د. سعيد ناجي غالب قائد اسكندر
د. سعيد ناجي غالب قائد اسكندر
أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بكلية الآداب – جامعة تعز- اليمن
ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى إبراز التأثيرات السياسية والفكرية لقبائل البربر الخارجية في المغرب على بلاد الأندلس، بدأ من إسهام تلك القبائل في الفتح الإسلامي للأندلس، وما تبع مرحلة الفتح من تحولات سياسية وفكرية بين زعماء القبائل البربرية في المغرب نتج عنه ثورات أسقطت نظام الحكم الأموي في أجزاء من بلاد المغرب منذ سنة 122هـ/ 739م، لينتقل أثر تك التحولات السياسية والفكرية إلى بلاد الأندلس؛ والتي ترجمت عمليًا عبر ثورة بربرية خارجية ضد ولاة الأمويين وحكامهم في معظم مدن الأندلس سنة 124هـ/ 742م.
وقد استند البحث في بنائه بشكل رئيسي على المظان العربية وأمهات الكتب، فضلا عن عددٍ من الدراسات الحديثة والدوريات العلمية، معتمدًا المنهج التاريخي الوصفي، والمنهج المقارن، سواء في تحليل الروايات وتفسيرها أو في استنطاق النصوص التاريخية ونقدها.
Abstract
Political and Intellectual Influences of Berber Kharijites Tribes in Morocco on
Andalusia After the Islamic Conquests
This study aims at highlighting the political and intellectual impact of Berber Kharijites tribes of Morocco on Andalusia. It began with their active contribution to the Islamic conquests of Andalusia and was followed by political and intellectual changes among the Berber tribal leaders in Morocco resulting in revolutions that overthrew the Umayyad regime in some parts of Morocco since 122H/ 739AD. The echoes of those political and intellectual changes reached Andalusia and was practically translated through the Berber revolution that broke out against the Umayyad rulers in most of the Andalusia cities in 124 H/ 742AD.
The study is based on the classical sources of history, several recent studies and academic journals. It follows the historical descriptive method and the comparative approach in the analysis and interpretation 0f the narrations or in exploiting historical texts and criticizing them.
مقدمة:
ارتبطت بلاد المغرب بشبه الجزيرة الإيبيرية – الأندلس- بعد الفتح الاسلامي ارتباطًا وثيقًا عبر مراحل التاريخ المختلفة، بحكم التواصل المشترك بين المنطقتين الذي فرضه التقارب الجغرافي بينهما؛ ونتج عنه تأثر وتأثير متبادل بين البلدين.
ومنذ ظهور الإسلام في الجزيرة العربية في بداية القرن السابع الميلادي كانت تلك المنطقة الجغرافية (المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية) تُحكم من طرف الرومان وقبلهم القوط والوندال([1])، وعندما فتح العرب المسلمون مصر بدأوا يرنون بأنظارهم تجاه بلاد المغرب التي استمر فتحها مدة طويلة مقارنة بغيرها من الأمصار، وما أن استكمل الفتح الإسلامي لبلاد المغرب حتى انساح الفاتحون تجاه بلاد الأندلس، وكان ذلك الانسياح طبيعيا بحكم الارتباط العضوي بين المنطقتين.
وقد رافق انتشار الإسلام في بلاد المغرب تحولات سياسية وفكرية كبيرة لا سيما بعد انتشار التيارات والمذاهب المختلفة التي كانت قد ظهرت في المشرق منذ أيام الفتنة التي بدأت بمقتل الخليفة عثمان سنة 35هـ/ 655م، وما لحقه من صراع واختلاف بين المسلمين في عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب توفي سنة 40هـ/ 660م، ومن ثم قيام الدولة الأموية سنة 41هـ/ 661م، التي واجهت حركة معارضة من مخالفيها وقامت ضدها ثورات متعددة، واعتنق خصومها مذاهب إسلامية معارضة لحكمها، وفي مقدمتها مذهب الخوارج، ونتيجة للقمع الشديد الذي كانت تواجه به جماعات الخوارج لقربها من مركز الخلافة، لجأوا الذهاب إلى الأطراف البعيدة، ووجدوا في الفتوحات التي تبنتها الدولة الأموية بغيتهم، حيث تسرب عبر مراحل الفتوحات جموع منهم، واستقروا في الأمصار المفتوحة ومنها بلاد المغرب التي وصل إليها دعاة المذهب الخارجي بشقيه الصفري والإباضي؛ واستقروا فيها ونشروا مذهبهم بين قبائلها كما توضح ذلك المصادر الإسلامية ([2]).
ولأهمية الفتوحات الإسلامية وما أحدثته من تغيير جذري في الجانب السياسي والفكري للسكان في بلاد المغرب، فلا شك أن ذلك التحول سيكون له تأثيره على الضفة الشمالية من البحر المتوسط بحكم التقارب الجغرافي والعلاقات التاريخية التي ربطت بلاد المغرب بشبه الجزيرة الإيبيرية “بلاد الأندلس”، ويبقى السؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكننا الحديث عن تأثيرات سياسية وفكرية لقبائل البربر المغربية على بلاد الأندلس خلال تلك الحقبة التاريخية التي أعقبت الفتح الإسلامي للمنطقة؟ وللإجابة على تلك التساؤلات سنحاول مقاربة الموضوع عبر مبحثين رئيسيين:
المبحث الأول -بلاد المغرب والفتح الإسلامي لبلاد الأندلس
أولًا-وضع بلاد المغرب عشية الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس
ثانيًا-إسهام قبائل البربر في فتح بلاد الأندلس
المبحث الثاني-التحولات السياسية والفكرية لقبائل البربر وتأثيرها على الأندلس
أولًا-التحولات السياسية والفكرية لقادة البربر الفاتحين للأندلس
ثانيًا-ثورة قبائل البربر في بلاد المغرب وتأثيرها على الوضع العام في الأندلس
ثالثًا-مظاهر تأثر الأندلس بالتحولات السياسية والفكرية لقبائل بلاد المغرب
المبحث الأول
بلاد المغرب والفتح الإسلامي لبلاد الأندلس
سيعالج هذا المبحث وضع بلاد المغرب عشية الفتح الإسلامي للأندلس؛ ومن ثم إسهام البربر وجهودهم في فتح تلك المنطقة، وأثر تلك الجهود على بلاد الأندلس في مرحلة ما بعد الفتوحات، أو ما عرف لدى المؤرخين بعصر الولاة.
أولًا-وضع بلاد المغرب عشية الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس:
قبل الحديث عن وضع بلاد المغرب عشية الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس؛ نود الإشارة إلى أن بلاد المغرب كانت على ارتباط وثيق بشبه الجزيرة الإيبيرية-الأندلس فيما بعد-منذ فترات مبكرة في التاريخ بحكم التقارب الجغرافي، وظلت الهجرات المتبادلة بين شمال وجنوب البحر المتوسط سمة بارزة ودائمة عبر تاريخ المنطقة، وهذا ما جعل سمات كثيرة تجمع سكان الضفتين، الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى إصدار نظريات حضارية تربط هذه الضفة بتلك([3]).
وعندما انطلقت حملات الفتح العربي الاسلامي لبلاد المغرب- منذ عشرينات القرن الهجري الأول/ السابع الميلادي- كانت حركة العبور والتواصل مستمرة بين شمال أفريقية وبين الضفة الأخرى من الجزيرة الإيبيرية([4])، والمتتبع للمصادر العربية التي دونت حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب يلحظ حدوث موجات من النزوح والهجرة من بلاد المغرب نحو شبه الجزيرة الإيبيرية وجزر البحر المتوسط، فحملات الفتح التي قادها حسان بن النعمان الغساني ( 71 – 85هـ/ 690- 703م) وصراعه مع البيزنطيين في بلاد المغرب وما نتج عنها من تدمير لبعض المدن كمدينة قرطاجة مركز البيزنطيين([5]) أدت إلى هجرة جموع من قاطني تلك المدن إلى صقلية وشبه الجزيرة الإيبيرية، والأمر ذاته تكرر في جولات الحرب التي خاضها حسان بن النعمان مع زعيمة قبائل جراوة البترية البربرية المعروفة بالكاهنة، فقد أدت تلك المواجهات إلى نزوح الكثير من ساكنة المنطقة، إذ تذكر المصادر([6]) أن الكاهنة البربرية لجأت في إحدى جولات ذلك الصراع إلى تدمير المدن والحصون وإحراق المزارع؛ اعتقادا منها أن الفاتحين العرب كان هدفهم البحث عن الأموال والغنائم فحسب([7])، وهذا التدمير المتعمد للمدن والحصون أضر بكثير من سكان بلاد المغرب من النصارى والأفارقة والبربر وغيرهم فأجبروا على المغادرة والعبور إلى الأندلس وجزر البحر المتوسط([8]).
وتجدر الإشارة إلى أن سياسة تدمير الأرض والممتلكات التي انتهجتها زعيمة قبائل جراوة البربرية قد شكلت منعطفا مهما في حركة الفتح الاسلامي وعلى وضع بلاد المغرب عموما؛ فمن ناحية أنها شكلت ضربة قاصمة للكاهنة إذ تفرق مناصروها من البربر، وهو ما سهل على حسان بن النعمان وجيشه المهمة في مواجهتها والقضاء عليها([9])، ومن ناحية أخرى استغل حسان سخط السكان البربر من الكاهنة وما قامت به من تدمير واحراق للمزارع والحصون والمدن؛ فعمل على تقريب البربر ودمجهم مع العرب وإعطائهم مراكز قيادية في الجيش([10])؛ ولذا لم تمر سوى فترة قليلة حتى انتشر الإسلام بين أوساط قبائل البربر بيسر وسهولة، كما قام حسان بتجنيد اثني عشر ألفًا من البربر جعل بعضًا منهم على قيادة الجيش، منهم ابنا الكاهنة نفسها بعد القضاء عليها، وفرض للبربر عطاء أسوة بإخوانهم العرب ليسهموا جميعا في استكمال فتح ما تبقى من بلاد المغرب([11]).
