الثورات المناهضة للوجود العثماني في اليمن (1910- 1914م)
مجيدة محمد هادي زين
مجيدة محمد هادي زين([1])
الملخص
يهدف هذا البحث إلى دراسة ثورتي الإمام يحيى بن محمد حميد الدين في الهضبة اليمنية, والإمام محمد بن علي الإدريسي في تهامة والساحل في المدة ما بين (1910 ـــ 1914م)، إذ تعد من أشد الحركات المناهضة للوجود العثماني في اليمن منذ دخوله الثاني (1849 ــ 1918م)، وذلك لأنهما شكلتا أكثر الحركات تأثيرًا ضد الأخيرة إذ كانتا سببًا مباشرًا في إرهاق كاهل الدولة العثمانية وخروجها في عام 1918م، فقد استعان الإمام محمد بن علي الإدريسي بالإيطاليين وهذا ما سنراه خلال دراستنا لهذا البحث، فيما اعتمد الإمام يحيى على الثورات القبلية ضد العثمانيين والخلاف المذهبي، كما تطرق البحث إلى موقف الدولة العثمانية من حركتي الإمام يحيى والإمام محمد بن علي الإدريسي.
Abstract
This research aims to study the revolutions of Imam Yahya Bin Hamid al-Din in the Yemeni plateau, and Imam Mohammed bin Ali al-Idrisi in Tihama and the coast is specified by the period between (1910 -1914) As it is one of the strongest movements against the Ottoman presence in Yemen, since its second entry (1849 – 1918) because they formed the most influential movements against the latest attack, As it was a direct cause of the exhaustion of the Ottoman Empire and its exit in 1918 AD. Imam Mohammed bin Ali al-Idrisi asked for assistance the Italian, and this is what we will see during our study of this research, while Imam Yahya relied on tribal revolts against the Ottoman and doctrinal disagreement. The research also talked about the reaction of the Ottoman Empire on movements of Imam Yahya and Imam Mohammed bin Ali al-Idris.
المقدمة
يحاول هذا البحث دراسة الثورات المناهضة للوجود العثماني في اليمن وأثرها على ذلك الوجود وذلك خلال المدة (1910-1914م). وتعود أهمية هذا البحث إلى عدد من الأسباب أهمها الظروف السياسية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, إضافة إلى أثر تلك الثورات المناهضة للوجود العثماني وإسهامها في زعزعته. وقد تم تحديد زمن البحث بالمدة (1910-1914), وهي المدة التي حصلت فيها ثورتا الإمام يحيى حميدالدين والإمام الإدريسي ضد العثمانيين، وكانت أكثر الثورات تأثيرًا على ذلك الوجود. وتكمن أسباب اختيار الموضوع في التأثير المباشر لتلك الثورات على الوجود العثماني في اليمن, إضافة إلى إبراز مدى أهمية تلك الحركتين الثوريتين في مواجهة النفوذ العثماني. أما بالنسبة للدراسات السابقة فلم يسبق أن استعرض بحثٌ تلك الثوريتين بشكل مستقل, باستثناء ما ورد في المصادر والمراجع التي تناولت تاريخ اليمن الحديث والمعاصر, إضافة إلى أن هذه الدراسة تعرضت لمدى فاعلية الثورات المناهضة للوجود العثماني في اليمن.
تم تقسيم البحث إلى مقدمة وتمهيد ومبحثين. تناول التمهيد الظروف التاريخية التي مهدت لقيام تلك الثورات, وتناول المبحث الأول ثورة الإمام يحيى وحصار صنعاء 1910, وتناول المبحث الثاني ثورة محمد بن علي الإدريسي في عسير1911م, وتناولت خاتمة البحث أبرز النتئج التي توصلت إليها الباحثة, وأخيرًا قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمد عليها البحث.
تمهيد:
لم تفد الجهود التي بذلتها الدولة العثمانية للصلح في ولاية اليمن, فسرعان ما استؤنفت الأعمال العسكرية بعد سنتين من إعلان الدستور العثماني عام 1908، وربما قبل ذلك بقليل([2]). فمنذ أن استتب الأمر للاتحاديين وسيطرة أفكار المركزية والتتريك والإخضاع على عقليتهم قبل الإصلاح، إلى جانب توالي الهزائم السياسية والعسكرية في الولايات الأوروبية، الأمر الذي أكد للاتحاديين ضرورة تقوية نفوذهم في الولايات العربية والقضاء على أي اضطراب قد يحصل فيها([3]), وأعلن الوالي العثماني طلعت بك عن سياسة الحزم والعنف, وسحبه لمشروع اليمن الإصلاحي، حتى أصبحت اليمن مسرحًا لحروب وانتفاضات جديدة بزعامة كل من الإمام يحيى في إقليم الجبال، والشريف محمد الإدريسي([4]) في تهامة عسير([5]).
تمثلت بداية التحول في سياسة الاتحاديين تجاه اليمن بعزل الوالي حسين تحسين باشا في عام 1910م وتعيين كامل بك متصرف تعز، فظلم وأمعن في الظلم, ولم يبقَ في منصبه سوى ثلاثة أشهر، فعين بدلًا عنه محمد علي باشا في مارس 1910م واليًا وقائدًا للفيلق السابع للقضاء على الاضطراب والقيام بالإصلاحات اللازمة مزودًا بصلاحيات واسعة في العزل والتعيين([6]). وقد قيل إن الوالي كان من الاتحاديين المتطرفين، ويؤمن بسياسة خاصة في الحكم تقوم على العنف والشدة في قمع كل اضطراب يحدث، لذا قرر القضاء معنويًا وماديًا على نفوذ الإمام يحيى حميد الدين (1904-1948) والإدريسي وإقرار الأمور في الولاية مهما كلف الأمر([7]), فكان خشن الطباع، وعمل على حبس كل من له أدنى علاقة بالإمام, وأشهر عدائه للإدريسي واعتدى على أتباعه من علماء الدين([8]).
إزاء ذلك بدأ الصراع بين هذه الأطراف متدرجًا من التراشق بالتهم إلى نشوب المعارك العنيفة التي راح ضحيتها الكثير من الأنفس والأموال، اتهم الوالي كل من الإمام يحيى والإدريسي بالتمرد على الدولة والخروج عن الإسلام، في حين اتهم الإمام والإدريسي الدولة بعدم الوفاء بالعهود, والتشكي من ظلم الوالي وفساد الموظفين، علمًا أن الإمام يحيى والشريف الإدريسي لم يكونا متصلبين في مواقفهما، بل كانا مستعدين للصلح إذا ما توافر حسن النية لدى المسؤولين العثمانيين، لكن فشل السبل السلمية دفعهم لمناهضة الحكومة والخروج عليها([9]).
المبحث الأول: ثورة الإمام يحيى وحصار صنعاء عام 1910م:
انطلق الإمام يحيى بثورته مستغلًا ما في صدور اليمنيين من رغبة في التخلص من السيطرة العثمانية، فقد هيَّأ له موقع اليمن الجغرافي أمر الحصول على السلاح بسهولة عن طريق التهريب بحرًا([10]), كما ساعدته الظروف الصعبة التي كانت تواجهها حكومة الاتحاديين على إعلان ثورته، فمع نهاية عام 1909 وبداية عام 1910 وجد العثمانيون أنفسهم أمام ثورات عنيفة نشبت في معظم الولايات العثمانية([11]) لتجد الثورة اليمنية المناخ المناسب لانطلاقها.
وكانت الخطوة الأولى التي شرع بها الإمام، إصداره نداء إلى القبائل لينضموا إليه([12]), فالتف حوله أشراف القوم وشيوخ القبائل التواقين للقتال([13]), وقد أعلن الإمام ثورته في شهر كانون الثاني 1910، فقطعت أسلاك التلغراف بين صنعاء والحديدة([14])؛ بهدف التأثير على الخطط العسكرية العثمانية. وسرعان ما انتشرت الثورة في أنحاء الولاية وأخذت المواقع الدموية تقع بين الثوار والحاميات العثمانية التي توالت عليها الهزائم وفقدت الكثير من أسلحتها وعتادها.
لم تقف حكومة الاتحاديين مكتوفة الأيدي أمام هذه التطورات الخطيرة بل سعت لاتخاذ عدة إجراءات واستعدادات عسكرية لتلافي الخطر منذ أن أحست بعلامات التوتر والاضطراب الحاصلة في اليمن، فأدرجت في ميزانيتها لعام 1910م مبلغًا كبيرًا من المال لشراء (24 زورق حربي) لخفر سواحل اليمن، كما وعدت بإرسال (48 زورق حربي ) آخر إلى تلك السواحل لمنع تهريب السلاح([15])، وعمدت الحكومة العثمانية إلى تقوية الروح المعنوية للقوات المتوجهة إلى اليمن بشتى الأساليب كرفع المرتبات والترقيات قبل رحيلهم إلى هناك، لضمان حسن قيامهم بواجبهم في تلك الولاية البعيدة الثائرة([16]).
سارعت حكومة الاتحاديين لتلبية طلب الوالي بإرسال الإمدادات من الجنود والمعدات، وإزاء تفاقم الاضطراب وانعدام الأمن عزمت حكومة الاتحاديين على إعلان الأحكام العرفية في اليمن([17]), كما اضطرت حيال الوقائع الدامية بين الجنود والثوار إلى سحب بعض القوات من ألبانيا التي كانت تعيش هي الأخرى ثورة عارمة، كما سحبت من طرابلس الغرب التي تتعرض للهجمات الإيطالية، بل إنها لم تكتفِ بهذه القوات، بل سحبت البقية الباقية من جندها النظاميين في طرابلس الغرب([18]) الذين كان يتراوح عددهم بين (15-20) ألف جندي؛ الأمر الذي أثر سلبًا على الوضع في طرابلس الغرب التي كانت تواجه الغزو الإيطالي، ثم ضمت إليهم ثلاثة أفواج من الإستانة علاوة على الاحتياطي الذي دعته للخدمة من ألبانيا بما يقارب مجموعة (35 طابور) أزمعت إرسالها إلى اليمن([19]).
