التركيبة السكانية وأثرها على تمدن المجتمع والعمران في بلاد سرت منذ الفتح الإسلامي حتى الهجرة الهلالية
د. أم العز عبدالقادر محمد عبدالقادر الشريف
د. أم العز عبدالقادر محمد عبدالقادر الشريف([1])
الملخص
تمتعت بلاد سرت بموقع استراتيجي هام على ساحل البحر المتوسط مما جعلها قاعدة استراتيجية تتحكم في عدة مواصلات تربط بين الشرق والغرب والساحل والجنوب، وقد ذكرت سرت في المصادر الجغرافية والتاريخية ولكنها لم تحظ بدراسات عميقة ومفصلة عن أحوالها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية مقارنة بالأقاليم والمدن المشهورة في بلاد المغرب كبرقة وطرابلس والقيروان وغيرها من المدن الإستراتيجية الأخرى، فضلًا عن أن معظم الروايات التي تحدثت عن سرت جاءت مبعثرة ومقتضبة مما يجعل البحث في تاريخها يحتاج إلى جهد كبير وتحليل دقيق للروايات، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي حملت عنوان “التركيبة السكانية وأثرها على تمدن المجتمع والعمران في بلاد سرت منذ الفتح الإسلامي حتى الهجرة الهلالية”.
وتتجلى أهمية الموضوع في تأثير العمق الإستراتيجي للمحيط الجغرافي لها في صياغة تاريخها، حيث شكل محطة عبور وقاعدة ارتكاز قل نظيرها في التاريخ الإسلامي حتى التاريخ الحديث، وكان لهذه الإستراتيجية أثر كبير ودور مباشر في الأحوال الاجتماعية وحياة التمدن والعمران فيها.
Abstract Sirte has enjoged an import ant strategic location on the mediter ranean co ast this made it a strateojic base that controls a transportation node lin king between east west coast and south csudan coun tries sirte co untries are mentioned in geogra phical and histori cal sources tlowever it did not have deep and detai led studies on its economic. Tourism،soclal and cultural compared to the famous r egiohs ancl citierin the countries of morocco as cgrenaica، Tripoli، kairouan، and other strategic citles، most of the novels were analg tical، concise، neglected and.
المقدمة
يكفي إلقاء النظر على خريطة أفريقيا الشمالية لإدراك أهمية الموقع الذي اتسمت به بلاد سرت في تاريخ المغرب عامة وتاريخ المنطقة بصفة خاصة، ونظرًا لأهمية موقعها تمكنت من السيطرة القوية على المنطقة الوسطى لأفريقيا الشمالية والتوغل نحو الجنوب، لنراها عقدة ربط قوية بين الشمال [البحر المتوسط]، والشرق تجاه برقة ومصر، والغرب نحو طرابلس وإفريقية ” القيروان”، وجنوبًا نحو [بلاد السودان]، فجعلها ذلك الموقع محط أنظار الدول حكمت بلاد المغرب الإسلامي ومشرقه وبلاد السودان.
لقد شكل المحيط الجغرافي لبلاد سرت ونواحيها أرض عبور، وخصوصًا الدول المسيطرة على بلاد المغرب وبلاد السودان طيلة العصور الوسطى حتى العصر الحديث، وهذه المقومات وغيرها جعلت منها مسرحًا اجتماعيًا متنوعًا ضم أجناسًا بشرية متعددة كان لها أبلغ الأثر في تكوينها الاجتماعي، بل تعداه على حياة التمدن والعمران فيها، ورغم هذه الأهمية كان تاريخ هذه المنطقة مهملًا تقليديًا، فمعظم المصادر التي تناولتها بالدراسة قليلة ومبعثرة، وعندما تناولتها جاءت مختصرة، وهو ما يضطر الباحثين إلى التحليل الدقيق لأشح الروايات التي تخص هذه المساحة الجغرافية، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذا الموضوع.
لقد أسهم الموقع الإستراتيجي لبلاد سرت في تنوع التركيبة السكانية والمجموعات البشرية التي استوطنتها من (بربر، وعرب، وأقليات أخرى)، وكان للأحوال السياسية والاقتصادية والثقافية أثرٌ واضح في التكوين الاجتماعي وتنوعه، وهو الذي انعكس بدوره على حياة التمدن والعمران فيها، سواء من ناحية النمو والازدهار أم الضعف والانهيار، وهذا ما سنوضحه لاحقًا.
شهدت التركيبة السكانية المتنوعة لبلاد سرت منذ الفتح الإسلامي حتى القرون الأربعة الهجرية التي سبقت الهجرة الهلالية هدوءًا واستقرارًا نسبيين، صاحبه نمو سكاني وعمراني ملحوظ، ومع دخول القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي عرفت بلاد سرت تراجعًا كبيرًا في التمدن والعمران نتيجة الهجرة الهلالية وما ألحقته من خراب ودمار أثّر على الحياة الاجتماعية للناس وبقيت أضرار ذلك الخراب إلى عصور لاحقة.
وكان دخول الفتوحات الإسلامية إلى بلاد سرت في زمن مبكر، فاتخذها القادة الفاتحون قاعدة إستراتيجية ثابتة لهم في بلاد المغرب للانطلاق لفتحه، سواء باتجاه الجنوب أم الغرب أم تأمين الحدود الغربية لمصر ولبلاد المشرق عامة طيلة مرحلة الفتوحات والفترات اللاحقة، فصارت بلاد سرت نتيجة ذلك مسرحًا لأحداث سياسية ودينية واقتصادية أثرت على هذه الرقعة الجغرافية من حيث الاتساع أو الانكماش أو التبعية السياسية لدول قامت في بلاد المشرق والمغرب، وهذا ما جعل من دراسة تاريخها الاجتماعي أمرًا يشوبه التعقيد والصعوبة، وكان هذا من دوافع اختياري للموضوع.
وقد اعتمدنا في دراستنا لهذا الموضوع المنهج التاريخي السردي والمنهج التحليلي لإبراز حقيقة التكوين الاجتماعي للبلاد وأثره على الأحوال الاجتماعية وحياة التمدن والعمران فيها، وخلصنا إلى تقسيم الدراسة فضلًا عن المقدمة والخاتمة إلى ثلاثة محاور رئيسة على النحو الآتي:
المحور الأول: التعريف ببلاد سرت.
المحور الثاني: عناصر السكان في بلاد سرت.
المحور الثالث: التنوع السكاني لمدينة سرت وأثره على أحوال المجتمع والعمران.
المحور الأول- التعريف ببلاد سرت
سُرت: بضم أوله وسكون ثانيه وآخره تاء مثناة من فوق([2])، إقليم كبير متسع ويشمل مساحة واسعة يمتد من غرب واحة أوجلة([3]) وإقليم برقة([4])، ويضم كل الجزء الشرقي من إقليم طرابلس([5])، ومن الشمال البحر المتوسط وهو يقع على طول الساحل([6]) وجنوبًا إقليم فزان([7]). وضمت بلاد سرت عدة مدن منها مدينة مغمداس([8])، وقصور حسان([9])، وأم الغرانيق([10])، ومدينة ودان([11])، واليهودية([12])، والصنيمات([13]) وغيرها من المدن.
وشكلت القبائل دورًا كبيرًا في تحديد حدودها وحماها وأبرزها قبائل لواتة ومزاتة وهوارة حسب قول اليعقوبي([14]). وتمتد من غرب أجدابيا إلى تاورغا ومن ساحل البحر إلى ودان([15]).
وكانت الحدود السياسية لسرت مضطربة وغير ثابتة على مر العصور، وكان لموقعها الجغرافي الإستراتيجي دور بارز في هذه التحولات مما أثر ذلك على تحديد موقعها حسب الروايات التاريخية والأحداث السياسية التي مرت بها، فمنذ الفتح الإسلامي سنة (22هــــ/ 642م) حتى حكم الدولة الطولونية (273هــــ/ 292هــــ/ 886- 905م) كانت سرت عاصمتها برقة، وأكد المؤرخون والجغرافيون العرب بأنها ضمن حيز برقة في القرون الأولى للفتح الإسلامي، وأشار ابن عبدالحكم لذلك بقوله: إن حسان بن النعمان نزل قصورًا من حيز برقة فسميت قصور حسان([16])، ثم تبعت سرت إمامة أبى الخطاب المعافري في (النصف الأول من القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي) وصارت تشكل إقليمًا تابعًا لإقليم طرابلس([17])، وفي عهد الدولة الفاطمية ضمت سرت لأملاكها لأهميتها الجغرافية والسياسية، وعينوا عليها الولاة([18])، وعندما دخل بنو هلال في (القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي) لبلاد المغرب، كانت سرت ضمن البلاد التي دخلوها([19])، وفي (القرن السادس الهجري/ الثامن عشر الميلادي) دخلت سرت ضمن سيطرة الدولة الأيوبية([20]).
