجنوبي وهو الطريق من إثيوبيا والقرن الإفريقي عبر مضيق باب المندب الذي يمثل مدخل البحر الأحمر الذي يفصل إفريقيا عن آسيا ثم إلى شبه الجزيرة العربية ثم شبه القارة الهندية([68])(خريطة رقم 4).

ومن أجل التثبت من هذه الفرضية فقد قامت البعثة اليمنية/ الأمريكية بمسوحات تغطي مساحة حوالي 2475 كم2، كشفوا فيها عن 67 موقعا أثريا على السطح يعود أغلبها الى العصر الحجري القديم الأعلى، ثم قاموا بحفر اختباري إلا أنه لم يكشف عن عمق طبقي لسبب ضحالة عمق التربة التي أزاحتها التعرية الرياحية، وبالتالي تمكنوا من جمع الآت حجرية من السطح، كانت مصنوعة من الريولايت، البازلت والكوارتزيت، وبما أن البقايا الأثرية التي جُمعت كانت من السطح وبالتالي لا يمكن إيجاد تاريخ محدد لها، وعليه فقد تم تصنيفها بالمقارنة على ما أمكن تاريخه في شرق أفريقيا، وذلك اعتمادًا على الشكل، وطريقة الصناعة، وعلى هذا الأساس أمكن تصنيفها إلى نوعين من الصناعات المميزة لهذه الفترة: الأولى، تعود إلى صناعة الأولدوفاي المبكر وتضم نوى كبيرة، آلات قاطعة ( شكل رقم 5) والثانية تعود إلى العصر الأشولي وهي تضم الفؤوس اليدوية[69]))(شكل رقم 6)

وبذلك تمكنوا من الوصول إلى استنتاج مفاده، وجود بشر في شرق وغرب آسيا في حدود 1.8 مليون سنة، كما إن المخلفات الأثرية للمواقع حول باب المندب تتفق تماما مع المواقع المبكرة للإنسان القديم من شرق أفريقيا، وهذا يفترض بالضرورة انتقالا أقدم من أفريقيا عبر باب المندب لا يقل عن 1.9 – 2 مليون سنة على شكل موجات بشرية، ولهذا ربما كانت طريق الإنسان من أثيوبيا والقرن الأفريقي عبر طريق ” باب المندب” ومنه إلى شبه الجزيرة العربية ثم عمان وإيران وشبه القارة الهندية هو الطريق الأقصر والمفضل باعتباره يشكل الاستمرارية والامتداد الطبيعي لحركة الإنسان القديم المستوطن في الوادي المتصدع بشرق أفريقيا من أولدوفاى، تركانا، أُمو، أواش و جيبوتي ([70]) . وجدير بالذكر أن المواقع المبكرة في حضرموت التي وصفتها البعثة الروسية 1983م ربما تمثل استيطانا بشريا متأخرًا لهجرة بشرية إلى العربية الجنوبية الغربية، عبر باب المندب، وأن تاريخها يعود إلى حوالي مليون سنة ([71]).

كما يمكننا أن نلاحظ أنه لم يتم حتى الآن في اليمن العثور على هياكل بشرية لإنسان تلك الفترة المبكرة، وهنا لا بد لنا أن نذكر ذلك الاكتشاف الحديث، الذي أثار كثيرًا من الجدل، لجمجمة إنسان “الهومواركتوس” من العصر الحجري القديم الأدنى، الذي عُثر عليه في منخفض الدناكيل بإريتريا قريبا جدًا من شاطئ البحر الأحمر المقابل لليمن والذي يعود تاريخه إلى مليون سنة)[72]).

ولهذا يمكننا أن نقول إن مسوحات البعثة الأمريكية التي عملت في خليج عدن فضلا عن تلك التي قامت بها البعثة الروسية في حضرموت قد أكدتا على ثبوت استيطان الإنسان القديم في بلاد اليمن منذ العصر الحجري القديم. وبما أن الأدوات الحجرية التي كشفتها جلها من السطح مما لا يُمكّن من تصنيفها بدقة إلى أقسام العصر الحجري القديم (الأدنى، الأوسط، الأعلى)، وهذا في حد ذاته ما يحفز إلى المزيد من الأبحاث الأثرية.