أما فيما يخص خطة الثورة التي وضعها الإمام وأتباعه فكانت خطة عسكرية محكمة، مفادها القيام بحركة تطويق كبيرة لصنعاء التي إذا ما تمت السيطرة عليها انهارت بقية الحاميات والوحدات العسكرية المنتشرة([20]), لكن هذه الخطة لن تنجح إلا إذا فتحت أكثر من جبهة وميدان بوجه القوات العثمانية؛ لضمان عدم وصول الإمدادات وقطع الاتصالات وإضعاف الحاميات القوية المحيطة بالمدينة([21]), وعلى هذا الأساس فتحت خمسة ميادين وهي كالآتي:
- ميدان يريم: تمثل يريم([22]) مركزًا عسكريًا تقيم فيه إحدى الحاميات العثمانية،لذا رأى الإمام تجريد جيش إليها؛ ليشغل حاميتها في كل من ذمار ورداع([23]) ويريم، ويحول دون وصول النجدة من مدينتي إب وتعز وملحقاتها([24]). تقدم الثوار بقيادة عبدالله بن إبراهيم وعبدالله بن محمد الضمين متوجهين نحو المراكز العثمانية العسكرية في يريم، فدارت معارك في خودان([25])، وأخرى في عراس من بلاد يريم، تغلب فيها الجند الإمامي على الباطنية([26]) المناصرة للعثمانيين حتى وصل الثوار إلى يريم حيث تحصنت القوات العثمانية، وبعد حصار وقتال مستمر استولى الثوار على المدينة بعد أن تخلت عنها الحامية العثمانية([27]). إلا أن الأمر لم يخل من الأذى والخراب الذي أصاب المدينة على يد قبائل (ذو محمد) و(ذو حسن) من قبائل بكيل([28]) التي قامت بمهمة الحصار فكانت كما وصفها المؤرخ بيري: ((إنها تطمع بالنهب والحصول على الغنائم لذا من الصعب الاحتفاظ بهم في المعركة إذا لم تكن الغنيمة على حسب ما يعتقدون، وهم يصارحون الإمام بذلك مع أنه قائدهم الديني والدنيوي ويقاتلون باسمه، فعندما تستولي فئة منها على ما تبتغيه من الغنائم نجدها تعود بسرعة من حيث أتت))([29]).
- ميدان حراز: لهذا الميدان أهميته، فبالسيطرة عليه يمكن قطع الطريق بوجه من يأتي من الحديدة وتهامة فضلًا عن الحامية العثمانية الموجودة فيها والتي لا يستهان بقوتها. كما كان هناك جماعة من الباطنية المتحمسة لنصرة العثمانيين والدفاع عنهم والقضاء عليهم أمر ضروري، كما أن قطع طريق الإمدادات بين صنعاء والحديدة في هذه المنطقة الجبلية أيسر على الثوار من أي منطقة أخرى لخبرتهم في حرب الجبال([30]). قاد الجند الإمامي في هذا الميدان أربعة من خيرة رجال الحروب توزعوا على أقسام بلاد حراز([31]), إلى أن تجمعوا عند جبال حراز لتسلقها من جوانب متعددة وفقًا للخطة المرسومة، وأخذت الانتصارات تتوالى على الثوار، فاستولوا على عزلة بني خطاب وعزلة حصبان وقراهم، وواصلوا التقدم حتى أدركوا مناخة وفرضوا الحصار عليها وحالوا بينها وبين أجزاء البلاد الأخرى([32]), ثم توجهوا نحو الشرق من بلاد الحيمة الداخلية غربي صنعاء معقل الباطنية وحصونهم المنيعة، واستولوا في هذا الميدان على لهابوهوازن من بلاد حراز, ثم سعوا لإحكام السيطرة على الطريق بين صنعاء والحديدة، وإشغال القوة المرابطة في مناخة حتى استسلمت لهم الحاميات العثمانية في هذه المناطق([33]).
- ميدان حجة: جُرِّدَ جيش إلى هذه الجهات لقتال القوات المبعثرة هناك، وللحيلولة دون ما قد يتسرب من منافذ تهامة إلى حجة وما ورائها، وتولى قيادة هذا الجيش يحيى بن ناصر بن شيبان، وقد اتسع القتال في هذه المناطق وتعددت المعارك واشتدت المقاومة وسقط المضمار وعزل كثير من بلاد حجة، ودارت معركة شديدة في الظفير شمالي مدينة حجة([34]), وقع فيها الكثير من الجنود العثمانيين في الأسر، وبعد اشتداد الحرب خضعت البلاد لجيش الإمام، وقدم مشايخ المنطقة ولائهم للإمام([35]).
- ميدان عمران: فتح هذا الميدان في عمران وشبام وكوكبان لمضايقة القوات العثمانية في هذه المناطق، فهاجم الثوار مدينة عمران وحاصروا من فيها، وجرت معارك شديدة في هذا الميدان، وانهزم العثمانيون في جميع مواقعها([36]).
- ميدان صنعاء: هو الميدان الذي تاقت القبائل إلى القتال فيه وانتشرت لأجله في أنحاء البلاد([37]), وأسندت القيادة فيه إلى الزعيم أحمد بن قاسم حميد الدين([38]), وخرج الإمام يحيى بنفسه على رأس جيش منطلق من حصنه الشمالي في تهامة على ما يقارب 150,000 رجل من القبائل([39]) وحوالي سبعين قطعة من السلاح, وفرض على صنعاء حصارًا استمر ثلاثة أشهر([40]), من بداية يناير حتى بداية إبريل 1911م([41]). وكان عدد المحاصرين يتراوح بين عشرة آلاف وخمسين ألف مقاتل (عدد تقريبي). ولو هجم الثوار على المدينة بغتة لتيسر لهم فتحها عنوة؛ لأن حاميتها كانت مؤلفة من خمسة آلاف من المشاة وبعض الفرسان، ونحو ثلاثين مدفعًا التي لم يكن في استطاعتها الدفاع عن السور المحيط بالمدينة، علمًا أن عددًا من الجنود العثمانيين ــ ومعظمهم من العرب ــ قد هربوا من طوابيرهم وانضموا إلى الثوار([42]), وقد زاد من وطأة الثوار الحصار على أهالي صنعاء، والسياسة القاسية التي اتبعها الوالي محمد علي باشا تجاههم، فلاقوا الكثير من الخوف والقمع والجوع([43]), وقد جرت في هذا الميدان معارك عدة واشتد القتال وتحمس الثوار في منازلة العثمـانيين وسيطروا على الطرق من كل جهة، وقطعوا الإمدادات وحالوا بين صنعاء والبلاد الأخرى, وأصر الإمام علي على عدم الهجوم على صنعاء حفاظًا على أرواح أهلها، متوقعًا استسلام الحامية قريبًا، مقدرًا بعد الانتصارات التي حققها الثوار أن أي نجدة أو إمدادات ستأتي للحامية ستستغرق وقتًا طويلًا ستنفد معه المؤن والذخيرة قبل وصولها فتضطر الحامية للاستسلام([44]). ورغم أن الحامية العثمانية قابلت هجمات الثوار الشرسة بكل قوة ورباطة جأش، إلى جانب محاولات الوالي فك الحصار بخروجه بين الحين والآخر والاشتباك مع الثوار؛ إلا أن الهزيمة كانت حليفه على الدوام([45]), وفضلًا عن التموين والتجهيز الكامل الذي كانت المدينة مجهزة به إلا أن طول الحصار والهزائم المتكررة والخوف والجوع الذي أصاب الحامية والأهالي كلها كانت عوامل إضعاف للحامية العثمانية وتطويقًا لحركاتها يومًا بعد يوم، في حين كان موقف الثوار يزداد قوة وخطواتهم تزداد تقدمًا فأخذت التلغرافات تتوالى على الباب العالي تطلب بإلحاح إرسال النجدات العسكرية لإنقاذ الحامية المحاصرة([46]).
– حملة عزت باشا:
رغم المصاعب الجسيمة التي كانت تتعرض لها الدولة العثمانية وقتئذٍ، اضطرت أمام الوضع الملتهب في اليمن إلى القيام باستعدادات عسكرية ضخمة لإخماد ثورتها بأي ثمن؛خوفًا من أن تنتقل عدوى الثورة إلى الولايات المجاورة، كون الولايات العربية مركز ثقل الدولة وقوتها([47]), رغم إدراك الحكومة بأن اتخاذ مثل هذه الخطوة سيتطلب سحب بعض القوات من إحدى الولايات مما سيضعف نفوذ الدولة فيها، علمًا أن مسألة اليمن لم تكن تحتاج إلى كل هذا المجهود الحربي بل تحتاج بالدرجة الأولى إلى الالتقاء مع الواقع اليمني عن طريق التفاهم مع الإمام([48]). إلا أن خليل بك وزير الداخلية صمم على إنهاء الاستعصاء المزمن في اليمن بالقوة دون مبالاة لما ستتكلفه الدولة في سبيل ذلك من أعباء كبيرة([49]), مصغيًا إلى اقتراح وزير الحربية محمود شوكت باشا بإرسال (60000 رجلًا) إلى اليمن متجاوزًا معارضة مجلس المبعوثان على الاقتراح. وتم بالفعل إرسال حملة ضخمة إلى اليمن، باركها الوزير محمد شوكت باشا بخطبة حث فيها الجنود على الصمود والبسالة ونبل المهمة التي سيقومون بها. تولى قيادة الحملة في البداية المشير عبد الله إلا أنه توفي في طريقه من الحجاز إلى اليمن على إثر النزلات الصدرية التي كانت تصيبه، فعين الباب العالي بدلًا عنه أحمد عزت باشا([50]) مزودًا بصلاحيات واسعة تتيح له العمل بحرية من تولية وعزل ومحاكمات وإجراء الإصلاحات اللازمة،واختيرت له هيئة ممتازة من ضباط أركان الحرب كان على رأسها عصمت باشا وسليم الجزائري([51]) وعزيز علي المصري الذي أبدى رغبة شديدة لمرافقة الحملة([52]).
