د/ أحمد صالح على محمد
د/ أحمد صالح على محمد – دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر – كلية الآداب – جامعة الزقازيق
الملخص
كانت الدولة العثمانية تنظر لجهات العالم الأربع، لنشر الحق والعدل بين الناس واستيعاب كافة الطوائف والأقليات، لكن انشغلت الدولة بسبب هذا التوسع في البحث والتنقيب عن الموارد الاقتصادية في جميع الولايات الخاضعة لها.
وقامت الدولة بوضع يدها على تجارة الشرق للتصرف فيها كما تشاء، مضيّقة بذلك الخناق على البندقية وجنوة، بسبب سيطرة تلك المدن على تجارة الشرق والغرب، لهذا وجب على الدولة العثمانية الضرب بيد من حديد لوضع حد لتلك المدن الإيطالية؛ لتخضع لقوانين التجارة العثمانية.
وعلى ذلك فقد أصبحت الدولة العثمانية دولة عالمية، وبموجب ذلك سيطرت على البحار والمحيطات وجعلت البحر الأبيض المتوسط بحيرة عثمانية خالصة، فلا تمر السفن إلا بمعرفة السلطان العثماني. مما جعلها تسيطر على التجارة العالمية في ذلك الوقت، فأصبح الاقتصاد العثماني بذلك اقتصادًا عالميًّا.
Abstract
The Ottoman Empire looked to the four sides of the world to spread the truth and justice among the people and to absorb all sects and minorities. But because of this expansion, the state was preoccupied with the search and exploration of economic materials in all the states under its control.
The state has put its hand on the eastern trade to be disposed of as it wishes, restricting the siege on Venice and Genoa because of the control of these cities over the trade of the East and the Maghreb. Therefore, the Ottoman Empire had to strike with an iron fist to end these Italian cities.
Thus, the Ottoman Empire became a world state. It controlled the seas and oceans and made the Mediterranean a pure Ottoman lake. Which made it dominate the global traders at the time, thus making the Ottoman economy a global economy.
التمهيد:
تتناول هذه الدراسة (المعادن في الدولة العثمانية)، وتركز على محاولات السلاطين العثمانيين فرض سيطرتهم على أراضي البلقان الغنية بالمناجم ذات الإنتاج الوفير، مما ساعد في بناء الاقتصاد العثماني العالمي، ووضع قواعد راسخة في سبيل محافظتها على النظام الاقتصادي في العالم آنذاك.
ويتضح الدور الذي لعبة السلطان محمد الثاني (الفاتح) في إطار بناء الدولة وسيطرته على مناجم البلقان، وإحكام السيطرة على سواحل البحر الأسود وجعلة بحيرة عثمانية.
وبينت الدراسة أبرز الطرق التي اتبعتها الدولة العثمانية لتوفير المعادن بكافة أنواعها واستغلالها في كافة السبل لبناء الاقتصاد العثماني، وساعد ذلك الدولة في بناء الجيوش لاجتياح جميع أراضي البلقان بكافة الاتجاهات، حيث سهلت عليها خوض الكثير من المعارك وتوفير الأسلحة الحديثة في ذلك العصر.
وعرضت الدراسة لطبيعة العلاقات الدولية التي ربطت بين الدولة العثمانية والإمارات المجاورة لها، والمدن الإيطالية (البندقية، جنوة …) المتحكمة آنذاك في الاقتصاد العالمي وتجارة المعادن والسلاح والمواد الغذائية، ووضحت أثر العلاقات السياسية على العلاقات التجارية سلبًا وإيجابًا.
وفي ظل الأزمات الدولية بين الدولة العثمانية وتلك المدن الإيطالية، وقيام العثمانيين بمراقبة التجارة في أراضيهم لمنع الإضرار بالاقتصاد العثماني، ويزيد على ذلك حظر تداول المعادن وتصديرها خارج أرض الدولة وذلك حتى لا تتسرب السبائك المعدنية خارج أراضيها.
وتمثل الدراسة أهمية بالغة في رصد تجارة المعادن داخل الأراضي العثمانية وخارجها، حيث حاولت الدولة جاهدة السيطرة على السبائك المعدنية للذهب والفضة وغيرها من المعادن مثل الحديد والرصاص والنحاس.
وناقشت الدراسة بعضًا من الصعوبات والمعوقات التي تعرضت لها تجارة المعادن بين العثمانيين والجنويين والبنادقة، حيث عُرقلتْ في عدة مرات، خاصة في حالات منع البابوية للتجارة مع العثمانيين، حيث كان الخوف من زيادة سطوة العثمانيين على الاقتصاد العالمي.
المقدمة:
أيقن العثمانيون منذ البداية ضرورة سيطرتهم على أراضي البلقان لأسباب عدة: وهي توسعهم في مجالهم الحيوي وسيطرتهم على الثروات والموارد الطبيعية في تلك المناطق للاعتماد عليها في توسعاتها وإعداد الجيوش للاستمرار في عالمية الدولة. ولذلك كانت وجهة الدولة العثمانية إلى بلاد الصرب، حيث فُرضت السيطرة على مناجم الذهب والفضة، ومن الملاحظ أيضًا النظرة الثاقبة للسلطان محمد الفاتح في سيطرته على بلاد البوسنة والهرسك بما فيها من مناجم الذهب التي ستملئ خزائن الدولة العثمانية.
ومن جهة أخرى إحكام السيطرة العثمانية على المناطق الواقعة على البحر الأسود الغنية بمعدن النحاس، حيث يأتي في المرتبة الثانية بعد النحاس الليبيري، وبذلك أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية خالصة.
وعند النظر للتجارة في ذلك الوقت، كانت السيطرة للمدن الإيطالية؛ لأنها أحكمت قبضتها على تجارة المعادن والسلاح والمواد الغذائية، ويزيد على ذلك تدخل البابوية لمنع التجارة مع الدولة العثمانية وتحريمها ايضًا.
نتيجة لتحركات البابوية ضد الدولة العثمانية، فقد قامت بحظر تداول المعادن خارج أسواقها ردًا على حظر البابوية لتجارة المعادن، حيث مُنعتْ المدن الإيطالية من الحصول على المعادن داخل السوق العثماني، وصرح بتجارة المعادن داخل الدولة العثمانية، وقد قامت الدولة بمصادرة السبائك غير المختومة من الحكومة، وإعطاء التجار المبلغ المحدد من الحكومة تعويضًا.
أرادت الدولة العثمانية بذلك إحكام سيطرتها على سوق التجارة في المعادن وتخلصها من المدن الإيطالية التي كانت تشاركها في تلك التجارة، حيث نتج عن ضغط الدولة العثمانية على تلك المدن، بأن قامت تلك المدن بإدخال المعادن إلى السوق العثمانية مخالفة بذلك حظر البابا للتجارة في السلع الغذائية والمعادن والسلاح.
وجدت بذلك الدولة العثمانية الضرورة الملحة عليها في تجارة المعادن وحظر تداولها خارج الاسواق العثمانية، واستغلال كل المناجم الواقعة تحت سيطرتها بأراضيها في البلقان، لإحداث طفرة كبيرة في اقتصادها العام، ويزيد على ذلك تغطية النفقات لتجهيز الجيوش وتجريد الحملات الكبرى على كافة الجبهات.
أولًا- توسع الدول عالميًّا لتوفير الدعم المادي والاقتصادي:
كان عام 1453م، مبشرًا بفتح مدينة القسطنطينية (إستانبول)، فبعد أن انتهي السلطان محمد الفاتح من وضع خطته وتجهيزاته للفتح، أصدر أوامره إلى حاكم الجزء الأوروبي (قراجا بك) بسرعة التقدم بجيشيه ومهاجمة المدن والأقاليم المحيطة التابعة للبيزنطيين، وحوصروا برًّا وبحرًا، وقد انخفضت معنويات البيزنطيين مع بداية الحصار، ودخلوا مرحلة اليأس المطبق، حيث كان الحصار الأخير من كل الجهات وليس من البر فقط، فقد أصبح كل شيء على العكس تمامًا، ومُنِعت الملاحة في المضايق عن طريق السفن العثمانية والقلاع، وعلى الرغم من كل الاحتياطات التي قام بها البيزنطيون فلم تمنع السلطان محمد الفاتح من مباشرة الحرب بنجاح خارج أسوار المدينة، واستفاد السلطان بكل الأمور والأسلحة المستحدثة في ذلك العصر([1]).
وقد تحالف الغرب ضد الحصار العثماني للدفاع عن المدينة بأمر من البابا، ولكن في النهاية فشل التحالف الأوروبي ضد الدولة العثمانية وفُتحت المدينة.
وعند النظر لمرحل ما بعد فتح القسطنطينية، أصر العثمانيون على ضم دول البلقان لممتلكات الدولة العثمانية، فقد غيّر الفتح مصير الدولة العثمانية في أوروبا، فبمجرد الفتح ارتعد ملوك أوروبا من السلطان الشاب الطموح، وبدأت حقا إمبراطوريتهم في أوروبا وسهل على الفاتح فتح بلاد الصرب واليونان والأفلاق والقرم والجزر الرئيسة في الأرخبيل والبوسنة والهرسك، وتم ذلك كله في بضعة وعشرين عامًا ولم يزد خلفاؤه شيئًا ذا بال على فتوحاته بأوروبا، فكان بذلك أعظم الفاتحين في تاريخ الدولة العثمانية([2]).
أراد السلطان محمد الفاتح بذلك تحقيق البشرى النبوية بفتح القسطنطينية، بأن يكلل ذلك الجهد بمد سيطرته على أراضي البلقان خاصة الأراضي الغنية بالمعادن وذات المناجم الوفيرة، مما سيساعد الدولة على بناء اقتصاد ضخم، وليقضي على سيطرة المدن الإيطالية على تجارة المعادن.
