د. علي عفيفي علي غازي
د. علي عفيفي علي غازي([1])
الملخص
لعب شهاب الدين محمود الآلوسي دورًا بارزًا مساندًا للسلطان العثماني في صراعه مع محمد علي باشا، والي مصر (1805-1849م)، إذ استعان به علي رضا باشا، والي بغداد (1831-1841م)، ليراسل فيصل بن تركي آل سعود في الجزيرة العربية ليثور ضد محمد علي، وليؤلف كتابًا يحث فيه الناس على طاعة السلطان والوقوف بجانبه، وهو أمر يثير إشكالية تمثل الفكرة الرئيسة لهذا البحث، إذ كيف يقف مساندًا لثورة داود باشا، والي بغداد (1817 – 1831م)، ضد السلطان العثماني في سنة 1830م، وكذلك يساند عبدالغني الجميل زاده في ثورته ضد الوالي العثماني 1831م، ثم ينقلب بعد أشهر معدودات لمساندة السلطان ضد والي مصر، فيحاول البحث تبيان أسباب ذلك الانقلاب، ودوافعه، من خلال تسليط الضوء على نسب الآلوسي ومولده ونشأته، وأساتذته وفكره، وموقفه من تمرد داود باشا، وثورة بغداد، والتوسع المصري في سورية، مبينًا أسباب انقلابه من معارضة السلطان العثماني إلى التأييد، ونتائج ذلك، وهل كان دوافعه كسب مادي أم وازع ديني؟
الكلمات المفتاحية: الدولة العثمانية، مصر، العراق، محمد علي،السلطان محمود الثاني،أبو الثناء الألوسي.
Summary
The attitude of Abū al-Thanā’ al-Ālūsī from the ottoman Egyptian conflict
In the thirties of 19th century
Peninsula
Shihab ad-Din Mahmud Al-Alusi played a major supportive role for the Ottoman Sultan in his conflict with Mohammed Ali Pasha, Governor of Egypt (1805-1849). Ali Rıza Pasha, Governor of Baghdad (1831-1841), had asked his assistance in communicating with Faisal bin Turki Al Saud in Arabia in order to convince him to revolt against and to interpret a book encouraging people to obey and support the Sultan. This has raised a problem that will be the main topic in this research. How he supported the revolution of Davud Pasha, Governor of Baghdad (1817-1831), against the Ottoman Sultan in 1830? And how he supported Abdul Ghani Jamil Zada in his revolution against the Ottoman Governor in 1831 and then revolted after few months to support the Sultan against the governor of Egypt? The research will reviews the reasons and motives behind that revolt through shedding light on Al-Alusi’s origin, birth, early life, masters, thought and attitude from the revolt of Davud Pasha, the revolution of Baghdad and the Egyptian expansion in Syria. It will also show the reasons behind his turning from opposing to supporting the Ottoman Sultan, the results of this turn and whether he took such attitudes for material gain or religious influences.
Key Wordes: Ottoman Empire, Egypt, Iraq, Muhammad Ali, Ottoman Sultan Muhmmud II, Abū al-Thanā’ al-Ālūsī.
يستعرض البحث سيرة أبي الثناء منذ مولده ونشأته، وتحصيله وإجازاته العلمية، ودوره في النهضة الأدبية التي شهدها العراق في القرن التاسع عشر. فقد نهض بالأدب نهضة كبيرة، والتف حوله الأدباء، ومع ذلك طاردته السلطة السياسية، وظنت فيه الظنون، إذ كان للوشاية تأثيرها في حياته، فسلبته وظائفه، بعد أن تطورت من التدريس عبر أمانة الفتوى إلى تدوين الآثار الدينية والأدبية والتاريخية. فقد امتاز بمواهب جمّة، وتشهد على ذلك مؤلفاته القيّمة، وتفسيره الضخم. وسيوضح أسباب مناصرته لثورة داود باشا، وثورة عبدالغني الجميل زاده، وانقلابه من المعارضة للسلطان العثماني إلى تأييده ضد محمد علي باشا، والمكتسبات التي حققها، ودوافعه، وهل كان موقفه بهدف الكسب المادي، أم بسبب وازع ديني؟
هو أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي ينتسب إلى الشجرة النبوية الكريمة[2]، مفسر، ومحدث، وفقيه، وأديب، وشاعر، ولد في محلة الكرخ[3] ببغداد في 14 شعبان 1217هـ/ 10 ديسمبر 1802م في بيت علم[4]، فأبوه السيد بهاء الدين عبدالله هو واحد من كبار علماء بغداد، كان بيته كعبة للعلماء والطلاب، وكان مدرسًا بمدرسة جامع أبي حنيفة النعمان، تلقى على يديه الكثير من علوم الدين واللغة والأدب، حتى وافته المنية بالطاعون سنة 1246هـ/ 1830م.
وآل الآلوسي أسرة عراقية اشتهرت بالعلم والمعرفة، وبمن أنجبت من العلماء والفضلاء والأدباء، تمتعت بمنزلة رفيعة، وتقدير عظيم، لمكانة أبنائها، واشتغالهم بالعلم، وتصدرهم للدرس والإفتاء والقضاء في بغداد[5]، ويرجع نسبها إلى “آلوس” أو “آلوسة”، وهي بلدة على الفرات قرب عانة[6]، بمحافظة الأنبار غرب العراق، حيث فرّ إليها جد هذه الأسرة من وجه المغول، عندما داهموا بغداد 656هـ/ 1258م بقيادة هولاكو. وتمتد بنسبها إلى سبط الرسول (صل الله عليه وسلم)، فهي عائلة علوية النسب، آلوسية الموطن، بغدادية السكن، ضليعة في الأدب. عُدّ الآلوسي عمادها ودُرّة تاجها.