وقبل الدخول في تفاصيل الحملة ومجريات معاركها يجدر بنا إلقاء الضوء إلى محاولة جانبية سعت حكومة الاتحاديين إلى القيام بها للتخلص من خلالها من الإمام يحيى متيقنًا من أن الخلاص منه سينهي الثورة ويوقف القتال, فقد حاول الاتحاديون زحزحة الإمام يحيى عن كرسي الخلافة وتنصيب إمام زيدي آخر متعاون معهم، فوقع الاختيار على (علي صالح الضحياني)([53]) وهو من عائلة منافسة على الإمامة، فجرى الاتصال بعد أن أرسل الضحياني وفدًا إلى استانبول، فدخل الوفد في مفاوضات مع رجال الحكومة، واتفقوا على خطة حربية مفادها، أن الإمام يحيى عندما كان يغلب على أمره يلتجئ إلى جبال شهارة، ولهذه الجبال مضيقان أحدهما من صنعاء والثاني بعيد عنها، فقرروا أن يجهزوا جيشًا يبقى معظمه في صنعاء ويرسل بعضًا منه إلى المضيق الثاني بحجة تأديب إحدى القبائل الثائرة، وإذا ما تمكنوا من المضيق يحتفظ به الضحياني ريثما يأتي باقي الجيش فيزحف على الإمام من المضيق الأول فيغلق المضيقان فلا يمكن لأي جيش اختراقهما، لكن لحسن حظ الإمام أن الضابط اليمني أحمد مجاهد كشف خطتهم للإمام بعد أن تدخل بينهم بحجة أنه مترجم الوفد، وأرسل للإمام يخبره بما يدبر ضده، فهجم الإمام على معاقل الضحياني واستولى عليها وغنم ما لديه من العتاد والذخائر، ولما علم عزت باشا بفشل الخطة عزم على مواصلة القتال ومواجهة الإمام([54]).
أُرسل مع عزت باشا عشرات الطوابير تنقلها البواخر ومعها نسافة وطرادة([55]), فنزلت الحملة في الحديدة في فبراير 1911م, وما إن وطئت أقدام عزت باشا الحديدة حتى وجد أمامه سلسلة من المعارك كان عليه خوضها قبل أن يتسنى له الوصول إلى صنعاء وفك حصارها، فكانت البداية مع الإدريسي الذي سببت قواته المتاعب الكثيرة للحملة من قطع مياه الشرب وأسلاك التلغراف عن المدن والقرى التي تنزل فيها القوات العثمانية، وكان أشد المعارك (معركة جيزان) التي تكبدت فيها القوات العثمانية الكثير من الخسائر, وكانت هذه المواجهة من الإدريسي تأكيدًا على ثبات موقفها المساند للإمام يحيى([56]), وقد أثيرت هذه الهزيمة في مجلس المبعوثان حيث استجوب النواب خليل بك عن سبب الانكسار الذي حل بالجنود العثمانيين، فأجاب في كلام مختصر أنهم وقعوا في كمين نصبه لهم ثوار اليمن. وقدرت الخسارة بما يقارب 28 ألف جندي بين قتيل وجريح وأسير([57]).
ورغم هذه الهزيمة تمكن عزت باشا من تجميع قواته في الحديدة والزحف إلى داخل اليمن قاصدًا صنعاء لفك حصارها، ولم يكن الطريق سهلًا ومفتوحًا أمام القوات العثمانية بل واجه عبره مقاومة عنيفة ومستمرة من القبائل اليمنية([58]) المحاصرة لصنعاء في منتصف فبراير 1911م لملاقاة عزت باشا، في الوقت الذي ظل القسم الأكبر من القبائل محاصرًا لصنعاء([59]), فما إن وصل عزت باشا بلدة مقحف غربي صنعاءحتى خاض معركة عنيفة قدرت فيها قوة الثوار بثلاثة آلاف محارب,وخاض أخرى في بيت السلامي من قرى الحيمة, وقدر فيها عدد الثوار بعشرة آلاف محارب, وتبعتها معركة في قملان من قرى الحيمة, كان فيها الثوار 800 محارب قتل منهم خمسون تقريبًا وجرح الكثيرون، واضطر الجيش العثماني أمام ضراوة المقاومة إلى الانسحاب ليلًا. وفي رأس عصر بضواحي صنعاءدامت المناوشة ساعتين قتل فيها من العثمانيين اثنان وجرح ثلاثة فقط. وقد قاتل الطرفان ببسالة وتفانٍ إلى درجة أن عزت باشا امتدح شجاعة الثوار وقدرتهم القتالية، وقال فيهم: (( لو كان للدولة العثمانية ألف رجل من هذه الرجال لأخذنا أوربا بأسرها ))([60]). وأمام تقدم القوات العثمانية اضطر الإمام يحيى إلى اتباع الطريقة التقليدية في الحرب عند أهل اليمن إذا ما أحسوا بقوة عدوهم انسحبوا وتراجعوا أمام القوات الزاحفة إلى معاقلهم في الهضبة وبالأخص الشمالية، لذا لم يلاقِ عزت باشا مقاومة تذكر في أثناء زحفه نحو صنعاء, كما عمل الإمام يحيى على تقوية تبعية القبائل له، مستغلًا إخلاصهم المذهبي للإمام يحيى، وطبيعتهم القبلية من حيث طمعهم بالغنائم ورغبتهم القوية في التخلص من السيطرة العثمانية([61]), فضلًا عن أنه كان باستمرار يعمق صلته برؤساء هذه القبائل من رسائله وخطاباته التي أخذت تزداد بعد مجيء عزت باشا لإشعار القبائل أن الإمام لا يزال في مركز القوة([62]).
وتجدر بنا الإشارة إلى نوع جديد من المقاومة لجأ إليه الثوار، وهو عمليات تلغيم ونسف البيوت والمراكز التركية بالبارود، وكان يقوم بهذه العمليات جماعات فدائية سماها المؤرخون (جماعات خفية من اليمنية)([63]).
وقد استمرت الحملة في طريقها تواجه مقاومة تتفاوت في قوتها وطبيعة هجماتها([64]), حتى تمكنت القوات العثمانية في نهاية شهر مارس 1911م من إخراج القبائل اليمنية من مناخة، ووصلت مقدمة الجيش إلى سوق الخميس، وكان يعني هذا قرب رفع الحصار عن صنعاء، وفي هذا الوقت أظهر الوالي المحاصر في صنعاء محمد علي باشا نشاطًا مفاجئًا تسهيلًا لتقدم جيش النجدة, واشتدت وطأة الحرب في هذه المرحلة، وفي صباح 5 إبريل 1911م تركت القبائل اليمنية مراكزها حول صنعاء وانسحبت نحو الشمال بعد أن اقتنعت بعدم جدوى المقاومة، كما طلب الكثير من مشايخ العشائر الثائرة وأشرافها الأمان من الحكومة العثمانية والدخول في طاعتها مثل (بني حمدان) و(بني حارث)، وأعلن عزت باشا لبقية القبائل فرصة خمسة أيام للدخول في الطاعة سلمًا([65]).
وهكذا تمكن عزت باشا من دخول صنعاء على رأس جيشه في مساء اليوم نفسه، واستقبله الأهالي استقبال القائد المنتصر بكل فرح وابتهاج لانتهاء الحصار عن مدينتهم([66]), ولم يكن استقبالهم للقائد العثماني ضعفًا في وطنيتهم أو في إخلاصهم لقضيتهم، بل لخوفهم من انتقام القبائل إذا ما دخلوا المدينة الذين ظنوا بتعاون الأهالي مع العثمانيين، لاسيما وأن الأئمة كانوا يسمحون للقبائل المحاربة باستباحة المدينة لفترة من الزمن كمكافئة على تعاونهم؛ الأمر الذي يعرض المدينة للخراب والدمار([67]).
أما في ميادين الحرب الأخرى، فقد توجه سعيد باشا إلى ميدان حجة واستعادها بحملة قادها من تهامة وانسحب الثوار من جبهة يريم، وتراجعت جميع الجند الإمامية إلى الجبال الشمالية، واستقر القادة مع الإمام في مركزه في خمر([68]).
مما سبق يتضح أن عزت باشا استطاع أن يؤكد نفوذ الدولة في الساحل لاسيما في الحديدة وعلى المدن والمراكز الواقعة على الطريق من الحديدة إلى صنعاء، إلا أن الإمام كان لا يزال له النفوذ الأكبر والأوسع على الهضبة سيما في الشمال، فضلًا عن خطر الإدريسي في عسير([69]), لاسيما بعد فشل محمد علي باشا في حملته التي قادها بعد دخول عزت باشا إلى صنعاء لمطاردة الثوار في الشمال الغربي([70]).
لذا لم يعد أمام عزت باشا لتوطيد النفوذ العثماني في اليمن سوى أن يسلك أحد الطريقين: إما أن يواصل الحرب بأي ثمن لإخضاع الثورة بالقوة مع ما تكلفه من استعدادات ضخمة ومجهود كبير، وإما أن يكون أكثر واقعية فيفكر في الاتفاق مع الإمام وينظر في الاستجابة لمطالب الشعب اليمني, فكانت أخطر جبهة فتحت بوجه السلطة العثمانية طيلة فترة وجودها في ولاية اليمن، فما إن أعلن الإمام يحيى ثورته على العثمانيين في عام 1910م حتى حذا الإدريسي حذوه في إعلان الثورة ضدهم في عسير([71]).
المبحث الثاني: ثورة محمد بن علي الإدريسي في عسير 1910م:
قبل الخوض في تفاصيل ثورات الإمام الإدريسي، يجدر بنا إلقاء الضوء على الظروف التي ظهرت فيها شخصية الإدريسي، والعوامل التي ساعدت على تكوينها، ودفعت الإمام لتوحيد الجهود معه. مَثَّل محمد الإدريسي الجيل الثالث من أدارسة عسير،فكان الأكثر طموحًا ومقدرة من أسلافه على استثمار المكانة الدينية لأسرته لتكون واحدة من الأسر المتنفذة في الجزيرة العربية (انطونيوس، 1966، ص202).