 وعموماً فإن اليمن وجنوب البحر الأحمر عند باب المندب تشكل محطة رئيسة في طريق البشرية لعبور البحر الأحمر، وفضلا عن ذلك يمكننا القول، بأن البحث المذكور قد آثار فكرة أن البحر الأحمر ربما أمكن عبوره منذ أقدم العصور وربما أنه كان ممرًا للاتصالات الثقافية بين أفريقيا وآسيا وليس فقط في الفترات المتأخرة.

  • المرحلة الثانية:

          تبدأ منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، منذ 1994-2000م حين تكونت البعثة المشتركة للمعهد الألماني للآثار بصنعاء والأكاديمية الروسية للعلوم بموسكو، وذلك عندما قامت بتنقيبات ومسوحات ميدانية مركزة، مهدت للتوسع في الدراسات والبحث والكشف عن عدة مواقع أثرية على طول ساحل خليج عدن والمنطقة الخلفية لعدن في لحج وأبين بما فيها دلتا وادي أبين ووادي تبن([73])(شكل رقم 2، 3، 4؛ خريطة رقم1) وهي مواقع قرب عدن، كموقع ” النبوة ” في عدن الصغرى، وموقع ” قهيو” في خور عميرة وهي مواقع تتميز بتركز بقايا الركام الصدفي التي استوطنت بواسطة الصيادين وجامعي الرخويات([74]). وإن من أهم نتائج البعثة المشتركة الكشف عن عناصر أثرية جديدة لم يسبق كشفها من قبل، كثقافة صبر فضلا عن ثقافة الصيادين وجامعي الرخويات الذين استوطنوا ساحل خليج عدن، والذين امتدت ثقافتهم منذ عصور ما قبل التاريخ، وخاصة العصر الحجري الحديث المتأخر واستمرت خلال عصر البرونز وصولا إلى العصور التاريخية [75]))، وهو ما يعد إسهامًا جادًّا لإعادة بناء تاريخ منطقة ساحل خليج عدن، كما أن هذه الأبحاث تعد أيضا امتدادًا للمسوحات الأثرية التي أجرتها البعثة الإيطالية حول الركام الصدفي في ساحل تهامة المشار إليها سابقا.

إن ظاهرة الأكوام الصدفية في ساحل اليمن بما فيها خليج عدن، تعود إلى فعل بشري؛ إذ أنها عبارة عن بقايا لقشور الأصداف/القواقع فضلا عن بقايا الأسماك التي تم استهلاكها، ومن ناحية أُخرى فإن أهميتها تكمن في أنها توثق المراحل المبكرة لاستخدامها كنوع من سبل العيش واعتبارها شكلا اقتصاديا من أشكال “جمع القوت ” واستغلال المصادر البحرية ضمن مرحلة “الجمع-اللقط” التي تسبق مرحلة إنتاج الغذاء والتي تأكدت في ساحل اليمن منذ العصر الحجري الحديث المبكر (النيوليتي) منذ حوالي 8 ألف سنة ق.م، واستمرت حتى العصور الميلادية المبكرة وكذلك موازية للمالك اليمنية القديمة في عصورها المتأخرة وربما حتى العصور الإسلامية([76]).

إن المسوحات الأثرية مكنت البعثة المشتركة من دراسة المواقع الأثرية في تلك المنطقة منذ الألف الخامس ق.م حتى بداية العصر الميلادي. ففي منطقة خور عميرة والتي تقع حوالي 80 كم إلى الغرب من عدن، وفي عام 1999 خلال المسوحات الميدانية في الموقع، اتضح وجود مجموعة من المواقع الساحلية، وهي عبارة عن أكوام من الصدف البحري تمثل مستوطنات ومحطات خلّفها الصيادون وجامعو القواقع لفترات زمنية مختلفة، تغطي كل العهود الأثرية للمنطقة منذ العصر الحجري الحديث وصولا إلى العصور الوسطى.