بدأ السلطان محمد الفاتح مسيرته لتوطيد سلطته في البلقان ببلاد الصرب، والجدير بالذكر أن الدولة العثمانية كانت تسيطر بالفعل على بعض الأجزاء من الصرب والبعض الآخر تحت سيطرة المجر، وكانت إذا جاءها الخطر من قبل العثمانيين لاذت بالمجر، وإذا جاءها الخطر من جهة المجر لاذت بالعثمانيين، وبالرغم من أن أمير الصرب ” جورج برنكوفيتش ” كان يدفع الجزية للعثمانيين فلم يكن في الحقيقة مخلصًا في تبعيته لهم بل كان يخادعهم ويتربص بهم، وذكر عنه السلطان الفاتح أنه ” كان يظهر الصداقة ويبطن العداوة”. لكن السلطان محمد الفاتح لم يتردد في فتح بلاد الصرب، حيث توجه بقواته رغم البرد القارس وخرج من أدرنة([3])، عندها وجد برنكوفيتش نفسه أضعف من أن ينازل السلطان الفاتح فآثر التسليم قبل أن يدفع جزية سنوية قدرها 30 ألف دوقية، وعاد السلطان إلى إستانبول ريثما تواتيه الأحوال الجوية على مواصلة الحرب في البلقان([4]).
ومهما يكون من أمر، فقد أراد السلطان الفاتح فتح بلغراد، فأعد الجيش لفتح بلاد المجر، وعلى أثر ذلك قام العثمانيون بإغلاق نهر الطونة([5]) لمنع الإمدادات تجاه بلغراد، وخرج السلطان على رأس جيشه البري الكبير، وما أن وصل مدينة كرسوفاز حتى أمر بنصب المدافع لدك أسوار المدينة، وبسبب الغرور الذي أصاب الجنود العثمانيين وإصرار الحلف الصليبي بقيادة هونياد والراهب كابستونو على صمود المدينة لم يستطيع الفاتح دخول المدينة، وانسحب السلطان بجيشه والعدة القليلة التي تبقت له وهو يحرق الأرم، وتوقف قليلًا في صوفيا ثم واصل سيره إلى أدرنة وقال، وكأنما كان يعزي نفسه: “إن بلغراد ستسقط في أيدينا عاجلًا أو آجلًا، وإذا لم أستولِ أنا عليها فإن أبنائي الشجعان سيستولون عليها”([6])، وبالفعل أتي السلطان سليمان القانوني وسقطت على يده بلاد المجر بأكملها.
وفي السياق ذاته، أراد السلطان إعادة الهجوم مرة أخرى على الصرب، فأرسل وزيره محمود باشا بالجيش نحو الصرب فاستولي على عدة قلاع أهمها قلاع رسواز وكوريكواز وحصن قلعة حوالة التي كان السلطان الفاتح قد شيدها على مقربة من بلغراد، ثم استولى على قلعة كولمباج بعد أن قطع الماء عن حاميتها، وأرسل محمد بك في سرية تامة للإغارة على بلاد المجر فاجتاح قلعتي طراوة وراحاوة ثم عاد مثقلا بالأسلاب والغنائم والأسرى. وما لبث أن توفي جورج برنكوفيتش في قلعته بسمندرة في 24 ديسمبر 1457م، وقد استولى ابنه الأصغر لازار الذي قام بدس السم لوالدته وطرد أخويه، وعرض لازار على السلطان الفاتح أن يدفع جزية سنوية كبيرة، غير أنه مات بعد شهرين من استيلائه على الحكم، وقد أوصى أن تُزوَّج ابنته بولي عهد البوسنة، بذلك يقوي جبهة الصليبيين ضد العثمانيين، لكن لم يقبل الطرفان المصاهرة في النهاية، وفي غضون تلك الأحداث وجدت هيلين ابنه لازار، السلطان محمد الفاتح تحت أسوار سمندرة، ولم تجد هيلين مفرًّا من تسليم القلعة للعثمانيين، وسمح لها في النهاية بالخروج بكل أموالها، وخضعت بقية القلاع بعد ذلك للعثمانيين ما عدا بلغراد، وصارت بلاد الصرب منذ ذلك الحين ولاية من ولايات الدولة العثمانية عام 1459م([7]) فقد أصبح العثمانيون بذلك مجاورين لبلاد البوسنة.
وفي هذا الصدد، وجه السلطان محمد الفاتح أنظاره إلى بلاد البوسنة والهرسك، وبالفعل أرسل رسولًا إلى ملك البوسنة يطلب منه الخضوع للدولة العثمانية والاعتراف بسيادتها ودفع الجزية وإلا فالقتال، فما كان منه إلا أن اقتاد رسول الفاتح إلى خزانة أمواله وأشار بيده إليها ثم قال له: “إنك لتري الأموال هنا مكدسة، ولكني لا أرى إرسالها إلى السلطان، فإن حاربني استعين بها على قتاله، وإذا اضطررت إلى الفرار واللجوء إلى بلد آخر استعنت بها على تأليف الحياة”([8]).
وقد أرسل السلطان الفاتح عام 1463م رسولًا آخر إلى ملك البوسنة يعرض عليه دفع الجزية أو القتال، فما كان من توماسيفيتش إلا أن اعتقل الرسول وأراد قتله لولا أن وزيره عارضه في ذلك لأنه بذلك سيغضب السلطان ويعرض نفسه للهلاك، وليس من المروءة قتل الرسول، فلما عاد هذا الرسول أخبر السلطان الفاتح بما وجد، فأخذه الغضب وتحرك بجيشه إلى البوسنة وحاصر أكبر قلاعها وأمنعها وهي قلعة لوفجة فاستسلمت، بعد ثلاثة أيام، وحاصر بعد ذلك قلعة باتيزا فحذت حذو الأولى، واستسلمت بعد مقاومة يسيرة، وكان الملك استفان توماسيفيتش موجودًا بهذه القلعة فما كان منه إلا أن فر منها عندما سمع باقتراب الفاتح، ولجأ إلى قلعة كلوج الحصينة، وأرسل وراءه وزيره محمود باشا لمطاردته ومحاصرته، ولم يكن محمود باشا يحاصر القلعة حتى بعث إلى ملك البوسنة يحث على التسليم وطلب الصالح وأمنه على حياته، ولم يكن شيء أحب إلى توماسيفتيش من هذا بعد أن أحيط به من كل جانب، ولم ير أمامه غير الهلاك أو التسليم الذي لا يدري ما وراءه، فخرج من قلعته وسلمها لمحمود باشا وتلقي منه كتاب الأمان، واستاء السلطان الفاتح من تصرف وزيره وقبح رأيه في ذلك، وعاتبه عليه لشدة غضبه على قرار المذكور، وتتابعت سائر القلاع في استسلام للعثمانيين، وفي يونيو عام 1463م كانت البوسنة كلها قد صارت ولاية من ولايات الدولة العثمانية. وعهد الفاتح فتح الهرسك إلى وزيره محمود باشا، على أثر ذلك هرب أميرها إلى إحدى الجزر القريبة، وأرسل الأمير الفار ابنه بأثمن الهدايا والنفائس إلى السلطان محمد الفاتح يلتمس منه العفو والإذن له بأن يقيم في عاصمة ملكه السابق، وقد أجابه السلطان إلى ملتمسه، فقسم الهرسك قسمين أما الأول – وهو أكثرهما أهمية وخطرًا – فقد أُدمج في الدول العثمانية وأقطع القسم الآخر لأمير الهرسك، وعندما مات أمير الهرسك ضُمت البقية إلى الدولة العثمانية، وأصبحت مركزًا من مراكز الإسلام في البلقان وامتلأت أرجاؤها بالمنشآت الإسلامية([9]).
بعد أن ضم الفاتح بلاد البوسنة استقر له الوضع بشكل كبير من الناحية الاقتصادية خاصة بعد سيطرته على مناجم المعادن الغنية التي أسهمت بصورة كبيرة في الاقتصاد العثماني مما أثر على الوضع الاجتماعي لسكان الدولة العثمانية للأفضل في تلك المناطق، وأسهم أيضًا في تجهيز الجيوش العثمانية.
وفي إطار السيطرة على الولايات المجاورة للدولة وضمها لممتلكاتها صدر الأمر الشريف السلطاني والإذن المنيف الخاقاني إلى الوزير محمود باشا بتجهيز مراكب البحر (الأسطول) ومهمات الحرب والجهاد والعساكر والرجال بالعزم إلى ديار الإمارة النصرانية طرابزون([10]) المطلة على البحر الأسود، وأرسل إلى إسماعيل باي إسفنديار وهو أحد ملوك الطوائف يكلفه بالقدوم للجهاد وتجهزه هو أو ابنه، ويذكر لهم إذا قدمت إليكم عمارة البحر فلا يكن لكم منهم خوف ولا حرج، وزودهم بما يحتاجونه من الذخائر بالبيع والشراء فنيتنا إن شاء الله العزم على فتح بلاد طرابزون، وإذا قدمنا إليكم تقدم أنت لحضرتنا. وجهز ابنك حسن باي وتهيأ للسفر، فلما قرب حضرة السلطان إلى بلاده قدم إليه ابنه ولم يحضر أبوه، فمسكه وحبسه وأرسله إلى قصطومني([11]) محبوسًا وأعطي حكم تلك البلاد على البحر الأسود إلى قزل أحمد أمير أمراء تلك البلاد قديمًا، فلما سمع إسفنديار إسماعيل باي بذلك لاذ بالفرار وتحصن بقلعة سينوب([12])، واستمر السلطان وحاصر طرابزون، واشتد الحرب والقتال، وفي النهاية طلب صاحب طرابزون الأمان وتسليم القلعة، فأمنهم السلطان وخرجوا بمالهم وأولادهم من غير معارض، وقام السلطان بترتيب أمورها من الإدارة العثمانية وعاد بعدها إلى إستانبول([13]).
