د. وليد عبدالباري قاسم صالح
د. وليد عبدالباري قاسم صالح – أستاذ العلاقات الدولية المساعد – كلية المجتمع/ عدن
ملخص
تحتل جزيرة سقطرى موقعًا جيوستراتيجيًا فريدًا بالنسبة إلى كتلتي اليابسة القارية (آسيا وإفريقيا) وبالنسبة إلى المسطحات المائية (المحيط الهندي، البحر الأحمر، والخليج العربي).
وقد أعطاها هذا الموقع أهمية جيوسياسية بالعلاقة مع القضايا الدولية الإقليمية والدولية ذات الصلة لموقعها، وبالعلاقة مع التجارة الدولية ومصادر الثروة الاقتصادية في المنطقة، برًا وبحرًا وجوًا، بالإضافة إلى صلتها بالتواجد العسكري في منطقة المحيط الهندي ذي الصلة بالمشكلات السياسية والاقتصادية بظهير هذا المحيط في القارتين المواجهتين له. وفي هذه الورقة سنحاول تسليط الضوء على تلك الأبعاد الجيوسياسية والجيواستراتيجية وامتداداتها التاريخية، وما مثلته هذه الجزيرة الصغيرة من أهمية بالنسبة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولاحقًا الجمهورية اليمنية والفرص والإمكانات المستقبلية التي يمكن أن تؤديها الجزيرة بهذه الخصائص المشار إليها في تعزيز عملية التنمية وعلاقات اليمن الدولية.
كلمات مفتاحية: جزيرة سقطرى، جيوسياسية، جيواستراتيجية، علاقات دولية، اليمن.
Abstract
Socotra occupies a unique geostrategic position with regard to the two continental land areas (Asia and Africa) and to water areas (Indian Ocean, Red Sea, and Persian Gulf). This site has given it geopolitical importance in relation to the international, regional issues related to its site and in relation to international trade and sources of economic wealth in the region. By land, sea and air, in addition to its connection to the military presence in the Indian Ocean region related to political and economic problems base on its location between oceans and continents. In this paper we will try to shed light on those geopolitical and geo-strategic dimensions and their historical extensions and the significance of this small island for the previously People’s Democratic Republic of Yemen and later the Republic of Yemen and the opportunities and future possibilities that the island can play with these characteristics referred to in promoting the development process and Yemen’s international relations.Key words: Socotra Island, Geo-politics, Geo-Strategy, International Relations, Yemen.
مقدمة
تتميز جزيرة سقطرى من منظور جيوسياسي (جيوبوليتكيًا) بأهمية دولية؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز والمهم، وانتشار أرخبيلها على امتداد خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وقربهما من أهم الممرات البحرية العالمية التي تربط العالم شرقه مع غربه، وتشرف على المدخل الجنوبي لباب المندب، وتمثل منطقة للحماية الثانوية له، نظرًا لموقعها المتقدم في الطرف الجنوبي لخليج عدن وإشرافها على طريق نقل البترول عبر مضيق هرمز من الخليج العربي إلى مناطق مختلفة من العالم، كما تبرز أهميتها الجيوبوليتكية من خلال إشرافها على منطقة القرن الأفريقي ــ أهم منطقة ساخنة في المنطقة ــ بالإضافة إلى صلتها بالتواجد العسكري للدول الكبرى في منطقة المحيط الهندي ذي الصلة بالمشكلات السياسية والاقتصادية بظهير هذا المحيط في القارتين المواجهتين له، وتتوفر في هذه الجزيرة صفة الموقع الحاكم بوصفها أكبر وأهم الجزر الاعتراضية(*) التي تتمركز في موضع متميز عند مدخل خليج عدن، الذي يمثل بدوره طريق الاقتراب الجنوبي لمضيق باب المندب(1).
وعلى الرغم من أن هذه الجزيرة لا تقع تمامًا داخل مدخل خليج عدن(**)، ولا تعترضه بكثافة إلا أن موقعها يتيح لها السيطرة الاستراتيجية والقيام بدور الحارس لمدخل خليج عدن الذي يمثل بدوره البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، وعلى ذلك فإنه يمكن القول بأن من يسيطر على هذه الجزيرة فإنه يسيطر على مياه خليج عدن، ومن يسيطر على مياه خليج عدن، فإنه يسيطر على ميناء عدن وأخيرًا من يسيطر على ميناء عدن يستطيع السيطرة على مضيق باب المندب(2)، حيث تشكل جزيرة سقطرى وأرخبيلها مع جزر البوابة الشمالية (كمران، الزبير، الطير، فرسان، دهلك)، جزر الارتباط الثانوي بالبوابة الجنوبية للبحر الأحمر، بينما تشكل جزر (بريم ميون أو يستر، سيبا، دميرا، وجزر خليج عصب) جزر الارتباط الرئيسي بالبوابة الجنوبية للبحر الأحمر(3).
لقد برزت الأهمية الجيوبوليتيكية لجزيرة سقطرى في أثناء الحرب العالمية الثانية كقاعدة عسكرية تطلق منها الطائرات الحربية لقوات الحلفاء المتمركزة في أرضها لتتعقب السفن والغواصات الألمانية والإيطالية لمنعها من مزاولة نشاطاتها العسكرية المضادة للحلفاء في غرب المحيط الهندي(4).
كما تأتي الأهمية الجيوبوليتيكية لجزيرة سقطرى من حيث إنها تمثل أكثر الجزر قربًا من الساحل الآسيوي المواجه (الساحل اليمني)، وأكثر الجزر إشراقًا على مسارات الحركة الملاحية المتبادلة بين بحر العرب وخليج عدن، ومن ذلك فإن البرتغاليين جعلوها منذ أكثر من 500 عام قاعدة عسكرية لسفنهم الحربية المنطلقة منها لإغلاق البحر الأحمر في وجه السفن المصرية وسفن البندقية(1).
ويمكن القول إن مكانة هذه الجزيرة وأهميتها قد وضعتها محط أطماع الدول الكبرى على مسار المراحل التاريخية المتعاقبة وحتى الوقت الراهن، ويعزي الباحث تكالب القوى الأجنبية عليها فيما مضى لضعف الكيانات السياسية التي كانت تحكم الجزيرة آنذاك، وعدم اهتمامها بتحصين دفاعاتها ضد الغزاة.
مشكلة البحث:
يعد الموقع الجيوستراتيجي لجزيرة سقطرى من أهم المواقع في العالم ويسمى بـ: (المثلث الذهبي)، تحديدًا في المحيط الهندي والبحر العربي وباب المندب، وكما قال الادميرال ماهان عن السيطرة على المحيط الهندي أنها تعدّ المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين، وسيتم تحديد مصير العالم في هذه المياه. وهذا أدى إلى تركيز ولفت أنظار الدول العظمى (بريطانيا أمريكا روسيا) إلى المنافسة والسيطرة على أرخبيل جزيرة سقطرى؛ وذلك لتوفير الحماية الكاملة للمنافذ البحرية والإقليمية وحتى الجوية لعبور ناقلات النفط الكبرى عالميًا وكذلك السفن التجارية عامة، والقطع العسكرية والاتصالات الفضائية، فهذا الموقع هو من أهم المواقع للتجارة الدولية، والمسارات المائية بين القارات، ومن ثم تتحتم السيطرة عليه لتأمين إنشاء القواعد العسكرية البحرية والجوية.
هدف البحث
يهدف هذا البحث إلى:
المبحث الأول
الخلفية التاريخية والسياسية(*) للتنافس الدولي على جزيرة سقطرى
إن دراستنا السياسية والتاريخية لهذه الجزيرة تفرض علينا الخوض في أواصر وروابط العلاقات التاريخية والسياسية التي ربطت الجزيرة بدول ومناطق حضارات العالم القديم والحديث كالحضارة المصرية (الفرعونية _اليونانية _ الإغريقية _ والرومانية، والهندية _ والفارسية _ والإسلامية) وعلاقاتها مع الدول الحديثة الاستعمارية كالبرتغال وبريطانيا.
لقد حظيت جزيرة سقطرى عبر العديد من الحقب التاريخية باهتمام الدول القريبة منها والبعيدة كذلك، وكانت لتلك الدول أطماع بما تنتجه الجزيرة من أفخر أنواع البخور والطيوب والصبر ودروع السلاحف، والتي كانت لها أسواق رائجة وطلب كبير عندهم من ناحية، وبموقعها الاستراتيجي المتحكم في الطريق الملاحي شمال المحيط الهندي من ناحية أخرى، ومن ذلك نجد أن ذكر الجزيرة قد تكرر في كثير من كتابات الرحالة والمؤرخين والعلماء والباحثين على حد سواء، وفيما يلي سنتناول تلك الروابط والصلات السياسية والتاريخية مع الجزيرة.
صلات الجزيرة بمصر الفرعونية
تشير المصادر التاريخية إلى أن صلات جزيرة سقطرى بمصر الفرعونية تعود إلى أيام الأسرة الثامنة عشرة (1580 – 1322 ق. م)، عندما ازدهر نشاط البعثات التجارية المصرية مع بلاد اليمن والصومال، وكانت أهم البعثات التجارية المصرية وأشهرها، تلك البعثة التي أرسلتها الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت، والتي يرجح المؤرخون أنها وصلت إلى جزيرة سقطرى(1). وتعد تلك العلاقة أقدم الصلات التي ربطت جزيرة سقطرى بالدول الأخرى حسبما يذكر المؤرخون، وكانت جزيرة سقطرى آنذاك مركزًا مهمًا لتجارة البخور والطيوب والتوابل والدبل (جلد التمساح)، حيث كانت أرضها تغطيها المستنقعات والمجاري النهرية التي تعج بالتماسيح. وقد وصلت تلك البعثة إلى الجزيرة في عام 1493 ق. م، وتؤكد تلك الحقيقة النقوش والرسوم التي وجدت على جدران حائط معبد الدير البحري في مصر(2).
صلات الجزيرة بالهنود
تعود صلات الجزيرة بالهنود إلى حوالي 1000 ق.م(3). وقد كان مجيئهم في البداية إلى الجزيرة من (داميرك وباري غاز)(*) الهنديين، وجلبوا معهم الأرز والقمح والثياب الهندية وبعض الجواري، ومارسوا تجارتهم مع جزيرة سقطرى بهذه السلع، كما أنهم كانوا يستوردون كميات كبيرة من دروع السلاحف التي اشتهرت الجزيرة بإنتاجها قديمًا(4). والجدير ذكره أن سقطرى كانت في تلك المدة تشكل نقطة ترانزيت ومحطة فريدة لإعادة نقل الشحن على وسائل نقل أخرى بين الهند والعالم العربي(5). كما تشير بعض الوقائع إلى أن الهنود قد عاشوا في جزيرة سقطرى في ذلك الزمن، ومما يدل على ذلك أن الجنود الإنجليز الذين رابطوا في الجزيرة خلال الحرب العالمية الثانية قد وجدوا في الجزيرة لوحة أثرية صغيرة عليها كتابة باللغة الجوجارتية الهندية تشير إلى وجود علاقات استيطانية وتجارية بين الهنود وسكان الجزيرة، وقد سلمت تلك اللوحة فيما بعد لمتحف مستعمرة عدن(6). ويؤكد العديد من الجغرافيين العرب (ياقوت الحموي) وغيره من الرحالة الأجانب، أن جزيرة سقطرى قد أصبحت منذ القرن العاشر الميلادي قاعدة انطلاق لبوراج القراصنة الهنود الذين ينهبون المسافرين من التجار في البحر العربي وحوض المحيط الهندي(1).
صلات الجزيرة بالإغريق
يعد أول ذكر لجزيرة سقطرى في المؤلفات الإغريقية – الرومانية إلى العام 300 ق. م، إذ توجد في تلك المؤلفات والمصادر معلومات تفيد أن الجزيرة كانت مركزًا تجاريًا مهمًا قبل العصر الإغريقي – الروماني(2)، وكانت الجزيرة معروفة لدى العديد من الكتاب والمؤرخين الإغريق المشهورين في مرحلة ما قبل الميلاد أمثال ديودورس الصقلي، وبليني، وهيرودوت، وأرسطو طاليس. ويعتقد أن الإسكندر المقدوني أول من سار إلى الجزيرة غازيًا من الإغريق، وذلك بإيعاز من أستاذه أرسطو طاليس، الذي أوصاه بالمسير إليها مع جماعة كبيرة من اليونانيين ليسكنهم بها، لأجل الصبر القاطر الذي يكثر بها. والجدير ذكره أنه في زمن الحاكم اليوناني بطليموس فيلادلفوس أسست اليونان موانئ جديدة على ساحل البحر الأحمر لرسو السفن، وللمحافظة على سلامة الطرق البحرية إلى جزيرة سقطرى، حيث أنشأت عدة مستعمرات يونانية جديدة(3)، إذ إنه في زمن الحكام البطالمة اليونانيين كان هناك اهتمام بالطرق التي تربط بين محطات البحر الأحمر وموانئه وجزره وبعض المدن والجزر المطلة على خليج عدن(4).
صلات الجزيرة بالفرس والرومان
يذكر المؤرخ الهمداني أن من بين سكان الجزيرة عشرة آلاف مقاتل رومي من النصارى، قد طرحهم فيها كأسرى (ملك الفرس)، ويعتقد أنهم ممن وقعوا أسرى في أثناء الحروب الدائرة بين الفرس والروم في حوالي العام 524 م(5).