وقد أعانت الإدريسي مجموعة عوامل وظروف حفزت تطلعاته نحو السلطة وخوض غمار السياسة، فكان الإرث الديني لأسرته الأساس الذي انطلق منها ولتصقل الرحلات الكثيرة التي قام بها داخل وخارج الجزيرة أفكاره ووسعت من آفاقها، فضلًا عن الظروف السياسية العامة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية وانعكاسها على سياستها تجاه ولاياتها وما تركه ذلك من أثر على شخصية الإدريسي، لكن العامل الأهم والأكثر تأثيرًا على مسيرة الإدريسي هو الدعم الإيطالي الذي قوَّى موقفه وزاده ثباتًا([72]).
لقد ركزت الدبلوماسية الإيطالية على الإدريسي بوصفه الشخص المناسب القادر على فتح جبهة عسكرية بوجه العثمانيين في الجزيرة العربية، لاسيما وأن بوادر غزوها لطرابلس الغرب كانت تلوح في الأفق([73]) وكان لهذا الاختيار مبرراته التي لخصها انريكو انسباتو([74]) في إحدى رسائله إلى رئيس الوزراء الإيطالي جيوفاني جيوليتي (1903-1905م)([75]) جاء فيها أن المهدي الإدريسي يتمتع بنفوذ كبير في جميع أراضي الجزيرة العربية الجنوبية، ويمكن أن يتحول إلى صديق مخلص لنا, وإذا ما استمر العثمانيون في مسلكهم فسينتهي الأمر بثورة المهدي عليهم، وعندئذ ستقع كل المنطقة في أيدي الإنكليز الذين ما انفكوا يذكون النار, وأن إيطاليا تستطيع أن تكتسب مركزًا ممتازًا في تلك المناطق فيما إذا عرفت كيف تستفيد من الصداقة والود([76]).
بدأ الاتصال الإيطالي بالإدريسي عام 1905م في أثناء إقامته في مصر عن طريق محمد علي العلوي (المترجم في دار المفوضية الإيطالية في القاهرة)، فأقام علاقة صداقة وثيقة مع الإدريسي([77]), موهمًا إياه أنه من أتباع طريقة جده ([78])، فوصل الإدريسي ببعض المسؤولين الإيطاليين في إريتريا([79]), مستغلًا عواطفه المتألمة لما آلت إليه بلاده ونوازعه القوية نحو السلطة والنفوذ([80])، حيث نظر الإدريسي إلى الإيطاليين كوسائل للإرادة الإلهية، واصفًا العثمانيين بـ (الكلاب الكافرة )، متهما إياهم بإدخال (مقدسات جديدة) كالمدنية والتقدم وما إلى ذلك([81]). وقد استغلت إيطاليا موقف الإدريسي لصالحها من خلال تغذية طموحه وإيصاله إلى حد الثورة على الأوضاع، فأخذت تمدُّه بالمال والسلاحالذي كان يصله من مصوع بوساطة التجار محمد سالم المصوعي وطاهر الشنيتي إلى مرسى قوز الجعافرة القريب من صبيا([82]).
عاد الإدريسي إلى صبيا عام 1907م([83]), وأقام في جوار مرقد جده([84]), وقد سلك في البداية مسلكًا دينيًّا خالصًا، نجح من خلاله في جذب عقول وقلوب الأهالي، مستغلًا معاناتهم من سياسة العثمانيين([85]), فوجد الأهالي ضالتهم في الإدريسي الذي استوفى الشروط التاريخية والقيادية التي يصبون إليها، فألحُّوا عليه أن يتولَّى أمورهم ويقيم أحكام الشريعة بينهم، فتردد وأبى وقال إنه جاء مرشدًا ومعلمًا مخبئًا في نفسه الهدف الكبير الذي جاء من أجله([86]), فأخذ بمد نفوذه تدريجيًا([87]).
فاستمال الأهالي إلى جانبه وجمعهم حوله، وأخذ بتطبيق أحكام الشريعة بينهم بدون محاباة ولا مراعاة، وأدرك بأن سر قوته سيكون بالتفاف القبائل اليمنية حوله، فكان كما وصفه المؤرخ بيري: (الإدريسي خير من يعرف الروح القبلية، فهو يعرف أنه لا يمكن ربط القبائل اليمنية بفكرة مجردة لمدة طويلة، فطبيعتهم الجبلية تفرض عليهم نقص القدرة على التحمس لفكرة جامدة باستمرار، رغم أنهم يستطيعون الحرب في أي وقت لغرض ما يتعلقون به، لذلك كله لم يجعل لحركته طابعًا دينيًّا فحسب بل طبعها بالواقعية أيضًا…)([88]).
اعتمد الإدريسي على الزكاة التي كان يحصل عليها من أتباعه، وثروته التي ورثها عن أبيه في تقديم الهدايا والمساعدات المالية للمشايخ ورؤساء القبائل، ولاسيما الذين لم يكونوا على علاقة حسنة مع العثمانيين([89]).
ثم التفت إلى المسألة الأكثر أهمية وهي الحروب والنزاعات القائمة بين قبائل عسير, لاسيما النزاع المستشري بين قبائل صبيا وقبائل الجعافرة المسيطرة على قوز الجعافرة المرسى الطبيعي لصبيا والذي يمثل الطريق الحيوي لمشروع الإدريسي في إيصال الأسلحة والمساعدات الايطالية من مصوع([90]), فارتفعت مكانته واتسعت دائرة نفوذه بعد أن نجح في إبرام الصلح بين هذه القبائل([91]). وقد أثارت النجاحات العظيمة التي حققها الإدريسي غيض الكثير من الخصوم والمعارضين أمثال محمد شريف الخواجي([92])، فتمكن من القضاء على معارضتهم وكسر شوكتهم([93]), فانهالت الوفود على الإدريسي من داخل البلاد وخارجها, وأخذت القبائل ومشايخها يعلنون البيعة للإدريسي وإذا ما تأخر البعض خرج عليهم بقوة تخضعهم وتأخذ منهم الرهائن لضمان ولائهم([94]). وامتد نفوذ الإدريسي شمالًا وجنوبًا خارج حدود عسير والمخلاف السليماني([95]), حتى إن بعض القبائل المنتشرة حول صعدة أعلنت تبعيتها للإدريسي ومبايعتها له، الأمر الذي أخاف الإمام يحيى واضطره للتحالف مع الإدريسي لما بلغه من القوة وسعة النفوذ([96]).
جرت في البداية المكاتبة والمهاداة بين الإمام والإدريسي، وطلب الأخير الإذن ببقائه في تلك الجهات للإرشاد والتعليم فأذن له الإمام، وأخذت الوفود تتوافد إليه([97]), وشجع الإمام الناس على اتباع الإدريسي فلم يكن لديه تصور آنذاك عن الأمر العظيم الذي يُحضِّر له الإدريسي، فقد كان الإمام يُعدّ عسير جزءًا لا يتجزأ من اليمن([98]) ورأى أنه من المفيد أن يرحب بالتحالف مع الإدريسي ليستفيد منه في حماية ظهره في عسير عند زحفه جنوبًا نحو صنعاء لقتال العثمانيين([99]), كما أمَّل الإمام أن يكون الإدريسي تابعًا له([100]), فأخذت المراسلة بين الاثنين طابعًا سياسيًا وعسكريًا، فما أن أحس الإمام بشدة الخطر عليه ورغبة الدولة في القضاء عليه حتى أوفد من قبله كل من أحمد بن يحيى عامر والأديب حسين العرشي للتفاهم مع الإدريسي الذي سرعان ما وافق على توحيد الصفوف في مقاومة العثمانيين بشروط لا يتخطاها أيٌّ من الفريقين حتى تحقق الغاية الموحدة([101]).
أ. موقف الدولة العثمانية من ثورة الإدريسي:
عندما نزل الإدريسي أول الأمر في جامع الحديدة، لم تهتم السلطات العثمانية بأمره كثيرًا بل عدته أحد الدعاة أو المتصوفين الذين سرعان ما يندثرون([102]), إلا أنها أخذت تترصد تحركاته بعد أن ساورتها الشكوك حول اتصالاته مع إيطاليا إلا أن الإدريسي استطاع أن يضلل تلك الشكوك بمسلكه الديني وعزلته الصوفية وبعده عن كل ما يمت للسياسة بصلة، لكنه ما إن استقر في صبيا حتى قام بدوره كاملًا([103]). وقد مثلت فترة ظهور الإدريسي فترة حرجة من حياة الاتحاديين السياسية؛ إذ دخلوا آنذاك في صراع حزبي وتنافس على الأغلبية الحاكمة مع الائتلافيين، فلم تكن أمور المخلاف وعسير ذات أهمية لتشغل بالهم([104]). لكن سرعان ما أخذت الأمور مأخذ الجد عندما أعلن الإدريسي نفسه مهديًا،فتحول إلى خطر حقيقي يهدد السيادة العثمانية، وأخذ أتباعه يتزايدون ليس في عسير فقط بل تعداه إلى أجزاء اليمن الأخرى([105]).
بادر والي اليمن حسن تحسين باشا إلى إصدار تبليغ وزع بين الأهالي صور فيه الإدريسي أنه كاذب وساحر يخدع الناس البسطاء([106]). كما سارعت الحكومة العثمانية إلى تعيين متصرف جديد لعسير وهو سليمان شفيق كمال باشا – لخبرته الواسعة في أحوال البلاد العربية – ليستكشف مقاصد الإدريسي وطبيعة حركته والتدابير اللازمة تجاهه، وقد تريث في اصطحاب قوة عسكرية ضخمة واكتفى باستكمال نواقص الفرق العسكرية الموجودة في عسير، وفضل في البدء الاتصال بزعماء البلاد ومشايخها, كما أنه ثبت عبدالله بن عائض في منصب نائب المتصرف للاستفادة من خبرته وعلاقاته, وسرعان ما اكتشف سليمان باشا مساعي الإدريسي في إثارة أهالي عسير ضد العثمانيين, وأنه يعمل على تنظيم نوع من الحكومة المستقلة على غرار حكومة الإمام يحيى فبادر سليمان باشا بإبلاغ السلطات العثمانية بخطورة الموقف وتطوراته([107]), في حين اتبع الإدريسي سياسة مزدوجة تجاه العثمانيين، فكان في الظاهر يؤكد ولاءه للدولة وحرصه على توطيد سيادتها في البلاد، وأن ما يصل إليها من تقارير عن نشاطاته التمردية، إنما هي دسائس وأكاذيب من الولاة والممثلين الحكوميين([108]) الذين اغتاظوا من محبة الناس له وطاعتهم لأوامره التي هي في الأساس أوامر لخدمة الباب العالي ورفع مكانته ولكن في الخفاء – وهي الحقيقة – كان الإدريسي يراقب اتساع نفوذه ويستعد للمواجهة وخوض الحرب, وما إن تهيأت له الظروف حتى كلف أحد أتباعه المخلصين وهو مصطفى الإدريسي([109]) للقيام بأولى العمليات العسكرية، فتمكن من احتلال منطقة حايل في عسير، والاستيلاء على المستودعات العسكرية فيها وقطع الاتصال بين أبها والساحل وأسر الحامية العثمانية (30 جندي) وأرسلهم إلى صبيا([110]).
