مركز عدن للدراسات التاريخية

مكة في المصادر الأثرية والكلاسيكية

أ. د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير

أ. د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير[1]

الملخص:

   أن كل ما دون ويدوّن عن تاريخ مكة وأحوالها خصوصًا، وأحوال العرب في شبه الجزيرة العربية عمومًا، مستمد من جملة من المصادر، ومنها الموارد العربية التي دونت في الإسلام وهي القرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير، ووثائق الإخباريين، والشعر الجاهلي والمؤلفات العربية التاريخية والجغرافية الإسلامية، وبعض الكتب الأدبية ومعاجم اللغة، وتُعد هذه أحد الروافد الهامة، خاصة لمكة وأحوالها.

  ومن المصادر التي دَلَت بدلوها حول مكة، المصادر الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) ولكن بشكل محدود. أما المصادر الأثرية فتتضمن النقوش الكتابية والآثار الباقية، وهي من المصادر الأساسية، لأنها عادة معاصرة للحدث أو قريبة منه زمنيًا.

  ويبدو أن هذه المصادر، وخاصة النقوش الكتابية قد خلت من المعلومات عن مكة وأحوالها، حتى بلاد العربية الجنوبية (اليمن القديم) التي رفدت المؤرخين بآلاف من النقوش المسندية الجنوبية، صمتت ولم تتكرم بشيء من المعلومات عن مكة، وحتى محاولات أبرهة الحبشي غزو مكة أو العهد الذي يلي عهد استيلاء الحبشة على العربية الجنوبية شملها ذلك الصّمت، علمًا بأن عهد احتلال الحبشة لتلك البلاد هو آخر عهد، قد خلّف عددًا من نقوش المسند.

  وفي ضوء ما تقدم سيحاول الباحث من خلال المصادر القديمة أن يتلمّس شيئًا من تاريخ مكة، أو معالمها أو أعلامها، أو أي شيء له صلة بمكة من قريب أو بعيد، كورود لفظة قريش في بعض تلك المصادر، والمعروف أن أهل مكة أو غالبيتهم كانوا على نسب قريش، وعلى سبيل المثال هناك نقش حضرمي بخط المسند (Ja 919) في عهد الملك (العز يلط) ملك حضرموت، وردت فيه لفظة قريش، وأسماء نسوة قرشيات، سيتطرق له البحث، بل سيتناول كل ما تقدم بالبحث والتحليل، من خلال المصادر القديمة، وماذا عن صمت بعض المصادر وخاصة النقوش الكتابية؟، وهل سيكسر ذلك الصمت؟… فلعل في المستقبل ما سيجود به على الباحثين من نقش أو نقوش عربية جنوبية أو غيرها عن مكة وأحوالها.

Mecca in Archaeological and Classical Sources

Abstract

All What was written and what has been written on the history and situations of Mecca in particular, and the situations of Arabs in the Arabian Peninsula in general, were derived from a number of sources, including the Arabic resources recorded in Islam, namely, the Holy Qur’an, the books of Hadith and interpretation, Tafsir, documents of Arab pioneers and Muslims, pre-Islamic era poetry, Arabic historical and geographical Islamic literature, some literary books and dictionaries of language. This is one of the important tributaries, especially for Mecca and its situations.

One of the sources, which provided a contribution about Mecca, is the classical sources (Greek and Roman), but the contribution was limited. The archaeological sources include the inscriptions and the remaining antiques. They are considered as one of the main sources, because they are usually contemporary to the event or close enough to it in time.

In light of the above, the researcher will try through the ancient sources to investigate anything about Mecca or its landmarks or its scholars, or anything related directly or indirectly to Mecca.

أولًا – لمحة جغرافية تاريخية عن مكة:

        مكة.. اشتقاق الاسم في الروايات المختلفة:

        ذهبت الآراء إلى مذاهب شتى في اشتقاق كلمة (مكة)، فقيل: سميت مكة لأنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم[2]، ويقال إنها سميت مكة “لازدحام الناس بها من قولهم: (أَمْتَكَ الفصـيل ضرع أمة) إذا مصه مصًّا شديدًا”. وقيل: ” إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقـــول لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكُّ فيه أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة، وكانوا يــصـفـرون ويصفقون بأيديهم إذا كانوا بها، والمكاء بتشديد الكاف طائر يأوي الرياض”، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها، وهي في هبطة بمنزلة المكوك[3].

        وهناك تفسير لغوي على أساسه تكون مكة مشتقة من أَمْتَكَ، من قولهم ( أَمْتَكَ الــفصيل أخلاف الناقة)، إذا جدب جميع ما فيها جذبًا شديدًا فلم يُبق فيها شيئًا. ولما كانت مكة مـكانًا مقدسًا للعبادة، فقد أمتكت الناس أي جذبتهم من جميع الأطراف، ويرى ياقوت الحموي أنها سميــت مكة من مكّ الثدي أي مصّه؛ لقلة مائها، لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستــخـرجــونـه. وقيـــل إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئًا [4].  

        ومكة موضع القرية، وسميت بذلك لاجتذابها الناس من الآفاق، وقالوا: سميت بَـكّــة[5] لأن الأقدام تبك بعضها أي تزدحم، أما البيت الذي بني فيها فسمي بالبيت العتيق لأنه أعتق من الجبابرة[6].

وذكر الأخباريون لمكة أسماء أخرى منها: أم القرى[7]، وأم الرّحم لأن الرحمة تــنزل بها، ومن أسمائها، باسّة، وناسة لقلة الماء بها، والحاطمة، وكوثى، والمقدسة[8]، وسمـيـت البلد الأمين[9]، والبيت العتيق[10]، ودعيت (قرية) كذلك[11]. ونستفيد من جميع التسـميات التي أطلقت على مكة، أنها كانت في أول أمرها مقامًا دينيًا اسمه مقام إبراهيم، ولهذا ربما كان اسم مكة يعرف باسم مكرب أي مقرب أو مقدس، ثم حُوّر أو تحول إلى مكة.

        أما عن موقع مكة فهي تقع بوادٍ غير ذي زرع[12]، وقد ذكرها الجــغــرافـي الـيوناني بطليموس باسم ماكورابا، فمن المحتمل أنها أنشئت[13] لتكون محطة على طريق بخور بلاد العربية الجنوبية (اليمن القديم) وتوابـــلها إلى الشمال، وهي قائمة في موقع حـــســن على تـقــاطــع خــطــوط المواصلات نحو الجنوب إلى اليمن القديم، ونحو الشمال إلى البحر الأبيض المتوسـط، ونـحو الشرق إلى الخليج العربي، ونحو الغرب إلى البحر الأحمر[14].

        وعلى هذا الأساس، لا يتصور بعض الباحثين قيام مكة من غير التجارة، وهذا أمر ليس صحيحًا تمامًا؛ لأن مكة خلت من أي نشاط زراعي أو رعوي، على نحو ما جاء وصـفــها في القرآن الكريم {ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}[15]، وكانت لها على الأقل صفة المحجّة منذ أعصر قديمة لا تعيها الذاكرة. لكن الحج والمواسم التجارية اقترنت معًا زمنًا طويلًا، ولذا فإن رهن ازدهار مكة بتطور التجارة ليس خاطـئــًا تــمـامًا أيضًا، وخصوصًا لأننا لا نعي مبتدأ كل من الأمرين[16]، وهكذا يبدو أن مكة قبل الاتجار ما كان لها أن تكون سوى محجة ومحطة صغيرة لقوافل طريق البخور بين اليمن القديم والشام على الأكـثـر[17].