وكان للسياسة الحكيمة التي انتهجها حسان بن النعمان أثرها الإيجابي على المستوى الاستراتيجي لحركة الفتوحات في بلاد المغرب والتي ساعدت على انضواء كثير من قبائل البربر في الإسلام لاحقا؛ فالمتتبع للمحطة الأخيرة من فتوحات العرب لبلاد المغرب التي قادها موسى بن نصير( من سنة 86- 96هـ/704-714م ) والتي وصلت منطقة طنجة والسوس الأدنى في المغرب الأقصى([12])، كان لها نتائج إيجابية؛ من أبرزها دخول قبائل برغواطة وتامسنا في الإسلام([13])، ومن ثم تولية القائد البربري طارق بن زياد النفزي أميرا على تلك المنطقة([14])؛ ولا شك أن تعيين قائدٍ بربري على هذه المنطقة الواسعة من المغرب الأقصى لمؤشرٍ كافٍ على الدور البارز للبربر ومشاركتهم الفاعلة مع إخوانهم العرب في تلك الفتوحات.
وعموما فإن إسهام البربر في الفتوحات لم يتوقف عند حدود المغرب الأقصى، إذ لم يمض وقت طويل على إسلام قبائل البربر في المغرب الأقصى؛ حتى أصبحت من العناصر الرئيسية المشاركة في الفتوحات الإسلامية للضفة الأخرى([15])- بلاد الأندلس-.
إذن يتضح مما سبق أن بلاد المغرب عشية الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس كانت قد انضوت تحت راية الإسلام، وأن عماد سكانها وهم البربر كانوا قد انخرطوا إلى جانب إخوانهم العرب وأسهموا في فتوحات نواحي مهمة من بلاد المغرب وخاصة في المغرب الأقصى، ونتيجة لمشاركتهم الفاعلة في تلك الفتوحات فقد تم مكافأتهم عام 88هـ/706م بتولية أحد قادة البربر وهو طارق بن زياد النفزي ليكون أميرا على المنطقة الممتدة من تلمسان شرقا وحتى المحيط الأطلسي غربا، والسوس الأقصى جنوبا([16])، متخذا من مدينة طنجة مركزا لحكمه([17])، ليجتاز بعد ذلك بفترة قصيرة ومعه جموع القبائل البربرية المسلمة الضفة الأخرى من البحر المتوسط ويكون لهم قصب السبق في فتح شبه الجزيرة الإيبيرية- الأندلس- عام 91هـ/710م، وجعلها جزءًا من دولة الإسلام.
ثانيًا- إسهام قبائل البربر في فتح الأندلس:
استغرقت مرحلة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب فترة طويلة([18])، إذا ما قيست بالفتح الإسلامي لبلاد الأندلس، ولذا فما أن تمكن العرب ومعهم البربر الذين أسلموا من استكمال فتح ما تبقى من بلاد المغرب في عهد الفاتح اليمني موسى بن نصير اللخمي أواخر العقد الثامن من القرن الهجري الأول/ السابع الميلادي، حتى بدأوا في التخطيط والاستعداد لفتح بلاد الأندلس.
وينبغي التنويه إلى أننا لن نتحدث عن تفاصيل الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس، ومحطاته والمدن التي فتحت، فذلك الموضوع قد أشبع دراسة وبحثا([19])، وإنما سنحاول التركيز على إبراز العناصر البربرية الفاتحة لبلاد الأندلس، وتأثير تلك العناصر على مجريات الأحداث اللاحقة التي مرت بها بلاد المغرب، وما ترتب على ذلك من انتشار أفكار الخوارج وانتقالها إلى بلاد الأندلس، بعد انتهاء مرحلة الفتوحات.
كان من الطبيعي بعد استكمال العرب لفتح بلاد المغرب ودخول البربر في الإسلام وإشراكهم قيادات منهم في إدارة البلاد بعد فتحها([20])، أن يكون للبربر زمام المبادرة في الفتوحات القادمة ومنها فتح الضفة الأخرى من بلادهم بحكم احتكاكهم التاريخي بها ومعرفتهم الدقيقة بأحوالها وتضاريسها، وإذا كان العرب وقادتهم وولاتهم قد تعودوا أن يكونوا هم رواد الفتوحات في الأمصار المختلفة، فإن الأمر بالنسبة لفتح بلاد الأندلس قد تغير، حيث حلت عناصر أخرى ودماء جديدة هي من أنيط بها اختراق هذه الجبهة وفتحها، إذ تؤكد المصادر والروايات التاريخية([21]) أن العنصر البربري هو من حاز قصب السبق في فتح بلاد الأندلس كمًا وكيفًا، وهو ما عبر عنه ابن عذاري صراحة بالقول” وقد اتفق الجميع فيما يظهر على أن متولي كبر فتح الأندلس وجله ومعظمه طارق بن زياد“([22])، وكان دور العرب في هذا الفتح ثانويًا ومكملًا ([23])، وقد علق السيد عبد العزيز سالم على فتح الأندلس قائلا: “وهذه هي المرة الأولى من تاريخ الفتوحات العربية يتولى فيها جيش بأكمله من المغلوبين فتح قطر من الأقطار الكبرى كالأندلس”([24]).
وليس أدل على حيازة قصب السبق للبربر وقبائلهم في فتوحات الأندلس من أن قائد أول سرية استكشافية وطِئتْ تلك البلاد كان من أبناء قبيلة تامسنا؛ وهو طريف البرغواطي الذي نسبت إليه جزيرة طريف فيما بعد([25])، ولا غرو اذا ما علمنا أن منطقة تامسنا – موطن هذه القبيلة- كانت قد اتصلت بالإسلام منذ حملات الفتح العربي الأولى أيام الفاتح عقبة نافع الفهري في ولايته الثانية (من 62-64هـ/ 681- 683م) التي توغل فيها في بلاد المغرب حتى وصل السوس الأقصى([26])، وتقول الروايات إن أكثر أهلها كانوا قد “أسلموا طوعا على يديه”([27])، وأن عقبة بن نافع ترك مجموعة من أصحابه من حفظة القرآن والحديث ليعلموا الناس قواعد الإسلام([28])، ورغم ما حصل من صراع لاحقا بين عقبة بن نافع وزعيم البربر كسيلة والذي أسفر عن استشهاد عقبة([29])، وما كان له من نتائج سلبية أدت إلى معارضة جموع من السكان للدين الإسلامي لاحقا كما يذكر أحد الباحثين([30])، فإن الذي لا شك فيه أن قبائل منطقة تامسنا وعلى رأسها قبيلة طريف – برغواطة- قد اعتنقت الإسلام على يد الفاتح موسى بن نصير اللخمي لاحقًا، وحسن إسلامها ([31])، وكانت من أولى قبائل البربر التي حملت على عاتقها نشر الاسلام في الأندلس؛ بزعامة قائدها طريف البرغواطي.
ومن الزعامات البربرية التي اشتركت مع طارق بن زياد في فتوحات الأندلس ” واسول بن مصلان بن أبي نزول ” الذي ينتمي إلى قبيلة مكناسة إحدى قبائل البربر البتر الزناتية ([32])، والراجح أن أسرة ” واسول” كانت قد اعتنقت الإسلام في سنوات الفتح الأخيرة لبلاد المغرب، الأمر الذي جعلها تحمل على عاتقها- كغيرها من الأسر البربرية التي اعتنقت الإسلام مسؤولية فتح الضفة الأخرى (بلاد الأندلس).
يذكر ابن الخطيب في هذا الشأن أن “واسول بن مصلان بن أبي نزول“ كان ضمن قوام الجيش الذي دخل الأندلس مع طارق بن زياد([33])، وإذا كانت المصادر قد سكتت تماما ولم تسعفنا بأية إشارة أخرى حول مصير واسول بن مصلان بعد مشاركته في حملة طارق بن زياد في فتح الأندلس، فإنها –أي المصادر- قد أشارت إلى أبنائه وأحفاده الذين برز نجمهم في مرحلة ما بعد الفتوحات وأصبح لهم شأن كبير في المجالين العلمي والسياسي المعارض لحكم بني أمية وولاتهم على بلاد المغرب ولسلطان الخلافة العباسية التي ورثت الخلافة الأموية وقامت على أنقاضها بعد سقوطها سنة 132هـ/749م، فالقلقشندى([34]) يورد اسم “سمكو” ابن واسول بأنه أصبح من رجالاتالعلم وأهله، الذين ارتحلوا إلى المدينة المنورة، وأخذوا عن كبار علمائها، ويؤكد ابن خلدون([35]) أن حفيد واسول ” أبو القاسم بن سمكو”، كان ممن نهل من العلوم والمعارف المختلفه، وكلل جهوده العلمية بزيارة إلى المشرق الإسلامي، وأخذ العلم عن كبار التابعين ومنهم عكرمة مولى عبدالله بن عباس، وترقى في المجال السياسي لاحقا ليصبح الرجل الثاني في دولة بني مدرار الخارجية الصفرية التي اتخذت من سجلماسة عاصمة لها سنة 140هـ/ 757م ([36])، وهو ما سنبسط له القول لاحقا.
وتورد إحدى الروايات ([37]) اسم “كثير بن وسلاس المصمودي”- كأحد رجال البربر الذين شاركوا في فتح الأندلس مقتفيًا أثر أسرته وفي مقدمتهم أبيه وابن عمه نصر اللذان كانا ضمن طليعة جيش طارق بن زياد، وهو ما يعطي إشارة إلى نيل قبيلة مصمودة البربرية شرف الإسهام في الفتوحات الإسلامية ونشر الدين الإسلامي في الأندلس كغيرها من قبائل البربر، ومن أحفاد هذه الأسرة يحيي بن يحيي الليثي الذي تعيد بعض الروايات إليه الفضل في نشر مذهب الإمام مالك في الأندلس([38]).
والأمر ذاته ينطبق على ميسرة المطغري وقبيلته مطغرة التي كان لها إسهامها الواضح في تلك الفتوحات([39]).
وعموما فرغم الجهد الذي بذله زعماء القبائل البربرية في فتوحات الأندلس، إلا أنه حسب ما يظهر لم يقدر من طرف ولاة بني أمية العرب الذين ظلوا يعتبرون أنفسهم هم أصحاب الفتوحات والمجد والانتصارات، وهذا الأمر لوحظ منذ الوهلة الأولى لفتوحات الأندلس وكيف تعامل موسى بن نصير مع القائد البربري طارق بن زياد النفزي الفاتح الأول لتلك البلاد بعد أن لحقه في الأندلس بعد عام من دخول طارق إليها فاتحا([40])، مما أدى إلى استياء زعماء البربر من ذلك التهميش، وبدأوا يبحثون عن حلول للتخلص من جور حكمهم([41])، ووجدوا أن أفضل طريق لتحقيق أمنياتهم هو اعتناق المذاهب الإسلامية المعارضة لحكم بني أمية، وعلى رأسها مذهب الخوارج.
