دور الأرمن في إضعاف الدولة العثمانية (1876-1909م)
د. أريكا أحمد صالح عُباد
د. أريكا أحمد صالح عُباد([1])
ملخص البحث:
أدَّت الدولة العثمانية دورًا كبيرًا بوصفها دولة ذات سيادة، وانطوت تحت سيادتها كثير من الشعوب المختلفة في قوميتها وعرقيتها ولغتها وديانتها؛ الأمر الذي جعل الدولة العثمانية تخفق في تأسيس دولة على أساس الدين؛ إذ أدَّت الأقليات, ومنها الأقلية الأرمينية دورًا بارزًا, وسببت قلقًا كبيرًا للدبلوماسية الأوربية وذلك منذ مؤتمر برلين المنعقد في العام 1878م.
مع تطور الوعي القومي للأرمن, اتجه القادة الأرمن إلى استعمال القوة, لتحقيق أهدافهم في قيام دولة أرمينية في الأناضول، وهو الأمر الذي رفضته وبقوة الدولة العثمانية، وكان ذلك أحد أسباب تدخل الدول الأوربية بالشؤون الداخلية للدولة العثمانية، وبذلك كانت المسألة الأرمينية سببًا مباشرًا في انهيار الدولة العثمانية وخلع السلطان عبدالحميد الثاني.
Abstract:
The Ottoman Empire played a big role as a sovereign state, and under its sovereignty many different peoples in its nationality, ethnicity, language, and religion entailed, which made the Ottoman Empire fail to establish a state based on religion, as minorities including the Armenian minority played a prominent role in causing great concern to European diplomacy during the Berlin Conference held in the year 1878.
With the development of the national consciousness of the Armenians, the Armenian leaders tended to use force to achieve their goals in establishing an Armenian state in Anatolia, which was rejected by the power of the Ottoman Empire which was one of the reasons for European countries to interfere with the internal affairs of the Ottoman state, and thus the Armenian issue was a direct cause of the collapse of the Ottoman Empire and the deposition of Sultan Abdul Hamid II.
مــقــــدمــة:
عاش الأرمن منذ آلاف السنين في منطقة آسيا الصغرى، وشكّل موقعهم الجغرافي نقطة مهمة في الصراع بين القوى في تلك المرحلة التاريخية، وحتى الوقت الحاضر، ومع ظهور العثمانيين وتأسيس إمارتهم ثم دولتهم فيما بعد، كان لابد أن يحدث الاصطدام بينهم.
أصبح الأرمن أقلية تعيش ضمن أراضي الدولة العثمانية، بعد أن كانت مملكة مستقلة بذاتها، وكان لها قوانينها الخاصة في الدولة العثمانية.
مع اعتلاء السلطان عبدالحميد الثاني الحكم (1876م)، تغيرت كثير من الأمور، فبدأت قلاقل الأرمن بالظهور بقوة، فكان الرد العثماني قويًا؛ الأمر الذي استدعى تدخل الدول الأوربية.
لم يكن للعامل الاستعماري الأوربي مع أهميته وقوته، واستغلاله لحالة ضعف الدولة العثمانية أي أثر أو يعمل في فراغ، لولا تلك الثغرات التي أوجدتها السلطة المركزية مجسدة بالخلافة، التي ساعدت الأوربيين في التدخل لصياغة واقع الأقليات وتنميته واقتسام تركة الرجل المريض.
في هذه الدراسة نحاول إلقاء الضوء على دور الأرمن كأقلية في إضعاف الدولة العثمانية، وذلك خلال المدة من العام 1876م، حتى العام 1909م. واختار الباحث استعمال المنهج التاريخي والتحليلي الوصفي لسير الأحداث وتطورها، أما أسباب اختيار عنوان الدراسة وزمنها فتعود إلى:
_ مثّل العام 1876م بداية حكم السلطان عبدالحميد، الذي استمر إلى 1909م.
_استغلت بعض الأقليات حالة ضعف الدولة العثمانية وأعلنت معارضتها ومحاولة الانفصال عنها بمساعدة الدول الأوربية.
_شهدت هذه المرحلة ما يسمى بتدويل المسألة الأرمينية.
_دافع ذاتي تمثل بمحاولة التعمق بالتاريخ العثماني ودراسته في مراحل القوة والضعف واستخلاص العبر منه.
اشتملت الدراسة على مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: التعريف بالأرمن وأصولهم التاريخية.
المبحث الثاني: تاريخ الأرمن وعلاقتهم ب(العثمانيين –الفرس –روسيا القيصرية) .
المبحث الثالث: علاقة الأرمن بسلاطين الدولة العثمانية.
المبحث الرابع: دور الأرمن في إضعاف الدولة العثمانية.
المبحث الخامس: خلع السلطان عبدالحميد الثاني
المبحث الأول: التعريف بالأرمن وأصولهم التاريخية:
مثلت أرمينيا قلعة منيعة في إقليم آسيا الصغرى منذ العصور القديمة، وجعلها موقعها الجغرافي بين القوى الكبرى عرضه للأطماع، فكانت حدودها غير ثابتة ودائمة التغيير، وكانت بمثابة الدرع الحصين الفاصل بين الأعداء، والدول المجاورة المتنافسة.
قام الأرمن قديمًا بتقسيم بلادهم إلى قسمين هما: أرمينيا الكبرى, وأرمينيا الصغرى (قلقيليا)([2])، حيث تقع أرمينيا الكبرى، شمال هـضبة الأناضول في آسيا الصغرى([3])،وهي تشكل إقليمًا رئيسًا في منطقة القوقاز الجبلية الشاسعة، الواقعة غرب قارة آسيا، يحدها من الشرق نهرا الكور، والرس([4])، ومن الجهة الغربية المرتفعات الأناضولية، وسلسلة جبال البونتيك، ومن الناحية الشمالية تحاذيها بلاد جورجيا (كرجستان)، إما جنوبًا من الجهة الغربية تجاور جبال طوروس، ومن الجهة الجنوبية الشرقية سهول كل من العراق والجزيرة([5]).
واللافت للنظر أن حدود أرمينيا الكبرى، لم تكن حدودًا ثابتة بل كانت متغيرة، ما بين التمدد والانكماش، التوسع والتقلص تبعًا للظروف السياسية التي تمر بها المنطقة.
أما أرمينيا الصغرى، وتعرف أيضًا أرمينيا القلقيلية، تقع جنوب شرق آسيا الصغرى([6])، يحدها من الشرق جبال امانوس، ومن الشمال والغرب جبال طوروس، ومن الجنوب البحر الأبيض المتوسط، وقد بلغت مساحتها حوالي 40,000كم مربع([7]).
اختلفت الآراء حول أصل الأرمن، بيد أن أدقها يذهب إلى أنه خلال النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد أصبحت المنطقة التي تعرف بـ (أرمينية)، موطنًا لعدد من السكان الذين تباينوا في أصولهم العرقية، ويمكن تقسيمهم إلى مجموعتين أساسيتين:
*السكان الأصليون في المنطقة وهم من أصل قوقازي- أرمينوي، أقاموا مملكة عرفت بـ (اوراردو)
* النازحون من البلقان، وهم من قبائل من أصول هندو-أوربية قد نزحت تحت ضغط الجماعات الالليرية⁎([8]).
ذكرت آراء أن أصل الأرمن يرجع إلى الجنس الآري، وهـم بذلك من الأقوام الهندو-أوروبية، هاجرت جموعهم من أواسط آسيا في الألف الثالث قبل الميلاد، إلى سواحل البحر الأسود ليؤسسوا بعد ذلك دولتهم، التي امتدت من بحيرة وان حتى بحر قزوين([9]).
وقد ظهرت دراسات حديثة يشير فيها علماء السلالات إلى أن العنصر الأرميني من نتاج خليط أجناس متعددة تتكون من العنصر القوقازي- الأمينوى-الألبي-الديناري-الشمالي وعناصر أخرى([10]).
ذكرت المراجع القديمة أن نسب الأرمن يعود إلى حام بن نوح عليه السلام، وأن جد الأرمن هو هايك بن لتوركوم بن تيراس بن حام بن نوح، وهذه الأمة (يقصد الأرمينية) هي من ذريته التي سـكنت تلك البلد وبدأوا يتكاثرون فيها ويعمرونها([11])، كما أطلق الأرمن على بلادهم اسمهايستان نسبة إلى جدهم الأكبر هايك([12]).
ويعد هايك أول من وضع الأسس الأولية في المجتمع الأرمني، والذي سمي بالمجتمع الهايكاني؛ إذ سن القوانين على طريقة حمورابي، ووزع الأراضي والمسؤوليات، وعندما توفى سلم الحكم لابنه أرميناك-أرمين([13]).
كانت أرمينيا قبل أن تعرف بهذا الاسم حوالي العام (521 ق.م) يطلق عليها بلاد (أورارتو)،
أو(اوراردو)، أو(أرارات) أو(خلده)…إلخ، وذلك نسبة للأقوام التي سكنتها قبل الأرمن([14]). أما الأشوريون فقد جاء ذكر أرمينيا في أواخر عهدهم باسم أرمينيا، أو أرمانيا، ارمينارا للدلالة على أرمينيا، ونجدها في مخلفاتهم الأثرية لتحل محل ناييري، واورارتو مما يعني أن شعبًا قد اجتاح هذه البلاد واستولى عليها، وكان ذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وهذا الشعب يقصد بهم الأرمن([15]).
وفي العام (550 ق.م) سمى المؤرخ الإغريقي (هيكاتايوس) الشعب الأرميني بأرمينوي، وكانت هذه التسمية التاريخية الأولى للأرمن بما يشبه اسمهم الحالي، كما وجد اسم أرمينيا في النقوش المدونة في(صخرة أو حجر بهستون)⁎، والتي تركها الإمبراطور الفارسي داريوس الأول عام521) ق .م), التي تشيرإلى بلاد الأرمن بأنها أرمينيا([16]).