وصفوة القول إن افتقار مكة وواديها إلى الزرع حتّم على أهل مكة الاتجاه إلى التــجـارة، وأتاح لهم الموقع الجغرافي ذلك، فاحتلت مدينتهم موقعًا مهمًا على إحدى أهم الطرق الــدوليـة لتجارة الشرق، على الطريق التجاري بين حضرموت وبلاد الحجر العربية. وتنبّه لها التـــجار وقادة القوافل، وفطنت إلى خطورة موقعها الدُّول منذ أزمنة قديمة، وكانت منتجات الهند والعربية الجنوبية تمر عبرها إلى الشام ورومة والقسطنطينية، ولم يكن مثل هذا المرور ممكنًا لولا موافقة المكيين، الذين كان كبراؤهم يطوفون في البلاد ويقيمون الاتصال السياسي والتجاري بمســئــولي الديار المجاورة[18].

        أما عن الأقوام التي سكنت مكة، فيستفاد من روايات الأخباريين أنه تعاقب على ســدانة الكعبة وزعامة مكة قبائل جُرْهُم القحطانية، وظل الأمر لهم فيها إلى أن تغلبت عليهم خُــزاعة بزعامة عمرو بن لُحَي الذي عمل على تنشيط التجارة وتيسير شؤون الحج، وأقام موائد الطـعام للحجيج، وجلب الماء من الآبار المنبثقة حول مكة، ونصب الأصنام التي أتى بها من الجـــهــات الأخرى، في الكعبة وما حولها حتى يرغِّب القبائل العربية، وبخاصة قبائل الشمال في الحج إلى بيت مكة[19]. وبعد زوال حكم خزاعة انتقل الأمر كله في مكة لقريش وسيدها قُصَي بن كِلاب، الذي تولى سدانة البيت وزعامة مكة[20]. وفي مكة وطن الإسلام ولد محمد بن عبدالله نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم). وحيث إن الحديث في تاريخ مكة السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليـس مجاله في هذا البحث علاوة على أن المصادر والمراجع التاريخية التي تحدثت عن تاريخ مكـة قد أعطت الموضوع حقه، لهذا اكتفينا بإعطاء هذه اللمحة الجغرافية التاريخية الموجزة، قبل الدخول إلى صلب الموضوع، وهو مكة في المصادر القديمة (الأثرية والكلاسيكية).

ثانيًا – أقدم إشارة لمكة:

        التوراة (كتاب العهد القديم) وهو عبارة عن مجموعة من الأسفار كـتبــت مـا بــيـن منتصف القرن الثامن والقرن الثاني قبل الميلاد، وفي مجموعتها إشارات إلى العرب وبلادهم، وهو بذلك يعد من المصادر القديمة، ولعلنا هنا أمام سؤال يفرض نفسه وهو: هل ورد ذِكر مكة في هذا الكتاب؟

        لم ترد إشارة صريحة لمكة في التوراة، مثلما حدث لسبأ وحضرموت[21] وغـيرها من الأعلام والمعالم، إنما وردت في التوراة أسماء لها صلة أكيدة بمكة، كذكر إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام). ((فولدت هاجر لإبرام ابنًا. ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجــر (إسماعيل). كان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام))[22]. ولا شــك أن هـذيـن الاسمين: إبراهيم وابنه إسماعيل (عليها السلام) لهما صلة بمكة، إذًا فهذا يجعلنا نفترض أن مـكة ذكرت في التوراة ذكرًا غير مباشر. وطالما هناك صلة أكيدة بين مكة وإبراهيـم وابـنـه إسماعيل (عليهما السلام) فهذا يؤكد أن هذه المنطقة من المناطق المقدسة والعتيقة، بل ربما كــانـت أقدم من تلك الفترة التاريخية المقرونة بالخليل وابنه إسماعيل[23].

        ولعل أقدم ما أفصحت عنه المصادر العربية القديمة أن قلب الجزيرة العربية كانت تسكنه بعض القبائل من العرب العاربة المعروفين ببني جرهم، وأن إسماعيل بن إبراهيم وأمه هــاجر قد هاجرا من فلسطين في حوالي القرن التاسع عشر ق. م إلى الحجاز[24]، إلا أن المصادر الــعربية تختلف مع التوراة في المكان التي قصداه بعد أن هاجرا من فلسطين، فالتوراة تقول: ((فـــبـكّـر إبراهيم صباحًا وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر، واضعًا إياهما على كـتــفـهـا والــولد، وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الــولـد تـحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست مقابله بعيدًا نحو رمية قوس، لأنها قالت: (لا أنــظــر مــوت الولد) فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السـماء وقال لها: ما لك يا هاجر؟ لا تخافي، لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومي احــمـلي الغلام وشدّي يدك به، لأني سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء، فــــذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوسٍ. وسكن برية فاران))[25].

        ويتضح من هذه النصوص التوراتية أن هاجر وابنها إسماعيل خرجا حتى بئر السبع وأنه قد نفد ما عندهما من الماء وكادا يموتان من العطش لولا قدرة الله، فهدى هاجر إلى بئر فـمــلأت القربة، وسقت ابنها، وأن إسماعيل استقر وشبّ في برية فاران. وفي هذا الصدد تقول المـصادر العربية إن هاجر وابنها قد قصدا الحجاز وأن برية فاران هذه ليست إلا مكة، وأن البـئـر التي اهتدت إليها هاجر إنما هي بئر زمزم في مكة المكرمة[26]. وعلى هذا الأساس فإن إبراهيـــــم (عليه السلام) يرجع نسبه الأول بحسب روايات الاخباريين إلى العرب العاربة، التي هاجـرت من جزيرة العرب، وإبراهيم قد ولد ونشأ في العراق، وهاجر إلى الشام ثم إلى مصر، ومــن مصر إلى فلسطين ثانية ومنها إلى الحجاز، ومن الحجاز إلى فلسطين، أما إسماعيل فقد كان مع أبيه في رحلته تلك، واستقر به المقام في الحجاز (برية فاران)، وتزوج من يمانية – أو مصرية طبقًا لرواية التوراة[27].

 وطبقًا لما تقدم فإن إبراهيم وابنه إسماعيل قد قدما إلى الحـجـاز (بــريــة فـــاران)، وأن إسماعيل عاش فيها، ولعل فاران التي ذكرتها التوراة هي اسم من أسماء مكـــة، أو هــي عـلــى الأصح اسم جبل مكة، وقال ياقوت: “فاران كلمة عبرانية معربة وهي من أســـماء مكة ورد ذكرها في التوراة، وقيل هو اسم لجبال مكة”، وقال ابن ماكولا: ” بكر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكندراني… وسمعت أن ذاك نسبة إلى جبال فاران وهي جبال بالحجاز”([28])، وفي الــتوراة: ((جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران)) و مجيئه مـن سـيــناء تـكـلــيــمه لموسى، واشراقه من ساعير– وهي جبال فلسطينية – هو إنـــزاله الإنـــجــيل على عيسى، واستعلانه مــــن جبال فاران إنزاله القرآن[29].

على أية حال لا نستطيع الجزم في أمر فاران (انظر الخريطة رقم1)، لذلك فلنــتركه ونعول على الثابت في تاريخ مكة، وهو أن إبراهيم قد أسكن من ذريته بوادٍ غــيــر ذي زرع[30]، والمقصود هنا هو مـكة، وأن إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام) هما من بنيا الـــكعبة المشرفة، بيتًا لله، ليــكــون رمــزًا للحقيقة الكبرى في الوجود، حقيقة التوحيد، توحيد التوجه إلى الله الواحد الأحد[31]، وقـــد خلّد القرآن الكريم بناء الكعبة[32].

 ولا شك أن الثابت مما تقدم أن بلدة مكة قديمة، وأن نشوءَها أو أقدم ذِكر لها يعود إلى زمن إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام)، أو ربما نشوؤُها يعود لزمن أقـدم من ذلك.