وصفوة القول إن الحدود السياسية والإدارية لبلاد سرت شهدت تغيرات وتطورات هامة أثرت في تمدن المجتمع والعمران فيها؛ وكان موقعها الجغرافي الإستراتيجي السبب الرئيس في ذلك، وهذا ما سنوضحه في هذه الدراسة.
المحور الثاني: عناصر السكان في بلاد سرت
لا شك أن دراسة الأحوال الاجتماعية التي قاعدتها عناصر السكان، تواجه عدة صعوبات، ويعود ذلك إلى ضياع الكثير من كتب الأنساب؛ وأكد ابن حوقل هذا بقوله: “والعلماء بأنسابهم وأخبارهم وآثارهم هلكوا”([21]).
وسأعتمد على روايات الجغرافيين والرحالة فضلًا عن كتب الأنساب والمصنفات التاريخية لتوضيح التركيب السكاني لها، ويتضح من تلك المصادر أن عناصر السكان التي شكلت البلاد هم البربر والعرب، فضلًا عن أقليات أخرى كاليهود والرقيق. وهي كالآتي:
- أ – البربر([22]): قاموا بدور رئيس في الحياة الاجتماعية في سرت، وعاشوا بها منذ أزمنة بعيدة، وارتبط تاريخهم بها، ومن هذه القبائل:
- قبيلة لواتة: التي ضمت بطونًا كثيرة([23])، وامتدت مواطنها في بقاع عدة، فهي تعتمد على التنقل والترحال والرعي اعتمادًا كبيرًا([24])، وقد اشتهر سكان سرت من قبائل لواتة بتربية الماشية خاصة الماعز([25])، وكذلك الإبل([26])، ويذكر اليعقوبي أن منازل لواتة تتسع لتمتد إلى الغرب من أجدابيا حتى تصل موضع يقال له تاروغا([27]). ومما يؤكد كثرة تواجد قبيلة لواتة في سرت ونواحيها، قيام الإمام عبدالوهاب بن رستم بتعين سلام بن عمر اللواتي واليًا للدولة الرستمية على سرت ونواحيها في (القرن 3هـــــ/9م)([28])، فاختياره لم يكن مصادفة بل كان مبنيًا على ركائز ناجحة، فمن غير المعقول تولية والٍ غريب عن سرت ليست له عصبية قبلية، فكان هذا الاختيار ناجحًا لأنه من نسب أهلها فحظى بدعمهم وتأييدهم، وتؤكد الروايات بأنه أحسن سياسة أمورها بنجاح([29]).
- قبيلة مزاتة: الذين قطنوا المنطقة الممتدة من سرت وحتى ودان، وشكلوا غالبية سكانها([30])، بل وامتدت مواطنهم أيضا حتى تاورغا([31]).
- قبيلة سدراتة: وتعد من أبرز سكانها، وهذا الأثر يظهر واضحًا من خلال اسم خليج السدرة، ولا يزال يعرف بهذا الاسم حتى اليوم.
- قبيلة هوارة: وهي من القبائل الكبيرة والقوية التي لها دور كبير في تاريخها، واستوطنت آخر سرت إلى طرابلس([32])، وقد وصفهم تيري بقوله: “هوارة السرتية” تمييزًا لهم عن قبائل هوارة الذين سكنوا بلاد المغرب عامة([33]).
ولم تكن القبائل السالفة الذكر الوحيدة التي استوطنت سرت، بل هناك عدة قبائل أخرى سكنت المنطقة، وإن لم يكن لها التأثير الاجتماعي كقبائل [ لواتة، ومزاتة، وهوارة ]؛ فقد ذكر ابن سعيد المغربي في هذا الصدد، “إن سرت ونواحيها بها مجالات عرب وبربر متفرقة”([34])، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر قبائل صنهاجة وكتامة([35]).
وخلاصة القول أنه استوطن بلاد سرت قبائل بربرية متعددة، ومع مجيئ الفتح الإسلامي ستحدث تحولات سياسية واجتماعية وثقافية كبيرة، فضلًا عن إسهامها في إثراء التنوع السكاني للمنطقة([36]).
- ب – العرب([37]): أسهم الموقع الجغرافي لبلاد سرت بدور مهم في استقرار العرب بها، حيث مثّل خط دفاع أمامي وقاعدة إستراتيجية لتكون نقطة انطلاق لاستكمال الفتوحات الإسلامية([38]).
وقد استقرت القوات الإسلامية بقيادة عقبة بن نافع الفهري في مدينة مغمداس من أرض سرت([39])، واتخذتها قاعدة لها لفتح مدن إقليم فزان وبلاد كانم([40])، وبعد إتمام فتح الجنوب عاد القائد عقبة بن نافع لهذه القاعدة [مغمداس] وانطلق منها لفتح طرابلس وغدامس([41])؛ ولأهمية سرت كنقطة التقاء للطرق الرئيسة، فقد وصفتها بعض الروايات أنها من الثغور الإسلامية التي تضاهي مدينة القيروان بل تفوقها([42]).
وأدرك القائد حسان بن النعمان بوضوح الأهمية العسكرية لسرت، فأقام بها خمس سنوات في موضع عرف باسم قصور حسان، وهي من حيز سرت([43])، واتخذها مستقرًا وملجئًا له ينتظر المدد من الخلافة الأموية للانطلاق نحو إفريقية لفتحها([44])، وفي أثناء إقامته عمل على إنشاء المساجد وإرسال الدعاة لنشر الإسلام([45])، فزاد ذلك من احتكاك العرب واختلاطهم بالسكان الأصليين، وانتشرت اللغة العربية في سائر الأقاليم المفتوحة واعتنق أهلها الإسلام([46]).
واستمر توافد العرب إلى بلاد سرت ونواحيها، فقد ذكرت المصادر استقرار جموع من عرب البصرة واليمن وبلاد الشام؛ وأنشأت أحياء حملت أسماء بعض تلك القبائل مثل حي السهميين والحضارمة([47]).
وبايع أهل سرت الإمام أبا الخطاب بن عبدالأعلى بن السمح المعافري([48])، وهو من قبيلة معافر من حمير من اليمن([49])، وساندوا الإمام أبا الخطاب في صموده بوجه الجيوش العباسية، فوقعت على أرض سرت موقعة مغمداس سنة 142هـ/760م وهزم فيها جيش العباسيين بقيادة أبي الأحوص العجلي([50]). والراجح استقرار أعداد كبيرة من قبيلة المعافر في سرت خلال النصف الأول من القرن الثاني الهجري؛ إذ ذكر اليعقوبي في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، أن من مدينة سرت إلى ودان قوم مسلمون من عرب اليمن([51]). ويدعم ذلك قول البكري أن مدينة ودان عبارة عن مدينتين تسكنها قبيلتان من العرب سهميون([52])، وحضرميون([53])، تسمى مدينة السهميين دلباك ومدينة الحضرميين مدينة بوص([54]).
وسكن بلاد سرت في القرن (الرابع الهجري / العاشر الميلادي) عناصر أخرى من العرب حسب ذكر ابن حوقل ولكنه لم يوضح انتماءهم إلى هذه القبيلة أو تلك([55])، ويبدو أن هويتهم معروفة لدى ابن حوقل ولم تحتج إلى ذكر وفق تعليل تيري([56]).
وفي منتصف القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، لعبت القبائل العربية من قبائل بني هلال وبني سليم([57])، دورًا كبيرًا في تاريخ بلاد المغرب عامة وسرت خاصة، وغلبت بطون سليم على شرق طرابلس وحتى برقة، ومنهم بنو دباب بن مالك سكنوا ما بين قابس وسرت([58])، وبنو سليمان بن دباب([59])، وألحقت الهجرة الهلالية الضرر ببلاد المغرب عامة بما فيها سرت، وأكد ذلك وصف ابن سعيد لها بقوله: “مدينة سرت خربها العرب ولم يبق فيها إلا قصور سكنها أتباعهم”([60]).