وبما أن الدولة العثمانية دولة طموحة تسعى دائمًا لفرض سيطرتها على التجارة العالمية فما كان منها إلا أن قامت بفرض سيطرتها على البحار الاستراتيجية في العالم مثل البحر الأسود بعد السيطرة على قسطومني وسينوب، فبعد السيطرة على تلك المواقع أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية خالصة.
وقد استمرت أمور الفتح على هذا المنوال؛ حتى السلطان العاشر، وهو السلطان سليمان القانوني الذي أرعب أوروبا بأكملها، والذي لم يقف عند هذا الحد، بل فرض سيطرته على البحر المتوسط وأكمل هذا الوضع ابنه السلطان سليم الثاني بفضل القادة العسكريين الذي قام سليمان القانوني بترتيبهم على النظام الإداري الصارم للدولة، فأصبح بذلك البحر المتوسط بحيرة عثمانية. مما أتاح للعثمانيين فرض سيطرتهم على تجارة الشرق والغرب (التجارة العالمية) وهذا ما سيتم الحديث عنه في المبحث الآتي وخاصة تجارة المعادن.
ثانيًا: المناجم واستخراج المعادن:
والواضح هنا، إصرار السلطان محمد الفاتح على ضم بلاد البلقان خاصة البلاد الغنية بالمعادن، فقد استمر الفاتح في تجهيز الجيوش الجرارة، ويزيد على ذلك اتساع رقعة الدولة العثمانية، فقد عمل السلطان جاهدًا على توفير الموارد الاقتصادية خاصة المعادن لتسهم في الاقتصاد العثماني، لإعلاء شأن الدولة العثمانية ومكانتها أمام الاقتصاد العالمي.
وقد يُتَساءَل عن توجه السلطان محمد الفاتح في ربيع عام 1455م إلى بلاد الصرب؟ حيث زحف إليها وحاصر نوفوبردة أغنى مدينة صربية لوفرة المناجم بها وسميت لذلك “أم المدن” وكان قد سبق أن استولى العثمانيون عليها ثم استردتها صربية، وبعد أسبوع من الحصار استسلمت هذه المدينة للسلطان الفاتح في أول يونيو 1455م فجعل عليها واليًا وقاضيًا وقائدًا للقلعة، وأخضع الفاتح بعد ذلك عدة قلاع([14]).
والجدير بالذكر أن، الفاتح كان بحاجة ملحة إلى استرداد إقليم نوفوبردة عن أمير الصرب برانكوفيتش، لتوفير الحاجات المالية للدولة العثمانية لخوض حروبها([15]). وبكل وضوح، جعل السلطان الفاتح تلك البلاد نصب عينيه لأنها الأمن الاقتصادي والمالي للدولة العثمانية.
ولا نزاع في أن بلاد الصرب من أعظم مدخراتها أنها تنتج الذهب والفضة الذي يفوق الأراضي الأخرى، كما لو كان من الينابيع ويقومون باستخراجه في جميع أنحاء هذه المنطقة، التي لديها العديد من الرواسب الطبيعية بشكل كبير من الذهب والفضة على حد سواء، وهي أفضل من تلك التي في بلاد الهند، فإن بلاد الصرب في هذا المجال محظوظة منذ البداية، وكانت تفتخر بنفسها بسبب ثروتها وقوتها. حيث بها العديد من المدن الكبرى. وكانت غنية في إمداداتها من الجنود والكثير من المعدات الحربية الجيدة([16]).
كان على السلطان الفاتح كسر شوكة أمير الصرب، الذي يتزعم موقف أعداء الدولة العثمانية لطردهم من بلاد البلقان.
وتشير الدلائل إلى أن السلطان محمد الفاتح توجه أيضًا إلى فتح البوسنة والهرسك لغنى تلك الأقاليم بالمعادن، وعلى الرغم مما أصاب البوسنة من حروب وغارات، فإنها أحرزت رغدا ورخاء حقيقيًا في أثناء الحقبة الأخيرة من العصور الوسطى، وكان مفتاح ثروتها هو المعادن والمناجم؛ فهناك النحاس والفضة في كريشيفو وفوينيكا، والرصاص في أولوفو والذهب والفضة والرصاص في زفورينيك وفوق كل شيء الفضة في سربرينيكا. وهناك مناجم الذهب من أيام الرومان عند كروبا في الشمال الشرقي من جورني فاكوف، ربما كان يستخدم في أثناء العصور الوسطي أيضًا. وفي أواخر القرن 13م وبواكير 14م وصل إلى البوسنة أوائل المنقبين الألمان الوافدين من المجر وترانسلفانيا والمعروفين باسم الساكسون (الساسي Sasi)، بدأوا في استغلال ثرواتها المعدنية، وما لبث أن وفد المزيد من الساكسون في القرن 14م، عندما راح ستيفن كوتروماتنيتش والملك تفرتكو يشجعان عملية استغلال المناجم. وكانت المناجم ملكا خاصا لملاك الأراضي المحليين، كما كان يديرها الساكسون الذين كان القانون يبيح لهم قطع الأشجار من الغابات وإنشاء مستوطنات التعدين حيثما وجد خام معدني، وأصبح بعض هؤلاء الساكسون أفرادا ذوي أهمية في المجتمع؛ وهناك واحد منهم يكثر ورود اسمه في السجلات هو هانز ساسنيوفيتش (أي ابن الساكسوني) منح حيازة ضخمة من الأرض منحة “دائمة”، وأرسل عدة مرات إلى راجوزا كممثل تفرنكو وكان الذهب يدر إلى الخارج منذ 1339م، وكان الرصاص يشحن من البوسنة إلى البندقية وصقلية، ولا مفر من أن يكون الرصاص البوسني قد استغل كساء لأسطح كثير من الكنائس الإيطالية منذ عصر النهضة والقرون الوسطى، كما كان هناك أيضًا استخلاص لمعدن النحاس، بيد أن المصدر الأكبر للثروة كان معدن الفضة، كما أن سربرينيكا (ومعناها الفضة واسمها اللاتيني Argentaria) أصبحت أهم المدن التعدينية والتجارية في كل المنطقة الواقعة غرب صربيا، وعندما ظهرت لأول مرة في السجلات في 1376م، كانت قد أصبحت فعلا مركزا تجاريا ضخما يحوي مستعمرة راجوزية لها وزنها. واحتكر الراجوزيون تجارة الفضة في داخل البوسنة، وكانت جميع صادرات المعادن عن طريق الساحل تذهب عبر راجوزا على أية حال. وفي مقابل ذلك كان الراجوزيون يجلبون البضائع المصنعة مثل المنسوجات العالية الجودة إلى البوسنة؛ لأنه عند حلول عام 1422م كانت البوسنة وصربيا مجتمعتين تنتجان أكثر من خمس إنتاج أوروبا بأجمعها من الفضة، ولذا فقد كان هناك عدد كبير من البوسنيين الأثرياء القادرين على شراء مثل هذه السلع مقابل مقايضتها بالمعادن مثل الفضة([17]).
جميع تلك المعادن لفتت أنظار السلطان محمد الفاتح فما كان عليه إلا أن يقوم بضم البوسنة والهرسك لممتلكات الدولة العثمانية، وبذلك ضمن السلطان محمد الفاتح بوقوع بلاد الصرب والبوسنة والهرسك بين يديه خمس أنتاج أوروبا من معدن الفضة، لغنى تلك المناطق بالمعدن المذكور، مما أسهم في الاقتصاد العثماني.
أما الخطوة الأخرى التي قام بها السلطان محمد الفاتح، هي محاولة السيطرة على البحر الأسود لجعله بحيرة عثمانية، ولا مانع من الحصول على بعض الأراضي البيزنطية الغنية بالمناجم والمعادن وخاصة قسطومني وسينوب.
والراجح هنا أن السلطان محمد الفاتح واصل سيره برا نحو سينوب شمال الأناضول كما واصل محمود باشا سيره إليها بحرا، وكانت سينوب إذ ذاك تعتبر أغني مدينة على البحر الأسود لما لها من ميناء حسن ومناجم معدنية وافرة، وكانت إلى ذلك محكمة التحصين شديدة المنعة، يربض في قلاعها وأسوارها أكثر من 400 مدفع، وكان الفاتح يخشي أن تقع هذه المدينة القوية عسكريًّا واقتصاديًا في يد أوزون حسن ويتخذها المتحالفون قاعدة لأعمالهم الحربية ضده، فبعث بفرقة قوية من جيشه إلى أماسيا([18]) لتمنع ما قد يرسله هذا الأمير التركماني من مدد ونجدة إلى سينوب لاستردادها من يد العثمانيين([19]).
ومن الملاحظات حول مدينة سينوب وحالتها أن النحاس كان أعظم منتجاتها، ويستخرج بوفرة، حيث يباع في كل مكان في آسيا وأوروبا، ويأتي بعائدات جمة من الذهب والفضة للسكان المحليين، قبل أن يضمها العثمانيون([20]). والجدير بالذكر أن سينوب كانت مركزًا مهما لإنتاج معدن النحاس وكانت تحت تصرف السلطان العثماني مباشرة([21]). بعد ضمها للدولة العثمانية.