خامساً: أهم المواقع

  1. موقع كود قهيو:

تم التنقيب فيه عام 2000م عبر المجسات الاختبارية وتعدّه البعثة المشتركة بأنه الأكثر أهمية؛ إذ لا يمكن مقارنته مع أي موقع معروف في كل شبه الجزيرة العربية، وذلك من حيث الحجم وكثقافة المخلفات الأثرية التي تعتبر ممثلة لكل الفترات التاريخية ([77]).

ان مستوطنة “قهيو” تغطي مساحة 1.5 كم ويقع إلى الجنوب من وادي مرخة، وحوالي 2 كم إلى الغرب من الساحل الحالي للبحيرة وشكله يبدو كجبل كبير ارتفاعه حوالي 13.5 متر، طبقاته الأثرية كونت كتلة سمكها 7 أمتار تمت دراستها بدقة عبر عدة خنادق اختبارية، أهمها الخندق المدرج بطول 48م وعرض 3م (شكل رقم 7) إن المخلفات الأثرية لموقع “قهيو” تنقسم إلى 21 سوية أثرية، أقدمها تعود إلى العصر الحجري الحديث، الموقع يرجع تاريخه بحسب معطيات الكربون المشع إلى الألف الخامس-الألف الرابع ق.م، ومخلفاته تتكون من: أصداف، بقايا سمكية، بقايا حيوانية، فضلا عن الرماد والبقايا الحجرية. ومن خلال مقارنة مكوناته الأثرية بمواقع أخرى، فقد لوحظتْ مظاهر لاقتصاد أكثر تخصصا وذلك عبر:

  1. ندرة البقايا العظمية للأسماك، وإن وجدت فهي للأنواع الكبيرة.

2- عدم توفر ثقالات شباك الصيد الثقيلة.

3-عدم وجود الخطاطيف الكبيرة اللازمة لصيد الأسماك الكبيرة، إذ لا بد إن عملية الصيد قد تمت بطرق أُخرى، ربما بواسطة الحراب([78]).

  • موقع النبوة:

يقع في أطراف عدن الغربية، حيث قامت البعثة المشتركة بمسح مكثف في منطقة الموقع مما أدى إلى كشف ثلاثة مواقع للاستيطان تم التنقيب فيها بواسطة الحفر الاختباري ومن ثم دراستها وهي:” النبوة 2″، “النبوة3″؛ و” النبوة4″ ويعد “النبوة2” الأكثر أهمية، لأنه يحتوي على إستراتجرافيا تتكون من 7 طبقات أثرية وعلى الأقل 16 منطقة سكنية (شكل رقم 2)، وبالتالي ما يتبع ذلك من غنىً بالمواد الأثرية. وقد تم فيها حفر عدة خنادق اختبارية أكبرها مساحته 60م2 وعمقها الأقصى يصل إلى 4.5 م ([79]).

ومن خلال دراسة المخلفات الأثرية اتضح أن الموقع يحتوي من الناحية التاريخية على فترتين تاريخيتين: الطبقات العليا (2-6) تعود إلى عصر البرونز منذ أواخر الألف الثالث-النصف الأول من الألف الثاني ق.م، والطبقات السفلى (10-12) تشكل الفترة الأقدم في المواقع التي تعود إلى أواخر الألف الرابع-الألف الثالث ق.م للعصر الحجري الحديث المتأخر. ومن ذلك يتضح لنا أن المخلفات المادية لهذا الموقع تقدم معطيات لمستوطنات بشرية استقرت في شاطئ خليج عدن منذ حوالي الألف الرابع-منتصف الألف الثاني ق.م. ([80]).