ولا شك أنه رغم هذا الخراب الذي لحق ببلاد المغرب جراء هذه الهجرة، إلا أنها لعبت دورًا لا يمكن تجاهله وإغفاله في نشر اللغة العربية بين سكان البلاد، حتى صاروا عربًا ونسوا رطانة البربر واستبدلوها بفصاحة العرب حسب ما قال ابن خلدون([61]).
- ج – عناصر أخرى: ففضلًا عن العنصر البربري والعنصر العربي، فقد استوطن سرت عناصر سكانية أخرى جاءت إليها من مناطق مجاورة أو بعيدة عنها لعدة أسباب، ولكنها بنسب أقل عن مجموع سكان البلاد الرئيسين ومنهم:
- الرقيق: إذ يعد الرقيق من مكونات المجتمع السرتى، والسبب الرئيس لوجودهم تجارة الرقيق الرابحة والرائجة في تلك الفترة، ولقد اُسترقت كل العروق السوداء دون تمييز، وكانت مدينة زويلة [ بوابة بلاد السودان] المُصدِّر الأول لهم، وكانت سرت إحدى المدن الرئيسة التي تصلها تجارة الرقيق للتصدير من مينائها، ولا توجد إحصائية دقيقة لأعدادهم؛ لأنهم سلعة من سلع الصادرات يضاف لذلك حالات الوفيات وغير ذلك من المخاطر التي يتعرضون لها منذ بداية رحلة تجارة الرقيق، أما الذين استقروا في سرت فاشتغلوا بالزراعة والأغراض الخدمية الأخرى وغير ذلك من مهام الرقيق([62]).
- اليهود([63]): استقر اليهود في المناطق ذات الأهمية الاقتصادية؛ لأنهم اشتهروا بالتجارة والأعمال المربحة([64])، واتسعت تجارتهم وشملت بلاد المشرق والمغرب وبلاد السودان([65]). ولا غرابة أن يترك اليهود أثرهم في بلاد سرت، لموقعها الإستراتيجي ومينائها التجاري، وهذا الأثر نراه ملموسًا في تسمية بعض نواحي سرت باسمهم، مثل مدينة اليهوديتين([66])، وذكرها كل من اليعقوبي والإدريسي باسم “اليهودية”([67])، وشكل اليهود أغلب سكان مدينتهم؛ لأنهم اعتادوا على العيش في أحياء ومدن خاصة بهم عبر تاريخهم([68])، وذلك يعود لطبيعة ديانتهم المغلقة ولإقامة طقوسهم الدينية بحرية([69]). وقد وجد اليهود في المجتمع السرتي بيئة صالحة لاستقرارهم، نتيجة سياسة التسامح وتنعمهم بالحرية الدينية والحرية العامة، الأمر الذي ساعدهم في تقوية نفوذهم الاقتصادي خاصة في المجالات التجارية، وعلى رأسها تجارة الرقيق([70]).
والخلاصة مما سبق يمكن القول إن البربر والعرب كانا عماد سكان بلاد سرت، ويأتي بعدهما فئتا الرقيق واليهود؛ حيث كانت التجارة والكسب المادي السببان الرئيسان لتواجدهما. وهذا التنوع السكاني سيكون له تأثيره الواضح على الأحوال الاجتماعية ومظاهر التمدن والعمران لبلاد سرت في العصر الإسلامي للفترة المدروسة، وهو ما سنوضحه في المحور الثالث.
المحور الثالث- التنوع السكاني لمدينة سرت وأثره على أحوال المجتمع والعمران
شهدت بلاد سرت تنوع في الأوضاع الجغرافية والأحوال السكانية والاقتصادية والثقافية، الأمر الذي نتج عنه التفاوت بين طبقات السكان، فترك ذلك أثره على أحوال المجتمع والعمران فيها. وهي كالآتي:
- أ – طبقات المجتمع
ونقصد بها الأفراد الذين يربطهم إطار مجتمعي واحد ولهم القوة والثروة والمكانة الاجتماعية نفسها، وميّزتهم صفات خاصة مشتركة تختلف عن بقية الشرائح الأخرى في المجتمع السرتي.
ولم ترد هذه الطبقات في المصادر والروايات التاريخية ورودًا واضحًا وصريحًا ولا تعطيها أسماء خاصة بها، ولكن سنستنبطها من خلال الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقضية الترابط بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والعمراني من جهة، وشؤون الحياة الأخرى متلازمة، وأكّد ابن خلدون ذلك بقوله: “على نسبة حال الدولة يكون يسار الرعايا، وعلى نسبة يسار الرعايا وكثرتهم يكون مال الدولة، وأصله كله العمران وكثرته”([71]).
ومن المقومات التي أسهمت في ظهور الطبقات الاجتماعية عدد السكان وزيادة العمران وتضاعف حجمه([72])، حيث سكنت القبائل الكبيرة مدنًا خاصة بهم اشتهرت بأسمائهم حسب ذكر البكري([73])، فشهدت البلاد في العصر الإسلامي زيادة في التمدن العمراني([74])، وهذه النهضة السكانية لحقت بالمدن التي تقع في حيزها، حيث وصفت بأنها مستبحرة في العمران مثل قصور حسان([75])، فالرفاهية وتطور العمران كانا متوفرين بين سكان سرت، الأمر الذي نتج عنه التفاوت بينهم، كما كانت هناك طبقات تقع في أسفل الهرم الاجتماعي نتيجة تردي أوضاعهم الاقتصادية والعمرانية أو بسبب حروب ونزاعات أو لظروف مناخية([76])، فهناك سكان وصفهم الإدريسي بأن “معيشتهم كدرة وأمورهم نكدة”([77])، وهذا يدل على أن تلك الطبقات كانت مفتوحة نحو الارتقاء للطبقة الخاصة أو النزول والهبوط إلى الطبقات الأقل اجتماعيًا وماليًا.
ومن خلال الروايات التاريخية والأحداث التي مرت بها البلاد، يمكننا تقسيم المجتمع السرتي إلى ثلاث طبقات هي: طبقة الخاصة، والطبقة الوسطى، وطبقة العامة وهي كالآتي:
- طبقة الخاصة: كان الولاة وأصحاب الخراج وشيوخ القبائل أهم شرائح هذه الطبقة، واستمدت مكانتها العالية من جاه السلطة والحكم، فكانت على قمة الهرم الاجتماعي ورغم قلة الروايات والأخبار المبعثرة عن هذه الطبقة، سأحاول رصد أحوالهم من خلال تحليل بعض النصوص لإعطاء نبذة عامة عنهم.
- شريحة الولاة: شهدت بلاد سرت منذ الفتح الإسلامي حتى الهجرة الهلالية أحداثًا سياسية عدة، من حيث تعاقب السلطات والدول المسيطرة على هذه الرقعة الجغرافية الهامة، وأسهم موقعها الإستراتيجي دورًا في صياغة تاريخها السياسي الذي أثر على أحوالها الاجتماعية، فتلك التطورات السياسية تبعها توالي الولاة والأمراء على هذه البلاد، فعرفت ولاة من العرب والبربر والصقليين، وتمتع الولاة بمكانة كبيرة، وانضوت قبيلة الوالي إلى هذه المكانة؛ فقد عُيِّن إبراهيم بن النصراني (84هـــ/ 703م) أميرًا على سرت في ولاية حسان بن النعمان([78])، وعُيّن عمر بن يمكتن اللواتي (ت 144هــــ/ 761م)، واليًا عليها في عهد إمامة أبي الخطاب المعافري([79])، وحظي بطاعة أهلها وتقديرهم([80]).
وفي عهد الخلافة العباسية ولّى محمد بن الأشعث عماله على المدن، ومنهم إسماعيل بن عكرمة الخزاعي الذي ولاه على ودَّان التي كانت تابعة لسرت حسب ما قال اليعقوبي([81])، وتولى سلام بن عمر اللواتي (القرن 3هــــ/9م) في عهد الدولة الرستمية أمور سرت ونواحيها([82]).