لم تعرف أرمينيا الدولة المركزية إلا لمراحل قصيرة من تاريخها؛ إذ بلغت أوجَّها إبَّان عهد الملك ديكران الكبير (55-95 ق.م)، حيث شيد عاصمة لدولته في ديكراناجرد، ووحد الأمراء الأرمن تحت سلطته خارجًا بذلك عن سلطة روما([17])، متحديًاقوتها التي كانت آنذاك إحدى القوى الكبرى في العالم القديم، والتي كانت تتجاذب أرمينيا فضلًا عن القوة الأخرى المتمثلة بالفرس.
شهدت أرمينيا خلال القرنين الرابع والخامس الميلادي، حدثين مهمين في تاريخها وكان لهما بالغ الأثر في الأحداث اللاحقة التي شهدتها أرمينيا، تمثل في انتشار المسيحية فيها، بوصفها الدين الوحيد الذي يربط الأرمن بعضهم ببعض، أما الآخر فكان اختراع حروف الأبجدية الأرمينية الخاصة بهم .
بدأ الدين المسيحي في الانتشار بين عدد من الأرمن في أول الأمر، وذلك في عهد ملك أورفه الأرمني (إبكاريوس بن ارشام)⁎، الذي أصيب بمرض شديد، عانى منه لمدة سبع سنوات، وعندما سمع بمعجزات النبي عيسى عليه السلام، وقدرته على شفاء المرضى بلمسة من يده المباركة، آمن به ودعاه إلى بلاده، وأرسل الرسل لهذا الشأن، وكانوا من أهل الثقة وتبادل الرسائل مع عيسى عليه السلام كما طلب منه إبكار أن يأتي إليه وسيقوم بحمايته من اليهود، لاسيما بعدما أخبره الرسل أنهم يهددون حياة النبي، إلا أن النبي شكره على موقفه وإيمانه به قبل أن يراه، وأرسل له أحد تلاميذه (تدوس الرسول) ؛ الذي قام بعلاج إبكار، فآمنوا به جميعًا([18]).
لم يكن انتشار المسيحية في أرمينيا سهل، أو تم بطريقة سلمية مثلما حصل في زمن حكم الملك إبكار، إذ بعد موت الملك إبكار، انقسمت أرمينيا إلى قسمين: أحدهما تحت حكم ابنه انانون، والآخر تحت حكم ساندروك ابن خاله وقد آمن ساندروك بالمسيحية قبل موت الملك إبكار، إلا أنه ارتد عنها تحت ضغط وزرائه، وعمل على تنكيل وتعذيب من آمن بالمسيح، وكذلك فعل انانون، وعاد إلى فتح المعابد الوثنية وعبادة الأوثان والأصنام، وقتل الرسل والمبشرين([19])، ويعتقد أن الديانة المسيحية ظهـرت في أرمينيا في المدة ما بين(60-30م) وكانت مقتصرة على مناطق محدودة، وسرية([20]), وظلت البلاد تعاني من الاضطهاد، والتعذيب مدة من الزمن، إلى أن ظهر على ساحة الأحداث الأرمينية، رجل دين يدعى جريجور لوسـافوريج (325-239م) الملقب (جريجور المنور), وقد تربى تربية مسيحية، وعندما كبر عاد إلى أرمينيا لنشر المسيحية([21])، إلا أن طريقه لـم يكن ممهدًا بالورود، فقد تعرض للتعذيب من قبل الملك (درطاد الثالث)، الذي حكم أرمينيا ثلاث مرات من المدة 330-286)م) الذي آمن بالمسيح فيما بعد، عمل على إصدار مرسوم بإلغاء الوثنية القديمة،وعمل على هدم المعابد الوثنيةوإغلاقها([22]).
تعدُّ أرمينيا من أول الدول التي آمنت بالدين المسيحي، وجعلته الديانة الرسمية للبلاد، وذلك في أوائل القرن الرابع الميلادي(301 م), وأسسوا كنيستهم على أساس دين الدولة، ويقال إن هذه الكنيسة هي من أقدم الكنائس في العالم([23]).
المبحث الثاني: تاريخ الأرمن وعلاقتهم بـ(العثمانيين -الفرس -روسيا القيصرية):
حافظ الأرمن على كيانهم المستقل، مدة من الزمن، إلى أن تغيرت موازين القوى المحيطة بهم، فأصبحت المنطقة التي يقطنونها، محل أطماع الدول المجاورة لهم، سواء أكان الرومان أم الفرس أم السلاجقة الأتراك أم المغول التتار أم الروس، والعثمانيون في المراحل المتأخرة من التاريخ الحديث والمعاصر.
ما يهمنا في هذه الدراسة، هو علاقة الأرمن بالإمبراطورية العثمانية، وحتى نتبين نوع العلاقة بينهما لابد من التطرق بصورة مختصرة إلى بداية تكوين الدولة العثمانية ونشأتها وتطورها.
ينتمي العثمانيون إلى قبيلة (قايي)، وأصلها من عشيرة الغز التركية، موطنها الأصلي جبال الطون طاخ في آسيا الوسطى، وقد سميت دولتهم الدولة العثمانية باسم مؤسسها (عثمان بن أرطغرل).
وكعادة أغـلب الشعوب في مراحل تاريخية مختلفة ترك هـؤلاء القوم أراضيهم الأصلية نتيجة تعرضهم للهجوم من قبل المغول الذين اجتاحوا مناطقهم بقوة وعنف غير مبرر؛ الأمر الذي جعلهم يستقرون بعد رحلة طويلة، وشاقة بقيادة سليمان شاه بالقرب من نهر الفرات بين ارضروم وارزنجان سنة1224 م, ووصلوا إلى خراسان([24]). في حين ذكر محمد فريد المحامي في كتابه، أنهم نزحوا من سهول آسيا الغربية إلى بلاد آسيا الوسطى([25])، وبعد أن مات سليمان شاة غرقًا في أحد الأنهار، تفرق أبناؤه، واتجه ابنه الأصغر(أرطغرل) إلى بلاد الفرس، وعند أحد الأنهار وجد جيشين يقتتلان؛ الأمر الذي دفع أرطغرل إلى الدخول لجانب الجيش المنهزم، الأمر الذي رجح كفة المهزوم، فأعاد له الشجاعة والقوة وانتصر في المعركة، وعلم أرطغرل أن هذا الجيش هو جيش الأمير السلجوقي علاء الدين سلطان قونية، وكافأه السلطان باقتطاع عدة أقاليم ومدن، وصار يعتمد على تلك القوة النامية والشرسة والمقاتلة في كل حروبه مع مجاوريه، ولقب قبيلته بمقدمة السلطان؛ لأنها كانت في مقدمة الجيوش التابعة للسلطان علاء الدين([26]).
وبعد وفاة أرطغرل سنة 1288م تولى القيادة ابنه عثمان، أكبر أولاده الذي سار على نهج أبيه. ويعد (عثمان بن أرطغرل) هو مؤسس الدولة العثمانية، وهو الذي وضع أساس الدولة وذلك في العام 1300م, تلك الدولة التي استمرت أكثر من ستة قرون، وحكمها ثمانية وثلاثون سلطانًا وخليفة دمجوا فيها السلطتين الدينية والزمنية، كان أولهم هو عثمان بن أرطغرل، وآخرهم عبدالمجيد بن عبدالعزيز الذي تم إلغاء الخلافة في مدة حكمة الذي استمر من1922- 1923م.
ظل الأرمن يتعرضون منذ القرن الثاني عشر الميلادي وحتى القرن الخامس عشر الميلادي لهجمات، وغزوات القبائل الطورانية(السلجوقية، والمغولية، والتركمانية) إلى الاحتلال العثماني عام 1473م، وذلك في عهد السلطان محمد الثاني([27]).
وبهذا أصبحت أرمينيا لأول مرة في تاريخها تحت حكم الدولة العثمانية، ومع هذا لم تكن كل أرمينيا تخضع للعثمانيين الأتراك، فقد كان الفرس يخضعون القسم الشرقي منها لسيادتهم.
ومع قيام الدولة الصفوية في فارس بقيادة إسماعيل الصفوي، تمكن من احتلال القسم الشرقي من أرمينيا، وإعادة السيطرة الفارسية عليها؛ الأمر الذي أدى فيما بعد لتعود أراضي أرمينيا إلى ساحة لصراع جديد، وهذه المرة بين الأتراك والفرس، فكان الفرس يسيطرون عليها لوقت قصير، ثم يأتي الأتراك لاحتلالها من جديد إلى عام 1627م، عندما تخلَّى الشاة الإيراني عن أرمينيا وجورجيا للعثمانيين، ولم يستطع الملك الإيراني نادر شاه الذي استعاد سيطرته عليها لمدة قصيرة من الاحتفاظ بنفوذه عليها وحمايتها من الأتراك العثمانيين، فترك للروس حمايتها، فوضع الروس يدهم على هذا الإرث، ومد سلطانهم لأول مرة إلى بقاع من أرمينيا ([28]).
ويتضح لنا من خلال قيام نادر شاة،الذي حكم إيرانفي المدة (1736– 1747) بترك أمر أرمينيا للروس، أدخل طرفًا جديدًا وقويًا يتربص الفرصة المناسبة للانقضاض علـى هذه الأراضي، وكان يسعى بكل الوسائل للسيطرة على أرمينيا، ومن هنا بدأ الصدام بين الأتراك والروس، الصراع الذي استمر مدة طويلة، وأدَّى إلى إعلان الحرب بين الجانبين أكثر من مرة، خلال مراحل متفرقة من التاريخ الحديث والمعاصر لهذه القوى.
ونستعرض بصورة مختصرة لأهم الحروب بين الفرس، وروسيا القيصرية، والدولة العثمانية، التي حاول كل من الأطراف الثلاثة الاستحواذ الكامل على أراضي أرمينيا، ونوردها هنا كالآتي:
* الحرب الروسية الفارسية:
وكان من أهم أسباب اندلاعها، سوء معاملة الفرس للأرمن، وزيادة الضرائب عليهم، ولم يبقَ لهم سوى إعلان المقاومة، والمطالبة باستقلال بلادهم، فاستنجدوا بالدول الأوربية لاسيما روسيا القيصرية وذلك عام 1701م، حيث وعده القيصر بشنِّ حملة عسكرية ضد الأتراك، والفرس بشرط أن يعلن الأرمن الثورة والتمرد أولًا،ولم يحدث هذا إلا بعد مرور عشرين عامًا([29])، إذ تحركت الجيوش الروسية لمحاربة الجيوش الفارسية، وصلت إلى القفقاس, واحتلت الدربند، وبلغت بحر قزوين، وحاصرت مدينه شماخى، إلا أن الروس انسحبوا فجأة، وتركوا الأرمن في مواجهة الفرس بمفردهم، ولم يكتفوا بذلك بل اتفقوا مع الأتراك بمنحهم إقليم كراباخ؛ الأمر الذي جعل الأرمن يستمرون في المقاومة، وفي عام 1728م احتلت الجيوش العثمانية الإقليم([30]).