لقد أدرك الرومان أهمية طريق البحر الأحمر، مما أدى إلى قيامهم بتوجيه عدة حملات عسكرية للسيطرة على منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، على اعتبار أن هذه المنطقة يمكن أن تنتهي عندها طرق التجارة البحرية القادمة من المحيط الهندي، وتتحول إلى طرق التجارة البرية التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية الفارسية المنافسة، والتي كانت سقطرى واقعة تحت سيطرتها آنذاك، مما يهدد طرق التجارة الدولة الرومانية(6). ومن ذلك إصدار القائد الرومي العام – غالوس – الأوامر لتوجيه حملة عسكرية لاحتلال بلاد اليمن وجزيرة سقطرى، وذلك لتأمين وصول منتجات الجزيرة من البخور واللبان والمر، التي كانت الإمبراطورية الرومانية تستهلك منها الكثير آنذاك، بالإضافة إلى تأمين طرق ملاحتها التجارية(7).
صلات الجزيرة بالقرن الإفريقي:
بعد أن وهنت حضارات اليمنيين بالقرن السادس الميلادي، قام الأحباش باحتلال اليمن في العام 525م، وفرضوا سيادتهم هناك إلى زمن معين.
كما تمكن الأحباش في ذلك التاريخ من التواجد في جزيرة سقطرى(1). وقد أكد تلك المعلومة الباحث الإنجليزي (ت. بينت) الذي عثر بنفسه على نقوشٍ محفورة في صخرة جيرية بالقرب من بلدة (أريوش) الواقعة إلى الشمال الغربي من السهل الساحلي الشمالي للجزيرة، عندما زارها في العام 1897م وقد وجدها شبيهة بالنقوش التي رآها على درجات إحدى الكنائس القديمة على سفوح التلال القريبة من أكسوم – العاصمة القديمة لأثيوبيا(2).
ويشير بعض الباحثين إلى أن الجزيرة قد استغلت في أثناء الغزو البرتغالي لها كمحطة لتجميع العبيد الأفارقة من شرق إفريقيا تمهيدًا لنقلهم إلى الجهات الشمالية عبر البحر الأحمر(3). ويرجح (ناؤومكين) أن السقطريون “من ذوي البشرة السوداء المستوطنين حاليا” في الساحل الشمالي الغربي من الجزيرة هم أحفاد الجنود الأفارقة الذين تم استقدامهم من غرب إفريقيا للمرابطة في الجزيرة مع قوات الحلفاء في العام 1941م، إذ إن جزءًا منهم قد بقوا في الجزيرة واستوطنوها ولم يعودوا إلى مواطنهم الأصلية في إفريقيا(4).
2. المرحلة الوسطى
صلات الجزيرة بالعمانيين:
تعود العلاقات السياسية والتاريخية بين جزيرة سقطرى وعمان في مرحلتها الأولى إلى العام (748-750م) زمن إمامة الجلندي بن مسعود على عمان القصيرة العهد، وقد توصل سكان الجزيرة المسيحيون في عهده إلى اتفاق معه على احترام حقوق السكان المسلمين وعدم الإضرار بهم(5).
لقد شكلت السواحل الإفريقية وجنوب الجزيرة العربية مواقع مشتركة للطرفين العماني والمهري، مما أوجد إمكانيات التنافس البحري بينهما، وجعل من سقطرى مركزًا لتنازع القوتين البحريتين الإسلاميتين آنذاك(6)، إذ كان العمانيون هم الأسبق سيطرة على الجزيرة. وتعد حملة الإمام الصلت بن مالك على جزيرة سقطرى، التي تمت في حوالي عام 885م؛ من أشهر حملات الأئمة الحكام في عمان، فبعد أن استقرت الإمامة في عمان وبعد أن قضت الدولة على قراصنة البحر الهنود، كان لابد لها من تأمين سلامة الطرق البحرية، وذلك لما تشكله التجارة والملاحة من مصلحة حيوية للدولة العمانية، ومن ذلك كانت جزيرة سقطرى في سلم الأولويات للسلطة في عمان.
صلات الجزيرة بالمهريين:
وصل المهريون إلى جزيرة سقطرى في حوالي القرن الخامس عشر الميلادي من البر المقابل (البر اليمني) بحرًا، وكانت في طليعة تلك الحملة التي أحكمت سيطرتها على الجزيرة قبيلة بني عفرار(*) المهرية، التي كانت تسكن في منطقة المدينة الحالية (قشن)(**) على الشاطئ اليمني المقابل للجزيرة ، وقد خضعت الجزيرة مدة 26 عامًا لحكم سلطان قشن حتى العام 1507م – عندما احتل البرتغاليون الجزيرة – كما أرخ بذلك البرتغالي باروش(1). وقد اتخذ المهريون من الحصن العسكري الذي بنوه قبل العام 1481م في بلدة السوق القديمة الواقعة إلى الشرق من العاصمة الحالية للجزيرة حديبو؛ مقرًا للحكم يديرون منه شؤون الجزيرة والسلطنة، وقد أعيد بناؤه بعد الاحتلال البرتغالي للجزيرة، حيث كان يقع على بعد حوالي 350 – 400 مترًا من مرفأ رأس السوق(2). وكان ذلك الحصن في القرن الخامس عشر يعد منشأة دفاعية ضخمة بمقياس ذلك الزمن حسب وصف الملاح العربي الشهير العماني (أحمد بن ماجد)(3). وكان أول من اكتشف حصن ((السوق)) حسب تصريح علماء بعثة اكسفورد الذين نزلوا إلى الجزيرة في عام 1956م هو مدير مصلحة الآثار القديمة في مستعمرة عدن (د.ب دورو) آنذاك(4).
3. المرحلة الحديثة
صلات الجزيرة بالبرتغاليين
كشف مطلع القرن السادس عشر الميلادي عن بداية التوسع البرتغالي في حوض المحيط الهندي، إذ قام البرتغاليون في ذلك القرن بإنشاء إمبراطوريتهم الاستعمارية الواسعة، ولكن قصيرة الأجل في كل من الهند وإفريقيا والخليج العربي وجزيرة سقطرى(5). وعلى الرغم من أن البرتغاليين كانوا من أوائل الأوروبيين الذين اكتشفوا الشواطئ الجنوبية والشرقية لإفريقيا في العام 1498م، وزاروا عددًا من المراكز والموانئ الساحلية في تلك الشواطئ حتى الميناء الصومالي (ماليندي)؛ إلا أنهم لم يكتشفوا سقطرى لأنفسهم إلا في العام 1503م فقط على يد القبطان البرتغالي (فرنانديش بيرو)(6). وكان البرتغاليون قد استغلوا علاقتهم مع الدول الواقعة في هذه المنطقة من خلال روابط التجارة معهم أولًا، وانتهاءً باحتلالها فيما بعد. وعلى ما يبدو فإن هدف البرتغاليين من غزو الجزيرة حسب أوامر الملك البرتغالي (مانويل) كان اقتصاديًا – تجاريًا لحماية الطرق التجارية البحرية إلى الهند، وهدفًا دينيًا وهو المحافظة والدفاع عن المسيحيين الذين عاشوا في الجزيرة حسب ادعاء الملك البرتغالي.
صلات الجزيرة بالإنجليز
في سنة 1618م كان الصراع البحري عنيفًا بين الإنجليز والهولنديين للسيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وفي تلك السنة وصل القائد البحري الهولندي (فان دن بروك) إلى عدن ثم رحل إلى سقطرى حيث قام بمهمة استطلاعية عن حركة النقل البحري في تلك المنطقة(1).
وفي سنة 1829م أرسلت حكومة الهند بناء على أوامر من مجلس المدراء التابع للبحرية البخارية بين بريطانيا والهند بالسفينتين بنارس وبالينورس لتطوفا البحر الأحمر، وكانتا تحملان كميات كبيرة من الفحم لإفراغها في عدن لتموين السفينة هيولندسي التي كانت أول سفينة تبنى في الهند، ثم قام الكابتن هينس بالطواف على طول مئة ميل من الساحل الحضرمي خلال شهر واحد، ثم أبحر إلى قشن؛ ليطلب من رؤساء قبائل المهرة الإذن له بالطواف حول جزيرة سقطرى، لأن سلطان سقطرى عمرو بن سعد هو في الوقت نفسه كان سلطان الساحل العربي من حضرموت الممتد من حدود سلطنة القعيطي إلى حدود سلطنة مسقط وعمان.
وبعد أن حصل الكابتن هينس على الإذن، قام في عام 1834م وبتكليف من شركة الهند الشرقية بإجراء القياسات عند ساحل سقطرى لوضع إرشادات ملاحية، كما قام الملازمان في أسطول المستعمرة الإنجليزية الهندية، ويلتسد وكراتيندين في عام 1835م قاما بمسحٍ لأرض الجزيرة وحواليها، وتحدثا في تقريرهما بشكل مشجع عن الجزيرة، وفي ذلك العام قررت بريطانيا إنشاء محطة وقود في الجزيرة لتزويد السفن المتجهة إلى الهند بالفحم، واقترح الإنجليز على السلطان المهري بيع الجزيرة أو التنازل عنها للتاج البريطاني لكن السلطان رفض ذلك العرض(2).
وإزاء ذلك الرفض وصلت فرقة من الجنود البريطانيين والهنود على السفينة تيجرس بقيادة الكوماندر روبرت لو، وكانت الحملة بقيادة الكابتن بايلي، واحتلت الحملة عاصمة الجزيرة حديبو بقوة السلاح، وقد بقي الجنود البريطانيون فيها عدة أشهر، ثم أجبرت السلطات البريطانية السلطان على التوقيع على معاهدة يسمح بموجبها بنزول الفحم أو أية مواد أخرى في أي جزء من الجزيرة(3). وبعد أن احتل الإنجليز عدن في 1839م غادرت الحامية الأنجلو – هندية الجزيرة بعد مدة قصيرة عانت خلالها من وباء الملاريا(4)، وجعل ذلك الاحتلال المعاهدة المفروضة على سلطان سقطرى غير ذات أهمية، إلا أن استخدام الجزيرة كمحطة للفنار أو كملجأ لبحارة السفن المحطمة أو كمركز عسكري كان داعيًا لاستمرار احتلالها من قبل الإنجليز(5) الذين كانوا يحاولون فرض سيطرتهم على الجزيرة(6).
وفي أواخر عام 1874م كان الجيش المصري الذي حقق الكثير من الانتصارات يشق طريقه مكتسحًا كل الخط الساحلي من مصر حتى رأس التوابل (جاردافوي) في القرن الإفريقي، كما بدأ الأتراك يتطلعون نحو الجنوب العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، لاسيما بعد زيارة قامت بها سفينة تدريب عسكرية تركية إلى الجزيرة، وعند ذلك بقيت بريطانيا متنبهة إلى الخطر وظلت تنظر إلى التطورات في المنطقة بعين يقظة(1).
وفي يناير 1876م عقد الإنجليز معاهدة مع السلطان بواسطة المقيم البريطاني في عدن (وكشن)، وقد وقع عليها السلطان مقابل معونة نقدية مقدارها ثلاثة آلاف ريال ماريا تيريزا ومرتب سنوي يبلغ ثلاث مائة وستين ريال(2) ، وبالمقابل فإن على السلطان وورثته الالتزام بعدم بيع أو رهن أو إعطاء أرخبيل سقطرى أو السماح للأجانب بإنشاء مستوطنات فيها، عدا الحكومة الإنجليزية، وأن عليه حماية بضائع وركاب السفن البريطانية التي ترسو في سقطرى(3).
وفي عام 1886م وبعد مضي عشرة أعوام على اتفاق الإنجليز مع السلطان، أصبحت سقطرى تسمى محمية بريطانيا العظمى، واختار سلطان قشن سقطرى للإقامة الدائمة.
وقد برر المؤلفون العسكريون الإنجليز المدافعون عن مصلحة بريطانيا الاستعمارية أنه “من المشكوك فيه أن تتمكن سقطرى من الحفاظ على استقلاليتها، وأن قدرها كتب عليها مصير الدولة التابعة تحت الحماية”؛ لعدم امتلاك السلطان لجيش خاص أو حلفاء أو أموال وقلة سكانها الذين لا يستطيعون الوقوف لوحدهم أمام أي خطر من قبل دولة أخرى، وقد احتفظ الإنجليز بسقطرى كقاعدة عسكرية استراتيجية احتياطية عند الحرب أو الحالات الاستثنائية، وتحددت كل مساعدات بريطانيا للسقطريين “تحت الحماية” بعطاءات نادرة وهبات قليلة في حالة المجاعة والأوبئة، هي كميات من الأدوية والمواد الغذائية(4). وفيما بين الأعوام 1897-1967م زارت الجزيرة عدة بعثات علمية بريطانية نظمتها متاحف بريطانيا وجامعة ليفربول بالاشتراك مع الجمعية الملكية بلندن والجمعية الملكية الجغرافية بلندن أيضًا، بالإضافة إلى بعثات بريطانية أخرى نظمتها عدة معاهد بريطانية للاشتراك مع القوات البريطانية المسلحة وإدارة المندوب البريطاني السامي في عدن(5). ولم تغفل تلك البعثات الأهداف العسكرية، حيث أدخلوا في قوامها ممثلين من وزارة الدفاع البريطانية(6).
وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت في سقطرى قاعدة جوية حربية إنجليزية، تستخدم من قبل القوات البريطانية لضرب مواقع الحلفاء في شرق إفريقيا وشمالها، وبعد انتهاء الحرب أجليت القاعدة لعدم الحاجة إليها، وعند مغادرتهم سقطرى، أخذ الإنجليز كل شيء كانوا قد أدخلوه الجزيرة، ولم يتركوا للسقطريين سوى حطام الطائرات والسيارات والثكنات المهدمة التي شيدت من الحجارة الخام(7).
وفي 28 نوفمبر 1967م رحل الجيش البريطاني والإدارة البريطانية عن عدن وبقية أنحاء الجنوب بعد الثورة(8) وفي 30 نوفمبر من العام نفسه نزلت في أرض الجزيرة فرقة من الجبهة القومية، التي قادت الكفاح المسلح من أجل تحرير الجنوب اليمني من المستعمرين الإنجليز، وألغيت سلطنة المهرة وسقطرى، ودخلت الجزيرة في قوام الجمهورية التي أعلن عنها في ذلك اليوم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، والتي تحول اسمها في عام 1970م إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية(1)، وأصبحت الجزيرة مع بقية الجزر التابعة للجمهورية جزءًا من المحافظة الأولى التي كانت عدن عاصمة لها آنذاك(2).
سقطرى كمشروع وطن لليهود
نشرت مجلة أكاديمية يصدرها مركز البحوث والدراسات اليمنية في جامعة عدن أطروحة لنيل الماجستير بعنوان “السياسة البريطانية في مستعمرة عدن ومحمياتها 1937 ـ 1945“، تناولت اهتمام بريطانيا بالقضية اليهودية عشية الحرب العالمية الثانية، ومحاولتها توطين اليهود في جزيرة سقطرى اليمنية الواقعة في بحر العرب بالقرب من خليج عدن. وكشفت وثيقة بريطانية سرية كتبها السير جون شكبرغ المسؤول في وزارة المستعمرات في لندن لحاكم عدن البريطاني السير “برنارد رايلي” في الثالث والعشرين من آذار (مارس 1939)، تضمنت وجهة نظر الحكومة البريطانية حول توطين اليهود في جزيرة سقطرى من النواحي المبدئية والسياسية والاقتصادية.
افترضت السلطات البريطانية أن سلطان “قشن وسقطرى” سوف يوافق على توطين اليهود في الجزيرة في حال زيادة علاوته وإيراداته نتيجة زيادة السكان، مع عقد معاهدة معه توفر له ضمانات لبقاء الإسلام ديانة رسمية لدولته، ورأت أن الموقف العدائي بين العرب المسلمين واليهود لا يزال عائقًا، غير أنه سيكون أقل تأثيرًا في اليمن عما يحصل في فلسطين في حينه.
واستندت الرسالة السرية إلى إمكانية إقامة أول مستوطنة تجريبية في سقطرى، لما توفره الجزيرة من منتجات اقتصادية متنوعة، تؤدي إلى نشاط اقتصادي وفير يزيد إمكانية الاستيطان ليس في سقطرى فحسب، بل في حضرموت جنوب اليمن أيضًا. ورأت أن إقامة مستوطنة يهودية في الجزيرة العربية سيؤدي إلى كثافة سكانية وقوة شرائية كبيرة، وذلك باتساع نشاط التبادل التجاري، وازدهار تجارة الترانزيت في عدن وازدهار التجارة المحلية.
واختتمت رسالة شكبرغ لحاكم عدن رايلي بالقول: أخشى أن تعتبر هذا المقترح جنونيًا بعض الشيء، ولكن الأحوال باتت تجعل حتى أكثر المقترحات شططًا قابلة للنظر فيها، إذا كانت سقطرى قادرة على استيعاب حتى حفنة من المهاجرين، فإن ذلك سيشكل بعض المساعدة الصغيرة على الأقل.
واعتبرت الحكومة البريطانية أن الفرصة مواتية ومنطقية لاستيطان حوالي ألف عائلة يهودية – أي خمسة آلاف شخص- في سقطرى. وانتظرت وزارة المستعمرات تقريرًا وافيًا من حكومة عدن حول إمكانية تنفيذ مشروع التوطين في الجزيرة اليمنية.
وتفيد الوثائق المنشورة في المجلة أن حاكم عدن رايلي عرض فكرة مشروع التوطين على “انجرامس” المستشار البريطاني المقيم في المحميات الشرقية من جنوب اليمن آنذاك. وجاء رده برفض المشروع؛ لصعوبة التنفيذ من الناحية العملية، ولعدم إمكانية عيش اليهود الأوروبيين في الجزيرة كمستوطنين لاعتيادهم المناخ الأوروبي، ومن ناحية ثانية لردة الفعل اليمني في المحميات؛ لأن مشروعًا كهذا “قد ينهي علاقة بريطانيا مع العرب”، حسب رسالة انجرامس.
وبعث رايلي رسالة إلى حكومته في الخامس والعشرين من نيسان (أبريل (1939، مؤيدًا وجهة نظر “إنجرامس”، وأشار فيها إلى أن إقامة مستوطنة يهودية في سقطرى “مشروع غير عملي وسيضر بمصالح بريطانيا”. ونتيجة رأي “إنجرامس” وتأييد حاكم عدن “رايلي” له جمدت الحكومة البريطانية مشروع التوطين لليهود في جزيرة سقطرى اليمنية، واستند الرفض إلى أرضية الواقع السياسي والاجتماعي لمجتمع المستعمرة، ولطبيعة المواطن اليمني بصفة خاصة، واعتبر أن إرسال عدد ولو بسيط من المهاجرين اليهود إلى المنطقة اليمنية سيؤدي إلى شكوك اليمنيين وسينهي ثقتهم بالبريطانيين.
وفي وقت سابق تم الكشف عن معلومات بريطانية مجهولة المصدر حول خلفية إنشاء الدولة العبرية، حيث قيل إن الأرجنتين كانت مرشحة لهذه الدولة.
وتأتي الوثيقة الجديدة لتوحي للرأي العام أن بريطانيا لم تكن مصرة أو مصممة على إعطاء فلسطين للصهاينة وهي حريصة على مشاعر المسلمين والرأي العام آنذاك، وما ورد في رسالة حاكم عدن والمستشار البريطاني في المحميات الشرقية جنوب اليمن، إلى المسؤول في وزارة المستعمرات في لندن يكشف التناقض في التعامل، حيث إن القوات البريطانية في فلسطين وفرت للصهاينة الدعم والمساندة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية. وواجهت معارضة عنيفة بل وثورة قادها وبدأها الشيخ عز الدين القسام.
ومن المثير أن تحجم وسائل الإعلام في هذه الفترة عن التذكير بـ(وعد بلفور) وهو الوعد الذي قطعه وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور لليهود بإعطائهم أرض فلسطين ليقيموا عليها دولتهم ويحققوا فيها ليس هدفهم السياسي بإنشاء (دولة إسرائيل)، وإنما تحقيق أحلامهم وأطماعهم القديمة المتعلقة بالأماكن المقدسة في هذه البلاد.
المبحث الثاني
الصراع الدولي المعاصر وجزيرة سقطرى
ارتباط الممرات المائية بالجزر
هناك علاقة وثيقة بين السيطرة على الممرات المائية والسواحل ومواقع الجزر لاسيما تلك القريبة منها، وإن هذه العلاقة قديمة قدم ظهور السيطرة الاستعمارية، وخاصة التوسع الأوروبي خارج أوروبا، حيث نرى أن المستعمرين قد اعتمدوا على الجزر القريبة من سواحل القارات وذلك لاحتلال المناطق الساحلية أولًا، ثم التوغل نحو الداخل، ومن ثم اتخذت كنقاط طبيعية دفاعية وكقواعد عسكرية استراتيجية وتجارية، وللتأكيد على ذلك فقد احتل الإسبان المكسيك بواسطة الجزر القريبة من الساحل التي اتخذوها كنقاط انطلقوا منها نحو الداخل، كما توغل المستعمرون في قارة أمريكا الجنوبية من طرفها الجنوبي إلى جنوب البرازيل عن طريق الجزر، أما في حالة أمريكا الشمالية فقد انطلق المستعمرين من الجزر الساحلية وأشباه الجزر بعد تحصينها واتخاذها قواعد عسكرية مثل “جيمس تاون وبوسطن”. أما في الهند فقد اتخذ الأوربيون مواقع الجزر مثل كلكتا وبومباي للدخول إلى شبه القارة، ويقال لولا وجود جزر الهند الغربية لأصبحت عملية اكتشاف قارة أمريكا الشمالية والسيطرة عليها أكثر صعوبة مما كان عليه الأمر الواقع(1).
ولذلك فهناك صعوبة في فصل هذه المواقع الاستراتيجية للجزر والممرات المائية عن بعضها البعض، حيث كانت الولايات المتحدة تدعم سيطرتها على قناة بنما بواسطة قواعدها العسكرية في إقليم البحر الكاريبي مثل جزر ترينداد وجزر العذراء، ولغرض السيطرة على مدخل الخليج العربي في مضيق هرمز فقد أقدمت إيران على احتلالها الجزر الثلاث والعمل على إقامة قواعد عسكرية عليها(2)، كما أن بريطانيا فرضت سيطرتها على جزر وأشباه جزر الخليج كالبحرين وقطر، وفرضت سيطرتها على جزر البحر العربي والبحر الأحمر كسقطرى وميون؛ وذلك للسيطرة على مضيق باب المندب وميناء عدن، وعلى طرق التجارة الدولية المارة من الخليج العربي والمحيط الهندي إلى البحر الأحمر والمتوسط شمالًا، كما مكنتها تلك الجزر المهمة بعد اتخاذها كقواعد بريطانية في الإسهام إلى حد كبير في التوسع البريطاني في جنوب غربي آسيا والوطن العربي وطول بقاء المصالح البريطانية حينها في تلك المناطق(1).
تحديد المجالات البحرية للجزر:
إن القانون الدولي الجديد للبحار 1982م، قام على مبدأ أساسي، وهو مبدأ حرية الملاحة في البحار والمحيطات، مع إعطاء الدولة الساحلية الحق في ممارسة السيادة على الأجزاء القريبة والمجاورة لشواطئها وجزرها، وهي سيادة مماثلة لسيادة الدولة على إقليمها البحري من حيث المبدأ العام، وكان لمؤتمرات الأمم المتحدة المتلاحقة منذ 1958م، 1973م، 1979م والتي توجت بمؤتمر عام 1982م مثلت مسرحًا لمحاولة دول العالم الثالث الساحلية، من الامتداد بسلطانها الإقليمي إلى مسافات ومساحات جديدة من البحار والمحيطات تتجاوز، ما كان مقررًا في ظل القوانين الدولية القديمة، حيث أعطى القانون الجديد الدول الساحلية حق الامتداد بسلطانها إلى مناطق جديدة في البحار والمحيطات، وأصبحت اتفاقية عام 1982م ترسم من خلال نصوص موادها إطارًا جديدًا لسلطان الدولة الساحلية لبسط سيادتها على المناطق البحرية المجاورة لها ومنها الجزر، إذ إن تمتع الجزر بالمجالات البحرية وتحديدها تعد من القضايا المهمة لدى الجيوبوليتيكيين والعاملين في القانون الدولي على حد سواء(2).
لقد منحت اتفاقية قانون البحار لعام 1982م الجزر مجالات بحرية وعاملتها معاملة الإقليم البحري، كما منحت تلك الاتفاقية الدولة التي تتبعها الجزيرة امتيازات قد تفوق الحقوق والامتيازات التي تتمتع بها الجزيرة ذاتها، فقد تكون الجزيرة مثلًا فقيرة بالموارد والثروات المعدنية، لكن بحرها الإقليمي وجرفها القاري والمنطقة المتاخمة لها (الملاصقة) ومنطقتهما الاقتصادية الخالصة تزخر بالثروات الحية وغير الحية، وإضافة إلى ذلك أن الجزيرة التي لها هذه المزايا قد تمكن الدولة المالكة لها من توسيع سيطرتها على مناطق ومجالات بحرية ذات أهمية كبيرة، ومن ذلك فقد منحت جزيرة سقطرى الجمهورية اليمنية مجالات بحرية واسعة تمتد حتى الأطراف الشمالية الغربية من المحيط الهندي(3).
من كل ما تقدم تتوضح لنا الصورة لحجم ما تعانيه جزيرة سقطرى في الوقت الراهن من أثر الحرب الأخيرة (2015م) في اليمن مع دول الخليج التي تساند أطراف النزاع فيها، وكذلك الصراع السياسي الدولي، من معمعان السيطرة من دول الجوار خصوصًا الإمارات العربية المتحدة التي كانت السباقة بإرسال قواتها للجزيرة تحت ادعاء بما تسميه بحمايتها من الانقلابيين الحوثة. وقد تصاعد وتشعب هذا الصراع لاحقا إلى صراع بين الشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي، ممثلا برئيس وزرائه آنذاك أحمد عبيد بن دغر، ودولة الإمارات والتي أدت إلى مغادرة الإمارات للجزيرة في مايو 2018م بدخول وساطة سعودية على الخط. ومؤخرًا في منتصف العام 2020م تمت سيطرة المجلس الانتقالي عليها، وهو ما يعطي هذه الجزيرة أهمية ملفتة للنظر لدى كل الأطراف الداخلية والخارجية.