وفي عهد سيطرة دولة الأغالبة، كانت سرت محط اهتمام أمراء بني الأغلب، فقد قام أبو عبدالله محمد الثاني (261هـــ/ 875) ثامن أمرائهم الملقب بأبي الغرانيق ببناء حصون على ساحل البحر من حيز سرت وبناء مدينة أم الغرانيق([83]).
وخضعت سرت لسلطة الدولة الفاطمية (من أواخر القرن 3هــــ / 9م) (إلى نهاية القرن 4هـــ/ 10م) وأصبحت سرت عبيدية([84])، وعُيّن عبدالله بن يخلف الكتامي سنة (362هـــ/ 975م) واليًا على طرابلس وبرقة وسرت([85])، وفي سنة (355-386هــــ/ 960-996م) أضاف الخليفة العزيز الفاطمي طرابلس وسرت وأجدابيا إلى ولاية بلكين بن زيري([86])، واستمر الحكم الفاطمي لسرت حتى الهجرة الهلالية([87])، وتمتع الولاة الفاطميون بالجاه والثروة، وصاروا يجبون الأموال من العامة ويرسلونها إلى مركز الخلافة في مصر([88]).
ومن الراجح أن ولاة سرت كغيرهم من الولاة آثروا حياة السلطة وتحصيل الثروات، فبنوا القصور والمحارس الخاصة بهم وبحاشيتهم، فيذكر البكري أن مغمداس بها قصر بناه الأعرابي عامل سرت لبني عبيدالله([89]).
– صاحب الخراج: الفئة الثانية من هذه الطبقة، وربما يتسلم جميع سلطات الوالي أيضًا([90])، واستمد مكانته الاجتماعية بما ناله من سلطة وجاه، وهو في الغالب رجل منهم كما ذكر اليعقوبي([91]).
شكل النظام القبلي عصبة الحياة الاجتماعية في بلاد المغرب بما فيها سرت، فكان لشيوخ القبائل وأعيانها مكانة عالية في تسيير أمور البلاد جعلتهم ضمن هذه الطبقة، فهم أصحاب سلطة ولهم الغلبة في تسيير أمور البلاد من حيث الاقتصاد والحروب وغير ذلك([92])، وذكرهم ابن حوقل بقوله : “وفيهم ملوك ورؤساء يطيعهم الناس ولا يعصونهم ويأمرونهم فلا يخالفوهم”([93]).
- 2 – الطبقة الوسطى: وضمت التجار وأهل العلم من الفقهاء والقراء وطلبة العلم، وتعد التجارة إحدى المقومات التي أسهمت في تكوين هذه الطبقة، فقد كان لها مكانة اقتصادية قوية اكتسبتها بفضل عدة مقومات تجمعت بها دون غيرها من المدن والأقاليم([94])، وانعكس ذلك على مكانة التجار فصارت لهم مكانة اجتماعية خاصة، وعُرفوا بالفطنة والذكاء، وكون كبار التجار شبه تحالف في البلاد يديرون به الشؤون الاقتصادية في أسواقهم. ويقول عنهم البكري: “وأهل سرت من أخس الناس خلقا وأسوئهم معاملة، لا يبيعون ولا يبتاعون إلا بسعر قد اتفق جميعهم عليه”([95])، وكان للقبائل دور في التجارة، حيث يقع على عاتقهم حماية القوافل وتوفير الأمن في مدنهم([96])، وأحيانًا يخوضون نزاعات مع قبائل أخرى قد تهدد أمنهم الاقتصادي، ولقبيلتي لواتة([97])، وهوارة([98])، الدور الأبرز في ذلك لكثرة عددهم وعتادهم([99]).
وكان وضعهم المعيشي يتميز بالانتعاش الاقتصادي، من حيث المأكل والمشرب والملبس، حيث اشتهروا بكثرة أكل اللحم وخاصة لحم الماعز الذي عُرِف بطيب طعمه ولذته([100])، وأسهمت هذه الشريحة في انتعاش الحياة الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية، ووصفت بلادهم في القرن ( 4 هـــ/ 10م) بأنها: “متنوعة الأعناب والفواكه وأسعارهم صالحة على مر الأوقات”([101])، بل فاقت بعض المدن الأخرى في الرخاء الاقتصادي حسب ما ذكر ابن حوقل: “ولها أيضا من وجوه الأموال و والغلات… ما يزيد عن حال أجدابية”([102]).
وندرك بوضوح أن هذا الازدهار كان لا بد أن يوافقه مكانة اجتماعية خاصة لهذه الفئة ملائمة لوضعهم الاقتصادي المميز، فكانت أطعمتهم من القمح والشعير([103])، واللحوم والتمور التي أشادت بها الروايات التاريخية بلذتها وجودتها([104]).
وحظيت شريحة العلماء وأهله بمكانه مرموقة، ونالوا احترام الناس وتقديرهم وزخرت بلاد سرت بنخبة من رجال العلم وطلابه، وارتفع شأنهم عند خاصة الناس وعامتهم، فقد حظي أبو حفص عبدالجبار السرتي ( 194-281هـــ/ 809-894م) بمكانه مرموقة عند أهل العلم والأمراء والخلفاء([105])، وحرص الناس على تعليم أبنائهم على يديه، ولا تبدأ حلقة العلم إلا بحضوره([106])، وكان الأمير الأغلبي إبراهيم بن الأغلب يحرص على حضور الشيخ لمجلس حكمه والأخذ برأيه([107])، ويعود هذا التقدير لشريحة العلماء لعلمهم بكتاب الله وعلومه، فضلًا عن دورهم في التعليم وإنفاقهم على الفقراء والمساكين بما يحصلون عليه من الأموال التي تأتيهم من الخلفاء والأمراء([108]).
وعلى الرغم من هذه المكانة المرموقة لم يقف سعيهم في طلب الرزق، فقد اشتغل بعض العلماء في مهن وحرف اشتهروا بها، فالعالم أبو محمد عبدالله السرتي المعروف بالغيمي الفخار (206هــــ/ 821م)، أخذ هذه الصفة نسبة لعمله في صناعة الفخار([109]).
ولم يختفِ العلماء عن المسرح السياسي، فقد قرّبهم الحكام إليهم لإضفاء الصفة الشرعية لحكمهم؛ إذ عيّن الإمام أبو الخطاب المعافري العالم عمر بن يمكتن (141هــــ/759م) واليًا على سرت([110])، فرحبت القبائل بهذه الولاية لمعرفتهم به؛ فقد كان أحد طلاب العلم الذين أخذوا علمهم في مدينة مغمداس، بل وشاركت هذه القبائل معه في معاركه لصد هجوم الجيش العباسي بقيادة عبدالرحمن بن الاشعث سنة (144هــــ/ 761م) ([111])، ومنها قبائل لواتة ومزاتة وهوارة([112]).
وصفوة القول إن هذه الطبقة اكتسبت مكانة مرموقة، وكانت محل تقدير الخاصة والعامة، وكان لهم دور في الحياة الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والثقافية؛ ويعد اليهود ضمن هذه الطبقة لدورهم في نشاط الحركة التجارية([113]).
- 3 – طبقة العامة: ضمت أغلبية السكان، ومنهم الحرفيون والصناع والفلاحون والرعاة وأهل الحراسة والغفارة وغيرهم، ويأتي الرقيق في أدناها فقد استخدموا في أغراض خدمية متعددة منها الحراسة والرعي والأعمال الحرفية وغير ذلك من المهن الخدمية([114]).
وأسهم توفر الموارد الطبيعية التي اشتهرت بها البلاد من معادن وموارد طبيعية وزراعية في قيام حرف وصناعات، أسهمت في تنوع مصادر دخلهم الاقتصادي. وعمل الصناع واغلبهم من العبيد([115]) في صناعة الشب السرتي الذي استخدموه في دباغة الجلود([116])، ومن المرجح قيام صناعات أخرى ومنها الصناعات الجلدية مثل السروج والأحذية([117])، وعلى الرغم من تمتع الصناع بكثير من حقوق الأحرار فإن وضعهم الاجتماعي أقل درجة من الطبقة الوسطى([118]).