* الحرب العثمانية الفارسية:
بعد احتلال إقليم كراباخ، تطلع العثمانيون لاحتلال أراضي أرمينيا الخاضعة للدولة الفارسية، وضمها إلى باقي أراضي الأرمينية، وفي سبيل ذلك دخلت الدولة العثمانية في حروب عدة مع الفرس، وانتهت باتفاقيات وصلح بين الطرفين، وكان أغلب تلك الاتفاقيات يتم اختراقها لاسيما من الجانب الفارسي، والتي تؤدي إلى تجدد الصراع بينهما، ورغم ذلك كان القسم الأكبر من أراضي الأرمن يقع ضمن إطار الدولة العثمانية([31]).
* الحرب الفارسية الروسية:
في العام 1768م قامت روسيا القيصرية، بشن حملة عسكرية على الفرس، وذلك في عهد القيصرة كاترين الثانية، وكان الهدف من ذلك، استعادة الأراضي الأرمينية من كل من الفرس، والعثمانيين، وقد استغلت القيصرة الجانب الديني للأرمن، وكسبت ولاءهم، كما وعدتهم بمنحهم الاستقلال لبلادهم، ودعتهم إلى الهجرة إلى روسيا، أضف إلى ذلك منحتهم الامتيازات([32])، واستمر الأمر كذلك إلى العام 1797م في عهد القيصر بولس الأول، لاحتلال قرة باغ من الفرس بمساعدة الأرمن والجورجيين، وكان ذلك في عهد ميرزا عباس ولي العهد الإيراني، واستمر القتال بين الطرفين إلى العام 1813م، وانتهى بتوقيع معاهدة كلستان التي بموجبها حصل الروس على إقليم غرة باغ، وبخران، والدربند، وباكو, وطاليس، وداغستان، والأراضي ما وراء القوقاز. ونتيجة لعدم رضى الشاة ميرزا عن بنود المعاهدة؛ فقد شن حربًا ضد الروس وذلك سنة 1826م، ليعود شبح الحرب من جديد، وتكون أراضي أرمينيا مسرحًا لها، حيث انضم عشرة آلاف مقاتلًا أرمينيًا – فضلًا عن أرمن إيران- إلى المقاومة، وقد تمكن الروس من الانتصار وهـزيمة الفرس هزيمة ساحقة، وكان من نتائج هذه الحرب توقيع معاهدة تركمان جاي عام 1828م، ومن أهم بنودها ضمت روسيا إقليم قره باغ، وولايتي يريفان، ونخجوان، وجورجيا، وأعطت للأرمن في إيران حق الانتقال إلى المناطق الأرمينية التي أصبحت خاضعة لروسيا، حيث انتقل إليها أكثر من خمسة وعشرين ألف أرميني([33]). ثم آل القسم الفارسي منها إلى الروس بموجب هذه المعاهدة التي أنهت الحرب الروسية الفارسية بينهما وذلك في عام 1828–1826م([34])
* الحرب العثمانية الروسية:
كان من أهم أسباب إعلان الحرب، هي مطالبة اليونان بالاستقلال عن الدولة العثمانية؛ الأمر الذي أدى إلى وقوف روسيا القيصرية إلى جانبهم، وانتهاز الفرصة، لاسيما وأنهم ينتمون إلى المذهب الديني الأرثوذكسي نفسه، وفي العام 1829م أعلن القيصر (نيقولا الأول) الحرب على الدولة العثمانية، ووصلت الجيوش الروسية إلى أدرنة، وقبل ذلك سقطت مناطـق قارص، وبيازيد، وارضروم([35]).
ونتيجـة للانتصارات الروسية والهزائم العثمانية، رأت الدول الأوربية، التي كانت تراقب الوضع عن كثب، وأدركت خطورة الأمر الذي سيؤدي إلى تفكك الدولة العثمانية، وهو الأمر الذي لا تريده الدول الأوربية لاسيما في ذلك الوقت، وبتلك الصورة التي ستنتهي باستحواذ الروس على ممتلكات ما كان يعرف بالرجل المريض.
لذلك دعت إلى حل الأزمة، والخروج من هذا الوضع الخطير، وكان توقيع معاهدة أدرنة وذلك في العام 1829م، بموجبها نالت اليونان استقلالها. أما ما يخص موضوع الأرمن، فقد تم إهمالهمن قبل الروس، بل وتنازلوا عن كل الأراضي التي سبق أن احتلوها من قبل، وطلبت من الأرمن الذين يتبعون العثمانيين أن يهاجروا إلى الولايات الأرمينية التابعة لروسيا القيصرية([36])، وهكذا لم يستفد الأرمن من تلك الوعود، والمعاهدات بل كانوا ضحية في صراع القوى في مناطق وجدوا فيها منذ مئات السنين، بل إن تلك المعاهدات والاتـفاقيات وكل تلك الحروب والتضحيات من قبل الأرمن، لم تزد الأمور إلا سوءًا، وعملت على تأكيد تقسيمها، بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية.
المبحث الثالث: علاقة الأرمن بسلاطين الدولة العثمانية
مع قيام الدولة العثمانية بضم أراضي أرمينيا إلى دولتها، دخل الأرمن بعلاقات جيدة وإيجابية مع العثمانيين، حتى كان يطلق عليهم الملة الصادقة، بل إن أحد السلاطين قال عنهم: “إنهم أفضل من يتبنون العثمانية، وأفضل من يمثلونها، خدموا حضارتنا، وحافظوا على دولتنا، وظهر فيهم عثمانيون ممتازون بخدمتهم وحسن صداقتهم”(([37].
ظل الأرمن استعراض تاريخهم، منذ فتح القسطنطينية، يتعايشون بسلام مع الدولة العثمانية، وتحت حكم أغلب سلاطينها، في مدة حكمهم التي امتدت أكثر من ستة قرون، حيث استفاد منهم السلاطين العثمانيون في تنمية إمبراطورتيهم وازدهارها، لاسيما وأن الأرمن كانوا قد أسسوا لهم من قبل دولًا وممالك مستقلة، وكان لهم تاريخهم الحافل، وأبجديتهم الخاصة التي ساعدتهم على حفظ تراثهم وعلومهم، وما نقلوه من علوم الشعوب التي جاورتهم، بحكم موقعهم الجغرافي.
لم تكن تبعية الأرمن للدولة العثمانية -لاسيما بعد أن أصبحت أغلب أراضيها تحت حكم الدولة العثمانية- تندرج تحت الضغط والسيطرة المطلقة للدولة، بل في إطار من التعايش السلمي بين الشعبين، مع اختلافهم الكامل عن بعضهم، حيث يتضح ذلك من إعطاء لمحة مختصرة، عـن سياسة أبرز السلاطين الذين كان لهم دور إيجابي في تعاملهم تجاه الأرمن.
السلطان محمد الفاتح (1481-1451م) تميز الأرمن بصفة خاصة بعنصر الذكاء، والتخصص في بعض العلوم، والمعرفة في المجالات العامة؛ الأمر الذي جعل السلطان محمد الفاتح أن يعمل على الاستفادة منهم لخدمة سلطنته، بلقام بجلبهم إلىعاصمة الدولة،وفتح أمامهم أبواب الدولة([38]) .
وقد قام السلطان بعمل نظام الملل، وهو نظام لم يكن قد وجد من قبل، ودل ذلك على مدى اهتمام الدولة برعاياها.
والملة في الاصطلاح جماعة تتألف من المواطنين المحليين، خاضعة للباب العالي لها ديانة محددة، ولا تنتمي إلى أصل عرقي واحد، وتكون وحدة سياسية، اجتماعية مستقلة. ونظام الملل استمرار تاريخي وقانوني لمصطلح أهل الذمة في الدولة العثمانية، والموظف المسؤول أمام الدولة عن إدارة شؤونها يسمى ملة باشي([39])، وقد بني على أسس إسـلامية مستنبطة من المذهب الحنفي([40]). كما كان لقراراتهم الصفة الرسمية، إذ كانت بمثابة القانون النافذ([41])، كما تم الاعتراف بالملة أرمينية عام 1461م .
السلطان محمود الثاني(1808– 1838م)
في عهده عاش الأرمن حالة من الاستقرار، وازدادت مكانتهم في الدولة العثمانية، وكان الأمير الأرمني (أرتين قزازيان)، الصديق المقرب للسلطان، وقد كان لهذا انعكاس طيب على وضع الأرمن، فخدموا الدولة بكل إخلاص وأمانة، واشتهرت عوائل أرمينية في هذه المدة منها (عائلة باليان، بزجيان، وداديان، ودوزيان)([42]).
السلطان عبدالمجيد (1861-1838)
امتازت العلاقات العثمانية الأرمينية بالود والإخلاص، خلال المراحل السابقة من تاريخ الدولة العثمانية، إذ عرف الشعب الأرميني استقرارًا تامًا([43])، وقد ازدادت تلك العلاقة تجذرًا في عهد السلطان عبدالمجيد، حتى لقبه الأرمن بالملك الصالح، وذلك لقيامة بالإصلاحات وإعلان الخط الهمايوني-الخط السلطاني- وذلك سنة 1856م، وكان من بنود هذا الخط المساواة بين المسلمين، وغير المسلمين ممن يندرجوا تحت حكم الدولة العثمانية([44]).