في هذا البيت العلمي نشأ أبو الثناء، وسمت نفسه إلى طلب العلم وتحصيله، فعني والده بتربيته وتنشئته، على ما يُنشأ عليه طلاب العلم في زمانه، فلقنه علوم اللغة العربية: نحوًا وبلاغة واشتقاقًا وعروضًا، وبدأ حفظ القرآن الكريم منذ صغره، وظهر عليه النبوغ في سن مبكرة، فحفظ الآجرومية في النحو، وألفية ابن مالك، ومنظومة الرحبية في علم الفرائض، وقرأ على أبيه الفقه الحنفي والشافعي، وأحاط ببعض الرسائل في المنطق، والتفسير والحديث، وحفظ كل هذه المتون قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره[7].
بعد أن استوفى “الغرض من علم العربية”، وحصّل “طرفًا جليلًا من فقهي الحنفية والشافعية”، وأحاط “خبرًا ببعض الرسائل المنطقية، والكتب الشريفة الحديثيه”[8]، أتم دراسته على أيدي الكثير من علماء العراق، كما سيرد لاحقًا، وكانت خاتمة إجازاته[9]، “لما بلغ من العمر نحو إحدى وعشرين”[10]، على يد الشيخ علاء الدين الموصلي، عام 1238هـ/ 1823م في يوم مشهود حضره علماء بغداد وأدبائها ووجهائها، وممن حضر هذا الاحتفال الحاج نعمان الباجه جي الذي أُعجب بأبي الثناء، واقترح عليه أن يلتحق مدرسًا بمدرسته، واستجاب الآلوسي، فنال، بعد الإجازة، منصب التدريس بتلك المدرسة في محلة نهر المعلى.
وكان أبو الثناء يدرِّس في مدرسة خاله الحاج عبدالفتاح الراوي[11]، الذي كان يهمل شؤونها، فلما انتقل إلى مدرسة الحاج نعمان الباجه جي سعى لنقل تلاميذه إليها، إذ كانت مُجهزة بكل ما يلزم لضمان راحة المتعلمين؛ ونتيجة لذلك، حدثت وشاية بينه وبين خاله، فثارت ثائرة الأخير، وشن حملة شعواء على ابن أخته، شايعه فيها أولاده وأتباعه، ومضى أقارب أبي الثناء في خصومته، فحاولوا أن يوغروا صدر داود باشا والي بغداد (1817-1831م) عليه، ولكنه لم يصدِّق وشايتهم؛ بل كان ينظر بعين الارتياح إلى تفوق الآلوسي؛ لذا أبقاه في منصب التدريس. ومع ذلك لم يطمئن الحاج أمين الباجه جي، إلى بقاء أبي الثناء في مدرسة أخيه الحاج نعمان، وهو منْ عرف أدب أبي الثناء وعلمه وفضله، فطلب إليه أن يترك التدريس بها، وذكر أنه قائم بإنشاء مسجد ومدرسة، ويطلبه خطيبًا وواعظًا في مسجده، ومدرسًا في مدرسته، ووعده أن يدفع مرتبه فترة انتظاره لإكمال البناء، وبالفعل وفّى بوعوده، فتحسنت حالة أبي الثناء، وسمت منزلته، فأصبح “أمير البيان، بحر العلوم العقلية والنقلية، المفسر المحدث الفقيه الأصولي، المتكلم النظام المحجاج، المؤرخ، مفتي بغداد”[12]. “آية من آيات الله العظام، ونادرة من نوادر الأيام”[13].
تلقى العلم عن عدد من المدرسين والعلماء الذين لعبوا أدوارًا خطيرة في تاريخ العراق منهم[14]: خالد النقشبندي[15]، شيخ الطريقة النقشبندية، والشيخ عبدالعزيز الشواف، والعلامة أمين الحلي، والشيخ السلفي المحدث علي السويدي[16]، وأخذ علم التفسير وجميع العلوم العقلية والنقلية عن الشيخ محمد العمادي، والعالم الأديب علاء الدين الموصلي، الذي لازمه أربعة عشر عامًا تقريبًا، وكانت خاتمة إجازته على يديه، كما سبق الذكر، وقال عنه “لم أزل عنده، أستنشق شيحه ورنده، إلى أن تخرجت به وتأدبت بأدبه”[17]، وقد استجاز هؤلاء، وغيرهم من علماء بيروت ودمشق[18]، في علوم اللغة والأدب والفقه والحديث، وكان لتلقيه العلم عن هؤلاء العلماء تأثيرًا كبيرًا في تكوينه السياسي، حتى إنه يمكن القول: إن مواقفه السياسية كانت امتدادًا لاتجاهات بعض أساتذته.
يذكر خورشيد باشا، عن تعليمه وخاتمة إجازته في رحلته “سياحتنامة حدود” أن “من المدارس المشهورة في بغداد المدرسة المعروفة باسم المدرسة الخاتونية نسبة إلى عاتكة خاتون، وكانت في الأصل منزلًا لها، أوقفتها قبل ثلاثين عامًا تقريبًا (من عام 1878 تاريخ الرحلة) لتكون مدرسة، كما أوقفت بها ثلاثمائة كتاب، إلا أن معظم هذه الكتب تلفت لتداولها بين الأيادي، ولم يتبقّ منها إلا جزء بسيط بقي على حاله، ويبلغ إيراد هذه المدرسة من أوقافها عشرين ألف قرش تقريبًا، وقد كان المرحوم علي أفندي الموصلي، وهو من مشاهير العلماء في بغداد في عهد المرحوم داود باشا يُدرِّس في تلك المدرسة، وقد استكمل السيد محمود أفندي الآلوسي تعليمه فيها على يد علي أفندي الموصلي، وحصل منه على الإجازة، وكان يتولى شؤون تلك المدرسة النقباء، أما نظارتها فتمنح لمن يتولى منصب الإفتاء”[19].