وارتبطت حياة الفلاحين بأرضهم ومحاصيلهم فسكنوا القرى([119])، ويسميها ابن عبدالحكم القصور([120])، وفي مواسم الحصاد يخرجون من قراهم ويقيمون في مزارعهم([121])، وتذبذب وضعهم الاجتماعي مع تذبذب الأمطار والوضع الأمني، فتأثروا بالقحط والحروب([122])، لذلك فهم أقل درجة من أصحاب الطبقتين الخاصة والوسطى.
ويعد البدو من ضمن هذه الشريحة التي امتهنت الرعي، واتخذوا من الخيام سكنًا لهم([123])، واشتهرت بلادهم بتربية الماشية وخاصة الماعز([124])، والإبل([125])، ولهذا كانت المراعي تشكل دورًا مهمًا في حياتهم ومحل نزاعات بين القبائل([126])، وانعكس ذلك على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي وجعلهم ضمن الطبقة العامة.
وتضم هذه الطبقة أهل الحراسة والغفارة الذين كانوا يؤجرون لحراسة المدن والأسواق([127])، وهي الغالب أوكلت للعبيد([128])، ويأتي الرقيق أدنى الهرم الاجتماعي([129])، واتفقت معظم الروايات التاريخية على أن الرقيق أحد أهم السلع لتجارة القوافل الصحراوية، ويأتيها عن طريق زويلة([130]) ويصدر من مينائها، وتبقى أعداد منهم في سرت([131]).
أما عن وضعهم الاجتماعي فقد عانوا من تدني مستواهم الاجتماعي، ووقع على عاتقهم الأعمال الخدمية كالزراعة والرعي والصناعة([132])، وهم يعدون سلعة رخيصة تباع بأبخس الأثمان([133])، ونتيجة لذلك كان مستواهم الاجتماعي متدنيًا.
ونستخلص مما سبق أن الهرم الاجتماعي للمجتمع السرتي أثرت فيه عدة مؤثرات منها اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية وحتى جغرافية. فأدى ذلك على انعكاسها على الحياة العمرانية فيها والتي شهدت تنوعًا وتطورًا طيلة العصر الإسلامي وأثرت بها الهجرة الهلالية كغيرها من عمران بلاد المغرب.
- ب – التمدن والعمران
تبين الروايات التاريخية أن عمران البلاد مر بأطوار متعددة وأدت الأحوال السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية دورًا في تلك التطورات، فنحن ندرك أن تطور العمارة له علاقة متلازمة مع التطور السكاني والانعكاس الاقتصادي والعكس صحيح.
شهدت بلاد سرت عند الفتح الإسلامي تواجدًا عمرانيًّا، ذكره ابن عبدالحكم وهي القصور([134])، والتي انتشرت على الساحل حتى مدن فزان وكانم([135])، وزاد بها العمران في إقامة حسان بن النعمان الذي قام ببناء قصوره التي عرفت باسمه([136])، كما أنشأ على شاطئ البحر في منطقة مرتفعة محارس للمراقبة والحراسة والمعروفة باسم قصر أحمد([137])، وهو أول محرس في البلاد في القرن (1هــــــ/ 7م) ويعد بداية لانتشار المحارس في الشمال الإفريقي وصار يعرف باسم ضريح سيدي بوشعيفة([138]).
وزادت المحارس في القرن (3هـــ/ 9م) ففي عهد الأغالبة أنشأ أحد أمرائها المكنى أبو الغرانيق (350-361هـــ/ 863-864م)، عدة محارس وحصون على طول الساحل، ومنها مدينة أم الغرانيق الموجودة في حيزها([139]).
أما فيما يخص التخطيط العمراني للمدينة، فقد أثرت فيه الظروف التي مرت بها بلاد المغرب وألقت بظلالها على الحياة العمرانية، سواء من حيث الازدهار أو التدهور والانحصار. وأعطى المؤرخون والجغرافيون العرب وصفًا بسيطًا لعمرانها، فقال اليعقوبي: “بأنها مدينة ذات سور صالح كالمنيع من طين وطابية”([140])، ووصفها المقدسي بأنها: “…وأجدابية عامرة، بنيانهم حجارة على البحر وشربهم من الأمطار وسرت كذلك ولهما بوادٍ وشعاري”([141])، وذكرها البكري بأنها: “مدينة كبيرة تقع على ساحل البحر، يحيط بها سور من الطوب، وبها جامع وحمام وأسواق، وبها ثلاثة أبواب: القبلي والبحري والثالث صغير يشرف على البحر وبها الآبار كثيرة”([142])، وأخبر عنها الإدريسي بقوله: “مدينة محاطة بسور تراب ومحاطة بالرمل والعشب بها قليل”([143]).
وشهدت سرت أحداثًا أسهمت في تدمير عمرانها، أبرزها الهجرة الهلالية في القرن (5هــــــ/ 10م) واستمر هذا الخراب حتى القرن (8 هـــ/ 14م)، حينما أكد ابن سعيد على ذلك بقوله: “من القواعد القديمة المذكورة في الكتب وعلى ألسن المارة، وقد خربها العرب ولم يبق فيها إلا قصور سكنها اتباعهم”([144]).
أما عن تخطيط المدينة ومؤسساتها العمرانية، فيمكن توضيحها من خلال الروايات التاريخية التي من أهمها:
- أ – الجامع([145]): وهو أساس العمران، ويحظى بموقع مناسب في مركز المدينة([146])، كما لا تخلو المدن الأخرى التي تقع ضمن حيزها من وجود الجامع([147])، وهذا يعود لأنه حجر الأساس ونواة العمران في تكوين المدن الإسلامية عامة.
- ب – الحمام: ووصفه ميسانا بأنه شبيه بالحمام الروماني المنحدر من أصل شرقي([148])، ويتوفر فيه الماء الجاري لوجوب الوضوء والغسل قبل الصلاة([149])، ولم تذكر المصادر المتاحة بين يديّ الآن أسماء الحمامات فيها.
- ج – الأسواق: أسهم الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد في نشاطها الاقتصادي، ولمواكبة هذا النشاط كان لابد من وجود الأسواق التجارية، والتي اشتهرت بالنظام وسيطرة التجار على تسيير وإدارة شؤونها بكل دقة([150])، وكانت السلع المعروضة متنوعة كالزيت والتمور والأعناب والشعير والرقيق وسلع بلاد السودان وغير ذلك([151])، وكانت أسواقًا ثابتة ودائمة([152])، وترد البضائع إليها عن طريق مينائها والقوافل التجارية الصحراوية، فضلًا عن قوافل التجارة المتجهة شرقًا وغربًا([153])، وقد تأثرت الأسواق بالأحوال السياسية التي شهدتها البلاد وأبرزها الهجرة الهلالية، فانعكس ذلك سلبًا على عملها ونشاطها، فأصيبت بالكساد وصارت تسد كفاف وحاجة المدينة فقط([154]).
- د – المساكن: تنوعت المساكن بتنوع طبقات السكان وظروف معيشتهم، سواء في المدينة أو القرية أو البدو الرحل، فكل فئة مساكن خاصة بهم، ومثلت مدينة سرت قصبة أو عاصمة المدن التابعة لها، فهي الأكثر عمارة كونها مركز النشاط الاقتصادي فيها، وكانت مساكنها متلاصقة ومحاطة بسور وذلك لحمايتها([155])، أما القصور([156])، فقد انتشرت في نواحيها وهي قرىً يعيش فيها الفلاحون ولا تتعدى اثني عشر إلى خمسين دارًا، وعدد سكانها قليل، وتشترك عدة قرىً في جامع واحد([157]).
أما البدو الرحّل فكانت بيوت الشعر مساكنهم([158])، لملائمتها حياة التنقل والترحال بحثًا عن مواطن الكَلا([159])، وذكر ابن حوقل أن بلاد سرت بعد سقوط المطر تُنتَجع أراضيها من القبائل([160]). وأكثرها يكون إلى الجنوب منها([161]).