السلطان عبدالعزيز (1861–1876)
وقد لقب بالسلطان المخلص لشعوب الإمبراطورية العثمانية، وكان من أهم أقواله: لا أريد أن أرى تفريقا بين رعاياي، إذ بعد ستة أيام من توليه أمر الدولة أصدر خطًّا هـمايوني ثانيًا يؤيد سياسة الخط الهمايوني الأول، وفيه يطالب وزراءه بضرورة العدل والمساواة والحرية بين رعايا الدولة العثمانية([45]).
وفي عام 1863م تدخل محمد أمین عالي باشا، وأجبر البطریرك الأرمني على عقد مؤتمر عام لهم من أجل إقرار تشريع یسهم فیه الأرمن في إقامة نظام نیابي، أو تمثيلي ينظم أوضاعهم في مسائل الضرائب والتعليم والصحة، ويسهم في تطور الأمة الأرمينية في إطار الدولة العثمانية([46]).
ونتيجة لقيام السلطان بهذه التحديثات فقد أدى إلى زيادة الأعداء حوله من داخل البلاط السلطاني، وعلى رأسهم الصدر الأعظم (محمد رشدي باشا), ووزير الحربية (حسين عوني باشا)، ووزير البحرية(أحمد باشا قيصرلي)، وشيخ الإسلام (حسن خيرالله أفندي)، فأصدروا قرارًا بخلعه تحت حجة إخلاله بالأمور الدينية والدنيوية بالدولة والملة، فتم عزله في عام 1876م, وبعدها بمدة قصيرة وجد السلطان مقتولًا في قصره بقطع شرايين يده، واتهم في ذلك وزيره حسين عوني([47]).
يتضح لنا مما ذكر أن استقرار الأرمن، أدَّى إلى تحولهم إلى ملة نشيطة اقتصاديًا ومستقرة اجتماعيًا وأكثر وعيًا، لاسيما ممن سكن في العاصمة إسطنبول، والمدن المهمة في الولايات العثمانية، إذ ازداد عدد الطلاب الأرمن المتقدمين للدراسات العليا في أوروبا؛ الأمر الذي أدى إلى غرس الأفكار الثورية والمفاهيم الجديدة، تأثرًا بالثورات الأوربية.
إلا أن هذه الأمور تغيرت بصورة جذرية، وذلك مع وصول السلطان عبدالحميد الثاني إلى الحكم في العام 1876م، إذ شهدت هذه المدة تنامي الوعي، والفكر القومي لدى الأرمن وشرعت الطموحات السياسية الأرمينية في التبلور والبروز.
السلطان عبدالحميد الثاني (1876–1909)
ولد في 21سبتمبر 1842م، وهو ابن السلطان عبدالمجيد الأول من زوجته الثانية، وقد توفيت ولم يتجاوز السابعة من عمره، وكان يتقن اللغة الفارسية والعربية([48]).
تولى السلطان أمر البلاد، في ظروف سيئة جدًا، في شتى الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بل إن الدسائس طالت السلاطين أنفسهم، لاسيما في المدة التي سبقت وصوله الحكم، حيث تم خلع عمه السلطان عبدالعزيز، والعثور عليه مقتولًا في قصره في ظروف غامضة، ويتم اتهام عدد من موظفي الدولة الكبار بقتله. ويتولى بعده السلطان مراد الخامس الحكم، ويتم خلعه بعـد مدة قصيرة جدًا، تحت ذريعة إصابته بالمرض والجنون، فتولى السلطان عبدالحميد الثاني الحكم في سبتمبر 1876م .
بعد وقت قصير دخلت الدولة العثمانية الحرب ضد روسيا القيصرية، وكانت الدولة العثمانية في مرحلة الضعف؛ الأمر الذي أدى إلى انتصار الجيوش الروسية ووصولها إلى مشارف العاصمة إسطنبول، ومن ثم فرض معاهدة ايااستيفانو التي نصت في البند(16) على:
(أن انسحاب القـوات الروسية من المقاطعات التي تحتلها في أرمينيا(الغربية التركية)، التي سوف يصار إلى إعادتها إلى تركيا؛ قد يؤدي إلى نشوب خلافات وتعقيدات قد تضر بالعلاقات الحميدة بين الدولتين المتعاقدتين روسيا والدولة العثمانية؛ لذا يتعهد الباب العالي دون إبطاء بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تقتضيها الظروف المحلية في المقاطعات التي يقطنها الأرمن وضمان سلامتهم)([49]).
أما الدول الأوربية الأخرى، كبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والنمسا، فقد نظرت إلى الوضع بقلق وارتياب، لاسيما مع التقدم الروسي داخل أراضي الدولة، وما نصت عليه المعاهدة، وهذا سيفتح لروسيا نافذة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والمضايق (البوسفور والدردنيل)؛ الأمر الذي جعل الدول الأوربية تدعو إلى عقد مؤتمر لمناقشة التطورات، فكان مؤتمر برلين عام(1878)، الذي جاء للحد من النفوذ الروسي، وكذلك إسقاط البند (16) في المعاهدة، واستبداله بالبند (61) في مؤتمر برلين (يتعهد الباب العالي دون أي تأخير بتحقيق الإصلاحات وإدخال التحسينات التي تقتضيها ظروف المقاطعات التي يقطنها الأرمن، وبضمان سلامتهم، وسيقدم الباب العالي- بشكل دوري – بيانًا بالخطوات التي يتخذها بهذا الصدد، إلى الدول المعنية بمراقبة عملية تنفيذ هذه الطلبات)([50]).
يلاحظ مما سبق أن معاهدة ايااستيفانو عملت لأول مرة على تدويل المسألة الأرمينية، بعدما كانت شأنًا داخليًا في الدولة العثمانية، فضلًا عن استغلال الموضوع من قبل أطراف أوربية خارجية، فروسيا أرادت من تدخلها في أول الأمر ضم أراضي الدولة العثمانية، والوصول إلى المياه الدافئة والمضايق العثمانية، أما بريطانيا فلم تكن تريد لروسيا أن تكون صاحبة النفوذ في الدولة العثمانية، ومن ثم فهي لا تريد تقسيم الدولة، بل المحافظة على بقائها موحدة إلى الوقت المناسب لها(أي لبريطانيا), فضلًا عن إبعاد روسيا عن الهند. أما النمسا فقد كانت تريد اقتطاع البوسنة والهرسك من الدولة العثمانية، ومشاركة روسـيا في بقايا الأقاليم الإسلامية في أوروبا. أما فرنسا فبقت على الحياد، لاسيما أنها خرجت منهزمة من حرب بروسيا، فقررت أن تلجأ إلى الهدوء لتعويض الخسائر البشرية والمادية، وكذلك فعلت إيطاليا، حيث إنها كانت حديثة العهد بوحدتها، فقررت تقوية وحدتها السياسية، لذا ابتعدت عن الاشتباكات الأوربية.
أما موقف الأرمن أنفسهم تجاه الدولة العثمانية، فقد تعرض للتبديل والتغيير، فبعد أن كانوا الملة الصادقة المخلصة للدولة العثمانية، بدأوا بالوقوف إلى جانب روسيا، حيث غلب عليهم الانتماء الديني على انتمائهم للوطن الذي استقروا فها منذ مئات السنين، فضلًا عن نمو الوعي القومي بصورة واضحة بينهم؛ الأمر الذي جعل الأرمن يعيدون التفكير بما كان لهم في سالف الزمان، واستعادة مملكتهم وأراضيهم، فوجدوا في روسيا الحليف القوي الذي سيعيد آمالهم.
فمنذ منتصف القرن التاسع عشر طرأ على المجتمع الأرمني تغييرات عميقة، تمثلت باليقظة الثقافية التي تميزت بتطور التعليم، من خلال تطوير شبكة من المدارس الحديثة، وإرسال الشباب الأرمن إلى أوروبا، لتلقي العلم الحديث، وزيادة الصحف والكتب الصادرة بالأرمينية([51])
فضلًا عن تغلغل الأفكار القومية الثورية، عبر الشباب الأرمني العائد من أوروبا، الذي تشبع من أفكار الثورة الفرنسية؛ الأمر الذي جعل الأرمن يدعون إلى تغييرات جذرية للمسألة الأرمينية.
كما أدَّت الإرساليات التبشيرية دورًا كبيرًا، في إيقاظ القومية الأرمينية في القرن التاسع عشر([52])، التي كانت قد تعايشت بسلام مع العثمانيين والأقوام الأخرى .
حاول الأرمن لاسيما المقيمين في أوروبا، استغلال ضعف الدولة، وحالة التفكك للولايات التـي كانت تابعة للعثمانيين، وذلك لإحياء فكرة إقامة وطن قومي لهم إسوة بالبلغار، وغيرها من القوميات التي نالت استقلالها عن الدولة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين الأرمن والحكومة العـثمانية، إذ بدأ الأرمن يظهرون تذمرهم من جباية الضرائب، ثم أخذوا يشتكون من الأكراد المسلمين، وقدموا التماسًا رسميًا إلى السلطان([53]), على الرغم من العلاقات التاريخية الطيبة بين القوميتين الكردية والأرمينية، مع وجود الاختلافات اللغوية والدينية بينهم.
في الوقت ذاته كانت الدولة العثمانية، بقيادة السلطان عبدالحميد الثاني، تراقب ما يحصل مـن قبل الأرمن، وذلك في أثناء الحرب الروسية الأخيرة، وخيانة الأرمن لهم، ووقوفهم إلى جانب الروس؛ حيث كان الأرمن يظنون أن روسيا ستعيد لهم ما فقدت من أراضي، هذه الأمور جعلت السلطان ذا الطبيعة المتسامحة مع الملل الأخرى في الدولة العثمانية يغير سياسته تجاه الأرمن، ورغم أن الأرمن عاشوا في رفاهية وسعادة، وكانت العائلات الأرمنية المعروفة تعيش في إسطنبول كالأمراء، وشوهد بعد عام 1856م، من حصل على منصب وزير وهو أعلى منصب مدني في الدولة، وكان منهم وزراء معتمدون عند السـلطان عبدالحميد الثاني([54]).