حين بلغ أبو الثناء الآلوسي العقد الثالث من عمره أصبح مدرسًا في عدة مدارس كمدرسة مسجد الملّا عبدالفتاح، والمدرسة العمرية الملحقة بجامع القمرية بمحلة الكرخ، ومدرسة الحاج نعمان الباجة جي في محلة عمار، ومدرسة الحاج أمين جلبي في رأس القرية، وتولى صدارة التدريس في المدرسة القادرية، والمدرسة المرجانية، وكان يدرس في اليوم أربعة وعشرين درسًا[20]، ولما ابتدأ بتأليف تفسيره اقتصرت دروسه على ثلاثة عشر درسًا يوميًا[21]. وقصد إليه العلماء والفقهاء من سائر أقطار المعمورة، وكان له مجلس حافل في محلة العاقولية بالرصافة، يرده طالبو العلم والمعرفة، منهم: الشيخ عبدالباقي العمري، والشاعر عبدالغفار الأخرس[22]، والخطاط أحمد أفندي القايمقجي[23]، وقد حفظ كتاب حديقة الورود للشيخ عبدالفتاح الشواف[24] أخبار هذا المجلس، ورغم ذلك كان يداوم على حضور مجلس وعظ عبدالغني الجميل زاده[25] في مسجد آل جميل في محلة قنبر علي، الذي كان يحضره ويداوم على دروسه الكثير من علماء بغداد.
انتعشت الحركة العلمية والأدبية كثيرًا في بغداد بفضل الآلوسي، حتى إن أحد الباحثين استدل بوجوده في القرن التاسع عشر على أن النهضة العلمية في العراق ترجع إلى ذلك القرن، لا إلى القرن العشرين كما ادعى غيره، ذلك أن البيئة العلمية في ذلك العصر، “مهما قيل عنها، كانت تسمح بوجود عملاق كبير، أدى دوره الفكري أحسن أداء”، بل إنه يذهب إلى أن “الاستشهاد بالإمام الآلوسي في هذا المجال كافٍ لمنع اللجاج الصاخب حول ابتداء النهضة العلمية بوادي الرافدين”[26]. ويرجع ذلك لما تركه من المؤلفات الكثيرة، منها: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، وهو تفسير ذو قيمة علمية عالية بين كتب التفسير[27].
وله كتاب: الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية، يحتوي على إجابة عن ثلاثين مسألة وردت من إيران في التفسير واللغة والفقه والعقائد والمنطق وعلم الفلك، وغير ذلك، وكتاب: الأجوبة العراقية عن الأسئلة اللاهورية، ذبَّ فيه عن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكافأه السلطان عليه بمكافأة عظيمة، وطبع في بغداد سنة 1301هـ/ 1883م، وكتاب: غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب، ذكر فيه خبر رحلته إلى إسطنبول، وقد طبع في بغداد سنة 1317هـ/ 1899م، وله كتابان آخران مطبوعان عن رحلته: نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول، ونشوة المدام في العودة إلى دار السلام[28]، وتصل مؤلفاته لحوالي اثنين وعشرين كتابًا[29]، ما بين المطبوع والمخطوط والمفقود، تميزت جميعها “بالإحاطة والعمق، واستقلال الفكر وحريته، مع روعة البيان، وحسن الافتنان في صياغة معانيه وأفكاره”[30].
كما كتب أبو الثناء المقامات، والتي تمثل النثر القديم بأبهى أشكاله، في حديث أدبي بليغ يوجه بشكل مباشر على نحو خطابي، ويذهب مؤلف كتاب المقامة[31] إلى أنه من أشهر من قلدوا الحريري في تأليف المقامات، كما أن له آثارًا شعرية إلا أنه ليس له ديوان مطبوع، وفي مجموعة عبدالغفار الأخرس[32]، شيء من شعره.
وعلى الرغم من تقلده الإفتاء على المذهب الحنفي إلا أنه كان سلفيّ الاعتقاد، متأثرًا بدعوة محمد بن عبدالوهاب ذات الأثر الواضح في إحياء الدعوة السلفية، وكان لها التأثير الكبير في أرجاء العالم الإسلامي[33] والعراق، ولعله في ذلك امتداد لأستاذه الشيخ علي السويدي، الذي تمكن من إقناع الوالي سليمان باشا الصغير (1807-1810) بقبول اتّباع أحكام الدعوة السلفية دون المجاهرة بذلك[34]؛ خوفًا من الدولة العثمانية التي حذرت من أثر هذه الدعوة على البلاد العربية، فسخّرت العلماء للرد عليها، وعلى محمد بن عبدالوهاب، والطعن فيه.
كان لمثل هذا الشاب أن يُشارك في التوجيه السياسي للعراق، فهو معقد أنظار الشباب من أهل العلم، وللكبار منهم فيه آمال كبيرة، فعندما عزم السلطان العثماني محمود الثاني (1808-1839) على استعادة حكمه المباشر على العراق اعتقد أن موقف داود باشا الداخلي حرج للغاية، وبأنه ليس من الضروري إرسال حملة لإقصائه عن الحكم، وإنما يكفي أن يرسل إلى بغداد مبعوثًا من قبله يحمل فرمانًا بعزله، وسينضم الناس مدنيين وعسكريين إليه، وأن داود لن يجد وسيلة لضمان حياته سوى أن يسلِّم مقاليد الولاية إلى مبعوث السلطان، وفعلًا أرسل السلطان مبعوثًا إلى بغداد لإخطار داود بقرار العزل ولتسلم الولاية منه، هو صادق أفندي، فلما كشف لداود عن هدفه ما كان منه إلا أن قتله[35]؛ معتقدًا أنه بذلك سيرغم الباب العالي على قبول الأمر الواقع[36].