المبحث الثاني
التحولات السياسية والفكرية لقبائل البربر وتأثيرها على الأندلس
أولًا- التحولات السياسية والفكرية لقادة البربر الفاتحين للأندلس:
أدت بعض الممارسات الخاطئة التي انتهجها البعض من ولاة بني أمية في بلاد المغرب والأندلس تجاه البربر عقب الفتوحات الإسلامية، والمتمثلة في عدم تقديرهم لدور قبائل البربر التي كان لها الإسهام الفاعل في فتح بلاد الأندلس إلى نشوء احتقان كبير بين الطرفين، تطور مع مرور الزمن إلى صراع بين الطرفين كانت بوادره الأولى قد بدأت في المغرب مع بداية القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، وذلك باغتيال البربر لوالي الخلافة حينها يزيد بن أبي مسلم سنة 102هـ([42])/720م، الذي تميزت سياسته بالشدة والعنف تجاه البربر([43])، لدرجة أنه سعى لمحاولة إعادة فرض الجزية على من أسلم من السكان البربر حسب بعض الروايات([44]).
وفي الوقت الذي كان ينبغي على الخلافة الأموية بعد حادثة مقتل واليها على بلاد المغرب أن تقف أمام سلوك بعض ولاتها المشينة تجاه البربر، وتحاول أن تقرب العنصر البربري وتشركه في إدارة البلاد بتعيين ولاة منهم كونهم أبناء المنطقة، فضلًا عن مشاركتهم الفاعلة في فتح بلاد الأندلس؛ يجد المتتبع للمصادر العربية التي دونت أحداث تلك المرحلة أن سياسة الخلافة الأموية بعد مرحلة الفتوحات– عصر الولاة- ولاسيما بعد موت الخليفة عمر بن عبدالعزيز (101هـ/ 719م) ارتكزت على التعصب للجنس العربي وجعلت المناصب الإدارية حصرا عليه، بل إنها أحيانًا بعثت إلى بلاد المغرب ولاةً عرفوا بسلوكهم القاسي تجاه السكان البربر؛ ومن هؤلاء عبيدة بن عبد الرحمن السلمي الذين عين واليا في سنة110هـ/727م، وفي فترة حكمه التي استمرت أربع سنوات تتحدث الروايات أن الامتهان للسكان، وجمع الأموال من قبائل البربر بطرق غير مشروعة هي السياسة التي سادت خلال فترة حكمه([45]).
رغم ذلك كله فقد حاولت قبائل البربر سلك الطرق السياسية المشروعة في التعاطي مع الواقع الذي فرضه بعض ولاة بني أمية في بلاد المغرب، ومن ذلك أنهم شكلوا وفدا بربريًا من زعماء قبائل البربر وتوجه الوفد إلى مركز الخلافة في دمشق لمقابلة الخليفة هشام بن عبدالملك لعرض مطالبهم وما يتعرضون له من انتهاكات من طرف بعض ولاة الخلافة الأموية في بلاد المغرب، علهم يجدون حلا لها، ولما وصلوا دمشق لم يتمكنوا من مقابلة الخليفة هشام بن عبدالملك، والظاهر أنهم وجدوا مماطلة من طرف حاجب الخليفة “الأبرش” في عدم تمكينهم من مقابلة الخليفة هشام رغم انتظارهم شهرا كاملًا، فلم يكن أمامهم سوى أن تركوا عريضة دونوا فيها أسماءهم وشكواهم ثم غادروا العاصمة الأموية دمشق ([46])، ومن حينها -حسب ما يبدو- وصل زعماء وقادة البربر إلى قناعة بعدم جدوى استعمال الطرق السياسية السلمية لحل مشاكلهم، وأخذوا يسلكون منهجا معاديا لحكم بني أمية وولاتهم ويبحثون عن مخرج للتخلص من سلطانهم، ولذا فقد رأوا في فكر الخوارج الإسلامي ضالتهم؛ التي يمكنهم عبره تغيير الحكم المفروض عليهم، لتبدأ بذلك مرحلة تحول فكري جديد سار عليه زعماء القبائل البربرية ونهجوه في مرحلة ما بعد الفتوحات المعروف بعصر الولاة.
وبما أن طريف البرغواطي كان من أوائل الشخصيات التي أسهمت في فتوحات بلاد الأندلس مع جماعته وقومه البربر، فإنه من الطبيعي أن يكون من أوائل القادة البربر اعتناقا لفكر الخوارج المعارض لحكم بني أمية، بل إن بعض المؤرخين تحدث عن قيامه بزيارة إلى المدينة المنورة لتلقي العلم على يد كبار التابعين([47])، ولا نستبعد أن يكون طريف البرغواطي قد تعرف على عكرمة مولى بن عباس وأخذ عنه العلم ولمس منه ميولا لفكر الخوارج([48])؛ ولذا لما وصل عكرمة إلى القيروان يدعو للمذهب الخارجي الصفري لا نستبعد أيضًا أن طريفًا البرغواطي لم يتأخر في الذهاب إليه للتعمق في فهم المذهب الخارجي حتى يتمكن من نشره بين أفراد قبيلته وهو على علم بجزئياته وتفاصيله، وهو ما يظهر من إشارة ابن خلدون([49]) إلى اعتناقه الفكر الخارجي الصفري وأصبح ممن يدعو له، بين قومه؛ حتى استمالهم إليه، وهو ما عبر عنه ابن عذاري([50]) بقوله: «وكان بالمغرب يومئذ قوم ظهرت فيهم دعوة الخوارج ولهم عدد كثير وشوكة كبيرة وهم برغواطة».
ولما ازداد تسلط ولاة بني أمية وأمرائهم على البربر في بلاد المغرب، وبلغ الأمر ذروته بالمغرب الأقصى على يد والي طنجة عمر بن عبد الله المرادي، الذي يجمع المؤرخون على أنه “أساء السيرة، وتعدى في الصدقات والقسم، وأراد أن يخمس البربر، وزعم أنهم فيء المسلمين، وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله، وإنما كانت الولاة يخمسون من لم يؤمن منهم ولم يجب إلى الإسلام”([51])، قرر البربر سنة 122هـ/739م بزعامة ميسرة المطغري المواجهة الحربية([52])؛ وأعلنوا الثورة ضد الحكم الأموي في بلاد المغرب، فانضم طريف البرغواطي وقبيلته برغواطة إلى الثوار البربر، وكانوا من أبرز المشاركين فيها([53])، بل إن الروايات التاريخية تجعل طريفًا البرغواطي من قادة الثورة الأساسيين([54]).
وعلى ذات الطريق التي سلكها طريف البرغواطي وقبيلته، سار زعيم قبيلة مكناسة أبو القاسم بن سمكو- حفيد واسول بن مصلان بن أبي نزول الزناتي – إذ تذكر الروايات أنه كان من أوائل الذين وفدوا على عكرمة مولى ابن عباس بعد مقدمه إلى بلاد المغرب([55])، واستقراره في مدينة القيروان لتعليم الناس الفكر الخارجي الصفري، فقد ذكر البكري([56]) في هذا الصدد أن أبا القاسم توجه إلى عكرمة في القيروان “وسمع منه”.
والظاهر أن أبا القاسم بن سمكو المكناسي قد تمكن من الإحاطة والتعمق في فهم مبادئ فكر الخوارج؛ حتى أصبح من مشاهير حملة العلمعلى حد قول ابن خلدون([57])، وعندما أعلن البربر الخوارج ثورتهم بزعامة ميسرة المطغري سنة 122هـ/739م، ضد الولاة الأمويين في شمال المغرب، لم يتوان أبو القاسم عن المشاركة في تلك الثورة مع قبيلته مكناسة([58]).
وهكذا نجد أن عددا من قادة البربر الذين أسهموا في فتح الأندلس قد تحولوا لاحقًا واعتنقوا فكر الخوارج ونشروه بين قبائلهم، ليشعلوا بعد ذلك ثورة كبيرة ضد ولاة الأمويين في بلاد المغرب هزت أركان الخلافة الأموية في المشرق، لاسيما بعد أن توسعت وشملت كثيرًا من مناطق بلاد المغرب، وهو ما سنناقشه في الفقرة الأتية.
ثانيًا- ثورة قبائل البربر في بلاد المغرب وتأثيرها على الوضع العام في الأندلس:
نود التنويه إلى أن الأندلس كانت مرتبطة عضويًا وإداريًا ببلاد المغرب، وكان الوالي الذي يعين من طرف خلافة دمشق على بلاد المغرب يكون مسؤولا عاما عن إدارة بلاد المغرب والأندلس، وعليه فإن تطورات الأحداث في بلاد المغرب كانت بالضرورة تنعكس على الضفة الأخرى ” الأندلس”، والعكس تماما، وهو ما توضحه كثير من المنعطفات التاريخية التي مرت بها المنطقتين بعد الفتح الإسلامي لهما، ومن أهم الأحداث التي مرت بها بلاد المغرب بعد الفتح الإسلامي أو ما عرف لدى المؤرخين بـ” عصر الولاة” وكان لها تأثيرها المباشر على الأندلس هي ثورة الخوارج البربر ضد ولاة بني أمية.
انطلقت ثورة البربر الخوارج في إقليم طنجة بالمغرب الأقصى بزعامة ميسرة المطغري ([59])، وتمكن الثوار من دخول طنجة سنة 122هـ/ 739م وقتل واليها عمر بن عبد الله المرادي ([60])، ثم واصلوا زحفهم صوب مدينة سبته وطردوا حاكمها؛ وانتشرت الثورة إثر ذلك إلى السوس الأدنى ومعظم نواحي بلاد المغرب الأقصى([61])، ويبدو أن والي الأمويين على بلاد المغرب والأندلس عبيد الله بن الحبحاب قد استشعر أهمية وخطورة المكان الذي انطلقت منه الثورة وهو مدينتي طنجة وسبته الساحليتين وقربهما من الأندلس، وخوفًا من انتقال رياح الثورة إليها؛ نجده يصدر توجيهاته لواليه على الأندلس “عقبة بن الحجاج السلولي”، طالبا منه التحرك بجيوشه إلى بلاد طنجة بالمغرب الأقصى ومساعدته في قمع الثوار، وإخماد الثورة.