أثر الوضع الراهن الذي وضعت فيه الدولة العثمانية بفضل السلطان الفاتح بعد ضم سينوب على الوضع الاجتماعي للدولة بسبب إسهام معدن النحاس التي تنتجه ولاية سينوب في صناعات عديدة وتجارة الدولة ووضع الأشخاص المادي والاجتماعي داخل الدولة.
ولا نزاع في أن مناجم النحاس في قصطومني جديرة بالاهتمام؛ فقد شكلت عائداتها أكثر من 45% من مجمل عائدات الأقاليم الآسيوية وكانت المناطق الرئيسة التي تقدم مقدارًا كبيرا من العائدات للخزينة العامرة في غربي الأناضول، وهي منطقة تجارة أساسية مع أوروبا، ومنطقة تجارة البحر الأسود مع مرافئ مدن كافا، وطرابزون، وسمسون وأخيرًا بورصة مركز تجارة الحرير الإيراني([22]).
نتيجة لذلك فقد أسهمت مناجم النحاس بقسطومني في الاقتصاد العثماني كما في سينوب، إذ شغل هذا الوضع الأدارة العثمانية للحفاظ على مدخرات وعائدات للخزانة العامرة.
وفي هذا الصدد، كانت مناجم الذهب والفضة وكذلك مراكز عبور التجارة العالمية التي تنتج سيولة نقدية عن طريق الجمارك، من الأهداف الأولى للدولة العثمانية، وقد بدأت المساعي العثمانية المستمرة للسيطرة على مناجم الفضة والذهب الغنية في بلاد الصرب والبوسنة منذ عهد مراد الأول، وكانت هذه المناجم مهمة جدًّا لكل من المجر والمدن الإيطالية، ومن الأسباب الرئيسة للصراع بين الدولة العثمانية وتلك القوى. كما احتاج السلطان محمد الفاتح في إنشائه للدولة العثمانية سيولة نقدية من هذه المناجم، وركز مساعيه في السنوات الأولى من حكمه، منذ عام 1454م حتى عام 1464م، للسيطرة على هذه المناطق. وما إن وقعت في قبضته، حتى حاول زيادة مستويات الإنتاج في هذه المناجم بمساعدة رجال المال الصربيين واليونانيين([23]).
وبذلك فرضت الظروف التوسعية للدولة العثمانية، طريقة إخضاعها لولايات البلقان، خاصة المناطق كثيرة الموارد الطبيعية وخاصة مناطق المناجم لتدر على الدولة المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والنحاس، وغيرها من المعادن التي تساعد الدولة العثمانية اقتصاديًا، وتوفر لها الأموال الضخمة اللازمة لحروبها التوسعية في كافة الجهات والجبهات.
ثالثًا: الملتزمون والمناجم:
لم يترك العثمانيون طرق التجارة ومناطق المناجم الغنية بالمعادن الثمينة تضيع من بين أيديهم، ولكن سيطروا عليها، ولكنهم لم يدخلوا أي تغييرات على طرق إنتاج المناجم التي وقعت تحت سيطرتهم أو تقنياتها في صربيا والبوسنة([24]). وكان النظام السائد في تلك المناطق هو الذي اتبعه السكسون الألمان، وربما مستعمرون آخرون من المجر؛ حيث أحضر هؤلاء معهم تقنيات متطورة للمناجم، مما جعل إنتاجها يزداد ازديادًا ملموسًا مع نهاية القرن 15م، ليتحول إلى مصدر دخل هام لحكام البلقان، فمثلا، الفارس البورغندي، برترافون ده لا بروكيار، الذي سافر في أنحاء الصرب عام 1433م، قبل أن يسيطر العثمانيون على المناجم، قدر أن مناجم نوفوبردو أنتجت مدخولًا قيمته 200 ألف دوكا([25]) في السنة. وقُدِّر أيضًا الإنتاج السنوي لمناجم الفضة في الصرب والبوسنة، بما لا يقل عن 10 أطنان، في النصف الأول من القرن 15م. ومعظم هذه الفضة، ما عدا كميات ضئيلة جدًّا، وصلت برًّا إلى القسطنطينية، ثم صدّرت بحرًا من مرفأ دوبروفينيك، ومعظمها ذهبت إلى البندقية وبعضها إلى أماكن أخري في إيطاليا وصقلية([26]).
وفي الفترة الممتدة بين (1453 – 1465م) ظلت المناجم تنظم على المعايير السكسونية حتى دخل العثمانيون تلك المناطق، وأدخل نظام المقاطعة الخاص بهم في التنظيمات الإدارية لهذه المناجم، وقاموا بكل مسعىً لاستغلالها استغلالًا كاملًا لتأمين حاجتهم المتزايدة من المعادن الثمينة والحديد والرصاص وغيرها من المعادن المتداولة([27]).
وبعد اجتياح الدولة العثمانية للبلقان قامت بنزع المناجم المهمة ذات الدخل والإنتاج الكبير وإعطائها لملتزمين؛ وذلك لحرص الدولة على العائدات الضخمة من المناجم لمساعدتها في فتوحاتها الجديدة ولتجهيز جيوشها الجرارة.
كان الملتزمون([28]) يحصلون على حق إدارة المناجم بطريقة متزايدة، وكان الالتزام بين سنة واحدة أو ثلاث سنوات. وبعد انشغال الدولة في الحروب أكثر وأكثر عانت من ضائقة مالية واقتصادية حتى بدأت في بيع حق الالتزام في المناجم مدى الحياة لكن لا يمكن توريثها للأبناء.
والواضح هنا أن الدولة العثمانية بعد فتح بلاد البلقان وخاصة البوسنة، قامت بتلزيم هذه المناجم التي تخلى عنها ملوك البوسنة إلى ملتزمين من دوبروفنيك؛ شريطة أن يُسلَّم الذهب المستخرج إلى دور الضرب الضربخانة ([29]) العثمانية. وقد كانت مناجم البونسة في فوجنيكا وكراتشافو غنية بالفضة خاصة في أولوفو حيث استخراج الرصاص، أما في مقاطعة سربرنيتشا فقد استُخرجتْ الفضة والرصاص، وقامت مناجم الحديد في العديد من القرى من مقطاعة الهرسك وبافلوفيتشي، على الضفة اليمنى لنهر درينا وعلى نهر براكنا. وقد كانت غاغنيتشا أهم مركز لإنتاج الحديد. أما أكثر مناجم الفضة أهمية فكانت في مقاطعة سربرنيتشا التي قامت في مدينتها دار ضرب نشيطة، فأعادت على الدولة بإنتاج كبير وضخم من تلك المناطق([30]).
ولا نزاع في أن الدولة العثمانية قامت بالضغط دائما على الملتزمين للسيطرة على إنتاج المناجم من معادن ثمينة للإسهام مباشرة في الاقتصاد العثماني في ذلك الوقت.
مناطق المناجم الرئيسة والتزامها في البلقان العثماني (1468 – 1477م) (بآلاف الأقجات لمدة ثلاث سنوات) ([31])
وحدة الالتزام | الملتزمون | |
المناجم في مقاطعات فيلك ولاز (صربيا) مناجم كرايوفا وسيدراكابسي مناجم مستخدمة حديثا في إقليم الهرسك | 8.000 (عام 1468) 2,250 (عام 1471) 159 (عام 1477) | يأتي كونتاكوزينوس من نوفو بردو، بورغي ايفرانا من سريز، طومانين كونتاكوزينوس من سريز ونالولوغوس من إستانبول على بن عبدالله من كرايوفا ايفان بن كوبا، وبوك بن ملادين |
ملاحظة: كانت هناك مناجم أقل أهمية (ذهب، فضة، نحاس، رصاص، وحديد) في البوسنة، تريكا ومانليك في المدة نفسها. | ||
ويتضح من الجدول السابق، أن الدولة العثمانية اعتمدت على ملتزمين معظمهم من أهالي المناطق في بلاد الصرب والبوسنة والهرسك.
ونتيجة لإتباع الدولة العثمانية قانون الالتزام في المناجم، فقد قامت بكل جهد ممكن لزيادة إنتاج هذه المناجم من أجل تأمين الحاجات المتزايدة للمعادن الثمينة.
لذلك اعتمدت الحكومة على نظام الالتزام لتشغيلها. حيث كان عدد من المسلمين ملتزمين، وقام رجال المال اليونان من مقدونيا، وسريز، وإستانبول بإدارة التزام العديد من هذه المراكز، خلال القرنين 15م، 16م كانت معظم القوانين والتنظيمات العثمانية المتعلقة بإدارة هذه المناجم التي صدرت في النصف الثاني من القرن 15م، والتي تقدم معلومات تفصيلية حول أنشطة عمل هذه الأماكن وظروفها، ولم يغير العثمانيون تقنيات إنتاج هذه المناجم أو طرقها، فقد احترموا الكثير من القواعد والتنظيمات القائمة، كما فعلوا في العديد من المجالات الأخرى، وفي العديد من المناطق التي استولوا عليها. وكانت التنظيمات التي شرعت وصدرت بمجملها ترجمة لتنظيمات عهد ما قبل الدولة العثمانية، حيث حوفظ أيضا على التعابير السكسونية الأصلية([32]).
وقد صدر عن السلطان محمد الفاتح قانون لتنظيم المناجم في بلاد البلقان وفي الآتي مقتطفات من قانون نوفوبردو حول المناجم عام 1455م: أنا السلطان أرسلت اليازكجي([33]) إلى نوفوبردو والمناجم الخاصة بها لغرض الحظر وأمرتهم القيام بما يلي:
– يراقب اليازكجي المناجم وكل عمليات إنتاجها كما يستغل الأنفاق ويُبقي المعدات شغالة بشكل جيد. وسوف يفرض العمل على الذين لا يعملون، ويعاقب كل من يقاومه ويجب أن يعترف بسلطته كل العاملين، ويعاقب كل من يقاومه، ويجب أن يعترف بسلطته كل الذين يعملون في نوفوبردو والمناجم الخاصة بها.