ثالثًا – مكة في المصادر الأثرية:

المصادر الأثرية هي التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وإلى عصور تاريخية لاحقة، وتتضمن هذه المصادر الآثار الباقية، والنقوش الكتابية.

أ – الآثار الباقية:

وهي المخلفات المادية الناطقة بتاريخ أهلها وتنقسم إلى قسمين: آثار ثابتة كالمـنــشآت المعمارية، والآثار المنقولة كالقطع الأثرية المتداولة في المجتمع، ويستطيع المرء نقلها من مكان إلى آخر. فبالنسبة للآثار الباقية وخاصة الثابتة ثمة أدلة أثرية في مدينة مكة تؤكد على قدم المدينة، ولا شك أن أبرز هذه الأدلة أو الشواهد الأثرية الباقية الخالدة في مكة هي الكعبة المشرفة التي يعود بناؤها إلى عهود موغلة في القدم، فقيل أول من بناها الملائكة ثم آدم علية السلام… وغيرها من الروايات والأقوال حول بناء الكعبة[33].

        ولكن الثابت أنها ترجع في بنائها إلى الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام، دون غيرهما من العالمين[34]، وإذا كان صحيحًا ما ذهب إليه بعض المؤرخين من أن إسماعيل (عليه السلام) كان في الثلاثين من عمره، يوم أمر الله إبراهيم ببناء الكعبة، فإن بناءها حينئذ يكون في حـوالي عام 1824 ق.م، على أساس أن إسماعيل قد وُلد في عام 1854 ق. م، لأنه وُلد لإبراهيم وهو في السادسة والثمانين من عمره، وأن إبراهيم قد عاش في الفترة (1940 – 1765 ق. م)، ولما كان إسماعيل قد عاش 137 سنة، فإنه يكون قد انتقل إلى الرفيق الأعلى حوالي عام 1717 ق. م[35]. وعلى هذا الأساس نتوقّع أن تكون مكة موجودة في هذا الزمن، وربما قـبـل ذلك.

        ومن الآثار الدينية الخالدة التي لها صلة بمكة أيضًا هي: مقام إبراهيم، وهو الحجـر الذي كان يقف عليه إبراهيم الخليل عليه السلام في أثناء بناء الكعبة، وبئر زمزم وهي نبع مـن الماء نَبَع في عصر الخليل وابنه إسماعيل.

ب – الكتابات العربية الجنوبية:

        الكتابات أو النقوش الكتابية هي من المصادر المهمة، بل تأتي في طليعة مصادر دراسة تـاريخ الجزيرة العربية، لأنها كتبت في أثناء الحدث أو في زمن قريب منه، ونحن هــنا في صدد النـقوش التي تتصل بمكة وأحوالها. ولكن يبدو أن الباحثين قد أجهدوا أنفسهم في البـحـث عن نصوص مـكـتوبة عن مكة، فلم يعثروا على نص مدون له علاقة بها، وحتى أرض الـعربية الجنوبية (اليـمن القديم) التي رفدت المؤرخين بآلاف من النقوش الكتابية (نقوش المسند الجنوبي) لاذت بالصمــت وما زالت عليه، فلم تتكرم علينا بنص عن هذا العهد، أو عن العهد الذي يلي عهد استيلاء الحبشة على اليمن. فكان عهد احتلال الحبش لتلك البلاد، هو آخر عهد، تفضل بعدد من النقوش الكتابية.. وليس لدينا تجاه هذا الوضع إلا الانتظار، ولعل في المستقبل أملًا في العثور على نص أو نصوص مدونه لها صلة بمكة[36].

        وعلى الرغم من ذلك سنظل نبحث هنا وهناك، علنا نعثر على نصٍ نتلّمس من خلاله شيئًا عن مكة أو أهلها، أو معالمها، أو أي شيء له صلة بها من قريب أو بعيد، أو بطــريـقـة غـيـر مبــاشــرة، لذلك ينبغي أن نتناول هنا بعض النقوش لعلها تفي بالمطلوب، أو نـــتـوقــــع أن يكون لــهـا صــلـة بمــكـة –إلى حد ما– ومنها:

  • النقش (Ja 919):

1- ر ب ب أ ث ث / ن ض ر ت / ص د ق

2- ت / أ خ ت م / د ل ي ت / ح ي ت ن

3- ن ع م / ش ع ر / س ودت / أ ب و د د

4- ت ف ص ي / م ل ح م ت /أ ب ص د ق / ح

5- ص ي ن ع م / ق ر ش هـ ت ن / ش ي ع ن / م

6- ر أ س ن / إ ل ع ذ / ي ل ط / م ل ك / ح ض

7- ر م ت / ب ن / ع م ذ خ ر

المعنى: رباب وأثية ونضرة وصدقة وأختم أو الختام ودلية وحيتن أو حيتان ونعام وشعر وســودة وأب ودد وتفصي وملحمة وأب ص د ق و حصين عم، القرشيات (ش ي ع ن) أي رافقـن (م ر أ س ن) سيدهم العذيلط [37]، بن عم ذخر ملك حضرموت. كل هذه أسماء معطوفة بعضـها إلى بعض لثلاث عشرة أو أربع عشرة من النساء قد رافقن ملك حضرموت، إلى موقع العلقة[38]، حيث كان ملوك مملكة حضرموت يقيمون مراسم تولية الحكم أو المُلك، وفي معيتهم نبلاء حضرموت وأعيانها، ووفود من جهات شتى في شبه الجزيرة العربية، ومن خارجها[39]، ولعل ذلك مــن قبيل العلاقات التجارية والدبلوماسية مع مملكة حضرموت[40].

وعلى ضوء تلك القراءة النقـشـية ربما بادر إلى الذهن أن هؤلاء النساء من قريش (القبيلة المعرفة) لولاء عدم ياء النسبة، مما جـعل ذلك التفسير غامضًا (فضلًا عن مشكلة التاريخ)، وإذا كان النقش قد قصد من (ذلك) قريـش القبيلة المعروفة صاحبة مكة نكون بذلك قد وقفنا لأول مرة على اسمها في وثيقة مدونة. بــل هـذه الأدلة الأثرية تحفز الباحثين على القول إن قبيلة قريش امتهنت التجارة حتى قبل أن تستولـي على مكة في أوائل القرن الخامس الميلادي تقريبًا، ففي النقش (Ja 919) الذي يقدر علماء الآثار أن تاريخه يراوح بين (270 و278 م)، وذكر النقش لمن يدعوهن (ق ر ش هـ ت ن) أنهن نزلن ضـيــوفًا على ملك حضرموت ومعهم ضيوف آخرون، تذمريون وكلدان وهنود ممن يتعاطون التجارة[41]. فإذا صحّ هذا فإنه يعني أن قريشًا كانوا تجارًا ذوي بعض الشأن منذ القرن الثالث الميلادي أي قبل استقراهم في مكة بقرن ونيف[42]. كما وردت لفظة قريش في نقش آخر، اسمًا لرجل عــــرف بـ(حبسل قريش) وذلك على أيام الملك الحضرمي (إلعزيلط)، ويبدو أنه كان مرافقًا للقرشـيات عند زيارة الملك الحضرمي في العقلة، مما يوحي بأنهم جميعًا من قريش[43].

 وليس من شك بارتباط قريش بمكة، ويعلق الدكتور جواد علي، على ذلك بقوله: “وإذا كنا في جهل من أمر تاريخ مكة قبل أيام قصي (هو أول رئيس من رؤساء مكة)، وقبل تمركز قريش في مكة، فإن جهلنا هذا لا يجوّز لنا القول بأن تـاريخها لم يـبـدأ إلا بظهور قريش فيها وبتزعم قصي لها. وأن ما يروى من تاريخها عن قبل هذه المدة هو قصص لا يعبأ به…))[44].