لم يتأخر أمير الأندلس في تنفيذ توجيهات الوالي عبيدالله ابن الحبحاب؛ إذ يذكر بعض الباحثين في هذا الشأن أن عقبة بن الحجاج السلولي توجه بجيوشه من الأندلس صوب الضفة الجنوبية قاصدا مدينة طنجة في المغرب الأقصى، وبعد عبوره المجاز إلى الساحل المغربي دخل في معارك شديدة مع ثوار البربر الخوارج، إلا أنه فشل في إخماد ثورتهم ([62])، الأمر الذي اضطره إلى الانسحاب ومغادرة شمال بلاد المغرب والعودة إلى الأندلس دون تحقيق أية نتيجة تذكر.
وتجدر الإشارة إلى أنه في أثناء عودة عقبة بن الحجاج السلولي إلى الأندلس كانت الأمور قد ازدادت اضطرابا وتدهورا في بلاد المغرب بفعل اتساع ثورة البربر الخوارج، الأمر الذي جعل الخلافة في دمشق تصدر مرسومًا قضى بعزل الوالي عبيدالله ابن الحبحاب من منصبه، وتولية كلثوم بن عياض القشيري مكانه([63]).؛ وشمل التغيير أيضًا أمير الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي؛ إذ تذكر الروايات التاريخية أنه تم عزل عقبة بن الحجاج السلولي وتولية عبد الملك بن قطن الفهري أميرا للأندلس بدلًا عنه([64]).
وعلى كلٍ؛ فإن هذه التغييرات التي قامت بها الخلافة الأموية في المغرب والأندلس لمحاولة وأد الثورة البربرية الخارجية لم تحقق المراد منها، إذ أن بلاد الأندلس في عهد أميرها الجديد عبدالملك بن قطن الفهري عرفت موجة من الاضطرابات متأثرة بما كان يجري في الضفة الجنوبية منها- أي بلاد المغرب- كان أخطر تلك الاضطرابات الثورة التي تزعمها البربر المستقرين في الأندلس والتي كادت أن تسقط الحكم الأموي فيه تماما.
ثالثًا- مظاهر تأثر الأندلس بالتحولات السياسية والفكرية لقبائل بلاد المغرب:
لا شك أن اعتناق زعماء البربر في المغرب لفكر الخوارج ومن ثم إعلان الثورة ضد الحكام العرب الجائرين من ولاة بني أمية، كان له تداعياته على بلاد الأندلس؛ إذ وصل صدى ذلك التحول الفكري والسياسي والحربي إليها؛ فانتشرت في الأندلس أفكار الخوارج التي تدعو للعدل والمساواة ومجابهة الحكام الجائرين؛ حيث استلهمها البربر الذين كانوا قد استقروا في الأندلس منذ مشاركتهم في فتحها؛ ليعلنوا الثورة ضد الحكم الأموي إسوة بإخوانهم في المغرب.
نود الإفادة إلى أن ثورة ابن هدين التي اندلعت في الأندلس مطلع العام 124هـ/741م، كانت ثورة بربرية خالصة – حسب المصادر([65])- ضد ولاة الخلافة الأموية وكادت أن تطيح بالحكم الأموي هناك لولا تدخل إحدى فرق جيش الأمويين في المغرب والتي كانت محاصرة بالقرب من سبتة من طرف ثوار البربر المغاربة، وأنها أخذت الصبغة المذهبية الخارجية- الصفرية منها تحديدا- متأثرة بأفكار قادة الخوارج البربر في بلاد المغرب، وقبل مناقشة هاتين النقطتين سنحاول التطرق سريعا إلى أوضاع البربر في الأندلس قبل انطلاق ثورة سنة 124هـ/ 741م التي في تقديرنا شكلت الظروف الموضوعية لقيام الثورة.
من المنطقي أن المعاناة التي لاقاها البربر في المغرب منذ ما بعد مرحلة الفتوحات الإسلامية وطوال عصر الولاة، قد سرت على إخوانهم البربر المستقرين في بلاد الأندلس أيضاَ، بحكم الارتباط الإداري والعضوي بين المنطقتين، إذ يلاحظ أن بربر الأندلس كانوا يشكون من المظالم نفسها –تقريبًا- التي كان يعاني منها إخوانهم في بلاد المغرب، وهي سوء إدارة ولاة بني أمية وتحكمهم بكل شؤون الحياة في الأندلس.
فمنذ استكمال الفتوحات الإسلامية لتلك المنطقة سعى ولاة الأمويين ومناصريهم من القبائل العربية إلى الاستئثار بمعظم الوديان الخصبة في الأراضي المفتوحة، حيث استوطنوا ضفاف الأنهار في شرقي الأندلس وجنوبها ووسطها، بينما كان استقرار معظم البربر في الأراضي القاحلة والمناطق الجبلية الباردة في الشمال وبعض الأطراف الغربية النائية من الأندلس([66])، فضلا على أن السلطة والمناصب الإدارية ظلت حكرا على العرب دون سواهم، ولم يمكن العنصر البربري من تسلم أي منصب قيادي في إدارة الأندلس؛ وقد بدأت السياسة التهميشية للعنصر البربري منذ استكمال فتح الأندلس عام 95هـ/ 713م؛ إذ تم تعيين عبدالعزيز بن موسى بن نصير ليدير شؤون الحكم فيها؛ على أن يكون حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وزيره ومستشاره ([67])، والملفت للنظر أن خلفاء بني أمية استمروا في إدارتهم لبلاد المغرب والأندلس منذ فتحهما وحتى سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ/ 749م، يقصرون التعيينات على العرب بقسميهم (القيسي واليمني) دون سواهم ([68])، وتم استبعاد العنصر البربري وإقصائه تماما.
وعلى أية حال فإن السياسة الإقصائية لخلافة بني أمية لمكون بارز كان له قصب السبق في فتح الأندلس وهم البربر، كان كفيلًا بإشعال ثورة لرفع تلك المظالم ومحاولة تغيير ذلك الواقع المفروض إن أمكن، تحت مظلة المذهب الخارجي الإسلامي الذي يجيز الخروج على الحكم الجائر وتغييره ولو بقوة السيف ([69]).
لم يمر وقت كبير على تولية عبد الملك بن قطن الفهري أميرا على الأندلس حتى فوجئ بثورة عاتية للبربر في كل ربوع الأندلس وذلك بداية 124هـ([70])/ 741م، تزعم هذه الثورة القائد ابن هدين؛ وكان ثوار الأندلس قبل انطلاق ثورتهم يتابعون ثورة البربر في بلاد المغرب التي كانت تزداد اتساعا؛ وتواصل إلحاق الهزائم بجيوش الأمويين([71])، ولا شك أن صدى الانتصارات البربرية قد وصل إلى كل أنحاء الأندلس([72])، التي كان بربرها يعانون من تسلط ولاة بني أمية، ولم ينالوا ما كانوا يطمحون إليه، نظير دورهم الفاعل في فتح تلك البلاد كما أسلفنا ([73])، ولذا ما أن وصلتهم أخبار انتصارات إخوانهم البربر في بلاد المغرب حتى انتفضوا وأعلنوا ثورتهم على حكام الأمويين في نواحي الأندلس([74]) مستلهمين طريقة ثورة إخوانهم البربر في بلاد المغرب في تتبع القيادات العربية الحاكمة وطردهم من المدن الرئيسية([75])، ومن ثم تنصيب إمام لهم لتزعم قيادة الثورة يدعى ابن هدين([76])، والذي يغلب على الظن أنه هو من دشن الثورة البربرية في الأندلس ابتداء من المناطق الشمالية؛ ومن ثم توجه صوب المناطق الوسطى وكان الهدف الاستراتيجي لتحركات القائد البربري ابن هدين هو إسقاط العاصمة قرطبة مركز والي الخلافة الأموية، والظاهر أنه كان قد تواصل مع البربر في المناطق الجنوبية الذين تجمعوا بقيادة رجلٍ بربري عرف بالزناتي([77])، لتحقيق ذلك الهدف وهو الانقضاض على العاصمة قرطبة والسيطرة عليها.
ومن أهم المدن الأندلسية التي اندلعت فيها ثورات البربر بعد إشعال فتيلها على يد القائد البربري ابن هدين هي مدن شمال غرب الأندلس وأهمها مدينة جليقية في أقصى الشمال التي أسقطها الثوار وقتلوا عددا من القيادات الأموية وطردوا آخرين ([78])، ثم واصلت الثورة زحفها تجاه مدينة استرقة وتمكن الثوار من طرد العنصر العربي الحاكم منها والاستيلاء عليها ([79])، وتوسعت الثورة لتشمل بعض الكور والمدائن خلف استرقة؛ وفر كثير من ولاة الأمويين وقادتهم إلى مدينة قرطبة حيث يقيم والي الأندلس عبدالملك بن قطن الفهري([80]).
وفي الاتجاه الشمالي الشرقي من الأندلس أيضًا اتجهت جموع من الثوار البربر وواصلوا زحفهم صوب قاعدة الثغر الأعلى للأندلس مدينة سرقسطة، لكنهم فشلوا في الاستيلاء عليها؛ نظرا للتفوق الديموغرافي للعنصر العربي فيها([81]).
وكانت جموع أخرى من الثوار البربر قد تحركوا في الثغر الأوسط للأندلس وتمكنوا من الاستيلاء على طلبيرة ([82]) وأصبحوا قريبين من طليطلة، وتمكنت جموع ثائرة أخرى من السيطرة على مدينة قورية وطردت العنصر العربي منها؛ ثم واصلت تلك الجموع زحفها وتمكنت من دخول مدينة ماردة والسيطرة عليها([83]).
وامتد لهيب الثورة في الأندلس حتى وصل إلى المناطق الجنوبية؛ إذ تذكر الروايات التاريخية أن البربر الخوارج تجمعوا هناك واستطاعوا الاستيلاء على مدينة شذونه، يقودهم رجل من زناتة([84]).