لكن الحقيقة أن فكرة القضاء على حكم داود، وعلى العصبيات الحاكمة، كانت قد أصبحت ركنًا رئيسًا من أركان سياسة السلطان محمود الثاني؛ لأنه خشي أن تؤدي السياسة الإصلاحية لداود باشا إلى أن يخرج العراق عليه، مقلدًا محمد علي باشا والي مصر (1805-1849) فعزم السلطان، عندما علم بذلك، على تجريد حملة كبيرة ضده، ولكن قواته كانت في وضع حرج للغاية في أعقاب القضاء على الإنكشارية 1826، وغرق أسطوله في معركة نوارين البحرية 1827، وخروجه من حرب مدمرة مع روسيا 1829 استنفدت الكثير من إمكانياته العسكرية والاقتصادية، ولهذا كان من العسير عليه أن يُرسل جيشًا كبيرًا إلى العراق في مثل هذه الظروف.
ورغم ذلك أصرّ الباب العالي على إخضاع داود باشا، وقرّر أن يوجه ضربة نهائية للمماليك في العراق، وأخذ يبحث عن والٍ يستطيع أن ينفذ هذه الرغبة، فوجد لدى علي رضا باشا، والي حلب، الاستعداد للقيام بتلك المهمة، فأسند إليه ولاية بغداد وديار بكر والبصرة، فضلًا عن ولاية حلب، وكان علي رضا باشا خلال حكمه في حلب مطلّعًا على أمور العراق، وعلى صلات قوية بأعيانه وذوي الرأي فيه، لذلك كان من اليسير عليه أن يجمع حوله الناقمين على حكم داود، أو الطامعين في الحصول على الحكم، وكان على رأسهم والي الموصل الجديد قاسم العمري، وبعض زعماء المماليك، وشيوخ العشائر العربية، فضلًا عن أن فرمان السلطان كان واجب الطاعة، وذا مفعول عجيب في تفكيك قوى الثوار، وفي انضمام كبار رجال الولاية إلى رجال السلطان، وبالفعل بدأت أفواج الخارجين تفد على الباشا، وانضم إليه شيوخ عشائر شمر الجربا، وشيخ عشيرة العقيل، وقاسم العمري والي الموصل عدو داود اللدود.
وكان تعيين داود باشا للآلوسي مدرّسًا في مدرسة الحاج أمين الباجه جي[37]، كما مر بنا، بداية ظهوره، وبمرور الوقت توثقت الصلة بين الآلوسي وداود باشا، ولكن جاءت هذه الروابط الوطيدة بين الرجلين في وقت كان السلطان العثماني يعد لحملة كبيرة لطرد داود باشا من بغداد، وللقضاء التام على المماليك.
وفعلا حشد علي رضا باشا والي حلب جيشًا كبيرًا؛ لتحقيق تلك الأهداف، وتحرك به من حلب في أوائل فبراير 1831، ولم تكد أخبار تحرك هذا الجيش تصل إلى بغداد حتى بدأ فيها طاعون فظيع قلب كل الخطط التي وضعها داود باشا لمقاومة الجيش القادم، وجعل من بغداد كالريشة التي في مهب الريح لا تملك من أمرها شيئًا، وفاض النهر في أواخر أيام الطاعون، ولم يكن في المدينة من يقدر على مكافحته فأغرق الكثير من محلاتها[38]، في الوقت الذي وصلت فيه طلائع الجيش السلطاني إلى بساتين الكاظمية على بُعد أميال قليلة شمالي بغداد، بقيادة قاسم العمري ومعه صفوق شيخ عشائر شمر الجربا وسليمان الغنام شيخ عشائر العقيل ويوودة[39] ماردين[40].
وحينما اقترب قاسم من بغداد راسل علماءها وأعيانها يحثهم على طاعة السلطان، وطرد الوالي المعزول، الأمر الذي أدى إلى مظاهرة عارمة اجتاحت بغداد من شمالها إلى جنوبها، أحاط المتظاهرون بمقر الوالي، وأخرجوه منه، وذهبوا به إلى دار صالح بك ابن سليمان باشا الكبير والي بغداد (1779-1802) لكي يكون وديعة لدية حتى يُسلَّم إلى الوالي الجديد عند قدومه. وحين ثار أهل بغداد انضم الآلوسي إليهم، مقارنًا بين أعمال داود باشا الإصلاحية: الاقتصادية والثقافية، وبين من سبقوه من ولاة المماليك والعثمانيين فيجد فرقًا شاسعًا، فقد انجذب العراقيون إلى خطواته الإصلاحية في غبطة وتعاون، حيث استقدم عددًا من الخبراء الأوروبيين، وعهد إليهم بإنشاء المصانع وبناء المدارس، وأقام مطبعة جديدة، وأصدر صحيفة “جرنال العراق” وأعاد تعمير المساجد القديمة وأودعها نفائس الكتب، محاولًا من خلال الإصلاحات أن يقتبس من حضارة الغرب ما يستطيع به أن يدعم قوى العراق الاقتصادية والعسكرية، وكان لهذه الجهود أثر كبير في تحريك الحياة الراكدة.
ومن هنا وجد الآلوسي أن من واجبه أن يعين القائد المُصلح في نضاله، فجمع الناس من حوله، وشارك في تهيئة الرأي العام لشد أزره، ومعاونته ضد الجيش العثماني، وأغلب الظن أن الآلوسي وغيره من علماء العراق، كانوا يعتقدون أن جيش المماليك قد أُعد إعدادًا حديثًا، وأنه قادر على رد هجوم جيش علي رضا باشا، وأن داود سيخرج منتصرًا من المعركة المنتظرة، ولكن الظروف كانت أقوى وأشد، فقد أحكم الجيش المهاجم حصاره على المدينة، وأدّت الظروف إلى أن ينتشر بها وباء الطاعون، ثم يعم البلاء بفيضان نهر دجلة بمياه كاسحة أغرقت المدينة، فرأى داود أن يستسلم، ودخل قاسم العمري بغداد، حيث استقبله أهلها استقبالًا “محفوفا بالعزة والإجلال”[41]؛ فاعتقد أن بغداد أصبحت في قبضته، فأرسل إلى علي رضا باشا في الموصل يدعوه للمجيء سريعًا.