ونستخلص مما سبق أن التركيبة السكانية والأحوال الاقتصادية والسياسية كان لها أثر كبير في الحياة العمرانية، وشهدت استقرارًا وازدهارًا طيلة العصر الإسلامي حتى القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، المقترن بالهجرة الهلالية التي أثرت سلبًا على العمران في بلاد المغرب عامة([162])، وعانت سرت من تردي المستوى المعيشي، وتعرض عمرانها للخراب والدمار([163])، وقد لخّص الإدريسي الوضع بقوله: “أنها في نهاية ضعف وقلة عامر ومنافعها على قدرها، وبها بقايا نخيل، ولا زيتون بها وبقايا شجر التين وليس بها من العشب ما بأوجلة، وكان نخليها فيما سلف فوق الكفاف لهم، وكانت لهم أعناب وفواكه إلا إنها تلفت في وقتنا هذا ولم يبق منها شيء إلا ما كان في بطون الأودية ورؤوس الجبال ومياههم من المطر وأبارهم قليلة”([164]).
وخلاصة القول إن سرت ومدنها مرت بعدة محن متعددة ومتنوعة أثرت تأثيرًا كبيرًا في حياتها الاجتماعية والاقتصادية، وتدني مستواها الاقتصادي تدنّيًا عامًّا، وهذا الأمر ينطبق أيضا على بلاد المغرب عامة.
الخاتمة
بعد دراستي لموضوع “التركيبة السكانية وأثرها على تمدن المجتمع والعمران في بلاد سرت منذ الفتح الإسلامي حتى الهجرة الهلالية” توصلت لأبرز النتائج وهي فيما يلي:
أظهرت الدراسة أن الحياة الاجتماعية في بلاد سرت شهدت تنوعًا فيما يخص عناصر السكان في الحقبة التاريخية لموضوع الدراسة وأثر ذلك على تمدن المجتمع وعمرانه، سواء من حيث الازدهار والنمو في مرحلة الاستقرار والسلم أم التدهور والضعف في مرحلة الحروب والنزاعات. واسهم موقعها الجغرافي الإستراتيجي بدور بارز في تلك التأثيرات.
وأسهمت الأحوال الجغرافية والسياسية والاقتصادية والدينية في ترك أثر واضح على تكوين المجتمع السرتي وعمرانه، فأدت إلى جذب عناصر سكانية أخرى لغرض التجارة بشكل رئيس، فضلًا عن الزراعة والصناعة، فنتج عن ذلك وجود الرقيق واليهود من ضمن عناصر سكانها، ولكن بنسب أقل عن سكان البلاد الرئيسيين ، وهذا يدل دلالة واضحة على العمق الإستراتيجي لموقع سرت الجغرافي قديمًا وحديثًا.
وأكدت الدراسة أن جوانب الحياة الاجتماعية لم تكد تختلف عما كان متبعًا في بلاد المغرب عامة وإقليمي برقة وطرابلس خاصة، وظهر ذلك جليًّا في المسكن والملبس والمأكل والمشرب، فضلًا عن اتصافهم بعادات وتقاليد اجتماعية اتسموا بها دون غيرهم من سكان المدن والأقاليم الأخرى، فعرفوا بالذكاء والفطنة والشدة في تعاملهم مع العناصر السكانية التي دخلت مدنهم.
الهوامش:
([1]) أستاذ مساعد في التاريخ الإسلامي قسم التاريخ، كلية الآداب/ جامعة طبرق – ليبيا.
([2]) ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت1991م، ج3، ص206.
([3]) أوجلة: مدينة في جنوب برقة المغرب، منها يدخل إلى كثير من أرض السودان؛ انظر: ابن حوقل: صورة الأرض، دار صادر، بيروت، ط2، 1938م، ص67؛ البكري، المغرب في ذكر برد إفريقية والمغرب وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1837م، ص14-15.
([4]) برقة: تطلق على المنطقة الواقعة بين عقبة السلوم شرقًا وحدود طرابلس غربًا؛ انظر: ابن حوقل، المصدر السابق، ص66-67؛ البكري، المصدر السابق، ص5.
([5]) طرابلس: تقع في آخر أرض برقة وأول أرض إفريقية على ساحل البحر؛ انظر: ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج1، ص309.
([6]) البكري: المصدر السابق، ص6.
([7]) فزان:ولاية واسعة بين الفيوم وطرابلس الغرب؛ ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج3،ص890-898.
([8]) ابن عبدالحكم، فتوح مصر والمغرب، تحقيق على محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 1990م، ص222.
([9]) عمورة، على الميلودي، القلاع والحصون والقصور والمحارس، منشورات مركز جهاد الليبيين، ليبيا، 2005م، ص 136.
([10]) ابن خلدون، العبر، مؤسسة جمال للطباعة، بيروت، 1979م، ج4، ص 201؛ الزاوي، الطاهر أحمد، معجم البلدان الليبية، مكتبة النور، طرابلس، 1968م، ص 40.
([11]) اليعقوبي، البلدان، تحقيق محمد أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م، ص 183.
([12]) اليعقوبي، المصدر نفسه، ص 182.
([14]) اليعقوبي، المصدر نفسه، ص 182.
([16]) الشماخي، كتاب السير، تحقيق محمد حسني، المدار الإسلامي، بيروت، 2009م، ج2، ص987.
([17]) النائب الأنصاري، المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب، مطبعة جمال أفندي، مصر، 1797م، ص81.
([18]) الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1994م،مج2،ص 313-314.
([19]) التيجاني، رحلة التيجاني، تحقيق حسن حسني عبدالوهاب، الدار العربية للكتاب، ليبيا، 1981م، ص110-113؛ النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص140.
([21]) قبائل متعددة ومتنوعة، واختلفت الآراء حول أصولهم، ومن الصعب التطرق إلى دراسة أنسابهم بالتفصيل في هذه الدراسة، فهناك العديد من المؤرخين والنسابة الذين خاضوا في هذا المجال؛ انظر: ابن عبدالحكم، المصدر السابق، ص 228-231؛ ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص ص177-200؛ الكعاك، عثمان، البربر، نشر تا فناست، 1375هـــ، ص 5-54.
([22]) ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص 134.
([23]) الإدريسي، المصدر السابق، مج1، ص 112-113.
([24]) البكري، المصدر السابق، ص6.
([25]) ابن حوقل، المصدر السابق، ص 68.
([27]) الشماخي، المصدر السابق، ج2، 339
([28]) بابا عمي، محمد موسى وآخرون، معجم أعلام الاباضية، دار المغرب الإسلامي، بيروت، 2000م، ص 188-189.
([29]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص 182-183.
([30]) الادريسي، المصدر السابق، مج1، ص 312.
([31]) الزاوي، معجم، ص 184؛ بازامة، محمد، سكان ليبيا، دار الحوار الثقافي، بيروت، 1994م، ص178.
([32]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص184.
([33]) جاك، تاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى، ترجمة جاد الله عزوز الطلحي، منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، ليبيا، 2002م، ص 223.
([34]) كتاب الجغرافيا، تحقيق إسماعيل العربي، منشورات المكتب التجاري، بيروت، 1979م، ص128.
([35]) النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص87.
([36]) تيري، المرجع السابق، ص 590.
([37]) بدأ توافد العرب إلى مدن سرت مع بداية الفتوحات الإسلامية لها سنة (22هــ/642م)؛ ابن عبدالحكم، المصدر السابق، ص227؛ البلاذري، فتوح البلدان، تحقيق أنيس الطباع، دار المعارف، بيروت، 1987م، ص314.
([38]) تيري، المرجع السابق، ص 105-108.
([39]) ابن عبدالحكم، المصدر السابق، ص 222.
([40]) البلاذري، المصدر السابق، ص315.
([41]) ابن عبدالحكم، المصدر السابق، ص 222-223.
([42]) معمر، على يحيى، الإباضية في موكب التاريخ، مكتبة الضامري، سلطنة عمان، ط3، 2003م، الحلقة الثانية، القسم الأول، ص157.
([43]) ابن عبدالحكم، المصدر السابق، ص200.
([44]) البلاذري، المصدر السابق، ص276.
([45]) لانغي ديرك، منطقة التشاد عند مفترق الطرق، تاريخ أفريقيا العام، مج3، ص 271-272.
([46]) ضيف، شوقي، عصر الدول والإمارات ليبيا، تونس، صقلية، دار المعارف، مصر، ط3، 1993م، ص 29-49.
([47]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص 183؛ البكري، المصدر السابق، ص 11؛ تيري، المرجع السابق، ص 400-404.
([48]) البكري، المصدر السابق، ص9؛ الدرجيني، طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق إبراهيم طلاي، الجزائر، 1974م، ج1، ص38-39.