  • موقع صبر:

يعد الكشف الأثري الجديد في منقطة خليج عدن، بالرغم من أن الكشف عن هذا الموقع قد تم منذ العام 1932م وأنه بقي على حاله حتى عام 1994م حين تم التنقيب فيه كأول فعالية علمية بالنسبة للبعثة الأثرية المشتركة. يقع الموقع في م/لحج على بعد 20 كم إلى الشمال من عدن في دلتا وادي تبن، يتميز الموقع بانتشار كثيف للفخّار في سطحه، أمكن تحديد الموقع على مساحة 2×1.2 كم، إذ يصعب التحديد الدقيق للموقع وذلك بسبب الرمال المتحركة، فضلا عن التوسع في الاستيطان الحالي، وهو بذلك يمثل أكبر المستوطنات القديمة في اليمن، وربما أكبر من مأرب عاصمة مملكة سبأ القديمة ([81]). تم الحفر فيه حتى عمق 5-6 أمتار ضمن الطبقة التاريخية، مما أدى إلى الكشف عن بداية استيطان الطبقات العليا التي تمثل الفترة المتأخرة من عصر البرونز في ساحل خليج عدن والتي أُرخت بواسطة تحليل الكربون المشع إلى حوالي 1400-1300 ق.م. وامتدت حتى القرن الثامن ق.م. يعتبر الفخار أكثر المواد انتشارًا في صبر، فقد عثر عليه في كل الطبقات وبعضها أوانٍ كاملة (شكل رقم 7). وقد وجدت أدلة تؤكد على أن الفخار صنع يدويا ومحليا، وذلك عبر العثور على العديد من الأفران وبها الكثير من بقايا الفخار. وأهم أجزاء المستوطنة المعمارية يمثلها بناء ذو شكل هندسي، ربما كان يتكون من عدة طوابق، يتقدمه فناء على جانبيه رواق مع غرفة في الوسط، تكون المدخل إلى الصالة الرئيسة ذات الأجنحة الثلاثة، ويلاحظ أن مخططه يشابه معابد ممالك اليمن القديمة، ولهذا ربما يعتبر أنه بناء مقدس “معبد”، وبذلك يكون أول نموذج لعمارة المعابد منذ عصر البرونز (شكل رقم 8).

إن صبر تمثل ثقافة لعصر البرونز التي امتدت على طول ساحل تهامة، ولذا أُطلق عليها ” ثقافة صبر”، وإنها ربما كانت محصورة في منطقة الساحل (شكل رقم9)، (خريطة رقم 5)، حيث لم يثبت وجود مشابه لها خارج نطاق الساحل بالرغم من وجود أدلة بأنها كانت متجهة نحو أفريقيا في الساحل الغربي للبحر الأحمر أكثر منها نحو داخل بلاد اليمن، وذلك عبر المقارنة الفخارية مع الحبشة وبلاد النوبة([82]).

  • موقع امعليبة:

أن موقع امعليبة الأثري يقع في السهل الساحلي بين لحج وعدن بين الفرعين الرئيسين لدلتا وادي تبن، وعلى بعد 20 كم شمال عدن، وحوالي 5 كم إلى جنوب شرق صبر. تم الكشف عنه في العام 1996م في أثناء المسح الأثري للبعثة المشتركة، إلا أن أعمال السبر الاختباري فقد تواصل خلال عامي 1997-1998م، وهو عبارة عن مستوطنة كبيرة بارتفاع 3-4 أمتار فوق سطح البحر. وسطح الموقع يغطيه انتشار كثيف للفخار، يشابه كثيرا فخار صبر.

يرجع تاريخ الموقع بواسطة تحليل الكربون المشع إلى 2000-1600 ق.م([83]) من خلال الحفر الاختباري تم التعرف على أساسات لمستوطنات بهيئة الأكواخ (شكل رقم 10)، ولكن أهم مكتشفات الموقع هي الكشف عن قنوات الري التي تقع فوق بعضها بتتالي طبقات الاستيطان، مما يشير إلى ارتباطها بشبكة ري صناعية واسعة، ويرجح أن المياه كانت تأتي من جهة الغرب من وادي تبن في منطقة العند، الذي ربما كان يجري طوال العام، وبذلك يقدم أول دليل على أن المستوطنات في السهل الساحلي قد عرفت الزراعة بتقنية الري مبكرًا، وأنها استخدمتها منذ عصر البرونز وقبل مدة طويلة من نشوء الممالك اليمنية القديمة([84])(شكل رقم 1).