وترتب على سماع الجماهير البغدادية عن بدء تحركات محمد علي في الشام، أن ثاروا على قاسم العمري، الذي كان ينتظر تسليم داود باشا إليه، كما سبق الذكر، وهاجموا مقر إقامته بقيادة محمود أفندي النقيب في جمع غفير من الأهالي والمماليك، وجماعة كبيرة من عشيرة العقيل التي تسكن الكرخ، ونهبوه فلم يتركوا به شيئًا من النفائس التي كان داود باشا حريصًا على اقتنائها، وأشعلوا به النيران، وأسرع الأعيان والعلماء فكتبوا العرائض للسلطان العثماني يرجون منه إسناد الولاية إلى داود باشا، أو إلى صالح بك نجل سليمان باشا الكبير، ويعلنون استعدادهم لدفع مبلغ كبير، وزيادة الجزية السنوية إلى عشرة آلاف كيس[42].
وجعلت ثورة البغداديين علي رضا باشا يُسرع المسير بقواته نحو بغداد، وفرض عليها الحصار مرة أخرى إلى أن ساءت الحالة وشح الطعام، وفي ليلة الخميس 8 ربيع الأخر 1247هـ/ 15 سبتمبر 1831م فتح الأهالي باب المدينة الشرقي، وسمحوا للجيش السلطاني بدخول المدينة، ودخل علي رضا باشا المدينة في 17 من الشهر المذكور، واستسلم داود باشا الذي أحسن استقباله، وهدأ من روعة، وترك له الحرية في استقبال من يشاء دون أن يحيطه بحرس إلى أن سافر إلى الآستانة[43]، وقضى العثمانيون على المماليك في العراق بعد سقوط داود في مذبحة على شاكلة مذبحة القلعة التي دبرها محمد علي في مصر، فإن من يتعمق في تفاصيل المؤامرة التي دبرها على رضا باشا للمماليك سنة 1831، ويقارنها بتفاصيل المؤامرة التي دبرها محمد علي لمماليك مصر 1811 يجد تماثلًا كبيرًا[44]، فقد دعا علي رضا المماليك إلى حفل قراءة بعض الفرمانات والتعيينات فاتخذ المماليك زينتهم وذهبوا إلى مكان الحفل، وبعد أن اجتمع شملهم انهار عليهم الرصاص فجأة من كل جانب من الرماة الذين كانوا يحيطون بالمكان، فقضي عليهم، ثم صدرت الأوامر بقتل من كان منهم في بغداد أو خارجها، فكانت مذبحة حاسمة لم تقم للمماليك بعدها قائمة[45].
ولما دخل علي رضا باشا بغداد، أخذ يبحث عن رجال داود باشا ومعاونيه ويزج بهم في السجن، وكان الآلوسي واحدًا ممن طالتهم المحنة، وحلت بهم المصائب، فخاف وتوارى عن الأنظار. وهو يَرْوي قصة اختفائه، فيَقول: “واختفى هذا العبد الحقير زمَن فتح بغداد، بعد المُحاصَرة سنة 1247هـ؛ خوفًا من العامَّة وبعضِ الخاصة؛ لأمورٍ نُسِبَت إلَيَّ، وافتراها بعضُ المنافقين عليَّ في سردابٍ عند بعض الأحبَّة ثلاثة أيام”[46].
كان طبيعيًا أن يتوقع أبو الثناء الآلوسي عقابًا صارمًا من جانب الباشا المنتصر، علي رضا، فتخفى في محلة الشيخ عبدالقادر الكيلاني، عقب دخول علي رضا باشا بغداد، إذ نسب إليه منافسوه وخصومه من أعمال التأييد لداود باشا، والثورة على العمري، فأغلظوا قلب الوالي الجديد عليه، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، وظن أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وظل على هذا الحال حتى عاد من الشام[47] عبدالغني الجميل زاده فشفع له لدى الباشا واختاره أمين فتواه، وأسند إليه التدريس في الحضرة القادرية “جامع الشيخ عبدالقادر الجيلي”[48].
ولكن الظروف كانت قاسية، والتقلبات كانت سريعة، فلا يكاد أبو الثناء الآلوسي يجد طريقه إلى الحياة العامة، حتى وقعت في بغداد ثورة كبيرة، ضد علي رضا باشا. فبعد أن دخل بغداد وأرسل داود باشا مخفورًا إلى إسطنبول، أساء جنوده السلوك في بغداد، فنهبوا الأموال، وعاملوا نساء بغداد بقسوة، حيث كانوا يعذبونهن لإرغامهن على إبراز ما لديهن من أموال مخبأة[49]. وطلب أهل بغداد من علي رضا باشا أن يضرب على أيدي جنوده، فلم يفعل فكانت انتفاضة الشيخ عبدالغني جميل، مفتي بغداد، ضد الوالي الجديد.
وكان عام 1832 أخطر عام مر بوالي بغداد علي رضا باشا، حيث إن معظم العراق بدا كأنه قد خرج عن طاعته، إذ بينما سادت الفوضى والاضطرابات خارج أسوار مدينة بغداد بدأت معركة داخلها بين جنود الوالي وعشيرة العقيل التي كانت تسكن منطقة الكرخ في الجانب الغربي من بغداد، وكان سبب هذه المعركة هو اشتراك أفراد من عشيرة العقيل في حالة السلب والنهب التي كانت تعمّ المناطق المحيطة ببغداد.
غير أن علي رضا باشا كان قادرًا على مواجهتها رغم الأزمات الطاحنة التي كان يمر بها، فنشبت معركة بين عشيرة العقيل وجيش الوالي انتهت بانتصار الأخير، وبعد المعركة ركز جهده أولًا في إخماد ثورة بغداد حتى يتفرغ لبقية القوى المناهضة له، واستطاع أن يُخمدها بعد أن أصلاها بوابل من المدافع والقنابل، فنصب مدافعه في مواقع استراتيجية، وبدأ يرشق معظم الأحياء الثائرة بقنابل مدفعيته، فتبين الثوار أن الاستمرار في الثورة غير مجدٍ، فتوقف القتال بعد أن ضربت بيت عبدالغني الجميل زاده القنابل، وقام جنود الوالي بنهب الكرخ: دور وأسواق، وأشعلوا فيها النيران، وفي اليوم التالي للمعركة امتلأت الرصافة، التي تقع في الجانب الشرقي من بغداد، باللاجئين القادمين من الكرخ، وعادت سيطرة العثمانيين مرة أخرى على بغداد[50].