([49]) أبو زكريا: كتاب السيرة وأخبار الأئمة، تحقيق عبدالرحمن أيوب، الدار التونسية للنشر، تونس، 1985م، ص57؛ الدر جيني: المصدر السابق، ج1، ص52.
([50]) البكري، المصدر السابق، ص9؛ الشماخي، المصدر السابق، ج2، ص253.
([52]) سهميون: نسبة إلى سهم بن هصيص بن كعب أحد بطون قريش، وهم شاركوا في الفتح مع عمرو بن العاص وإليهم ينتسب؛ انظر: السويدي، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، تحقيق كمال مصطفى الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت،2007م، ص282-283؛ تيري، المرجع السابق، ص452-453.
([53]) حضرميون: نسبة إلى حضرموت باليمن، وقد تعود تسمية الحي الحضرمي إلى بوص نسبة إلى قرية بوس قريبة من صنعاء في اليمن. والحضرميون قبيلة من قحطان وبهم عرفت مدينة حضرموت؛ انظر: السويدي، المصدر السابق، ص46-47؛ تيري، المرجع السابق، ص453.
([56]) تاريخ الصحراء الليبية، ص403.
([57]) قبائل بني هلال وبني سليم: جاءت من مصر في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، إلى بلاد المغرب تنفيذًا للسياسة الفاطمية التي هدفت إلى التخلص منهم؛ لأنهم شكلوا مصدر قلق وتهديد لحكمهم في مصر، فضلًا عن التخلص من خصومهم في بلاد المغرب من بني زيري الذين استقلوا عن سلطة الفاطميين، وكانت تلك القبائل على درجة عالية من قوة الأبدان والتمرس في القتال فقاموا بالنهب والسلب، ونسفوا عمران المدن كبرقة وأجدابيا وسرت وزويلة وغيرها من مدن المغرب؛ انظر: التيجاني، المصدر السابق، ص331؛ ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص 84-103؛ مؤنس، حسين، معالم تاريخ المغرب والأندلس، دار الرشاد، القاهرة،1992م، ص169.
([58]) ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص84.
([59]) النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص25.
([62]) تيري، المرجع السابق، ص658- 659؛ موسى، عز الدين عمر، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 2003م، ص 117.
([63]) سكنوا بلاد المغرب منذ عهود قديمة ترجع إلى ما قبل الميلاد في فترة حكم بطليموس الأول؛ انظر: بشير، عبدالرحمن، اليهود في المغرب العربي، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، 2001م، ص 54.
([64]) موسى، المرجع السابق، ص109.
([65]) تيري، المرجع السابق، 662-663.
([67]) البلدان، ص182؛ نزهة المشتاق، مج1، ص216.
([68]) الشعباني، مصطفى محمد، يهود ليبيا، دار الكتب الوطنية، ليبيا،2006م، ص 87؛ موسى، المرجع السابق، ص109.
([69]) الزعفراني، حاييم، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مرسم الرباط، المغرب، 2000م، ج2، ص326- 327؛ المزيني، صالح مصطفى مفتاح، ليبيا منذ الفتح حتى انتقال الخلافة الفاطمية إلى مصر، الدار العربية للنشر والتوزيع، طبرق – ليبيا،2002م، ص194.
([70]) موسى، المرجع السابق، ص110؛ الشعباني، المرجع السابق، ص 85.
([71]) المقدمة، دار صادر، بيروت، 2000م، ص 261؛ “استخدمت هذا المصدر في هذا الهامش فقط”.
([72]) تيري، المرجع السابق، ص407.
([74]) تيري، المرجع السابق، ص407.
([75]) ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص 133.
([76]) موسى، المرجع السابق، ص9.
([77]) نزهة المشتاق، مج1، ص 115.
([78]) الزاوي، الطاهر أحمد، تاريخ الفتح العربي في ليبيا، دار المعارف، مصر، 1993م، ص94.
([79]) الشماخي، المصدر السابق، ج2، ص 247-256..
([80]) معمر، المرجع السابق، الحلقة الثانية، القسم الأول، ص41.
([82]) بابا عمي، المرجع السابق، ج2، ص 188.
([83]) أم الغرانيق: وهي معروفة بهذا الاسم إلى الآن، ويرجع السبب في تسميتها بذلك لشغف هذا الوالي بصيد الطيور خاصة طائر الغرنيق، (وجمعه غرانيق)، وكانت البلاد من أحد المحطات الهامة التي تقصدها الطيور البرية، فعُرفت هذه المدينة باسمه؛ انظر: النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص68؛ الزاوي، معجم، ص40؛ المزيني، المرجع السابق، ص 109.
([84]) النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص81.
([85]) النائب الأنصاري، المصدر نفسه، ص 87؛ المزيني، المرجع السابق، ص 162.
([86]) التيجاني، المصدر السابق، ص17؛ ابن خلدون، المصدر السابق، ج6، ص156..
([87]) تيري، المرجع السابق، ص 402.
([88]) المزيني، المرجع السابق، ص 152-153.
([90]) عباس، إحسان، تاريخ ليبيا، دار ليبيا، بنغازي، 1967م، ص 102.
([92]) تيري، المرجع السابق، ص 237.
([94]) القرقوطي، معمر الهادي، “مدينة سرت أهميتها الجغرافية والاقتصادية”، مجلة البحوث التاريخية، مركز جهاد الليبيين، ليبيا، ع2، 2009م، ص 160-165.
([95]) المغرب، ص6؛ ويعلق الطاهر الزاوي على رواية البكري بقوله: “والذي يتأمل في وصف البكري لسكان سرت لا يعدم منفذًا لنقده؛ لأن هذه الأوصاف لا تنطبق على البربر، لأن البربر قد جلوا من منطقة سرت بعد حروب محمد بن الأشعث وأبي الخطاب الإباضي التي كانت سنة 144هـ، وكانت حربا طاحنة بقرب (مغمداس) قتل فيها أكثر من اثني عشر ألفا، وما الذي يلجئ البربر لترك لغتهم – وهي بطبيعتها غير مفهومة للعرب… ولا ينطبق على العرب، لأنهم لا لغة لهم غير العربية ولا تنطبق عليهم الأوصاف الأخرى لأن العرب موصوفون بالكرم. والمرجح أن سكان سرت زمن زيارة البكري لها كانت أكثريتهم من العرب إن لم يكونوا كلهم عربا، لذلك فإن رواية البكري قابلة للشك فيها”؛ انظر: معجم، ص 190.
([96]) القرقوطي، المرجع السابق، ص 162-165.
([97]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص183.
([98]) الإدريسي، المصدر السابق، مج1، ص312.
([99]) تيرى، المرجع السابق، ص184.
([100]) البكري، المصدر السابق، ص6.
([101]) ابن حوقل، المصدر السابق، ص68.
([103]) المزيني، المرجع السابق، ص 178.
([104]) البكري، المصدر السابق، ص178.
([105]) النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص 76-77.
([106]) المالكي، رياض النفوس، تحقيق رياض البكوش، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1994م، ج1، ص467.
([107]) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 466-467.
([108]) المالكي، المصدر نفسه، ص 467.
([109]) المصدر نفسه، ج2، ص ص 189-192.
([110]) الشماخي، المصدر السابق، ج2، ص 269؛ معمر، المرجع السابق، القسم الأول، الحلقة الثانية، ص156-157.
([111]) أبو زكريا، المصدر السابق، ص71.
([112]) الشماخي، المصدر السابق، ج2، ص 265-269؛ معمر، المرجع السابق، ص157-158.
([113]) الشعباني، المرجع السابق، ص ص85، 87.
([114]) تيري، المرجع السابق، ص 622.
([115]) موسى، المرجع السابق، ص ص119-120.
([116]) تيري، المرجع السابق، ص624.
([117]) المزيني، المرجع السابق، ص211.
([118]) موسى، المرجع السابق، ص ص 119-120.
([119]) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1995م، ج5، ص 100-102.
([121]) موسى، المرجع السابق، ص 188-189.
([122]) تيري، المرجع السابق، ص 401-405.
([123]) ابن حوقل، المصدر السابق، ص 683.
([124]) البكري، المصدر السابق، ص 6.
([125]) ابن حوقل، المصدر السابق، ص 68.