– إذا تدخل شخص آخر، غير العامل ومن يعلمون لديه في قضايا المناجم والعمال، فسوف يعاقب من اليازكجي.
– يعطي اليازكجي أذونات إقامة لكل الذين يعملون في المناجم من أجل تأمين ازدهارها، ولا يسمح لأحد بالتدخل في أعمال اليازكجي([34]).
والواضح هنا أن اليازكجي كان مكلفًا بمراقبة المناجم والإشراف الكامل عليها بأمر مباشر من السلطان محمد الفاتح، والعمل الدائم على زيادة الإنتاج للإسهام في الاقتصاد العثماني.
وفضلًا عمّا تقدم، فبعض المناجم الصغيرة لم تلبث أن نضبت، وظهرت العديد من المناجم الجديدة كانت تفتتح، على الرغم من صعوبة تحديد أماكن هذه المناجم من خلال الوثائق الأرشيفية لسيدركابسي في مقدونيا أصبحت الأكثر إنتاجًا من بين مناجم البلقان مطلقًا خلال النصف الأول من القرن 16م، وكانت تستخدم ما لا يقل عن 6000 عامل منجم، كما لاحظ أحد المراقبين الأوروبيين وقدّر إنتاجها بحوالي ستة أطنان في العام الواحد خلال هذه المدّة، ومنطقة نوفوبردو كانت الثانية بإنتاج يقل عن نصف إنتاج سيدركابسي من الفضة العام لشبة جزيرة البلقان خلال النصف الأول من القرن 16م، وقدره سيماسيركوفيتش بحوالي 26 إلى 27 طنًّا في العام، وفي دراسة حديثة تعتمد على سجلات الالتزام وما يعود منها لمناجم الفضة في الصرب، شمال بلغاريا، ومقدونيا، إذ قدر رودز مورفي الإنتاج السنوي العام لمناجم الفضة في البلقان، بحوالي عام 1600م، بخمسين طنًّا، وبالمقابل فإن إنتاج الفضة في الصرب والبوسنة في عهد ما قبل العثمانيين كان حوالي 10 أطنان في السنة، في أوائل القرن 15م وتشير هذه التقديرات إلى أنه قد حدثت زيادة ملموسة في إنتاج الفضة، خلال القرنين 15م و 16م كما تظهر أن مسارات مناجم الفضة الأوروبية والعثمانية قد تباعدت بعده خلال القرن 16م فبينما بدأ إنتاج المناجم الأوروبية بالانخفاض، في النصف الأول من القرن 16م، إثر وصول الفضة الأمريكية، فلم يتأثر إنتاج المناجم العثمانية بذلك حتى أوائل القرن 17م([35]).
تشير الدلائل أنه كان للفضة الأمريكية (العالم الجديد) الأثر السلبي على الاقتصاد العثماني، مما أضر كثيرًا دخول الفضة للسوق العثمانية بشكل غير مباشر عن طريق التهريب. وعلى إثر ذلك أُغلقت العديد من المناجم العثمانية في البلقان، وخاصة مناجم الفضة.
كما كان منجم الفضة الهام الوحيد في الأناضول، قبل القرن 18م، قائمًا قرب غوموشان في شمالي شرقي الأناضول، وعلى الرغم من أن هذا الموقع كان يعمل منذ أيام البيزنطيين، إلا أنه لم يكن يعرف من أنشطته إلا القليل خلال القرنين 15م، 16م لقد استُوليَ عليه من قبل العثمانيين في عهد محمد الثاني، والأقجة التي صدرت هناك حملت اسم دار ضرب كنكا([36]).
والرسم البياني التالي يوضح إنتاج مناجم الفضة الأساسية في منطقة الرومللي العثماني حوالي عام 1600م([37]).
وعلى أية حال، فقد أدي نظام الالتزام إلى ظهور مجموعة من رجال المال الذين انخرطوا في معاملات مضاربة أثرت تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد العثماني بأكمله، كما أن مقاطعات الالتزام الضخمة، مثل منطقة جمارك إستانبول أو مناجم الفضة والذهب في بلاد الصرب، التي كانت قيمة كل واحدة منه تتراوح بين عشرة إلى عشرين مليون أقجة، تتطلب اتحادًا من رجال المال العثمانيين، أو اليونانيين، أو اليهود لإدارة الالتزام (المقاطعة الضريبية) والمناجم، فضلًا عن المواطنين الأثرياء الذين كانوا يستخدمون كفلاء، وقد استمر الإيطاليون رعايا عثمانيين و تجارًا أجانب في غلطة سراي، وانخرطوا أيضًا في المقاطعات (الالتزامات الكبيرة) هذه، ولجأت الحكومة إلى نظام الالتزام أو المقاطعة؛ لجباية بعض العائدات التي تتطلب أنظمة معقدة، ومن الصعب متابعتها وجبايتها، مثل الأملاك التي ليس لها وريث؛ وعندما كانت تتبع لمصالح خاصة فإن مثل هذه العائدات كانت تعطي أعلى درجة من الدخول([38]).
لذلك بحث الملتزمون دائما للحصول على التزام المناجم؛ لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الطائلة من الأموال، إذ قام العديد منهم بالاتحاد مع ملتزمين آخرين، للحصول على التزام الدولة للمناجم.
ونتيجة لذلك، سهّلت مرونة نظام الالتزام العثماني بحد ذاتها مهمة الملتزمين؛ إذ كان بإمكانهم تقسيم العمل على أساس بيع حصص الالتزام للملتزمين المحليين الصغار، حيث كانوا مسئولين أمام أنفسهم فقط عن إنتاج المناجم، وكانوا في وضع أفضل لجباية تلك العائدات، وفي أعلى هيكلية نظام الالتزام للمناجم كان هناك المصرفيون الأثرياء في العاصمة (إستانبول) ولقد لعب الصيارفة الأثرياء دور المصرفيين، وذلك بتأمين اعتمادات مالية للملتزمين والمسيطرين على المناجم، كما أصبحوا كفلاء لهم، فسمحوا لهم بذلك بالإبقاء بالتزامات عقودهم تجاه الخزينة العامرة للدولة العثمانية([39]).
ويتضح هنا أن كفالة الصيارفة الأغنياء وثقة الدولة العثمانية في معاملات الملتزمين المسيطرين على مناجم المعادن داخل الأراضي العثمانية فيما لا يزيد على ثلاث سنوات للالتزام في كثير من الأحيان.
رابعًا: تجارة المعادن (التداول، الحظر):
اعتمدت الدولة العثمانية على مناجمها في توفير المعادن اللازمة في كافة المجالات، خاصة المناجم التي سيطرت عليها الدولة في البلقان وطرابزون.
وكانت المدن الإيطالية مثل البندقية وجنوة وغيرهما، تسيطر على التجارة في البحر الأسود والبحر المتوسط (تجارة الشرق) طوال القرنين 13م، 14م، وخاصة تجارة المعادن، حيث قامت المدن الإيطالية بالتجارة مع دولة المماليك في مصر وشمال إفريقيا ومنها إلى أوروبا خاصة في معدن الذهب، وظل هذا الوضع حتى ظهور البرتغاليين قوةً استعمارية بعد حركة الكشوف الجغرافية؛ لأنها قد سيطرت على مناطق إنتاج الذهب في شمال إفريقياوغربها([40]).
وسيطرت المدن الإيطالية أيضًا على الذهب الوارد عن طريق بلاد السودان الغربي المتجه نحو شمال إفريقيا، ولم يكن توفر الفضة أحسن حالًا من الذهب، حيث كانت المدن الإيطالية بحاجة مستمرة لمعدن الفضة في إصدار عملاتها الفضية، فضلًا عن النزاع العثماني مع تلك المدن التجارية في تلك المدّة التي قُضي فيها على المصالح الاقتصادية للمدن الإيطالية في الشرق، وهي أكثر شريك تجاري للمماليك([41]). أما فيما يتعلق بمصادر النحاس فهي مصادر الفضة نفسها باعتمادها على التجارة الخارجية أيضا لسك العملة([42]).
ويتضح هنا أن الدولة العثمانية أرادت منذ اللحظة الأولى السيطرة على تجارة البحر المتوسط، والقضاء على سيطرة المدن الإيطالية على تجارة الشرق.
وقد قام البنادقة بالتجارة مع دولة المماليك بسبب وجود معدن الذهب بوفرة في مناجم مصر بالصحراء بين أسوان وعيذاب، وأكبر مدن إنتاجه العلاقي([43])، فضلًا عن استغلال المماليك لصحراء سيناء ومناجم بلاد النوبة في الحصول على معدن النحاس والفضة، حيث المناجم الغنية ذات الإنتاج الكثيف، كما اشتهرت سيناء بإنتاج معدن الفضة، كما كان النحاس من ضمن الإنتاج المعدني لمناجم بلاد النوبة التي أنتجت كميات معقولة منه، حيث قامت دولة المماليك بالتجارة في تلك المعادن مع المدن الإيطالية في تلك المدة([44]).
ويتضح هنا أنه في مقابل حصول تلك المدن على المعادن من مصر، كانت تصدِّر إلى مصر الأخشاب والحديد لصناعة السفن، وتحصل هي على الحديد الرصاص والنحاس ومعدن الذهب والفضة، ويزيد على ذلك، قيام برشلونة بتبادل الحديد وصفائح الرصاص والنحاس والزئبق والكبريت مع دولة المماليك([45]).
