د. جمال محمد ناصر الحسني
د. جمال محمد ناصر الحسني([1])
ملخص البحث:
يدرس هذا البحث منطقة دثينة القديمة، إحدى المناطق التي ذكرتها النقوش بصيغة (د ت ن ت)، منذ بداية القرن السابع قبل الميلاد. ويعود آخر ذكر لها تقريباً بين القرنين الخامس والسادس الميلادي، وهي تقع في مديرية مودية بمحافظة أبين، ولا يزال الناس إلى اليوم، يطلقون عليها الاسمين معاً (دثينة ومودية). ومساحتها اليوم أقل مما كانت عليه في فترة قبل الإسلام، وفي العصر الإسلامي، ارتبطت دثينة القديمة بأحداث تاريخية مهمة، فقد كانت إحدى المناطق المهمة التابعة لمملكة أوسان، وبعد القضاء على أوسان، خضعت لسيطرة مملكة قتبان، أشارت نقوش دثينة إلى أسماء بعض المناصب الإدارية والعسكرية، التي تعمل على إدارة مناطقها. وعبدت دثينة آلهة وثنية متعددة. كما عرفت ديانة التوحيد.
الكلمات المفتاحية: دثينة، النقوش، أوسان، قتبان، مضحي.
Dathina in its Ancient History through Inscriptions
Abstract:
This research studies the ancient area of Dathina, one of the areas mentioned in the inscriptions as (DTNT), since the beginning of the seventh century BC, and the last mention of it was almost between the fifth and the sixth centuries AD, it is located in the district of Mudiya in the governorate of Abyan. People still call it by the two names together (Dathina and Mudiya). Its extent today is smaller than what it was during the pre-Islamic period, and in the Islamic era as well. Ancient Dathina was associated with important historical events, it was one of the important regions of the kingdom of Awsan, and after the elimination of Awsan, it was under the rule of the kingdom of Qatabān. Dathina inscriptions referred also to the names of some administrative and military positions that managed their areas. Dathina passed through the cult of various pagan gods. As well as the monotheistic religion.
Keywords: Dathina, Inscriptions, Awsan, Qatabān, Mḍḥy.
المقدمة:
دونت نقوش ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، أسماء العديد من المناطق والمدن، إذ حرص أصحابها على توثيق أعمالهم المختلفة، وذكر أسماء مناطقهم، والأحداث المختلفة التي شهدتها، وغيرها من المناطق الأخرى. ومن خلال تتبع النقوش يمكن التعرف على مناطقها وتاريخها، ومدى أهميتها ومكانتها، وأيضاً على موقعها الجغرافي والمدن التابعة لها.
وتُعد دثينة من أسماء المناطق، التي ذكرتها النقوش منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد. وبالرغم من قلة النقوش التي ذكرتها، إلا أنها بينت أن دثينة القديمة، احتلت مكانة مهمة، وارتبطت بأحداث تاريخية مهمة في المنطقة خلال تلك الفترة. وتتضح أهمية دثينة كونها كإحدى أهم المناطق، التي حافظت على مكانتها حتى في العصر الإسلامي، وكذا العصر المعاصر.
وتهدف الدراسة إلى تحديد النقوش التي ذكرت دثينة، أو التي جاءت من أراضيها، والتعرف على أهم الأحداث التي شهدتها، وكذا على الإطار الجغرافي القديم، والمناطق التابعة لمنطقة دثينة، وعلى الديانة والآلهة التي عبدتها. وقد اتبعت الدراسة المنهج التاريخي، والتحليلي للأحداث التي وردت في النقوش، كما اقتضت الدراسة استخدام المنهج الوصفي إلى جانب المنهج المقارن. وبحسب المعلومات المتوفرة من خلال النقوش، سوف نتناول منطقة دثينة من حيث الآتي:
1- تسمية دثينة:
دثينة اسم موضع، أرض ([2]) ذكرتها النقوش منذ بداية القرن السابع قبل الميلاد، بصيغة (د ت ن ت)، كُتبت بحرف (التاء)، ومع مرور الزمن تحول أو تبدل حرف (التاء)، إلى حرف (الثاء)، لتنطق دثينة. كما كُتبت في الأخير بحرف (التاء) المبسوطة أو المفتوحة؛ لأن النقوش لم تعرف حرف التاء المربوطة. كما وردت في أحد النقوش صيغة الجمع (أ د ت ن ن)، أي الدثنيون. وهو ما سنعرضه لاحقاً.
وتعرف منطقة دثينة اليوم باسم (مودية)، وما زال الناس إلى اليوم، يطلقون عليها الاسمين معاً (دثينة أو مودية)، أي أن الاسم دثينة استمر منذ الألف الأول قبل الميلاد، إلى العصر الإسلامي حتى الوقت الحاضر.
تقع منطقة دثينة (مودية) في محافظة أبين، إلى الشرق من محافظة عدن. وتحديد الإطار الجغرافي لمنطقة دثينة القديمة، ليس بالأمر السهل، بسبب قلة النقوش التي ذكرتها، وكذا عدم إجراء أعمال التنقيبات الأثرية في المنطقة، وتقتصر دثينة (مودية) اليوم، على مساحة أقل وأضيق بكثير، مما كانت عليه في الألف الأول قبل الميلاد، حتى قبيل الإسلام([3])، وكذا في العصر الإسلامي، زمن أبي الحسن الهمداني المتوفى (360 هجرية/ 970 ميلادية)، الذي وصف معظم أراضي دثينة، وحدد موقعها من جهة الشمال والغرب بمساحة أوسع وأشمل، – وهو ما تؤكده النقوش كما سنوضحه لاحقاً-. فمن جهة الشمال تمتد دثينة إلى (كور العواذل)، المنطقة المعروفة باسم مديرية (لودر)، ومناطق شرقها وغربها، شملت منطقة دمان (أدمن قديماً)، وعقبة ثرة، والظاهر (مكيراس)، والعادية – أمعادية (رحب – رحاب قديماً)، وعريب (هـكر قديماً)، ووادي شرجان (شرجن قديماً)، ووادي برع (برع قديماً)([4])، إي إن أراضي دثينة القديمة من جهة الشمال تتداخل، مع أراضي مقولة مضحي، من قبائل ولد عم القتبانية، الواقعة في محافظة البيضاء، وكانت الحدود بين دثينة القديمة ومقولة مضحي مماثلة للحدود السابقة، التي كانت بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي قبل عام 1990م([5])، علماً أن مضحي فرضت سلطتها على بعض مناطق شمال دثينة القديمة، القريبة منها، في القرن الثاني الميلادي([6]).
وأما من جهة الغرب فيذكر أبو الحسن الهمداني، أن دثينة امتدت إلى الجبل الأسود (المعروف اليوم باسم جبل العرقوب، في شقرة)، وأشار إلى أن السهل من دثينة مما يلي يرامس([7])، (جنوب شرق زنجبار عاصمة محافظة أبين)، كما وصلت دثينة جنوباً إلى ساحل بحر العرب في مدينة أحور([8])، وهو ما جاء في النقش السبئي الشهير RES 3945، كما سيأتي أدناه([9]).
جاء ذكر دثينة في النقوش بصيغة (د ت ن ت) منذ بداية القرن السابع قبل الميلاد، وأنها من الأراضي التابعة لمملكة أوسان، تلك المملكة التي نشأت في وادي مرخة بمحافظة شبوة. ويُعرفأن مملكة أوسان كانت من أهم وأقوى الممالك في جنوب شبه الجزيرة العربية؛ إذ اتخذ حكامها اللقب الملكي (مكرب) (السقاف 1= CSAI III, 1)([10])، في القرن الثامن قبل الميلاد، مما يدل على توسع مملكة أوسان، وبسط سيطرتها على أغلب أراضي البلاد، وعلى أجزاء من أراضي مملكتي حضرموت وقتبان. وأصبحت مملكة مترامية الأطراف، امتدت جغرافياً إلى المناطق الواقعة بين واديي بيحان ونصاب شمالاً، وأودية حبان وميفعة وجردان، وعرمة القريب من وادي حضرموت، ورملة السبعتين شرقاً، إلى أرض المعافر (تعز)، وساحل البحر الأحمر غرباً، ومروراً بوادي تبن ووادي بنا، ودهسم (يافع)، وأحور، والعود (كور العواذل)، ودثينة جنوباً([11]).
ساهم هذا التوسع في ازدهار مملكة أوسان، وأصبحت دولة تجارية كبيرة، واحتكرت التجارة البحرية، وأقامت تجارة واسعة مع الساحل الشرقي لأفريقيا، عبر ميناء عدن وباب المندب، وربما ميناء قنأ، وبذلك شكلت مملكة أوسان قوة كبرى، تنافس مملكة سبأ منافسة شديدة، ولم يبقَ أمام سبأ حينها، إلا أن تهتم بطرق القوافل البرية المتجهة شمالاً([12]).
لقد شكل ازدهار مملكة أوسان التجاري، وتوسعها خطراً على مملكة سبأ، وأصبحت أوسان العدو الرئيس لسبأ، وكان سبب الحرب بينهما، كما جاء في النقش السبئي RES 3945، لصاحبه كرب إل وتر بن ذمار علي مكرب سبأ، المؤرخ حكمه بين 700-670 قبل الميلاد([13])، الذي دون فيه خوض ثمان حملات عسكرية، حارب فيها مناطق مختلفة من جنوب شبه الجزيرة العربية. ووثق تحالفه مع مملكتي حضرموت وقتبان، لمحاربة مملكة أوسان، وملكها (مرتعم) مرتع، في وادي مرخة، والمناطق التابعة لها، لاستعادة أراضيها التي استولت عليها أوسان.
وقد ورد أول ذكر لدثينة في النقش السبئي RES 3945/5,7,9، وفيه:
5- و ج ب ذ/ أ ذ هـ ب هـ م ي/ و ج ب ذ/ ن س م/ ذ هـ ب/ ر ش أ ي/ و ج ر د ن/ و م خ ض هـ و/ ب د ت ن ت/ و و ف ط/ ك ل/ أ هـ ج رهـ/ م خ ض/ ت ف ض/ و ث ب ر هـ/ و و ف ط هـ/ و ج ب ذ/ أ ذ هـ ب هـ و/ م خ ض هـ و/ ع د/ م ظ أ/ ب ح رم/ و و ف ط/ ك ل/ أ هـ [ج ر] هـ و/ أ ل ت/ ع ل ي/ ب ح رم/ و م خ ض هـ و/ (ب) و س ر/ ع د/ هـ ك س ح/ أ و س ن/ و م ر ت [ع] م/ م ل ك هـ و/ و ع ت ب هـ و/ أ ر أ س/ م س و د/ أ و س ن/ ل س م هـ ت ((ل س م هـ ت)) و ع ت ب هـ و/ هـ ر ج
7- هـ ج ر/ س رم/ و ص ي ر/ أ ذ هـ ب هـ و/ و هـ ب ك ل هـ و/ [س] ب أ/ و ي و م/ م خ ض/ د هـ س م/ و ت ب ن ي/ و هـ رج هـ م و/ ث ن ي/ أ ل ف م/ و س ب ي هـ م/ و خ م س ت/ أ ل ف م/ و و ف ط/ أ هـ ج رهـ م و/ [… … ](د هـ) س م/ و [هـ] (ح ر) م (ع) رن [… … ]/ و هـ (ث ب)/[د) [هـ] (س) م/ و ت ب ن ي/ و د ت ن ت/ ل أ ل م ق هـ/ و ل س ب أ/ و هـ ث ب/ ع و د م/ ل م ل ك/ د هـ س م/ و ع
9- س ي ب ن/ و ب ض ع هـ و/ و أ هـ ج رهـ و/ أ ث خ/ و م [ي] ف ع/ و ر ث ح م/ و ك ل/ ب ض ع/ ع ب د ن/ و أ هـ ج رهـ و/ و س رهـ و/ و ع رهـ و/ و م رع ي ت هـ و/ و أ س د/ ع ب د ن/ ح رهـ و/ و ع ب د هـ و/ (ج و ل م)[ … …/ د] ت ن (ت)/ أ ح ل ف و/ و م ي س رم/ و د ت ن ت/ ذ ت/ ث ب ر م/ و ح ر ث و/[و ك ل]/ أ (هـ ج ر) هـ م ي/ و أ س ر ر هـ م
10- ي/ و أ [ب] (ض) [ع] هـ م (ي)/ و أ ذ [هـ ب] هـ م ي/و أ ع ر رهـ م ي/ و م رع ي ت هـ م ي/ ج و ل م/ و ك ل/ ق س ط/ أ د م/ ذ ث ب ر م/ و أ و ل د هـ م و/ و ق ن ي هـ م و/ ع د/ ب ح ر(م)…
المعنى:
5- ونهب وديانهم ونهب نسمهم وادي رشأي وجردان وهزمه (أوسان) في دثينة وأحرق كل مدنها وهزم تفيض وخربها وأحرقها وخرب كل أوديته حتى بلغ البحر وأحرق جميع المدن التي كانت على البحر، وكسرها (أوسان) في وسر حتى أخضع أوسان ومرتعم (مرتع) ملكها ونذر كل رؤساء مجلس أوسان لسمهة وقتلهم
7- مدن سرم ونظم الري في أوديتها ووهبها أهل سبأ. ويوم (عندما) هزم دهسم وتبني وقتل (ألفين) منهم واسر (خمسة آلاف) منهم سجينًا وأحرق مدنهم […] ودهسم ولم يقترب من الجبل […] ووهب دهسم وتبني ودثينة (للإله) إلمقه وسبأ ووهب عود لملك دهسم
9- وسيبان وأرضها ومدنها أتخ وميفع ورثحم وكل أرض عبدان ومدنه، وواديه وجبله، ومراعيه ورجال عبدان، الأحرار والعبيد، مع ممتلكاتهم، [ … …] دثينة أحلاف ومياسر ودثينة ذات ثبير وحرثو وكل مدنهما وأوديتهم
10- ومناطقهما وأراضيهما وجبالهما ومراعيهما ملكاً لهما وكل قسط رعية ثبير وأولادهم وممتلكاتهم حتى البحر…
يذكر النقش الحرب التي شنها كرب إل وتر على مملكة أوسان، وجميع مناطقها ومدنها، ويبين أنها تضم أراضي متباعدة من البلاد، من ضمنها منطقة دثينة التي ذكرها في النص، وأنها تشمل مساحة أوسع، غير المعروفة حالياً.