ومع ضغوط أوروبا؛ إلا أن السلطان عبدالحميد الثاني، لم ينفذ ما أجبرته الظروف على الاعتراف به من مواد مجحفة، جاءت في معاهدة ايا استيفانو، ومع عـدم رضاء القوى الدولية بهذه المواد، فقد عمل جاهدًا على ألَّا تتفق تلك القوى لتأييد المعاهدة، وبذلك يخسر المناطق الست التي كان يقطنها الأرمن (ارضروم، ديار بكر، سيواس، خربوط، ان، بتليس)، بل ويخسر أجزاء من دولته، لتنفيذ أجندة معادية، حيث إن الأرمن لا يشكلون أكثرية في ال20 ولاية التي تشكل المقاطعات الست. بل إن السلطان أخبر السفير الألماني أنه يرجح الموت على أن يطبق هذه المادة السخيفة، واستطاع كسب مساندة النمسا – المجر، فضلًا عن ضغط كلا من إنجلترا وفرنسا وروسيا لم يكن كافيًا، من أجل وضع هذه المادة موضع التنفيذ([55]).
يتضح لنا مما سبق ذكره أن الأرمن والحكومة العثمانية، كانوا في حالة مـن العداء بعد الحرب الروسية العثمانية التي شنتها روسيا على الدولة العثمانية، في العام 1877م، وكان لموقف الأرمن منها الأثر السلبي بالنسبة للعثمانيين عامة، وللسلطان عبدالحميد خاصة، إذ كانوا ألعوبة بيد روسيا، إذ يذكر السلطان عبدالحميد، في مذكراته أن الأرمن ظلوا ساكتين متعقلين، من تلقاء أنفسهم، ولأنهم لا يمتلكون قوة قط فإنهم – مثلهم في ذلك مثل الأقوام الأخرى – كانوا يستطيعون الانتظار إلى وقت آخر، لكن أعمال التحريك والفتنة دفعت بعضهم إلى الإسراع في التمرد([56])، وهنا نلاحظ أن السلطان عبدالحميد، يشير إلى أن الأرمن قد وجدوا المساعدة للقيام بعملية التمرد وإثارة النزعة الانفصالية، والاستقلال عن الجسد العثماني وتنفيذ أجندة أوربية، تهدف إلى القضاء على المسلمين المتكلمين بالعثمانية، كما تم تـشكيل أول جمعية ثورية أرمينية ضد السلطان والدولة العثمانية تأسست في باريس، أي كانت مدعومة من الخارج، وهذا ما أكده السلطان عبدالحميد في مذكراته .
أخذ الروس يحرضون الأرمن على الثورة، وأخذ رجال العصابات الأرمينية بالاعتداء على المسلمين والقرى التركية والكردية شرق الأناضول، ويقتلون أهلها؛ الأمر الذي دفع القوات العثمانية إلى التدخل([57])، فعملت على إيجاد الحل، من خلال الأكراد والشراكسة، وأبعاد المسلمين البلقان قسرًا عن ديارهم؛ ليكونوا بمثابة اليد الضاربة للمتمردين، وتم تشكيل قوات خاصة في العام 1891م، سميت الفرسان الحميدية، وكان الهدف منها القضاء على التمرد وتأديب العصاة، وقطاعي الطرق، وبذلك تخلت الدولة العثمانية عن مواد معاهدة برلين، التي تدعو فيها إلى الإصلاحات، وذلك من خلال توطين القبائل الكردية، في المناطق الأرمينية؛ الأمر الذي دفع الأرمن لمقاومة هذا التوطين([58]) .
المبحث الرابع: دور الأرمن في أضعاف الدولة العثمانية
كان الشعب الأرميني يحلم بإعادة إحياء مملكته بعد زوالها. وقد مثّل انفصال بلغاريا عن الدولة العثمانية حافزًا كبيرًا لعودة الأرمن في المطالبة بتحقيق حلمهم، إلا أن وضع الأرمن لم يكن بوضع بلغاريا نفسه، حيث يتمركز الأرمن شرقي الأناضول ضمن أراضي الدولة العثمانية، الأمر الذي كان من الصعوبة أن تسمح الدولة العثمانية بإقامة دوله أو حكم ذاتي لهم، حيث تشكل خطرًا على أمن الدولة، وستكون ألعوبة بيد كل من روسيا وإنجلترا، فضلًا عن قيام دولة مسيحية في وسط مسلم، أما بلغاريا فالمحيط بها كان مسيحي، وكانت أبعد مسافة عن مركز الدولة العثمانية، عكس منطقة الأناضول .
أمام هذه التحديات وحالة الشد بين كلا الجانبين العثماني والأرميني شكل الأرمن جمعيات وأحزاب سياسية مثل جمعية (الوطنيين) في تفليس، وجمعية محبي الخير، وفدائيان في قيليقيا، وجمعية ارارتلي، والاتحاد والخلاص في فان جمعية محبي المدرسة – شرفلي وجمعية قيليقيا في منطقة موش، وجمعية المسلحين في 1880م في ارضروم، وشباب أرمنستان في قفقاسيا([59]).
مع تطور الوعي السياسي والفكري للجماعات القادمة من أوروبا، التي انهالت بشغف ونهم على أفكار الثورة الفرنسية، والدعوة للحرية والمساواة والعدل بين طبقات المجتمع، تطورت الأحزاب الأرمينية، واختلفت توجهاتها السياسية، وكان من أهم تلك الأحزاب هي التالية:
* حزب الارمينكان: تأسس عام 1885م، وقد أسسه قسطنطين كامسرا، ويعد أول حزب سياسي تأسس في أرمينيا، في مدينة فان، ولم يتبنَ الحزب أي فكر اشتراكي،تم تولى مكرديج برتقاليان، وتم نفيه إلى فرنسا من قبل السلطات العثمانية،وأسسصحيفة اسماها أرمينية([60])، وقد حل الحزب بعد العام 1886م، وذلك بعد أن قام بحركة عصيان واسعة في تركيا، وقد دافع هـذا الحزب عن حقوق الشعب الأرميني ومطالبه([61]).
* حزب الهنشاك أو الهنشاق: بمعنى المنبه، وتأسس بجنيف (سويسرا) في العام 1887م([62])، على يد طلبة أرمن ممن يستكملون دراستهم في سويسرا وفرنسا، وكان أبرزهم مهران دامديان، الذي بدأ حياته الثورية بالانضمام إلى الحزب، وشارك في الأحداث الدامية عام 1890م، واعتقل من قبل السلطات العثمانية، إلا أنه هرب إلى بلغاريا ومنها إلى رومانيا، أسس فـي مصر حزب جديد أسماه (الهنشاك المعاد تكوينه), وهـو حزب اشتراكي ديمقراطي([63]).
* حزب الطاشناق: وتعني بالعربية الحزب الثوري الأرمني، تأسس فـي مدينة تفليس عاصمة جورجيا، وذلك في العام 1890م ([64])، أسسه كريستابور ميكائيليان وستيبان زوريان وسيمون زافاريان،Pللدفاع عن الشعب الأرمني المضطهد من قبل السلطات العثمانية.
شارك الحزب منذ أيامه الأولى بتنظيم المقاومة الأرمينية ضد المذابح التي حدثت ضد الأرمن بين سنتي 1894 –1896 م من قبل الحكومة العثمانية، فانتشرت شعبية الحزب بسرعة في المناطق ذات الكثافة الأرمينية في الدولة العثمانية، وروسيا القيصرية.
تعاون الحزب مع الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، الموجودة في جميع أنحاء روسيا القيصرية وشارك معها في الثورة الروسية سنة1905 م، قام بتنظيم النقابات العمالية في المناطق التي بها كثافة سكانية أرمينية([65]).
يبدو أنه مع اختلاف مسميات الأحزاب الأرمينية، إلَّا أنها كانت تطالب بإعطاء الأرمن نوعًا من الحكم الذاتي، والاستقلال الإداري بالمقاطعات الأرمينية الست شرق الأناضول، والقيام بإصلاحات مثلما تعهدت بذلك الدولة العثمانية، أمام الدول الأوربية.
اتجهت بعض الأحزاب إلى العمل الثوري والفدائي، وذلك من أجل تحقيق أهدافها، وبالذات بعدما رأى قادة الأحزاب تخلي الدول الأوربية عن قضيتهم، لاسيما بعد أن استغل السلطان عبدالحميد اختلاف وجهات النظر الأوربية لقيام كيان أرميني مستقل بذاته، ومصلحة الدولة الأوربية من إبقاء الدولة العثمانية موحدة إلى أجل غير محدد، لذا رأيناهم يضعون مصالحهم أولًا، وجعل المسألة الأرمينية ورقة ضغط ضد الدولة.
أدت الثورات المتكررة من قبل الأرمن، بفعل الدعاية التي كانت تبثها الأحزاب والجمعيات الأرمينية، والتي كانت تتم عبر الصحف والمنشورات، وتدعو إلى الثورة ضد العثمانيين، أدَّت إلى انتهاج الباب العالي سياسة قمعية وعنيفة ضدهم، إذ كانت بين خيارين، أحدهما إبقاء الأرمن في منطقة شرق الأناضول ومن ثم تدخل روسيا وبريطانيا لحل القضية الأرمينية، وهذا معناه انهيار الدولة العثمانية، والآخر إبقاء الدولة العثمانية عن طريق إقصاء الأرمن من فضائهم الجغرافي، وهذا كان ما اختاره السلطان(([66]. ولعل من أهم تلك الثورات:
حادثة صاصون (ساسون): وهو إقليم جبلي يقع جنوب موش، بين سلسلتي كورنيك، واندوك، وتتكون من 110 قرية، وعدد سكانها21 ألف نسمة، منهم %40 من الأرمن، والباقي أكراد وجراكسة. وفي السابق كان أهالي المنطقة يدفعون الضرائب للأكراد من أجل الحماية، إلا أنه بفعل تأثير الطاشناق رفض الأرمن في صاصون دفع الضرائب([67])، فقام الطاشناق ومن وقع تحت تأثير دعاية الحزب من الأرمن بأعمال وحشية ضد القرى الأرمنية والمسلمة، وعملوا على نشرها في الصحافة الأوربية، على أساس أنها أعمال القوات العثمانية، وكان الأرمن بدرجة من الهياج والقوة، فقاموا بعصيان في المقاطعات الكبرى، مثل ارضروم، وان، ودياربكر, وطرابزون، وكسيواس، الأمر الذي دفع زكي باشا إلى اتخاذ إجراءات صارمة، بأمر من السلطان عبدالحميد لوقف التمرد والعصيان، وإعلان الأحكام العرفية([68]).