        وبالعودة إلى النقش (Ja 919) الذي ورد فيه أسماء نسوة قرشيات، فأيٌّ كــان الأمر، وسواء كانت النسوة من قريش المعروفة أم منطقة قريبة من مملكة حضرموت تُعرف بــهــذا الاسم، فإن هذا النقش وما فيه من أهمية كبرى يدل على حرص ملوك حضرموت عـلـى الــتــواصـل الحضاري أو زيادة الروابط الطيبة مع كل من يتعاملون معهم داخل الجزيرة العـربــيـة وخارجها.

– النقش (RY 506):

        بعد أن استقرت الأمور لأبرهة الحبشي في العربية الجنوبية (اليمن القديم) بتولية الحكم، أراد أن يوسع نفوذه إلى خارج حدود اليمن القديم مثلما فعل تبابعة حمير (شمرّ يهرعــش وأبــي كرب أسعد) في توسعهم إلى وسط وشمال الجزيرة العربية[45]. (انظر خريطة النفوذ الحــميري رقم 2). وبالفعل يبدأ أبرهة في مد نفوذه على قبائل في وسط الجزيرة العربية، وعلى جانــب من الدروب المطروقة التي تصل بين اليمن وحضرموت من جهة ومكة من جهة أخرى عُثر على مقربة من بئر مريغان على نقش (اكتشفه ريكمانز) (RY 506) ومفاده أن أبرهة أمر بنقش هذا النص عام 662م من التقويم الحميري أي سنة 547م، ويتكون النقش من عشرة أسطر[46]، ونقرأ في هذا النقش عن حملة قام بها أبرهة (غزوة ربيعية)، استهدفت قبيلة معد أو على الأقل اتحاد مجموعة القبائل العربية الشمالية، ويحدثنا أبرهة في نقشه هذا عن هذه الحرب التي شنها عــلـى معد والتقى بها في موضع (ح ل ب ن) حلبان، وعن أوامره التي أصدرها إلى رؤسـاء قـبـــائــل (ك د ت) كنده، و(ع ل) (لعلها منازل قيس عيلان)، كما يشير النقش إلى إخضاع قـبائل بنــي عامر (م ر د م / و س ع د م) مراد وسعد وغيرها، وانتهى الأمر بانتصار أبرهة علــى تــلــك القبائل بـوادي يؤدي إلى (ت ر ب ن) الترب أو تربة، تربان[47]، وأخضعهم لنفوذه، بل أخــذ منهم رهائن اتقاء لثورة أو تمرد قد يقومون به في المستقبل، فضلًا عن قبوله بأن يكون عمرو بن المنذر أميرًا على معد، الذي سبق وأن عينه أبوه أميرًا عليها[48].

وبالنظر إلى أسماء المواضع والقبائل التي ورد ذكرها في النقش نجدها تقع بالــقــرب من منطقة دراستنا (مكة) وخاصة (ت ر ب ن) الترب أو تربة (انظر الخريطة رقم 3). وعلينا أن نتساءل أيــضًا، هل كان لغزو أبرهة لقبيلة معد وغيرها من القبائل العربية الشمالية عـلاقـــة بحملته الشهيرة على مكة (حملة الفيل)؟

        اضطربت الآراء حول ذلك الغزو، فمنهم من رأى أن النقش (RY 506) إنما يــشير إلى حملة أبرهة على مكة المكرمة في العام المعروف بعام الفيل، ورأي آخر يشير إلى أنها غــزوة قام بها أبرهة تمهيدًا لحملة كان قد عزم القيام بها نحو أعالي شبه جزيرة العرب، غير أنه توقف عند مكة[49]، بينما رفض البعض الآخر الربط بين غزوة معد وغزوة الفيل على مكة، وأن وسـط شــبه الجزيرة العربية شهدت غزوتين، غزوة عام (547م) على قبائل معد، وهذه لا شك في ارتباطها بالغزو المشار إليه في النقش (RY 506)، أما الأخرى ففي حوالي ســنه (563م)[50]، أو ربما بعد هذه السنة بفترة وجيزة. يبدو أن هذا هو الأرجح لأن النقش الذي كتبه أبرهة لمناسبة غزوة معد في شهر (ذ ث ب ت ن) (ذو الثابة) سنة (662 حميري) يـقابله شـــهر أبريـل سنه 547م[51]، وحملة الفيل على مكة لم تكن في هذه السنة.

        ومن جملة الآراء أيضًا فريق يتجه إلى أن النقش إنما يتحدث عن معركتين، إحداهما قادها أبرهة في (ح ل ب ن) حلبان، والأخرى قامت بها مجموعة قبائل في (ت ر ب ن) تربة في بلاد بني عامر[52].

        وصفوة القول: تنال النقوش التي خلفها لنا عرب الجنوب قيمة ذات بال، خاصة أنها تحمل تواريخ، وتذكر أسماء أعلام ومعالم تتصل بمكة من قريب أو بعيد. أما بالنسبة لحملة الفيل على مكة، فيبدو أن أبرهة لم يكتفِ ببسط نفوذه على قبائل معد، بل أراد غزو مكة وهدم الكعبة، ولكن إرادة الله غير ما أراد الطاغية أبرهة، فمنيت حملته على مكة بفشل ذريع (سـورة الفيل).

        أما الطريق التي سلكها أبرهة في حملته على مكة، فقد عرفت بدرب الفيل، ومــا زال البدو إلى اليوم يطلقون عليه اسم درب الفيل، وهي الطريق التي كانت تعبرها قوافل البخور المتجهة من اليمن إلى الحجاز، وفيها أيضًا بئر ماء يطلق عليها بئر الفيل[53]. ويبدو أن رحلة (فــيلـيب لبينز) الاستكشافية في وسط الجزيرة العربية قد سارت في هذه الدروب مرورًا بمــريــغان ووصــولًا حـتى نجران، حيث أطلال الأخدود.. ولا شك أن الحديث عن قصة أصحاب الفيل، وكذا أصحاب الأخدود طويل، ولا مجال للحديث عنها في بحثنا هذا[54].

ج- الكتابات العربية الشمالية:

        عرفنا من الكتابات الثمودية أسماء رجال عرفوا بـ(مكي)، ولم تشر تلك الكـتــابات إلى سبب تلك التسمية[55]، ولنا هنا أن نتساءل عن سبب تسمية أولئك الرجال بـ(مكي)، وهـل كان أولئك الرجال من مكة، أو من موضع أخر، أو من عشيرة عرفت بـ(مكت) أو مكة… لذلك لا نعرف على وجه اليقين تفسيرًا لذلك، ولا نستطيع القول إن لهذه التسمية صلة بمكة. ولــكن ربما يحق لنا أن نعتقد بأن لمثل تلك التسميات صلة بمكة.

        أما قريش فلم يعثر حتى الآن على اسم صريح لقريش في نص قديم. ولكن وردت لــفــظة (ق ر ش و) في نقوش محافظة العلا، وهي من الفعل (ق ر ش)[56]، والقرش في العربـيــة يعني (الجمع والكسب)، وقرش أي جمع واكتسب[57]، وفي السريانية يعني الجامع، الكاسـب، التاجر، والمقصود دعاء له بالغنى والثراء[58].

        وهناك معنيان آخران أيضًا لهذه اللفظة لا يمكن إغفالهما: الأول أن اشتقاقهما من الاســــم (ق ر ش ت) ومـثــالـــه في الـــنقـش (RES 4664)، و (ق ر ش ت ي) فــي الـــنـقــش (BR Yanbuq 28/1)، والمعنى راعٍ[59]، لـذا فـهــو يعني الراعي صاحب الإبل، وبـطـبيعة الــحـــال الراعي هو صاحب الماشية والجمال (الحلال) ويقصد به الثراء والغنى، لأن ثراء العرب قديــمًا يقاس بما يمتلكونه من حلال. أما المعنى الثاني فهو الشجاع، المحارب، واشتقاقه من تــقــارش الرماح إذا اشتبك بعضها ببعض[60].