جاء في السطر الخامس من النقش، أسماء العديد من المناطق الأوسانية، التي تمت محاربتها وتدميرها وحرقها مع مدنها وأوديتها، ومنها منطقة دثينة، (م خ ض هـ و/ ب د ت ن ت) هزمه في دثينة. إي هزيمة مملكة أوسان وملكها (مرتع) في دثينة([14]).
يلاحظ أن كلمة (م خ ض)، التي ترد في النقوش بمعنى هزم، كسر، غلب([15])، تنتهي بـ (هـ و) ضمير الغائب المتصل للمفرد المذكر والمؤنث([16])، وهنا إشارة إلى أنه تمت هزيمة أوسان، وربما أيضاً الملك (مرتع) في دثينة. مما يبين أهمية دثينة القديمة ومكانتها، وأنها من المناطق الأوسانية الرئيسة، ولا يستبعد وجود جيش أوساني خاض فيها معركة، مع جيش الحلف الثلاثي للممالك (سبأ، حضرموت، قتبان)، بقيادة كرب إل وتر السبئي، وتمت هزيمة أوسان، والملك (مرتع)، وإحراق دثينة وكل مدنها.
ويواصل في السطر السابع من النقش، ذكر أسماء المناطق الأوسانية، التي تمت مهاجمتها وهزيمتها:
(… و هـ (ث ب)/[د) [هـ] (س) م/ و ت ب ن ي/ و د ت ن ت/ ل أ ل م ق هـ/ و ل س ب أ/ …)
… ووهب دهسم وتبن ودثينة إلى ملكية (الإله) إلمقه وسبأ…
إن ورود (دهسم، تبن، دثينة)، بهذا الترتيب يُعد طبيعياً؛ لأن النقوش تذكر الأماكن بحسب الموقع الجغرافي لها. فـ (د هـ س م) دهس، من أسماء الأماكن التي لم تعد معروفة في الوقت الحاضر، إلا أن أغلب الباحثين يرجح أنها تقع ضمن المنطقة المعروفة حالياً، باسم (يافع العليا)([17]). وأما (ت ب ن ي) تبن، ما زال يُعرف بالاسم نفسه حتى اليوم، وهو وادي تبن شمال عدن([18])، وربما المناطق الواقعة غرباً حتى مضيق باب المندب([19]).
إن قيام المكرب السبئي كرب إل وتر، بوهب وتقديم (دهس وتبن ودثينة)، لإله مملكة سبأ الرئيس (الإله إلمقه) ولسبأ، يدل على أهمية هذه المناطق الأوسانية.
وترد دثينة في السطر التاسع من النقش: (د] ت ن (ت)/ أ ح ل ف و/ و م ي س ر م)، دثينة وأحلفو أي حلفائها، و(م ي س ر م) أي مياسر، وهو اسم قبيلة المياسر، وهي إحدى القبائل التي لا تزال تُعرف، في دثينة (مودية) بالاسم نفسه حتى يومنا هذا.
وجاء أيضاً في السطر ذاته (د ت ن ت/ ذ ت/ ث ب ر م)، (دثينة ذات ثبرم)، وهذه الصيغة غير المعروفة، لأنها لم ترد إلا في هذا النقش فقط. وعن موقع دثينة ذات ثبرم، يذكر هرمان فيسمان H. Wissmann، أن (ثبرم) هي منطقة وادي عثرب في دلتا أحور، وأن وادي عثرب يقع بين أبين وأحور والجبال البركانية السوداء في شقرة (العرقوب حالياً)، وبذلك تكون دثينة وصلت إلى ساحل أحور في بحر العرب([20]). إن وصول دثينة إلى أحورـ يؤكده ما ذكره أبو الحسن الهمداني، من أن دثينة تصل إلى الجبل الأسود (جبل العرقوب)، ثم إلى منطقة يرامس([21]).
يوضح النقش RES 3945، مناطق نفوذ مملكة أوسان في بداية القرن السابع قبل الميلاد، وأنها امتدت إلى أغلب أراضي البلاد. كما يبين أن منطقة دثينة كانت من المناطق الأوسانية، التي حظيت بمكانة مهمة، ويبدو أن موقعها المهم تتوسط مناطق جنوب البلاد، يجعل منها محطة تجارية، تقع على طريق القوافل التجارية القديم، المتجهة شمالاً، إلى مضحي وذمار وغيرها، وباتجاه الجنوب الغربي نحو ساحل أحور وعدن([22]).
يشير النقش RES 3945، إلى أن الحلف الثلاثي (سبأ، حضرموت، قتبان)، بقيادة المكرب السبئي كرب إلوتر، تمكن من القضاء على مملكة أوسان، واستعادة أراضيهم، وتقاسم أراضي مملكة أوسان.
استطاعت مملكة قتبان السيطرة على وادي مرخة، واستولت على جميع أراضي مملكة أوسان، بما فيها منطقة دثينة([23])، وكانت قتبان منذ القرن السادس إلى القرن الثاني قبل الميلاد، هي القوة العسكرية والتجارية الرئيسة في جنوب شبه الجزيرة العربية، وتمثل فترة ازدهارها الحضاري والسياسي([24])، وأصبحت مملكة قوية ومترامية الأطراف، وتوسعت أراضيها من وادي بيحان الموطن الرئيس لمملكة قتبان، وبلغت حدود مملكة سبأ من الشمال الغربي، ووصولاً إلى حدود مدينة ذمار، وإلى الجنوب ضمت مناطق دثينة ودهس ووادي تبن، وساحل أحور، وعدن والمعافر، وصولاً إلى الشريط الساحلي الممتد من مضيق باب المندب حتى ما وراء عدن([25]).
حرص حكام مملكة قتبان (ملوك – مكاربة)، على تأكيد توسع رقعة دولتهم، من خلال اتخاذهم اللقب الملكي الطويل، لأول مرة في تاريخ ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية، وذكروا فيه أسماء المناطق، التي فرضوا هيمنتهم عليها، كما جاء في نقوشهم، ومنها:
– النقش ‘Aqaba Bura‘1، من عهد المكرب – الملك يدع أب ذبيان بن شهر، المؤرخ حكمه بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد([26])، وعثر عليه في موقع نقيل عقبة بُرَع (برع قديماً)، في وادي برع، من روافد وادي السيلة البيضاء، الواقع في أعلى عقبة (ثرة) (كور العواذل)، على بعد 20 كيلو متر غرب مدينة لودر، وهي من أراضي منطقة دثينة القديمة([27])، ويوثق النقش شق طريق عقبة أو جبل بُرَع، وهذا الطريق ظل يستخدم حتى السبعينيات من القرن الماضي، وفيه:
1- ي د ع أ ب/ ذ ب ي ن/ ب ن/ ش هـ ر/م ك ر ب/ ق ت ب ن/ و ك ل/ و ل د/ع م/ و أ و س ن
2- و ك ح د/ و د هـ س م/ و ت ب ن و/ و ك ل/ ي ر ف أ/ أ ش أ م س/ [و أ ي م] ن س/ ب ك ر/ أ
المعنى:
يذكر اللقب الملكي القتباني أسماء المناطق الأوسانية، التي ضموها إلى حكمهم، وهي (أوسان وكحد ودهس وتبن)، وورودها بهذا الترتيب كان على أساس الموقع الجغرافي لها، حيث تقع إلى الشرق، وإلى الجنوب من قتبان. وكما سبق الإشارة فإن أوسان يقصد بها وادي مرخة الموطن الرئيس لها، وأن دهس (د هـ س م)، تقع في يافع العليا. وتبن (ت ب ن و)، هي وادي تبن في محافظة لحج شمال محافظة عدن.
وأما الاسم (كحد)، فهو من أسماء الأماكن غير المعروفة في الوقت الحاضر، وقد جاء في النقوش اسماً لعدة مناطق مختلفة. فقد ورد في النقش RES 3945/11، (ك ح د/ ذ ح ض ن م)، كحد ذو حضنم، وعن موقع كحد ذو حضنم، يرى ناصر حبتورمفترضاًأنها المنطقة التي تُعرف اليوم، باسم (حاضنة باقطمي) المتصلة بالسوط (الصوط)([28]). وأما كريستيان روبانChr. Robin، فيرى أن حضنم المذكورة في النقش قبل مدينتي (شيأن والعبر)، يبدو أنها تقع بين ردمان ومسور في وادي مرخة. ويضيف أن هناك وادي حضنان، الذي جاء عند الهمداني في صفة جزيرة العرب، وهو اسم واديين في ردمان([29]). وجاء أيضاً في النقش RES 3945/13، (ك ح د/ ذ س و ط ن)، كحد ذو سوطن (السوط). وينطق اليوم بحسب اللهجة العامية (الصوط)، وهو اسم الهضبة المرتفعة الواقعة شرق وادي جردان ووادي عرمة([30]).
وعن موقع (كحد) التي وردت في اللقب الملكي القتباني الطويل، يذكر كريستيان روبان أن (كحد)، التي جاءت بين (أوسان ودهسم)، تتوافق مع المنطقة الممتدة من ردمان إلى دثينة([31]).
ولتحديد موقع (كحد)، يلاحظ أن أسماء المناطق (كحد ودهسم وتبنو)، في اللقب الملكي القتباني الطويل، قد وردت بالترتيب نفسه، عند ذكر المناطق الأوسانية، التي غزاها المكرب السبئي كرب إل وتر، في النقش RES 3945/7، (دهسم، تبني، دتنت). وورود كحد في اللقب الملكي القتباني بدلاً عن دثينة، يبين أن كحد هي دثينة، وأنها جزءٍ من أراضيها، لاسيما أن ترتيب المناطق في النقوش، يكون بحسب موقعها الجغرافي.
كما يمكن التمييز بدقة أن (كحد) تقع في دثينة، من خلال النقش RES 3688/2,6= CSAI I, 197، الذي وجد في وادي لبخ، أحد روافد وادي بيحان، ويعود لعهد شهر غيلان بن أب شبم، أحد ملوك قتبان، الذين اتخذوا اللقب الملكي الطويل، وتؤرخ فترة حكمه بين القرنين الخامس والربع قبل الميلاد، وجاء فيه:
(… ش ع ب ن/ ك ح د/ ذ د ت ن ت…) القبيلة كحد في دثينة.
(… ك ب ر/ ك ح د / ذ د ت ن ت…) كبير (شيخ -المسؤول) كحد في دثينة.
إن ورود (ش ع ب ن / ك ح د / ذ د ت ن ت)، القبيلة كحد في دثينة. يؤكد أن كحد اسما لقبيلة ومدينة تقع في أرض دثينة([32])، ويبدو أنها تضم المناطق الواقعة شمال دثينة، كما سيأتي لاحقاً.
يمثل النقش أعلاه نصاً قانونياً أصدره الملك القتباني، يخص قبيلة كحد في دثينة، ينظم عملية تحصيل العُشر من المحاصيل الزراعية، التي تنتجها قبيلة كحد ودثينة، وكذا الضرائب الخاصة بالإله عم ذو لبخ، الذي كرس القتبانيون معبدان له، أحدهم في وادي لبخ، الذي تتم فيه تحصيل العُشر من المحاصيل، والآخر في مدينة ذات غيلم (هجر بن حميد حالياً) عاصمة مملكة قتبان الثانية. ويقوم كبير (الشيخ – المسؤول) الذي يدير قبيلة كحد في دثينة – سوف نتناول الكبير لاحقاً عند الحديث عن المناصب -، بجمع عُشر المحاصيل وتسليمه لكهنة (أرباب) الإله عم ذو لبخ في معبده([33]).
ومن الموقع نفسه جاء أيضاً نص قانوني آخر، يذكر دثينة، ويعود إلى الفترة ذاتها، من عهد الملك شهر يجل بن يدع أب، هو النقش RES 3689/11= CSAI I, 198، وفيه:
11- ك ن / ن ح ق ل / ذ ب ن / ص ح ف / د ت ن ت/ و ش و ب/ و ث م ر/ ع م / و ت ع ل م أ ي / ي د / ش هـ ر
11-لاسيما ما هو محدد في اتفاقية دثينة بالنسبة للمحصول والثمار ووقع ذلك بيد شهر
يدون النقش اتفاقية قانونية تضمن حقوق معبد الإله عم ذو لبخ، من العُشر للمحاصيل الزراعية، على أن يكون تحصيلها بحسب اتفاقية كحد ذو دثينة، التي في النقش RES 3688. إلا أنه لم يذكر (كحد)، واكتفى بكتابة دثينة، مما يدل أن (كحد) التي وردت في اللقب الملكي الطويل القتباني، هي منطقة في دثينة.
استمر حكام مملكة قتبان باتخاذ اللقب الملكي الطويل، الذي ورد في عدة نقوش([34])، حتى القرن الثاني قبل الميلاد اختفى اللقب الملكي الطويل، وأصبح اللقب القتباني (مكرب قتبان وكل ولد عَم)، أو (ملك قتبان). وغياب أسماء المناطق (أوسان وكحد ودهس وتبن)، من اللقب الملكي، يدل على أن قتبان فقدت السيطرة على تلك المناطق أو أجزاء منها([35]).
اختفى ذكر دثينة أو كحد بعد ذلك من النقوش القتبانية، حتى سقوط مملكة قتبان، وكان ذلك تقريبا بين عامي 170 – 175 ميلادية([36])،عندما تمكنت مملكة حضرموت في عهد ملكها يدع أب غيلان، من السيطرة على مملكة قتبان، وجميع أراضيها في وادي بيحان، وأراضي ولد عم، في مقولة معاهر وذو خولان، ومقولة مضحي، وكذا على وادي مرخة الموطن الأصلي للأوسانيين، ووصلت حتى عدن، حيث يذكر النقش الحضرمي Ja 2888، الذي عثر عليه في مدينة ذات غيلم، قيام الملك الحضرمي يدع أب غيلان، إعادة بناء أسوار العاصمة مدينة ذات غيلم([37]).
ويعود ذكر كحد بصيغة (أ ك ح د ن) في النقش العلمةMQ-‘Alma 1 ، الذي عثر عليه في وادي علمة أحد روافد وادي شرجان، وهي من مناطق شمال دثينة القديمة، من عهد يدع أب غيلان، ويدع إل بيان ملكي حضرموت، ويؤرخ النقش بين أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي([38])، وجاء فيه:
المعنى:
يذكر النقش الاسم (أ ك ح د ن)، الذي لم يرد عدا في النقش أعلاه، وهي صيغة الجمع لـ (كحد)، تعني (الأكحديون). أي أن أصحاب النقش سموا أنفسهم الأكحديون، نسبة إلى قبيلة (كحد)، وبذلك تكون (كحد) تشمل دثينة الحالية، وكذا مرتفعات دمان، ووادي علمة، ووادي شرجان، ومناطق شمال دثينة([39]).
يعود النقش أعلاه إلى فترة سيطرة مملكة حضرموت على مملكة قتبان، ومقولة مضحي، لذا يختتم النقش بذكر سيديهم ملكي حضرموت، وكذا سيديهم قيلي مضحي، وبقوة ورجالهم من قبيلتهم ذو دمان:
12- ر د أ/ م ر أ ي هـ م و/ ي د ع أ ب/ غ ي ل ن/ و ي د ع إ ل/ ب ي ن/ أ م ل ك/ ح ض ر م ت/ و م ر أ ي هـ م و/ ش ر ح إ ل/ أ ش و ع/ و م
13- ر ث د م/ ي ز ل/ ب ن/ هـ ص ب ح/ أ ق و ل/ م ض ح ي م/ و ب خ ي ل/ و ش ع ت/ أ د م هـ م و/ و ش ع ب هـ م و/ ذ أ د م ن
المعنى:
12- بسلطة سيديهم يدع أب غيلان ويدع إل بيان ملكي حضرموت وسيديهم شرح إل أشوع و
13- مرثدم يزل أبناء الأصابح قيلي مضحيم وبقوة رجال وقبيلتهم ذو دمان
إن ورود سيديهم قيلي مضحي، في النقش الذي جاء من أراضي شمال دثينة القديمة، يشير إلى أن مقولة مضحي فرضت سلطتها على مواقع شمال دثينة القديمة. وقد عرفنا أن دثينة القديمة امتدت شمالاً إلى مديرية (لودر)، ومناطق غربها، وهي: عقبة ثرة، ومكيراس، ووادي شرجان، والعادية – أمعادية، وعريب، ووادي برع، ووادي السيلة البيضاء، وإلى الشرق من لودر منطقة دمان، ووادي علمة، ومراوح، وغيرها من الأودية والمواقع الأخرى، وتُعد هذه المناطق ضمن أرض (كحد). وتميزت هذه المناطق بخصوبة أراضيها الزراعية، ومحاصيلها الوفيرة. كما شكلت بعضها أهمية كبيرة، كونها تقع على طريق القوافل التجارية القديم، منها منطقة (مكيراس)، التي تقع على طريق القوافل القديم، الذي يربط سهل دثينة وكحد، والمرتفعات إلى أراضي مضحي.
كما كانت مدينة أمعادية (رحاب قديماً) حاضرة وادي شرجان، تقع جنوب طريق القوافل التجارية القديم، الذي يأتي من مدينة تمنع عاصمة مملكة قتبان، ومدينة مارب عاصمة مملكة سبأ([40]).
شهد القرن الثاني الميلادي ضعف السلطة المركزية لمملكة قتبان، مما دفع مقولة مضحي، وهي من قبائل أولاد عم القتبانية، لفرض سلطتها على مناطق شمال دثينة، القريبة من أراضيها. ويرد أقدم ذكر لأبناء قبيلة (الأصابح) أقيال مضحي في وادي شرجان، أهم مناطق شمال دثينة القديمة، في نقشين عثر عليهما في وادي ضراوع أحد روافده، هما: النقش MQ-Darawi‘ 3، ويؤرخ إلى عام 127 ميلادية، وأيضاً النقش MQ-Darawi ‘ 2 والمؤرخ إلى عام 128ميلادية([41]). وورود أبناء الأصابح أقيال مضحي في نقوش مواقع وادي شرجان، يُعد دليلا على بسط سلطتهم على مواقع وادي شرجان، في القرن الثاني الميلادي.
وقد عثر في مواقع شمال دثينة القديمة على العديد من النقوش، جاء في بعضها ذكر دثينة، ومنها:
النقش برع الأعلى رقم (2) =Bura‘ 3، الذي عثر عليه في موقع نقيل عقبة بُرَع، ويؤرخ النقش بين 330 – 340 ميلادية([42])، وفيه:
المعنى
يذكر النقش الصيغة (ع ق ب/ د ت ن ت)، وهي ترد لأول مرة في النقوش الخاصة بدثينة، وكلمة (ع ق ب) عاقب، من المناصب الإدارية، تعني والي أو مسؤول. أي أن الحاكم، أو الملك، أو القيل يعين شخصاً نائباُ له، أي يمثله في منطقة خاضعة لنفوذه. كما تدل على مهام أخرى، وهو ما سنوضحه لاحقاً. كما أن صاحب النقش يذكر أقيال مضحي، مما يؤكد على سلطتهم على المنطقة.
جاء ذكر دثينة في النقش عبدان الكبير/ 39، الذي كُتب على صخرة ضخمة، قرب سفح جبل في الضفة اليسرى من وادي عبدان، حوالي 4 أو 5 كيلو مترات، جنوب مدينة نصاب في محافظة شبوة([43]). والنقش مؤرخ إلى عام 470 بحسب التقويم الحميري، ويوافق 360 ميلادية([44]). وفيه:
39- ح ن ش/ أ ع ر ر/ ق ر ب/ ع ب د ن/ و ط ر د و/ ع ل ي/ أ ف ر س هـ ن و/ ب ق ر/ ر ي ن (م)/ و (ح و ر ي)/ و أ ف ر أ/ أ س و ط ن/ و د ت ن ت/ (و) (أ) ح و ر/ و ض ل ن ن/ و هـ ر ج و/ ب (ق) ر م/ و ح و ر ي/ و أ ف ر
المعنى:
الجبال قرب عبدان واصطادوا على خيولهم البقر ريان والثيران والجمال في السوط ودثينة وأحور وضلل وقتلوا بقر وجمال
يذكر النقش قيام اليزنيين بالصيد في مناطق السوط ودثينة وأحور، مما يبين أن دثينة كانت من المناطق الغنية بالثروة الحيوانية، كونها من الأراضي الخصبة.
كما ورد اسم دثينة في النقش MQ-Shirjan 27 = Ja 1819/6، الذي عثر عليه في وادي شرجان([45])، ويؤرخ بين منتصف القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الميلادي([46])، وفيه:
6-أ ش ع ب ن/ م ض ح ي م/ و د ت ن ت/ و س ف ر م/ ب ر أ و/ و هـ ق ح/ م أ ج ل ي هـ م و
6- قبائل مضحي ودثينة وسفرم بنوا وجصص خزانين
يذكر أصحاب النقش أنهم أقيال وحكام قبائل مضحي ودثينة وسفرم([47])، قاموا بأعمال بناء خزانات مياه، وآبار للزراعة كروم العنب في وادي شرجان.
ومن وادي شرجان أيضاً جاء آخر ذكر لدثينة في النقوش المعروفة حتى الآن، في النقش MQ-Shirjan 6 = Ja 2355، ويؤرخ بين القرنين الخامس والسادس الميلادي([48])، ونصه:
1- أ ع ز ز ن/ ن 2- ح ل/ م أ ن ن 3- أ م ض ح ن/ و 4- أ د ت ن ن/ و
5- إ ل و د هـ 6- م ر ث د م/ و أ 7- س د م/ و م ر ث 8- د أ ل ن/ م ق ت ت ن
المعنى:
أعززن قائد المئات من المضحيين والدثنيين وأولاده مرثدم وأسدم ومرثد ألن ومساعديه
يذكر النقش مضحي ودثينة بصيغة مختلفة، لم ترد عدا في هذا النقش فقط، هي (أ د ت ن ن) وهي صيغة الجمع، أي الدثنيون، و(أ م ض ح ن)، المضحيون، فصاحب النقش يذكر أنه قائد المئات من المضحيين والدثنيين([49]).
من خلال المعلومات المستقاة من النقوش التي استعرضناها في أعلاه، فقد ذكرت النقوش أسماء العديد من المناصب والوظائف الإدارية والعسكرية، التي تعمل في إدارة المناطق والأقاليم التابعة لممالك جنوب شبه الجزيرة العربية. ووضحت أن الذي يتولى قيادة أو إدارة كثير من تلك المناطق، يتخذ لقب (ق ي ل) القيل، أي الأمير، الذي عُرف منذ منتصف الألف الأول قبل الميلاد.
بالرغم من قلة النقوش الخاصة بمنطقة دثينة القديمة، وشحة المعلومات التي فيها، إلا أنها تعطي بشكل غير مباشر بعض الإشارات، عن طريقة إدارة المنطقة؛ حيث كان أصحاب النقوش بعد تسجيل أسمائهم، أحياناً يذكرون أسماء المناصب أو الوظائف التي يشغلونها.
يلاحظ أن نقوش منطقة دثينة، لم تشر إلى أن (القيل) يتولى إدارتها، إلا أنها سجلت أسماء بعض المناصب الأخرى، التي تساهم في إدارة مناطقها. علماً أن أغلب أسماء تلك المناصب جاءت في النقوش، التي وجدت في مناطق شمال دثينة القديمة، ومنها وادي شرجان ووادي برع.
وسوف نحاول توضيح أسماء تلك المناصب ومهامها، بحسب ما توفره النقوش من معلومات، وهي:
يرد الاسم (ك ب ر) الكبير في النقوش، ليشير إلى سلطة على (ش ع ب) قبيلة، أو (هـ ج ر) مدينة، وقد جاء الكبير في نقش واحد يخص قبيلة كحد في دثينة، هو النقش القتباني RES 3688/2,6= CSAI I, 197، الذي يؤرخ بين القرنين الخامس والربع قبل الميلاد، وفيه:
المعنى:
1- شهر غيلان بن أب شبم ملك قتبان وهب ومنح (خصص) لـ عم ذو لبخ وأربابه (كهنته) هذه (الصحيفة) الوثيقة إدارة
2- الشعب (القبيلة) كحد في دثينة من قبل كبير (شيخ – المسؤول) يدير ويحكم قبيلة كحد وهذه الوثيقة المكتوبة وتنفيذها
3- الوثيقة بعهد (معصوم) لصالح عم ذو لبخ شخصاً (لمدة) سنتين من وقت تعيينه وحتى يكمل فترته السنتين
4- بحيث ينجح في هذه الإدارة، ويخلفه شخص آخر في الإدارة يحق له الامتلاك ويدير هذه الاتفاقية
5- من قبل كبير (شيخ – المسؤول) يتولى إدارة كحد، تحصيل العُشر من كل المحاصيل في الأرض المسقية بواسطة الري أو بالمطر، وكل الضرائب على الأرباح التي
6- يفرضها كبير (شيخ – المسؤول) كحد من دثينة، ويتم تنفيذ هذه الوثيقة بسلطة وعهد من شهر (الملك) في شهر ذو تمنع سنة موهبم ذو
يعود النقش إلى فترة سيطرة مملكة قتبان على منطقة دثينة، وعرفنا أنه يمثل وثيقة قانونية أصدرها الملك القتباني، تخص قبيلة كحد في دثينة، تنظم عملية دفع الضرائب والعشور، من المحاصيل الزراعية للإله عم ذو لبخ.
يوضح النص أن (كحد) اسماً لقبيلة ومدينة تقع في منطقة دثينة القديمة، وتمتاز بالأراضي الزراعية الخصبة، ذات المحاصيل الوفيرة. وأن عليها تعيين شخص منها، في منصب (ك ب ر) الكبير، يدير ويحكم قبيلة كحد من دثينة([50]). ويلتزم الكبير بتنفيذ هذه الوثيقة لصالح الإله عم ذو لبخ. ويكون هو المسؤول الذي يقوم بجمع الضرائب من الأرباح، والعُشر من جميع المحاصيل، وتسليمها إلى (أرباب) كهنة الإله عم ذو لبخ، في معبده الواقع في وادي لبخ.
يحدد النص أن مدة تعيين الكبير تكون عامين فقط. وبعد تأدية مهامه بنجاح، وانتهاء مدته العامين، يتم تعيين شخص آخر من القبيلة نفسها، ليقوم بالمهمة نفسها. ولا يحق لأي شخص آخر غير كبير قبيلة كحد في دثينة، أن يؤدي هذه المهام لضمان وحماية حقوق الإله عم ذو لبخ. ولا يستبعد أن كحد في دثينة كانت هي المسؤولة، التي تتولى الإشراف على إدارة المعبد لبخ، وهي من تحدد الضرائب والعُشر من المحاصيل للمعبد([51]).
وقد جاء ذكر (ك ب ر) في نقوش الممالك الأخرى، ومنها:
النقش القتباني RES 3854/6,8= CSAI I, 202، (ك ب ر/ ت م ن ع)، كبير (مدينة) تمنع. عاصمة مملكة قتبان (هجر كحلان حالياً).
– النقش VL 9/1= CSAI I, 72، الذي عثر عليه في مدينة تمنع، (ك ب ر/ م ع ن/ ب ت م ن ع)، كبير معين في تمنع. أي أنه كبير الجالية التي جاءت من مملكة معين، لتستقر وتعمل بالتجارة في مدينة تمنع.
– النقش السبئي RES 3951/1-2، (ك ب ر/ ص ر و ح)، كبير (مدينة) صرواح. عاصمة مملكة سبأ القديمة، وهناك النقش المعيني M 161= RES 2939، (ك ب ر/ ي ث ل)، كبير (مدينة) يثل (براقش حالياً).
– النقش الحضرمي RES 3869/3، (ك ب ر/ ي ك ب ر/ م ي ف ع ت) كبير يدير (مدينة) ميفعة.
يرد المنصب (ك ب ر) كبير في النقوش السبئية، بمعنى كبير صاحب المنصب الإداري الأعلى في شعب (قبيلة)، تولى، راقب، أشرف([52]). وزعيم القبيلة، رئيس عشيرة([53])، وفي المعجم القتباني يعني الإشراف، يحكم، يدير([54]).
وبذلك يتبين أن (ك ب ر) الكبير، يمثل وظيفة أو منصب إداري، يشير إلى المسؤول أو الشيخ، الذي يحكم ويدير قبيلة من قبائل المنطقة، أو مدينة تكون جزءاً من إقليم أو منطقة.
يُعد الاسم (محرج) من المناصب النادر ورودها في النقوش، وجاء في نقش واحد فقط يخص دثينة، هو النقش MQ-Shirjan 27 = Ja 1819/6، من وادي شرجان، وفيه:
المعنى:
6- قبائل مضحي ودثينة وسفرم بنوا وجصص خزانين
يعود النقش إلى فترة سيطرة أقيال مضحي من أبناء قبيلة الاصابح، على مناطق شمال دثينة القديمة، وكذا على مقولة سفرم. ويذكر النقش زعماء المناطق الثلاث، وهم: إل تبع أجشر وأشترك معه أخويه أب كريف وإل شرح أسأر بنو مرثد ألن أشوع أبناء الأصابح من مقولة مضحي. والثاني من دثينة يعجف ذو عم شبم، والثالث ذو فرع شبم يقأموت ذو سفرم. أي أن يعجف ذو عم شبم هو زعيم دثينة.
يبين النقش أن زعماء تلك المناطق يتولون مناصب (أقوال أي أقيال ومحرج). وورود (محرج) يثير التساؤل، لأنه جاء بعد (أقيال). ويخص أي منطقة من المناطق الثلاث؟.
توضح نقوش مقولة مضحي أن زعماءها، اتخذوا لقب (القيل) الأمير، منذ منتصف الألف الأول قبل الميلاد، في النقش ‘Aqaba Bura‘ 2، الذي يُعد أقدم ذكر للقب القيل في النقوش([55]). كما تشير نقوش قبيلة سفرم، إلى أن زعماءها اتخذوا لقب (القيل)([56])، وقد جاء ذكر مضحي وسفرم، مع لقب (القيل) فقط، بدون الاسم (محرج)، في النقش MAFRAY-Hasi 1/1-2، وفيه:
إ ل ي ف ع/ أ ر س ل/ ب ن/ هـ ص ب ح/ و ي ع ج ف/ و ي ق أ م و ت/ ذ س ف ر/ و أ ش ر ق/ ذ ص ح ت/ ق ي ل/ ش ع ب ي ن ي هـ ي ن/ م ض ح ي م/ و س ف ر م
إل يفع أسال بن الأصابح ويعجف ويقأموت ذو سفرم وأشرق ذو صحت الشعبين (القبيلتين) مضحي وسفرم
يؤكد النص أن زعماء مضحي وسفرم، اتخذوا لقب (القيل). وأما دثينة فيلاحظ إن النقوش الخاصة بها، لم تذكر اللقب (القيل)، ولذا يرجح أن اسم المنصب (محرج) يخص منطقة دثينة([57]). أي أن يعجف ذو عم شبم، هو (محرج) أي حاكم دثينة في وادي شرجان.
وقد جاء الاسم (محرج) مع (القيل)، وكذا مع الكبير (كبور)، في بعض النقوش السبئية، ومنها:
– النقش CIH 648/2:
… (أ) ق و ل / و م ح ر ج/ ش ع ب ن/ ر د م ن/ ذ س ل ف ن
… أقيال وحكام القبيلة ردمان ذو سلفن
– النقش DhM 287/1:
… ق ي ل/ و م ح ر ج/ ش ع ب هـ م و/ ذ …
… قيل وحاكم قبائلهم …
– النقش CIH 621/6= RES 2633:
… ك ب و ر/ و م ح ر ج/ س ي ب (ن) …
… رؤساء(شيوخ) وحكام أو قادة سيبان …
– النقش MAFRAY-al-Mi‘sal 2/1-2:
… ق ي ل/ ش ع ب ن/ ر د م ن/ و خ و ل ن/ و م ح ر ج/ ش ع ب/ ذ ب ح ن …
… قيل القبيلة ردمان وخولان وحاكم أو قائد قبيلة ذبحان …
يرد الاسم (محرج) في النقوش بمعنى تولى، صاحب سلطة، صاحب ولاية([58])، وأيضاً قيادة، زعيم قبيلة([59])، وكذا مشرف، مدير، سلطة([60]). ويعني أيضاً الحاكم([61]). ويرى كريستيان روبان أن الاسم (محرج) الذي ظهر في النقوش منذ القرن الثالث الميلادي، يعني القائد، الحاكم أو الزعيم، وأن مكانة (محرج) تكون أدنى من (القيل) الأمير، وأنها تستخدم في المناطق، أو المدن ذات الأهمية الثانوية([62]).
ومما تقدم يتضح أن (محرج) اسم منصب اتخذ في وادي شرجان، حاضرة مناطق شمال دثينة، ليشير إلى أنه الحاكم أو المسؤول، عن هذا الجزء من منطقة دثينة.
ج- عقب (ع ق ب) العاقب:
جاء ذكر الاسم (ع ق ب) العاقب، في النقش برع الأعلى (2)، الذي وجد في وادي برع، من أراضي شمال دثينة القديمة، ويؤرخ بين 330 -340 ميلادية([63])، وفيه:
المعنى
يسجل صاحب النقش أب يدع يوشع أنه (عقب) عاقب، أي أنه مسؤول أو والٍ أو ممثل حاكم دثينة، قام بإعداد الألواح الحجرية لتكسو أحواض المياه، تنفيذا لأوامر سيدهم قيل مضحي.
يرد (عقب) العاقب في النقوش، ليدل على وظيفة متنوعة أو متعددة المهام، فقد يكون العاقب نائب يمثل، أو يحل محل الملك، كما في النقش الحضرمي Ja 2878/1= KR 6، الذي عثر غليه في خور روري(سمهرم قديماً)، في سلطنة عُمان، وفيه:
1- ث ع إ ل/ ب ن/ أ س ر ك/ ذ د و س م/ ع ق ب/ م ل ك ن/ ب أ ر ض/ س أ ك ل ن
والنقش السبئي FB-al-Bayda 1/2-3، من مدينة البيضاء (نشق قديماً) في وادي الجوف، وفيه:
… ب ن و/ ع ز ز إ ل/ أ ش ق ن/ ع ق ب/ م ل ك ن/ ب هـ ج ر ن/ ن ش ق م
أبناء عزيز إل أشقن عقب (نائب) الملك في مدينة نشق
يُفسر الاسم (ع ق ب) العاقب في النقوش السبئية، بمعنى عمل والياً، عين (أحداً) عاقباً، ونائب وممثل، عمل قائداً (للجند)([64])، وفي النقوش القتبانية بمعنى نائب، ممثل([65]). في حين يرى كريستيان روبان أن (عقب) الذي يعني ممثل، مسؤول، مدير، من الممكن أن يكون نائباً أو ممثلاً للقيل، في منطقة خاضعة له، أو أن يكون مسؤولاً صغيراً عن القصر([66]).
وقد جاء الاسم (عقب) يشغل وظيفة أخرى، في نقشين من أراضي شمال دثينة القديمة، وهما:
– النقش الأول: MQ-al-Jifjif 1/2-3، الذي عثر عليه في موقع الجفجف في وادي شرجان، الذي يسجل أعمال إصلاح السد، ومؤرخ بتقويم مقولة مضحي([67]) إلى عام 275، الموافق 240 ميلادية([68])، وفيه:
المعنى:
يبين النص أن صاحبه (يرفأ أصحح بن أشيب)، يتولى منصب (عقب) عاقب القبيلة مضحي. أي أن أقيال مضحي عينوه عاقباً، مسؤولاً أو ممثلاً لهم، في أحد مواقع وادي شرجان، الخاضعة لهم.
ويرد في السطر الثالث من النقش نفسه أن (هوف عم وعبدم سادة بني يعجف والجزرة) (ع ق ب ت/ ب ي ت ن/ ي س ر ن)، أي المسؤولون عن القصر يسران، الخاص بأعيان أو حكام شمال دثينة، الذي يبدو أنه يقع في أمعادية – العادية حاضرة مناطق شمال دثينة.
– النقش الثاني: MQ-Shirjãn 12 = Ja 2356/2-3، من وادي شرجان، المؤرخ إلى عام 345 بحسب تقويم مضحي، والموافق 310 ميلادية، وفيه:
المعنى:
يسجل أصحاب النقش أنهم (عقب) المسؤولين، عن القصرين كوكبان ويسران. ويرجح أن قصر كوكبان كان مقر إقامة أقيال مقولة مضحي، وربما أنه كان يقع في مدينة حصي، حاضرة مقولة مضحي([69]).
ومن خلال استعراض النقوش أعلاه، يتضح أن (ع ق ب) العاقب، من المناصب ذوات المهام المتعددة، قد يكون وكيلاً أو ممثلاً أو نائباً للملك أو القيل، وممكن أيضاً أن يعينه الحاكم مديراً أو مسؤولاً عن إدارة مدينة، أو جزء من منطقة تخضع لسلطته، أو يكون مسؤولاً عن قصر.
د- الوازع (وزع):
ورد المنصب (وزع) الوازع في نقشين عثر عليهما في أراضي شمال دثينة القديمة، هما:
– النقش برع الأعلى رقم (1) = Bura‘ 2، الذي عثر عليه في موقع برع، والمؤرخ إلى سنة 388 بحسب تقويم مضحي، الموافق بين عامي343 – 353 ميلادية، وفيه:
المعنى:
يشغل صاحب النقش معد كرب أوشع ذو ضرن، المنصب (وزع) قائد مضحي، أي أنه قائد جماعته في منطقة برع. ويذكر أنه (ب ن/ أ ب ي د ع)، أي أبن أب يدع يشوع ذو ضرن (عقب) والي أو مسؤول دثينة، صاحب النقش برع الأعلى رقم (2).
– النقش السيلة البيضاء 1/ 3-4، الذي وجد في موقع السيلة البيضاء من أراضي دثينة القديمة، ويقع على بعد 15 كيلو متر إلى الغرب من مدينة لودر، ويؤرخ إلى عام 400 ميلادية([70])، وفيه:
أ ل هـ ت/ ش ن ص م/ أ و ز ع/ ش ع ب ن/ ر د م ن
ألهت شنصم قائد الشعب (القبيلة) ردمان
يذكر النص (وزع) أي قائد للقبيلة ردمان (المعسال حالياً)، في رداع محافظة البيضاء.
وقد ورد الاسم (وزع) وازع في النقوش السبئية([71])، والمعينية([72]) فقط. ويرى ألبرت جام A. Jamme، أنه يعني زعيم (قبيلة)، قائد على عسكر([73]). وأما والتر موللر W. Muller، فيذكر أن الوازع الذي في النقش Kortler 2/7، (… و ز ع/ ن ج ر ن …) قائد نجران. يدل على وظيفة عسكرية، هي (القائد)([74])، ويفسره المعجم السبئي بأنه لقب قائد قبلي أو عسكري([75])، في حين يرى كريستيان روبان أن مهمة الوازع، لا تقتصر على وظيفة عسكرية بشكل أساسي، فإلى جانب أنه المسؤول عن الجيش، قد يأتي بمعنى المسؤول عن الإدارة، كما في النقش السيلة البيضاء 1،وأما في النقش برع الأعلى رقم (1)، فأنه يعني المسؤول عن تشغيل المحاجر الحجرية. ويضيف أنه من غير الواضح استخدام لقب (ع ق ب) عاقب في النقش برع الأعلى رقم (2)، وكذا اللقب (و ز ع) وازع في النقش برع الأعلى رقم (1)، ووضعهما على رأس أعلى سلطة في إقليم واحد؛ لأن (الوازع) أعلى مكانة من (العاقب)، وأنه يعني الحاكم أو المسؤول عن إدارة إقليم أو منطقة([76]).
عرفنا أن معد كرب أوشع، كان أبن أب يدع يشوع ذو ضرن (عقب) ممثل أو مسؤول دثينة. وقيام معد كرب بقطع أحجار الرخام للقصر الملكي المسمى (هرجب)، لا يعني أنوظيفته المسؤول عن المحاجر الحجرية، أنما بسبب أهمية المهمة، التي تتعلق بالقصر الملكي، قام بالإشراف على العمل بنفسه.
ومما تقدم يتبين أن المنصب (وزع) الوازع، يعني القائد، أي قائد عن جماعة معينة ضمن إقليم.
هـ – مقتوي (م ق ت و ي):
ذكرت بعض النقوش التي وجدت في وادي شرجان([77])، اللقب (مقتوي)، وهي:
النقش MQ-Shirjan 17 = Doe-Shirjan 9:
النقش MQ-Shirjan 14 = Doe-Shirjan 11:
النقش برع رقم (4):
النقش MQ-Shirjan 6/8 = Ja 2355:
8- د أ ل ن/ م ق ت ت ن
تذكر النقوش أعلاه الاسم (مقتوي) أي مساعد أو معاون، بأكثر من صيغة (م ق ت و ي)، (م ق ت و ي ن)، (م ق ت ت ن). ويلاحظ أن النقشين الأول والثاني لم يوضحا مهمة المقتوي، بينما يذكر صاحب النقش الثالث أنه مقتوي العائلة (ذو ضرن)، وهي العائلة التي ينتمي إليها (عقب) مسؤول أو ممثل دثينة، و(وزع) قائد مضحي، أي أنه مساعد للعائلة المسؤولة عن برع من أرض دثينة. وأما النقش الرابع فصاحبه ذكر أنه قائد مئات المضحيين والدثنيين، وأن أولاده كانوا هم مساعديه.
يرد الاسم (مقتوي) في النقوش السبئية، بمعنى خازن، خادم (لقب خادم أو نائب أو مدبر عند ملك أو قيل أو قبيلة). أمير جند([78]). إلا أن النقوش التي تذكره تدل على أن المقتوي وظيفة إدارية، لا يمكن حصرها في مهمة معينة؛ لأنها ذات مهام متنوعة أو متعددة، قد تكون عسكرية أو مدنية، والذي يقوم بتعيين المقتوي هو الملك، أو القيل، ليكون مساعداً، أو معاوناً له في عدة مهام([79]).
و- نحل (ن ح ل):
جاء ذكر الاسم (نحل) في أربعة نقوش من وادي شرجان، وهي:
– النقش MQ-Shirjãn 25/1-3 = Ja 1817، ويؤرخه كريستيان روبان إلى القرن الخامس الميلادي، إلا أنه يضع عليه علامة استفهام؟([80])، وفيه:
المعنى:
– النقش MQ-Shirjãn 20 = Doe-Shirjãn 13:
إ ل ي ف ع/ أ ي هـ ر/ ذ ح ر م ن/ ن ح ل/ ذ ق ر[.]/ ن/…
إل يفع أيهر ذو (ينتمي لعائلة) حرمان قائد ذق ر .
– النقش MQ-Shirjãn 5 = Ja 2354/1:
1- هوف عم أولط قائد وولده
– النقش MQ-Shirjãn 6 = Ja 2355:
1- أ ع ز ز ن/ ن 2- ح ل/ م أ ن ن 3- أ م ض ح ن/ و 4- أ د ت ن ن/ و
يلاحظ أن النقوش الأربعة تذكر مقولة مضحي؛ لأنها تعود لفترة سيطرتها على وادي شرجان، ومناطق شمال دثينة القديمة.
عُرفت الوظيفة أو المنصب (نحل) في النقوش السبئية([81])، والحضرمية([82])، والمعينية([83])، منذ الفترة القديمة. وجاءت في المعجم السبئي بمعنى قائد مرتزقة، رئيس مرتزقة، جند مرتزقة([84]). وأما في المعجم القتباني فترد بمعنى قائد، ضابط، قائد فرسان([85]). وهي عند هرمان فيسمان وكريستيان روبان، تعني (القائد) wissmann 1968: ([86]).
إن ورود (ن ح ل/ أ ف ر س ن) قائد الفرسان (الخيالة) في النقش الأول. وفي النقش الرابع (ن ح ل/ م أ ن ن/ أ م ض ح ن/ و أ د ت ن ن)، قائد مئات المضحيين والدثنيين. يؤكدا أن (ن ح ل) تعني قائد وحدات عسكرية. كما أن من تولى وظيفة (نحل) في النقش الأول، ينتمي إلى عائلة (ذو أحرم)، وينتمي صاحب النقش الثاني إلى عائلة (ذو حرمن)، وهما من العائلات التي ذكرتهما بعض النقوش، مما يدل على أنها من أعيان وادي شرجان. وهذا يرجح أن الاسم (ن ح ل) يعني قائداً.
5- ديانة دثينة القديمة:
عرفت جميع ممالك ومناطق جنوب شبه الجزيرة العربية، عبادة الآلهة الوثنية المتعدة، منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد. وكان لكل مملكة منها مجمع الآلهة الرسمي الخاص بها، واتخذت من الإله القمر إلهاً رئيساً لها، أجمعت عليه القبائل التي كونت اتحاد المملكة. هذا إلى جانب آلهة الحماية الخاصة، أي الآلهة المحلية، حيث كان لكل منطقة أو قبيلة آلهتها الخاصة([87]). وقد بينت النقوش أهمية ومكانة تلك الآلهة في حياة مجتمعاتهم، من خلال التقرب إليها في أعمالهم جميعها، وكذا حرصهم على تسجيل أسماء الآلهة التي عبدوها، في صيغ الدعاء والتوسل الرسمية، التي غالباً ما تختتم بها نقوشهم. واستمرت عبادة الآلهة الوثنية في جنوب شبه الجزيرة العربية، حتى القرن الثالث -الرابع الميلادي، عندما ظهرت ديانة التوحيد.
توضح النقوش أن منطقة دثينة القديمة في فترة قبل الإسلام، مرت بعبادة الديانتين: الوثنية (عبادة الآلهة الوثنية)، والتوحيد.
بينت النقوش أن منطقة دثينة القديمة، كغيرها من مناطق ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية، عبدت الآلهة الوثنية المتعددة، وبسبب قلة النقوش التي جاءت من أراضي دثينة، يصعب معرفة طبيعة الحياة الدينية فيها، أو أسماء الآلهة المحلية الخاصة بها، إلا أنه يمكن التعرف على أسماء الآلهة الرئيسة التي عبدتها، التابعة لمملكتي أوسان وقتبان، الخاضعة لسيطرتهما. وهذه الآلهة:
آلهة مملكة أوسان:
أشرنا إلى أن دثينة القديمة كانت من أراضي مملكة أوسان المهمة، منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد، ويرجح أنها عبدت الآلهة الأوسانية، وأهمها الإله بلو الإله الرئيس لأوسان([88])، الذي أجمعت على عبادته مناطق المملكة جميعها. ولا يستبعد أن تكون منطقة دثينة أقامت له المعابد في أراضيها، ولكن بسبب الحرب على مملكة أوسان، كما جاء في النقش RES 3945، وتدمير وحرق مناطقها، ومنها دثينة، لم تصلنا نقوش تذكر آلهتها من تلك الفترة.
آلهة مملكة قتبان:
كانت مملكة قتبان هي الوريث الوحيد لمملكة أوسان، وبسطت هيمنتها على أراضيها، ومنها منطقة دثينة، منذ النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد حتى سقوطها.
اتخذ القتبانيون من الإله عم إلهاً رئيساً لهم، ولقبائل ولدعم (ردمان وخولان، مضحي)، وأطلقوا على الإله عم الصفات أو الألقاب المختلفة، حيث كانت كل منطقة تعبده، تطلق عليه لقبه أو صفته الخاصة به. فمثلاً كان الإله عم ذو دونم الصفة الرئيسة له، وعُرفت في العاصمة تمنع. و(عم ذو مبرقم) كانت الصفة الرئيسة التي عُبد بها الإله عم في مقولة بني معاهر وذو خولان في ردمان (المعسال). وأما مقولة مضحي فعبدت الإله (عم ذو عذبتم) كصفة رئيسة لها([89])، وتوضح النقوش أن دثينة القديمة عبدت الإله عم ببعض صفاته، وهي:
-الإله عم ذو لبخ (ع م/ ذ ل ب خ):
يرد الإله عم ذو لبخ مع منطقة دثينة في نقشين من النصوص القانونية القتبانية، سبق ذكرهما:
RES 3866; RES 3889، يؤرخا بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، يوضحا أن دثينة وقبيلة كحد في دثينة، كانت تعبد الإله عم ذو لبخ. وبحسب الوثيقة القانونية تلتزم دثينة بدفع عُشر المحاصيل الزراعية، والضرائب من الأرباح إلى الإله عم ذو لبخ في معبديه في وادي لبخ، وفي مدينة ذات غليم، وأن كبير (الشيخ -المسؤول) كحد في دثينة، هو من يقوم بتحديد العشر والضرائب، وتسليمها لكهنة (أرباب) الإله عم ذو لبخ، ولا يستبعد أن عملية أو مراسيم تسليم العُشر، ترافقها طقوس دينية تقام سنوياً، لم تشر إليها النقوش.
– الإله عم ذو ظرم (ع م/ ذ ظ ر م):
عثر في مواقع وادي شرجان ومواقع شمال دثينة القديمة، على عدد من النقوش تتقرب وتتوسل إلى الإله عم ذو ظرم، وتعود إلى فترات مختلفة، منها:
النقش CIAS 95.11/ 02.n2/2= CSAI II, 12، الذي عثر عليه في وادي ضراوع، ويعود إلى نهاية القرن الأول الميلادي، وفيه:
2- س ق ن ي/ إ ل س/ و م ر أ س/ ع م/ ذ ظ ر م/ ب ع ل/ ش ي [ح م]
2- أهدى إلهه وسيده عَمّ ذو ظرم صاحب (المعبد) شيحم
يذكر النقش اسم معبد (شيحم)، الذي تمارس فيه عبادة الإله عم ذو ظرم، في وادي ضراوع، إلا أن موقع المعبد غير معروف فيه. كما جاء ذكر الإله عم ذو ظرم مع المعبد شيحم في النقشين MQ-Darawi‘ 3/6; MQ-Darawi‘ 2/6، وقد عثر عليهما في وادي ضراوع، ووردت فيهما صيغة واحدة، هي:
(ع م/ ذ ظ ر م/ ب ش ب ع ن/ ذ ش ي ح م)
عم ذو ظرم بمعبده شبعان صاحب (معبد) في شيحم
ويرد الإله عم ذو ظرم في نقوش أخرى([90])، عثر عليها في مواقع وادي شرجان. ويذكر كريستيان روبان أن الإله عم ذو ظرم، كان الإله الخاص بمواقع وادي شرجان([91]).
تشير بعض النقوش التي وجدت في مواقع مختلفة من وادي شرجان، إلى عبادة الإله عم بصفات أخرى، إلا أن تلك النقوش جاءت مختصرة، لم تقدم معلومات عن طبيعة الديانة فيها، وهي:
– الإله عم ذو صرم (ع م/ ص ر م)، ورد في عدد من النقوش، جاءت من مواقع مختلفة: مراوح([92])، دمان([93])، ومكيراس([94]).
– الإله عم ذو بهل (ع م/ ب هـ ل)، جاء في نقش من مكيراس([95]).
– عثر في موقع مراوح على نقوش تذكر الإله عم ذو عثل (ع م/ ع ث ل)([96]). والإله عم ذو عسل (ع م/ ع سَ ل)[97].
كما عثر في مواقع مختلفة من شمال دثينة القديمة، على نقوش صغيرة تذكر بعض الإلهة المعروفة في قتبان وسبأ، منها: الآلهة (عثتر، ود، ذات حميم، شمس)([98]).
ومما سبق يتبين أن مناطق شمال دثينة القديمة، وأهمها مواقع وادي شرجان، عبدت الإله عم بصفته ذو ظرم، وببعض الصفات الأخرى، هذا إلى جانب بعض الآلهة القتبانية. وهذا يعد طبيعياً نظراً لهيمنة مملكة قتبان على منطقة دثينة القديمة، وأيضاً لتداخل أراضي شمال دثينة مع أراضي مقولة مضحي، فضلاً أن مضحي فرضت سيطرتها عليها في القرن الثاني قبل الميلاد
استمرت عبادة الآلهة الوثنية المتعددة، في ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية منذ ظهورها، حتى أواخر القرن الثالث الميلادي، عندما تمكنت حمير (مملكة سبأ وذو ريدان)، من السيطرة على أغلب أراضي البلاد، ظهر تغيير أو تحول في الفكر الديني. فصيغة الدعاء والتوسل للآلهة الوثنية المتعددة التي تختتم بها النقوش، اختفت باستثناء نقوش معبد أوام في مدينة مارب عاصمة مملكة سبأ، الخاص بالإله إلمقه الإله الرئيس لمملكة سبأ، حيث كانت تذكره في نهاية النقوش([99]). وفي القرن الرابع الميلادي حدث التحول، من عبادة الآلهة الوثنية المتعددة، إلى ديانة التوحيد، أي عبادة الإله الواحد (رب السماء)([100]).
عثر في أراضي شمال دثينة القديمة، على نقشين يوضحان أن دثينة عرفت ديانة التوحيد، ويعدا أقدم وأهم النقوش المعروفة حتى الآن على عبادة التوحيد، في جنوب شبه الجزيرة العربية، ووجد النقشان في وادي برع، جاء النقش الأول غير مؤرخ، في حين جاء الثاني مؤرخاً، وهما:
– النقش الأول: برع الأعلى رقم (2)، ونصه:
المعنى
يختتم صاحب النقش أب يدع أشوع (عقب) ممثل أو مسؤول دثينة، أعماله بالدعاء والتقرب إلى الإله (بعل سمين). وهذه الصيغة لم تكن معروفة من سابق. وهي صيغة توحيدية تدعو الإله رب السماء، إي الإله الواحد.
يلاحظ أن النقش لم يؤرخ، ولتحديد تاريخ كتابته، نجد أنه يذكر سيده (سعد يهسكر) من قبيلة الأصابح، وهو أحد زعماء (أقيال) مقولة مضحي، الذي يرد في نقوش أخرى مؤرخة، منها النقش Ja 2356a/4، عثر عليه في وادي شرجان([101])، وهو مؤرخ إلى سنة 345 بحسب تقويم مضحي، ويوافق عام 310 ميلادية([102]). وله أيضاً النقش MAFRAY-Hasi 5/1، الذي وجد في مدينة حصي حاضرة مقولة مضحي، واُرخ إلى سنة 365 بتقويم مضحي ، ويوافق عام 330 ميلادية([103]). وبذلك أُرخ النقش برع الأعلى رقم (2)، إلى عام 330 ميلادية([104]).
إن تأريخ النقش أعلاه إلى عام 330 ميلادية، يجعل منه أقدم نقش توحيدي معروف حتى الآن، يذكر (بعل سمين) رب السماء، أي الإله الواحد، في جنوب شبه الجزيرة العربية.
– النقش الثاني: برع الأعلى رقم (1)، الذي عثر عليه مكتوب على الصخرة نفسها، التي كُتب عليها نقش برع الأعلى رقم (2)، ونصه:
المعنى:
يختتم صاحب النقش معد كرب أشوع (وزع) قائد مضحي، بالدعاء للإله (بعل سمين) رب السماء. ويوثق تاريخ كتابة النص، في شهر صيد سنة 388 بحسب التقويم الخاص بمقولة مضحي، الذي يوافق تقريباً بين عامي343-353 ميلادية([105]).
إن الدعاء في النقشين أعلاه باسم (بعل سمين) الإله سيد أو رب السماء، الذي لم يكن معروفاً من سابق، يمثل تحولاً في الفكر الديني، والاتجاه إلى عبادة الإله الواحد. وبالرغم من أن صيغة النقشين لم تحمل إي إشارة إلى الدين المسيحي أو اليهودي، إلا أنه لا يمكن عدّها غامضة، بل أنها متأثرة بديانة سماوية. لا سيما أن الديانات السماوية قد دخلت البلاد، منذ القرن الأول الميلادي([106]).
يرد أقدم دليل على الديانة اليهودية في جنوب شبه الجزيرة العربية، في النقش (بيت الأشول 1)، وهو غير مؤرخ، إلا أنه يعود إلى عهد ذرأ أمر أيمن ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت، تقريباً بين نهاية القرن الرابع أو بداية القرن الخامس الميلادي([107]).
وأما أقدم النقوش المؤرخة، التي تشير إلى عبادة التوحيد، الإله (بعل سمين)، نجد النقش YM 1950، من عهد ثأران يهنعم ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت، ومؤرخ إلى سنة 483 بحسب التقويم الحميري، والموافق عام 373 ميلادية([108]). ومؤخراً نشر النقش المحفوظ في المتحف العسكري بصنعاء برقم B 8457/5، الذي أُرخ إلى سنة 464 بالتقويم الحميري، الموافق 354 ميلادية([109])، ويعود إلى عهد الملك ذرأ أمر أيمن، الذي يذكره بدون لقبه الملكي، في حين يرد في نقوش أخرى مع لقبه ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت.
وبذلك يتضح أن النقش برع الأعلى رقم (1)، المؤرخ بين عامي343 – 353 ميلادية، الذي يذكر الإله (بعل سمين) رب السماء، أي الإله الواحد، يًعد أقدم نقش توحيدي مؤرخ معروف حتى اليوم، في البلاد.
ومما تقدم يتضح أن منطقة دثينة القديمة عرفت ديانة التوحيد، أي عبادة الإله الواحد، وجاء من أراضيها أقدم النقوش، التي تدل على عبادة الإله (بعل سمين) رب السماء الإله الواحد في جنوب شبه الجزيرة العربية. فالنقش برع الأعلى رقم (1)، المؤرخ بين عامي343-353 ميلادية، يمثل أقدم نقش مؤرخ حتى الآن، عن ديانة التوحيد في البلاد. في حين النقش برع الأعلى رقم (2)، الذي يعود تأريخه إلى عام 330 ميلادية، يُعد أقدم النقوش المعروفة حتى يومنا هذا على عبادة التوحيد، أي الإله الواحد، (بعل سمين) رب السماء في جنوب شبه الجزيرة العربية.
الخلاصة:
خلصت الدراسة إلى أن منطقة دثينة (د ت ن ت)، التي تقع في مديرية (مودية) في محافظة أبين، وما زال الناس إلى اليوم، يطلقون عليها الاسمين معاً (دثينة ومودية)، وأن مساحتها اليوم أقل وأضيق، مما كانت عليه في الألف الأول قبل الميلاد، وحتى في العصر الإسلامي، إذ كانت تمتد من مودية حالياً، إلى جهة الشمال كور العواذل، في مديرية لودر ومناطقها: عقبة ثرة، ومكيراس، ووادي شرجان، والعادية – أمعادية، وعريب، ووادي برع، ووادي السيلة البيضاء، وإلى الشرق من لودر منطقة دمان، ووادي علمة، ومراوح، وغيرها. وتتداخل أراضي شمال دثينة القديمة مع أراضي مقولة مضحي، من قبائل أولاد عم القتبانية، الواقعة في محافظة البيضاء، وكانت الحدود بين دثينة القديمة ومقولة مضحي مماثلة للحدود السابقة، التي كانت بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي قبل عام 1990م، وامتدت دثينة غرباً إلى جبل العرقوب وشقرة إلى يرامس بالقرب من مدينة زنجبار، وجنوباً إلى أحور على بحر العرب.
تبين أن منطقة دثينة القديمة كانت إحدى المناطق المهمة، التي ارتبطت بأحداث تاريخية مهمة في ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية، ويؤرخ أول ذكر لها في النقوش، إلى بداية القرن السابع قبل الميلاد. ويعود آخر ذكر لها تقريباً بين القرنين الخامس والسادس الميلادي. وذكرتها النقوش بصيغة (د ت ن ت)، عدا آخر نقش ذكرها بصيغة الجمع (أ د ت ن ن)، أي الدثنيون.
أتضح أن منطقة دثينة كانت من مناطق مملكة أوسان، التي حظيت بمكانة مهمة، وكانت من المناطق الأوسانية التي تعرضت للتدمير، خلال الحرب التي شنها حلف ممالك (سبأ، قتبان، حضرموت)، ضد مملكة أوسان، ودارت في أراضي دثينة معركة بين الجيشين، وتمت هزيمة أوسان، وتدمير دثينة وأحراق مدنها وأوديتها.
تتميز منطقة دثينة بأراضي زراعية خصبة، ذات محاصيل وفيرة، كما أن موقعها المهم تتوسط مناطق جنوب البلاد، جعل منها محطة تجارية، حيث كانت تقع بعض مناطقها على طريق القوافل التجارية القديم، منها التي تتجه شمالاً، إلى مضحي وذمار وغيرها، وكذا باتجاه الجنوب الغربي نحو ساحل أحور وعدن. وبعضها على طريق القوافل الذي يأتي من تمنع ومأرب.
تبين أن مملكة قتبان كانت الوريث الرئيس لمملكة أوسان، بعد القضاء عليها في القرن السابع قبل الميلاد، واستولت على أراضيها جميعها، بما فيها منطقة دثينة القديمة.
وضحت الدراسة أن الاسم (ك ح د) كحد كان اسماً لعدة مناطق مختلفة، وأن (كحد) الذي ورد في اللقب الملكي القتباني الطويل، كان يقصد به منطقة دثينة القديمة، بدليل وروده في أحد النصوص القانونية الملكية (شعب كحد ذات دثينة)، قبيلة كحد في دثينة. وتبين أن (كحد) تشمل دثينة الحالية، وكذا مرتفعات دمان، ووادي علمة، ووادي شرجان، ومناطق شمال دثينة، كما جاء ذكر (كحد) في نقش واحد فقط، بصيغة الجمع (أ ك ح د ن) أي الأكحديون، نسبة إلى (كحد). وتمكنت مقولة مضحي في القرن الثاني الميلادي، من فرض هيمنتها على مناطق شمال دثينة.
أشارت نقوش دثينة إلى أسماء بعض المناصب الإدارية، التي تساهم في إدارة مناطقها، جاءت أغلبها من مواقع شمال دثينة القديمة، وهي:
الكبير (ك ب ر)، ويعني الشيخ أو المسؤول عن قبيلة أو مدينة تكون جزءاً من منطقة. ومحرج (م ح ر ج)، ويدل على الحاكم في وادي شرجان، أهم مناطق شمال دثينة القديمة، أي أنه الحاكم أو المسؤول، عن هذا الجزء من منطقة دثينة. وعاقب (ع ق ب)، من الوظائف متعددة المهام، قد يكون ممثلاً أو نائباً للملك أو القيل، وممكن أيضاً أن يعينه الحاكم مسؤولاً عن إدارة مدينة، أو جزء من منطقة تخضع لسلطته، أو يكون مسؤولاً عن قصر. والوازع (و ز ع)، أي القائد أو المسؤول عن جماعة معينة ضمن إقليم. ومقتوي (م ق ت و ي)، وظيفة متعددة المهام، قد تكون عسكرية أو مدنية، ويتم تعيين المقتوي من قبل الملك، أو القيل، ليكون مساعد، أو معاون له في عدة مهام. ونحل (ن ح ل)، تعني قائداً عسكرياً.
بينت الدراسة أن منطقة دثينة القديمة، كغيرها من مناطق ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية، في فترة قبل الإسلام، مرت بعبادة الديانتين: (الوثنية)، و(التوحيد). فقد عرفت منذ بداية الإلف الأول قبل الميلاد، الديانة الوثنية متعددة الإلهة، وبسبب قلة نقوش دثينة، لم تصلنا أسماء آلهتها المحلية الخاصة بها، إلا أنها كانت تعبد الآلهة الرئيسة لمملكتي أوسان وقتبان.
استمرت منطقة دثينة في عبادة الآلهة الوثنية، حتى الثلث الأول من القرن الرابع الميلادي، عندما عرفت ديانة التوحيد، عبادة الإله (بعل سمين) رب السماء، أي الإله الواحد. وجاءت من أراضيها أقدم النقوش المعروفة حتى اليوم، التي تدل على ديانة التوحيد، عبادة الإله الواحد، في جنوب شبه الجزيرة العربية.
الاختصارات:
[] يشير إلى أن الحرف أو الحروف، بين هذين الرمزين كانت على النقش، ولكنها اختفت نتيجة
كسر أو طمس وغيرها.
() تكملة لبعض الحروف الناقصة في النقش التي تظهر منها أجزاء بسيطة.
… جزء محذوف.
Inscriptions of al-Jawf, published by Mounir Arbach, M .et Schiettecatte, J, 2006. | al-Jawf |
Inscriptions edited by Chr. Robin, 2005-2006. | Bura‘ |
Corpus des Inscriptions et Antiquités Sud-arabes, 1-1977, 2-1986, Louvain. | CIAS |
Corpus Inscriptionum Semiticarum. | CIH |
Corpus of South Arabian Inscriptions, in Avanzini 2004. | CSAI |
Deutsches Archaologisches Institut | DAI |
متحف ذمارDhmar Museum | DhM |
Inscriptions edited by B. Doe. | Doe-Shirjãn |
Inscriptions edited by F. Bron. | FB-al-Bayda |
M. al- Ggul مجموعة نقوش نشرت بواسطة محمود الغول | Ghul-YU |
Inscriptions from Haram, published by Chr. Robin Inventaire des Inscriptions Sud Arabiques, 1992. | Haram |
Inscriptions edited by A. Jamme. | Ja |
Inscriptions edited by W. W. Müller 1978. | Müller-Kortler |
Khor Rori. البعثة الإيطالية في خورروري – ظفار | KR |
Inscriptions edited by Chr. Robin, 2012. | Lahj no 61 |
Mission Archéologique Française au République Arabe du Yemen. | MAFRAY |
Mission de Qatabān. | MQ |
Bayahn Museum. متحف بيحان | MuB |
Inscriptions edited by J. Pirenne. | Pi. |
Repertoire d’épigraphie sémitique. | RES |
Inscriptions edited by G. Ryckmans. | Ry |
Inscriptions of the Timna’ Cemetery. | TC |
Inscriptions of the Van Lessen Collection. | VL |
Yemeni Museum, Ṣan‘āʾ. | YM |
الخرائط:
([1]) أسناذ مشارك في قسم الآثار والسياحة بكلية الآداب-جامعة عدن.
([2]) الحموي 1988: 116؛ ابن منظور 1999 ج13: 291؛ Al-Sheiba 1987: 27.
([3]) Wissmann 1968: 90; Robin 2005-2006: 38-39.
([4]) الهمداني 1990: 177-178، 188.
([7]) الهمداني 1990: 179- 189.
([11]) بيرن 1980: 77؛ Wissmann und Hofner 1953: 57-58; Doe 1971: 73; Pirenne 1980: 230-232;. انظر: خريطة رقم (3).
([12]) بافقيه 1985: 21-22؛ Doe 1971: 73.
([15]) بيستون وآخرون 1982: 84؛ Ricks 1989: 95.
([17]) Wissmann und Hofner 1953: 57-58; Doe 1971: 73; Al-Sheiba 1987: 28.
([18]) بافقيه 1994: 28؛ مكياش 1993: 31؛ Doe 1971: 73; Al-Sheiba 1987: 19.
([20]) Wissmann 1968: 90; Al-Sheiba 1987: 21.
([21]) الهمداني 1990: 179-189.
([25]) بافقيه 1985: 34؛ روبان: 2006: 7. وانظر: (خريطة رقم 4).
([26]) Gajda et al., 2009: 165.
([29]) Robin 2016: 26 note 37.
([30]) عربش والسقاف 2001: 113؛ حبتور 2003: 19؛Robin 2016: 26 note 39 .
([32]) مكياش 1993: 105؛ Wissmann und Hofner 1953: 64-65; Doe 1971: 71; Al-Sheiba 1987 : 49.
([33]) Beeston 1971: 9-20; Pirenne 1991: 153-166.
([34]) CIAS 47.11/b2/1 = CSAI I, 5; RES 3880/1-2 =CSAI I, 26; RES 4328/1-4 = CSAI I, 28; MuB 673/1-2 = CSAI I, 18; RES 3550/1-2= CSAI I, 21; Pi. Huwaydar 1/1-3= CSAI I, 19; Ja 405/1-2= CSAI I, 9; MQ-Hinu az-Zurayr 1/1-2= CSAI I, 14; TCA/1-3= CSAI I, 1093.
([36]) روبان: 2006: 7؛ عربش 2006: 71.
([37]) روبان: 2006: 7؛ عربش 2006: 71.
([38]) Robin 2016: 63,73; Gajda et Bron 2017: 204.
([39]) Gajda et Bron 2017: 201.
([41]) Robin 2005 – 2006 : 38 ,40 , 98.
([42]) الأغبري 2013: 176؛ Robin 2005-2006: 38,94.
([43]) Robin et Gajda 1994: 116.
([44]) كانت بعض ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية (سبأ، معين، قتبان)، تستخدم نظام تأريخ معقد نوعاً ما، يقوم على أسماء الأشخاص في حساب الزمن والسنيين. ولم يُعرف حساب الزمن بشكل متسلسل، إلا مع ظهور مملكة سبأ وذو ريدان، التي كانت تؤرخ نقوشها بشكل متسلسل، عُرِفَ كتقويم باسم (م ب ح ض/ ب ن/ أ ب ح ض) مبحض بن أبحض، وبدأ التأريخ به تقريباَ من عام 110 قبل الميلاد. ينظر (روبان 1999: 60-63؛ الحسني 2012: 265-272)
([46]) Kitchen 2000: 317; Robin 2005-2006: 38,47.
[47])) منطقة أو مقولة سفرم، يرد ذكرها في نقوش مضحي، ويافع، وهي من أسماء المواقع الجغرافية غير المعروفة حالياً. ومن المحتمل أن يكون موقعها هو وادي سفر الذي يقع على بعد 20-25 كم جنوب مدينة حصي حاضرة مقولة مضحي. ينظر: (Wissmann 1968: 86; Robin 2005-2006: 42).
([50]) Beeston 1971: 13; Pirenne 1990: 165.
([51]) Wissmann und Hofner 1953: 65; Pirenne 1991: 155.
([52]) بيستون وآخرون 1982: 84.
([55]) Gajda et al., 2009: 168-172.
([56]) النقش بافقيه – باطايع 6/ 2 = CSAI II, 3؛ بافقيه – باطايع 8/2؛ Lahj no 61/2.
([58]) بيستون وآخرون 1982: 70.
([61]) Wissmann 1968: 80; Nebes 2005: 360-361.
([62]) Robin 2005-2006: 54-55, 60.
([63]) الأغبري 2013: 176؛ Robin 2005-2006: 38,94.
([64]) بيستون وآخرون 1982: 17- 18؛ Biella 1982: 379.
([66]) Robin 2005-2006: 57; Robin 2010: 54.
([67]) استخدمت مقولة مضحي تقويماً خاصاً بها أطلقوا عليه في النقوش (ن ب ط م/ ذ خ ر ف) نبطم ذو خرف، وبدأ التأريخ به تقريباً بين عامي 25 – 35 قبل الميلاد. ينظر (روبان 1999: 60؛ Robin 2005-2006: 62,92).
([69]) Robin 2005-2006: 36,54.
([70]) Robin 2005-2006: 41,95.
([72]) as-Sawdaʾ 33/4; as-Sawdaʾ 34/2.
([75]) بيستون وآخرون 1982: 167؛ Biella 1982: 125.
([76]) Robin 2005 – 2006: 57 – 58; Robin 2010: 54 note 58.
([78]) بيستون وآخرون 1982: 109.
([79]) يوسف 2010: 179-192؛ Robin 2005-2006: 58.
([81]) DAI Sirwah 2005-50/7; Haram 15/ 26; CIH 605 bis/4; Ja 665/33, 35, 37.
([83]) al-Jawf 04.28/2; Haram 2/ 12.
([84]) بيستون وآخرون 1982: 95.
([86]) 82; Robin 2005-2006: 59.
([87]) ريكمانز 1987: 37؛ الحسني 2012: 16.
([88]) Calvet et Robin 1997: 58.
([89]) الحسني 2012: 137-139؛ Robin 2005-2006: 68-69.
([90]) Ja 2439/1= CSAI I, 160; MQ-al-Hat 1/7.
([93]) RES 5014; RES 3521; RES 5014; RES 3521; RES 3526; RES 3527; RES 3528.
([96]) Ja 2463; Ja 2464; Ja 2490 h.
([98]) Robin 2005-2006: 70-72.
([99]) Beeston 1984: 149; Robin 2001: 201.
([102]) Robin 2005-2006: 73-74,99.
([103]) Robin 2001: 192-194; Robin 2005-2006: 99.
([104]) الأغبري 2013: 176؛ Robin 2005-2006: 73-94.
([108]) Robin 2001: 102; Gaida 2005: 21-29.
([109]) Prioletta 2012: 315 – 332.
المراجع العربية:
الأغبري، فهمي، «نقوش سبئية جديدة تحتوي على أقدم نقش توحيدي مؤرخ»، ريدان، العدد 8، صنعاء، 2013م.
بافقيه، محمد عبدالقادر، تاريخ اليمن القديم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985.
بافقيه، محمد عبدالقادر، «نقش قتباني يذكر ملك عم وأنـ (بي)»، ريدان، العدد 6، مطابع معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي – المركز الفرنسي للبحوث العلمية – جامعات اكس مرسيليا، صنعاء، 1994م.
بيرن، جاكلين، «استطلاع تاريخي في منطقة مملكة أوسان»، ريدان، العدد 3، مطابع منشورات بيترز، لوفان، 1980م.
بيستون، أ. ف، ل، «لغات النقوش اليمنية القديمة نحوها وتصريفها»، في مختارات من النقوش اليمنية القديمة، تونس، 1985م.
بيستون، أ. ف. ل، وآخرون، المعجم السبئي، دار نشريات بيترز-مكتبة لبنان، بيروت، 1982.
حبتور، ناصر صالح، «توحيد اليمن قديماً بين (ذكر إل) و(كرب إل)»، سبأ، العدد 12، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، 2003م.
الحسني، جمال محمد، الإله عم وآلهة قتبان (700 ق.م -170م)، رسالة دكتوراه (غير منشورة)، طنطا، 2012م.
الحموي، ياقوت، البلدان اليمانية، تحقيق إسماعيل بن علي الأكوع، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت-مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، 1988.
روبان، كريستيان، «التسلسل التاريخي ومشكلاته»، اليمن في بلاد ملكة سبأ، ترجمة بدر الدين عرودكي، مراجعة يوسف محمد عبدالله، معهد العالم العربي-باريس ودار الأهالي، دمشق، 1999.
روبان، كريستيان، «مملكة قتبان ومدينة تمنع»، تمنع العاصمة القديمة لقتبان، بقلم: الساندرو دي مغريه وكريستيان روبان، ترجمة مالك الواسطي، مراجعة عيسى علي بن علي وعبد الباسط نعمان، البعثة الايطالية للآثار في جمهورية اليمن، 3، صنعاء، 2006م.
ريكمانز، جاك، «حضارة اليمن قبل الإسلام»، ترجمة علي محمد زيد، دراسات يمنية، العدد 28، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1987م.
السقاف، حمود محمد جعفر، «أول نقش يذكر مكرب أوسان»، ريدان، العدد 6، مطابع معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي – المركز الفرنسي للبحوث العلمية – جامعات اكس مرسيليا، صنعاء، 1994م.
عربش، منير، «رؤى جديدة لكتابة تاريخ مملكة قتبان من خلال الآثار والنقوش»، حوليات يمنية، العدد 3، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2006م.
عربش، منير والسقاف، عبدالرحمن حسن، «نقش جديد من عهد يدع أب ذبيان يهنعم ملك قتبان ويدع أب غيلان ملك حضرموت»، ريدان، العدد 7، مطابع معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي – المركز الفرنسي للبحوث العلمية – جامعات اكس، مرسيليا، الأفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2001م.
فرحان، عباس علوي، قبائل دثينة في عصر الدولة الرسولية (626-852ه)، الآداب، العدد 10، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، 2012م.
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد مكرم (ت 711ه/1311م)، لسان العرب، الجزء 13، بيروت، دار إحياء التراث العربي- مؤسسة التاريخ العربي، 1999م.
الهمداني، الحسن بن أحمد، صفة جزيرة العرب، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1990م.
يوسف، هالة، «دراسة تحليلية للقب (مقتوي) في النقوش السبئية»، مجلة جامعة الملك سعود، المجلد 2، السياحة والآثار (2)، الرياض، 2010م.
المراجع غير العربية:
Arbach, M, et Schiettecatte, J, Catalogue des Pièces Archéologiques et Epigraphiques du Jawf au Musée National de San‘a’ , Sana’a, 2006.
Avanzini, A, Corpus South Arabian Inscriptions I-III, Qatabanic, Marginal Qatabanic, Awsanite inscriptions, (Arabia Antica Series 2), Pisa, 2004.
Beeston, A.F. L, “Labakh Texts”, Qahtan, Studies in Old Arabian Epigraphy, Fascicule. 2, London, 1971.
Beeston, A. F. L, “Himyarite Monotheism”, dans Studies in the History of Arabia, II, PreIslamic Arabia, King Saud University Press, 1984, p. 149-154.
Biella, J. C, Dictionary of Old south Arabic, Sabaean Dialect, Harvard Semitic Studies. 25, Chico: Scholars Press, 1982.
Calvet, Y, et Robin, Chr, Arabie Heureuse Arabie Déserte, Les Antiquités Arabiques du Musée du Louvre, Notes et Documents des Musées 31, Paris, 1997.
CIAS, Corpus Des Inscriptions EtAntiquités Saudi Arabes, Tome.1-2, in J. Pirenne (ed), Académie Des Inscriptions Et Belles Lettres, Editions Peeters, Louvain,1977, 1986.
CIH, Coroups Inscriptionm Semiticarum, Pars quarta, Inscriptiones Himyarticas et Sabaeas Continens, (Tabulae, tomes. I, II et III) Parisiis, 1889 – 1932, (inscriptions nos 1-985).
Doe, B, Antiquities Report for the Years 1961-1963 and Bulletin, no 4, Aden, 1964.
Doe, B. Southern Arabia, Thames and Hudson, London, 1971.
Gaida, I, “The Earliest Monotheistic South Arabian Inscription, Archäologische Berichte aus dem Yemen, Band 10, Sanaa, 2005, p. 21-29.
Gajda, I, et al., “Two Inscriptions Commemorating the Construction of A Mountain Pass, By Yyada‘ Ab Dhubyan Son of Shahr Mukarrib of Qatabān, and By the Qayls of the Madhi Tribe”, Egitto Vicino Oriente 32, 2009, p. 165-181.
Gajda, I, et Bron, F, “Les inscriptions sudarabiques découvertes dans le wādī ‘Alma”, Semitica et Classica. 17, 2017, p, 195-213.
Jamme, A, Sabaean Inscriptions From Maharm Bilqis (Marib), (Publications of the American Foundation for the Study of Man, 3), Baltimore, 1962.
Jamme, A, Miscellanées d’ancient Arabe 2, Washington, 1971.
Kitchen, K. A, Documentation for Ancient Arabia, Part II, Bibliographical Catalogue of Texts, World of Ancient Arabia Series, Liverpool University Press,Liverpool, 2000.
Muller, W, “Sabaische Felsinschriften von der jemenitishen Grenze zur Rubʿ al-Ḫālī”, Neue Ephemeris für semitische Epigraphik, 3,1978, p. 113-136.
Nebes, N, “Sabaische Texte”, in F. Breyer and M. Lichtenstein (eds.), Staatsverträge, Herrscherinschriften und andere Dokumente zur politischen Geschichte. Texte aus der Umwelt des Alten Testaments. Neue Folge. 2. Gütersloh: Gütersloher Verlagshaus, 2005, p. 331-367.
Pirenne, J, “Deux prospections historiques au Sud- Yémen”, Raydan, 4, 1981, p. 205-248.
Pirenne, J, “Les Arbay du Dieu ‘Amm de Labakh et Leur Sanctuaire Rupestre”, in Etudes Sud-Arabes, Recueil offert a Jacques Ryckmans, publications de L’institut Orientaliste, De Louvain 39, Louvain, 1991, p. 153-166.
Prioletta, A. “A New Monotheistic Inscription from the Military Museum of Ṣanʿā”, in A. V. Sedov (ed.), New Research in Archaeology and Epigraphy of South Arabia and its Neighbors, Proceedings of the “Rencontres Sabéennes 15” held in Moscow, May 25th –27th, 2011. The State Museum of Oriental Art- Russian Academy of Sciences Institute of Oriental Studies, Moscow, 2012, p. 315-332.
RES, Répertion d’ E’pigraphie Sémitique, publié par La Comission du Corpus Inscrptionum Semiticarum (Académie des Inscriptions et Belles-Lettres): Tome.V,1929; Tome. VI, 1935 ; Tome. VII, 1950, (rédiges par : G. Ry), Paris.
Ricks, S, D, Lexicon of Inscriptional Qatabanian, Editrice Pontificio Instituto Biblico, Rome, 1989.
Robin, Chr, Inventaire des Inscriptions Sudarabiques, Tom 1 , Inabba, Haram, AL- Kaffir , Kamna et AL-Harashif , Deffusion de Boccard , Paris. 1992.
Robin, Chr, “Décompte du temps et souveraineté politique en Arabie méridionale”, in F. Briquel-Chatonnet and H. Lozachmeur (eds.), Proche-Orient ancien. Temps vécu, temps pensé, Actes de la table ronde du 15 novembre 1997 organisée par l’URA 1062, Etudes Sémitiques, (Antiquités sémitiques, 3).1998, Paris. p. 121-151.
Robin, Chr, “Les Inscriptions dr Hasi, (avec une contribution de Serge Frantsouzoff)”, Raydan. 7, 2001, p. 179-199.
Robin, Chr, Le judaisme de Himyar, Arabia. 1, 2003, p. 97-172.
Robin, Chr, “Les Banū Hasbah, princes de la commune de Madhâ ͫ ”, Arabia, 3, 2005-2006, p. 31-110.
Robin, Chr, “Nagrān vers l’époque du massacre”, notes sur l’histoire politique, économique et institutionnelle et sur l’introduction du christianisme (avec un réexamen du Martyre d’Azqīr). in Le massacre de Najrân. Religion et politique en Arabie du Sud au VIe siècle, Association des amis du Centre d’histoire et civilisation de Byzance, Paris, 2010, p. 39-106.
Robin, Chr, “‘ṯtr au féminin en Arabie méridionale”, in A. V. Sedov (ed.), New Research in Archaeology and Epigraphy of South Arabia and its Neighbors, Proceedings of the “Rencontres Sabéennes 15” held in Moscow, May 25th –27th, 2011. The State Museum of Oriental Art- Russian Academy of Sciences Institute of Oriental Studies, Moscow, 2012, p. 333-366.
Robin, Chr, “Tamnaʿ et Qatabān, L’état des lieux”, dans Les fouilles italo-françaises, rapport final, édd. Alessandro de Maigret et Christian Julien Robin (Orient et Méditerranée, 20), Paris-de Boccard, 2016, p.17-80.
Robin, Chr, et Gajda, I, “L’inscription du Wadi ‘Abadan”, Raydan. 6, 1994. p. 113-137.
Al-Sheiba, A. H, Die Ortsnamen in den Altsudarabischen Inschriften, Archäologische Berichte aus dem Yemen, Band 4, Sana’a, 1987.
Wissmann, H, Zur Archaologe Und Antiken Geographie Von Sudarabien, Hadramaut, Qataban Und Das ʽAden-Gebiet in Der Antike, Istanbul, 1968.
Wissmann, H, und Hofner, M, Beitrage zur histrischen Geographie des vorislamischen Sudarabien, (Akademie der Wissenschaften und der Literatur Abhandlung der Geites-und Sozialwissenschaftlichen Klasse, Jahrgang 1952. Nr. 4), Wiesbaden, 1953.