كما تشير الدلائل إلى إن ثقافة صبر قد انتهت في القرن التاسع/الثامن ق.م، وآثار الحريق في مخلفاتها تشير إلى نهاية عنيفة، وبعد ذلك سارت عملية الاستيطان في سواحل خليج عدن بنوع من التباطؤ. وبحسب المصادر الكلاسيكية فإن ذكر هذه المنطقة لم يرد قبل مطلع القرن الأول الميلادي، كمحطة نقل تجارية ذات أهمية.

الخلاصة:

إن هذه الدراسة ذات أهمية قصوى بالنسبة لإعادة بناء تاريخ منطقة ساحل خليج عدن، وإنها قد دخلت عمليًا في بداية معرفة تطورها اللاحق.

إن المناطق التي تم دراستها في منطقة خليج عدن، غير كافية للإشارة إلى المميزات الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن من الدراسة المفصلة حول التركيب الاجتماعي للمستوطنات.

تشير عملية التطور التاريخي المتوفرة حاليا في ساحل خليج عدن، بأن مستوطنات الصيادين وجامعي المحار قد مورست منذ العصر الحجري الحديث وقبل ظهور ثقافة عصر البرونز الزراعية التي تتمثل في موقعي امعليبة وصبر، وربما أنها سارت متوازية معها خلال الألف الثالث والثاني ق.م.


الهوامش

([1] ) Vogt and Sedov 1998:26؛ فوغت2003: 19

[2])) Durrani 2006:1; Doe،1983: 123 -124؛ فوغت 2003: 19

[3]) )Doe 1983:123

([4]) Durrani 2006:1

([5]) Munro2001:12

([6]) Munro 2001:13

([7]) Marcolongo and Palmieri:1992:117-123;Tosi 1985:363;1986:400

([8]) Sanlaville 2000:167-169

([9]) زارنيس والزهراني 1985: 72؛Bailey et al.2007:5

([10]) زارينس والزهراني72:1985؛ Brunner 2005:115 ; Wilkinson 2003:22

([11]) Bailey et al. 2007: Fig..3

([12]) زارنيس والبدر1986: 48

([13]) Tosi 1986:407

([14]) زارنيس والبدر 1986:48؛ Tosi 1985:365; 1986:400

([15]) زارنيس والزهراني 1985: 73

([16]) زارنيس والبدر 1986: 49

([17]) Tosi 1985:363 Durnani 2007:47

([18]) زارنيس والزهرانى1985: 73Wilkinson 2003:22-23;

([19]) زارنيس والزهراني 1985؛ Wilkinson 2003: 23

([20]) Wilkinson et al 1997:102

([21]) Lezine et al 1998

([22]) Cleuziou et al 1992: Fig.1

([23]) McClure 1976;1978

([24]) Vogt et al 2002:22

([25]) Vogt et al. 2002:24

([26]) Doe 1983:17

([27]) Khaldi 2007: Fig.42;Wilkinson 2003:19-23;Tosi 1985:364;1986:404

([28]) Wilkinson 2003:20

([29]) Doe 1983:17

[30])) Tosi 1986:400

([31]) محيرز1991:18

([32]) Hamilton 1943:110-17

([33]) باطايع1999؛Harding 1964-65;Doe1971:60-61

([34]) Cambridge 1966:22-4؛ أنظر: إدريس 2007

([35]) Doe 1964-65; 1965 ; Lane and Serjent 1965

([36]) Vogt and Sedov 1998: 261

([37]) تقع سيحي بالقرب من جيزان إلى الشمال من الحدود السعودية – اليمنية والذي تم الكشف عنه في ثمانينيات القرن الماضي ويحتوي على ركام كثيف من الأصداف يكشف لأول مرة عن مواقع الأكوام الصدفية ويعود تاريخه إلى عصر البرونز في الألف الثالث ق.م([37]) وهذه الثقافة امتدت الى مستوطنات خليج عدن. ينظر: زارنيس وآخرون 1981؛ زارنيس والزهراني 1985؛ زارنيس والبدر1986.