        كما ظهرت هذه اللفظة في نقوش أخرى بصيغ مختلفة، فمثلًا جاءت بصيغة (ق ر ش م) في النقوش الصفوية (CIS 287) والثمودية[61]، وبصيغة (… / ق ر ش هـ ت ن) في النقوش الحضرمية ولعلها تعني نساء قرشيات (JA 919 / 5 )، وربما كان مع هؤلاء النسوة القرشيات عند زيارة الملك الحضرمي كاتب يدعى (حبسل قرشم) مما يوحي بأنه من قريش[62].

        أيضًا وردت اللفظة في الموروث العربي بعدة صيغ منها قرواش، وقريش..، وقد اختلف أهل الأخبار في تسمية قريش بقريش، وقيلت آراء عديدة في تفسير لفظة قريش ومنها: قيل لــهم قريش لتجمعهم في الحرم من حوالي الكعبة بعد تفرقهم في البلاد حين غلب عليها قصي بـن كلاب، ويقال تقرّش القوم إذا اجتمعوا وغيرها من الآراء، كذلك اختلفت الآراء في أول زمـن ظــهــرت فــيـه التسمية[63]. وما زال العَلَم قريش متداولًا حتى الآن.

        كذلك بالنسبة لزعيم قريش (قصي بن كلاب) لم يُعثر في النقوش العربية الجنوبية عــلــى اسم رجل يدعى قصيًّا. بينما ورد في النصوص النبطية اسم علم لأشخاص، وهذا الاسم هــو اسم صنم في الأصل، بدليل ورود عبد قصي، وفي جملة النصوص النبطية التي عثر عــلـيـهــا في (صلخد)[64] اسم رجل عُرف بـ(روح و/ ب ن/ ق ص ي و) (روح بــن قصي)، وفـي نص آخر جاء اسم (م ل ي ك و/ ب ن/ ق ص ي و) (مالك بن قصي)، وورد أيضًا اسم (ق ص ي و/ ب ن/ أ ك ل ب و) أي (قصي بن كلاب)، وقـد تبـيــن مـن هذه الكتابات أن المذكوريـن هم من أسرة واحدة، وقد كانوا كهانًا أو سدنة لمعبد ممن معابد صلخد، فقصي إذًا من الأسماء الواردة عند النبط، والغريب أن نرى بين قصي صلخد وقصي مكة اشتراكًـا لا فـي الاسم وحده، بــل في المكانة أيضًا، فلقصي صلخد مكانة دينية، ولقصي مكة هذه المكانة أيضًا في مكة[65].

        كذلك في بحثنا هذا لا ينبغي إغفال يثرب (المدينة) لأن هذا الاسم كثيرًا ما يتردد مقرونًا بمكة، بل هما (مكة والمدينة) وطنا الإسلام. وقد ورد هذا الاسم (يثرب) في نقوش محـافظة العُلا (نقش رقم 637) وهو نقش تذكاري قصير، وتكمن أهميته في ظهور أو ذكر المكان يثرب لأول مرة في النقوش النبطية. كما جاء اسم مكان في المصادر اليونانية، حيث أسماها بــطليموس (يثربة)، وكذا في النقوش البابلية، حيث تحدثت عن العلاقات التـي نشأت بين نبونائيد آخر ملوك مملكة بابل الكلدانية (555-539 ق. م) وشــمـالـي الجـزيــرة العربية، بل جاء في أحد نصوصه: “…أما أنا فقد جعلني (أي الإلــه نــنار = ســين) أهرب من مدينتي بابل وسلكت الطريق إلى تيماء، دادانو (العلا حاليًا) فدك، خــيــبـترًا، يديخو حتى إلى يتريبوا. عشر سنوات تجولت بينهم ولم أدخل مدينتي بابل”[66]. (انظر الخريطة رقم 4). وهذا يدل على قدم المدينة الكريمة واستمراريتها لفترة زمنية طويلة، منذ أيام المـلــك الـبــابــلـي نبو نائيد حتى يومنا الحاضر[67]. إذًا فالمدينتان (مكة ويثرب) قديمتان، ولكـن لا نـعرف عــلــى وجه اليقين تاريخ ظهورهما، وأيهما أقدم من الأخرى، وقد شرف الله هاتين المدينتين حيـث ورد اسماهما في القرآن الكريم، فورد اسم مكة في مواضع مختلفة من القرآن –كما سبقت الإشــارة– أما يثرب فقد ورد اسمها في قوله تعالى: }وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا{، على أنها عرفت بعد ذلك بالمدينة وظل هذا الاسم ملازمًا لها حتى الآن[68].

        وصفوة القول: تنال النقوش العربية الجنوبية قيمة ذات بال، وكذا الثمودية، والنبطية، خاصة أنها تحمل تواريخ، وتذكر أسماء أعلام ومعالم، ولـعلـها ذات صلة بمكة من قريب أو بعيد، ولعل في البحث الأثري في المستقبل ما يميط اللثام عن كـثير مــن الغموض الذي اكتنف تاريخ مكة، فيجود على الباحثين بنص أو نصوص بها معلومات يسدّون بها الثغرات في تاريخ مكة وأحوالها.

رابعًا-مكة في المصادر الكلاسيكية:

        تُعد المصادر الكلاسيكية (اليونانية والرمانية)[69] من أفضل المدونات القديمة، وقـد تحدث عدد من المؤرخين الكلاسيكيين عن عرب شبه الجزيرة العربية، ولعل أقدم من ذكر بـلاد العرب وأحوالها، اليوناني أخيلوس (Aescylus 525-456 ق. م) وهيرودوتـس (Herodotus عاش ما بين 484 – 425 تقريبًا) وغيرهم. وقد وردت إشارة الكتّاب الكلاسيكيين إلى مــكـة لدى ثلاثة منهم وهم: بليني، والجغرافي بطليموس كلاديوس، والمؤرخ أميانوسماركــلــلــيــنوس. أما بليني (23 أو 24 – 79 م) فقد كان غالبًا ما يتحدث عن شمال الجزيرة العربية وجــنـوبــها، من وصف جغرافي وقوائم عديدة لأسماء الأماكن، وكذا وصفه المطول للنباتات العـطــرة فـي بـلاد العربية الجنوبية.. وغيرها من المعلومات[70]. ولعل ورود الإشارة إلى مكة كان عند حديثه عن إقليم ذو بني جرش (Dabanegoirs region) وربما المقصود هنا – بطريقة غــير مباشرة قريشًا – والمعروف أن هذا الاسم كثيرًا ما يتردد مقرونًا بمكة، ويأتي ذكر هذا الإقــليم عـنـــد بـلــينــي فـي سياق حديثة عن الموقع (PortusMochorbae) ميناء مكو أربــاي، الــذي يعني ميناء أرض مكة باللغة اللاتينية[71]، الذي ذكره أيضًا في سياق وصفه الســاحل من خـاراكــس (Charax) وما يـلــيه، ثم ما يليه جرها (Gerrha) إلى عمانا والشواطئ الأخرى الواقعة عــلــى الخليج الفارسي (العربي) (الفصل السادس الفقرة 174 – 149) ، ثم وصل إلى الـعـربـية الجنوبية (السادس – الفقرة 154)، ومن البديهي إذن أن بليني عندما وصل في حديثه إلى الشواطئ الخليج الفارسي (في الفقرة 149) يتحدث عن مكة قبل أن يتحدث عن العربية الـجنوبية فــي (الفقرة 154) مما يدل على معرفته بها، الأمر الذي يرجح أن ميناء موكو أرباي كان يقع فـي الساحل قرب مكة (وهو الأمــر الــذي ترجحه آمال الروبي وترفضه باتريشيا كرون)، وعــلى هذا الأساس فإن الأرجح أيــضًـا أن اسم الميناء مشتق من اسم مـكورابا (Macoraba) الــذي ذكره بطليموس فيما بعد[72].