وتزعم أبو الثناء ثورة أهل الكرخ، ولعب دورًا خطيرًا في تلك الثورة[51]، إذ أخذ يحرض الناس على تأييدها، الأمر الذي أدى إلى إلقاء القبض عليه، وجُرّد من وظائفه، وسُجن عند نقيب أشراف بغداد. ولما نجح علي رضا باشا في القضاء على تلك الانتفاضة اضطر عبدالغني جميل زاده إلى مغادرة العراق، وتوارى أبو الثناء الآلوسي للمرة الثانية، بعدما قيل إن الباشا قد عزم على قتله، فظل مدة ليست بالقصيرة تحت سيف الانتقام، حتى شفع له بعض شيوخ الطريقة النقشبندية لدى الباشا فقبل شفاعتهم فيه[52]، وعاد الآلوسي واعظًا في “الحضرة القادرية”.
مما لا شك فيه أن الصراع المصري العثماني في العقد الرابع من القرن التاسع عشر كان له تأثيره القوي على العراق، ذلك أن العراق كان مسرحًا واسعًا للصراع بين محمد علي والسلطان، ولا أقصد صراعًا مسلحًا، بل كان صراعًا دبلوماسيًا، حيث حاول كل من الطرفين المتصارعين اللعب بالعراق كورقة يساوم بها الطرف الأخر، فالسلطان العثماني سعى إلى بث الدعاية المؤيدة له في البلدان التي خضعت لواليه المتمرد عبر علماء العراق في محاولة لتأليب الرأي العام في المشرق العربي عليه، وكذلك سعي محمد علي لتأليب العراق ضد السلطات العثمانية ببث الدعاية وإرسال الرسائل إلى المدن العراقية الكبرى مثل: بغداد، والبصرة، وكربلاء، والنجف، والزبير[53]، وإلى عشائر العراق الكبرى كعشائر شمر الجربا، وكعب، والمنتفق، تدعوهم إلى أن يأخذوا جانب القضية المصرية، وليثوروا على الوالي العثماني، في الوقت الذي كان الشعب العراقي لديه الميل لتقبل الحكم المصري[54]، فقد أعلنت عشائر المنتفق رغبتها في الانضمام لخورشيد[55]، خاصة أن الانتصارات المصرية الكبيرة في الشام قد أعطت لهذه الرسائل قيمة كبيرة.
ومن ثم كان الموقف الشعبي المحلي في العراق حاسمًا بين الطرفين، حيث خاف الباب العالي من أن تؤدي الدعاية المصرية إلى فقدانه العراق، وانضمامه لمحمد علي فيزداد به قوة، خاصة في ظل تذمر أهله من عودة الحكم العثماني المباشر الذي عاد على أسنة الرماح، وببحور من الدماء بعدما أقدم علي رضا باشا على تدبير مذبحة المماليك في بغداد سنة 1831، بينما كان محمد علي يعمل على أن يأخذ العراق ورقة يساوم بها السلطان العثماني، ذلك أنه مما لا شك فيه أن العراق كان في متناول محمد علي، ولم يحل دون إتمامه لهذا المشروع إلا الموقف الدولي، وخاصة موقف بريطانيا المعارض لتوسعاته في الخليج[56]، وفي الشام والأناضول، لأنها خشيت على مصالحها في المنطقة التي تعد همزة الوصل إلى مستعمراتها في الهند والشرق الأقصى.
وكانت عودة الحكم العثماني المباشر إلى العراق يقابلها انهيار في صفوف العثمانيين أمام القوات المصرية في الشام، حيث كان محمد علي قد شرع في السيطرة على الشام بالقوة وزحفت القوات المصرية إلى الشام، وأصبح على قادتها أن يضعوا في حساباتهم القوة العثمانية في العراق. ولهذا أسرعت السلطات العثمانية في العراق لاتخاذ إجراءات ضد المصريين في الشام، تلبية لنداء السلطان العثماني الذي طالب ولاته في مختلف الجهات باستخدام كافة الوسائل ضد محمد علي، الخارج عن طاعة السلطان، خليفة المسلمين.
وأخذ علي رضا باشا يعبئ أهل العراق فكريًا ضد التوسع المصري، ولكي تكون هذه التعبئة على أسس قوية اعتمد على علمائها ممن كانت لهم كلمة مسموعة بين الجماهير، ورأى أن أبا الثناء الآلوسي؛ يستطيع أن يعبئ شعب العراق ضد محمد علي، بل يستطيع أن يكتب إلى ما وراء العراق محرضًا ضده، ومما ساعد على ذلك أن العالم الإسلامي كان بطبيعة تفكيره وتكوينه العقلي أكثر تمسكًا وتعلقًا بوحدة المسلمين تحت حكم السلطان العثماني، ومن ثم كانت الدعوة إلى العمل على تضامن المسلمين تحت قيادة الخلافة العثمانية تلقى آذانًا مصغية، خاصة إذا كانت صادرة من عالم جليل معروف مثل أبي الثناء الآلوسي، ذو المكانة الأدبية والدينية بين الأهالي[57].
ومن ناحية أخرى كان أبو الثناء الآلوسي مُتفاهمًا مع علي رضا باشا والي بغداد ومُتعاونًا معه كل التعاون بحكم منصبه الذي حصل عليه، حيث إنه تولى منصب الإفتاء في بغداد، كما سبق الذكر، وهو منصب يُحتم على صاحبه أن يأخذ جانب الحكومة التي يعمل فيها[58].