الوظائف الجيولوجية للمياه الإقليمية لجزيرة سقطرى:
للمياه الإقليمية وظائف مهمة تؤديها لسواحل الدولة وجزرها، ومن أهم تلك الوظائف التي تؤديها هي(1):
الحماية والأمن العسكري:
تعد حماية الدولة وجزرها من أهم الوظائف التي تؤديها المياه الإقليمية لها، والسلطات المختصة تقوم بإيقاف السفن المشبوهة وتفتيشها وإبعادها عن المياه الإقليمية للدولة أو الجزر التابعة لها، كما تستطيع الدولة أن تضع ألغامًا بحرية في مياهها الإقليمية لعرقلة المهاجمين لها، وتؤدي هذه الإجراءات إلى توفير بعض الحماية للدولة ولجزرها أيضًا.
يقوم المهربون بعملية تهريب البضائع إلى الدولة عبر مياهها الإقليمية طالما كانت هناك قوانين تنظم التجارة الخارجية لها. حتى دعا ذلك بعض الحكومات ومنها اليمن، إلى اتخاذ إجراءات مختلفة في مياهها الإقليمية للقضاء على عملية تهريب البضائع.
تتواجد المصايد السمكية للدولة عادة في المياه الإقليمية، كما تتواجد في المياه الإقليمية للدولة العديد من الثروات المعدنية المهمة (كالنفط والغاز).
تخدم المياه الإقليمية الأغراض الصحية والوقائية للدولة. إذ تقف السفن القادمة إلى الدولة في هذه المياه وتخضع للتفتيش الصحي قبل الإذن بنزول الركاب، وأي شيء من على ظهرها، حتى يحال دون تسرب الأوبئة إلى موانئ الدولة ومن ثم على بقية أجزائها وذلك حماية لسكان البلاد وجزرها المسكونة ونباتاتها وحيواناتها.
علاقة جزيرة سقطرى بالدول المهيمنة في المحيط الهندي
تعد منطقة حوض المحيط الهندي أكبر المسطحات المائية المحيطة بجزيرة سقطرى من أهم المناطق الجغرافية على خريطة العالم السياسية، ولعل أهم ما يميز الخريطة السياسية لهذه المنطقة هو عدم الاستقرار السياسي فيها، على الرغم من ثباتها لمدة طويلة من الزمن، وهذا الاستقرار في الحقيقة ليس استقرارًا كامنًا بقدر ما هو استقرارًا سطحيًا ظاهرًا(2) .
ويتمتع المحيط الهندي بأهمية استراتيجية كبيرة جعلته في القرن الماضي ميدانًا نشطًا للحرب الباردة بين القوتين العظميين “الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي” سابقًا، ولقد فتح هذا المحيط أول الأمر للقوى الكبرى الأوروبية بعد وصول (فاسكو دي جاما) إلى كاليكوت في الهند عام 1497م عن طريق رأس الرجاء الصالح(3). ومنذ ذلك الحين أخذت منتجات المنطقة تتجه إلى أوروبا ومن ضمنها منتجات شرق آسيا وجنوب الجزيرة العربية، ولقد أخذت الشركات التجارية الأوروبية القوات الاستعمارية تسيطر على أرض المنطقة ومواردها الحيوية وتوجه اقتصاداتها للتعامل مع أوروبا، فأصبح لهذا المحيط في حقبة الكشوف الجغرافية وما تلاها أهمية كبرى، وكانت سواحله ومعظم جزره مناطق للصراع بين القوى الاستعمارية العالمية. وقد وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي في إحدى خطاباته بأنها (منطقة مصلحة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة)(1). ولمنطقة حوض المحيط الهندي أهمية من الناحية الاستراتيجية يمكننا أن نمثلها في نقطتين أساسيتين هما المواد الأولية الاستراتيجية أولًا، والموقع الجغرافي ثانيًا. ويطل الوطن العربي على المحيط الهندي في جنوب الجزيرة العربية والصومال بشواطئ يزيد طولها على 4600كم(2). وتعد الجمهورية اليمنية الدولة العربية الوحيدة التي تتبعها عدد من الجزر في هذا المحيط، كما أنه لا يمكن استبعاد الخليج العربي والبحر الأحمر من حوض المحيط الهندي، إذ يعد جيوبوليتيكيا الذراعين الشماليين لهذا الحوض(3). وبعد تقهقر الدول الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا من منطقة الشرق الأوسط وحوض المحيط الهندي منذ نهاية الأربعينيات فصاعدًا؛ أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تتابع بقلق بالغ ذلك التقهقر واعتبرته انتصارًا ضمنيًا لخصمها الاتحاد السوفيتي سابقًا، مما دفع ذلك بعض المخططين العسكريين في الولايات المتحدة إلى التنبؤ (بفراغ قوة) في المنطقة، وهو تعبير يقصد منه أساسًا غياب العنصر “الأنجلو سكسوني” عنها(4). ويمكن القول إن الولايات المتحدة قد رسمت لها سياسة محدودة وواضحة المعالم في المنطقة العربية المطلة على الخليج العربي والمحيط الهندي، إن لم يكن في المنطقة كلها عمومًا قبل سنة 1968م(*). حيث سعت الولايات المتحدة على ضمان الاستقرار في الخليج العربي والذي كان يقوم أساسًا على الحفاظ على الأنظمة المعتدلة المؤيدة للعرب، ومن أجل تحقيق ذلك فقد دعمت الولايات المتحدة الوجود العسكري البريطاني، في المنطقة قبل إعلان انسحابها منها سنة 1971م. وعدَّ المخططون والعسكريون في الولايات المتحدة الأمريكية تلك الإجراءات أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لأمريكا والمصالح الغربية عمومًا(5).
الصراع الجيوستراتيجي بين الدول العظمى في المحيط الهندي وانعكاساته على الأهمية الجيوبوليتيكية لجزيرة سقطرى
استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة
تعد الولايات المتحدة أكثر دولة منتفعة ومسيطرة على منطقة المحيط الهندي؛ إذ إنها تمتلك استثمارات مالية كبيرة لاسيما في صناعة النفط في المنطقة، وتحصل سنويًا على عشرات المليارات من الدولارات كأرباح من شركاتها الاستثمارية في مجال تكنولوجيا لاستخراج النفط وصناعته، كما أنها تضمن حاجياتها وحاجة حلفائها من النفط، وتقوم بتسهيل مهمة سير البواخر والسفن والناقلات إلى حليفها الرئيس في المنطقة (إسرائيل)(6). ويؤكد أحد قادتها العسكريين أمام الكونغرس حول الوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهندي بقوله: “إن لدينا مهمة إظهار وجود فيما وراء البحار بدرجة من الظهور والقوة، لتوضيح لأي خصم محتمل ولحلفائنا أيضًا أن أي مسعى يتحدى حلفاءنا يمكن أن يؤدي إلى مجابهة عسكرية مع القوات الأمريكية”، ثم يضيف: “..إن لدينا مصالح مهمة جدًا في المنطقة أصبحت حجر الرحى في سياستنا الخارجية، بأن تكون لدينا القدرة الحقيقية على نشر وتوزيع قوتنا العسكرية في المنطقة، ومثل هذه القدرات من شأنها المساهمة في الاستقرار على المدى الطويل”(1).
إن أهم ما ترجوه السياسة الأمريكية في المنطقة هو تطويق حقول النفط العربية بين البحر الأحمر والخليج العربي، لاسيما وأن النفط قد ظهر في دول عربية أخرى بكميات تجارية (اليمن، السودان)، وتقتضي تلك المهمة وجود استقرار سياسي في المنطقة، ولن يتحقق ذلك الاستقرار من وجهة نظرهم إلا في ظل وجود القوة العسكرية الأمريكية التي تحاول أن تجعل من نفسها العصا الغليظة التي تفرض هذا الاستقرار على الجميع، وتسعى الولايات المتحدة كذلك إلى فرض الإرهاب السياسي على الدول المطلة على المحيط الهندي؛ لمنعها من السير في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية والقومية المستقلة، ولإجبارها على الارتباط بسياستها جزئيًا أو كليًا من خلال الأحلاف العسكرية أو من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية على أراضيها، وإذا لم يتحقق ذلك تتدخل عند الضرورة بالقوة لتقمع الاتجاهات المهددة لمصالحها الاحتكارية سواء كانت تلك الاتجاهات أحزابًا أو منظمات أو أنظمة وطنية مستقلة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ويمكن القول إن الاستراتيجية الأمريكية في المحيط الهندي كانت قائمة على قوتها الضاربة المتمثلة ب(2):
أ – الأسطول الخامس: حيث يقوم الأسطول الخامس في هذا المحيط بالتنسيق مع الأسطول السادس في البحر المتوسط والأسطول السابع في المحيط الهادي، وتتشكل قوة الأسطول الخامس حاليًا من 62 قطعة بحرية، تعززها ثلاث حاملات طائرات يبلغ طاقم كلٍّ منها خمسة آلاف مقاتل، ويتسع كلٌّ منها إلى مائة طائرة حربية، كما يشمل الأسطول طرادات متقدمة مجهزة بصواريخ حاملة لرؤوس نووية وغواصات ذرية مزودة بمنصات لإطلاق صواريخ بولاريس 3-A التي تزيد مداها على 5000كم.
ب – القواعد العسكرية: وتقسم القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة إلى ثلاثة أنواع وهي:
ب – 1 قاعدة جزيرة ديبغوغارسيا:
تقع جزيرة ديبغوغارسيا في وسط المحيط الهندي في منتصف المسافة الفاصلة بين جزيرة سقطرى اليمنية وجزيرة سومطرى (الأندونيسية)، وتبلغ المسافة الفاصلة بينها وبين جنوب الهند حوالي 1900كم، ومنها إلى جزيرة سقطرى حوالي 3800كم ومنها إلى جزيرة سومطرى المسافة نفسها إلى جزيرة سقطرى(1) تقريبـــــــــًا. إن هذه القاعدة المذكورة ذات استحكامات وخطوط دفاعية قوية، ولديها مقدرة على الصمود أمام أية هجمة مسلحة تقع عليها إلى المدة الكافية لوصول الإمدادات اللازمة إليها، ولذلك حظيت بأهمية خاصة من القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية على السواء على الرغم من صغر مساحتها(2). ومن نافلة القول أن نذكر قول وزير الدفاع الأمريكي في تقريره حول شؤون الدفاع الذي قدمه سنة 1975م ذكر فيه:
((أن الضرورة الملحة تتطلب من الولايات المتحدة مراقبة الوضع من وقت لآخر في المحيط الهندي، وعليها أن تظهر من حين لآخر بأنها قادرة على إثبات وجودها في هذه المنطقة، وأن دييغوغارسيا إنما تسهل للولايات المتحدة هذه العمليات العسكرية بشكل فعال ودون الحاجة إلى أية إمدادات إضافية))(3).
ولهذه الجزيرة أهمية استراتيجية نسبية لكونها تتحكم في خطوط الملاحة في الجنوب الأوسط من المحيط الهندي، وفيها ميناء يصل عمق مياهه 140 قدم، وتوجد فيها قاعدة بحرية لغواصات بولاريس التي تحمل صواريخ -3 A النووية، وتوجد فيها مستودعات الذخيرة للقوات البحرية والقوات الجوية وخزانات للوقود وملاجئ آمنة لجنود البحرية (المارينز)، وبها شبكات إنذار إلكترونية لمراقبة حركة السفن في عرض المحيط، ومحطات اتصال إلكترونية متطورة وعالية الكفاءة(4)، كما أن بها مدرج للطائرات يبلغ طوله 12ألف قدم، ومراكز استخبارات، ويستوعب حوضها الملاحي من 50-60 قطعة بحرية(5).
ولا تزال الولايات المتحدة تبحث لها عن قواعد ومواطئ أقدام جديدة في المنطقة وخارجها، إذ إنها في السابق قد بالغت كثيرًا في مسألة التهديد السوفيتي، واستغلت هذه الحجة لتعزيز نفوذها وتبرير إجراءاتها السياسية والعسكرية في المنطقة، أما اليوم فإن مبرراتها قد اختلفت عن الأمس مثل مكافحة الإرهاب ومنظماته وعملائه والأنظمة التي تدعمها في المنطقة.
استراتيجية الاتحاد السوفيتي – سابقًا – في المنطقة:
على الرغم من صعوبة التعرف على نوايا السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي وأهدافها في المنطقة لاسيما (المنطقة العربية من المحيط الهندي) بسبب الستار السري الذي كان يسدله الكرملين على نفسه؛ إلا أنه يمكن التعرف على بعض أهدافه في المنطقة، والمبنية على الدفاع عن مصالحه الحيوية فيها وإيجاد التسهيلات.
لقد كان الاتحاد السوفيتي يبدو مصممًا على تحطيم البناء الذي احتفظت به بريطانيا في الشرق الأوسط من أجل تمكين القوة والنفوذ السوفيتي من الانسياب دون عائق إلى البحر المتوسط عبر تركيا ومضيق الدردنيل، ومنه إلى البحر الأحمر عبر مضيق قناة السويس، ومنه إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وإلى الخليج العربي والبحر العربي عبر إيران، الأمر الذي يعني أنه كان يركز جهوده على تحطيم الحاجز، الجنوبي والوصول إلى منطقة المحيط الهندي الدافئة.