أما الجغرافي بطليموس الذي كتب في الفترة من (121 – 151 م) والــذي يـنتـمي إلى علماء جامعة الإسكندرية القديمة بمصر، فقد أشار إلى موضع اسمه قريب من اسم مكة، أي إلى مدينة دعاها (مكربة) (مكورابا) (Macoraba)، وذكرها بعد موضـع دعـاه (Carna)، وهو مكان ذكره بعد (Lathrippa) لـعلـهـا (يــثـرب) وقــبـل مــوضـع (Thumala). (انظر الخريطة رقم 5)، وقد ذهب الباحثون في أسماء هذه المواضع إلى أن مراد بـطليــمــوس مــن (Macoraba) مدينة (مكة)[73].

        ويبدو أن لفظة مكربة أو مكورابا (Macoraba) لفظة عربية جنوبية أصابها بـعـض التحريف ليناسب النطق اليوناني، أصلها (مكرب) ولعل أصلها (مقرب) أي التقرب إلــى الإلـه[74]، وأن الحكام في بلاد العربية الجنوبية، ومنهم حكام مملكة سبأ وحضرموت وغيرهم قد أطلقوا على أنفسهم هذا اللقب عندما كانوا يجمعون بين السلطتين الدينية والدنيوية، أي الجمع بين الكهانة والمُلك[75]. كذلك لفظة (مكرب) في لغة النقوش العربية الجنوبية تعني: معبد، بيعة، كنـيــس يهود، دار ندوة[76]، وفي هذه المعاني جاء لفظ (مكربة) لأنها مقربة من الآلهة، وهي أيــضًـا مكان مقدس و(حرام). فاللفظة ليست علمًا لمكة، وإنما هي نعت لها، كما في (بيت المقدس) و (القدس) إذ هما نعت لها في الأصل، ثم صار الــنعـت عــلــمــًا لــلــمــديــنـــة[77]. ويؤيد أميانوس ماركللينوس (ولد عام 330م) ما تقدم، رغم أنه لم يـشـر بـشـكـل صريح إلى مكة أو مكورابا كما فعل بطليـموس، ولكنه ذكرها بصفتها التي اشتهرت بــهـا كـمــديـنة مقدسة (Hierapolis)، لذلك ذكرها بهذا الاسم (المدينة المقدسة)[78].

        ويدعم بروكلمان ذلك إذ يرى أن الذي دعاه بطليموس (ماكورابا) مرده إلى كـلــمــة (مقرّب) العربية الجنوبية، ومعناها (الهيكل)[79]. وهناك من يعرض تفسيرًا آخر يراه أصحابه ألصق بالحقيقة. لقد سمي القرآن الكريم مكة (مكة وبكة)، وبكة هي الوادي ومكة لغة (صيغة) أخرى، ومنه البقاع وبعلبك (وادي بعل). وهذا أدل على مركز مكة، لأن مكة في وادٍ غير ذي زرع كما وصفها القرآن، ثم أن (ماكورابا) (أو على الأصح ماكارابا-حسب اللهجة الآراميـة الشرقية لا السريانية الغربية) يصح أن تعني الوادي العظيم أو وادي الرب. ولعل بطليموس أخــذ هذا الاسم عن طريق الآراميين[80]، بينما يذكر آخرون أنها قد تكون مشتقة من (مك) في البابليـة بمعنى البيت[81].

        وإذا صّح ذلك في أن مكربة أو ماكورابا أو ماكارابا هي مكة، فإن هذا يدل على أنها كانت قد اشتهرت بين العرب في القرن الثاني بعد الميلاد، وأنها كانت مدينة مقدسة يقصدها الناس، وبفضــل هذه القدسية بلغ اسمها إلى مسامع هذا العالم الجغرافي اليوناني، بل هذا يدل على أنها كانت موجودة ومعروفة قبل أيام الجغرافي بطليموس، إذ لا يعقل ذيوع شهرتها بصورة مفاجئة، وبلوغه مسامع ذلك العالم اليوناني القاطن في موضع بعيد، ما لم يكن لها عهد سابق لهذا العهد[82] .

        وفي هذا الصدد يبدو أن كلمة ماكورابا مطابقة لمكة، وقريبة من مكرب وهذه لفظة عربيـة جنوبية، وتعبر عن لقب يحمله الكهنة، ولعلها تعني (المقرب إلى الله)، لذلك لا يستبعد أن يكـون أهل مكة القدامى من أصل عربي جنوبي في القديم. والمعروف أن أهل العربية الجنوبية (الــيمــن القديم) قد سيطروا على جزء كبير من (طريق البخور) الطريق التجاري الممتد إلى أعــالــي الحجاز، وخاصة مملكة معين في عصرها الذهبي في حوالي أواسط القرن الرابع ق. م، حــيـث أسسوا الجاليات أو المستوطنات على الطريق الممتدة من اليمن القديم إلى أعالي الحجاز بشــمـالــي الجزيرة العربية[83]، وعلى سبيل المثال في موقع (ددن) دادان (العلا حاليًا)[84]، ولــعـل هــذا يجعلنا نعتقد أن تكون مكة أو موقع قريب منها إحدى تلك الجاليات.

        وهكذا يبدو أن فكرة مطابقة مكة لمكورابا التي ذكرها بطليموس (في نظرنا) أمر مـقبول، بل وجدت هذه الفكرة تأييدًا وقبولًا لدى البعض.

        ومسك الختام.. تلك هي مكة موطن إسماعيل ابن الخليل إبراهيم (عليهما السلام)، مــن المدن المقدسة القديمة، كانت محجة منذ أعصر قديمة لا تعيها الذاكرة، وثمة شواهد أثرية ديـنـيـة وإسلامية كثيرة تؤكد على ذلك، ولعل أبرزها: مقام إبراهيم، وبئر زمزم ودار الأرقم بن الأرقــم، وغار حراء، وغار ثور.. وغيرها.

        ولاكتمال الصورة الحقيقية لمكة فهي تتمتع بأهمية كبيرة في التاريخ العربي القديم والإسلامي، فقد ولد فيها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وفيها بعث ومنها شع نور الإسلام وخـرجــت دعوته حتى عمت أرجاء المعمورة.

        أيضًا كانت مكة مركزًا تجاريًا نشطًا، وسّع أفق نظر أهلها وأعانهم على الاطلاع علـى الـبلاد المجاورة وأحوالها، وكانت من أكبر المراكز الدينية في الجزيرة العربية، يؤمها كثير من القبائل المختلفة من مختلف أنحاء الجزيرة، وقد ساعد هذا على إكساب أهلها سعة نظر ومرونة وخبرة في المعاملة مع الناس، فأصبحت مكة مدرسة درّبت كثيرًا من القياديين والإداريين فاستطاعوا بعد الفتح الإسلامي أن يديروا شؤون الإمبراطورية الإسلامية الجديدة باقتدار ونجاح وتوفيق.

sudarabiques.


[1]) أستاذ تاريخ اليمن والجزيرة العربية القديم – كلية الآداب -جامعة عدن.

[2] الحموي، شهاب الدين ابن عبدالله ياقوت (ت: 262هـ/ 1226م): معجم البلدان، ج5، دار بيروت، 1979م، ص 181.

[3] الحموي، ياقوت: المرجع السابق، ج5، ص 182.

[4] الحموي: المرجع السابق، ج5، ص 182.

[5] القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية 96.