وأمام هذا التمدد الخاطف للثوار البربر الذي شمل معظم نواحي بلاد الأندلس، كان لا بد من موقف حازم من طرف والي الأندلس والقيادات العربية تجاه تلك التطورات المتسارعة، إذ تذكر الروايات أن العنصر العربي وقواته التي فرت من مدن الأندلس الكبرى ومن الأطراف بدأت بالتجمع في وسط الأندلس وخاصة في مدينتي طليطلة والعاصمة قرطبة ([85])؛ استعدادا للمواجهة التي أصبحت حتمية قبل أن يستفحل أمر الثورة وتخرج الأمور عن السيطرة؛ حيث عمل أمير الأندلس عبد الملك بن قطن الفهري على استقبال العناصر العربية التي وفدت عليه؛ وشرع بترتيب قواته وتجهيز جيوشه لمواجهة الثورة، وبدأ عمليًا بإرسال فرقٍ من قواته الحربية لخوض المعارك مع البربر الثائرين، لكن قواته سرعان ما تلقت هزيمة مدوية على يد الثوار ([86])، الذين كانوا قد استلهموا كثيرا من أفكار إخوانهم خوارج بلاد المغرب ولا سيما طرقهم في أثناء النزال والمواجهات العسكرية([87]).
ونتيجة للوضع الحرج وخوفا من سقوط الأندلس بيد ثوار البربر الخوارج اضطر أمير الأندلس عبدالملك بن قطن الفهري إلى الاستعانة بقوات عربية أموية في بلاد المغرب ([88])، كانت محاصرة في ضواحي مدينة سبتة منذ أواخر سنة 123هـ/739م على يد الخوارج البربر هناك، لتعرف الأندلس بدخول القوات الأموية جولة جديدة من الصراع والحرب مع الثوار البربر أثرت في محصلتها النهائية على الثورة، ولكنها لم تعيد الاستقرار إلى الأندلس.
ج- استغاثة والي الأندلس بقوات أموية من المغرب وإخماد ثورة ابن هدين
معلوم أن جيوش الأمويين كانت قد تلقت هزائم كبيرة على أيدي الثوار البربر في بلاد المغرب منذ اندلاع ثورتهم سنة 122هـ/ 739م، وبسبب تلك الهزائم عمل الخليفة هشام بن عبدالملك على تغيير واليه على بلاد المغرب عبيدالله بن الحبحاب بداية سنة 123هـ/740م، وعين واليًا جديدا هو كلثوم عياض القشيري، ولما وصل كلثوم بلاد المغرب كانت الثورة البربرية في عنفوانها؛ فتلقى جيشه هزيمة كبيرة في موقعة بقدورة جنوبي منطقة طنجة على يد ثوار البربر الخوارج، لاقى الوالي كلثوم بن عياض حتفه فيها([89])، وتمكن جزء من جيشه من الفرار والتحصن في ضواحي مدينة سبتة الساحلية ([90])، بقيادة ابن أخيه بلج بن بشر القشيري، وظل هذا الجيش لفترة من الزمن محاصرًا في نواحي سبتة من طرف ثوار الخوارج البربر في المغرب حتى أكلوا الجلود وأوراق الشجر من شدة الحصار كما تقول المصادر([91]).
والمهم أنه لما انطلقت ثورة الخوارج في الأندلس بداية سنة 124هـ/741م وانتشرت في معظم مدنه، لم يكن أمام واليها عبدالملك بن قطن سوى التواصل مع ذلك الجيش المحاصر في ضواحي سبتة وتسهيل مروره إلى الأندلس للتعاون معه في إخماد ثورة البربر الخوارج، وقد اشترط عليهم عبدالملك بن قطن أخذ رهائن منهم وأن يعودوا بعد عام من إنهاء مهمتهم التي جاؤوا من أجلها ([92])، وهي القضاء على ثورة الخوارج البربر في الأندلس؛ فوافق بلج بن بشر القشيري ومن معه من المحاصرين على تلك الشروط كُرهًا، فأرسل إليهم والي الأندلس عبد الملك بن قطن الفهري سفنًا إلى سبتة حملتهم إلى الأندلس، فوصلوا إلى قرطبة ووزع عليهم العطايا، وكسا خيارهم كما تقول الروايات([93]).
وعلى التو تحرك جيش بلج بن بشر القشيري لمواجهة الثوار البربر الأندلسيين، ودشن تلك المواجهات بهجوم قوي على جموع من الثوار ففي منطقة شذونة – جنوب الأندلس- وأسفر اللقاء عن هزيمة الثوار البربر والاستيلاء على ما معهم من عتاد ومتاع([94])، وبعد هذا النصر في منطقة شذونة اتحدت قوات بلج بن بشر القشيري مع قوات الوالي عبد الملك بن قطن الفهري لمواجهة فوج آخر من الثوار البربر كان في طريقه إلى العاصمة قرطبة ولم يجد الجيش الأموي صعوبة في القضاء عليه ([95]).
بعد ذلك استعدت قوات عبدالملك بن قطن وقوات بلج بن بشر لمواجهة الزحف البربري الكبير الذي تجمع من “جليقية واسترقة وماردة وقورية وطلبيرة”([96])، وأخذ يشق طريقه نحو طليطلة بعد عبوره نهر تاجة، ووقع اللقاء الحاسم بين الطرفين على وادي سليط في نواحي طليطلة واستبسل البربر في المعركة، واستلهموا طريقة الخوارج وقادتهم في أثناء المواجهة، إذ “حلقوا رؤوسهم اقتداء بميسرة ولكي لا يخفى أمرهم وليضربوا ولا يختلطوا“([97])، لكن صمود الثوار البربر قابله استماتة من الجيش الأموي؛ ولاسيما من طرف الشاميين الذين أرادوا أن يثأروا لما أصابهم من هزائم على يد البربر في المغرب، وتمكنوا بعد جولات من الصراع من حسم اللقاء لصالحهم وإنزال هزيمة ساحقة بالثوار البربر الذين لم تقم لهم قائمة بعدها، وتم تعقب بقية فلول الفارين منهم ومطاردتهم في أنحاء الأندلس، يصف صاحب أخبار مجموعة المقتلة التي حلت بالبربر على يد الوالي ابن قطن وأهل الشام بقوله” فقتلوهم قتلا ذريعا أفنوهم به فلم ينج منهم إلا الشريد… ثم فرقوا الجيش في الأندلس فقتلوا البربر حتى أطفأوا جمرتهم”([98]).
وبهذا النصر الكبير الذي حققه الوالي عبد الملك بن قطن الفهري مسنودًا بالجيش الشامي تم إخماد ثورة البربر الخوارج التي كادت أن تطيح بالأندلس وتسيطر عليه، ورغم هذا النجاح الكبير في التخلص من خطر الخوارج؛ إلا أن الأندلس لم تستقر بعد ذلك فسرعان مع دخل عبدالملك بن قطن في خلاف مع الشاميين لما طلب منهم مغادرة البلاد – حسب الاتفاق الذي أبرم قبل مجيئهم- إذ رفض الشاميون المغادرة؛ وتطور ذلك الخلاف إلى نزاع ومن ثم إلى حرب بين الطرفين أودى بحياة الوالي عبد الملك بن قطن الفهري نفسه على يد بلج بن بشر القشيري([99])، الأمر الذي دفع أولاد عبد الملك بن قطن ومعهم أنصار أبيهم إلى التجمع وخوض حربٍ مع بلج وقواته، أسفرت نتيجتها عن قتل بلج بن بشر وتشتت مناصريه([100]).
واستمرت الاندلس بعدها تعيش حالة من الفوضى والصراع الذي تطور لاحقًا وأخذ الصبغة العصبية ( القيسية واليمانية) ([101])، حتى قدوم عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك الذي فر من مطاردة العباسيين في المشرق وتمكن من دخول الأندلس ليعمل على إعادة إحياء الدولة الأموية في الأندلس سنة 138هـ/755م، بعد سقوطها في المشرق قبل ذلك التاريخ بست سنوات.
وتجدر الإشارة أن بلاد الأندلس لم تعرف بعد ذلك – حسب علمنا- ثورات ذات صبغة خارجية خالصة([102]) بعد إخماد وكسر شوكة هذه الثورة الخارجية على يد عبدالملك بن قطن الفهري وبلج بن بشر القشيري، إذ كان لقيام الدولة الأموية في الأندلس سنة 138هـ/ 755م الفضل في عدم ظهور ثورات ذات نفس خارجي، وذلك نتيجة لطبيعة العلاقات الودية المتميزة التي عرفتها الدولة الأموية في الأندلس مع دول الخوارج التي نشأت في بلاد المغرب([103]).
قد يتساءل المرء عن طبيعة التأثير الفكري والسياسي لقبائل البربر في المغرب على البربر في الأندلس، وهل يمكن الحديث مثلًا عن وجود دعاة للفكر الخارجي قدموا إلى الأندلس من بلاد المغرب وعملوا على تهيئة البربر الأندلسيين وإقناعهم بالتغيير السياسي والثورة ضد الحكم الأموي القائم؛ كما حدث في بلاد المغرب التي سبق ثورتها عمل دؤوب لدعاة فكر الخوارج بين القبائل البربرية؟([104]).
في الحقيقة رغم شحة المصادر في الحديث عن وجود دعاة رسميين لفكر الخوارج في الأندلس أُرسلوا من المغرب لنشر الفكر الخارجي، لكننا لا نستبعد تسرب بعضهم، وإن أغفلت المصادر ذكر أسماء بعينها، شفيعنا في ذلك استنطاق بعض النصوص التي تؤكد أن البربر في الأندلس اتخذوا من بعض الشخصيات المغربية الخارجية نبراسًا لها يهتدون بخطاها لا سيما في كيفية التعامل العسكري في أثناء مواجهة الجيوش الأموية، من ذلك ما أورده صاحب كتاب أخبار مجموعة في فتح الأندلس قائلا ” فلما بلغ البربر إقبال الجيوش إليهم حلقوا رؤوسهم اقتداء بميسرة، ولكي لا يخفى أمرهم وليضربوا ولا يختلطوا”([105]).، ويؤكد الناصري أن تحرك البربر في الأندلس كان وراءه ” النزعة الخارجية”([106]).
من هذه الاشارات يُستشف أن أفكار الخوارج قد انتقلت إلى الأندلس بطريقة أو بأخرى؛ ولا يستبعد أن يكون ذلك قد تم بوساطة دعاة من خوارج المغرب وفدوا إلى بلاد الأندلس وهيأوا البربر هناك للاستعداد للثورة([107]) وما ذكر اسم ميسرة المطغري- زعيم خوارج المغرب- في بلاد الأندلس إلا دليل ينبأ عن جهود لدعاة وفدوا من المغرب لعبوا دورا في تهيئة البربر للثورة ضد ولاة بني أمية العرب، فقد أضحى ميسرة البربري المغربي الخارجي ملهمًا للثوار الأندلسيين، يقتدون به وبطريقة مواجهته للقوات الأموية من خلال حلق رؤوسهم([108])، حتى تبقى مجاميعهم معروفة وحتى يضربوا بقوة ولا يختلطوا مع الخصم.