كما كانت ثورة محمد علي ضد السلطان العثماني فرصة كبيرة لكي يثبت أبو الثناء الآلوسي إخلاصه لكرسي الخلافة العثمانية. ومن المجهودات التي قام بها في هذا الصدد بتوجيه من علي رضا باشا أنه بعث برسالة إلى محمد بن عون، شريف مكة، يدعوه فيها إلى التمسك بالولاء للسلطان العثماني قائلًا إن “محمد علي المصري المصر على ما يسئ ويزري… قد أصر على الفصل بين الخشب ولحائه… فقد ذهب الكثير من الأئمة الأخيار إلى أن قتال البغاة أفضل من جهاد الكفار”[59]، وكان ذلك الكتاب، الذي أرسله أبو الثناء الآلوسي لتحريض شريف مكة على قتال جيش محمد علي، والتمسك بالولاء للسلطان، بداية حملات عثمانية شعواء من العراق وخارجه قُصد منها تجميع القوى ضد مصر، وتشكيل جيش من العراق يشد أزر العثمانيين في الجبهة الشامية.
وأغلب الظن أن علي رضا باشا كان يبحث عن فقيه جليل، ليكتب كتابًا يؤيد فيه الدولة العلية، ويفند حجة الثائرين المتأثرين بالدعاية المصرية، ولهذا عندما تصادف في ليلة من ليالي شهر رمضان 1250هـ/ يناير1835م أن حضر إلى الحضرة القادرية بينما كان الآلوسي يقوم بالوعظ، واستمع إلى خطبته، فأسف على ما أصابه من الاضطهاد، وأعاد إليه جميع وظائفه، وعينه في منصب مفتي بغداد[60]، الذي بقي فيه حوالي خمسة عشر سنة، وكلفه بشرح كتاب “البرهان في طاعة السلطان”، لأهداف سياسية، كما سيأتي لاحقًا، لأنه وجد فيه الرجل المطلوب.
والواقع أن الآلوسي كان عند حسن ظن الباشا فقد استجاب له بسرعة، وانكب على تأليف كتاب بعنوان “التبيان: شرح البرهان في طاعة السلطان”، شرح فيه كتاب الشيخ عبدالوهاب ياسين حجي زاده “البرهان في طاعة السلطان”، افتتحه بتدبيج مدائح طويلة في السلطان وفي الوالي، ثم أخذ بالبحث في شرعية وجود الدولة العثمانية ووجوب طاعة السلطان على جميع المسلمين، فجاء بالأدلة من الكتاب والسنة وشرحها شرحًا وافيًا، وفند أسانيد الشيعة في قاعدة الإمامة المعقودة للمهدي المنتظر.
ولم يكتفِ بذلك بل كتب بإيعاز من الوالي إلى محمد بن عون، شريف مكة، يدعوه إلى التمسك بالولاء للسلطان وترك الولاء لمحمد علي باشا الذي أعلن العصيان[61]، كما سبق الذكر، وشن هجومًا شديدًا على محمد علي والي مصر، بسبب ما أقدم عليه الأخير من الاستيلاء على ولايات الشام التابعة للسلطان العثماني، ومن إعمال السيف في جيوش الدولة، بل إنه جعل، كما سبقت الإشارة، “قتال البغاة أفضل من جهاد الكفار” على أساس أن بعض العلماء يرى ذلك، فارتفعت منزلته لدى الدولة العثمانية ارتفاعًا عظيمًا، وترتب على التفاهم بين الآلوسي وعلي رضا باشا أن منحه الأخير المراتب والمناصب بسخاء، كما سيرد ذكره لاحقًا.
في الحقيقة، إن الموقف الذي وقفه أبو الثناء الآلوسي في تأييد السلطان ضد الثائرين عليه يحتاج إلى التفسير، خاصة أننا رأينا الآلوسي يؤيد ويشارك سابقًا في ثورتين ضد السلطان إحداهما مع داود باشا عام 1831م، والثانية مع عبدالغني الجميل زاده في السنة التالية، فما السبب الذي جعل الآلوسي يغير موقفه بهذه السرعة، ويقف موقف العداء الشديد من حركة محمد علي باشا، تلك الحركة التي وصفها بأنها بمنزلة الفصل بين الشجر ولحائه؟، وما هو السر وراء اختلاف موقف أبي الثناء الآلوسي من ثورة داود باشا في العراق، ومحمد علي باشا في الشام، بالرغم من أن الفارق الزمني بين الثورتين لا يزيد عن العام الواحد؟. يرى أحد الباحثين في تفسير ذلك أن موقف الآلوسي في تأييد السلطان كان من قبيل “التقية ومجاراة الولاة الذين لا يراعون إلًّا ولا ذمة، وبذلك يأمنون على أنفسهم من بطشهم حتى إن أبا الثناء الآلوسي لم يجد ما يدفع عنه غائلة الاضطهاد، وإعادة حقوقه المهضومة إلا بتأليف كتاب كان يعتقد في قرارة نفسه ببطلانه”[62].
بينما يرى باحث آخر أن علي رضا باشا قد قدّر” قيمة أبي الثناء الآلوسي في خدمة مصالح السلطان العثماني في تلك الظروف الحرجة التي تحتاج لرجل علم يستطيع أن يثبت قلوب الناس على الولاء للسلطان، وقد رأي علي رضا أن يستغل علم أبي الثناء الآلوسي وذكائه في تنفيذ أهدافه في العراق، وخارج العراق، وخاصة في مقاومة تيار التوسع المصري، ولاشك أن تكليف علي رضا لأبي الثناء الآلوسي بشرح كتاب “البرهان في طاعة السلطان” في تلك الظروف كان جزءًا من مخطط عام وضعه لجعل العراق قاعدة فكرية وعسكرية تعمل ضد التوسع المصري في المشرق العربي”[63]. فهو يرى إذن أن علي رضا باشا قد استغل الواجب الديني الذي كان يفرض على علماء السنة في العراق ضرورة أن يبذلوا قصارى جهدهم في سبيل مناصرة الدولة العثمانية السنية.