([38]) Vogt 1999-2000:44

([39]) Tosi 1985;1986

([40]) Bulgarelli 1985: 360-3

([41]) Whalen and Schatte 1997:8-9

([42]) Petraglia 2003

([43]) Amirkhanov 2006:599؛فوغت 2003: 19

([44]) فوغت2003: 19

([45]) Amirkhanov 2006:622

([46]) Vogt and Sedov 1998

([47]) فوغت 2003:20؛Buffa 2002:1

([48]) فوغت2003:20

([49]) Vogt 2003:Fig.4

([50]) فوغت 19:2003Amirkhanov 2006:599;

([51]) Amirkhanov 2006:623

([52]) فوغت2003:19

([53]) Vogt، 1999-2000: 43

([54]) محيرز1988: 118

([55]) بافقىه 1994: 62،72،79

([56]) محيرز1990: 116

([57]) الشيبة 2008: 78-79

([58]) الشيبة 2008: 98

([59]) محيرز1988: 118-119

([60]) Bailey et al.2007:1

([61]) Coon 1943:187

([62]) Bailey et al.2007

([63]) Whalen &Schatte1997 Figs.1-2

([64]) Whalen 1993:2

([65]) Gabunia، and Vekuna 1995:509

([66]) Swisher et al.1994:1118

([67]) إنيزان 2007:19

([68]) Bailey et al 2007:1; Whalen and Schatte1997:9

([69]) Whalen and Schatte 1997:1-4

([70]) Whalen،1993-1994:3

([71]) Amirkhanov 2006:605

([72]) Abbate et al. 1998: 458-460

([73]) Amirkhanov 2006:599)؛ فوغت 2003:19

([74]) Amirkhanov2006Fig.218:511; Vogt 1999-2000:42

([75]) Vogt 1999-2000:42

([76]) Vogt 1999-2000:43-44;Tosi 1985:369; Amirkhanov 2006:623

([77]) Amirkhanov 2006:623

([78]) فوغت 2003:19

([79]) Amirkhanov 2006:622

([80]) Amirkhanov 2006:622-3

([81]) فوغت 2003:20

([82]) Fattovich 1996:398;Vogt and Sedov 1998:266

([83]) فوغت، 2003:20

([84]) Vogt 1999-2000:45 Buffa 2002 ؛ فوغت: 2003: 20

قائمة المراجع العربية

  1. ادريس، جمال الدين (2008)، موقع أثرى من عصر البرونز في عدن الصغرى، تعريب في مجلة التواصل، عدد يناير: 293-302.
  2. اينزان، مارى لويز (2007)، “المستوطنات القديمة في عصور ما قبل التاريخ”، في: مديحة محمد رشاد وماري لويز اينزان، فن الرسوم الصخرية واستيطان اليمن في عصور ما قبل التاريخ: 15-27.
  3. بافقيه، محمد عبد القادر (1994)، “محتوى نقش المعسال “5، حولية ريدان عدد6:62؛72؛ والمعسال 6، ريدان 6، 1994: 79 والشرح: 86-87.
  4. باطايع، أحمد (1999) “العمل الآثاري في عدن منذ التأسيس حتى الاستقلال”، في كتاب ندوة: عدن ثغر اليمن: الماضي، الحاضر والمستقبل (الندوة العلمية الأولى 15-17مايو1999م)، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، الكتاب الثاني، ص689-707.

6– زارنيس، يورس، مراد، عبد الجواد واليعيش، خالد(1981)، “برنامج المسح الأثري الشامل لأراضي المملكة العربية السعودية، التقرير الثاني عن مسح المنطقة الجنوبية الغربية”، أطلال، حولية الآثار العربية السعودية، العدد الخامس،ص9-43.

7- زارنس، يورس والزهراني، عوض السبالي(1985) “الاكتشافات الأثرية الحديثة في سهل تهامة الجنوبي موقعي”عثر” و”سيحي”، اطلال، عدد9، ص69-111.

8- زارنيس، يورس والبدر حمد (1986)، “التنقيبات الأثرية جنوب تهامة، الموسم الثاني”. أطلال حولية الآثار العربية السعودية، العدد العاشر، ص43-69.

9- الشيبة، عبد الله حسن (إعداد وترجمة)(2008) العربية السعيدة في المصادر الكلاسيكية، في كتاب: ترجمات يمانية، (دراسات في تاريخ اليمن القديم) دار الكتاب الجامعي، صنعاء،ص78-79، والهامش رقم92:97-98.