وفي الصدد نفسه كانت البندقية قد اتجهت بتجارتها نحو البحر الأسود بغية توجيه تجارتها إلى الأماكن التي يجري فيها استخدام الذهب، واستطاعت أن تجد الفرصة للاستفادة من مناجم الذهب الغني في منطق القرم. أما مناجم الذهب التي كانت تأتي في المرتبة الثانية في العالم القديم وتغذّي أوروبا بذلك المعدن فتوجد في بلاد السودان، وذلك عن طريق البحر المتوسط([46]).
وسيطر البنادقة أيضًا على مناطق المناجم وتجارتها في الأفلاق والبغدان قبل سيطرة الدولة عليها([47]). وكانت أوروبا تفضل في معاملتها وتجارتها معدن الفضة، لكن تجار الشرق الأوسط كانوا يفضلون الذهب، أما الصين وجنوب شرق آسيا فكانت تفضل معدن النحاس، وكان يُتَّفَق على أسعار الصرف مع مراعاة الفارق في تداول المعادن المختلفة([48]).
وقد ضعت الدولة العثمانية نصب أعينها قدرتها الحربية للسيطرة على طرق التجارة البرية والبحرية؛ نتيجة لتلك الهيمنة التجارية للمدن الإيطالية على تجارة الشرق والغرب.
وزاد في الأزمة بين الدولة العثمانية وتجارة الغرب الأوروبي وحيثياتها حاجة الدولة لبعض السلع الواردة من أوروبا، التي لا يمكنها إنتاجها أو الحصول عليها بوسائلها الخاصة، فالدولة العثمانية غير قادرة على إنتاج كل ما هو ضروري لها([49]). وقد مارس الغرب الأوروبي الضغط على الاقتصاد العثماني بأن قام البابا والكنسية بحظر تجار المعادن، بل حظر التجارة مع المسلمين وحظر تجارة السلاح وصناعة السفن التي ترتبط بتجارة المعادن([50]).
ولا سبيل للجدل أن قامت الدولة العثمانية بالحظر نفسه من جهتها ردًّا منها على البابا والكنيسة في حظر التجارة مع المسلمين والدولة العثمانية.
وتشير الدلائل إلى أن الأسلحة النارية كانت من السلع التي دخلت إلى الأناضول بعد عهد السلطان بايزيد الأول، لكنها كانت متوفرة بكثرة في عهد السلطانين مراد الثاني ومحمد الثاني، وقد عمل الجنويون بتجارة السلاح في شرق البحر المتوسط وليس بالضرورة مع العثمانيين، ومن الواضح أن المصادر والوثائق الجنوية لم تذكر ولو بالإشارة أي شكل من أشكال التجارة بالأسلحة مع الدولة العثمانية في تلك المدة، حيث إن الوثائق في غالب الأحيان لا تذكر بلد المنشأ أو مصدر هذه الأسلحة والمعادن([51]).
لذلك كانت تجارة الأسلحة للمدن الإيطالية وبلاد الشرق الاسلامي غير معترف بها على الصعيد السياسي، لكن قام التجار بالتخفي للحفاظ على تلك التجارة ذات الأموال الطائلة.
وكانت المعادن من المواد التي يتعامل بها التجار الغربيون في تجارتهم مع الدول الإسلامية بسبب حث البابا المتواصل للقوى المسيحية في أوروبا بعدم تصدير المواد الغذائية و العسكرية (الأسلحة – السفن..) ومن ضمنها المعادن، ويدل ذلك على أن بعض التجار كان يتاجر بهذه المواد رغم المرسوم البابوي الذي يحرم على المسيحيين التجارة مع المسلمين بهذه المواد التي يفترض أنها كانت تجارة مربحة للتجار الأوروبيين([52]).
ويأتي هنا الرد من التجار الأوروبيين، حيث كانت أزمير([53]) قد استأثرت بدور أكبر في التجارة المحظورة؛ إذ درج المهربون على الإلقاء ببضائعهم على أرخبيل بحر أيجة، وعلى الخلجان الصغيرة المتعددة، وأشباه الجزر المنبثقة من الشاطئ الأناضولي و في المقابل، درج العديد من سكان هذه البلدات الصغيرة على ممارسة التجارة المحظورة، ولاسيما من تلك المعنية بالحبوب الغذائية والمعادن([54]). واستمر هذا الوضع حتى سيطرت الدولة العثمانية على البحر الأسود والبحر المتوسط، حيث استمر الخضوع لسلطة الباب العالي معظم القرنين 16م، 17م.
والراجح هنا أن الدولة العثمانية ستتبع إجراءات صارمة ضد الحظر الذي مارسه البابا وأوروبا ضد تجارتها، خاصة في تجارة الأسلحة والمعادن وهذا ما سيوضّح في الآتي.
خامسًا: إجراءات الدولة العثمانية لتوفير المعادن:
كان الرد العثماني جاهزًا على حظر التجارة في المعادن مع الدول الإسلامية، ونتيجة للتطورات الاقتصادية التي وقعت في أوروبا في نهاية القرون الوسطى ظهر عدم قدرة النقد الموجود على مواجهة الحاجة المتباينة في التبادل التجاري، وعدم كفاية المعادن الثمينة، وانعكس ذلك على منطقة الأناضول قبل قدوم العثمانيين، فاقتضى الأمر اتخاذ بعض التدابير، مثل حظر تصدير تلك المعادن، وإنقاص عياراتها، فلما استمر هذا الوضع في عهد العثمانيين أيضًا وضعت الدولة بعض الشروط – وخاصة لاستخدام هذين المعدنين (الذهب – الفضة) في غير ضرب العملة، ومنها أنه لم يكن من المسموح به في عهد السلطان محمد الفاتح بيع الذهب ما لم يكن هناك إذن من عامل الضربخانة، وكان يسمح بتنقية الفضة في معامل التكرير الموجودة داخل المناجم فقط([55]).
وقد سعى النظام العثماني في تنظيمه لاقتصاد الدولة العثمانية وتجارتها (الاقتصاد العالمي) بشكل أساسي إلى تجميع ما أمكن من المعادن الثمينة في الخزانة العامرة للدولة، لغاية هي ” السعي إلى زيادة العائدات العامة في كل الأوقات لغايات تتجاوز الأهداف الاقتصادية “؛ وكان ذلك في الواقع مبدأ أساسيًّا في الدولة العثمانية([56]).
وقد أثّر ذلك على الوضع الاجتماعي داخل الدولة العثمانية، خاصة بعد ضبط التداول والتبادل التجاري للمعادن، لهذا وضع في عين الاعتبار السيطرة العثمانية على المناجم الغنية بالمعادن الثمينة لضبط الاقتصاد العالمي لصالح العثمانيين في تلك المدة.
وأخذت الدولة العثمانية معايير جديدة في توفير المعادن، فقد تاجر العثمانيون في المعادن بالاتجاهات المتعاكسة مستغلين الفرق بين الأسعار حيث قاموا بعمليات شراء المعادن الثمينة من الجهات التي هبطت فيها أثمانها وبيعها، في الوقت نفسه تقريبا، للجهات التي ارتفع السعر فيها، وذلك لتجميع الذهب والفضة من الأقاليم المختلفة([57]).
ومن الواضح أن التجار قد أسهموا بشكل ممنهج في شراء تلك المعادن من جميع جهات العالم التي هبط السعر بها، إذ أحكموا السيطرة على تلك التجارة فكان ذلك لصالح الاقتصاد العثماني، مما أثر على الوضع الاجتماعي للسكان في الأراضي العثمانية بتحسين أوضاعهم المعيشية.
ومن ضمن الحلول المطروحة أيضًا استيراد الدولة العثمانية للفضة من التجار الأوروبيين في شكل سبائك من إستانبول إلى البحر الأسود، محافظين بذلك على قيمة المعدن ووضعه في الخزانة العامرة([58]).وقد ترتب على ذلك، بأن قام العثمانيون بربط تجارتهم بالتبادل والمقايضة، وهي تجارة الشرق، حيث أبدي التجار العثمانيون استعدادهم لمقايضة الحرير الإيراني الذي يمر بالأراضي العثمانية وهي متحكمة فيه وتجارته بسبائك الفضة([59]).
وقد ربط العثمانيون تجارة الحرير الإيراني بتجارة المعادن، حيث حافظوا بذلك على حاصلات الربح في السوق العثمانية والعالمية، وحصد أكبر قدر من سبائك المعادن، ولم يخرجوها من السوق العثمانية.
وعلى أية حال، فقد عمد العثمانيين إلى تخفيض الرسوم الجمركية على تجارة سبائك الفضة المستورة داخل أراضيها بغية تشجيع استيرادها فتستفيد منها الدولة العثمانية، مع حظر تصديرها للخارج([60]).
وقامت الدولة باكتشاف مناجم جديدة للفضة في تركستان وفتحها، واستئناف عمل مناجم الفضة داخل منطقة شرق الأناضول؛ مما ساعد الدولة على إصدار النقود الفضية ذات النوع الجيد([61]). وقام التجار الأوروبيون بالتجارة مع الأرمن، حيث قاموا بالتجارة في الأقمشة القطنية والصوف مقابل الفضة الأوروبية([62]).
وعينت الدولة العثمانية في عهد السلطان محمد الفاتح مفتشي الفضة (يازكجي) وخولتهم صلاحيات واسعة في تفتيش ممتلكات التجار والصيارفة والتجار الأجانب، حيث راقبوا غرف النزل ومصادرة أية كمية من الفضة وجدت بطريقة غير شرعية، والفضة التي كانوا يصادرونها كانت الدولة تدفع ثمنها بالسعر الرسمي، والذي كان يوازي ثلثي سعر السوق، وتصدير المعادن كما تم ذكره من قبل كان محظورا. ووضعت الدولة أيضا حدًّا لتصدير إنتاج المناجم من الفضة، وصحب ذلك تشجيع استيراد السبائك سواء الفضة أو الذهب([63]).