كان الأرمن يهدفون من وراء هذه العمليات، إلى لفت أنظار الدول الأوربية، فتقدمت بريطانيا بمذكرة للباب العالي بتطبيق المادة (61) من مؤتمر برلين، ونجح السلطان بإبعاد كلٍّ من فرنسا وروسيا من تحالفهما مع بريطانيا، ومن ثم أصبحت بريطانيا دون مؤيد لها في عملية الضغط على السلطان لتطبيق ما نصت عليه المادة، الأمر الذي دفع السلطان إلى رفض المذكرة المؤرخة بتاريخ (3 \6\1895م)، وانسحاب الأسطول الإنجليزي الذي كان متأهبًا في مضيق جنا قلعة، من أجل إرهاب السلطان عبدالحميد([69]).
وقد كان لحادثة صاصون أثرها الكبير في زيادة حدة العداء بين الجانبين، العثماني، والأرميني، فضلًا عن استغـلال الحادثة كورقة ضغط للدول الأوربية على الدولة العثمانية عامة، والسلطان عبدالحميد، إذ إن بريطانيا مع انسحابها إلا أنها ظلت تدعم المتمردين الأرمن ماديًا، ومعنويًا.
كما أن هذه الحادثة لم تكن الأولى في صاصون، بل سبقتها عدة حوادث متفرقة، أقل حدة من حادثة العام 1895م لاسيما منذ العام 1881م .
حادثة إسطنبول1895 م: بعد أحداث صاصون عمل الأرمن على نقل ساحة الشغب والتمرد إلى العاصمة العثمانية؛ وذلك لكسب التأييد الأوروبي، ولتكون أمام العالم أجمع، حيث قاموا بإثارة الشغب في أحياء إسطنبول، لاسيما الأحياء الأوروبية، حيث تم نقل موجة الاضطرابات إلى هناك، الأمر الذي زاد من خطورة الوضعالمتأزم([70]). وحول ذلك يذكر كاتب أرمني هذا الموضوع قائلًا: “احتجاجًا على عـدم حل مشاكل الأرمن؛ قام الأرمن بمظاهرة كبيرة وذلك في سبتمبر من عام 1895م، وقامت قوات الجندرمة (الشرطة) بمحاصرة المظاهرة، وأطلقت الرصاص عليها، ونتيجة ذلك قتل عشرات الأرمن، وجرح المئات، كما اعتقلت الجندرمة كثيرًا من الأرمن، وقامت بتسليمهم إلى طلاب المدارس الدينية في إسطنبول، الذين بدورهم قاموا بضربهم حتى الموت، استمرت هذه الحملة حتى 3 أكتوبر، وفي 8أكتوبر قام مسلمو طرابزون بقتل وحرق آلاف الأرمن، هذه الأحداث أصبحت تتواتر في العديد من مدن شرق تركيا لتصبح سلسلة من الإبادة الجماعية المنظمة تحت رعاية السلطة العثمانية، وتكررت في محافظات ارزيرجانه، ارضروم، غوموشخان، بايبورت، أورفـه، وبيتليسه”([71]). ومن جهة أخرى نرى السلطان عبدالحميد يتحدث عن ذلك المشهد “وعندما عرف الأرمن أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى مبتغاهم بالأعمال التي قاموا بها في الأناضول، دفعوا بعصاباتهم وجمعياتهم إلى استانبول(إسطنبول)، وعملوا على إثارة المتاعب فيها، ونجحوا في هذا…”([72])، ونتيجة أعمال العنف والترويج لها في الصحافة العالمية، فقد طالبت الدول الأوربية من السلطان عبدالحميد أن يقوم بتطبيق ما يلي:
– إدخال الإصلاحات في الولايات الست شرقي الأناضول.
– العفو عن الإرهابيين الأرمن الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن أو النفي، والأفراج عن المعتقلين السياسيين.
– إنشاء لجنة دولية لمراقبة تنفيذ الإصلاحات لمنع تجدد الاضطرابات.
كان رد السلطان الموافقة على ما ذكر, لاسيما بعد وساطة الدولالأوربية (روسيا، وفرنسا،
وبريطانيا)، وهدفه من وراء هذه الموافقة تبديد القضية، وتهدئة الرأي العام الأوربي، والدول الأوربية ([73]). وهذا ما حصل فيما بعد، إذ خفَّت الضغوط الأوربية بعض الشيء، وابتعدت عن إثارة التمردات والاضطرابات للأرمن ضد الدولة.
حادثة البنك العثماني 1996م: في 26 أغسطس 1996م، قامت مجموعة من عصابة الطاشناق الأرمينية، يقودهم(كاريكين باسترمادجيان) و(بيدروس باريان) بالسطو على البنك المركزي العثماني، وكان عددهم 26مقاتلًا يحملون القنابل اليدوية، وقنابل الديناميت، وبأيديهم المسدسات والخناجر، وكان الهدف من ذلك جذب اهتمام الرأي العام الأوربي، تجاه قضيتهم ومطالبهم، لاسيما بعد انشغال الدول الأوربية في الصراع فيما بينها على ما كانت تطلق عليه الرجل المريض([74]).
بدأت العملية بمحاولة اقتحام العصابة الأرمينية لمقر البنك، ووقع إطلاق نار كثيف بينهم وبين حراس البنك، وحاصرهم الجنود العثمانيون، وألقت العصابة القنابل، واستطاعوا اقتحام البنك، وعملوا على وضع 700 قنبلة في أنحاء المبني، وأخذوا رهائن من الموظفين العثمانيين والأوربيين، وهددوا بنسف المبنى بمن فيه إن لم تؤخذ مطالبهم بعين الاعتبار، وبلغ عدد القتلى من الجانبين نحو عشرة في اليوم الأول، بما فيهم أحد قادتهم بيدروس باريان([75]).
كما تشير الروايات أن جواسيس السفارة البريطانية في إسطنبول مدوا أعضاء العصابة الأرمينية بالسلاح للسطو على البنك العثماني. استمر احتلال البنك لمدة 14 ساعة، وطالبت العصابة الأرمينية السلطات العثمانية بالوعد بإجراء إصلاحات سياسية، وتحسين أوضاع الأرمن في الدولة العثمانية، فضلًا عن عدم القبض على المشاركين في هذه العملية، وكان القنصل الروسي ورئيس البنك السيد أدكار وينسنت، استطاعوا إقناع الأرمن بمغادرة البنك، ووعدهم بتنفيذ مطالبهم، فضلًا عن منحهم ممرًا آمنًا للخروج مـن البنك. وكانت مطالبهم:
– تعيين مندوب سامي من الدول الأوربية على المناطق الأرمينية.
– يعين المندوب السامي الولاة، والمتصرفين، والقائمين على أن يصادق السلطان عليه.
– تنظيم تشكيلات الجيش والشرطة تحت قيادة ضباط أوربيين.
كما تم الاتفاق على إخلاء سبيل الرهائن الأوروبيين والعثمانيين، ومغادرة أفراد العصابة العاصمة العثمانية إسطنبول، إلى مدينة مرسيليا الفرنسية، مع الضمان الشخصي لأمنهم، وبالفعل غادر 17من أفراد العصابة الأرمينية إسطنبول، وذلك على ظهر سفينة ادكار الشخصية([76]).
وبهذا انتهت الحادثة، بعد أن نجح الأرمن ومن ينتمي إلى حزب الطاشناق الثوري للفت الأنظار وبقوة إلى الشأن الأرمني، إلا أنها كانت بمثابة الشرارة الأولى للأعمال الإرهابية في التاريخ الحديث والمعاصر، وتبع ذلك العديد من الأعمال التي نصفها اليوم بالإعمال الوحشية والإبادة، حيث إن كل من الطرفين المتنازعين حاول أن يطمس هوية الآخر، ذلك الآخر الذي عاشا معًا في سلام ووئام وتسامح لمئات السنين، إذ إن الرصاصات التي أمطرها الأرمن في البنك على الجنود والشرطة والمدنيين، أدت إلى رد عنيف من قبل سكان العاصمة إسطنبول، إذ راح ضحية هذه العملية ما يقارب ال7000 أرمنيًا، وذلك كردة فـعل للأعمال التي قام بها الأرمن في البنك([77]).
لقد مثلت هذه الحادثة أول هجوم مسلح من قبل الأرمن على العاصمة العثمانية، التي يقطنها أعداد كبيرة منهم، فضلًا عن وصف العملية بالعملية الإرهابية، حيث تم أخذ الرهائن من الأوربيين والعثمانيين وممن وجد داخل البنك ساعة الهجوم. كما يبدو أن العملية كان مخططًا لها مسبقا وبدقة، وبتعاون أجهـزة استخباراتية أوربية، إذ إن الأرمن مع تصميمهم على وضع المسألة الأرمينية أمام أنظار العالم، إلَّا أنهم لا يمتلكون ــ لاسيما في ذلك الوقت ــ هذا التكتيك والمعلومات الدقيقة عن البنك العثماني، الذي لا يمتلك فيه العثمانيون شيئًا منه سوى اسمه، كما أن الدخول إليه ليس بهذه البساطة، وإدخال أسلحة متنوعة إليه ليس بهذه السهولة.
حادثة الباب العالي والسوق القديم: وفي هذا الشأن قام الأرمن وبتحريض من عصابة الهنشاق، بالتجرؤ على القيام بالهجوم على الباب العالي، في قلب إسطنبول([78])، والـذي كان عبارة عـن إحداث صخب في المدينة، إلا أنها تحولت إلى مواجهات دامية بين القوات الـعثمانية والأرمن، وذلك عند مهـاجمة الصدر الأعظم في مكتبه، وأدت تلك المصادمات إلى إصابة الموظفين في المكتب بإصابات بالغة، وذلك نتيجة الاشتباكات مع الأرمن([79]).