وعلى إثر ذلك أذاع سليمان باشا منشورًا للأهالي ذكَّرهم فيه بمقام الدولة العثمانية وسلطانها الإسلامي وحرصها على رعاياها المسلمين وأن مخالفتها ستؤدي إلى استعمال القوة، كما كتب رسالة إلى الإدريسي بأسلوب يمتزج فيه الاحترام والتقدير مع التنبيه والتحذير، فأجابه الإدريسي – الذي نجح بهذه الحركة في إظهار قوته – أن ما حصل كان بغير علم منه، والذي جرى أن القبائل علمت بخبر سرية المدافع والرشاشات التي وصلت إلى البلاد فضنت أن هناك نية استعمال القوة ضدهم، وأنه قام بنصح القبائل بالسكينة والهدوء وتم ذلك بالفعل, وبعد هذه الحادثة وجد سليمان باشا أن موقفه قد أصبح مهتزًّا وحرجًا في مواجهة الإدريسي الذي شرع باستعمال القوة وبادر بالاعتداء، رغم إظهاره غير ذلك، لذا طلب سليمان باشا من الباب العالي تعزيزات لقواته على أن تنزل هذه القوات بالقرب من الإدريسي في جيزان لزعزعة موقفه, وقد أدركت الحكومة العثمانية صعوبة موقفها في عسير، وأن الأمر لا يمكن أن ينتهي بالمزيد من القوة، بل يتطلب الدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق مع الإدريسي للإحاطة بنواياها إذا كانت سيئة والاستفادة منها إذا كانت حسنة([111]). وبناءً على طلب سليمان باشا نزلت في 25 أكتوبر 1909م ــ لكن في القنفذة بدلًا من جيزان([112])ــ فرقة من (2000 جندي ) مزودة بالأسلحة والذخيرة بقيادة سعيد باشا قائدًا عسكريًا ورئيسًا للوفد التفاوضي وعضوية توفيق الأرناؤوطي (شيخ الطريقة الأحمدية في الإستانة)([113]).
وقد رغب الإدريسي بالدخول في مفاوضات مع العثمانيين كاتمًا في نفسه شكَّه في نواياهم([114]), وما إن وصل الوفد الفرعي برئاسة الأرناؤوطي حيث استقبله الإدريسي بحنكته السياسية ودهائه المعروف، فأكد أنه رجل من رعايا الدولة، وليس له مطمع في إمارة أو ملك، ولم يدفعه إلى ما قام به سوى غيرته الدينية، وأن الإهمال الذي تعانيه بلاده هو الذي أجبره على التدخل والإصلاح بين القبائل المتحاربة وإقرار الأمن، فأثر تأثيرًا بالغًا في الوفد ورئيسه([115])، وطلب منهم حضور سعيد باشا ليتأكد من صدق نواياها ورغبته في الوفاق، فوافق سعيد باشا ونزل مع قواته في الحفائر([116]). كما وصل أمر من وزارة الداخلية إلى سليمان باشا بالالتحاق بسعيد باشا وحضور المفاوضات. فخرج من أبها مضطرًا؛ لأنه على الأرجح كان يرغب بأن يكون وحده المسؤول عن المفاوضات، وأن بإمكانه الوصول إلى نتيجة مع الإدريسي دون توسيع الدائرة ودخول أطراف كثيرة؛ الأمر الذي يقوي شوكة الإدريسي وتبجحه بالشروط لاسيما بعد أن علم أن الإدريسي هو الذي طلب حضوره المفاوضات([117]). وقد وصل سعيد باشا صبيا في 4 ديسمبر 1909م([118]), واستدعى الإدريسي حوالي (4000 أو 5000 رجل مسلح) من القبائل لاستقبال المفاوضين ليظهروا تعظيمهم وطاعتهم للسلطان والدولة([119]), وليظهر قوته أمام الوفد. وبعد استكمال مراسيم الاستقبال اجتمع الجميع ودخلوا في مفاوضات للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، فانتهت المفاوضات بالاتفاق على بعض الأمور، وهي كالآتي([120]):
- أن يتعرف الإدريسي بالتبعية العثمانية وشرعيتها على المخلاف السليماني.
- أن يمنح الإدريسي رتبة (قائمقام) ويقوم كموظف عثماني بشؤون صبيا وما يتبعها من منطقة سامطة جنوبًا إلى وادي حلى شمالًا.
- يتعهد الإدريسي بمد الأسلاك البرقية عبر المخلاف السليماني بين اليمن والحجاز.
- أن يسمح الإدريسي للدولة بمراكز جمركية في موانئ المخلاف يديرها مأمورون حكوميون.
- تتعهد الحكومة بإلغاء الضرائب بناء على اقتراح الإدريسي وتكتفي بحاصلات الزكاة الشرعية للحبوب والمواشي، وينوب الإدريسي في الاستحصال مقابل أن يكون له الثلث لنفقات جيش وطني يشكل لإقرار الأمن الذي تعهد بإقراره في المخلاف.
وهي اتفاقية مرنة في صالح الإدريسي، فقد اعترفت الدولة به ضمنيًا وخولته السلطة وأثبتت شرعيتها([121]), وزاد تعيينه قائمقام في نفوذه السياسي والديني وأكسبه مقامًا عاليًا في نفوس القبائل([122]), في حين كان بإمكان سعيد باشا في هذه الفترة من أن يحتل صبيا ويستأصل خطر الإدريسي الذي لم يكن يتخطى نفوذه قائمقامية صبيا([123]), لكن هذه الاتفاقية زادت من قوته وسمحت له بتأليف جيش وطني([124]), بل إنه اعترض على وجود حامية عثمانية في القنفذة؛ لأن ذلك سيثير القبائل ويخل بالأمن، لكنه في الحقيقة لم يكن يريد تقييد سلطته. وعمل الإدريسي منذ ساعة عودته إلى صبيا على تنفيذ بنود الاتفاقية، فبعث نوابه إلى الجهات التابعة له، وقام بمضايقة موظفي الجمارك التي اشترطت الاتفاقية إرسالهم إلى المراكز الجمركية من أجل حجز الإدريسي في داخلية البلاد وقطع طريق الإمدادات من إيطاليا، لكن الإدريسي أثار عليهم القبائل فضيقوا عليهم ففروا عائدين([125]).
أما سليمان باشا فقد سلم نسخة من الاتفاقية وألزم على العمل مع الإدريسي لإقرار الأمن والاستقرار في البلاد([126]). في رأي سليمان باشا أن الاتفاقية زادت من خطر الإدريسي، فأخذ سليمان باشا على نفسه كشف هذه الحقيقة للدولة، فقرر القيام برحلة إلى مناطق عسير للوقوف على مجريات الأمور،فأدهشه ما وصل إليه الإدريسي من نفوذ، لكن رسائله إلى الباب العالي لم يُعار لها أهمية([127]), فاتخذ أسلوب آخر في الخفاء للقضاء على الإدريسي من خلال تدبير عدة محاولات لاغتياله لكنها باءت بالفشل, وحتى المساعي الدبلوماسية لم تنجح مع الإدريسي الذي رفض أي تنازل أو تثبيت للقوة العثمانية في البلاد([128]).
وإلى جانب محاولات سليمان باشا، كان هناك الخصم السابق للإدريسي وهو أحمد شريف الذي حكم عليه الإدريسي بقطع يديه، وبعد فترة من الاختفاء اتجه إلى الإستانة وأظهر للحكومة ما أصابه على يد الإدريسي، فأصدرت الحكومة أوامر الاستدعاء للتحقيق معه في قضية أحمد شريف، لكن الإدريسي رفض المثول للأوامر، فرأت الحكومة في هذا الرفض مبررًا لتجريد حملة لإرغامه على الانصياع لها بعد ما أظهر مخالفته الصارخة لاتفاقية الحفائر([129]).
جردت الدولة العثمانية حملة قوية بقيادة محمد راغب باشا، وأخذ القائد في مكاتبة الإدريسي ومفاوضته أول الأمر من دون نتيجة؛ لأن الإدريسي كان على علم تام بالحملة، فأخذ بتحشيد القبائل وانضم إليه الأمير حسن آل عائض وكيل المتصرف([130]), وقد استطاع الإدريسي وجيشه من محاصرة جيزان حيث الحملة العسكرية، التي بعد أن ضاق بها الحصار تمكنت من كسره وزحفت ببسالة نحو مواقع الجيش الإدريسي دون أن يجدوا أي مقاومة حتى وصلوا إلى مقربة منهم، فانهالت عليهم الضربات وهم في أرض مكشوفة يشرف عليها جيش الإدريسي من الروابي والمخابئ، وبعد خسائر فادحة (ألف قتيل) تراجعت القوات العثمانية إلى جيزان وتحصنوا فيها، لكن المفاجئة حصلت عندما أخذ الأسطول الإيطالي بقصف جيزان والمناطق فصدرت الأوامر بالانسحاب إلى منطقة القنفذة، فدخل الإدريسي إلى جيزان واستولى عليها([131]), ثم توجهت القبائل بقيادة مصطفى الإدريسي نحو أبها وفرضوا عليها الحصار في ذي القعدة من عام 1328هـ / 1910م، ولم يكن فيها سوى سليمان باشا وحامية صغيرة دافعت عن المدينة دفاعًا قل نظيره. وأما الحكومة العثمانية فقد أرسلت بعض قواتها من الحديدة إلى أبها لإنقاذ حاميتها لكنها فشلت, كما وصل تلغراف من قائمقام القنفذة إلى سليمان باشا يخبره بوصول عزت باشا للقضاء على ثورة الإمام يحيى، وأن الشريف حسين متوجه بقوة عسكرية إلى عسير([132]).