إن نقل تجربة ميسرة سواء الفكرية النظرية في اعتناقه للفكر الخارجي وإيمانه بمبادئه التي تدعو لتحقيق العدل والمساواة وعدم حصر السلطة بجنس معين والثورة على الحاكم الجائر، أو تجربته العملية وخططه في أثناء المواجهات العسكرية والنزالات الحربية مع الخصوم وهم ولاة بني أمية وأتباعهم؛ قد أصبحت نبراسًا لثوار البربر الأندلسيين تأثروا بها في محطات الثورة المختلفة؛ وفضلًا عن ذلك أيضًا يمكن استنباط بعض مظاهر التأثير الفكري والسياسي والعسكري لخوارج المغرب على ثوار البربر في الأندلس من النقاط الآتية:
وأخيرا نميل إلى أن تنسيقا وترتيبًا معينا قد تم بين خوارج بربر بلاد المغرب وبين إخوانهم في الأندلس لاستغلال الوضع المضطرب وإرباك الوالي الجديد لبلاد المغرب حنظلة بن صفوان الكلبي، ففي الوقت الذي توجه ثوار البربر في المغرب صوب العاصمة القيروان وضرب الحصار على الوالي حنظلة بن صفوان الكلبي لمحاولة إسقاط المدينة والسيطرة على حاضرة الخلافة الأموية في أفريقية وبلاد المغرب([115])، انطلقت في ذات الوقت ثورة البربر في الأندلس وأسقطت العديد من المدن في شمال ووسط وغرب الأندلس([116])، ليواصل الثوار ملاحقة القيادات العربية الأموية التي فرت نحو العاصمة قرطبة مركز والي الأمويين عبدالملك بن قطن الفهري؛ آملًا منهم في السيطرة عليها وطرد والي الأمويين وكل القيادات الأموية التي فرت إليها([117]).
الخاتمة
تأسيسًا على كل ما سبق في محاور البحث وعناوينه المختلفة يمكن الوصول إلى النتائج الآتية:
أولًا- أن بلاد المغرب عبر مراحل التاريخ المختلفة كانت على ارتباط وثيق بشبه الجزيرة الإيبيرية بحكم التقارب الجغرافي والتواصل المشترك والهجرات المتبادلة بين المنطقتين والذي نتج عنه تأثر وتأثير متبادل بين البلدين.
ثانيًا– أدى ظهور الإسلام في الجزيرة العربية ومن ثَمّ انتشاره ووصوله بلاد المغرب إلى إحداث تغيير جذري على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي، داخل المجتمع المغربي، اقتضى ذلك التغيير والتحول بالضرورة أن يكون له تأثيره على شبه الجزيرة الإيبيرية بحكم الارتباط العضوي بين المنطقتين؛ وهو ما ظهر واقعًا من خلال الإسهام الفاعل لقبائل البربر في فتح بلاد الأندلس التي تأثرت لاحقًا بصيرورة الأحداث السياسية والتحولات الفكرية التي مرت بها بلاد المغرب.
ثالثا– كان لزعماء قبائل البربر الفاتحين للأندلس الذين اعتنقوا فكر الخوارج بعد انتهاء مرحلة الفتوحات تأثير على الوضع العام لبلاد الأندلس، إذ انتشرت أفكارهم التي تدعو لتغيير الحكم الجائر والثورة عليه؛ وهو ما تحقق عمليًا عبر اشعال البربر الأندلسيين ثورة ذات صبغة فكرية خارجية ضد الحكم الأموي كادت أن تطيح به.
رابعا– تأثر ثوار البربر في الأندلس سياسيا وفكريا بزعماء البربر وقادتهم في المغرب وبطرقهم النظرية والعملية في الإعداد والتخطيط والتنفيذ لثورتهم ضد الولاة الأمويين، ويظهر ذلك من خلال حلقهم للرؤوس في أثناء المواجهات والنزالات العسكرية مع خصومهم اقتداء بقائد الثورة البربرية في المغرب ميسرة المطغري، أو في مبايعتهم ابن هدين أميرا لهم تأسيًا بنهج اخوانهم بربر المغرب، فضلا عن خططهم الميدانية في الهجوم المباغت والسريع واسقاط العديد من مدن الأندلس التي كانت تحت سلطان الحكام الأمويين وطردهم منها؛ ومحاولة الوصول إلى العاصمة قرطبة مقر والي الأمويين، محاكاة لإخوانهم ثوار البربر في بلاد المغرب عندما سيطروا على مدن سبتة وطنجة والسوس الأقصى وطردوا حكام الأمويين منها، والسعي لإسقاط القيروان مركز والي الخلافة الأموية في أفريقية وبلاد المغرب.
Leiden, 1950, T.I, p37.
الهوامش
[1]– للمزيد عن هذا الموضوع يمكن العودة لبعض المصادر العربية والدراسات الحديثة، منها: ابن الأثير (عزالدين أبي الحسن علي بن محمد عبد الواحد الشيباني): الكامل في التاريخ، الجزء الثاني، تحقيق مكتبة التراث، بيروت، 1994م، ص237؛ ابن عذاري (أبي العباس أحمد المراكشي): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، الجزء الأول، تحقيق ومراجعة، أ.س كولان، أليفي بروفنسال، الدار العربية للكتاب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1983م، ص16؛ السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير، دار النهضة العربية، بيروت، 1981م، ص133؛ محمد عبدالله عنان: دولة الإسلام في الأندلس الجزء الأول، إصدار مكتبة الأسرة، طباعة مكتبة الخانجي بالاشتراك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2003م، ص 16-18؛ محمد عيسى الحريري: مقدمات البناء السياسي للمغرب الإسلامي، دار المعارف، الكويت،1983م، ص18.
[2]– ابن حوقل، (أبو القاسم ابن حوقل النصيبي): صورة الأرض، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، بدون تاريخ طبع، ص93، أبي زكرياء، ( يحيى ابن أبي بكر): سير الأئمة وأخيارهم المعروف بتاريخ أبي زكريا، تحقيق إسماعيل العربي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1982م، ص41، وانظر كذلك الدرجيني (أبو العباس أحمد بن سعيد): طبقات المشايخ بالمغرب، الجزء الأول، تحقيق إبراهيم طلاي، مطبعة البعث، قسطنطينية، الجزائر، 1974م، ص11.
[3]– محمد حقي: البربر في الأندلس، دار المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2001م، ص31.
[4]– نستشف مظاهر من الارتباط بين بلاد المغرب، والضفة الأخرى” الجزيرة الإيبيرية وجزر المتوسط “من اشارة أوردها ابن عذاري أن الكاهنة البربرية كانت متزوجه من رجل يوناني وكان لها ولد منه. انظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص37.
[5] – البكري (أبو عبيد عبدالله بن عبد العزيز): المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، باريس، 1965م، ص37، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص 35.
[6]– الرقيق (أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم): تاريخ أفريقية والمغرب، تحقيق عبد الله علي الزيدان، عز الدين عمر موسى، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م، ص30-34، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص36، ابن خلدون (عبدالرحمن بن محمد): العبر وديوان المبتدأ والخبر، الجزء السادس، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، 1979م، ص109.
[7] – ابن عذاري، البيان المغرب، البيان المغرب، ج1، ص 36، 37.
[8] – ابن عذاري، البيان المغرب، البيان المغرب، ج1، ص 36، 37.
[9] – الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص33، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص38.
[10]– من الشخصيات البربرية التي منحها حسان بن النعمان الغساني منصبا قياديا في الجيش هو هلال بن ثروان اللواتي. انظر ابن عبد الحكم (أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله): فتوح مصر والمغرب، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، بورسعيد، 1995م، ص228.
[11] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص38، عبد الواحد دنون طه: دراسات في تاريخ وحضارة المغرب الإسلامي، دار المد الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 2004م، ص51-52.
[12] – الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص39.
[13] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص42. كان موسى بن نصير قد كلف مجموعة من الفقهاء العرب الفاتحين تعليم تلك القبائل البربرية القران والفقه وشرائع الدين الإسلامي الجديد. راجع الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص40، ابن خلدون، العبر، ج6، ص110.
[14]– الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص39، الثعالبي ( عبدالعزيز): تاريخ شمال افريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبية، جمع وتحقيق د. أحمد بن ميلاد، محمد ادريس، تقديم ومراجعة حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، ص93.
[15]– M.Lomard, L’Islam dans sa première grandeur, Flammarion, Paris،1971.
[16] – كانت ولاية طنجة خلال حكم طارق بن زياد لها قد توسعت فشملت المغرب الأقصى كله إلى ما وراء السوس الأقصى جنوبا، وامتدت شرقا إلى تلمسان، وهو ما تؤيده بعض الإشارات المصدرية التي تتحدث عن تحركات طارق وتنقلاته في أثناء ولايته على طنجة، بين أضلاع هذا المثلث “طنجة، سجلماسة، تلمسان. للمزيد حول هذا الموضوع انظر ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، ص233، ابن عذاري (أبو العباس أحمد المراكشي): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، الجزء الثاني، [تحقيق ومراجعة، أ.س كولان، أليفي بروفنسال]، الدار العربية للكتاب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1983م، ص5، النويري (شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب): نهاية الأرب في فنون الأدب، الجزء الرابع والعشرون، تحقيق حسين نصار، مراجعة عبد العزيز الأهوائي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1983م، ص40.
[17]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، ص233.
[18] – كانت البدايات الأولى للفتوحات في بلاد المغرب قد بدأت في العهد الراشدي وتحديدا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ولم تنته إلا في منتصف خلافة بني أمية وتحديدا في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك.
[19] – لمن أراد الاطلاع حول الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس فهناك مجموعة من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع ومن أبرزها كتاب، لـ حسين مؤنس بعنوان: فجر الأندلس “دراسة في تاريخ الأندلس من الفتح حتى قيام الدولة الأموية“، الشركة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1959م، ودراسة لـ محمد عبدالله عنان بعنوان: دولة الإسلام في الأندلس، ج1، مكتبة الأسرة، 2003م، ودراسة لـ عبدالرحمن علي الحجي بعنوان: التاريخ الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة، 1997م، ودراسة لــ السيد عبدالعزيز سالمبعنوان: تاريخ المسلمين وأثارهم في الأندلس، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، دار النهضة، بيروت، 1981م، ودراسة لـ ابراهيم بيضون بعنوان: الدولة العربية في أسبانيا من الفتح حتى سقوط الخلافة، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1986م.