والواضح هنا أن الحكومة العثمانية قامت بوضع إجراءات صارمة لحظر بيع السبائك المعدنية وتداولها في السوق السوداء، أو خروج تلك السبائك خارج الأراضي العثمانية.
واستمر الوضع العثماني حتى وصل إلى استغلال الذهب الذي يجلب من مصر المحروسة وأفريقيا خاصة السودان([64]) وامتد هذا الوضع حتى وسط إفريقيا والشرق الأقصى([65]).
وعند الحديث عن المعادن الأخرى، فقد كان الحديد والسلع الحديدية من أهم المواد التي كان الجنويون يتاجرون بها، ويبدو أن التجار الغربيين لم يكترثوا للخطر الذي دعا البابا إلى التقيد به، إلى حد أن البابا غريغوريوس التاسع اضطر عام 1373م إلى توعد المخالفين الذين يصدّرون الحديد إلى العثمانيين بطردهم من الكنسية، ومن الملاحظ أن البابا كان قد سمح للاسبتارية باستيراد مواد غذائية من العثمانيين شريطة أن يمتنعوا عن تصدير أسلحة حربية بما في ذلك معدن الحديد، وتشير الدلائل إلى أن الكنيسة تعد تجارة السلاح بما في ذلك المعادن، أمرًا خطيرًا ومحظورًا مع المسلمين([66]).
وبغض النظر عن الحظر، فقد كان الحديد يباع في كافة أرجاء شرقي المتوسط وأرمينيا الصغرى، وكريت وإستانبول وأنطاليا وبورصة([67]) وكانت البندقية تصدِّر معدن الحديد والرصاص والنحاس وغيرها من المنتجات عبر طريق السويس([68]).
ومن المعادن الأخرى – غير الحديد – التي كانت ترِد إلى شرقي المتوسط الرصاص الذي كان يجلب من دوبرفينك إلى سوريا عن طريق الإسكندرية، كما كان يباع في الإسكندرية وبيرا وإستانبول إلى كريت عن طريق إستانبول، وقدر في المصادر أيضًا أنه كان يباع في الأناضول عن طريق التجار الجنويين في نهاية القرن 14م وبداية القرن 15م([69]).
وتتضمن المصادر أيضًا وجود بعض المعادن الأخرى مثل القصدير الذي كان التجار الجنويون يأتون به إلى الإسكندرية والأسواق الشامية، وقد وجد أن القصدير كان متوافرًا في أسواق الإسكندرية وبيروت ودمشق وكريت وأرمينيا الصغيرة وإستانبول. وثمة أدلة على أن القصدير المباع كان يصدَّر من مناطق متعددة؛ لأن الجنويين كانوا يتاجرون به في البحر المتوسط وغيره([70])، وقام العثمانيون بتجارة معدن القصدير الإنجليزي عند توافره بسبب جودته العالية([71]).
يضاف إلى ذلك أن معدن النحاس كان يأتي به البنادقة ويباع في الإسكندرية. أما عن استخراج النحاس فكان يُستخرج من قصطموني وسينوب، أي من شمال شرق الأناضول، ويتميز نحاس شرق الأناضول بنوعيته الجيدة وجودته العالية، ويوصف بأنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث الجودة بعد النحاس الإيبيري (نسبة إلى إيبيريا) في بلاد الأندلس، والجدير بالذكر هنا، أن مناجم النحاس ومواده السالفة الذكر كانت محل نزاع بين الإمارات التركمانية والدولة العثمانية في أثناء توسعها في الأناضول على حساب جيرانها، واستولى عليها العثمانيون بالفعل عام 1391م في عهد السلطان بايزيد الأول (1389 – 1402م)، ويضاف إلى ذلك أيضًا أن عائدات مناجم النحاس في الأناضول تعود إلى السلطان وعائلته مباشرة، وتشير الدلائل إلى أن أعداء الدولة استغلوا الصراع القائم على كرسي السلطنة بين أبناء السلطان بايزيد الأول في الفترة (1403 – 1413م) إلى أن استقر إلى السلطان محمد الأول (1402 – 1421)، حيث فرض سيطرة الدول العثمانية مرة أخرى على مناجم النحاس في الأناضول([72]).
والواضح هنا أن الدولة العثمانية كانت تقوم بالتجارة في معدن النحاس مع أوروبا عن طريق بيعه للجنويين والبنادقة، وعلى الرغم من تجارتهم في معدن النحاس لكنه لم يُشَر إلى بلد المنشأ، وثمة أدلة على أن النحاس كان يباع بكثرة في إستانبول ومن ثَم يُصَدَّر إلى كريت والبندقية وسرقسطة ودمشق وبيروت والإسكندرية، وأغلب الظن أن معظم النحاس المباع في أسواق إستانبول كان من مناجم البلقان والمناطق المتاخمة للبحر الأسود، خاصة في قسطومني وسينوب. وكانت تجارة المعادن في ذلك الوقت محدودة بسبب ارتباطها بتجار الأسلحة، فكانت بذلك في عداد السلع المستوردة أو المطلوبة في الصناعات المختلفة([73]).
لذلك اجتهد العثمانيون اجتهادًا كبيرًا للسيطرة على تجارة المعادن بأنواعها المختلفة، وغالبًا ما قام العثمانيون بإغراق السوق العثمانية بالمعادن لتغطية احتياجات السوق، ثم القيام بالتجارة مع كافة البلدان.
سادسًا: صَهْر النقود الأجنبية والأواني:
لوحظ أن الدولة العثمانية قد قامت بإحداث زيادة ملموسة في إنتاجها من معدن الفضة في القرنين 15م، 16م، كما تظهر مسارات مناجم الفضة الأوروبية والعثمانية التي تباعدت بحدة في القرن 16م، فبينما بدأ إنتاج المناجم الأوروبية بالانخفاض في النصف الأول من القرن 16م، إثر وصول الفضة الأمريكية، فلم يتأثر إنتاج المناجم العثمانية بذلك حتى أوائل القرن 17م([74]).
وتشير الدلائل أنه لعدم كفاية المعادن داخل الدولة قامت بحظر تصديرها، ولكن ما لبثت أن زادت الفجوة، خاصة بعد اكتشاف العالم الجديد وتدفق الفضة على أوروبا التي كان يحضرها الأسبان من المكسيك وبيرو([75]) . وقد سُرِّبتْ الفضة داخل الأراضي العثمانية مما أضر بالاقتصاديات الأوروبية الموجودة في ذلك الوقت، وأخذت البلدان العثمانية هي الأخرى نصيبها من تلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، بسبب التضخم في العملة، فلما كثرت كميات الفضة وتغيرت فيها معدلات الذهب والفضة انسحب الذهب من التداول؛ وبسبب المعوقات في عملية انتقال الذهب فيما بين العاصمة والولايات بدأت التجارة تجري بحساب العملة الفضية (الأقجة) بدلًا من الذهب؛ ونتيجة لذلك ارتفعت تكلفة استخراج الفضة من المناجم في منطقة البلقان لصعوبة التنافس مع الفضة الأمريكية، لذلك جري إغلاق تلك المناجم([76]).
ونتيجة لذلك قامت الدولة بإنقاص عيار النقد لديها إنقاصًا مستمرًا لتغطية نفقات الحروب([77])، ولذلك زاد الضغط على الاقتصاد العثماني، حيث أُغرقتْ السوق العثمانية بالفضة الرخيصة الآتية من العالم الجديد.
وقد رضخت الدولة العثمانية، بسبب الضغوط على الاقتصاد والسوق العثمانية، إلى مبادلة الفضة بالقطن([78])، ووجدت الدولة العثمانية أيضًا طرقًا عديدة لحل الأزمات الاقتصادية لديها، فمنها اضطرار بعض السلاطين لتحويل الأواني الذهبية والفضية إلى نقد متداول([79]).
والراجح هنا أن موضوع تجارة المعادن والمناجم، التي كانت تصدر وتستورد في آن واحد، وتدخل في التداول، فبالرغم من حظر تجارة المعادن إلا أن تلك التجارة كانت موجودة بالفعل، ومع ذلك فإن قلة الوثائق والمعلومات عن تفاصيل تلك التجارة تؤثر في كثير من المعطيات لأن تجارة المعادن محدودة جدا([80]).
نتائج البحث
الهوامش:
([1]) كريتوفولوس: تاريخ السلطان محمد الفاتح، ترجمة: حاتم الطحاوي: دار عين، ط1، القاهرة، 2015م، ص55-58؛ نيقولو بربارو: الفتح الإسلامي للقسطنطينيين “يوميات الحصار العثماني “، ترجمة: حاتم الطحاوي، دار عين، ط1، القاهرة، 2002م، ص117 – 120.
([2]) محمد سالم الرشيدي: السلطان محمد الفاتح 1453م، دار البشير، ط2، القاهرة، 2013م، ص159.
[3])) أدرنة Adrianaple: مدينة بيزنطية في إقليم تراقيا Trace، واستولى عليها السلطان مراد الأول عام 1377م وظلت عاصمة الدولة العثمانية حتى سقوط القسطنطينية عام 1453م حيث تم نقل العاصمة لها. انظر: نيقولو باربارو: المرجع السابق، ص 84.
([4]) محمد سالم الرشيدي: المرجع السابق، ص160-161.
[5])) الطونه: هي ولاية عثمانية تقع على نهر الدانوب ويحدها شمالًا الأفلاق وجنوبًا بلاد البلغار. انظر: محمد فريد بك: الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، ط1، بيروت،1981م، ص 116.