ويمكن التعرف على بعض أهدافه في المنطقة ــ لاسيما العربية ــ والمبنية على الدفاع عن مصالحه وإيجاد تسهيلات له فيها من خلال(1):
ويعود أول ظهور السفن الحربية السوفيتية في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي إلى سنة 1966م، وبعد صدور بيان الانسحاب البريطاني في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي في مطلع سنة 1968م قامت السفن السوفيتية بزيارات عديدة لبعض موانئ المحيط الهندي وخليج عدن والخليج العربي. وقد تم تقدير هذه الزيارات في منطقة الخليج العربي والبحر العربي بحوالي 29 زيارة بين عامي 1968-1969م(2).
وفي الوقت نفسه طوَّر الاتحاد السوفيتي علاقاته بشكل إيجابي مع بعض دول المنطقة مثل العراق بعد ثورة 1968م، وفي المحيط الهندي تطورت علاقاته مع اليمن الديمقراطية (سابقًا) بصورة خاصة بعد حزيران 1969م، عندما هيمن الجناح الماركسي في الجبهة القومية على السلطة (والتي كان للكرملين دور بارز في صناعتها) وكذلك مع الصومال بعد اغتيال الرئيس شارماركة في تشرين الأول 1969م، ووصول رئيس أركان القوات المسلحة الصومالية الأسبق، سياد بري إلى السلطة، وكانت هناك إشاعات أن للسوفيت يدًا في تلك الأحداث، كما كان للسوفيت علاقات حسنة مع الهند كذلك(3). إن النفوذ السوفيتي تراجع في المنطقة والجزء العربي منها خاصة بعد حرب 1973م العربية – الإسرائيلية، والنفوذ الحقيقي الوحيد السوفيت الذي لم يتأثر بتلك الأحداث وتوطد كثيرًا إلى أبعد حدود هو في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى انهيار النظام الشيوعي في بداية التسعينيات من القرن الماضي(1).
لقد عمل السوفيت على إيجاد قواعد عسكرية لهم في المنطقة لمواجهة التوسع الأمريكي فيها كما رأينا فيما سبق، وإن تحقيق ذلك في اعتقادهم كان يجب أن يتم عن طريق السيطرة على البحر والمحيط، (المحيط الهندي، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر العرب)، ولكي يحقق السوفيت سيطرتهم على البحر والمحيط لا بد أن يدعموا وجودهم بالقرب من نقاط الاختناق التي تكشف هذا النطاق المائي والمتمثلة في قناة السويس، باب المندب، ومضيق ملقا والموانئ والجزر المطلة عليه وأهمها ميناء عدن والمكلا وجزيرة ميون، سقطرى(2). وكانت القيادات السياسية في اليمن الجنوبي سابقًا تسخر كل إمكانياتها السياسية والعسكرية لخدمة الاستراتيجية السوفيتية (سابقًا)، وكانت تحاول جاهدة إيجاد مبررات معقولة ومنطقية لها، لإقناع شعبها في الداخل والبلدان الأخرى التي كانت تهتم بمجريات الأحداث في منطقة القرن الأفريقي في الخارج لتدخلها السياسي العسكري من أجل دعم النظام الأثيوبي آنذاك(3).
لقد تناقلت وأكدت العديد من الدراسات والتقارير والأبحاث، والعديد من السياسيين اليمنيين المعروفين على حد سواء وجود قواعد عسكرية سوفيتية في أراضي اليمن الجنوبي (سابقًا) تنتشر في موانئه وجزره المطلة على خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وفي هذا الخصوص كان الاتحاد السوفيتي يحتفظ بقوة ضخمة في عدن والمكلا وسيحوت وجزيرة سقطرى(4). كما أن التقارير الأوروبية الصادرة حينئذ كانت كلها تفيد عن قيام السوفيت ببناء محطات عدة للمراقبة الإلكترونية ومراكز للاتصالات فوق جزيرة سقطرى، لتغطي معظم المنطقة الشمالية الغربية من المحيط الهندي، وعن احتفاظ كوبا أيضًا بقواعد عسكرية لها في اليمن الجنوبي تتضمن مطارات ومراكز حربية أخرى لتدريب القوات الخاصة بمنطقة يافع السفلى “بالرميلة”(5). كما كانت جزيرة سقطرى محط أنظار العديد من دول العالم العربي والشرقي في مطلع السبعينيات، إذ كانت ترقبها عيون الأمريكان بعد جلاء الإنجليز من جنوب اليمن وكانوا حينذاك يتطلعون لأن تصبح إحدى أهم قواعدهم العسكرية في المنطقة(6). إلا أن الروس كانوا هم الأسبق إلى السيطرة على الجزيرة وتم لهم ذلك بعد توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بينهم وبين حكومة اليمن الديمقراطي (سابقًا). وأخذت بعد ذلك أبواق الدعاية الإسرائيلية منذ العام 1971م تعلن للعالم: أن جزيرة سقطرى قد أصبحت قاعدة روسية كبرى تتناثر على شواطئها مكامن الغواصات، وتمتلئ كهوف جبالها بالصواريخ العابرة للقارات وأخذت إذاعات العالم وصحفه تتناقل هذا الخبر، إلا أن حكومة اليمن الديمقراطي آنذاك قد كذبت ذلك الخبر في حينه(7).
كما تحدث وكيل وزارة خارجية اليمن الديمقراطي آنذاك مؤكدًا بقوله: ((إن القواعد العسكرية الغربية موجودة في جزر مورشيوس وديغوغارسيا ومالديف ومصيرة صلالة وغيرها في المحيط الهندي……أما عندنا فلا توجد أي قاعدة لأي من الأطراف))(1).
ومهما تكن التصريحات الصادرة من بعض المسؤولين في حكومة اليمن الديمقراطية سابقًا بخلو اليمن الجنوبي وجزيرة سقطرى من القواعد العسكرية الروسية، إلا أن من المسلم به أن الوجود الروسي كان قد بدأ يتزايد في فترات لاحقة وفي مواقع مختلفة من اليمن الجنوبي وجزيرة سقطرى(2).
وقد صرح أحد السياسيين اليمنيين البارزين في بداية الثمانينيات من القرن الماضي أن القواعد السوفيتية أصبحت تغطي معظم مناطق اليمن الجنوبي – سابقًا – وأهم تلك القواعد في العاصمة عدن كانت تتواجد في منطقة “فقم”، وبين الجبلين في التواهي، والقاعدة العسكرية البحرية والجوية في جزيرة سقطرى، كما أفاد بأن السوفيت قاموا بإنشاء محطات للمراقبة الإلكترونية ومركز للاتصالات فوق الهضبة الغربية من جزيرة سقطرى، وهي تقع في المحيط الهندي وعلى حدود سلطنة عمان(3).
ويتضح لنا مما سبق أن الاتحاد السوفيتي – سابقًا – قد حاول إيجاد قواعد له في جنوب اليمن والقرن الإفريقي، وذلك في مواجهة القواعد العسكرية للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي وجزره، فكانت عدن والمكلا وسيحوت ويافع وجزيرة سقطرى والقواعد في أثيوبيا تنافس القواعد الأمريكية في المحيط الهندي مثل: ديغوغارسيا وسيشل ومالديف ومصيرة وصلالة. وعند مقارنة موقع جزيرة ديبغوغارسيا – القاعدة الأمريكية في وسط المحيط الهندي – بموقع جزيرة سقطرى، نرى عظمة الموقع ومساحته وثرواته يتفوق على الجزيرة الأولى، إلا أن الاستثمارات والاهتمام المنصبّ على تطوير جزيرة ديبغورغارسيا على الرغم من ضآلة حجمها أعطى لها وزنًا جيوبوليتيكيًا أكبر في المجال الاستراتيجي الدفاعي والإشرافي العسكري في هذه الجزيرة.
ويعتقد أن السوفيت قد قاموا بتفكيك كل ما يتعلق بالقواعد العسكرية ومحطات الاتصالات الإلكترونية التي أقاموها في أرض الجزيرة في وقت لاحق من عام 1989م(4).
الموقع الجيوستراتيجي لجزيرة سقطرى والطريق التجاري لنقل النفط:
بالرغم من امتلاك الوطن العربي الكثير من الجزر المتناثرة بالقرب من سواحله إلا أن معظمها فيها الكثير من نقاط الضعف الجيويوليتيكية كخلوها من السكان، وموارد المياه والنباتات الاقتصادية والثروة الحيوانية، بالإضافة إلى صغر مساحتها وطبوغرافيتها الصحراوية، والقليل منها يحتوي على بعض المياه والموارد الاقتصادية الأخرى، ورغم ذلك نجد بعضها يكتسب أهمية جيوبوليتكية نظرًا للموقع الذي تحتله. وفي هذا الإطار تبرز الأهمية الجيوستراتيجية لجزيرة سقطرى من خلال إشرافها على أعظم طريق ملاحي لنقل النفط من مناطق إنتاجه في الخليج العربي إلى أوروبا وأمريكا عبر باب المندب إلى البحر الأحمر ومنه عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، ومن الخليج العربي عبر البحر العربي والمحيط الهندي إلى جنوب إفريقيا، وهذا الأخير تظهر أهميته بشكل كبير عندما يغلق البحر الأحمر في وجه الملاحة البحرية في أثناء الحروب أو الأزمات(1)، حيث تجتاز المياه الإقليمية لهذه الجزيرة أكبر عدد من الناقلات في طريقها إلى الدول الصناعية الكبرى(2). حيث يخترقه سنويًا حوالي 4500 باخرة و1500 ناقلة نفط لعام 1980م، بينما كان عددها قد تراوح 3740 باخرة و1150 ناقلة “لعام 1973م”(3). (انظر وشكل رقم 30)، وخريطة رقم (19).
لقد برزت أهمية الطريق الملاحي لنقل النفط في المحيط الهندي تدريجيًا مع بروز الحاجة المتزايدة للطاقة واحتلال النفط مكانة مرموقة في تقرير سير الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية الدولية في هذه المنطقة خاصة وغيرها من مناطق العالم. حيث يقدر عدد السفن التي تمر فيه حاليًا بأكثر من 21000 – قطعة بحرية سنويًا (57 قطعة يوميًا)(4).
أهمية موقع جزيرة سقطرى للأمن القومي اليمني والأمن القومي العربي:
يشكل الموقع الجغرافي لجزيرة سقطرى أهمية كبيرة للأمن القومي اليمني في جانبية السياسي والعسكري، حيث يمكن الاستفادة من موقعها الجغرافي المهم في تدعيم الأمن اليمني بوجه خاص والعربي بوجه عام(5). ويمكن النظر إلى البحار المحيط بالجزيرة على أنها تتمة طبيعية للمجال الحيوي السقطري، وجزءًا لا يتجزأ من منطقتها الإدارية. ونظرًا لأهمية تلك البحار المحيطة بالجزيرة والمجاورة لها والمتصلة بالمضايق ونقاط الاختناق والممرات المهمة في الخليج العربي والبحر الأحمر من الناحية الاستراتيجية والجيوبوليتيكية، لذا فإن القوات البحرية وفقًا” لنظرية ماهان(*)، لها أهميتها في تحقيق مطالب الأمن القومي خاصة، والأمن القومي العربي عامة.
ونظرًا لمحدودية إمكانات الجمهورية اليمنية في عدم استطاعتها تكوين أسطول بحري للدفاع يتمركز في جزرها ويوفر الأمن لحدود البحرية في أوقات السلم والحرب، لذا فإنه يتوجب عليها تحقيق أمنها الخاص في إطار الأمن الجماعي العربي المشترك، ولن يتحقق لهم ذلك الأمن إلا من خلال عملهم المشترك والموحد ضمن حلقتين هما:
الجهود الذاتية: التي ينبغي أن تبذلها الجمهورية اليمنية بإمكاناتها الفردية الخاصة في توفير القوات والوسائل العسكرية والحربية لتأمين مياهها الإقليمية لشواطئها وجزرها، وتأكيد سياستها البحرية على مياهها وجزرها، وكذلك كل دولة عربية ينبغي أن تقوم بتلك الجهود نفسها.
التكامل والتداخل: بالتأثير المتبادل بين الجمهورية اليمنية وبقية الأقطار العربية والتي تحقق وجود نظام تحالف فيما بينها وبين عدد من الأقطار الأخرى في المنطقة كدول الخليج والجزيرة العربية والقرن الأفريقي)، مما يلزم وجود حد أدنى من التنسيق يكفل للدول العربية المطلة على البحار والتي تتبعها جزر استراتيجية كسقطرى وميون حق السيادة البحرية الكاملة على مياهها الإقليمية، والسيطرة الكاملة على المنطقة التكميلية في البحر، والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تتبعها. وينبغي أن تعمل تلك الحلقتين آنفة الذكر على تحقيق الأمور المهمة التالية (1):
ج- صد أي قوات بحرية معادية في أعالي البحار قبل وصولها إلى مدى إطلاق أسلحتها ضد أهدافنا الحيوية القريبة من الجزر والسواحل.