([126]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص 183-184.
([127]) البكري، المصدر السابق، ص11
([128]) موسى، المرجع السابق، ص 119-120.
([129]) تيري، المرجع السابق، ص 662-663.
([130]) البكري، المصدر السابق، ص 12؛ الادريسي، المصدر السابق، مج1، ص312.
([131]) تيري، المرجع السابق، ص 404.
([132]) موسى، المرجع السابق، ص 129.
([133]) الإدريسي، المصدر السابق، مج1، ص312.
([134]) عبارة عن قرى محصنة يعيش فيها الفلاحون؛ انظر: موسى، المرجع السابق، ص 188.
([136]) البلاذري، المصدر السابق، ص 270.
([137]) نسبة إلى فقيه مجاهد وهو أبو سجيف ابن قيس بن الحارث بن العباس، شارك في الفتوحات الكبرى، وشهد موقعة اليرموك وغيرها. انظر: عمورة، المرجع السابق، ص 187.
([138]) عمورة، المرجع نفسه، ص 187-188.
([139]) ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص430؛ المزيني، المرجع السابق، ص109.
([141]) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة بريل، ليدن، ط2، 1906م، ص 334.
([143]) نزهة المشتاق، مج1، ص 298.
([144]) الجغرافيا، المصدر السابق، ص127.
([145]) انظر كيفية بنائه وتشييده عند: ميسانا، غاسبري، المعمار الإسلامي في ليبيا، ترجمة على الصادق، دار الجبل، بيروت، 1998م، ص 124.
([146]) ميسانا، المرجع نفسه ص 124.
([147]) البكري، المصدر السابق، ص 6-12.
([148]) المعمار الإسلامي، ص 99.
([149]) ميسانا، المرجع نفسه، ص 99.
([150]) البكري، المصدر السابق، ص 6.
([151]) اليعقوبي، المصدر السابق، ص 182-183.
([152]) البكري، المصدر السابق، ص6.
([153]) ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج3، ص212.
([154]) الإدريسي، المصدر السابق مج1، ص298-310.
([155]) عوض، حسان، “مدن الواحات في الصحراء الكبرى”، مؤتمر ليبيا في التاريخ، الجامعة الليبية، 1968م، ص70-71.
([156]) ابن عبدا لحكم، المصدر السابق، ص222.
([157]) موسى، المرجع السابق، ص 188-189.
([158]) ابن حوقل، المصدر السابق، ص68.
([159]) الادريسي، المصدر السابق، مج1، ص 112-113.
([161]) البكري، المصدر السابق، ص12.
([162]) تيري، المرجع السابق، ص 278-279.
([163]) ابن سعيد، المصدر السابق، ص128.
([164]) نزهة المشتاق، مج1، ص 298-310.
قائمة المصادر والمراجع
أولًا- المصادر
- الإدريسي (أبو عبدالله بن عبدالله إدريس، ت 558هـــ / 1162م): نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 1994م.
- البكري (أبو عبيدالله ت 487هــــ / 1094م): المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1837م.
- البلاذري (أحمد بن يحيى ت 279 هــــ / 892م): فتوح البلدان، تحقيق أنيس الطباع، دار المعارف، بيروت 1987م.
- التيجاني (عبدالله بن محمد ت 707هـــــ/ 1307م): رحلة التيجاني، تحقيق حسن حسني عبدالوهاب، الدار العربية للكتاب، ليبيا، 1981م.
- ابن حوقل (أبو القاسم محمد النصيبي ت 380هـــــ/990م): صورة الأرض، دار صادر، بيروت، 1938م.
- ابن خلدون (عبدالرحمن بن محمد ت808هــــ/ 1405م)، العبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة جمال للطباعة، بيروت، 1979م.
- المقدمة، دار صادر، بيروت، 2000م.
- الدرجيني (أبو العباس أحمد ت670 هـ /1271م): طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق إبراهيم طلاي، الجزائر، 1974م.
- أبو زكريا (يحيى بن أبي بكر ت ق4 / 10 م): كتاب السيرة وأخبار الأئمة، تحقيق عبدالرحمن أيوب، الدار التونسية للنشر، تونس، 1985م.
- ابن سعيد (على بن موسى بن محمد ت685 هــــــ/ 1986م): كتاب الجغرافيا، تحقيق إسماعيل العربي، منشورات المكتب التجاري، بيروت، 1970م.
- السويدي (أبو الفوز محمد أمين ت 1246هـ/ 1830م): سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، تحقيق كمال مصطفى، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007م.
- الشماخي ( أبو العباس أحمد بن سعيد ت928هـــ/ 1522م): كتاب السير، تحقيق محمد حسني، الدار الإسلامي، بيروت، 2009م.
- ابن عبدالحكم (عبدالرحمن بن أعين ت 257هــــ/ 871م): فتوح مصر والمغرب، تحقيق على محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1990م.
- المالكي ( عبدالله بن أبي عبدالله ت نهاية القرن 4هــــ /10م): رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية، تحقيق بشير البكوش، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1994م.
- المقدسي (أبو عبدالله محمد المعروف البشاري، ت حوالي 380هــــ/990م): أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة بريل، ليدن، ط2، 1906م.
- ابن منظور (جمال الدين أبو الفضل ت 711هــــ/1311م): لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1995م.
- النائب الأنصاري (أحمد بن حسين، ت 1335هــــ/ 1917م): المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب، طبعة جمال أفندي، مصر، 1797م.
- ياقوت الحموي (شهاب الدين أبو عبدالله ت 626هـــــ/ 1228م): معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1991م.
- اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب ت 284هـــــ/ 897م): البلدان، تحقيق محمد أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م.
ثانيا- المراجع
- بابا عمي، محمد بن موسي وآخرون: معجم أعلام الإباضية من القرن الأول الهجري إلى العصر الحاضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 2002م.
- بازامه، محمد: سكان ليبيا، دار الحوار الثقافي، بيروت، 1994م.
- بشير، عبدالرحمن، اليهود في المغرب العربي، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، 2001م.
- تيري، جاك، تاريخ الصحراء الليبية خلال العصور الوسطي، ترجمة جاد الله عزوز الطلحي، منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، ليبيا، 2002م.
- الزاوي، أحمد الطاهر، تاريخ الفتح العربي في ليبيا، دار المعارف، مصر، 1993م.
- معجم البلدان الليبية، مكتبة نور، طرابلس- ليبيا، 1968م.
- الزعفراني، حاييم، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مرسم الرباط، المغرب، 2000م.
- الشعباني، مصطفى محمد، يهود ليبيا، دار الكتب الوطنية، ليبيا،2006م.
- ضيف، شوقي، عصر الدول والإمارات ليبيا، تونس، صقلية، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1992م.
- عباس، إحسان: تاريخ ليبيا منذ الفتح العربي حتى مطلع القرن التاسع الهجري، دار ليبيا، بنغازي، 1967م.
- عمورة، على الميلودي: القلاع والحصون والقصور والمحارس، منشورات مركز جهاد الليبيين سلسلة الدراسات التاريخية، ليبيا، 2005م.
- عوض، حسان: ” مدن الواحات في الصحراء الكبرى”، مؤتمر ليبيا في التاريخ، الجامعة الليبية، 16-23 مارس، 1968م.
- القرقوطي، معمر الهادي،” مدينة سرت أهميتها الجغرافية والاقتصادية”، مجلة البحوث والتاريخية، مركز جهاد الليبيين، ليبيا، العدد2، 2009م.
- الكعاك، عثمان، البربر، تافناست، جمادي الاولى، 1375هـــــ.
- لانغي، ديرك،” منطقة التشاد عند مفترق الطرق”، تاريخ إفريقيا العام، اليونسكو، ط2، مج3، 1997م.
- مؤنس، حسين، معالم تاريخ لمغرب والأندلس، دار الرشاد، القاهرة، 1992م.
- المزيني، صالح مصطفي مفتاح، ليبيا منذ الفتح العربي حتى انتقال الخلافة الفاطمية إلى مصر، الدار العربية للنشر، طبرق- ليبيا، 2002م.
- معمر، على يحيى، الإباضية في موكب التاريخ، مكتبة الضامري، سلطنة عمان، ط3، 2003م.
- موسى، عزالدين عمر، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 2003م.