ب- حملة الشريف حسين بن علي:
اكتشفت الحكومة العثمانية أمام تعاظم خطر الإدريسي أنها غير قادرة على القضاء عليه، وأن من الضروري إدخال طرف ثالث تكون له القدرة والرغبة الفعلية للقيام بهذه المهمة، فوقع الاختيار على الشريف حسين شريف مكة، ولم يكن اختيارًا سطحيًا بل مبنيًا على عدة أمور([133]). فبالرغم من أن الشريف كان ينظر إلى الإدريسي في بداية ظهوره نظرة تجاهل واستخفاف، وأنه (حديث نعمة)، وأن أمره سينتهي سريعًا([134])، لكن الأيام أثبتت عكس ظنه، بعد أن توجه مصطفى الإدريسي إلى جهات قبائل عسير الخاضعة لأشراف الحجاز([135])، فأخضع قبيلتي (غامد وزهران) التابعتين في الأمور القضائية لشريف مكة، كما شرع في جمع الزكاة من قبيلة (ليث) التي هي جزء من الحجاز، لكن سرعان ما تراجع الإدريسي أمام نفوذ الشريف الذي لم يكن مستعدًّا له([136])، لكن الاعتداء حصل وهو أمر لا يغفره الشريف([137]).
وفي الوقت نفسه وجد الشريف حسين بهذا الاعتداء فرصته الذهبية لتوسيع نفوذه تجاه عسير، وكسب ثقة الحكومة العثمانية وتبديد شكوكها حوله([138]), فأخذ الشريف على إثر ذلك يبرق للحكومة في استانبول عن تعدي الإدريسي على مناطق نفوذه، وأن هذا الأمر سيؤدي إلى فتنة في الجزيرة العربية, فتعززت ثقة الحكومة بالشريف وأصدرت له أوامرها بالسير لقتال الإدريسي وفك الحصار عن أبها([139]). استجاب الشريف لأوامر الباب العالي، وبدأ يعمل بالتنسيق مع العثمانيين، وقد غادرت الحملة من مكة في إبريل 1911م مؤلفة من (5000) رجل من قبيلتي عقيل وبيشا، والجندرمة، و(150 من البدو الهجانة )، واستأجروا (1500 جمل) للحمولة مع رجالهم المسلحين على أن يأتيه مدد إضافي في القنفذة، يرافقه ولداه الأمير فيصل والأمير عبد الله([140])، وما إن وصلت الحملة حدود القنفذة في 13 مايو 1911م حتى تحرك الجيش العثماني المرابط بقيادة نشأت باشا، والتقيا في (وادي العين )، وتقدما إلى منطقة (قوزابي العير)([141])، وتوافد الكثير من القبائل وأعلنت طاعتها للشريف إلا قبيلة خرشان التي كان زعيمها ابن خرشان قائدًا للإدريسي في القوز ومعه عشائر تهامة([142]), فسار الأمير عبدالله برفقة أخيه الأمير فيصل وبصحبتهما 200خيال و( 1000 من الهجانة ) مع ثلاثة طوابير نظامية ومدفعية، وأصيب في البداية بهزيمة كبيرة نتيجة لشدة الحرارة وانتشار الكوليرا بين قوات الشريف([143])، ولكن سرعان ما عزز الشريف قواته وتمكن من معاودة المسير، وأخذت الانتصارات تتوإلى على جيشه، فهُزِمت القوات الإدريسية في (القنع ) و( وادي عجلان )، وقتل منهم حوالي (500 مقاتل ) وتراجع البقية إلى قواعدهم في الفور، فلحقهم جيش الشريف([144]) يساندهم طرادن عثمانيان قصفا الموانئ الإدريسية (البرك والقمحة والشقيق)([145]), وبعد استيلائهم على قوز وتراجع ابن خرشان، سارع الأمير عبدالله إلى أبها بعد أن فتك مرض الكوليرا بجنوده([146]).
أما الوضع في أبها فكان غاية في السوء، فالمؤن والذخيرة تنفد، والتجهيز العسكري رديء، والاتصال شبه منقطع([147]), وسليمان باشا رغم امتعاضه من قدوم الشريف لفك الحصار عنه إلا أنه اضطر للتأقلم مع الوضع، بعد أن شرع الشريف بالاتصال به وطمأنته بأن العمليات العسكرية ستتم بسرعة، فبث الأمل في نفوس المحاصرين، وباشر سليمان باشا بخطة جديدة من نوعها لزعزعة القوات المحاصرة، حيث أخذ بإطلاق البارود عليهم بلا نار فأمنوا أنهم محصنون بأيمان الإدريسي، وما إن تقدموا حتى أطلق عليهم البارود الحقيقي فقتل (4000 شخص), وهو الأمر الذي اضطر جيش الأدارسة على التراجع إلى منطقة (بارق)، وتبعته الحملة حتى استولت عليها([148]), وأمام هذه الانتصارات توافدت الكثير من القبائل وأعلنت الطاعة للشريف مثل (بني شهر)، كما انقلب آل عائض على الإدريسي وانضموا إلى الشريف([149]), وقد قاد الشريف الجيش بنفسه لفك الحصار، فوصل مشارف أبها في 18 يوليو 1911م([150]), واستطاع بعد صعوبات كبيرة ومعارك على طول الطريق من فك الحصار، فانهارت قوى الإدريسي واصدر أوامره إلى قادته للتراجع والانسحاب إلى جبال فيفا، بعد أن علم بخطة الشريف في التوجه إلى صبيا للقضاء عليه([151]), إلا أن الشريف لم يتوجه إلى صبيا بسبب وقوع الخلاف بينه وبين المتصرف سليمان باشا، حيث شعر الشريف بضرورة مكافئته على انتصاره فأخذ بإصدار الأوامر وتعيين من يشاء في المناصب كما لو كان حاكما للبلاد، فلم يرق هذا لسليمان باشا؛ لأنه فيه تعدي على صلاحياته وسلطته في إدارة البلاد، لذا قرر الشريف بعد خمسة عشر يومًا مغادرة عسير عائدًا إلى مكة. وقد استاءت القيادة العامة في اليمن من سياسة سليمان باشا واعتبرتها نقصًا في السياسة والدراية، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك، فلو أن سليمان باشا ساير الشريف في سياسته لكان الأخير اغتنم أقرب فرصة وانتفض على الدولة ولكانت ثورته الكبرى قامت في ذلك الوقت El-Edroos, p.12)) لاسيما بعدما رآه من الفظائع التي ارتكبها القادة والجنود العثمانيون بحق الثائرين؛ مما ترك انطباعًا بالغ السوء في نفس الشريف غذَّى فيه روح الثورة ضد الدولة العثمانية. فكان الإدريسي المستفيد الأول من هذا الخلاف، وبقي خطرًا حقيقيًا على السيادة العثمانية في عسير ويتحين الفرصة ليعاود الثورة. وعليه فإن الأثر المباشر للثورتين الآنفتين أرهق كاهل الدولة العثمانية وعجل بمغادرتها لليمن.
الخاتمة:
توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج تمثلت فيما يلي:
- أن تزامن ثورتي الإمام يحيى والإدريسي أرهق كاهل الدولة العثمانية، وجعلها تذعن للدخول مع الإمام يحيى في مفاوضات أفضت إلى صلح دعان.
- أن ثورة الإمام يحيى كانت أشد وطأة على العثمانيين في الداخل، بينما ثورة الإمام الإدريسي كانت أشد وطأة في الساحل, مما يعني أن هاتين الثورتين شكلتا مصدر تهديد حقيقي للوجود العثماني في اليمن.
- أن استنجاد الدولة العثمانية بالشريف حسين في قمع ثورة الإدريسي كانت نتيجتها معاكسة لما توخته الدولة العثمانية، فبدلًا من قمع الثورة تعرف الشريف حسين على مدى الاستغلال والظلم العثماني تجاه ولاية اليمن، وكان محفزًا له للتخطيط بقيام الثورة العربية عام 1916م.
- أن عدم قدرة الدولة العثمانية على قمع ثورتي الإمام يحيى والإدريسي دلالة على ضعف الدولة العثمانية وفساد ولاتها في المنطقة.
([1]) باحثة وطالبة دكتوراه في قسم التاريخ جامعة صنعاء.
([2]) لوتسكي, فلاديمير، تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، موسكو، 1971م, ص432.
([3]) سالم، سيد مصطفى، تكوين اليمن الحديث – اليمن والإمام يحيى 1904-1948م، القاهرة، 1993م, ص98.
([4]) محمد الإدريسي: ولد في صبيا عام 1876م من أم هندية الأصل، تربى في كنف والده. تلقى علومه الأولى في صبيا وأبي عريش، وانتقل إلى مصوع ومنها إلى الحجاز، وبعد بلوغه (25 سنة) غادر إلى مصر والتحق بالأزهر، وبعد إنهاء دراسته توجه إلى واحة الكفرة ليوسع معارفه على يد السنوسي، ثم رحل إلى دنقلة في السودان، وتزوج هناك من ابنة شيخ الطريقة الأحمدية هارون الطويل. عاد عام 1907م إلى صبيا ليدخل في صراع مع العثمانيين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، ليدخل بعدها في نزاع مع الإمام يحيى وابن سعود حتى وفاته عام 1923م. ينظر: الزركلي، خير الدين، الأعلام، بيروت, ط3، 1969م، ج7، ص195؛ العقيلي، محمد بن أحمد عيسى، المخلاف السليماني أو الجنوب العربي في التاريخ, ج2، القاهرة، 1979م، ص55.