[6] الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبدالله (ت 222هـ/ 837 م): أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق: رشيد صالح محسن ملحس، ط 3، دار الاندلس، بيروت، 1403 هـ/ 1983م، ج 1، ص 180 – 181؛ حميدة، عبدالرحمن: أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم، ط 2، دار الفكر بدمشق، 1400هـ/ 1980م، ص117، (عن كتاب البلدان لابن الفقيه الهمداني).

[7] سورة الشورى، آية 7؛ وسورة الأنعام، آية 92.

[8] الازرقي: أخبار مكة، ج 1، ص 281.

[9]  سورة التين، آية 3.

[10] سورة الحج، آية 33.

[11] سورة محمد، آية 13.

[12] سورة إبراهيم، آية 37

[13] لا شك أن أوائل تاريخ مكة غامض.

[14] لويس، برنارد: العرب في التاريخ، تعريب نبيه أمين ومحمود يوسف زايد، ط 1، دار العلم للملايين، بيروت، 1954م، ص 43 – 44.

[15]  سورة إبراهيم، آية 37.

[16] سحاب، فكتور: إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، ط 1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1992م، ص187.

[17] بيضون، إبراهيم: الحجاز والدولة الإسلامية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1983م، ص34؛ سحاب: المرجع السابق، ص 187.

[18] سحاب: المرجع السابق، ص 195 – 191؛ الشريف، أحمد إبراهيم: مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول، ط 2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1965م، ص 92؛ حسن، علي إبراهيم: التاريخ الاسلامي العام (الجاهلية – الدولة الأموية – الدولة العباسية) مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1972م، ص107 – 108.

[19] لمزيد من التفصيل حول زعامة جرهم وخزاعة وقصي لمكة.. انظر، الأزرقي: أخبار مكة، ج 1، ص 80 – 113.

[20] ابن هشام، أبو محمد عبدالملك (وفاته 213 هـ أو 218 هـ): السيرة النبوية، حققها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها، مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، ط 2 مؤسسة علوم القرآن، القسم الأول (ج1 – 2)، ص 123 – 126.

[21] الكتاب المقدس (كتب العهد القديم والعهد الجديد) (التوراة والإنجيل) مترجم للعربية، ط 5، دار الكتاب المقدس، القاهرة، 2000م، سفر التكوين، الإصحاح 10، فقرة 26 – 28 (ص8).

[22] سفر التكوين، الاصحاح 16، فقرة 15 – 16 (ص11)؛ كما وردت لإبراهيم وابنه إسماعيل إشارات أخرى في التوراة منها: سفر التكوين، الاصحاح 11 – 25 (ص8 – 19).

[23] لمعرفة الفترة التاريخية التقريبية للخليل وابنه إسماعيل، انظر: المغلوث، سامي بن عبدالله: أطلس تاريخ الأنبياء والرسل، ط 2، مطبعة العبيكان، الرياض، 1420هـ / 2000م، ص 46 – 47.

[24] القلقشندي، أبي العباس أحمد (756 – 821هـ): نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، ص211.

[25]  سفر التكوين، إصحاح 21، فقرة 14 – 21 (ص 15).

[26]  طلس، محمد أسعد: تاريخ الأمة العربية – عصر الانبثاق، عصر الانطلاق، ط 1، منشورات مكتبة الاندلس، بيروت، 1957م، ص 98.

[27] سفر التكوين، إصحاح 21، فقرة 9 – 21، (ص 15)؛ ولمعرفة المزيد عن رحلة الخليل إلى الحجاز، انظر: الأزرقي في أخبار مكة، ج 1، ص 54 – 56؛ مهران، محمد بيومي: دراسات تاريخية من القرآن الكريم (1) في بلاد العرب، جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ/ 1980م، ص 138 – 159.

([28]) نقلاً عن محمد سعد، أطلس تاريخ الأمة العربية – هصر الانبثاق، عصر الانطلاق، ص99.

[29] الحموي: معجم البلدان، ج 6، ص 323؛ طلس، محمد أسعد: المرجع السابق، ص 99.

[30] (( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم )). سورة إبراهيم، الآية 37.

[31] الأزرقي: المرجع السابق، ج 1، ص 59؛ مهران: المرجع السابق، ص 195.

[32]  سورة آل عمران، آية 96 – 97.

[33]  لمزيد من المعلومات حول الروايات التي ترجع بناء الكعبة إلى ما قبل عهد إبراهيم، انظر: مهران: المرجع السابق، ص 183 – 184.

[34]  انظر: سورة البقرة، آية 125 – 127؛ سورة آل عمران، آية 96 – 97؛ وسورة الحج، آية 26 – 27.

[35]  مهران: المرجع السابق، ص 195.

[36]  علي، جواد: تاريخ العرب في الإسلام، ط 1، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، الحمراء – بيروت، 1983، ص14 – 15.

[37]  إلعذيلط = إلعزيلط، حلّت الذال محل الزاي وهذا عادة ما يحدث في النقوش الحضرمية.

[38]  العقلة: جبل يحتل موقعًا ممتازًا في السهل الذي بغرب مدينة شبوة عاصمة حضرموت القديمة، وتعود شهرة العقلة إلى اكتشاف بعض النقوش والآثار حوله خلال رحلة قام بها المستشرق البريطاني (سانت جون فلبي) ووصف هذه الرحلة في كتابه (بنات سبأ) لمعرفة المزيد عن موقع العقلة وآثاره انظر: بافقيه، محمد عبد القادر: آثار نقوش العقلة، ط 1، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة؛ وباوزير، محمد بن هاوي: كراسات في تاريخ حضرموت وتراثها، ط 1، الابداع للطباعة والنشر، عدن، 2011م، ص 68.

[39]  الوفود المشاركة في حفل تتويج الملك الحضرمي في موقع العقلة هي من الجزيرة العربية (قريش)، ومن تدمر والعراق القديم والهند (4 – 1 / Ja 931).

[40]  بافقيه، محمد عبد القادر –بيستون، الفريد – روبان، كريستيان – الغول، محمود: مختارات من النقوش اليمنية القديمة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1985م، ص 325 – 326؛ البريهي، إبراهيم بن ناصر: الخط المسند وثيقة للصلات الحضارية في تاريخ الجزيرة العربية القديم، في كتاب الوحدة الحضارية للوطن العربي من خلال المكتشفات الأثرية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، وزارة الثقافة – سوريا، دمشق، 2001، ص656 – 657.

[41]  النقش (4-1 / Ja 931).

[42] لمعرفة المزيد عن قريش ومكة، ونشاطهم التجاري، بدايته وازدهاره.. انظر، سحاب: المرجع السابق، ص 187 – 215.

[43]  النقش (4 – 1 / RES 4693)؛ علي، جواد: تاريخ العرب في الإسلام، ص 51؛ كرون، باتريشيا – الروبي، آمال محمد – بكر، محمد إبراهيم، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005م، ص 290.

[44] علي جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1977م، ج 4، ص 18 – 22.

[45] النقش (Ry 509)؛ ولمعرفة المزيد عن هذا التوسع الحميري في وسط الجزيرة العربية وشمالها بحسب الروايات العربية الإسلامية ومقارنتها بالمعطيات النقشية انظر: باوزير، محمد بن هاوي: اليمن القديم في القرآن الكريم والشعر الجاهلي وكتب المؤرخين والجغرافيين العرب القدامى – دراسة تاريخية في ضوء الموروث العربي الإسلامي ومعطيات الكشوفات الأثرية والدراسات الحديثة، رسالة دكتوراه في التاريخ القديم (غير منشورة) كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس 2004م، ص 209 – 219.

[46] ليبنز، فيليب: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية، ترجمة محمد محمد الحناش، مراجعة وتعليق وتحقيق: فهد عبدالله السماوي، دار الملك عبد العزيز، الرياض، 1419 هـ، ص 98 – 99.