د- الدفاع عن السواحل اليمنية والعربية، وذلك بإشراك كافة أسلحة القوات البحرية المتوافرة لدى اليمن والدول العربية بالتعاون مع القوات الجوية، وعدم السماح لأي قوة معادية بالتصدي للسفن والقطع البحرية العربية المرابطة في المياه الإقليمية للجزر والسواحل.
ه – الاستطلاع البحري الجوي بالتنسيق بين الجمهورية اليمنية والأقطار العربية الأخرى للحصول على المعلومات عن أي تهديد في الوقت المناسب، وتبادل هذه المعلومات بين اليمن وجيرانها من الأقطار العربية، وتبليغها لقيادات الأركان البحرية والجوية في كل منها.
من الواجب إعداد المسارح البحرية بتطوير الموانئ والمطارات، وتطوير وسائل الإنذار المبكر وشبكات الاتصال على ظهر الجزر اليمنية والعربية وبين الأقطار، وكذلك إجراء المناورات والتدريبات البحرية المشتركة وتبادل الخبرات، وإنشاء شركات ملاحية مشتركة سواء كانت عامة أو خاصة لغرض العمل بين الموانئ العربية حتى يمكن استخدمها عند الضرورة لعمل جسور بين أجزاء الوطن العربي، وذلك تحقيقًا لهدف مهم وهو تأمين السواحل والجزر العربية وحمايتها من أي اعتداء.
مجال مكافحة القرصنة البحرية والتهريب:
لقد عانت اليمن كثيرًا من عمليات الإرهاب والقرصنة البحرية والتخريب، وكان أخطرها تلك التي استهدفت العديد من المصالح الاقتصادية ومقومات الأمن والاستقرار، وكان لها انعكاسات سلبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لكل أرجاء اليمن. ولعل أبرز تلك الأعمال حادثة المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن في الثاني عشر من أكتوبر 2000م، وحادثة الناقلة الفرنسية ليمبرج في ميناء ضبة بحضرموت في السادس من أكتوبر 2002م وتجاه ذلك المد الإرهابي الذي استهدف المصالح الوطنية والأجنبية، وفي سبيل تأمين الشريط الساحلي لأراضي الجمهورية اليمنية وجزرها الذي يتجاوز 2200كم لسلامة واستقرار أمن اليمن عملت الحكومة على إنشاء مصلحة خفر السواحل(*). حيث أسهمت تلك القوة بالتعاون مع القوات البحرية اليمنية في سواحل اليمن وجزرها في الحد من عمليات القرصنة البحرية بالقرب من السواحل اليمنية، والتسلل والتهريب بكافة أنواعها، بما في ذلك تسلل اللاجئين غير الشرعيين أو أسلحة أو متفجرات أو مخدرات أو غير ذلك إلا أن نشاط تلك القوة (خفر السواحل) لايزال محدودًا في مناطق الجزر اليمنية ومن ضمنها جزيرة سقطرى(1).
جزيرة سقطرى ونطاق قوس الأزمات(*)
يقصد بنطاق قوس الأزمات أو هلال الأزمات في الجيوبوليتيك الدولية المعاصرة (المنطقة الواقعة بين الهند والقرن الأفريقي والدول الواقعة بينهما). وتشمل تلك الدول كلًا من إيران وأفغانستان وباكستان ومنطقة الخليج العربي، ومصر والسودان وأرتيريا والجزر الواقعة ضمنها، حيث تعد الولايات المتحدة الأمريكية هذا القوس أو الهلال ضمن مجالها الحيوي الذي ورثته عن بريطانيا(2).
لقد أدخل “بريجنسي” اليمن وإقليمها الجزري في المحيط الهندي (أرخبيل سقطرى) ضمن نطاق قوس الأزمات، وهذا دليل على الأهمية الموقعية لليمن وجزيرة سقطرى، إذ لم ينس رجال السياسة الدولية اليمن لضمها ضمن هذا الهلال، لأنها تعد من أكثر المواقع أهمية للاستراتيجية الأمريكية بالنسبة للدول، وقد أدى ذلك في زيادة الأهمية الموقعية لليمن وجزيرة سقطرى(3).
ولذلك نجد أن الموقع الجغرافي لجزيرة سقطرى جعلها شخصية اعتبارية عالية الشأن وصار مقومًا طبيعيًا لها، وكان له الأثر البارز في وزنها الجيوبوليتيكي الدولي قديمًا وحديثًا. حيث قاد ذلك الوزن الجيوبوليتيكي الدولي إلى تفعيل مكانة اليمن ليزيدها شأنًا وتقديرًا، فضلًا عن أهميته للأمة العربية مكانة وقوة(4). وكل هذا سيؤدي إلى أن تمارس اليمن سيطرتها العسكرية على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وجزرها، وعلى وجه الخصوص جزيرة سقطرى التي تعد من أهم جزر العالم من حيث أهميتها الاستراتيجية التي لا تقارن، فعندما يتم مقارنتها مع جزر ديبغوغارسيا ومورشيوس والمالديف وسيشل المتواجدة في المحيط الهندي نجد أهمية وعظمة هذا الموقع، لاسيما بعدما أصبحت اليوم منطقة الخليج العربي أكثر المناطق سخونة، ومخزنًا نفطيًّا استراتيجيا للعالم بأسره. وبالإضافة إلى الأهمية الجيوستراتيجية، فإن لها عظم الأهمية من الجوانب الاقتصادية بما تحويه من غلاف حيوي فريد لا مثيل له في جزر العالم يمكن أن يستغل لاجتذاب السياح من مناطق العالم، مما سيكون رافدًا مهمًا للاقتصاد اليمني، بل إنه سيصبح مرتكزًا أساسيًا فيه(1). إن الأهمية الجيوستراتيجية لنطاق قوس الأزمات وعلى وجه التحديد منطقة الشرق الأوسط، التي تعد اليمن من أهم دولها، تنطلق من أسباب كثيرة ومهمة تأتي في مقدمتها ما يلي:-
جـ – أن المحيط الهندي حيث تستقر جزيرة سقطرى في أقصى ركنه الشمالي الغربي سوف يشهد مستقبل الصراع الدولي، وهذا ما يزيد من أهمية البحار والمداخل المائية التابعة له والقريبة من الجزيرة بضمها الخليج العربي وبحر العرب كنوافذ مائية مفتوح في الفكر الجيوستراتيجي الذي تشكل كل من دول الخليج العربي واليمن عناصر رئيسة فيه.
ويدرك الكيان الصهيوني مدى أهمية هذه الممرات والمسطحات المائية في هذه المنطقة ولغيرها من حلفائها، كقناة السويس وباب المندب ودور اليمن الجيوبوليتيكي وموقعها الجيوستراتيجي العالمي ومداخلها المائية وجزرها(*). الممتدة إلى باب المندب وخليج عدن، وتدرك كذلك أهمية المداخل المائية ومقابلتها للقوى العربية التي تهيمن على المدخل المائي الرئيس في العالم مضيق هرمز- وعلاقته بالمحيط الهندي(2). حيث إن كل من باب المندب ومضيق هرمز يشكلان الآن قاعدة المثلث لأهم المنافذ المائية في عالم اليوم، وبينما تقع جزيرة سقطرى في رأس زاوية هذا المثلث(3).
المبحث الثالث
سقطرى والأهداف الأمريكية (1990م – 2020م)
إن أمن البحر الأحمر والخليج العربي هو مفهوم إقليمي لكنه مرتبط إلى حد كبير بالأمن القومي الغربي ارتباطًا عضويًا وثيقًا، ويلاحظ أن هناك غياب للتصور العربي الواحد بالنسبة لقضايا الأمن القومي.
وتعد هذه المنطقة بالذات من بين مناطق الوطن العربي ذات حساسية كبيرة في الحسابات الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة في الوقت الراهن. ولقد أعد أحد السياسيين الأمريكان (جيفري ريكورد) تقريرًا لمعهد تحليل السياسة الخارجية بواشنطن قام خلاله بتقسيم التهديدات العنيفة لحرية وصول الغرب إلى نفط الخليج إلى ثلاث فئات(4).
وتأتي التحركات الأمريكية في المنطقة العربية شمال المحيط الهندي ضمن نشاط أمريكي مكثف منذ مدة طويلة لإقامة حزام من القواعد العسكرية الثابتة والمستقلة حول منطقة الخليج العربي، وهذا الحزام تريد أمريكا به تطويق منطقة الخليج العربي، وقد سنحت الفرصة لها بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وخلو حلبة المنطقة من المنافسين لها لتنقضّ على (الدول المارقة) عن سياستها في المنطقة، تارة بالتدخل العسكري المباشر كما حدث في العراق، وتارة بالتهديد بالحصار والمقاطعة الاقتصادية كما هو الحال مع إيران تمهيدًا للانقضاض عليها عندما تحين الفرصة تحت حجة حماية المصالح الحيوية لأمريكا، وتارة بحجة حماية دول المنطقة من تهديد قوة إقليمية من داخل المنطقة نفسها ويتكون الطوق العسكري الأمريكي حول منطقة الخليج العربي من الحلقات التالية(2):
إقليم ارتطام الشرق الأوسط وأهميته للدول الكبرى المتصارعة
يعد إقليم ارتطام – تصاد – الشرق الأوسط أهم أقاليم الارتطام العالمية الثلاثة حسب تصنيف جميس فير جريف في كتابه “الجغرافية والسيادة العالمية”، ويمتد هذا الإقليم على حدود المحيط الهندي الشمالية الغربية، وقد كان مجالًا حيويًا في الماضي للعديد من القوى العالمية المتصارعة المتضاربة كبريطانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا، وفيما بعد مجالًا حيويًا للنفوذ السوفيتي والأمريكي وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبح مجالًا رئيسيًا للأمريكان، ولا يزال يوجد بعض النفوذ الفرنسي، لاسيما في منطقة جنوب البحر الحمر من خلال قواعدها في خليج تاجورا الجيبوتي لحماية أمن الملاحة الدولية فيه باتفاق مع الولايات المتحدة(1). حيث من الملاحظ في أثناء أزمة جزر حنيش بين أرتيريا واليمن كان للنفوذ الفرنسي الوسيط بين الطرفين دور مهم في حل الخلاف، كما أن هناك وجودًا محدودًا لبعض القطع البحرية الصينية خاصة في منتصف البحر الأحمر(2).
نظرًا لأن هذا الإقليم يتحكم في ممرات بحرية وجزر مهمة، ولتخصصه في الإنتاج الزراعي والمعدني – البترول والغاز الطبيعي-؛ فإن مصيره السياسي والاقتصادي ذو الأهمية كبيرة بالنسبة للعالم البحري، وبالمثل أيضًا نظرًا لأن هذا الإقليم له اتصال بري بالعالم القاري الأوراسي، واتصال بحري بإفريقيا ذات المشكلات الساخنة؛ فإنه ذو أهمية بالغة الخطورة أيضًا لهذا الإقليم الجيوستراتيجي. ويرى فير جريف أن أهم ما يميز هذا الإقليم الارتطامي هو تفتته سياسيًا واقتصاديًا(3). وتتبع بعض دول هذا الإقليم سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وتحاول أن تقود بقية دول الإقليم في هذا الاتجاه، ولكن من الملاحظ أن بعض دول الإقليم الارتطامي ترتبط بمراكز القوى العالمية مثل بعض الدول العربية في المنطقة وتركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتواجد على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية، ويعزى ذلك الارتباط بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن مصالحها الخاصة تملي عليها ذلك، أو لوقوع ضغط عسكري واقتصادي عليها من مراكز القوى العالمية تلك.
ويمتد إقليم تصادم الشرق الأوسط – حسب تصنيف فير جريف – من ليبيا غربًا إلى أفغانستان وإيران شرقًا، ومن تركيا شمالًا إلى عمان واليمن جنوبًا، وتدخل ضمن هذه المنطقة مسطحات مائية وجزر مهمة، فمن البحار، الجزء الشرقي من البحر المتوسط وذراعه الجنوبي المتثل بالبحر الأحمر، وكذلك خليج عدن واتصاله بالبحر العربي في جزئه الغربي، بالإضافة إلى الخليج العربي والجزر الواقعة إلى الشمال من المحيط الهندي كجزيرة ديبغوغارسيا وموروشيوس.
ومما يلاحظ على إقليم ارتطام الشرق الأوسط الذي حدده فير جريف، أنه يتشابه إلى حد ما في حدوده مع نطاق قوس الأزمات لبرجينسي، إلا أن نطاق قوس الأزمات يشمل إضافة إلى الدول المذكورة آنفًا باكستان والهند، ولكنه لا يشمل تركيا والتي أدخلها فير جريف ضمن إقليم ارتطام الشرق الأوسط.
وتحاول كل من مراكز القوى الإقليمية في هذا الإقليم أن تكوِّن لها نفوذًا في منطقة الارتطام هذه منذ خروج بريطانيا منها نهائيًا في بداية سبعينيات القرن الماضي، ومن أمثلة القوى الإقليمية التي برزت فيه إيران منذ عهد الشاه والعراق. ولقد انتهت قوة العراق، ولم يعد لها شأن يذكر بعد أن تعرض للغزو الأمريكي في العام 2003م، وبقيت إيران تحاول الظهور كقوة إقليمية أولى في هذه المنطقة، وتعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة على القضاء على قوة إيران الإقليمية كما عملت مع سابقتها العراق.