[20]– الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص39، عبدالعزيز الثعالبي، تاريخ شمال افريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبية، ص93.
[21] – البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،ج2، ص5، المقري ( أحمد بن محمد التلمساني): نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، الجزء الأول، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1986م، ص220-222.
[22]– البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،ج2، ص5.
[23]– كان جل الجيش الفاتح لبلاد الأندلس من البربر وبقيادة بربرية، وكان عدد العرب قلة في هذا الفتح. انظر ابراهيم بيضون، الدولة العربية في إسبانيا، ص 74.
[24]– انظر المغرب الكبير، ص271.
[25] – اختلف المؤرخون في أصل طريف الذي نسبت اليه جزيرة طريف فمنهم من قال إنه من أصل بربري يهودي كالبكري وابن عذاري، والبعض يرى أنه عربي كابن خلدون في إحدى رواياته والمقري، ونحن نميل إلى الرأي الذي يقول أن طريف من أصل بربري، لكنه أسلم ولعب دورا مهما في الفتوحات الإسلامية – أيام موسى بن نصير- في بلاد الأندلس، خاصة إذا ما علمنا أن فكرة فتح الأندلس كانت بربرية، والغالبية العظمى من الجيش كان بربريا، وهو ما يؤكد أن طريفا الذي نسبت اليه جزيرة طريف وقرنت باسمه بربري الأصل. انظرالبكري، المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، ص135،ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص223-224،ابن خلدون ( عبدالرحمن بن محمد): العبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، الجزء الرابع، بيروت، بدون تاريخ طبع، ص150، المقري، نفح الطيب، ج1، ص222-223، وللمزيد من الإطلاع على تلك الاختلافات في الرؤى يمكن الرجوع إلى أحمد الطاهري: المغرب الأقصى ومملكة بني طريف خلال القرون الأربعة الهجرية الأولى، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2005م، ص156- 160.
[26] – الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص15، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص26.
[27]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص42.
[28] – أحمد الطاهري، المغرب الأقصى ومملكة بني طريف البرغواطية، ص61.
[29]– ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب، ص233.
[30] – يرجح الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش أن هناك أصواتا معارضة قد ظهرت وأن سكان المنطقة أعادوا تنظيم صفوفهم – بعد مغادرة عقبة بن نافع المنطقة ودخوله في صراع مع كسيلة أدى إلى مقتله- تحت قيادة أمير بربري منهم يدعى “مزدانة” وهو ما جعل المنطقة هدفا لحملات موسى بن نصير فيما بعد. انظر ابراهيم القادري بوتشيش، علاقة الخلافة الإسلامية بمنطقة سوس إبان عصر الخلافة، مقال ضمن أعمال ندوة مدينة أكادير الكبرى، قراءة وملاحظات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر- أكادير- الطبعة الأولى، 1990م، ص54.
[31] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص42. وتؤكد المصادر في هذا الصدد أن موسى بن نصير قد كلف مجموعة من الفقهاء العرب الفاتحين تعليم تلك القبائل البربرية القران والفقه وشرائع الدين الإسلامي الجديد. راجع الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص40، ابن خلدون، العبر، ج6، ص110.
[32] – ابن خلدون، العبر،ج6، ص 130، حسن حافظي علوي: معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والنشر، مطابع سلا، 1992م، الجزء الخامس، مادة بني واسول، ص1583.
[33]– ابن الخطيب (لسان الدين بن الخطيب السلماني): أعمال الأعلام فيمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام، الجزء الثالث، تحقيق احمد مختار العبادي، محمد إبراهيم الكتاني، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1964م، ص141.
[34] – (أحمد بن علي): صبح الأعشى في صناعة الإنشا، الجزء الخامس، تعليق نبيل خالد الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، ص160.
[35] – ابن خلدون، العبر، ج6، ص130.
[36] – البكري، المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، ص140.
[37] – القاضي عياض (عياض بن موسى بن عياض السبتي ): ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك، الجزء الثالث، تحقيق عبدالقادر الصحروي، المطبعة الملكية، الرباط، 1966م، ص379.
[38] – الذهبي (محمد بن الحافظ): العبر في خبر من غبر، الجزء الأول، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1980م، ص 419- 420.
[39]– ابن خلدون، العبر، ج6، ص118، عبد الوهاب بن منصور: قبائل المغرب، الجزء الأول، المطبعة الملكية، الرباط، 1968م، ص311.
[40] – للمزيد حول معاملة موسى بن نصير لطارق بن زياد البربري النفزي بعد النجاحات التي حققها طارق في فتوحاته في الأندلس وكيف غضب منه موسى أثناء لحاقه به بعد عام من دخول طارق الأندلس. انظر ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص235، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص43.
[41]– ابن خلدون، العبر، ج6، ص207، وانظر محمود اسماعيل في كتابيه:الخوارج في بلاد المغرب، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1985، ص49، وكتاب: مغربيات “دراسات جديدة”، المحمدية، 1977، ص24.
[42] – ابن خلدون، العبر، ج6، ص110.
[43]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، ص242، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص48.
[44]– الطبري ( محمد بن جرير): تاريخ الأمم والملوك، المجلد الرابع، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1991م، ص97، ابن خلدون، العبر، ج4، ص188، إبراهيم القادري بوتشيش، علاقة الخلافة الإسلامية بمنطقة سوس إبان عصر الخلافة، ص58.
[45]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص245، سعد زغلول، تاريخ المغرب العربي، الجزء الأول، دار المعارف، الإسكندرية، طبعة 2000م، ص281، محمود إسماعيل، الخوارج في بلاد المغرب، ص34، محمد عيسى الحريري، مقدمات البناء السياسي للمغرب الإسلامي، ص52.
[46] – – أوردت بعض المصادر مضمون ما احتوته الشكوى التي دونها زعماء وقادة البربر وتركوها لدى حاجب الخليفة هشام، ومما جاء في تلك الشكوى ” أبلغ أمير المؤمنين، بأن أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا أصاب نَفَلهم دوننا وقال هم أحق به، فقلنا له هو أخلص لجهادنا، وإذا حاصر مدينة قال تقدموا وأخر جنده، فقلنا تقدموا فإنه ازدياد للجهاد ومثلكم كفى إخوانه فوقيناهم بأنفسنا، وكفيناهم، ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا، فجعلوا ينقرون عن السخال يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين، فيقتلون ألف شاه في جلد، فقلنا ما أيسر هذا لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك، وخليناهم وذلك، ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا، فقلنا لم نجد هذا في كتاب ولا سنة فنحن مسلمون فأحببنا أن نعلم، أعن رأي أمير المؤمنين ذاك أم لا“. انظر الطبري: ( محمد بن جرير): تاريخ الأمم والملوك، الجزء الخامس، [راجعه وصححه وضبطه نخبة من العلماء الأجلاء]، مؤسسة العلمي للمطبوعات، بدون تاريخ طبع، ص254، وقارن ابن الأثير (عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الواحد الشيباني): الكامل في التاريخ، المجلد الثالث، دار الفكر، بيروت، 1978م، ص47 الذي يورد نص الشكوى مع بعض الاختلافات.
[47] – عبد العزيز الثعالبي، تاريخ شمال افريقية، ص136.
[48]– كان عكرمة من فحول العلم وجهابذته في تلك المرحلة واتهم بأنه كان يرى رأي الخوارج، وأرجح الروايات أنه قد وصل بلاد المغرب بعد عام 93هـ /711م واستمر يدعو للمذهب الخارجي حتى وفاته سنة 105هـ/722م للمزيد حول الموضوع انظر: ابن سعد (أبي عبدالله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري): الطبقات الكبرى، المجلد الثاني، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1980م، ص385، الذهبي ( أبي عبد الله محمد بن احمد عثمان): ميزان الاعتدال في نقد الرجال، المجلد الثالث، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، مصر، طبعة 1963م، ص93- 96، المالكي ( أبي بكر عبد الله بن محمد)؛ رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية، الجزء الأول، تحقيق بشير البكوش، مراجعة محمد العروسي المطوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983م، ص146، ياقوت الحموي (شهاب الدين أبو عبد الله بن ياقوت): معجم الأدباء، المجلد السادس- الجزء الثاني عشر-، مطبعة الرياض الحديثة، الرياض، الطبعة الثالثة، 1980م، ص 184، الزركلي (خير الدين): الأعلام، المجلد الرابع، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1989م، ص244.
[49] – ابن خلدون، العبر، ج6، ص207.
[50]– البيان المغرب، ج1، ص57.
[51]– الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص73، وقارن ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص51- 52 الذي يورد النص مع بعض الاختلافات.
[52]– ابن عذاري، البيان المغرب،ج1، ص52
[53]– البكري، المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب، ص135، ابن خلدون، العبر، ج6، ص207.
[54] – ابن عذاري، البيان المغرب،ج1، ص57، الناصري، (أحمد بن خالد السلاوي): الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء الأول، [تحقيق أحمد الناصري]، منشورات وزارة الثقافة والاتصال، 2001م، ص151.
[55] – كان أبو القاسم قد التقى عكرمة مولى ابن عباس أثناء زيارته إلى المشرق. انظر ابن خلدون، العبر، ج6، ص130.
[56] – المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب، ص149.
[57] – العبر، ج6، ص105.
[58] – حسن حافظي علوي، معلمة المغرب، ج5، ص1583.
[59]– ابن خلدون، العبر، ج6، ص110.
[60]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص246.
[61]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص52، ابن خلدون، العبر، ج6، ص119.
[62]– سعد زغلول، تاريخ المغرب العربي، ج1، ص295، عزيز أحمد: تاريخ صقلية الإسلامية، نقله إلى العربية وقدم له أمين توفيق الطيبي، الدار العربية للكتاب، 1980م، ص11.
[63]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص54، ج2، ص30.