[47] بيغوليفسكيا، نينا فكتورفنا: العرب على حدود بيزنطة وإيران من القرن 4 – 6 م، نقلة عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم، موسكو، 1964، ص 126 – 128؛ ليبنز: المرجع السابق، ص 99؛ قارن مع النقش (6 – 1 / Ry 506).

[48] النقش (10 – 7 / Ry 506)؛ بيغوليفسكيا: المرجع السابق، ص 129 – 134.

[49] علي: المفصل، ج 3، ص 495 – 496؛ مهران: المرجع السابق، ص 391.

[50] لوندن، أ. ج: اليمن أبان القرن السادس الميلادي، ترجمة محمد علي البحر، مجلة الاكليل العدد (1 – 2)، الحلقة الرابعة (ص 18 – 27)، وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، 1990، ص 21 – 22.

[51] النقش (10 – 9 / Ry 506).

[52] علي: المفصل، ج 3، ص 495 – 496؛ مهران: المرجع السابق، ص 391.

[53]  ليبنز: المرجع السابق، ص 101 – 102.

[54]  عن قصة أصحاب الاخدود وأصحاب الفيل في ضوء المصادر العربية والإسلامية ومقارنتها بالمعطيات الأثرية والنقشية والدراسات الحديثة انظر: باوزير: اليمن القديم في القرآن الكريم..، أصحاب الأخدود (ص 242 – 272) وأصحاب الفيل (ص 288 – 306).

[55]  علي: المفصل، ج 4، ص 11.

[56] الذييب، سليمان: مدونة النقوش النبطية، العربية السعودية 1431هـ، ج 1، ص 555.

[57] ابن منظور، محمد بن مكرم (ت: 711 هـ/ 1311 م): لسان العرب، ط 1، دار صادر، بيروت، 1995م، ج 6، ص 1334.

[58]  الذييب: المرجع السابق، ص 555.

[59]  بيستون، أ. ف. ل، جاك ريكمانز، محمود الغول، والترمولر: المعجم السبئي (عربي – انجليزي – فرنسي)، دار نشر بيترز، لوفان ومكتبة لبنان، بيروت، 1982م، ص 107.

[60] ابن دريد، أبوبكر محمد بن الحسين (ت 320 هـ -932م): جمهرة اللغة، ط 1، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م، ص 278.

[61] الذييب: المرجع السابق، ج 1، ص 556.

[62] النقش (4693 RES)؛ كرون، باتريشيا: المرجع السابق، ص 290 – 291.

[63]  لمزيد من المعرفة حول تباين الآراء في تفسير تسمية قريش وأول زمن ظهرت فيه.. انظر، علي: المفصل، ج 4، ص 23 – 26.

[64] صلخد: اسم موضع في شمال الجزيرة العربية.

[65] علي: المفصل، ج 4، ص 57.

[66] مرعي، عيد: بابل في عهد نابونيد آخر ملوكها، مجلة دراسات تاريخية، العددان 63-64، (ص 28 – 47)، جامعة دمشق، 1998م، ص 35؛ الأشبط، علي عبدالرحمن: الأعراب في تاريخ اليمن القديم، دراسة من خلال النقوش من القرن 1 ق. م وحتى 5 م، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص 37؛ أما عن نابونيد أو نابونائيد فهو اسم أكادي يعني: مبجل نابو، ونابو: هو إله الكتابة في بابل، ويدعى نابونيد عند الأغريق أو نابونيدوس (Nabonidos) مرعي، عيد: المرجع السابق، ص 45.

[67] الذييب: المرجع السابق، ج 1، ص 808؛ علي: المفصل، ج 4، ص 9.

[68] سورة الأحزاب، آية 13؛ ولمزيد من التفصيل عن يثرب انظر: حسن، علي إبراهيم: التاريخ الإسلامي العام، ص119 – 125؛ سالم، السيد عبد العزيز: تاريخ العرب في عصر الجاهلية، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 1988م، ص 383 – 405.

[69]  المصادر الكلاسيكية هي المؤلفات التي وضعها الكتّاب اليونان والرومان، وهم المؤرخون والجغرافيون والرحالة، وغيرهم ممن عني بأوصاف الجزيرة العربية وأخبارها في العصرين اليوناني والروماني.. لمعرفة المزيد عن ذلك انظر بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية، جمع وترجمة، حميد مطيع العواضي وعبد اللطيف الأدهم، ص 5 وما بعدها؛ فوستر إ. م: الإسكندرية.. تاريخ ودليل، ترجمة حسن بيومي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2012م، ص73 – 87.

[70] العواضي والأدهم: مرجع سابق، ص 41 – 46.

[71] يبدو أن بليني وضع اقليم (DabanegoirsRegio) بالقرب من ميناء مكو أرباي.

[72] كرون: تجارة مكة، ص 235، وانظر آمال الروبي (الحاشية، ص 236 – 237).

[73] علي، تاريخ العرب في الإسلام، ص 45؛ لويس: العرب في التاريخ، ص 43؛ طلس: المرجع السابق، ص 27؛ الشيبة، عبدالله حسن، محاضرات في تاريخ العرب القديم، جامعة صنعاء، 1991م، ص 412.

[74] هناك من يرى أن اللفظة (م ك ر ب) تعني لقب رئيس حلف قبلي في الفترة المتقدمة من تاريخ بلاد العربية الجنوبية، ومثاله في النقش (CIH 366)، وانظر بيستون وآخرون: المعجم السبئي، ص 87.

[75] الجرو، أسمهان سعيد: موجز التاريخ السياسي القديم لجنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن القديم)، ط1، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، 2002م، ص 87 – 88.

[76] انظر النقش (CIH 152/2)؛ والمعجم السبئي، ص 78؛

D.ricks: Lexicon of Inscriptional Qatabanian، E. PontificioInstitutoBiblico، Romae، 1989، P. 87.

[77] علي: المفصل، ج 4، ص 9 – 10.

[78] كرون: المرجع السابق، ص 235؛ وانظر الحاشية للمترجمة آمال الروبي، ص 237.

[79] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، تعريب نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط 8، دار العلم للملايين، بيروت، 1979م، ص 31.

[80] بروكلمان: المرجع السابق، المعربان (هامش) ص 31.

[81] سالم، السيد عبد العزيز: المرجع السابق، ص 347.

[82] علي: المفصل، ج 4، ص 10؛ ولمعرفة المزيد حول إشارات الكلاسيكيين إلى مكة وتباين الآراء بين مؤيد ورافض.. انظر، كرون: المرجع السابق، ص 234 -238.

[83] علي: المفصل، ج 4، ص 12؛ شيبمان، كلاوس: تاريخ الممالك القديمة في جنوبي الجزيرة العربية، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 2002م، ص 68.

[84] النقش (4/ Mafray – Main 13).


الملاحق:

  1.  الأختصارات:

BR:Yanbuq: Bafaqih et Robin، Inscriptions inedites de Yonbuq (1979)

CIH:Corpus nscripions Semiticartions، Himyariticas et Sabaes Continens،Tomus I.I  I.I I I. Paris، Contiens Tomus 1889،1911،1929

مدونة النقوش السامية مجموعة نقوش.

JA: Inscripions S Publiees Par Jamme.Albert.

مجموعة النقوش التي نشرها وجمعها البلجيكي ألبرت جام

                   RES: Reperatoire D،Epigraphie Semitiaue.

مدونة النقوش السامية (مجموعة النقوش ربوتوار) نشرت بواسطة الأكاديمية الفرنسية للنقوش والفنون الجميلة، النقوش اليمنية نشرت في ثلاثة أجزاء، ج5، 1929ج6 /1935م، ج 8 / 1950م.

RY: Ryckmans، Gonxague.

مجموعة نقوش البلجيكي جوانز كريكما نز 

MAIN: Bron Inventaire des inscriptions