10- فوكت، بوركهارت (2003) “حضارات مجهولة سادت على خليج عدن: منذ حقبة الركام الصدفي العصر الحجري حتى ظهور مدينة صبر في العصر البرونزي المتأخر،25 عاما من حفريات وأبحاث في اليمن 1978-2003 م”، المعهد الألماني قسم الشرق مكتب صنعاء،ص19-21.

11- محيرز، عبد الله أحمد(1988)، “عدن”، ريدان 5، ص115-125.

  1. (1990) العقبة، دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية لجانب من مدينة عدن، وزارة الثقافة-عدن.
  2. (1991) صيرة، أبحاث معمقة عن بعض معالم عدن ومرفقها الاقتصادية والعسكرية، دار جامعة عدن للطباعة، عدن.

قائمة المراجع الأجنبية

  1. Abbate،E.،Albianilli،A.،Azzaroli،A.،Benvnuti،M.،Tesfamariam،B.،Bruni،P.،Cipriani،N.،Clarke،R.J.،Fccarelli،G.،Marcchiarelli،R.،Napoeone،G.،Papine، M.، Rook، L.، Sagri، M.، Medhin Teck، T.،Torre، D. and Villa، I. (1998). “A one-million-Year-Old Homo cranium from the Danakil (Afar) Depression of

   Eritrea.Nature”،393: 458-460.

  • Amirkhanov، H.A.،(2006) “Stone Age of Arabia” (Eng. Summery).
  • Bailey،G.، Alsharekh،A.،Flemming،N.،Lamberk،K.،Momber،G.،Sinclair، A.، and Vita-Finzi، C.(2007) “Coastal prehistory in the southern Red Sea Basin، underwater archaeology، and the Farasan Islands”، in: Proceedings of the Seminar for the Arabian Studies،37.
  • Brunner،U.،(2005). “The Beginning of Irrigation”. In: de Maigret،A.، The Dawn of History in Yemen’s Interior.
  • Bulgarelli،G.،(1985). “Research on Pleistocene and Palaeolithic sites”. East and West 35، 360-363.Petraglia، M.D. (2003)The Lower Paleolithic of the Arabian Peninsula
  • Buffa، V. (2002) “The Stratigraphic Sounding at Ma’layba”. Archäologische Berichteaus dem Yemen، Band IX.p.1-14.
  • Cambridge، P. (1966) “Shell Eaters: a preliminary study of a Midden Site at Little Aden”. Aden Magazine 12:117-24.
  • Coon،C.، (1943). “Southern Arabia، a problem for the future”، Papers of the Peabody of American Archaeology and Ethnology،20.
  • Cleuziou، S.، Inizan،M.L.، and Marcolongo، B.(1992). “Le peuplementpre’-et protohistorique du syste’m fluviatile fossile du Jawf-Hadramawt au Ye’men”. Pale’ orient، vol. 18،2،p.5-26
  • . Doe، B.،(1960-61). “Notes on Pottery Found in the Vicinity of Aden”. Appendix to the Department of Antiquities Annual Report:3-41.

11– (1965) “Pottery Sites near Aden”. Department of Antiquities Publication Bulletin 5.

12- (1971) Southern Arabia( New Aspects of Antiquity)،London.

13- (1983) Monuments of South Arabia، Cambridge-Falcon.