([5]) برو, توفيق علي، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني 1908-1914م, القاهرة، 1961م, ص226.
([7]) أباظة، فاروق عثمان، الحكم العثماني في اليمن 1972-1918م، القاهرة، 1986م, ص247.
([8]) الواسعي، عبد الواسع يحيى، تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن في حوادث تاريخ اليمن, القاهرة، 1346هـ, ص226-227.
([9]) بن بريك، أحمد محمد، “ولاية اليمن في العهد الدستوري العثماني 1908-1914″، مجلة سبأ, جامعة عدن، العدد(4)، أكتوبر، 1988م, ص43.
([13]) العزب, عبد الله بن محسن، تاريخ اليمن الحديث فترة خروج العثمانيين الأخيرة، بيروت, ط1، 1986م, ص226.
([14]) سالم, تكوين اليمن, ص106
([15]) Gavin, R.J., Aden Under British Rule 1839-1967, London, 1975, p.203-204.
([16]) أباظة, مرجع سابق, ص235.
([17]) سالم, تكوين اليمن, ص106-107.
([19]) أباظة, مرجع سابق, ص246-247.
([20]) يعقوب, هارولد، ملوك شبه الجزيرة العربية، ترجمة: أحمد المضواحي، بيروت، 1983م, ص85.
([22]) يريم: قضاء صغير يتبع حاليًا محافظة إب, يقع إلى الجنوب من صنعاء, على بعد (150 كم), ويرتفع (2685م) عن سطح البحر. وهو مركز عسكري كانت تقيم فيه الحامية العثمانية. ويريم مدينة مسورة تتخللها الأبواب، منها باب المسبح وباب صنعاء وباب القرضة، وباب الدرب، وباب الخان، وباب المين، وغيرها. وقد قام ببناء هذا السور الوالي العثماني أحمد باشا عام 1640م. وفي خارج السور آبار مياه كثيرة, وتتبعها بعض القرى البالغة (19 قرية). ينظر: عفيف, أحمد جابر وآخرون, الموسوعة اليمنية، بيروت, 2003م, ج4, ص3217.
([23]) رداع: بلدة تقع إلى الشرق من يريم، تعلو عن سطح البحر بحوالي (1401م)، ويتراوح عدد سكانها بين (15 الف -20 ألف نسمة). ينظر: عفيف وآخرون, الموسوعة اليمنية, ج2, ص1382.
([25]) خودان: جبل من بلاد يريم. ينظر: المصدر نفسه, ص61.
([26]) الباطنية: معتقد إسماعيلي يذهب إلى إثبات وجود الله عن طريق نفي الصفات عنه لأن الصفة من جنس الموصوف, والصفة والموصوف محدثان, وأن الاختلاف من بعض الوجوه يعني المشاركة من وجوه أخرى, ولما كان الله (غيب الغيوب) لا تدرك هويته ولا تتصور كيفيته, وكان إدراكه بصفات واختراعاته يولد الحيرة والارتباك, ولأن العقل الأول كان أول من أدرك تلك الحقيقة (التوحيد من غير تشبيه ولا تعطيل) فقد استحق أن يشار إليه بالتوحيد لأنه الموحد الأول, وأن يطلق عليه اسم الإلهية (لولهه في معبوده). ينظر: عفيف وآخرون, الموسوعة اليمنية, ج1, ص323.
([28]) بن بريك، مصدر سابق, ص68.
([29]) Bury, G.W., Arabian Infeilx or the Turks in Yemen, London, 1915, p.32.
([31]) حراز: قضاء تابع لصنعاء, جاءت تسميته من سلسلة جبال حراز من جبال السراة على ارتفاع 2600م عن سطح البحر, ويقع غربي صنعاء على بعـد(81كم). ينظر: كحالة, عمر رضا، جغرافية شبه جزيرة العرب, القاهرة, ط2، 1964م، ص301.
([32]) سالم, سيد مصطفى, وثائق يمنية دراسة وثائقية تاريخية, القاهرة, ط2، 1985م, ص207.
([37]) الريحاني، أمين، ملوك العرب، ج1، بيروت, ط1، 1980م, ص146.
([38]) ماكرو، أريك، اليمن والغرب 1571-1962م، ترجمة: عبد الله العمري، صنعاء، 1978م, ص88.
([39]) Scott, Hugh, The High Yemen, London, 1947, p.229.
([42]) ناجي, سلطان، التاريخ العسكري لليمن1839-1967م، عدن, 1976, ص42.
([43]) الواسعي, مصدر سابق, ص227-229.
([44]) سالم, وثائق يمنية, ص207.
([45]) بن بريك، مصدر سابق, ص45.
([46]) البتنوني، محمد لبيب، الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا خديوي مصر, القاهرة, ط2، 1329هـ, ص43.
([47]) أباظة, مصدر سابق, ص266.
([48]) سالم, تكوين اليمن, ص110.
([49]) بن بريك، مصدر سابق, ص46.
([51]) سليم بن محمد بن سعيد الجزائري الحسيني ولد في دمشق عام 1879م في بيت علم وتقوى، عين في الدائرة العسكرية بدمشق، سقط أسيرًا في حملة اليمن مع مجموعة من الضباط بضعة أشهر عاني فيها الكثير. شارك في الثورة الكبرى عام 1916م، وشنق على إثر ذلك في دمشق في 6 مايو 1916م. الزركلي، مصدر سابق, ج3, ص 119-120.
([52]) السفاح, جمال باشا, مذكرات جمال باشا السفاح، ترجمة: علي أحمد شكري، بغداد، 1963م, ص98.
([53]) ظهر الضحياني كمنافس للإمام منذ سبتمبر 1906م في بلاد صعدة وتحالف مع فيضي باشا، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك بعد توالي الهزائم على الجيش العثماني، وسعي فيضي باشا للصلح مع الإمام، فعاد الضحياني وانضم إلى صفوف الإمام مخبًا منافسته وأطماعه إلى حين.
([54]) الأعظمي, أحمد عزت، القضية العربية أسبابها مقدماتها تطوراتها ونتائجها، بغداد, ط1، 1931م, ص8-9.
([55]) بن بريك، مصدر سابق, ص46.
([56]) أباظة, مصدر سابق, ص268.
([58]) أباظة, مصدر سابق, ص269.
([59]) بن بريك، مصدر سابق, ص46-47.
([60]) الواسعي, مصدر سابق, ص238.
([62]) سالم, وثائق يمنية, ص213.
([65]) الواسعي, مصدر سابق, ص236.
([66]) سالم, تكوين اليمن, ص114.
([67]) أباظة, مصدر سابق, ص271.
([69]) بن بريك، مصدر سابق, ص47.
([70]) سالم, تكوين اليمن, ص117.
([71]) الشهاري, مصدر سابق, ص78.
([72]) حمزة, فؤاد، أشراف بلاد العرب، المقتطف، مج 82، ج5، مايو 1933م, ص551.
([73]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص57.
([74]) وهو طبيب إيطالي جاء إلى مصر بمهمة تجسسية بين الأوساط العربية والإسلامية لجذب الشخصيات المتميزة منهم وتجنيدهم لخدمة بلاده. ينظر: أنسباتو، أنريكو, العلاقات العربية – الإيطالية 1902-1930م, من مذكرات انسباتو، ترجمة: عمر الباروني, الجماهيرية الليبية، 1980، ص11-15.
([75]) تولى جيوليتي الوزارة خمس مرات: الأولى كانت عام 1889-1890م، والثانية 1903-1905م، ولم نعرف فترتي الوزارة الثالثة والرابعة، أما الخامسة فكانت 1920-1921م. ينظر: جيوليتي، جوفاني, مذكرات جيوليتي، الأسرار السياسية والعسكرية لحرب ليبيا 1911-1912م، ترجمة: محمد التليسي، مصراته، 1986م, ص113.
([77]) أنسباتو, مصدر سابق, ص51-52.
([78]) بن مسفر، عبد الله بن علي، السراج المنير في أمراء عسير، بيروت, ط1، 1978م، ص110. يذكر جيوليتي أن خديوي مصر عباس حلمي كان له دور في العلاقة الإيطالية الإدريسية الذي كان معاديًا للاتحاديين ومدينًا لملك إيطاليا أمبرتو الأول الذي استقبل والده بعد خلعه عن العرش إثر ثورة عرابي عام 1882م. ينظر: جيوليتي, ص111-112.
([79]) البركاتي، شرف بن عبد المحسن، الرحلة اليمانية لصاحب الدولة أمير مكة المكرمة الشريف حسين باشا وأعماله في محاربة الإدريسي, بيروت, ط2، 1384هـ, ص6.
([80]) شرف الدين، أحمد حسين، اليمن عبر التاريخ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن العشرين الميلادي – دراسة جغرافية تاريخية سياسية شاملة, القاهرة، 1964م, ص271.
([81]) الشهاري، مصدر سابق, ص70
([82]) جيوليتي, مصدر سابق, ص111.
([83]) الواسعي, مصدر سابق, ص341.
([84]) الشهاري, مصدر سابق, ص71.
([85]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص58-59.
([86]) سعيد, أمين, الدولة العربية المتحدة تاريخ الاستعمار الإنكليزي في بلاد العرب، ج1, القاهرة، د.ت, ص379.
([87]) باوزير, سعيد عوض، معالم تاريخ الجزيرة العربية، عدن ط2، 1966م, ص206.
([89]) الريحاني، مصدر سابق, ص316.
([90]) الشهاري, مصدر سابق, ص73-74.
([91]) شرف الدين، مصدر سابق, ص271.
([92]) أحمد شريف الخواجي: ولد في صبيا، عاش يتيم الأب وهو من أسرة الخواجيين الذين أسسوا مدينة صبيا وقضوا على آل الخيرات. وهو من جيل الإدريسي وكانوا على خلاف منذ الطفولة، وأحمد شريف صاحب شخصية قوية تعلم العلوم والدين واهتم كثيرًا بالأدب. برزت شخصيته بعد اتصاله بالعثمانيين حيث أصبح ممثلًا لصبيا في مجلس المبعوثان. أغرته التجارة فرحل إلى مصوع وعدن لكنه لم يوفق كثيرًا فتركها ليدخل في صراع مع الإدريسي انتهى بمحاكمته وقطع يديه. ينظر: العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص73-75.