ولكل من مراكز القوى العالمية أصدقاء وحلفاء في منطقة الارتطام هذه يحاول دعمها وتقويتها لاسيما مع زيادة حدة الصراع بعد الحرب الأخيرة التي خاضها العراق ضد الولايات المتحدة الأمريكية، كما تعد الدول العربية المطلة على الخليج العربي حلفاء للولايات المتحدة. وتعد اليمن من ضمن أصدقائها في هذه المنطقة. إلا أنها أصبحت مركزًا للصراع على الصعيد الداخلي فيما بينها من الانقلابيين الحوثيين والشرعية المعترف بها دوليًا، وأخيرًا المجلس الانتقالي الممثل عن الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وهذا النزاع الذي أدى إلى تقسيم اليمن، قد أسهم به إلى حد كبير الصراع الدولي والمتمثل بالصعيد الإقليمي دول الخليج والوطن العربي وكذلك الصعيد العالمي (أمريكا وحليفتها بريطانيا ثم دول حلف الناتو وأخيرًا روسيا والصين وإيران)
إن القوى العالمية في منطقة ارتطام الشرق الأوسط تعمل على تحقيق وظائف كثيرة أهمها:-
1. تعد موطئ قدم لها في المنطقة فهي بمثابة قواعد تستخدم في الحرب الباردة كما كان حاصل بين الاتحاد السوفيتي – سابقًا – والولايات المتحدة من تصادم في هذه المنطقة. كما تستخدم في الحروب الساخنة مثلما حدث عندما دعمت الولايات المتحدة حليفتها إسرائيل بشدة لاسيما بعد حرب يوليو 1967م وحرب أكتوبر 1973م وما يحصل الآن في العراق.
القاعدة العسكرية الأمريكية في سقطرى 2010م.(2)
بما أن جزر أرخبيل سقطرى تقع على مفترق طرق بحري استراتيجي, وعلاوة على ذلك، فإن الأرخبيل يمتد على مساحة بحرية كبيرة نسبيًّا في المنفذ الشرقي من خليج عدن، ومن جزيرة عبد الكوري، إلى الجزيرة الرئيسة سقطرى، وتقع هذه المنطقة البحرية للعبور الدولي في المياه الإقليمية اليمنية، ومن ثَمّ فإن هدف الولايات المتحدة هو حراسة مصالحها في خليج عدن البحري بأكمله من الساحل اليمني إلى الساحل الصومالي، وتقع جزيرة سقطرى على بُعد نحو 3000 كم من القاعدة البحرية الأمريكية “دييغو غارسيا”، وهي من بين أكبر المنشآت العسكرية الأمريكية في الخارج. حيث التقى الرئيس صالح والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأمريكية، لإجراء مناقشات رفيعة المستوى وراء الأبواب المغلقة وقدّمت وسائل الإعلام الاجتماع الذي دار بين صالح وبترايوس بوصفه استجابة مناسبة لمحاولة التفجير لطائرة الرحلة رقم 253 المتجهة إلى ديترويت والتابعة لشركة “نورثويست ايرلانيز” في أثناء أعياد الميلاد، ويبدو أن هذا اللقاء حدث لهذا الغرض كوسيلة لتنسيق مبادرات مكافحة الإرهاب الموجهة ضد “تنظيم القاعدة في اليمن”، بما في ذلك استخدام طائرات من دون طيار أمريكية وصواريخ على أراضي اليمن أكدت العديد من التقارير أن الاجتماعات بين صالح وبترايوس كانت بهدف إعادة تعريف التدخل العسكري الأمريكي في اليمن بما في ذلك إنشاء قاعدة عسكرية كاملة في جزيرة سقطرى.
وذكرت تقارير أن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح تنازل عن جزيرة سقطرى للأمريكان الذين سيقيمون في القاعدة العسكرية، مشيرًا إلى أن المسؤولين الأمريكان والحكومة اليمنية وافقوا على إنشاء قاعدة عسكرية في سقطرى لمواجهة القراصنة وتنظيم القاعدة وفي العام نفسه، وقبل يوم واحد من الاجتماعات بين صالح وبترايوس في صنعاء، أكد الجنرال بترايوس في مؤتمر صحفي في بغداد، أن المساعدة الأمنية إلى اليمن ستكون أكثر من الضعف من 70 مليونًا إلى أكثر من 150 مليون دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها 14 ضعفًا منذ عام 2006م قدِّمت هذه المضاعفة للمساعدات العسكرية لليمن إلى الرأي العام العالمي كرد فعل على حادث تفجير طائرة ديترويت، المزعوم تنفيذه من قِبل تنظيم القاعدة في اليمن.
وقد وصفت وسائل الإعلام الأمريكية إنشاء قاعدة جوية في جزيرة سقطرى بأنه جزء من “الحرب العالمية على الإرهاب(1) ومن بين البرامج الجديدة، وافق صالح وبترايوس على السماح باستخدام طائرات أمريكية، وربما طائرات من دون طيار، وكذلك الصواريخ المحمولة بحرًا، طالما أن هناك موافقة مسبقة من اليمنيين على هذه العمليات. ويقول مسؤولون أمريكيون إن جزيرة سقطرى، التي تقع على بُعد 200 ميل قبالة الساحل اليمني، سيتم تعزيزها بمهبط طائرات صغير تحت سُلطة الجيش اليمني، وقاعدة كاملة من أجل دعم مزيد من برامج المساعدات وكذلك مواجهة القراصنة الصوماليين، كما حاول بترايوس أيضًا تزويد القوات اليمنية بمعدات أساسية مثل مدرعات طراز همفي وبعض المروحيات.
فلا تقتصر المنشأة العسكرية الأمريكية المقترحة في جزيرة سقطرى، على قاعدة للقوات الجوية فقط. حيث تم التفكير أيضًا في إنشاء قاعدة بحرية أمريكية، وكان تطوير البنية التحتية البحرية في سقطرى من خلال خط الأنابيب، وقبل بضعة أيام من المناقشات مع بترايوس وافق مجلس الوزراء اليمني على قرض بقيمة 14 مليون دولار من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، دعمًا لتطوير الميناء البحري في جزيرة سقطرى.
يعدُّ أرخبيل سقطرى جزءًا من اللعبة الأمريكية الكبرى بين روسيا وأمريكا خلال الحرب الباردة، كان للاتحاد السوفياتي وجود عسكري في جزيرة سقطرى، التي كانت في ذلك الوقت جزءًا من جنوب اليمن، وقبل أقل من عام دخل الروس في مفاوضات جديدة مع الحكومة اليمنية بشأن إنشاء قاعدة بحرية في جزيرة سقطرى.
وبعد ذلك وفي عام 2010م وفي الأسبوع الذي أعقب الاجتماع بين بترايوس وصالح، أكد بيان من البحرية الروسية “أن روسيا لم تتنازل عن خططها في امتلاك قواعد لسفنها في جزيرة سقطرى”، وكانت الاجتماعات بين بترايوس وصالح حاسمة في إضعاف المبادرات الدبلوماسية الروسية للحكومة اليمنية، فكان الجيش الأمريكي يراقب جزيرة سقطرى منذ نهاية الحرب الباردة. وفي عام 1999م تم اختيار جزيرة سقطرى كموقع تخططه الولايات المتحدة لبناء (نظام استخبارات الإشارات) عليه، وذكرت وسائل الإعلام اليمنية المعارضة أن إدارة اليمن قد وافقت على السماح بالوصول العسكري الأمريكي إلى ميناء جزيرة سقطرى ومطارها, ووفقًا لمصادر إعلامية، تم إنشاء مطار مدني جديد في جزيرة سقطرى للترويج للسياحة، وفقًا للمواصفات الأمريكية العسكرية.
إن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرة سقطرى هو جزء من عملية أوسع نطاقًا من عسكرة المحيط الهندي(1)، ويتكون هذا الأخير من دمج وربط جزيرة سقطرى بالبنية القائمة، وكذلك تعزيز الدور المهم الذي أدَّته القاعدة العسكرية دييغوغارسيا في جزر تشاغوس. وقبل الحرب العالمية الأولى أشار الأدميرال ألفريد ثاير ماهان الخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية، إلى أن “كل من يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعبًا بارزًا على الساحة الدولية”، الأمر المثير في كتابات الأدميرال ماهان هو السيطرة الاستراتيجية من الولايات المتحدة على الطرق الرئيسة في البحار والمحيطات لاسيما المحيط الهندي. “إن هذا المحيط هو المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين سيتم تحديد مصير العالم في هذه المياه”.
الخاتمة
لقد كثرت التحديات والتهديدات التي تواجه اليمن ودول الخليج العربية في الوقت الراهن، إذ تقف وراء تلك التهديدات قوى إقليمية في المنطقة تدعم عناصر إرهابية تخريبية تعمل على إشعال بؤر مختلفة للصراعات والفتن في اليمن أو في دول الجزيرة العربية، كما أن هناك نوعًا آخر من التهديدات تقف وراءها بعض الدول الكبرى التي لديها أطماع اقتصادية في هذه المنطقة. إن النوع الأول من التهديدات يمكن السيطرة عليه داخليًا (داخل حدود الدولة)، بينما النوع الثاني من التهديدات هو أكثر خطورة إذ تتطلب مواجهته استعدادات كبيرة ومن هذا المنطلق وعلى اعتبار أن أمن الدول العربية الخليجية وأمن اليمن لا يمكن فصلهما عن بعض كما أقر بذلك مسؤولون كبار في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وأن منطق الأخوة والمصلحة المشتركة والمصير الواحد يفرض نفسه لإدخال الجمهورية اليمنية في إطار تلك المنظومة، حيث اتفق السياسيون والباحثون على ذلك الاتجاه ورأوا فيه وضعًا طبيعيًا توجبه معطيات كثيرة من الجغرافيا والترابط الاجتماعي والبعد الجيوسياسي والتكامل الدفاعي والأمني، إذ تشكل الأراضي اليمنية وجزرها عمقًا دفاعيًا استراتيجيا لدول الخليج العربية من جهة الجنوب والغرب، وظهيرًا آمنًا للسعودية وسلطنة عمان بدرجة أساسية وبقية دول المجلس بدرجة ثانية، كما أن اليمن سيسهم بانفتاحه عبر سواحله وجزره الكثيرة المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي في تفادي مشكلات جيوبوليتكية عدة يمكن أن تواجه دول المجلس مستقبلًا.
وبحكم اعتبار منطقة الدراسة – جزيرة سقطرى – أكبر الجزر العربية قاطبة؛ فإن الباحث يرى ضرورة استثمار ميزة موقعها الجغرافي المتقدم في جنوب الجزيرة العربية في إطار المجالات التي تسمح بها الخصائص الطبيعية للجزيرة كمحمية بيئية فريدة الطراز- مصدق عليها من الأمم المتحدة كموقع للتراث العالمي لليونيسكو: رقم (1263)، وذلك بتعاون الدول العظمى (أمريكا، بريطانيا والصين والاتحاد الأوربي) وبالطبع دول الخليج العربية، فهذه النوعية من المشاريع رغم تكاليفها الباهضة التي لا تقدر على تمويلها دولة بمفردها مثل اليمن فإنه في حالة تحقيقها على أرض الواقع ستعمل على تعزيز الأمن القومي الاستراتيجي لكافة الدول المشتركة فيه، وسيعمل على حماية مصالحها عبر تغيير بوصلة المنافسة والاستفراد إلى الشراكة والمنفعة المتبادلة التي تسمح بتواجد الجميع فيها مما يبعد شبح أي تهديد خارجي متوقع حدوثه في المستقبل. ومن وجهة نظرنا المتواضعة حتى إذا ما كانت هناك ضغوط دولية وحاجة ومصالح شديدة التأثير لخيارات عسكرة الجزيرة فإنه من الأهمية بمكان الأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والطبيعة النادرة للغطاء النباتي والحيواني المتواجد بالجزيرة، والحفاظ عليه كإرث وثروة وطنية وهبنا الله إياها.)
(*) هذه الجزر هي: عبد الكوري، سمحة، درسة، كراعيل فرعون، صيال (صابونية).
(1) محمود توفيق محمود، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، دراسة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكي، ص18.
(**) تبعد جزيرة سقطرى عن رأس فرتك _ أقرب نقطة على الساحل اليمني المواجهة بحوالي 350 كيلومترا”. (أخذت من: محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره ص18).
(2) المصدر نفسه، ص18.
(3) المصدر نفسه، صص 99- 115.
(4) المصدر نفسه، ص116
(1) المصدر نفسه، ص116
(*) يقصد بها تتبع اللاندسكيب التاريخي لأحداث المنطقة السياسية الدروسة في الماضي كعملية نامية ومتطورة، حاضرها استثمار لماضيها وإشارة لمستقبلها. مأخوذة من (أ. موري لفيفر، التاريخ والجغرافيا من وراء السياسة، ترجمة يوسف الدباغ، سلسلة الألف كتاب، القاهرة، 1972 م، ص2)
(1) نقولا زيادة، تطور الطرق البحرية بين البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، مجلة دراسات الخليج، العدد (4)، العراق 1968 م، ص15.
(2) المصدر نفسه، ص15.
(3) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، ص17.
(*) هما اسمان لميناءين قديمين كانا يقعان في مصب نهر الهندوس في الهند.
(4) المصدر نفسه، ص36.
(5) المصدر نفسه، ص36.
(6) المصدر نفسه، ص14.