  1. Durrani،N.(2006).The Tihama coastal plain of South West Arabia in its regional context: c6000 BC-AD 600 ph.D. University College London،(Unpublished).
  2. Fattovich،R.،(1996) “The Afro-Arabian Circuit: contacts between the Horn of Africa and Southern Arabia in the 3rd-2nd millennia B.C. ” In: Krzyzniak،L.، and Kobusiewicz (eds.).Interregional Contacts in the Later Prehistory of Notheastern Africa،Poznan،p.395-401.
  3. Gabunia، L. and Vekuna،A. (1995). ” Pleistocene hominid from Dmanisi، East Georgia، Caucasus”. Nature،373:509.
  4. Hamilton، R.A.B.،(1943) “Archaeological Sites in the West Aden Protectorate”. Geographical Journal 101:110-17.
  5. Harding،G. L. (1964). Archaeology in the Aden Protectorate. London.
  6. Khalidi، L.،(2006). Settlement Culture-Contact and Interaction along the Red Sea Coastal Plain. Yemen: The Tihamah cultural landscape in the late prehistoric period3000-900 BC. PhD thesis، University of Cambridge.(Unpublished ).
  7. Lane، A. and Serjent، R.B.،(1965). “Pottery and Glass Fragments from the Aden Litoral، with Historical Notes”. In Aden Antiquities Bulletine 5، Aden.
  8. Lezine، A-M.، Saliege، J.F.، Robert، C.، Wertz، F.، and Inizan، M.L.،(1998). Holocene lakes from Ramlat as Sab،atayn(Yemen) illustrate the impact of monsoon activity in southern Arabia Quaternary Research، 50:290-99.
  9. Marcolongo، B.، and Palmieri، A.M.( 1992). “Paleoenviroment and Settlement Pattern of the Tihama Coastal Plain”. Yemen 1: 117-23.

23-McClure، H.A.(1976) “Radiocarbon chronology of late Quaternary lakes in the Arabian desert”. Nature 263.

  • (1978). “ArRub’ al-khali”، In: al-Sayari، S.، and Zoetl، J.(eds.)The Quaternary period in Saudi Arabia، Springer Verlag، New York: 252-62.
  • Munro، R.N.،(2001). “Yemen. Study of the Integrated Drainage system of the Tihama plain and Wadi Basins. Consultant to HTS Develoment Ltd”. Assessment Report submitted to Yemeni Ministry of Agriculture and Irrigation.
  • Sanlaville، P.،(2000). Le Moyen-0rient arabe: Le milieu et l’home. Collection U-Se،rie Geographie. Paris: Armand Colin.
  • Swisher، C.C.، Curtis، G.H.، Jacob،T.، Gelly، A.G.، Suprijio، A. and Wadiasmoro (1994). “Age of the earliest known Hominids in Java”، Indonesia. Science 263:1118-1121.
  • Petraglia، M.D.،(2003).The Lower Paleolithic of the Arabian Peninsula
  • Robin، Ch.، and Brunner، U.،(2007) Map of Ancient Yemen،1:1000،000، Munich.
  • Tosi، M.، (1985). “Archaeological Activities in the Yemen Arab Republic، Tihama Coastal Archaeology Survey”، East and West 35: 363-369.
  • (1986). “Archaeological Activities in the Yemen Arab Republic. Survey and Excavations on the coastal plain(Tihama) ” Preliminary Report for the Italian Archaeological Mission in the Y.A.R. East and West 36:400-414.
  • Vogt، B.،(1999-2000). “Fru’he Kulturen an der Kuste des RotenMeers. Im Land der königin von Saba”،(Heg.)Staalichen Museum furVölkerkunde،Munchen،42-46.    
  • Vogt، B.، and Sedov، A.، (1998) “.The Sabir culture and coastal Yemen during the second millennium BC. ” The present state of discussion. Proceedings of the seminar before Arabian Studies، vol. 28،1998:261.
  • Vogt، B.، Buffa، V.، and Brunner، U.،(2002). Archäologische Berichteaus dem Yemen، Band 1X: 15-26.
  • Wahlen، N.W.، (1993-1994). “Is the Early Man found his way through bab Al-Mandab straight from Africa to Yemen”:2. (في مجلة التاريخ والاثار، عدد2، 3)
  • Whalen، N.M. and Schatte، K.E.،(1997). “Pleistocene sites in southern Yemen”.Arabian Archaeology and Epigraphy،8: 1-10
  • Wilkinson، T.J.،(2003). Archaeological Landscapes of the Near East Tucson، Arizona: The University of Arisona Press.
  • Wilkinson، T.J.، Edens، C. and Gibson، M.، (1997). “The Archaeology of the Yemen High Plains: A preliminary chronology”. In: Arabian Archaeology and epigraphy 1997، 8: 99-142.