حادثة القنبلة: في عام 21/7/1905م حدثت محاول لاغتيال السلطان عبدالحميد، وذلك بوضع80كغم من المتفجرات مع 20كغم، من قطع الحديد في مركبة أوقفت في فناء الجامع الذي كان يصلي فيه السلطان أيام الجمع، ووقتت القنبلة بحيث تنفجر في الوقت الذي يخرج فيه السلطان من الجامع، وقد تأخر السلطان في الخروج قليلًا فانفجرت القنبلة، والسلطان في المسجد محدثة دويًا هائلًا تردد صداه من أقصى إسطنبول إلى أقصاها، قتل في هذا الانفجار21 شخصًا وجرح 32 آخرين…([80]).
وفي مذكرات الأميرة عائشة بنت السلطان عبدالحميد الثاني، تذكر هذه الحادثة قائلة: في تلك الأثناء، سمع دوي مخيف انطلق بشدة مثل المدفع باتجاه برج الساعة، وكان هذا الصوت أقوى من صوت المدفع وأكثر منه رعبًا. وقد تحول فناء الجامع في لحظة واحدة إلى حالة من الفوضى، غطَّاه الدخان والرماد، وكانت تمطر أشياء على رؤوسنا، وتسقط أحجار من برج الساعة([81]).
جرت هذه المحاولة بعدما أيقن الأرمن أن السلطان عبدالحميد، لن يطبق البند الوارد في معاهدة برلين-التي اضطر السلطان على توقيعها-حول الامتيازات والمؤسسات الضرورية التي طلبتها الدول الأوروبية الكبرى، من الدولة العثمانية لتأسيس حكم ذاتي، مستقل للأرمن مع أنهم كانوا أقلية في الدولة العثمانية.
حاول الأرمن اقتناص الفرص بالتعاون مع الجهات الصهيونية، وعلى رأسها تيودور هرتزل الذي يئس هـو بدوره من أخذ وعد باقتطاع أرض فلسطين، والسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، وشراء الأراضي فيها([82]).
وظهر من التحقيق أن وراء العملية جمعية طاشناق الأرمينية، وعلى رأسهم الإرهابي ادوارد جوريه([83])، فضلًا عن عدد من الإرهابيين البلجيكيين. وقد أوضحت التحقيقات أن العربة تم استيرادها من فينا (النمسا)([84]).
كان رد الفعل العثماني تجاه هـجمات الأرمن، والشغب، والقتل للمسلمين في ولايات الأناضول الشرقية، أن وضعت السلطات العثمانية أمام خيار صعب، إلا وهو المواجهة، لاسيما وإن تلك الفئات الأرمينية التي أثارت الفوضى، كانت مدعومة من الدول الأوربية، وكذا من فئات عثمانية كانت ترى في هجمات الأرمن على بني جنسهم من المسلمين سيؤدي بهم إلى الوصول لأهدافهم التي كان من أهمها إسقاط حكم السلطان عبدالحميد الثاني، فضلًا عن مؤامرات اليهود التي أرادوا بها الحصول على وعد من السلطان عبدالحميد الثاني للوصول إلى أرض فلسطين، وهو الأمر الذي كان يرفضه بشدة السلطان، لذا كان اليهود يسعون وبقوة إلى إزالة السلطان وإسقاطه عن الحكم.
يتضح مما ورد سابقًا، أن الدولة العثمانية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك الهجمات المدعومة من قبل أعداء الدولة العثمانية، وأنها أيضًا كشفت الأعداء الحقيقيين للدولة، وهم من كان يظهر الود والنصح للدولة، ومن جانب آخـر كانوا أكبر الداعمين للأرمن فـي أعمال الشغب، والفوضى، والقتل سواء أكان في إسطنبول أم الولايات العثمانية الأخرى.
كان لهذه الأحداث التي مر بها الأرمن والدولة العثمانية، أن جعلت للأرمن حضورًا في المحافل الدولية، وكان من أبرزها مؤتمر الأحرار العثمانيين المنعقد في باريس عام 1902م([85])، وحضره الكثير ممن ينخرطون ضمن الدولة العثمانية، وقد ترأس المؤتمر الأمير صباح الدين – كان من أهم المعارضين للسلطان عبدالحميد وهو أحد أفراد العائلة العثمانية – الذي كان يدعو إلى المساواة بين رعايا الدولة جميعًا، وبعد انعقاد هذا المؤتمر تم تأسيس حزب سياسي أرميني، يتماشى بأهدافه مع مطالب الأرمن، وأطلق عليه جمعية الـتشبث الشخصي وعدم المركزية الإدارية، وكان لهذا الحزب فروع في مناطق مختلفة. أما عن برنامج الحزب فيدعو إلى اللامركزية، ويكفل للقوميات حقوقهم القومية، وإسهامهم في شؤون ولاياتهم([86]). وفيالعام1907م تم عقد المؤتمر الثاني للأحرار, في مدينة باريس، وقد دعت إلى انعقاده جمعية الطاشناق الثورية الأرمينية، وقامت بدعوة المناوئين لحكم عبدالحميد الثاني وتوحيد صفوفهم، مع الإبقاء على وحدة الدولة([87]).
المبحث الخامس: خلع السلطان عبدالحميد الثاني:
تتالت الأحداث في الدولة العثمانية بسرعة، وتفاقمت الأمور بصورة سيئة، واتخذت طابع عنيف، وأخذت الفتن والمشاكل الداخلية بالتزايد؛ الأمر الذي أدى إلى استغلاله من قبل جمعية (الأتراك الشبان) أو ما يعرف ب(تركيا الفتاة)، ففي عام1908م تحركت أفواج من الجيش العثماني الموجود في مقدونيا حول العاصمة، ومع انتشار التمرد طالبوا بتجديد الدستور، والإطاحة بالسلطان عبدالحميد الثاني، والمساواة، والحرية، والديمقراطية([88]).
في هذا الوقت آثر السلطان عبدالحميد الثاني محاولة مصَّ غضب المتمردين، وأعلن عن إعادة الدستور والحياة النيابية فـي الدولة، إلا أن المتمردين لم يكتفوا بذلك، إذ أرادوا إزاحته من المشهد السياسي، وإبعاده بصورة تامة عن الحكم، ونجحوا في ذلك نتيجة قيامهم بما يعرف بالتاريخ العثماني بالحركة الرجعية، وذلك في 13\4\1909م إذ اتهموا فيها السلطان بالتآمر على الاتحاديين، وهذا الأمر لم يحدث، بل كانت أكاذيب وافتراءات من قبل المتمردين ومن ساندهم؛ للوصول إلى حجة لخلع السلطان، والتخلص منه، لاسيما وإن من فرح بهم وأقام الاحتفالات بوصول الاتحاديين إلى السلطة وإعادة الدستور الواقف العمل به منذ عام 1876م، ممن ينتمي إلى القوميات المتعددة داخل نسيج الدولة العثمانية؛ انصدموا بالواقع الذي يعيشونه آنذاك فضلًا عن أن الوعود والآمال الكبيرة لم تجد لها مكانًا على أرض الواقع، فبعد إعلان إعادة الدستور حدثت أمور كثيرة، أولها أن جمعية الاتحاد والترقي أصبحت قوة تأمر وتنهى من وراء الستار أولًا ثم بشكل علني، وأخذت فروع الجمعية تنتشر في جميع أنحاء البلاد بسرعة، وتجمع حولها الانتهازيين والوصوليون. مما يدل على أن عهدًا قد انطوى، وبدأ عهد جديد، فمن أراد الوصول إلى بغيته فلا بد من التصفيق لهذا العهد ولرجال هذا العهد([89]).
لم يجد الاتحاديون سوى مسألة خلع السلطان ومن ثم رمي التهم عليه، ليبرروا للآخرين بأنه كان وراء هذا التمرد والعصيان، الذي كان سيؤدي إلى حرب أهلية داخل العاصمة العثمانية.
كانت الأمور تزداد صعوبة، وكان الاتحاديون يريدون الوصول إلى الحكم، وذلك من خلال إبعاد السلطان عبدالحميد الثاني، وتنصيب أخيه السلطان رشاد، فقام الاتحاديون بإرسال هيئة من المجلس الوطني، وفي هذا الأمر نقتبس من مذكرات الأميرة عائشة التي كانت موجودة في القصر في أثناء هذه الأحداث “فدخلت الهيئة يتقدمها الباشكاتب وكانت تضم أربعة أشخاص، وقفوا أمام والدي، وحيَّاه كلٌّ منهم، وردَّ أبي التحية، وكان القادمون هم: أسعد طوبتاني الأرناؤوطي، وعارف حكمت بـاشا الأظ، والأرمني ارام أفندي، واليهودي قراصو أفندي، وبادر أسعد طوبتاني الواقف في مقدمتهم بقول: “لقد عزلتك الأمة”، وردَّ عليه والدي بصوته الجهوري فقال بثبات: “أعتقد أنكم تريدون أن أقول: إنها خلعتني، حسنًا، ما هـو السـبب الذي يستندون عليه؟”([90])، ثم تورد الأميرة الفتوى التي استندوا عليها من أجل عزله عـن الحكم، “إذ قام زيد وهو إمام للمسلمين، فأبطل بعض المسائل المهمة الشرعية، من الكتب الشرعية، ومنع وحرق الكتب المذكورة…”([91]). وكان قرار خلع السلطان عبدالحميد الثاني ذلك في\27 \4 1909م.
ويبدو أن أفراد الهيئة التي تبلغ السلطان بقرار الخلع لم تكن صدفة، إذ كان من ضمنها أرمني ويهودي وهم أكثر من أراد إسقاط السلطان وإبعاده عن الحكم، وهم أكثر من تضرر من سياسة السلطان، الذي حاول إبقاء وحدة الدولة العثمانية متماسكة على قدر الإمكان. وبخلع السلطان تبدأ مرحلة جديدة للدولة العثمانية، ولتلك القوميات المكونة للنسيج الاجتماعي والسياسي للدولة.
الخاتمة:
تعايش كل من الجنسين الأرمني، والتركي بعضهم مع الآخر بكل هدوء، وسلام خلال مراحل التاريخ، إلَّا أن هذا لم يدم طويلًا، فغدا الأرمن يسعون إلى إعادة أمجادهم السالفة وحكمهم على المناطق التي كانوا ينتشرون بها، وساعدهم في ذلك الظروف السيئة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية.
كان الأرمن كأقلية في الدولة العثمانية قد كان لهم دور كبير في وضع بصمتهم، وأثَّروا بصورة إيجابية في أول الأمر، لكن مع ضعف الدولة العثمانية وظهور الوعي القومي للأرمن، فضلًا عن وجود الدعم الخارجي ممثلًا بالدول الأوربية، أدى إلى أن يكون الأرمن شوكة في جسد الدولة، ومن ثم أصبحوا أعداء حقيقيين لكل ما هو عثماني، كل ذلك أدى إلى أن يكون للسلطان عبدالحميد الثاني رد آخر لمن أراد تفكيك النسيج الاجتماعي للدولة، لاسيما بعد أن كشف عمق المؤامرة على الدولة العثمانية وعلى سيادته.
كل تلك الأحداث انعكست على الدولة، وأدت تلك المؤامرات في الأخير إلى تحقيق غايتها وهي زعزعة الدولة وتدويل المسألة الأرمينية والتدخل بالشأن الداخلي، وصولًا إلى خلع السلطان عبدالحميد الثاني، ووصول الاتحاديين إلى الحكم، ودخول الدولة العثمانية والأرمن فيها إلى مرحلة جديدة من التاريخ العثماني المعاصر.
الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية، شبكة منتديات قدما، تاريخ الزيارة، 9\10\2019 الزيارةwww.qudamaa.com
([1])أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد – كلية الآداب/ جامعة عدن.
[3])) محمود (ب ت): 21.
[4]))كي 1985 ط2: 213.
[5])) الجزيرة: منطقة تقع بين دجلة والفرات، تشمل ديار مضر، ديار بكر، ينظر الحموي 2006، ج3: 54.
[6])) آسيا الصغرى: تركيا حاليًا، كانت في القرون الوسطى إقليمًا تابعًا لبلاد الروم، ثم انتقل إلى سلاجقة الترك. ينظر: كي 1985، ط2: 16، ص 16.
[7])) المدور (ب. ت) ط2: 223.
⁎ الاليريا: الاسم القديم للقسم الغربي الشمالي من شبة جـزيرة البلقـان، وهم شعوب هـندو-أوربية. org.mmarf a//https
[8])) الإمام 1999: 25, 26؛ فؤاد 1998: 26.
[11])) – خوريناتسي 1999: 45.
[12])) ارسلان 1998: 23.
[13])) المدور (ب ت): .100
[15])) حنا 2016: 43.
⁎ صخرة بهستون: وجدت هذه الصخرة في قرية بهستون، غربي إيران وشرقي كرمنشاة، وهي صخرة جبلية عالية عليها نقوش مكتوبة باللغات الفارسية، والبابلية، والانزانية، وثلاثتها تستخدم الحروف المسمارية، وفك رموزها السير هنري رولنسون وذلك عام 1835م، ينظر حنا 2016: 43.
[16])) الجهماني 2000: 8؛ حنا 2016: 43.
[17])) الامام 1999: 26-27.
⁎ ابكاريوس بن ارشام: هو ملك أورفه الأرمينية ويطلق العرب عليه الملك الأبجر أو أبجر الملك، جانجي 1868: 307.
[18])) خوريناتسيى1999: 122-125.
[19])) جانجي: 1868 310.
([21]) وهو ابن الأمير أناك الذي قتل الملك خسروف الأول، فتعرضت أسرته للإبادة ونجا جريجور الصغير حيث هرب مع مربيته إلى كبادوكيا- تقع في الجهة الغربية مــن آسيا ألصغرى خوريناتسي 1999: 179؛ الإمام 1999: 50
([23]) مورغطاو (ب ت): 31. عزازيان 1993: 14.
([26]) المحامي1981: 115،حنا2016: 63،64.
([30])المدور، (ب ت): 352، 353.
([39]) الملة (الدولة العثمانية)https: google.com
([48]) عبدالحميد الثاني 1979 ط2: 11.
([60]) بوقار. فتحية، أوبخته . أمينة 2016-2017: 46.
([63]) بوقار . اوبخته 2016-2017: 46.
([65]) حزب الطاشناق www.wikizero.com تاريخ آخر زيارة 24\10\2019.
([67]) بوقار. اوبخته 2016-2017: 49.
([71]) المسيحية حاضرًا، الإبادة التركية للأرمن1915، عار إمبراطورية وخطيئة أمة، http://puresoftwarecode.com/2-ChAr_Genocide.htm. ، تاريخ الزيارة 19\11\2019
([74]) ملحق ازتاك، للشؤون الأرمينية، (الهجوم على المصرف العثماني عام1896م من قبل الثوار الأرمن)(9). تاريخ الزيارة 9\10\2019 www.aztagrabic.com
([75])الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية، شبكة منتديات قدما، تاريخ الزيارة، 9\10\2019 الزيارةwww.qudamaa.com
[90])) عثمان أوغلى 1991: .240
([91]) عثمان أوغلى 1991: 240-.241
قائمة المراجع:
- أحمد، كمال مظهر، دراسات في تاريخ إیران الحديث والمعاصر، بغداد، 1985م.
- أرسلان، أحمد فؤاد، أرمينيا وأمة ودولة، دمشق، دار الأمين للنشر والتوزيع، 1998م.
- الإمام، محمد رفعت، تاريخ الجالية الأرمينية في مصر القرن التاسع عشر، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م.
- الجهماني، يوسف إبراهيم، ملفات تركية، تركيا والأرمن، سوريا، دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع، 2000م.
- الحموي ياقوت (شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله)، معجم البلدان، ج3، بيروت دار إحياء التراث العربي، 2006م.
- السلطان عبدالحميد الثاني، مذكراتي السياسية (1891-1908)، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1979م.
- الشناوي، محمد عبدالعزيز، الدولة العثمانية دولة مفترى عليها، ج3، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 2004م.
- المحامي. محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، بيروت، دار النفائس، 1981.
- المدور, عثمان طه، الأرمن عبر التاريخ، دمشق، منشورات دار نوبل، ط 2، (ب . ت).
- اوزتونا، يلماز، تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سليمان، مراجعة وتنقيح محمود الأنصاري، مج2, منشورات مؤسسة فيصل للتمويل تركيا، استانبول، 1990م.
- اوغلي, عائشة عثمان، والدي السلطان عبدالحميد الثاني، ترجمة صالح سعداوي صالح، دار البشير،1991م.
- بارو, نيقولو بار، الفتح الإسلامي للقسطنطينية، ترجمة الدكتور حاتم عبدالرحمن الطحاولي، كلية الآداب، جامعة الزقازيق، دار عين للدراسات والبحوث، 2002م.
- جانجي، أنطوان، مختصر تواريخ الأرمن، اقتطفه واستخرجه من اللغة الأرمينية إلى العربية أنطوان جانجي، طبع في أورشليم، دير الآباء الفرنسيسكانيين، 1868م.
- جواد، العزاوي قيس، الدولة العثمانية قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، مطبعة المتوسط، ط 2.
- حرب، محمد، عبدالحميد الثاني آخر السلاطين العثمانيين الكبار، دمشق، دار القلم، 1990م.
- حرب، محمد، مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني، دمشق، دار القلم، ط 3, 1991م
- حنا، تقية منصور، الأرمن والدولة العثمانية، بيروت، دار النهضة العربية، ط 1، 2016م.
- خوريناتسي، موسيس، تاريخ الأرمن من البداية حتى القرن الخامس الميلادي، نقلة عن الأرمينية نزار خليلي، دمشق، إشبيلية للدراسات والنشر، 1999م.
- شرف، جان، القضية الأرمينية في السلطنة العثمانية، لبنان، مركز الدراسات الأرمينية، 1997م.
- صالح، جهاد، الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية، بيروت، 1987م.
- طقوش، محمد سهيل، تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، لبنان، دار النفائس، ط3، 2013م.
- عثمان، فارس، الكرد والأرمن العلاقات التاريخية، إصدار مؤسسة ماركريت (55)، ط 2، مطبعة كمال إقليم كردستان العراق.
- عزازيان، هوري، نبذة تاريخية موجزة الجاليات الأرمينية في البلاد العربية، حلب، دار الحوار للنشر،، 1993م.
- علي، أورخان محمد، السلطان عبدالحميد الثاني، حياته وأحداث عهده، إسطنبول، ط4، 2008.
- لسترنج، كي، بلدان الخلافة الشرقية، نـقله إلى العربية، بيير فرنيس وكوريس عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1985م.
- مانتران، روبير، تاريخ الدولة العثمانية، ج2، ترجمة بشير السباعي، القاهرة، دار الفكر للنشر والتوزيع، 1993م.
- محمود، شيت خطاب، قادة الفتح الإسلامي في أرمينيا، جدة، دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع.
- مصطفى، أحمد عبدالرحيم، في أصول التاريخ العثماني، بيروت، دار الشروق، ط2، 1986م.
- مورغطاو, هنري، قتل أمة، مذكرات هنري مورغطاو السفير الأمريكي في تركيا ما بين (1913- 1916)عن المذابح الأرمنية في تركيا، ترجمة الكسندر كشيشيان، حلب، دار أسامة.
- Leyde.J.Brill,paris,1960,T.Iarticle Arminiya par canard M.p662
رسائل علمية:
بوقار. فتحية، اوبخته. أمينة، المسألة الأرمينية في الدولة العثمانية 1876)-1915)
,رسالة ماجستير في التاريخ الحديث المعاصر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجيلالي بونعامة، الجزائر،(2016-2017)
دوريات:
دورية كلية الآداب جامعة البصرة-العراق
مواقع الكترونية:
الملة (الدولة العثمانية)https: google.com
حزب الطاشناق www.wikizero.com تاريخ آخر زيارة 24\10\2019
المسيحية حاضرًا, الإبادة التركية للأرمن1915, عار إمبراطورية وخطيئة أمة، http://puresoftwarecode.com/2-ChAr_Genocide.htm.،تاريخ الزيارة 19\11\2019
ملحق ازتاك، للشؤون الأرمينية (9). تاريخ الزيارة 9\10\2019 www.aztagrabic.com