([93]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص68-84؛ الشهاري، محمد علي, الإدريسي بين الصوفية والوطنية، الهلال، يناير 1977م, ص73.
([94]) الشهاري, مصدر سابق, ص73.
([95]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص85-88.
([96]) سالم, تكوين اليمن, ص81.
([97]) الواسعي, مصدر سابق, ص242؛ العرشي، حسين بن أحمد بلوغ المرام في شرح مسك الختام في من تولى ملك اليمن من ملك وإمام، القاهرة، 1939م, ص11.
([99]) أنيس، محمد, الدولة العثمانية والمشرق العربي 1514-1914م، القاهرة، د. ت, ص225.
([100]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص141.
([102]) أباظة, مصدر سابق,ص213-214.
([103]) الدليمي، وليد عبود محمد شبيب، التغلغل الإيطالي في المشرق العربي 1911-1914م, رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد، 1994م, ص14.
([104]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص91.
([105]) الشهاري, مصدر سابق, ص72.
([106]) Al-Amr, Saleh Muhammad: the Hijaz under Ottoman Rule 1869-1914: Ottoman Vali the Sharif of Macca, and the Groth of British Influence, London, 1974, p.148.
([107]) Al-Amr, op.cit, p.148.
([109]) مصطفى بن علي الإدريسي وهو من أعيان الأدارسة وأخو محمد بن علي الإدريسي، وقف إلى جانبه في حروبه ضد الدولة العثمانية والإمام يحيى. ثار بعد وفاة أخيه على ابنه علي بن محمد الإدريسي فغادر بعد ذلك إلى مصر واستقر في الأقصر إلى أن توفي عام 1930م. ينظر: عفيف وآخرون, الموسوعة اليمنية, ج1، ص242.
([110]) الشهاري, مصدر سابق, 73.
([111]) Al-Amr, op.cit, p.149.
([113]) البركاتي، مصدر سابق, ص6.
([114]) داغر، أسعد، ثورة العرب مقدماتها أسبابها ونتائجها، القاهرة، 1916م, ص117.
([115]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص92.
([116]) البركاتي، مصدر سابق, ص7.
([117]) الشهاري, مصدر سابق, ص74.
([118]) البركاتي، مصدر سابق, ص7.
([120]) أباظة, مصدر سابق, ص215.
([121]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص93.
([122]) سعيد, أمين، الثورة الكبرى – تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن، ج3، القاهرة، د. ت, ص15.
([123]) البركاتي، مصدر سابق, ص7.
([124]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص93.
([126]) أباظة, مصدر سابق, ص216.
([127]) بن مسفر, مصدر سابق, ص110.
([128]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص94-95.
([130]) شاكر, محمود، التاريخ الإسلامي، العهد العثماني، ج8، بيروت, ط4، 2000م, ص289.
([131]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص100.
([132]) سعيد, الثورة, ج3, ص116.
([133]) يعقوب, مصدر سابق, ص80.
([134]) وهيم, طالب محمد، مملكة الحجاز 1916-1925 دراسة في الأوضاع السياسية، البصرة، 1982م, ص277.
([135]) Hogarth, D.G., Arabia, Oxford, 1922, p.121.
([136]) Al-Amr, op.cit, p.140.
([137]) رضا, رشيد، مختارات سياسية من مجلة المنار، ط1، بيروت، 1980م. ص219.
([138]) فاسيلييف, تاريخ العربية السعودية، ترجمة: خيري الضامن وجلال الماشطة, موسكو، 1986م, ص266.
([139]) يعقوب, مصدر سابق, ص80.
([140]) البركاتي، مصدر سابق, ص33-34.
([141]) Al-Amr, op.cit, p.151.
([142]) البتنوني، مصدر سابق, ص43.
([143]) El – Edroos, Ali, The Hashemite Arab Army 1908-1979, (Amman, 1980, p.12.
([144]) البركاتي, مصدر سابق, ص34-35.
([145]) العقيلي, مصدر سابق, ج2, ص102.
([146]) Al-Amr, op.cit, p.151.
([147]) يعقوب, مصدر سابق, ص80.
([148]) البركاتي، مصدر سابق, ص289.
([149]) شاكر, مصدر سابق, ص289.
([150]) وهيم, مصدر سابق, ص278.
([151]) حمزة, مصدر سابق, ص551.
قائمة المصادر والمراجع:
- أباظة، فاروق عثمان، الحكم العثماني في اليمن 1972-1918م، القاهرة، 1986م.
- أنسباتو، أنريكو, العلاقات العربية – الإيطالية 1902-1930م من مذكرات انسباتو، ترجمة: عمر الباروني, الجماهيرية الليبية، 1980م.
- الأعظمي, أحمد عزت، القضية العربية أسبابها مقدماتها تطوراتها ونتائجها، (بغداد, ط1، 1931م.
- أنيس، محمد, الدولة العثمانية والمشرق العربي 1514-1914م، القاهرة، د. ت.
- باوزير, سعيد عوض، معالم تاريخ الجزيرة العربية، عدن ط2، 1966م.
- البتنوني، محمد لبيب، الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا خديوي مصر, القاهرة, ط2، 1329هـ.
- البركاتي، شرف بن عبد المحسن، الرحلة اليمانية لصاحب الدولة أمير مكة المكرمة الشريف حسين باشا وأعماله في محاربة الإدريسي, بيروت, ط2، 1384هـ.
- برو, توفيق علي، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني 1908-1914م, القاهرة، 1961م.
- بن بريك، أحمد محمد، “ولاية اليمن في العهد الدستوري العثماني 1908-1914″، مجلة سبأ, جامعة عدن، العدد(4)، أكتوبر، 1988م.
- جيوليتي، جيوفاني, مذكرات جيوليتي، الأسرار السياسية والعسكرية لحرب ليبيا 1911-1912م، ترجمة: محمد التليسي، مصراته، 1986م.
- حمزة, فؤاد، أشراف بلاد العرب، المقتطف، مج 82، ج5، مايو 1933م.
- داغر، أسعد، ثورة العرب مقدماتها أسبابها ونتائجها، القاهرة، 1916م.
- الدليمي، وليد عبود محمد شبيب، التغلغل الإيطالي في المشرق العربي 1911-1914م, رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد، 1994م.
- رضا, رشيد، مختارات سياسية من مجلة المنار، ط1، بيروت، 1980م.
- الريحاني، أمين، ملوك العرب، ج1، بيروت, ط1، 1980م.
- الزركلي، خير الدين، الأعلام، بيروت, ط3، 1969م.
- سالم، سيد مصطفى، تكوين اليمن الحديث – اليمن والإمام يحيى 1904-1948م، القاهرة، 1963م.
- ___________, وثائق يمنية دراسة وثائقية تاريخية, القاهرة, ط2، 1985م.
- السفاح, جمال باشا, مذكرات جمال باشا السفاح، ترجمة: علي أحمد شكري، بغداد، 1963م.
- سعيد, أمين، الثورة الكبرى – تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن، ج3، القاهرة، د. ت.
- __________, الدولة العربية المتحدة تاريخ الاستعمار الإنكليزي في بلاد العرب، ج1, القاهرة، د.ت.
- شاكر, محمود، التاريخ الإسلامي، العهد العثماني، ج8، بيروت, ط4، 2000م.
- شرف الدين، أحمد حسين، اليمن عبر التاريخ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن العشرين الميلادي – دراسة جغرافية تاريخية سياسية شاملة, القاهرة، 1964م.
- الشهاري، محمد علي, الإدريسي بين الصوفية والوطنية، الهلال، يناير 1977م.
- العرشي، حسين بن أحمد بلوغ المرام في شرح مسك الختام في من تولى ملك اليمن من ملك وإمام، القاهرة، 1939م.
- العزب, عبد الله بن محسن، تاريخ اليمن الحديث فترة خروج العثمانيين الأخيرة، بيروت, ط1، 1986م.
- عفيف, أحمد جابر وآخرون, الموسوعة اليمينة, بيروت, 2003م.
- العقيلي، محمد بن أحمد عيسى، المخلاف السليماني أو الجنوب العربي في التاريخ, ج2، القاهرة، 1979م.
- فاسيلييف, تاريخ العربية السعودية، ترجمة: خيري الضامن وجلال الماشطة, موسكو، 1986م.
- كحالة, عمر رضا، جغرافية شبه جزيرة العرب, القاهرة, ط2، 1964م.
- لوتسكي، فلاديمير، تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، موسكو، 1971م.
- ماكرو، أريك، اليمن والغرب 1571-1962م، ترجمة: عبد الله العمري، صنعاء، 1978م.
- بن مسفر، عبد الله بن علي، السراج المنير في أمراء عسير، بيروت, ط1، 1978م.
- الواسعي، عبد الواسع يحيى، تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن في حوادث تاريخ اليمن, القاهرة، 1346هـ.
- وهيم, طالب محمد، مملكة الحجاز 1916-1925 دراسة في الأوضاع السياسية، البصرة، 1982م.
- يعقوب, هارولد، ملوك شبه الجزيرة العربية، ترجمة: أحمد المضواحي، بيروت، 1983م.
- المراجع الأجنبية
- Al-Amr, Saleh Muhammad: the Hijaz under Ottoman Rule 1869-1914: Ottoman Vali the Sharif of Macca, and the Groth of British Influence, London, 1974.
- Bury, G.W., Arabian Infeilx or the Turks in Yemen, London, 1915.
- El – Edroos, Ali, The Hashemite Arab Army 1908-1979, (Amman, 1980.
- Hogarth, D.G., Arabia, Oxford, 1922.
- Scott, Hugh, The High Yemen, London, 1947.
- Gavin, R.J., Aden Under British Rule 1839-1967, London, 1975.