[64]– اختلفت الروايات حول طريقة عزل عقبة بن الحجاج السلولي، فابن عذاري يورد روايات متعددة ففي الجزء الأول من كتابه البيان المغرب يقول” وبلغ أهل الأندلس ثورة البربر، فوثبوا على أميرهم فعزلوه وولوا مكانه عبدالملك بن قطن” وفي الجزء الثاني يورد روايتين الأولى تقول ” وقيل أن أهل الأندلس ثاروا على عقبة بن الحجاج وخلعوه“، والثانية نقلها عن ابن القطان ومضمونها ” وقيل إن عقبة بن الحجاج لما حانت وفاته، استخلف عبدالملك بن قطن“، أما صاحب أخبار مجموعة في فتح الأندلس – المؤلف المجهول-فيورد نصًا يقول فيه” وثب عبدالملك بن قطن المحاربي، محارب فهر على عقبة بن الحجاج فخلعه، ولا أدري أقتله أم أخرجه“، وفي ضوء هذه الروايات المختلفة نميل إلى الجمع بين ما أورده ابن عذاري في روايته في الجزء الأول والثاني من كتابه البيان المغرب وما أورده المؤلف المجهول في كتابه أخبار مجموعة وهو أن أهل الأندلس- أرجح أن المقصود عربهم- ثاروا على عقبة بن الحجاج خاصة بعد فشله في مهمة إخماد ثورة البربر في طنجة، وخوفًا من هبوب رياح الثورة إلى الأندلس، أجبروه على التنحي والتنازل لعبدالملك بن قطن الفهري ليدير أمر الأندلس ربما لدرايته وخبرته في الإدارة، لاسيما إذا ما علمنا أن عبدالملك بن قطن سبق وأن تولى حكم الأندلس من سنة 112-114ه/730-732م انظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص54، ج2، ص 28-30، المؤلف المجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر امرائها، تحقيق ابراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري القاهرة، دار الكتاب اللبناني بيروت، الطبعة الثانية، 1989م، ص35.
[65]– المؤلف المجهول؛ أخبار مجموعة، ص42، ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص30.
[66]– ابراهيم بيضون، الدولة العربية في أسبانيا، ص93، محمد عبدالله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، ج1، ص70-71.
[67] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص23.
[68] – لمعرفة أسماء ولاة بلاد المغرب من بعد عودة موسى بن نصير إلى المشرق سنة 96هـ، وحتى سقوط خلافة بني أمية، انظر ابن عذاري ج1، ص 44 – 62، وبالنسبة لولاة الأندلس خلال الفترة ذاتها ينظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، من ص 24 إلى ص38.
-[69] الأشعري ( أبي الحسن علي بن إسماعيل): مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين، الجزء الأول، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، 1985م، ص204، العميد عبد الرزاق محمد أسود: موسوعة الأديان والمذاهب، الجزء الثاني، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1992م، ص207.
[70] – ابن خياط (خليفة بن خياط): تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثالثة، 1985م، ص356.
[71] – ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، 355، الرقيق، تاريخ افريقية والمغرب، ص74-75، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص53- 55.
[72]– حسين مؤنس: ثورات البربر في افريقية والأندلس؛ مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد العاشر، الجزء الأول، مايو 1948م.
، ص193.
[73]– كان جل الجيش الفاتح لبلاد الأندلس بربريا وبقيادة بربرية تمثلت في طارق بن زياد النفزاوي البربري. انظر المقري، نفح الطيب، ج1، ص220-222.
[74]– المؤلف المجهول؛ أخبار مجموعة، ص42.
[75]– يصف صاحب كتاب أخبار مجموعة ثورة البربر في المغرب ضد القيادات العربية الحاكمة بالقول” وثب كل قوم من البربر على من يليهم فقتلوا وطردوا “. انظر المؤلف المجهول؛ أخبار مجموعة، 35.
[76] – نفس المصدر، ص43.
[77] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[78] – ابن عذاري: البيان المغرب،ج2، ص30.
[79] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43.
[80] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص42، ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص30.
[81] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة،ص42.
[82]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43.
[83]– نفس المصدر، نفس الصفحة.
[84]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[85] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43- 44.
[86] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص42.
[87] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص44.
[88]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[89]– من أبرز الشخصيات التي سقطت في موقعة بقدورة – بالإضافة إلى كلثوم- حبيب بن أبي عبيدة، وسلمان بن أبي المهاجر ومحمد بن عبد الله الأزدي وغيرهم. انظر ابن خياط، تاريخ ابن خياط، ص355، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص55.
[90]– تذكر الروايات أن عدد أفراد ذلك الجيش بلغ عشرة آلاف رجل. انظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[91]– انظر ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، ص355، ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص248، المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص42.
[92] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص56، السيد عبد العزيز سالم، المغرب الكبير، ص326.
[93]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43، ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[94]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31.
[95]– حسين مؤنس، ثورات البربر، ص195.
[96]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص40.
[97]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص44.
[98]– انظر: المؤلف مجهول، أخبار مجموعة، ص40.
[99]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص249.
[100]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص249، المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص 46-47.
[101]– بعد مقتل بلج بن بشر بايع أهل الأندلس ثعلبة بن سلامة العاملي ولم تستقر الأندلس، فبلغ ذلك والي أفريقية وبلاد المغرب حنظلة بن صفوان الكلبي فبعث إليهم أبو الخطار الحسام ابن الكلبي أميرا على الأندلس سنة 125هـ فضبط الأمور ثلاث سنوات ودخل بعدها بصراع مع الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الذي التفت حوله القيسية وهزم أبو الخطار الكلبي وتولى أمر الأندلس ثوابة بن سلامة الجذامي فتوفي بعد عام من ولايته؛ فاجتمع الناس على يوسف بن عبدالرحمن بن عقبة نافع الفهري سنة 129هـ يساعده الصميل بن حاتم، لكن العنصر اليمني لم يقبل بتولية يوسف وعمل أبو الخطار بن حسام الكلبي يجمع قبائل اليمن من حمير وكندة ومذحج وقضاعة، ودخلوا في حروب استعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة والعصي والسكاكين وكانت الغلبة فيها للقيسية في موقعة شقندة جنوب قرطبة، وأصبح يوسف الفهري هو حاكم الأندلس، وقد أدت تلك الحرب التي أخذت الصبغة القبلية إلى زرع الأحقاد بين العرب اليمنية والقيسية وهو الأمر الذي استفاد منه عبدالرحمن بن معاوية عندما دخل الأندلس أواخر سنة 138هـ.. انظر في هذا الشأن المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص57- 61، السيد عبدالعزيز سالم، تاريخ المسلمين وآثارهم بالأندلس، ص160-164.
[102]– يمكن استثناء الثورة التي قام بها البربر في مدينة ماردة الأندلسية في ولاية ثعلبة بن سلامة العاملي الذي بويع واليًا على الأندلس بعد مثل بلج بن بشر القشيري سنة 124هـ/741م، إذ نرجح أن البربر الخوارج الذين تم تشتيت جموعهم بعد إخماد ثورتهم أوائل سنة 124هـ/741م في أيام الوالي عبدالملك بن قطن الفهري أعادوا تجميع أنفسهم في مدينة ماردة ليعلنوا الثورة من جديد ضد ولاة الحكم الأموي؛ لكن ثعلبة بن سلامة العاملي توجه إليهم بنفسه وألحق بهم هزيمة كبيرة وقتل منهم الكثير، وأسر منهم بحدود ألف رجل، وعاد بعدها إلى العاصمة قرطبة، ويذكر محمود مكي أن أمر الخارجية قد ضعف تمامًا في الأندلس بعد قيام الدولة الأموية، مع إشارته إلى أن انتفاضتين حدثتا أيام الأمير الحكم الربضي كانتا ذات صبغة خارجية، وتم القضاء عليها، وكانت الظروف السياسية حينها قد حتمت على الأمويين أن يرتبطوا بعلاقات صداقة مع إمارات الخوارج التي نشأت في بلاد المغرب في تلك المرحلة. انظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص56، ج2، ص33، وانظر محمود مكي: الخوارج في الأندلس، مجلة الأبحاث المغربية الأندلسية، تطوان، مطبعة كريما ديس، العدد الأول، 1956م، ص170-171.
[103]– محمود مكي، الخوارج في الأندلس، ص171-172.
[104]– أبي زكرياء، سير الأئمة وأخيارهم، ص41، الدرجيني، طبقات المشايخ بالمغرب، ج1، ص11.
[105]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص40.
[106]– الناصري، الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، ج1، ص111.
[107]– يرجح بعض الباحثين أن أخبار وتفاصيل ثورة البربر في المغرب قد نقلت لبربر الأندلس بوساطة مبعوثين ورسل من الخوارج انتقلوا من المغرب إلى الأندلس وشجعوهم على الثورة. انظر حسين مؤنس، فجر الأندلس، ص159، محمد حقي، البربر في الأندلس، ص200.
[108]– المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص40.
[109] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43، وقارن السيد عبدالعزيز سالم في كتابه تاريخ المسلمين وآثارهم بالأندلس، ص158، يورد اسم زقطرتق.
[110]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص246.
[111]– ابن خياط، تاريخ ابن خياط، ص353.
[112]– ابن خلدون، العبر، ج6، ص119.
[113]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص52.
[114]– بعد فشل والي بلاد المغرب عبيدالله بن الحبحاب السابق وأميره على الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي من إخماد ثورة البربر المغاربة التي كانت قد انطلقت من مدن الشمال المغربي الساحلية المحاذية للأندلس، كانت الخلافة في دمشق قد عينت وال جديد لبلاد المغرب هو كلثوم بن عياض القشيري، ولكنه لاقى حتفه في مواجهة الثوار البربر أواخر سنة 123هـ/740م، بعد أن تلقى جيشه ضربات موجعة من الثوار البربر في المغرب. انظر ابن عذاري، البيان المغرب،ج1، ص54-55،ج2، ص30.
[115]– ابن عبد الحكم، فتوح مصر وبلاد المغرب، ص250، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص58.
[116] – ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص31، المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص42.
[117] – المؤلف المجهول، أخبار مجموعة، ص43.
مصادر ومراجع البحث
المراجع
المقالات والدوريات
المراجع الأجنبية
1- M.Lomard, L’Islam dans sa première grandeur,Flammarion, Paris،1971
2- E.Levi-provençal, Histoire del’ Espagne musulmane, Paris-