([6]) محمد سالم الرشيدي: المرجع السابق، ص 162 – 164.
([9]) محمد سالم الرشيدي: المرجع السابق، ص169-171
([10]) طرابزون: Trabizoun: هي ولاية عثمانية تبعد عن البحر الأسود 100كم، وهي مركز تجاري مهم للدولة وفتحها العثمانيون عام 1460م. انظر: موستراس: المعجم الجغرافي للإمبراطورية العثمانية، ترجمة: عصام محمد الشحادات، دار ابن حزم، ط1، بيروت، 2002م، ص345.
[11])) قصطومني: هي مدينة تقع شمال تركيا الحالية. أنظر: محمد فريد: المرجع السابق، ص، 139.
[12])) سينوب: مدينة حصينة في شمال الأناضول على البحر الأسود بها ميناء متسع اتخذته الدولة العلية ملجأ لسفنها الحربية، وشهدت المدينة حادثة ترجع إلى ما ارتكبته روسيا فيها وهي واقعة تدمير الأسطول العثماني سنة 1853م قبل إعلان الحرب على الدولة العثمانية المعروفة بحرب القرم. انظر: محمد فريد: المرجع السابق، ص 160.
([13]) حسين خوجة: بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، تحقيق: محمد أسامة زيد، دار ابن رجب، ط1، القاهرة، 2014م، ج1، ص429 – 431.
([14]) محمد سالم الرشيدي: المرجع السابق، ص 161؛ عبد المنعم الهاشمي: سيرة السلطان محمد الفاتح، دار القمة، الإسكندرية، (د.ت)، ص92.
([15]) محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين “من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة”، دار النفائس، ط3، بيروت، 2013م، ص115-116.
([16]) كريتوفولوس: المصدر السابق، ص125-126.
([17]) نويل مالكوم: البوسنة، ترجمة: عبد العزيز توفيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة، 1997م، ص 56 – 57.
[18])) أماسيا: Amassia: مدينه تقع جنوب شرق أزمير، وهي مركز ولاية سيواس. انظر: مستراس: المرجع السابق، ص 104.
([19]) محمد سالم الرشيدي: المرجع السابق، ص223.
([20]) كريتوفولوس: المصدر السابق، ص 192.
([21]) حاجي خليفة: فذلكة أقوال الاخيار في علم التاريخ والاخبار. “تاريخ ملوك آل عثمان “، تحقيق: سيد محمد السيد، (د.ت)، ص 201.
([22]) خليل إينالجك: التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية، ترجمة: عبد اللطيف الحكرس، دار المار الإسلامي، ط1، بيروت، 2007م، ج1، ص112.
[25])) الدوكات Ducat: هي في الأصل عملة ذهبية نمساوية، إذ قام السلطان محمد الفاتح بإصدار أول عملة ذهبية بتقليد الدوكات النمساوية التي تسمى (مجر آلتوني). انظر: هاملتون جب، هارولد بوون: المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة: أحمد إيبش، هيئة أبو ظبي للسياحة، إصدارات، ط1، الامارات العربية المتحدة،2012م،ج2،ص81.
([26]) شوكت باموك: التاريخ المالي للدولة العثمانية، ترجمة: عبد اللطيف الحارث، دار المدار الإسلامي، ط1، بيروت، 2005م، ص66.
([27]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ج1، ص116.
[28])) الالتزام: نظام لجمع الضرائب كان معمولًا به في الدولة العثمانية، يلتزم بموجبه أحد الوجهاء والأمراء أو من في حكمهم بجمع الضرائب من الأهلية، وإرسالها إلى العاصمة إستانبول، وهو يحصل على مساعدة الحكومة في تحصيلها بكل الوسائل أضعاف مضاعفة. انظر: ألبرت حوراني وآخرون: الشرق الأوسط الحديث (1789 -1918)، ترجمة: أسعد صقر، دار طلاس، ط1، دمشق، 1996م، ج1، ص 122؛ أيمن أحمد محمود: الجزية في مصر (1713 – 1856)، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2009م، ص 41 – 43؛خالد زيادة: الصورة التقليدية للمجتمع المديني “قراءة منهجية في سجلات محكمة طرابلس الشرعية “، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2008م، ص 70-71.
([29]) الضربخانة: هي مبنى سك العملة في الدولة العثمانية، وهي تنقسم إلى شقين: الأول: ضرب وهي عن العربية، والثاني خانة وهي عن الفارسية بمعنى دار. فتصبح الكلمة دار ضرب النقد. وقد انتشرت دور ضرب العملة في كثير من مدن الدولة العثمانية، ونظام الالتزام في إدارة الضربخانات في كافة أنحاء الدولة. انظر: شوكت باموك: المرجع السابق ص، 80-82؛ شمس الدين سامي: قاموس تركي، إستانبول، 1317هـ، ص 853.
([30]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ج1، ص117.
([31]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ج1، ص117.
([32]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص83 – 84.
[33])) اليازكجي: هو مبعوث السلطان لمراقبة المناجم والأشراف على انتاج المعادن.
([34]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص419.
([36])شوكت باموك: المرجع السابق، ص 85.
([37]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ج1، ص118.
([39]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ج1، ص 125.
([40]) مصطفي غازي مصطفي: التاريخ الاقتصادي للدولة المملوكية (1250 – 1577م) رسالة دكتوراه -غير منشورة، جامعة اليرموك – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، الأردن، 2016م، ص234.
([43]) طعمة ملحثومي: الحياة الاقتصادية في مصر في فترة حكم أسرة السلطان قلاوون المملوكي (1279 – 1372)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت – كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الأردن، 2016 م، ص 161.
([44]) مصطفي غازي مصطفي: المرجع السابق، ص237.
([45]) طعمة ملحثومي: المرجع السابق، ص 164 – 165.
([46]) أكمل الدين إحسان أوغلي: الدولة العثمانية “تاريخ وحضارة “، ترجمة: صالح سعداوي، مكتبة الشروق الدولية، ط1، القاهرة، 2011م، ج1، ص661.
([47]) كات فليت: التجارة بني أوروبا والبلدان الإسلامية في ظل الدولة ال عثمانية، ترجمة: ايمن الارمنازي، مكتبة العيبكان، ط1، الرياض، 2004م، ص232.
([48]) جانت أبو لغد: ما قبل الهزيمة الأوروبية “النظام العالمي بين 1250 – 1350 “، ترجمة: محمد زياد، منشورات جامعة الملك سعود، ط1، 2011م، ص6.
([49]) إدريس الناصر: العلاقات العثمانية – الأوروبية في القرن السادس عشر، دار الهادي، ط1، بيروت، 2007م، ص250.
([50]) كات فليت: المرجع السابق، ص 229؛ إدريس الناصر: المرجع السابق، ص 250
([51]) كات فليت: المرجع السابق، ص 229 – 230.
[53])) أزمير: هي مدينة قديمة يونانية، وتقع على بحر مرمرة، وهي حاليًّا تابعة لتركيا، ويكتبها الأتراك (Izmit). انظر: رجب يشاربويا: المسلمون في يوغسلافيا (والألبانيون (الارناؤوط) والإسلام)، دار السلام للطباعة والنشر، ط1، القاهرة، 2003م، ج1، ص،30.
([54]) أدهم الدم: المدينة العثمانية بين الشرق والغرب “حلب – أزمير – اسطنبول “، ترجمة: رلي ذبيان، مكتبة العبيكان، ط1، الرياض، 2004م، ص260.
([55]) أكمل الدين إحسان أوغلي: المرجع السابق، ج1، ص661؛
([56]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ص 97، ج1
([57]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص 57-58
([58]) ثريا فاروقي: الدولة العثمانية والعالم المحيط بها، ترجمة: حاتم الطحاوي، دار المدار الإسلامي، ط1، بيروت، 2008م، ص55؛ شوكت باموك: المرجع السابق، ص 60.
([59]) أدهم الدم: المرجع السابق، ص 95.
([60]) المرجع والصفحة نفسيهما.
([61]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص ص63.
([62]) أدهم الدم: المرجع السابق، ص 110
([63]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص 97-98
([64]) جنان خضير منصور: أحوال الدولة العثمانية (1451 – 1750م) من خلال العقود (دارسة تاريخية)، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية الآداب، الأردن، 2015م، ص163.
([65]) أندريه ريمون: الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر، ترجمة: ناصر إبراهيم، باتسي جمال الدين، المشروع القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2005م، ج1، ص98.
([66]) كات فيلت: المرجع السابق، ص 230
([68]) هاملتون جب، هارولد بوون: المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة: أحمد عبد الرحيم مصطفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة، 2014م، ج1، ص432.
([69]) كات فيلت: المرجع السابق، ص231
([70]) كات فيلت: المرجع السابق، ص 231
([71]) ثريا فاروقي: المرجع السابق، ص 55.
([72]) كانت فليت: المرجع السابق، ص 232-234.
([74]) شوكت باموك: المرجع السابق، ص 85.
([75]) ثريا فاروقي: المرجع السابق، ص 117.
([76]) أكمل الدين إحسان أوغلي: المرجع السابق، ج،1ص 662.
([78]) ثريا فاروقي: المرجع السابق، ص 117
([79]) خليل ساحلي أوغلي: من تاريخ الأقطار العربية في العهد العثماني، إرسيكا للنشر، ط1، إستانبول، 2000م، ص113.
([80]) كات فليت: المرجع السابق، ص 241.
المصادر والمراجع
أولا: المصادر:
ثانيا: المراجع العربية والمعربة:
ثالثا: الرسائل العلمية: