د.أحمد صالح محمد العبادي
د.أحمد صالح محمد العبادي([1])
ملخص البحث:
يتحدث هذا البحث، عن تحكم الفرس بطريق تجارة الحرير الصيني، ودوره في الصراع البيزنطي الفارسي، للسيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر، في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، إذ تحكم الفرس بطريق الحرير الصيني المتجه إلى بيزنطة، والذي كان يمر من خلال أراضي الفرس ومناطق نفوذهم، وكانت بيزنطة تستورد الحرير بكميات كبيرة لاحتياجه في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكانت فارس تفرض على بيزنطة رسومًا جمركية باهظة، بل إنها كانت تقطع طريق الحرير الصيني المتجه إلى بيزنطة، لاسيما عندما كانت تتوتر العلاقات وتنشب الحروب بين الإمبراطوريتين العظميين، بيزنطة وفارس، مما كان يؤدي إلى توقف تدفق الحرير الصيني وبضائع الشرق الأقصى إلى بيزنطة، ومن ثم حرمان الخزانة البيزنطية من مورد مالي كبير، وتدهور للاقتصاد البيزنطي، وسخط اجتماعي في بيزنطة، مما دفع بيزنطة إلى البحث عن طريق بديل للحصول على الحرير الصيني، بعيدًا عن سيطرة الفرس وتحكمهم، فاتجهت أنظار بيزنطة نحو السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر وطريق القوافل التجارية البري (طريق البخور)، الذي كان يربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية وشمالها، فعملت بيزنطة على نشر الديانة المسيحية في اليمن عن طريق حليفتها الحبشة، فاعتنق الملك ذو نواس الحميري ــ ملك اليمن آنذاك ــ الديانة اليهودية وجعلها الديانة الرسمية للدولة، وتشدد في فرضها على الطوائف الأخرى، وأجبر المسيحيين في اليمن على اعتناقها، وقتل البعض من النصارى حرقًا بالنار داخل الأخدود الذي شقه في الأرض، لحرق من يرفض اعتناق الديانة اليهودية، فتدخلت بيزنطة وحليفتها الحبشة لحماية أتباع المسيحية، وتدخلت فارس لحماية أتباع اليهودية والوثنية، وتحولت اليمن إلى ساحة صراعات دولية بين بيزنطة وفارس، من أجل السيطرة على السواحل اليمنية وطرق التجارة البحرية والبرية التي كانت تتحكم بها اليمن، وقامت بيزنطة بالاشتراك مع حليفتها الحبشة بغزو اليمن عام ٥٢٥ م، بذريعة حماية المسيحيين، فوقعت اليمن تحت الاحتلال البيزنطي الحبشي، ضحية للصراع البيزنطي الفارسي.
Research Summary
The Persians controlled by Chinese Silk Trade, and its role in the Persian Byzantine conflict to control the Yemeni coast an
the Red Sea road in the first quarter of the sixth century.
This paper talks about the Persians’ control of the Chinese silk trade route, and its role in the Byzantine-Persian struggle to control the Yemeni coasts and the Red Sea Road, in the first quarter of the sixth century AD, as the Persians ruled the Chinese Silk Road heading to Byzantium, which was passing through the lands Persians and their areas of influence, and Byzantium imported silk in large quantities for its needs in social, political and economic life, and Persia imposed exorbitant customs duties on Byzantium, and it was even cutting the Chinese Silk Road heading to Byzantium, especially when relations were tense and wars broke out between the two great empires, Byzantium and Persia Which led to the cessation of the flow of Chinese silk and Far Eastern goods to Byzantium, and then deprived the Byzantine Treasury of a large financial resource, the deterioration of the Byzantine economy and social discontent in Byzantium, which prompted Byzantium to search for an alternative way to obtain Chinese silk, away from the control of the Persians and their control. Byzantium’s attention turned towards the Yemeni coasts, the Red Sea Road and the land commercial convoys road (Incense Road), which connected the southern Arabian Peninsula. God, Byzantium worked to spread Christianity in Yemen through its ally Abyssinia, so King Dhunwas al-Hamiri, King of Yemen at that time, embraced Judaism and made it the official religion of the state, and tightened its imposition on other sects, and forced Christians in Yemen to convert to it, and some Christians were burned with fire Inside the groove that it has created in the land, to burn those who refuse to convert to Judaism, then Byzantium and its ally Abyssinia intervened to protect the followers of Christianity, and Persia intervened to protect the followers of Judaism and paganism, and Yemen turned into an international battleground between Byzantium and Persia, for control of the Yemeni coasts and the sea and land trade routes that Yemen was controlled by it, and Byzantium, in conjunction with its ally Abyssinia, invaded Yemen in 525 AD, under the pretext of protecting the Christians, so Yemen fell under the Byzantine Abyssinian occupation, a victim of the Byzantine-Persian conflict
dr.Ahmed saleh Alabadi
– Professor of Ancient History Co – History Section – Faculty of Education – University of Aden – Republic of Yemen. Email: [email protected]
المقدمة ومشكلة الدراسة:
اعتمدت التجارة البيزنطية مع الصين والهند في القرن السادس الميلادي، على العلاقات بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، التي كانت تسودها الحروب بينهما بصورة تكاد تكون مستمرة، باستثناء أوقات الهدنة، وذلك من أجل السيطرة على طرق التجارة، إذ كانت طرق التجارة البيزنطية البرية والبحرية مع بلاد الصين والهند رهينة بيد الفرس، ولم يكن بإمكان بيزنطة الاتصال المباشر بالشرق الأقصى لشراء البضائع الشرقية بضمنها الحرير الصيني الذي كانت بيزنطة تستورده بكميات كبيرة، وتحتاجه بشدة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تكن فارس تسمح بوصول السفن البيزنطية إلى سواحل غرب الهند وجزيرة سيلان، مركز التبادل التجاري لشراء الحرير، الذي كانت فارس تحرص على شرائه كلّه من تجار الصين والهند وبأسعار عالية ومن ثم تتحكم به، بحيث لا يصل إلى بيزنطة إلا عن طريق تجار فارس.
وكان محتومًا على البضائع البيزنطية بضمنها الحرير الصيني المرور عبر الأراضي الفارسية، مما جعل فارس منطقة تهديد للتجارة البيزنطية مع الشرق الأقصى، وكانت فارس تفرض على تجارة الحريررسومًا جمركية عالية، أرهقت الخزانة البيزنطية، بل كانت فارس أحيانًا تقطع طريق الحرير بصورة تامة لاسيما في أوقات الحروب بينها وبين بيزنطة، مما كان يسبب تدهورًا اقتصاديًا لبيزنطة التي كانت تجني أرباحًا كبيرة من تجارة الحرير وسلع الشرق الأقصى الأخرى.
لذلك اتجهت أنظار بيزنطة نحو السواحل والموانئ اليمنية وطريق البحر الأحمر الذي كانت بيزنطة تتحكم بشماله من خلال سيطرتها على مصر، في حين كانت اليمن تتحكم بمدخله الجنوبي من خلال مضيق باب المندب، وتتحكم بسواحلها الطويلة المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي والموانئ اليمنية المنتشرة على سواحلهما، والتي كانت على صلة مباشرة بتجارة الصين وبلاد الهند، بل إن تلك الموانئ كانت تعد، أسواقًا تجارية دولية كبيرة للتبادل التجاري، تلتقي فيها تجارة أقطار حوض البحر الأبيض المتوسط وغربي آسيا بتجارة الهند والشرق الأقصى وشرقي أفريقيا والخليج العربي، فضلًا عن تحكم اليمن بطريق القوافل التجارية البري، الذي كان ينطلق من هذه الموانئ في جنوب شبه الجزيرة العربية عبر الأراضي اليمنية، متجهًا إلى شمال شبه الجزيرة العربية وشرقها وإلى سواحل البحر المتوسط، وكان يعد شريانًا تجاريًا بريًا مهمًا لنقل منتجات اليمن الثمينة من البخور والمر وغيرها من العطريات، لذلك كان يسمى (طريق البخور)، وأيضًا كانت تنقل عبره بضائع الشرق الأقصى بضمنها الحرير، وذلك على ظهور الجمال، وكان يعد طريق القوافل أكثر ضمانًا لدى التجار، ويفضلونه على الطريق البحري عبر البحر الأحمر؛ نظرًا لمخاطر هذا البحر وتعرضه للقرصنة أحيانًا.
وقد احتدم الصراع بين القوتين العظميين، بيزنطة وفارس، في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، من أجل السيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر وطريق القوافل التجارية البري، لاسيما بعد أن قطعت فارس طريق الحرير البري الشمالي، الذي كان يمر عبر أراضيها متجها إلى بيزنطة، بسبب الحروب بينها وبين بيزنطة، وتوقف تدفق الحرير الصيني إلى بيزنطة، ولم يعد أمام بيزنطة سوى الحصول على الحرير الصيني بواسطة طريق البحر الأحمر والموانئ اليمنية، فأرادت فارس أن تسيطر على طريق البحر الأحمر وسواحل اليمن، لتحكم الحصار على بيزنطة وتحرمها من بضائع الشرق الأقصى بضمنها الحريرالصيني، لاسيما أن طريق الخليج العربي كان تحت السيطرة الفارسية، لذلك سارعت بيزنطة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لغزو اليمن، فوجدت في الصراع الديني الدائر في اليمن خلال هذه المدة فرصة مناسبة لغزو اليمن، بذريعة حماية المسيحيين في اليمن الذين بطش بهم الملك الحميري يوسف ذو نواس، وأجبرهم على اعتناق ديانته اليهودية، وتم التنسيق بين بيزنطة وحليفتها الحبشة لإعداد حملة حبشية يحملها أسطول بيزنطي لغزو اليمن.
لذلك رأى الباحث أن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة بذاتها تبرز أهمية الحرير الصيني بالنسبة لبيزنطة، وتحكم فارس بطريق الحرير الصيني الذي يمر عبر أراضيها ومناطق نفوذها، وإيقاف تدفقه إلى أراضي الإمبراطورية البيزنطية ومناطق سيطرتها، ودور ذلك التحكم في الصراع البيزنطي الفارسي للسيطرة على السواحل والموانئ اليمنية وطريق البحر الأحمر في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، وحصول بيزنطة على الحرير الصيني بعيدًا عن تحكم فارس، وقد أدى ذلك الصراع إلى الغزو الحبشي البيزنطي لليمن عام ٥٢٥م.
أهمية السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر في ميزان القوى الدولية في العصور القديمة:
تشرف اليمن على البحر الأحمر من الغرب والجنوب، والبحر العربي من الجنوب والجنوب الشرقي، وتتحكم بمدخل البحر الأحمر الجنوبي، من خلال سيطرتها على مضيق باب المندب، الممر المائي المهم الذي كان يمر من خلاله الطريق التجاري البحري الرئيس ( طريق تجارة الشرق) ذلك الشريان التجاري الذي كان يربط بين الشرق والغرب.
وقبض اليمنيون منذ عصور موغلة في القدم، على زمام التجارة البحرية في الشرق، وكانت سفنهم هي الوحيدة التي تمخر المحيط الهندي لتنقل سلع الهند والشرق الأقصى إلى موانئ اليمن الواقعة على البحر الأحمر والبحر العربي، التي كانت ملتقى التجارة القادمة من الشرق والغرب، إذ كانت على اتصال مباشر ببلاد الهند، والسفن التجارية تروح وتغدو إليها من الشرق الأقصى ومن الغرب وبلاد مصر وأفريقيا والخليج العربي، كما كانت اليمن تتحكم بطريق القوافل التجارية البري الذي كان ينطلق من الموانئ اليمنية في جنوب شبه الجزيرة، ويمر عبر أراضيها متوجهًا إلى شمال شبه الجزيرة العربية وشرقها، والذي كانت تنقل عبره منتجات اليمن الثمينة من البخور والمر وغير ذلك من العطريات التي لم يكن بوسع العالم القديم الاستغناء عنها لاستعمالها في الطقوس الدينية والجنائزية وسائر الاحتفالات والمناسبات العامة والخاصة وزينة النساء وطيوبها، وغير ذلك من الاستعمالات، وكانت تلك المواد لا تنتج بغير أرض اليمن([2]).
أما أهم الموانئ اليمنية التي ازدهرت على امتداد السواحل اليمنية، على البحر الأحمر والبحر العربي، التي كانت متصلة بالتجارة الدولية، فأبرزها:
أ- ميناء موزع – Muza – وهو ميناء المخا، على الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الأحمر، وكان سوق مدينةٍ دولي، تحدث عنه صاحب كتاب (دليل البحر الإريثري) وهو لمؤلف يوناني مجهول، عاش في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي وفقًا لرأي جمهور المؤرخين([3])، الذي أورد وصفًا موجزًا لأهمية ذلك الميناء والبضائع التي كانت ترد إليه، وتصدّر منه أو تباع في سوقه، وذكر أن هذا الميناء يعد سوق مدينة تم تأسيسه بموجب القانون، وإنه كان يعج بالسفن التي تقصده من الشرق والغرب، والملاحين العرب وغيرهم من المشتغلين بالتجارة، وممن يجوبون البحار من التجار والبحارة الذين يشتغلون بالتجارة من الساحل الأقصى في بلاد الهند، والذين كانت سفنهم تغدو وتروح إليه محمّلة بصنوف البضائع([4]) وذكر صاحب كتاب الدليل أن السفن كانت تخرج من هذا الميناء محملة بمنتجات اليمن الثمينة، وإليه كانت ترد الحاصلات الثمينة والمرغوبة، إذ كان يرد إليه: اللؤلؤ من الخليج العربي، والأنسجة والسيوف من الهند، والحرير من الصين، والرقيق والقرود وريش النعام والذهب من الحبشة، وكانت ترد إليه صنوف الأقمشة ناعمها وخشنها، وألبسة خيطت على الطراز العربي، وهي ذات أكمام عادية ومطرزة أو موشّاة بالذهب والزعفران، وأنسجة القطن الشفافة والأعبئة والأحرمة بعضها عادية والأخرى مصنوعة على الطراز المحلي، والأوشحة ذات الألوان المتعددة، والدهون والمراهم المعطرة، وقصب الذريرة، والخمور، والحنطة بكميات قليلة. وكانت تهدى للزعيم(القيل) الخيول والبغال القوية والأواني المصنوعة من الذهب والفضة والآنية النحاسية، وتصدر تلك البلاد (اليمن) حاصلات أرضها من فاخر المر والصمغ المعيني والرخام والمرمر وغيرها([5]).
ب – ميناء أوكيليس -Ocelis- أي عقيلا أو عقيليا، وهو ميناء يقع على الرأس الناتئ من اليابسة المطل على مضيق باب المندب، والذي كان يعرف لدى اليونان والرومان بمضيق (ديرة)، وتوجد به جزيرة (ديودوروس) وهي جزيرة ميون، وكان ميناء عقيلا أول ميناء تقصده السفن القادمة من الشرق، في بداية البحر الأحمر، لتستريح به وتتزود بالماء والغذاء قبل مواصلتها الإبحار غربًا عبر البحر الأحمر، ويعد آخر الموانئ في نهاية البحر الأحمر بالنسبة للسفن القادمة من الغرب عبر البحر الأحمر المتجهة شرقًا عبر المحيط الهندي، ويذكر صاحب كتاب (دليل البحر الإريثري)، أن بضائع الساحل الأفريقي، كانت تعبر مضيق باب المندب بواسطة القوارب إلى هذا الميناء([6])
ج – ميناء عدن، الذي عرف في كتابات اليونان والرومان (Arabia Euddaemon)، أي العربية الميمونة، و(Arabia emporiom) بمعنى المركز التجاري لبلاد العرب([7])، ويذكر صاحب كتاب دليل البحر الإريثري، أن عدن كانت تابعة لحكم الملك(كرب إيل)، وتوجد بها مراس مناسبة للسفن التي كانت تقصدها من الشرق والغرب، وأنها كانت ملتقى التجارة القادمة من الغرب وبلاد مصر وأفريقيا ومن الهند، وأن عدن كانت بمنزلة الإسكندرية من حيث الأهمية التجارية([8]).
د – ميناء قناء(Cana) حصن الغراب أو بير علي، ويذكر صاحب كتاب دليل البحر. الإريثري، أنه كان خاضعًا لحكم ملك بلاد البخور(Eleazus)، وهو العزيلط ملك حضرموت، وأنه إلى الداخل منه كانت توجد العاصمة (Sabatha)، أي شبوة، وكان يتم تجميع البخور الذي تنتجه تلك البلاد إلى هذا الميناء على ظهور الجمال، وأن هذا الميناء كانت له صلاته التجارية مع بلاد الهند وسكيثيا في بلاد السند وعمان والساحل المجاور، وأنه كان سوق مدينة، ترد إليه السلع والبضائع والأقمشة والملبوسات ذاتها التي كانت ترد إلى مينا موزع (المخا)، وكان يتم به تشكيل الذهب وألواح الفضة وحملها إلى الملك، فضلًا عن الخيول والتماثيل وصنوف الملابس الفاخرة رفيعة الصنعة. ومن هذا الميناء كانت تصدر الحاصلات المحلية، وهي البخور، والصبر، وسائر السلع التي كان يتم تبادلها مع الموانئ الأخرى، وكان يتم الإبحار من هذا الميناء في الوقت الذي كان يتم به الإبحار من ميناء موزع (المخا)([9]).
وكانت السفن التجارية القادمة من الهند والشرق الأقصى عبر المحيط الهندي، التي تحمل السلع المهمة ونفائس الشرق المراد نقلها إلى الغرب؛ تفرغ حمولتها في تلك الموانئ لاسيما مينائي عدن وقنا، ليتم نقلها بواسطة القوافل التجارية برًّا عبر طريق القوافل من جنوب شبه الجزيرة إلى شمالها، وحتى سواحل البحر المتوسط، وكان هذا الطريق أكثر ضمانًا من طريق البحر الأحمر؛ نظرًا للمخاطر التي كانت تواجه السفن في هذا البحر، فضلًا عن تعرضه للقرصنة أحيانًا.
أما طريق البحر الأحمر فقد شهد تنافسًا شديدًا، بين قوى خارجية وإقليمية متعددة في العصور القديمة، لاسيما منذ عهد الإسكندر الأكبر المقدوني (333 – 323 ق. م)، الذي أرسل بعثات كشفية من الخليج العربي لكشف سواحل جنوب شبه الجزيرة العربية، ومعرفة أفضل السبل لغزوها برًّا، ثم في عصر البطالمة الذين حاولوا السيطرة على سواحل البحر الأحمر، وكسر احتكار تجار اليمن لتجارة الشرق، والسيطرة على طريق البحر الأحمر ذلك الشريان التجاري المهم الذي يربط الشرق بالغرب، وأرسلوا عددًا من البعثات والرحلات الكشفية من مصر، بهدف كشف سواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية، وقاموا بإنشاء عدد من المدن والموانئ على سواحله لاسيما الساحل الجنوبي الغربي([10]).
كما حاول الرومان فيما بعد، السيطرة على سواحل اليمن وطريق البحر الأحمر، وكسر احتكار اليمن لتجارة الشرق والسيطرة على ثروة بلاد اليمن السعيدة وطيوبها، التي استنزفت أموال الإمبراطورية الرومانية، فعمد أغسطس قيصر إلى تجريد حملة عسكرية كبيرة تألفت من عشرة آلاف جندي روماني، وألف من الأنباط العرب، وخمسمائة من اليهود، خرجت من مصر بقيادة والي مصر الروماني إليوس جالوس عام ٢٤ق.، ولكن هذه الحملة فشلت، وتم سحقها في اليمن، ولم يعد منها سوى قائد الحملة جالوس وبعض أفرادها([11]).
وزادت حدة التنافس على طريق البحر الأحمر لاسيما في القرن السادس الميلادي، بين القوتين العظميين بيزنطة وفارس؛ بهدف السيطرة على طريق تجارة الشرق الذي كان يمر عبر البحر الأحمر، ومنه إلى مصر وسائر أقطار البحر المتوسط الخاضعة للنفوذ البيزنطي.
طريق تجارة الحرير الصيني:
يقصد بطريق الحرير الصيني: طريق المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين عبر غرب الصين وآسيا وأوروبا وشمالها، والذي بواسطته كانت تجرى التبادلات الواسعة النطاق اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا وحضاريًا بين مختلف البلدان والقوميات، ومن خلاله انتقلت الحضارة المادية إلى الخارج([12]).
وهو طريق تجاري عظيم، كان يعد من أهم طرق التجارة في العالم القديم، إذ كان شريانًا تجاريًا مهمًا، يربط مدينة (لو يانج) على النهر الأصفر- الذي ينبع من الأراضي الصينية ويصب في المحيط الهادي- مع موانئ البحر الأسود وموانئ البحر المتوسط، ويمر أحد فروعه، وهو الفرع البحري بإحدى محطاته في مملكة حضرموت (ميناء قنا)، في جنوب شبه الجزيرة العربية، حيث تنقل منه منتجاتها من البخور والمر (اللبان) والعطريات، عبر طريق القوافل التجارية البري، إلى شمال شبه الجزيرة العربية وسواحل البحر المتوسط. وقد ظل هذا الطريق يستعمل مئات السنين، كطريق رئيس للتجارة بين قارات العالم القديم (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، إذ تبودلت من خلاله السلع والثقافات بين الشعوب الواقعة ضمن مساره، مما أعطى دفعًا هائلًا للتطور الحضاري في العالم القديم([13]).
وكان طريق الحرير يبدأ من وادي (هوانجهو) شمال الصين، ثم يتفرع إلى فرعين أحدهما يتجه إلى هضبة (سنكايج) ويمر ببلاد شرش وخوتان وكاشغار، والثاني يتجه إلى الشمال ومنه يسير عبر ممر زنجاريا الذي ينحصر بين جبال تيان شان، ثم يعود الفرعان للالتقاء من جديد عند خوقند، ويواصل بعد ذلك امتداده عبر واحات الصغد (سمرقند) ومنها إلى بخارى ثم إلى مرو، ويمر بإقليم خراسان بمدينة نيسابور ثم يتابع مسيره حتى الري، ثم همدان ومنها إلى سلوقيا ثم يتفرع إلى فرعين، أحدهما يتجه نحو الموصل باتجاه العاصمة البيزنطية القسطنطينية ( إسطنبول حاليًا)، والثاني عبر الفرات إلى جسر منبج، ثم إلى منبج ومنها إلى حلب فأنطاكيا المحطة النهائية على ساحل البحر المتوسط، وتعد بلاد الشام المرحلة النهائية من مراحل طريق الحرير البري([14]).
وكان هناك طريق آخر عبر تركستان إلى بحر قزوين، ثم عن طريق الشمال إلى نهر الفولچا، فالبحر الأسود عند خرسون، أو عن طريق الجنوب عبر شمال فارس إلى نصيبين على الحدود الرومانية، أو عن طريق أرمينية إلى طرابيزون، وقد تجتاز الهند وأفغانستان ووسط فارس إلى نصيبين أو إلى مصر، أو عبر الهند وأفغانستان ثم إلى وسط الأراضي الفارسية إلى نصيبين والى سوريا([15])، وبذلك نجد أن طريق الحرير الصيني بجميع فروعه، كان يمر من خلال أراضي فارس أو مناطق نفوذها، حتى بلوغه مناطق نفوذ الإمبراطورية البيزنطية في بلاد الشام وآسيا الصغرى.
وبدأ الغرب يعرف الصين من خلال انتقال الحرير الصيني إلى الخارج منذ عهد أسرة (تانغ)، إذ بلغت صناعة الحرير الصينية ذروتها، وتطورت أساليب نسجه وزخرفته، وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة (مينغ) تقاليد متعددة من حيث كثرتها وتنوعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة (تانغ)، فجذبت التجار من شتى أصقاع العالم بنوعيتها الممتازة، وعندما وصل الحرير ذو الجودة العالية وبأنواعه الجميلة والزاهية الألوان إلى الغرب الأوربي، أعجب به الغربيون أشد الإعجاب، ومع انتقال الحرير الصيني إلى الخارج عرف الغربيون الحرير الصيني وأحبوه وأصبح جزءًا مهمًا من حياتهم الاجتماعية والسياسية، وهكذا أصبح الحرير الصيني في العصور القديمة، بضاعة انتقلت وتم بيعها إلى أصقاع بعيدة، وزاد حجمها التجاري، وارتفعت أسعار الحرير وزادت أرباحه بصورة تدريجية حتى وصلت إلى درجة عالية في التجارة العالمية لاسيما التجارة البيزنطية([16]).
وكان طريق الحرير ممرًّا بريًّا مهمًّا، للتبادل التجاري مع الصين، ويسمى طريق الحرير الصيني نظرًا لكميات الحرير والمنسوجات الحريرية الصينية الكبيرة المنقولة من خلال هذا الطريق إلى الغرب، لاسيما إلى بيزنطة، وخلال المدة ما بين القرن الثاني قبل الميلادي والقرن الثاني الميلادي، كانت تتحكم بطريق الحرير أربع إمبراطوريات كبرى هي: روما في أوروبا، وفارس وكوشان في وآسيا الوسطى وشمال الهند، وأسرة (هان) الصينية في شرق آسيا، وقد أوجد طريق الحرير تبادلًا حضاريًا بين هذه الإمبراطوريات. وكان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، إذ كانت سفنهم تقوم برحلات طويلة بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، وكذلك الحال بالنسبة للعرب الذين كانت سفنهم تبحر من موانئ السواحل اليمنية والخليج العربي إلى موانئ الهند الغربية، والى ساحل جنوب الهند، حيث يلتقون هناك بتجار الصين ويحصلون منهم على بضائع الصين والهند، ويبيعونهم بضائع شبه الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والمر وسائر الطيوب والنحاس واللؤلؤ. وبوصول البضائع الصينية والهندية إلى موانئ اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، كان التجار العرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس، وبلاد ما بين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة، وقد تعاظم ثراء عرب اليمن، من عائدات تجارتهم بمنتجات بلادهم الغالية، فضلًا عن تلك المستوردة من الهند والصين، فجلب عليهم ذلك الثراء نقمة القوى والشعوب المحيطة بجزيرتهم([17]) لاسيما القوى الكبرى آنذاك، بيزنطة وفارس.
احتياج بيزنطة للحرير الصيني، وتحكم الفرس بطريق تجارته مع بيزنطة:
اهتم البيزنطيون بالتجارة وأمورها؛ كونها مورد رزق كبير، لا سيما مع الأقطار الشرقية، إذ كانت بضائعها مرغوبة في أوروبا، وتجني منها الحكومات أرباحًا كبيرة، ويأتي على رأس هذه البضائع النفيسة الحرير الصيني والتوابل والعطور، وغير ذلك من المواد الترفيهية التي زاد الطلب عليها بازدياد التقدم الحضاري في أوروبا، وزاد الطلب على الحرير بصفة خاصة، بسبب ازدياد أسباب الترف، إذ كان يجد إقبالًا كبيرًا لاسيما من أثرياء الإمبراطورية البيزنطية وروما وسائر شعوب أوروبا. وكانت بيزنطة تستورد الحرير بكميات كبيرة، لذلك كان على الإمبراطورية البيزنطية أن تتصل بالدولة الفارسية المسيطرة على طريق الحرير، ومحاولة الاتفاق معها على تحديد الأسعار وتعيين الضرائب، وذلك بسبب مرور الحرير الصيني وغيره من البضائع الشرقية عبر الأراضي الفارسية أو الخاضعة لنفوذها، وكان تجار الفرس يأتون بالحرير من الصين والهند عبر أراضي فارس، ويتم تسليمه إلى حدود الإمبراطورية البيزنطية، ومنها إلى العاصمة القسطنطينية وروما وبقية أوروبا([18]). وتوقف تدفق الحرير الصيني إلى بيزنطة على طبيعة العلاقات بين الإمبراطوريتين العظميين، بيزنطة وفارس، التي كان يسودها التوتر والحروب، لاسيما في القرن السادس الميلادي، وكانت حروب مستمرة بينهما، وإن كان يتخللها بعض أوقات الهدنة التي كان يطلبها أحد الأطراف، وكانت خطوط التجارة البيزنطية مع الشرق رهينة بيد الفرس الذين كانوا يسيطرون على الطرق البرية والبحرية مع الهند والصين، فلم يكن بإمكان البيزنطيين الشراء مباشرة من الصين والهند، بل كان محتومًا على البضائع البيزنطية ــ بضمنها الحريرــ المرور عبر الأراضي الفارسية. وحاولت بيزنطة بذل جهود كبيرة للبحث عن أرخص طريق للحصول على الحرير، لاسيما عندما كانت تنشب الحروب بين الجانبين، التي كانت تؤدي إلى توقف وصول الحرير إلى بيزنطة([19])
ولم تقتصر سيطرة فارس على الطريق البري الشمالي فقط، بل امتدت سيطرتها إلى الطرق الأخرى، كطريق الخليج العربي الخاضع للنفوذ الفارسي آنذاك، والذي كانت تشغله السفن الفارسية وتسيطر على حركته التجارية بصورة تامة، وبذلك تحكمت فارس بطريق الحرير البري والبحري، ولأن الإمبراطورية البيزنطية لم تكن ذات صلة تجارية مباشرة مع بلدان الشرق الأقصى، فقد كانت الدولة الفارسية تقوم بدور الوسيط التجاري محققة بذلك أرباحًا خيالية نتيجة التعامل التجاري الذي كانت تقوم به مع الإمبراطورية البيزنطية، وقد حاولت بيزنطة أكثر من مرة تأمين احتياجاتها من بضائع الشرق الأقصى الضرورية لاسيما الحرير بطرق أخرى بعيدة عن النفوذ الفارسي([20])، ولكنها لم تفلح، لأن فارس كانت تحتكر تجارة الحرير، إذ كان تجار الفرس يشترون كل كميات الحرير الصيني من تجاره في جزيرة سيلان وسواحل جنوب الهند، ولم تكن فارس تسمح للسفن البيزنطية بالوصول إلى هذه الأماكن.
وكان يتم بلوغ بلدان الشرق الأقصى عبر طريقين تجاريين أحدهما بري والآخر بحري، كان الطريق البري متصلًا بقوافل تبدأ من الحدود الغربية للصين مرورًا ببلاد الصغد (بخارى الحالية)، وصولًا إلى الحدود الفارسية حيث تنقل البضائع بضمنها الحرير من أيدي تجار الصين والهند إلى أيدي التجار الفرس الذين يقومون بدورهم بنقلها عبر هذا الطريق حتى تصل إلى مراكز الجمارك البيزنطية، أما الطريق البحري فقد كان ينطلق من جزيرة سيلان التي كان ينقل إليها تجار الصين بضائعهم، وبها كانت تتم عملية المقايضة المالية لتجارة الشرق بأكملها، ومن سيلان كان يتم نقل البضائع بواسطة السفن الفارسية عبر المحيط الهندي والخليج العربي وصولًا إلى مصب نهري دجلة والفرات، ومنه إلى مراكز الجمارك البيزنطية على نهر الفرات([21]).
وهكذا نجد أن فارس حرمت السفن البيزنطية من الوصول إلى السواحل الغربية للهند وجزيرة سيلان مركز التبادل التجاري مع الشرق، وفي الوقت ذاته كانت فارس متحكمة بطرق التجارة البرية والبحرية، ولا تصل بضائع الهند والشرق الأقصى بضمنها الحرير إلى بيزنطة إلا عن طريق الفرس، وكانت فارس تفرض على تلك البضائع رسومًا باهظة، وتتحكم بأسعارها بصورة أثقلت كاهل الخزانة البيزنطية، وليس ذلك فحسب، بل كانت فارس تقطع الطرق التجارية بصورة تامة، وتمنع وصول الحرير وبضائع الشرق الأقصى إلى بيزنطة، لاسيما في أوقات الحروب بينهما، وظلت فارس منطقة تهديد لطريق تجارة الحرير بصورة تؤرق الإمبراطورية البيزنطية، فلم يكن أمام بيزنطة سوى البحث عن طريق آخر للحصول على الحرير الصيني وبضائع الهند والشرق الأقصى بعيدًا عن تحكم الفرس، فاتجهت أنظارها، صوب طريق البحر الأحمر وسواحل جنوب شبه الجزيرة العربية.
الصراع البيزنطي الفارسي للسيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر في الربع الأول من القرن السادسة الميلادي:
يعد القرن السادس الميلادي أعظم عهود تجارة الشرق، فبيزنطة حتى عهد الإمبراطور أنستاسيوس (٤٩١-٥١٨ م) والسنوات الأولى من حكم جوستنيان الأول (٥٢٧- ٥٦٥ م)، كانت تعيش حالة من الرخاء والانتعاش الاجتماعي كان من أبرز مظاهره الأقبال الكبير على منتجات الشرق وبخاصة الحرير، كما إن الطريق التجاري القادم من الشرق كان يمتد بين شعوب سادها النظام، وكان الحرير حتى هذا الوقت لايزال يسير برًّا بصفة رئيسة من خلال دولة فارس إلى محطتي الرسوم الجمركية البيزنطية عند نصيبين وداراة، ومن ثم ينقل إلى العاصمة البيزنطية القسطنطينية، وكانت جزيرة سيلان هي المكان الذي تتم به عملية البيع والشراء لتجارة الشرق الأقصى، إذ كانت في القرن السادس الميلادي ملتقى تجار الشرقين الأقصى والأدنى، وكان الحرير من السلع المهمة التي كان يتصيدها تجار فارس الذين يحملونه إلى الخليج العربي([22]) الخاضع آنذاك للنفوذ الفارسي.
وكانت العلاقات الفارسية البيزنطية منذ أواخر القرن الخامس الميلادي ومطلع القرن السادس الميلادي يسودها التوتر الدائم والحروب، منذ عهد الإمبراطور أنستاسيوس (٤٩١-٥١٥م)، في وقت زادت فيه الحاجة إلى منتجات الشرق الأقصى وفي مقدمتها الحرير، فاضطرت الإمبراطورية البيزنطية إلى التفكير في الحصول على تلك البضائع عن طريق البحر الأحمر، الذي يضمن لها وصول ما تحتاج إليه من بضائع الهند والصين إلى أراضيها ومناطق نفوذها، ولضمان ذلك وضع الإمبراطور جوستنيان الأول خطة مفادها الاتصال المباشر بالأسواق الرئيسة المصدرة ونقل المشتريات إلى الإمبراطورية عن طريق البحر الأحمر([23]).
وزادت أهمية البحر الأحمر خلال هذه المدة في نظر الدول الكبرى بيزنطة وفارس، والذي زاد من أهميته أنه كان يشكل مع الخليج العربي وحدة ملاحية متكاملة ومترابطة تحيط بشبه الجزيرة العربية، مما جعل بلاد العرب معبرًا سهلًا وقصيرًا للتجارة الدولية بين الشرق والغرب وملتقى الطرق التجارية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، ولذلك حرصت الدول الكبرى المهتمة بالتجارة على ضرورة فرض نفوذها على البحر الأحمر والسواحل العربية؛ رغبة منها في التحكم بمنافذ البحار المحيطة بها([24]).
وكانت السفن التجارية تروح وتغدو، من الهند والشرق الأقصى إلى السواحل اليمنية والموانئ الواقعة عليها، وتفرغ حمولتها في تلك الموانئ ليتم نقلها عبر الطريق التجاري البري (طريق القوافل التجارية)، الذي كان يربط جنوب شبه الجزيرة العربية بشمالها والذي كان ينطلق من الموانئ اليمنية في جنوب الجزيرة متجهًا إلى شمالها، وسواحل البحر المتوسط، حيث السيطرة والنفوذ البيزنطي([25]).
لذلك حاولت الدول الكبرى بيزنطة وفارس، التحكم بمسالك طرق التجارة البرية والبحرية المحيطة بشبه الجزيرة العربية لاسيما السواحل والموانئ اليمنية، وكان من غير الممكن تحقيق السيطرة على البحر الأحمر والموانئ اليمنية إلا من خلال عملين: الأول عسكري يعتمد على القوة، والثاني سياسي يتم بالتقرب من الحبشة التي كانت بيزنطة قد نشرت الديانة المسيحية فيها، ثم طلبت بيزنطة من الحبشة باسم الأخوَّة في الدين، نشر المسيحية في اليمن، وإرسال مبشرين إليها لتنصير كبار القوم بها([26]).
وقامت الحبشة في عهد ملكها (عيزانا) بنشر الديانة المسيحية في اليمن عندما كانت اليمن خاضعة للنفوذ الحبشي (340- 375م)، في أثناء الغزو الحبشي الأول لليمن، حيث تم بناء كنيسة في عدن وأخرى في ظفار العاصمة الحميرية، وكانت توجد كنيسة أخرى في نجران منذ منتصف القرن الرابع الميلادي، التي كان قد بناها (فميون)، وكان رجل دين مسيحي وداعية سياسي للنفوذ البيزنطي في شبه الجزيرة العربية([27]).
إن الدبلوماسية البيزنطية تجاه الحبشة منذ القرن الرابع الميلادي وحتى عهد الإمبراطور جوستنيان تمحورت حول المحافظة على المصالح الاقتصادية للإمبراطورية البيزنطية، إذ قام الإمبراطور جوستنيان بمراسلة نجاشي الحبشة والتودد له باسم الأخوّة في الدين، ليكون وسيطًا لتسهيل عملية شراء الحرير من جزيرة سيلان وبيعه للبيزنطيين؛ وذلك لتفادي انقطاع الحرير خلال الحروب مع فارس، وللحد من تحكم الفرس بأسعار الحرير وتقليل تدفق أموال بيزنطة إلى فارس التي انهكت الخزانة البيزنطية جراء المكوس والضرائب الباهظة التي كان يفرضها الفرس على تجارة الحرير، ولكن كل تلك الجهود باءت بالفشل، فلم يتمكن الأحباش من منافسة الفرس في جزيرة سيلان ولا حتى في الهند التي كانت تتاجر بهذه المواد الثمينة وذلك لضعف القوة الاقتصادية الحبشية أمام القوة الشرائية الفارسية، فقد كانت السفن الهندية المحملة بالبضائع تأتي إلى أماكن قريبة من بلاد الفرس، والذين بدورهم يشترون الحمولة كلها وبأسعار عالية، كما إن أصحاب السفن التجارية الهندية كانوا يرفضون طلب الحبشة، فكان الحرير القادم من الهند بيد تجار فارس([28]). لذلك توجهت بيزنطة نحو سواحل اليمن وطريق البحر الأحمر، الطريق الوحيد الذي بقي لبيزنطة للحصول على الحرير وبضائع الشرق الأقصى.
وشهدت بلاد العرب في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، أحداثًا سياسية خطيرة، فالإمبراطوريتان العظميان فارس وبيزنطة دخلتا في صراع جزئي مرير من أجل السيطرة على الطرق التجارية ومنها الطريق القادم من المحيط الهندي وسواحله عبر الخليج العربي إلى الفرات فبادية الشام، وطريق البحر الأحمر المتجه من الجنوب صوب مصر وفلسطين، وطريق القوافل التجارية البري عبر الأراضي اليمنية، وكانت بيزنطة تعمل ما بوسعها لتعزيز موقعها، لاسيما بين بلاد النهرين، وكان الفرس بالمقابل يتطلعون إلى السيطرة على سوريا ومصر بهدف السيطرة على طريق القوافل التجارية البري القادم من سواحل جنوب شبه الجزيرة العربية في اليمن([29]).
وبذلت بيزنطة جهودًا كبيرة بغية تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ضد عدوتها في الشرق فارس، لاسيما بعد تبدل موقفها تجاه بيزنطة في عهد جوستنيان الأول (٥٢٧- ٥٦٥م)، الذي أدت حروبه مع فارس إلى توقف طريق الحرير وعدم وصول الحرير إلى بيزنطة([30]).
وقد حاول الإمبراطور جوستنيان معالجة أزمة الحرير في بيزنطة جراء قطع فارس لطريق وصوله إلى بيزنطة، من خلال قيامه ببعض التدابير لكي تظل أسعار الحرير منخفضة في الأسواق البيزنطية، إذ قضى على صناعة الحرير، فاشترى الإمبراطور مصانع الحرير وحولها إلى احتكار إمبراطوري، كما اهتم بمنتجات بلاد العرب لاسيما منتجات اليمن مثل البخور والمر وغيرها من الطيوب، فضلًا عن المنتجات الواردة إلى اليمن من الهند والشرق الأقصى، مثل خشب الصندل والتوابل واللؤلؤ، كما اعتمدت بيزنطة على الميناء الحبشي عدولي، الذي كان يعد مركزًا مهمًّا من مراكز الوساطة التجارية، فتم التواصل بواسطته بشرق آسيا وبفارس عن طريق الخليج العربي، كما حاولت بيزنطة إيجاد طريق يضمن استمرار تدفق الحرير في أيام الحرب مع فارس، وذلك بالتفاوض مع الممالك الهونية والتركية الضاربة في سهول آسيا، أو بواسطة الأحباش الذين كانت مملكتهم تتحكم بقسم من تجارة البحر الأحمر([31]).
ولكن كل ذلك لم يكن كافيًا، فقد كان لابد من السيطرة على طريق البحر الأحمر والسواحل اليمنية والموانئ الواقعة عليها، التي كانت على صلة مباشرة بالهند والشرق الأقصى، وكانت السفن التجارية تغدو وتروح إليها من الهند والشرق الأقصى، ومن الخليج العربي ومصر وشعوب البحر المتوسط، كما ذكرنا سلفًا في حديثنا عن موانئ (المخا وعدن وقنا)، ناهيك عن أن اليمن كانت تتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر عن طريق مضيق باب المندب، وطريق القوافل التجارية البري، وكانت بيزنطة تخشى أن تسبقها فارس في السيطرة على طريق البحر الأحمر وتطبق عليها الحصار التام .
الصراع الديني في اليمن، ودوره في جلب الاحتلال البيزنطي الحبشي لليمن عام٥٢٥م.
ذكرنا سلفًا إن الأحباش، وبطلب من بيزنطة، عملوا على نشر الديانة المسيحية في اليمن خلال المدة(٣٤٠-٣٧٥م) في أثناء الغزو الحبشي الأول. وكان الملك الحميري اليمني (تبع) أسعد أبو كرب، قد اعتنق الديانة اليهودية وعمل على نشرها في اليمن([32]).
وبذلك أصبحت في اليمن ديانتان سماويتان، اليهودية والمسيحية، فضلًا عن الديانة الوثنية القديمة، وكانت المسيحية واليهودية في نزاع مستمر، إذ نشب الصراع بين أتباع الديانتين، فوجد الصراع الدولي بين الفرس والبيزنطيين، في النزاع الديني السائد في اليمن في مطلع القرن السادس الميلادي؛ فرصة للتدخل في شؤون اليمن، ومن ثم تحقيق الأهداف الخارجية في بسط السيطرة على اليمن تحت غطاء الدين، فقد تدخل البيزنطيون والأحباش لمناصرة أتباع المسيحية في حين تدخل الفرس لمناصرة أتباع اليهودية وبقية الطوائف، مع أن الفرس مجوس وليس لهم صلة باليهودية، وإنما ناصروا أتباع اليهودية نكاية بعدوتهم بيزنطة المسيحية التي تساند المسيحيين في اليمن([33]).
تمكن نصارى اليمن من وضع أيديهم على السلطة، إذ أوصل الأحباش إحدى الشخصيات الحميرية المسيحية، وهو (معد يكرب)، إلى سدة الحكم عام 516م، ولكن الأمور فيما بعد سارت في غير صالح النصارى، إذ تمكن (يوسف ذو نواس) من الاستيلاء على السلطة عام ٥١٧م ، وكان معتنقًا للديانة اليهودية وجعلها الديانة الرسمية للدولة، بدلًا من المسيحية، وذلك يعني قطع العلاقات مع الحبشة النصرانية، وتمكن ذو نواس من إبادة الحامية الحبشية في ظفار عن بكرة أبيها، واستعاد العاصمة الحميرية ظفار، وأحرق الكنيسة([34])، وتشدد ذو نواس في ملاحقة أتباع المسيحية، وإجبارهم على اعتناق اليهودية، وإزاء ذلك طلب نصارى اليمن العون من الأحباش، الذين سارعوا بإرسال السفن، حاملة على متنها الجنود لإغاثتهم، ولكن اتجاه الرياح الموسمية أعاق وصول السفن الحبشية إلى اليمن([35]).
واستمر ذو نواس في ملاحقة أتباع المسيحية، فتوجه إلى المناطق الساحلية وهي المخا والأشاعر وبقية المناطق الساحلية الغربية التي كانت تؤوي الأحباش وتساندهم، وباستيلاء ذي نواس على المخا يكون قد قطع الطريق على أية إمدادات حبشية قد ترسل لنجدة بقايا الأحباش ومساندة النصارى في اليمن، وتمكن ذو نواس من السيطرة على الساحل الغربي لليمن، وتحصين مضيق باب المندب؛ لحماية الساحل من أي هجوم حبشي قادم، وكبَّد الأحباش خسائر فادحة؛ إذ قتل منهم اثني عشر ألفًا وخمس مائة، وغنم منهم غنائم كبيرة([36]).
وبذلك عطل ذو نواس تجارة ميناء عدولي الحبشي الذي كان من أهم مراكز التبادل التجاري بين الحبشة وبيزنطة والشرق الأقصى عبر المحيط الهندي، فقطع بذلك شريان الحياة الاقتصادي بين الحبشة وبيزنطة، وليس ذلك فحسب، بل أمر ذو نواس بقتل التجار البيزنطيين الذين كانوا ببلاده ونهب أموالهم بحجة اضطهاد البيزنطيين لليهود لديهم، مما أدى إلى تجنب تجار بيزنطة التوجه إلى اليمن([37]). وعلى الصعيد الداخلي توجه ذو نواس إلى ضرب فئة من أعيان اليمن، الذين جمعوا ثروتهم نتيجة تجارتهم مع الحبشة، وقد تأجج في عهده النزاع الداخلي في اليمن بين الحميريين النصارى واليهود من ناحية، والنزاع بين عرب نجران وسكان تهامة وأهل حضرموت من ناحية أخرى([38]).
ومما زاد من مخاوف بيزنطة التقارب الذي حصل بين ذي نواس وبين المنذر الثالث أمير الحيرة في العراق، والذي كان حليفًا لفارس، إذ أرسل ذو نواس سفارة إلى المنذر الثالث لتوضيح ما حصل بينه وبين الأحباش، وأنه طردهم وقتل منهم الكثير وأحرق كنيستهم ونكل بهم، ويدعو المنذر إلى قطع دابر النصارى لديه. وكانت بيزنطة ترقب تحركات ذي نواس بعين قلقة، إذ إنه لو حدث تقارب بين حمير في اليمن وفارس فإن ذلك سيؤدي إلى وقوع طرق التجارة في جنوب الجزيرة والبحر الأحمر في يد الفرس، الذين كانوا مسيطرين أيضًا على الطريق البري الشمالي، وهو طريق الحرير الصيني المتجه إلى بيزنطة([39]). فضلًا عن سيطرتهم على طريق الخليج العربي، وذلك يشكل حصارًا اقتصاديًا تامًا لبيزنطة. من أجل ذلك دعمت بيزنطة حليفتها الحبشة، وقامت بدور أساسي في أن تمد الحبشة نفوذها إلى الساحل الآسيوي للبحر الأحمر، والسيطرة على اليمن قبل أن تصل إليها يد الفرس([40]).
وبعد أن انتهى ذو نواس من تأمين الساحل الغربي، توجه صوب نجران عام( ٨١٥ م)، وسيطر على مدينة نجران، وتذكر المصادر أنه قتل عددًا كبيرًا من نصارى نجران وخدّ لهم أخدودًا في الأرض، وأضرم به النيران، وخير نصارى نجران بين ترك المسيحية واعتناق اليهودية أو الموت حرقًا بالنار داخل الأخدود. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحادثة في سورة البروج([41]). ويظهر أن ذا نواس عندما أقدم على ذلك العمل، كان يرى أن المسيحية تعد امتدادًا للنفوذ الخارجي البيزنطي والحبشي في بلاد اليمن، وأن نجران كانت أحد مراكز هذا النفوذ لاسيما أنها كانت مركزًا استراتيجيًا مهمًا في جنوب شبه الجزيرة العربية بالنسبة لطريق التجارة البري([42])، المعروف بطريق القوافل التجارية السالف الذكر.
ولم يتوان الإمبراطور البيزنطي جوستنيان الأول عن إصدار توجيهاته لحليفته الحبشة بضرورة الإسراع في تجهيز حملة عسكرية كبرى لغزو اليمن، بحجة الانتقام لنصارى نجران، ونصرة المسيحيين في اليمن، وتم إعداد حملة مكونة من سبعين ألف جندي، وأرسل الإمبراطور جوستنيان الأول أسطولًا بيزنطيًا إلى الحبشة لنقل الحملة العسكرية إلى المخا على الساحل الغربي لليمن([43]). أبحرت الحملة الحبشية البيزنطية على ظهر الأسطول البيزنطي من ميناء عدول الحبشي عام ٥٢٥م، وعبرت البحر الأحمر إلى الساحل اليمني الغربي عند المخا، حيث كان في انتظارها الملك الحميري ذو نواس وجنوده، وهناك دارت رحى معركة عنيفة وغير متكافئة، فلم تتجه معظم القبائل اليمنية للقتال مع الملك ذي نواس وصد الغزو الحبشي البيزنطي عن اليمن، ولم يقاتل مع ذي نواس سوى عدد قليل من أتباعه، للأسباب التي سنأتي على ذكرها، وكانت تلك المعركة الحاسمة في تاريخ الحروب الحبشية -اليمنية، فانهزم ذو نواس وجنده، فلما رأى الهزيمة التي حاقت بجنده وما ينتظر بلده من مصير، قرر الانتحار والموت غرقًا فاستدار نحو البحر ووكز فرسه، وأقتحم به البحر فغاب في المياه ولم يرى منه شيء بعد ذلك، وهكذا فضَّل ذو نواس الموت غرقًا كريمًا دون أن تمتهن كرامته ويساق أسيرًا في موكب نصر الأحباش([44]).
وبذلك سقطت اليمن ضحية للنزاع البيزنطي الفارسي، من أجل السيطرة على الطرق التجارية وحصول بيزنطة على الحرير بعيدًا عن تحكم الفرس.
ولكن ما أسباب هزيمة ذي نواس وجنده في معركة الساحل الغربي، ولماذا لم يدافع الشعب اليمني والقبائل اليمنية عن بلادهم ضد الغزو البيزنطي -الحبشي، إلى جانب ملكهم، وتركوا بلادهم فريسة سهلة للاحتلال!؟
مما لا شك فيه أن هناك أسبابًا قوية لا ينبغي تجاهلها، أدت إلى هزيمة الملك الحميري يوسف ذي نواس في معركة الساحل الغربي لليمن، وتقاعس القبائل اليمنية عن التصدي للغزو البيزنطي الحبشي لبلادهم عام ٥٢٥م، وهي أسباب تتصل بأوضاع اليمن الداخلية وسياسة ذي نواس في إدارة البلاد وتجنيبها ويلات الصراع الديني والحروب الداخلية، وكسب تأييد القبائل اليمنية، ويمكننا إيجاز هذه الأسباب في التالي:-
أ – الصراع الديني، فقد اعتنق الملك الحميري يوسف ذو نواس، الديانة اليهودية وتشدد في فرضها على أتباع الديانات الأخرى لاسيما المسيحيين، وتحولت اليمن إلى ساحة للصراع الديني بين أتباع الديانات المختلفة، وهو ما فسح المجال للتدخل الخارجي، إذ تدخلت بيزنطة والحبشة لحماية المسيحيين في حين تدخلت فارس لحماية أتباع اليهودية والوثنية، فأصبحت البلاد ساحة للصراع الدولي تحت غطاء الدين، فلم تتحمس القبائل اليمنية، التي مزقتها الصراعات وأنهكتها الحروب الداخلية لمواجهة الغزو، لاسيما القبائل المسيحية التي اضطهدها ذو نواس، والذي جاء الغزو بذريعة نصرتها من منطلق الأخوَّة في الدين.
ب- الملك يوسف ذو نواس وسياسته، فلم يكن كسابقيه من ملوك حمير المعتدلين الذين يمتلكون الحنكة والاتزان وحسن التعامل مع القبائل اليمنية، فقد زج بالبلاد في أتون الحروب الداخلية والصراعات الدينية، وتشدد في فرض ديانته اليهودية على المخالفين له لاسيما النصارى، الذين خيرهم بين اعتناق اليهودية أو الموت حرقًا بالنار، كما أنه أطلق العنان لحاشيته في فرض الجبايات التي أثقلت كاهل الناس، في حين كان المجتمع اليمني يعاني أوضاعًا معيشية صعبة، جراء الحروب والصراعات الداخلية التي جرَّها ذو نواس على البلاد، فضاق الناس ذرعًا بحكم ذي نواس وسياسته وبطش أتباعه، فلم تستجب معظم القبائل اليمنية لدعوته لمواجهة الغزو البيزنطي الحبشي.
ج- الخلاف السياسي داخل الأسرة الحاكمة آنذاك، إذ إن (السميفع اشوع) ابن عم الملك يوسف ذي نواس وأخا القائد (شرحئيل) قائد جيش الملك، هاجر إلى الحبشة وظل هناك معترفًا به رئيسًا للمهاجرين اليمنيين النصارى إلى الحبشة، والفارين من بطش ذي نواس، وبذلك نجد أنه قد حدث خلاف سياسي وعقائدي داخل الأسرة الحاكمة، فقد كان الملك ذو نواس يهوديًّا في حين كان السميفع اشوع نصرانيًّا، بدليل فراره إلى الحبشة وترأسه للمهاجرين اليمنيين النصارى هناك، وكان يتمتع بنفوذ كبير في اليمن وله أتباعه ومؤيدوه. وقد أدت هجرته إلى الحبشة إلى وجود انقسام في الصف اليمني، فضلًا عن الصراع السياسي الذي كان محتدمًا بين القبائل اليمنية وبين ذي نواس، مما أدى إلى تمزيق الوحدة الوطنية، فرفض أقيال معظم القبائل تلبية دعوة الملك ذي نواس، عندما دعاهم لموجهة الحملة الحبشية البيزنطية([45]).
د- دور السميفع اشوع في زعزعة الجبهة الداخلية، وتحريض القبائل ضد ذي نواس، إذ استثمر الغزاة الأحباش شخصية السميفع اشوع في إضعاف جبهة ذو نواس وشق الصف الداخلي، وقبيل قدوم الحملة عمد الغزاة إلى الدفع بالسميفع اشوع وأتباعه من المهاجرين الذين كانوا في الحبشة، إلى السواحل الجنوبية لليمن، وتم تكليفه من قبل الغزاة، ببث الاضطراب في صفوف القبائل الحميرية وتشجيع المتمردين على ترك ذي نواس وإثارة الساخطين على قتال ذي نواس لاسيما النصارى، وتخريب وسائل الدفاع المعدة في الساحل اليمني الجنوبي، وتجريد القتال بين الملك ذي نواس وبين الغزو الحبشي من أي شعور أو طابع وطني، وتهيئة الوضع لنزول القوات الحبشية الغازية، وقد تم استقباله بحماس بالغ، من قبل أتباعه ومؤيديه في جنوب اليمن، وهيأوا له حصن (ماويت) وهو حصن ماوية المعروف حاليًا بحصن غراب في بير علي، وذلك للتحصن به بينما تصل القوات الحبشية([46]). وقد كان له دور كبير في إضعاف الجبهة الداخلية اليمنية، وفي صفوف جيش ذي نواس، فلم يقاتل معه سوى القليل من المؤيدين له.
وبذلك خضعت اليمن للاحتلال الحبشي البيزنطي خلال المدة (٥٢٥ –٦ ٥٧ م). وبعد هزيمة ذي نواس وجيشه دخل الأحباش ومعهم (السميفع اشوع) ونصبوه ملكًا على اليمن، ثم ما لبثوا أن تخلصوا منه، إذ تم تدبير مؤامرة لاغتياله، وتم تعيين أبرهة الحبشي بدلًا منه، الذي حكم اليمن حتى وفاته، ثم أعقبه أولاده من بعده، وعانت اليمن في عهدهم أشكال الظلم والقهر والبطش([47]). وذلك شأن الاحتلال تجاه الشعوب المحتلة.
وهكذا حققت بيزنطة أهدافها وضمنت مصالحها في السواحل والموانئ اليمنية بالسيطرة على طرق التجارة البحرية والبرية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وأصبحت تجارة الشرق بضمنها الحرير الصيني، تأتي عبر المحيط الهندي وتنقل عبر هذه الطرق إلى مناطق النفوذ البيزنطي.
نتائج الدراسة:-
من دراستنا لموضوع تحكم الفرس بطريق تجارة الحرير الصيني، ودوره في الصراع البيزنطي الفارسي للسيطرة على السواحل اليمنية في الربع الأول من القرن السادس الميلادي؛ يمكننا أن نستخلص النتائج التالية:
أ – كانت بيزنطة تحتاج الحرير الصيني بشدة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكانت بيزنطة تستورده بكميات كبيرة، وكان رافدًا ماليًا مهمًا لخزانة الإمبراطورية البيزنطية، وقد زاد الإقبال عليه بسبب زيادة مظاهر الرخاء والترف لدى المجتمع البيزنطي، التي رافقها إقبال كبير على الحرير الصيني وسلع الشرق الأقصى، لاسيما في الربع الأول من القرن السادس الميلادي.
ب – تحكمت فارس بطريق تجارة الحرير الصيني وبأسعاره، وبكميات الحرير المتجه عبر أراضيها إلى بيزنطة العدو التقليدي لفارس، وكانت فارس تفرض على تجارة الحرير مكوسًا وضرائب كبيرة، أرهقت الخزانة البيزنطية، بل إن فارس كانت تقطع طريق الحرير قطعًا تامًا، مانعة بذلك وصول الحرير إلى بيزنطة لاسيما عندما كانت تتوتر العلاقات أو تنشب الحروب بين بيزنطة وفارس؛ الأمر الذي سبب تدهورًا اقتصاديًا لبيزنطة، وشللًا في الأسواق، وسخطًا في أوساط المجتمع البيزنطي.
ج- منعت فارس وصول السفن البيزنطية إلى سواحل الهند الغربية، والى جزيرة سيلان مركز تبادل تجارة الحرير وبضائع الشرق الأقصى، وحرصت على أن لا تحصل بيزنطة على الحرير إلا من أيدي تجار فارس.
د- نظرًا لتحكم فارس بطريق تجارة الحرير وأسعاره، ومنع وصوله إلى بيزنطة أحيانًا، لاسيما في الربع الأول من القرن السادس الميلادي؛ توجهت أنظار بيزنطة نحو اليمن، للحصول على الحرير عن طريق البحر الأحمر والسواحل والموانئ اليمنية الغربية والجنوبية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وأبرزها: المخا، وعدن، وقنا، والطريق البري (طريق القوافل) الذي كان يخرج من هذه الموانئ، متجهًا نحو شمال شبه الجزيرة، والذي كان يمر عبر محطات متعددة حتى يصل إلى سواحل البحر المتوسط حيث مناطق النفوذ البيزنطي.
ه- كان هناك تنافس محموم بين فارس وبيزنطة من أجل السيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر في النصف الأول من القرن السادس الميلادي، إذ حاولت فارس السيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر؛ لتحكم الحصار على بيزنطة، لاسيما أن فارس كانت تتحكم بطريق الحرير الذي يمر عبر أراضيها وطريق الخليج العربي، مما كان يشكل حصارًا اقتصاديًا خانقًا على بيزنطة.
و – عملت بيزنطة على نشر الديانة المسيحية في اليمن بواسطة حليفتها الحبشة، وكان الملك الحميري يوسف ذو نواس قد اعتنق الديانة اليهودية وتشدد في نشرها في اليمن وأجبر المسيحيين على اعتناقها وقتل عددًا منهم، وخدَّ لهم أخدودًا في الأرض وخيرهم بين اعتناق اليهودية وترك المسيحية، أو الحرق بالنار في الأخدود، فاستغلت بيزنطة هذه الظروف واتفقت مع حليفتها الحبشة على إرسال حملة حبشية نقلها الأسطول البيزنطي إلى الساحل الغربي لغزو اليمن عام 525م، وبذلك سبقت بيزنطة فارس في السيطرة على السواحل اليمنية وطريق البحر الأحمر، وضمنت وصول الحرير وبضائع الهند والشرق الأقصى إلى الأراضي البيزنطية بعيدًا عن تحكم الفرس.
ز- لم تتوجه معظم القبائل اليمنية لمواجهة الغزو الحبشي البيزنطي لليمن عام ٥٢٥م، في الساحل الغربي لليمن، تاركة الملك يوسف ذا نواس الحميري، يقاتل الغزاة مع عدد قليل من جنوده ومؤيديه، فانهزم هو وجنده، ووقعت اليمن تحت الاحتلال الحبشي خلال المدة (٥٢٥–٦ ٧٥م)، وذلك بسبب سوء سياسة ذي نواس الذي زج البلاد في متاهات الصراعات الدينية والحروب الداخلية، فوفر بذلك فرصة مناسبة للدول الكبرى الطامعة في غزو اليمن، فضلًا عن سوء تعامل ذي نواس مع القبائل اليمنية، وكثرة الجبايات التي فرضها على الشعب اليمني، الذي كان يعاني الفقر والبؤس جراء الصراعات الداخلية.
أستاذ التاريخ القديم المشارك – قسم التاريخ – كلية التربية – جامعة عدن – الجمهورية اليمنية. ([1])
(¹) حتي، فيليب (وآخرون) تاريخ العرب مطول، دار المكشوف للطباعة والنشر، بيروت، 1949، ج٢، ص٣٦ – ٤٦؛ لطفي عبدالوهاب يحيى، الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية، دراسات تاريخ الجزيرة العربية، الكتاب الأول، جامعة الرياض، 1979، ج٢، ص ٠٦-١٦؛ ترسيسي، عدنان، اليمن وحضارة العرب، مع دراسة جغرافية كاملة، دار مكتبة الحياة، بيروت، ( لا. ت)، ص٤.
(¹) – The periplus of the Erythrean sea,by,Wilfred,H,Schoff,Ne – York,1912,Ch.21.
(²) – The Periplus, Ch.24. ؛ ينظر: حتي، فيليب، تاريخ العرب مطول، ج١، ص٦٣.
(⁴) – The Periplus, Ch.26 ؛ ينظر: العبادي، أحمد صالح محمد، اليمن في المصادر القديمة اليونانية والرومانية، ٤٨٥ ق.م – ٢٠٠م، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، اليمن، ٢٠٠٤, ص٢٣٩.
(²) – جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط٢، ١٩٧٧، ج٢، ص ٤٥-٤٨؛ العبادي، أحمد صالح محمد، الأطماع الأجنبية في اليمن قبل الإسلام (٢٤ق.م- ٦٢٨م)، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم التاريخ، كلية التربية بن رشد، جامعة بغداد، ٢٠٠١، ص٤٢-٤٤.
(³) – ويكبيديا، نشأة طريق الحرير.
(¹) – الخرابشة، ممدوح (وآخر)، طرق التجارة في بلاد الشام في العصر البيزنطي من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، مجلد (٥)العدد(٢) الأردن، ٢٠١١، ص٩؛ عمر يحيى محمد، بيزنطة وفارس، قراءة جديدة لآخر جولات الصراع بين القوتين العظميين في العصور الوسطى، مجلة الدرعية، السنة الثامنة، العدد الثاني والثلاثون، ٢٠٠٦. www.alukah,net.
(²) – الخرابشة، (وآخر), طرق التجارة في بلاد الشام، المرجع السابق، ص٩؛ ينظر: خربوطلي، شكران (وآخر)، الأوضاع السياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد٣٩، العدد ٢، اللاذقية، سوريا، ٢٠١٧م، ص٣٦٤.
(³) – الخرابشة (وآخر) المرجع السابق، ص١٠. ينظر: ويكبيديا، نشأة طريق الحرير.
(¹) – ويكبيديا، نشأة طريق الحرير.
(²) – المرجع نفسه، نشأة طريق الحرير.
(¹) – العلان، أرواد عدنان، الصراع الفارسي البيزنطي على شبه الجزيرة العربية، في القرن السادس الميلادي، فارس وبيزنطة، سلسلة حضارات منسية، دار أرسلان، المنهل، عمان، الأردن، ٢٠٠٩م، ص١٨٤.
(²) – الخرابشة (وآخر)، المرجع السابق، ص٦-٧.
(³) – رأفت عبدالحميد، بيزنطة بين الفكر والدين والسياسة، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، مصر، ١٩٩٧، ص١٧٢-١٧٤.
(¹) – العلان، الصراع الفارسي البيزنطي على شبه الجزيرة العربية، ص١٨٥؛ خربوطلي (وآخر)، الأوضاع السياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي، ص٣٦٤.
(¹) – خربوطلي (وآخر), الأوضاع السياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي، ص٣٦٤.
(²) – الخرابشة (وآخر)، طرق التجارة في بلاد الشام..، ص ١٩؛ العلان، الصراع الفارسي البيزنطي على شبه الجزيرة العربية، ص١٨٦؛ خربوطلي، المرجع السابق، ص٣٦٥.
(³) – العلان، المرجع السابق، ص١٨١-١٨٢.
(⁴) – العبادي، اليمن في المصادر القديمة اليونانية والرومانية، ص١٤٣؛ حوراني، جورج فضلو، العرب والملاحة في المحيط الهندي في العصور القديمة وأوائل العصور الوسطى، ترجمه وزاد عليه، السيد يعقوب بكر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٥٨، ص٦٣.
(¹) – العلان، الصراع الفارسي البيزنطي، ص١٨٧؛ ينظر: رأفت عبد الحميد، بيزنطة بين الفكر والدين والسياسة، ص١٥٧-١٥٨.
(²) – Philby,H,stj.B,The Background of Islam,Being Asketch of . Arabian history in pre-Islamic times,Alexandria,1947,P112-113؛العبادي، الأطماع الأجنبية في اليمن قبل الإسلام، ص٧٠-٧٢.
(³) – رأفت عبدالحميد، بيزنطة..، ص١٧٢؛ خربوطلي، الأوضاع السياسية..، ص٣٦٨؛ العلان، الصراع الفارسي البيزنطي..، ص١٨٧-١٨٨.
(¹) – خربوطلي (وآخر)، المرجع السابق، ص٣٦٥.
(¹) – ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل(ت:٧٧٤ه)، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبدالواحد دار الرائد العربي، بيروت، ط3، ١٩٨٧، ج١، ص١٩.
(²) – العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٧٩-٨٠.
(³) – خربوطلي (وآخر)، الأوضاع السياسية..، ص٣٦٥؛ العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٨٨.
(¹) – خربوطلي (وآخر)، المرجع السابق، ص٣٦٦.
(²) – العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٨٨-٨٩.
(³) – خربوطلي (وآخر)، المرجع السابق، ص٣٦٦.
(2) – العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٨٠، ١١٧، ١١٨.
(3) – رأفت عبد الحميد، بيزنطة..، ص١٧٦.
(4) – سورة البروج (٨٥) الآيات(٤-٧). ينظر: العلان، الصراع الفارسي البيزنطي..، ص١٩٨-١٩٩.
(5) – العلان، المرجع السابق، ص١٩٩.
(1) – الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير (ت:٣١٢ه)، تاريخ الأمم والملوك، طبعة جديدة منقحة ومفهرسة، دارا لفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ١٩٧٩، ج٢، ص١٠٦-١٠٨.
(2) – الطبري، المصدر السابق، ج٢، ص١٠٧؛ حوراني، العرب والملاحة..، ص١٠١-١٠٢.
(¹) – الطبري، المصدر السابق، ج٢,ص١٠٨؛ العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٩٤-٩٥.
(1) – العبادي، الأطماع الأجنبية..، ص٩٥.
المصادر والمراجع:
1- ترسيسي، عدنان، اليمن وحضارة العرب، مع دراسة جغرافية كاملة، دار مكتبة الحياة، بيروت، ( لا. ت).
2- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط٢، ١٩٧٧.
-3 حتي، فيليب (وآخرون) تاريخ العرب مطول ج2، دار المكشوف للطباعة والنشر، بيروت، 1949.
4- حوراني، جورج فضلو، العرب والملاحة في المحيط الهندي في العصور القديمة وأوائل العصور الوسطى، ترجمه وزاد عليه، السيد يعقوب بكر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٥٨م.
5- الخرابشة، ممدوح (وآخر)، طرق التجارة في بلاد الشام في العصر البيزنطي من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، مجلد (٥)، العدد(٢) الأردن، ٢٠١0.
٦- خربوطلي، شكران (وآخر)، الأوضاع السياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد٣٩، العدد ٢، اللاذقية، سوريا، ٢٠١٧.
7- رأفت عبدالحميد، بيزنطة بين الفكر والدين والسياسة، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ١٩٩٧.
8- زيادة، نقولا، دليل البحر الإريثري، دراسات تاريخ الجزيرة، الكتاب الثاني ج2، جامعة الرياض، السعودية، 1979.
9- الشيبة عبدالله حسن، دراسات في تاريخ اليمن القديم ، تعز، اليمن، ١٩٩٩.
10- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت:٣١٢هـ)، تاريخ الأمم والملوك، طبعة جديدة منقحة ومفهرسة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ١٩٧٩م.
11- العبادي، أحمد صالح محمد، اليمن في المصادر القديمة اليونانية والرومانية ٤٨٥ ق.م – ٢٠٠م، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، اليمن، ٢٠٠٤.
12- //، أحمد صالح محمد، النشاط الكشفي والتجاري للبطالمة على سواحل البحر الأحمر وأثره على تجارة عرب الحجاز وجنوب الجزيرة العربية خلال المدة (٣.٥-٢٢١ ق.م)، مجلة الوثيقة، العدد، الثاني، المجلد ٣٣، مركز عيسى الثقافي، البحرين، يوليو، ٢٠١٦.
13- // الأطماع الأجنبية في اليمن قبل الإسلام (٢٤ق.م- ٦٢٨م)، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم التاريخ، كلية التربية بن رشد، جامعة بغداد، ٢٠٠١.
14- العلان، أرواد عدنان، الصراع الفارسي البيزنطي على شبه الجزيرة العربية، في القرن السادس الميلادي، فارس وبيزنطة، سلسلة حضارات منسية، دار أرسلان، المنهل، عمان، الأردن، ٢٠٠٩.
15- عمر يحيى محمد، بيزنطة وفارس، قراءة جديدة لآخر جولات الصراع بين القوتين العظميين في العصور الوسطى، مجلة الدرعية، السنة الثامنة، العدد 32، ٢٠٠٦.
1٦- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل (ت:٧٧٤هـ)، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبدالواحد، دار الرائد العربي، بيروت، ط3، ١٩٨٧م.
17- لطفي عبدالوهاب يحيى، الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية، دراسات تاريخ الجزيرة العربية، الكتاب الأول ج2، جامعة الرياض، 1979.
18- ويكبيديا، نشأة طريق الحرير.
19The periplus of the Erythrean sea,by,Wilfred,H,Schoff,Ne – York,1912.
20- :Philby,H,stj.B,The Background of Islam,Being Asketch of . Arabian history in pre-Islamic times,Alexandria,1947, -.