(1) علي صالح الخلاقي، سقطرى في صفحات التاريخ والندوة الدولية العلمية الأولى حول جزيرة سقطرى الحاضر والمستقبل، الجزء الأول، جامعة عدن، دار الجامعة للطباعة والنشر ن عدن، 1999م ص189.
(2) فيتالي ناؤمكين مصدر سبق ذكره، ص36.
(3) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص37.
(4) محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره، ص6.
(5) الحسن بن يعقوب الهمداني، صفة جزيرة العرب، تحقيق محمد علي الأكوع، مركز الدراسات والبحوث اليمنية، صنعاء،1983م، ص93.
(6) محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره، ص61.
(7) المصدر نفسه، ص61.
(1) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، صص30 – 32.
(2) المصدر نفسه، ص31
(3) محمد مرسي الحريري، دراسات في الجغرافيا السياسية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988 م، ص448.
(4) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، ص27 .
(5) أحمد العبدلي، حملة الإمام الصلت بن مالك على جزيرة سقطرى والعلاقات العمانية المهرية، الندوة العلمية الأولى حول جزيرة سقطرى الحاضر والمستقبل، الجزء الأول، جامعة عدن، دار الجامعة للطباعة والنشر، عدن 1999م، ص170.
(6) المصدر نفسه، ص177.
(*) تعد بني عفرار: أقوى وأكبر مجموعة قبلية في بلاد المهري، وتضم هذه القبيلة: بيت كلشات وبيت صمودة، وبيت ثوار، وتتصل هذه المجموعة بقبائل بيت زياد المسيطرة على سيحوت والمناطق السفلى من وادي المسيلة. لمزيد من الاطلاع انظر: حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص47 – 50.
(**) قشن: مدينة ساحلية في محافظة المهرة، يتكون خليجها من الرأسين البارزين إلى البحر وهما رأس شروين ورأس الدرجة، وكانت قشن فيما مضى تعد العاصمة الثانية في سلطنة المهرة بعد العاصمة الأولى حديبو في جزيرة سقطرى، وكان يسكن فيها نائب السلطان، (حمزة علي لقمان، مصدر سبق، ص62).
(1) أحمد العبدلي مصدر سابق ص62.
(2) أحمد العبدلي مصدر سابق ص62.
(3) شهاب الدين أحمد بن ماجد، الفؤاد في أصول علم البحر والقواعد، تحقيق إبراهيم خوري وعزة حسن، دمشق، 1971، ص100 – 101.
(4) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، صص 62-63.
(5) محمد حميد السلمان، الغزو البرتغالي للجنوب العربي في الفترة ما بين 1507 – 1525م، الطبعة الأولى، مركز زايد للتراث والتاريخ، الإمارات، 2000م، ص137.
(6) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، ص67.
(1) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص80.
(2))walter dostal،the political and economic situation in Socotra in the 19thcentury from the reports of the Austran Marine Archive,proceeding of first International Symposium on Socotra Island، present and Future، vol.1, university of Aden، university of Aden printing and publishing House، 1999، p.p..50.
(3) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص80-81.
(4) علي صالح الخلاقي، مصدر سبق ذكره، ص195.
(5) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص80-81.
(6) محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره، ص116.
(1) آمال إبراهيم محمد، الصراع الدولي حول البحر الأحمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الأولى، صنعاء، 1993م، ص112.
(2) المصدر نفسه، ص112.
(3) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، ص76.
(4) المصدر نفسه، ص76.
(5) حمزة علي لقمان، سبق ذكره، ص83 – 84.
(6) علي صالح الخلاقي، مصدر سبق ذكره، ص196.
(7) فيتالي ناؤومكن، مصدر سبق ذكره، ص77.
(8) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص84.
(1) علي صالح الخلاقي، مصدر سبق ذكره، ص197.
(2) حمزة علي لقمان، مصدر سبق ذكره، ص84.
(1) عبدالرزاق عباس حسين، الجغرافيا السياسية مع التركيز على المفاهيم الجيوبوليتكية، مطبعة أسعد، بغداد، 1976م، ص67.
(2) المصدر نفسه، ص67 لمزيد من التفاصيل: انظر: ” وزارة الإعلام، دائرة شؤون الخليج العربي، سلسلة أعرف وطنك – الجزر العربية بين الأطماع الأجنبية والاستراتيجية، بغداد، 1961، ص14.
(1) المصدر نفسه، ص321.
(2) سعد سالمين البحسني، أسس ومتطلبات التنمية السمكية في جزيرة سقطرى، مصدر سبق ذكره، ص40.
(3) صلاح الدين عامر، مصدر سبق ذكره، ص15-16. وانظر: علي حميد شرف، الجزر والفنارات اليمنية في البحر الأحمر –خليج عدن – البحر العربي، الطبعة الثالثة، مطابع دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، إبريل 2002، ص103-112.
(1) محمد محمود إبراهيم الديب، الجغرافيا السياسية منظور معاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1999م، ص572-520.
(2) محمد مرسي الحريري، مصدر سبق ذكره، ص448.
(3) المصدر نفسه، ص449.
(1) خليل علي مراد، سياسة الولايات المتحدة في الخليج العربي والمحيط الهندي، مجلة الخليج العربي، المجلد (17)، العدد (1)، جامعة البصرة، العراق، 1985م، ص19.
(2) المصدر نفسه، ص19.
(3) المصدر نفسه، ص20.
(4) المصدر نفسه، ص26.
(*) لم يكن للولايات المتحدة حتى هذه السنة سياسة خليجية عندما أعلنت الحكومة البريطانية في 1968م عزمها على التخلي عن التزاماتها العسكرية في شرق السويس والمنطقة الواقعة بين عدن غربًا وسنغافورة شرقًا، في موعد أقصاه نهاية سنة 1971م، (المصدر نفسه، ص25).
(5) المصدر نفسه، ص27.
(6) عبدالمنعم عبدالوهاب، وصبري فارس الهيتي، الجغرافيا السياسية، مطابع دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، العراق، 1989م، ص217-218.
(1) المصدر نفسه، ص218.
(2) المصدر نفسه، ص219.
(1) تشانا كياسن، في مواجهة الحرب الباردة، ترجمة عبدالرازق إبراهيم، القاهرة، 1962، ص75.
(2) عبدالمنعم عبدالوهاب، وصبري فارس الهيتي، مصدر سبق ذكره، ص220.
(3) صبري فارس الهيتي، أمن المحيط الهندي وعلاقته بمنطقة البحر الأحمر والعربي والخليج العربي، مجلة الأمن القومي، العدد (5)، السنة 9، بغداد، تموز 1989م، ص90.
(4) عبدالمنعم عبدالوهاب وصبري فارس الهيتي، مصدر سبق ذكره، ص220-221.
(5) إبراهيم تركي الحديثي وغالب ناصر السعدون، الحرب العراقية الإيرانية، وانعكاساتها على أمن الخليج العربي، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية، مطبعة العاني، العدد و20، بغداد، تموز، 1987، ص255.
(1) خليل علي مراد، مصدر سبق ذكره، ص26، نقلًا عن: (مركز معلومات الدفاع، (واشنطن)، التوسع الجغرافي السياسي السوفيتي خرافة أم تهديد، ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية، سلسلة دراسات استراتيجية، بيروت، رقم 13، 1980م، ص31).
(2) المصدر نفسه، ص29-30.
(3) المصدر نفسه، ص30.
(1) حسن علي الإبراهيم، الدول الصغيرة والنظام الدولي: الكويت، والخليج العربي، الطبعة الأولى، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981م، ص136-137.
(2) محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره، 299.
(3) صادق عبده علي، اليمن الجنوبي والقرن الإفريقي من 1967- 1978م، رسالة دكتورة (غير منشورة) معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 2001م، ص251.
(4) محمود توفيق محمود، مصدر سبق ذكره، ص301.
(5) المصدر نفسه، ص301.
(6) المصدر نفسه، ص301.
(7) سليم زبال، سقطرى، تحسبها جزيرة أهل الكهف، مصدر سبق ذكره، ص91.
(1) المصدر نفسه، ص91-92.
(2) إسماعيل صبري مقلد، العامل البحري في الاستراتيجية الدفاعية العربية، مجلة شؤون عربية، العدد، (8)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ومركز العالم الثالث، للدراسات، النشر لندن، 1980م،ص 85.
(3) عبدالقوي مكاوي، شهادتي للتاريخ: خبايا الغزو الشيوعي لجنوب اليمن، بيروت، بدون تاريخ، ص122.
(4) صبري فارس الهيتي، مصدر سبق ذكره، ص105.
(1) صباح محمود محمد، مصدر سبق ذكره، ص63.
(2) صبري فارس الهيتي، الأهمية الجيوستراتيجية لجزيرة سقطرى، الندوة الدولية العلمية الأولى حول جزيرة سقطرى الحاضر والمستقبل، الجزء الأول، جامعة عدن، دار الجامعة للطباعة والنشر، 1999، ص53.
(3) صبري فارس الهيتي، أمن المحيط الهندي، مصدر سبق ذكره، ص92.
(4) إنترنت، جوجل، ويكيبيديا (باب المندب) ديسمبر2019م
(5) صباح محمود محمد، مصدر سبق ذكره، ص73.
(*) الفريد ثاير ماهانAlfred Thayer Mahan (1840-1914) تخرج من الأكاديمية البحرية الأمريكية سنة 1859م، وأمضى أربعين عامًا في خدمة الأسطول البحري الأمريكي، ثم تقاعد عام 1906م برتبة أدميرال، ومن خلال علاقاته المباشرة مع أصدقائه السياسيين (رؤساء الولايات المتحدة، مثل ثودور روزفلت وهنري كابوت لدج أدّى ماهان دورًا رئيسًا في إقناع الولايات المتحدة بتوجيه اهتماماتها نحو البحار خلال السنوات الأولى من القرن العشرين، ويمكن تلخيص محددات القوة البحرية وفقًا لنظرية ماهان فيما يلي:
(1) صبري فارس الهيتي، أمن المحيط الهندي، مصدر سبق ذكره، ص160.
(*) أنشأت الحكومة مصلحة خفر السواحل اليمنية بالقرار الجمهوري رقم (1) لعام 2002م، ولقد قطعت تلك المصلحة شوطًا في تحقيق البناء النوعي من حيث البنية الأساسية والتجهيزات، ومن حيث التدريب والتأهيل على مستوى الشواطئ الجنوبية والغربية.
(1) رشاد العليمي، الإرهاب والقرصنة البحرية في اليمن، مجلة الأمن والحياة العدد (267) سبتمبر وأكتوبر2004م، تصدر شهريًا عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ص11.
(*) واضع هذا الاصطلاح الجيوبوليتيكي السياسي هو المستشار الأسبق للأمن القومي الأمريكي (زيغينو بريجنسي) في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وكان هدفه من وراء ذلك الاصطلاح تحقيق أهداف عدة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وعلى وجه الخصوص المنظمة العربية من هذا القوس لمزيد من الاطلاع “حول هذا الموضوع راجع: (بريجنسي، أوهام في توازن القوى، ترجمة مركز البحوث والمعلومات بغداد، 1979م، صص 45-49).
(2) خليل علي مراد، مصدر سبق ذكره، ص37.
(3) عبدالعباس الغريري، الشخصية الموقعية الاستراتيجية لليمن، دراسة في الجيوبولتكس، مصدر سبق ذكره، ص127.
(4) المصدر نفسه، ص134.
(1) المصدر نفسه، ص134.
(*) قامت إسرائيل في منتصف عام 1972م بإنشاء محطة لاسلكي وأنظمة رادارية على سطح جبل جزيرة ظفار اليمنية الخالية من السكان اليمنيين لخدمة أغراضها العسكرية الاستراتيجية في منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وكان ذلك منها كعمل مضاد وسريع لقيام مجموعة من الفدائيين المصريين عام 1971م بالهجوم على ناقلة النفط الإسرائيلية (كورال سي) وهي تعبر باب المندب. المصدر: محمود توفيق، مصدر سبق ذكره، ص108.
(2) المصدر نفسه، ص108.
(3) firth.J.v.and others،The Middle east: A Geogeaphical Notebook، first paplied، George G.Harrap & co.Ltd.1963، p 21.
(4) نافع القصاب وآخرون، الجغرافيا السياسية، دار الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، 1985م، ص361.
(1) صبري فارس الهيتي، الخليج العربي، دراسة في الجغرافية السياسية، الدار الوطنية، بغداد، 1981م، ص21.
(2) نافع القصاب وآخرون، مصدر سبق ذكره، ص363.
(1) محمد رياض، الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكيا، مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط، مصدر سبق ذكره، صص 291، 310.
(2) خديجة الهيصمي، مصدر سبق ذكره، ص211.
(3) محمد رياض، مصدر سبق ذكره، ص306.
(1) محمد محمود إبراهيم الديب، مصدر سبق ذكره، ص757.
(2) موقع إنترنت Saadahnews.com اطلع عليه بتاريخ 10/06/2018م.
(1) المصدر نفسه، اطلع عليه بتاريخ 10/06/2018م
(1) المصدر نفسه، اطلع عليه بتاريخ 10/06/2018م
المراجع
الندوات
التقارير
الكتب الأجنبية
العربية
المجلات والدوريات
الرسائل العلمية
الإنترنت