فضلًا عن أن أهداف محمد علي من التوسع في الجزيرة العربية والشام كانت مشوشة وغير واضحة في أذهان أهل العراق، ثم إن خبرات أبي الثناء الآلوسي خلال الفترة القصيرة التي سبقت التوسع المصري في الشام كانت معظمها تؤكد أن جيش السلطان العثماني هو المنتصر في النهاية، فقد رأى بعين اليقين كيف تلاشى جيش داود باشا في أيام معدودات عام 1831م، بالرغم من أن داود كان يقف موقف المدافع عن قضيته إزاء هجوم جيش السلطان عليه، فكيف سيكون الحال إذا كان محمد علي هو المهاجم لولايات الشام، ثم إنه رأى كذلك كيف انهالت القنابل على بغداد عندما ثارت عام 1832م بزعامة عبدالغني الجميل زاده، وأدرك من هذا كله أن جيش السلطان العثماني، خليفة المسلمين، هو المنتصر على جيش الوالي المصري إما عاجلًا أو آجلًا، ومن ثَم قرر مناصرة القضية المنتصرة بعدما تعلم الدرس جيدًا من التجربتين السابقتين اللتين مر بهما شخصيًا.
في أعقاب فشل ثورة عبدالغني الجميل زاده عام 1832م، أثمر الكيد والحسد عزل أبي الثناء الآلوسي عن منصب الإفتاء، ورُفعت يده عن الأوقاف، وتغير حاله، ولما كان تعيين مفتي الحنفية والشافعية في الولايات العربية يتم من قبل علماء الدين في الولاية، ويُصادَق عليه من قِبل الوالي، وكانت منزلة المفتي مهمة في المجتمع العراقي بسبب ما يمارسه من أعمال وثيقة الصلة بالجانب الديني، ولم يكن المفتي يتسلّم راتبًا معينًا، فإن معظم المفتين عملوا في التدريس لكسب عيشهم. وقد مر بنا أن الآلوسي قد توارى في أعقاب دخول علي رضا باشا إلى بغداد، حيث اتهم بأنه انضم للمناصرين لداود باشا، إلى أن شفع له عبدالغني الجميل زاده، واختاره أمينًا للإفتاء، وبعد ثورة الأخير على أعوان الوالي أُبعد عن الإفتاء، ومن ثَم شعر بمرارة الحرمان والجوع، نتيجة انقطاع مصادر رزقه، فباع معظم منقولات بيته.
ومن ثَم كانت فترة الصراع المصري العثماني في الشام فرصة اغتنمها الآلوسي ليعيد الصفاء والتفاهم للعلاقات بينه وبين والي بغداد الجديد، وأدى هذا التفاهم إلى أن يخدم كل منهما الآخر خدمات جليلة، فبينما جنّد الآلوسي قلمه وعلمه لخدمة السلطان العثماني، كان علي رضا باشا يدر عليه المناصب والرتب بسخاء، فمنحه أوقاف جامع السلطان مرجان ومدرسته المشروطة لأعلم أهل بغداد، وهي أوقاف تدر خيرًا كثيرًا[64]، ولم يكتفِ الباشا بذلك بل نصّبه مفتيًا للحنفية 1250هـ/ 1835م[65]، كما حصل على تقدير السلطان ومكافأته فكان أول عربي عراقي يمنحه السلطان نيشانًا، كما منحه رتبة “تدريس الأستانة”، وقضاء أزمير[66].
“وبينما كان يشترط فيمن يتولى أوقاف جامع مرجان أن يكون من أعلم علماء عصره، قام الولاة منذ فترة طويلة بتولية أوقافه إلى المفتين، وظل الوضع على ذلك حتى خُلِّص الوقف من أيدي المفتين، ومنحت إدارته إلى من رأته السلطنة السنية أحق به، وهو المفتي السابق المفسر السيد محمود أفندي الآلوسي، الذي فسر القرآن الكريم في تفسير له باسمه في ثمانية مجلدات”[67].
وكان اختيار علي رضا باشا له لتولي منصب الإفتاء بمثابة الإنقاذ له، وفي الفترة التي تولى فيها الإفتاء وردت أسئلة دينية من إيران إلى علماء بغداد، أجاب عنها أبو الثناء بردود، لقيت استحسان أهل العراق، والسلطات العثمانية الحاكمة في بغداد وفي الآستانة[68]. فضلًا عن موقفه من الدعوة المناصرة للسلطان العثماني، فكافأه علي رضا باشا بحمل السلطان على منحه وسامًا من أرفع أوسمة الدولة، وهكذا ذاعت شهرة أبي الثناء، وقصده طلاب العلم من أماكن بعيدة، يدرسون عليه، ويأخذون عنه، وظل، وهو في منصب الإفتاء، يعمل في التأليف، وتدريس العلوم، وقضاء حاجات الناس.
ولما ظهرت نعمة الله على الآلوسي، واتسع رزقه، اشترى دارًا واسعة، وجعل قسمًا منها لطلابه الذين يفدون إليه من أطراف العراق وكردستان لتلقي العلم عليه، ولم يكتفِ الآلوسي باستقبالهم في مسكنه، وإنما امتدت إليه مظلة كرمه، فكان يطعمهم ويتكفل بهم[69]، الأمر الذي أدى إلى شهرته، وذيوع صيته، والتفاف الطلاب حوله، وازدياد شعبيته، إلى درجة أثارت مخاوف السلطات العثمانية منه، وكان من عادتها أن تمنع ظهور زعامات دينية أو سياسية يمكن أن تشكل يومًا ما جبهة داخلية قوية تستطيع أن تنادد الباب العالي، فضلًا عن أن الحكومة العثمانية في أعقاب أزمة صراعها مع والي مصر في المشرق العربي، قامت سياستها على إحلال البيروقراطية التركية محل النظم القديمة التي كانت تعتمد إلى حد كبير على تعاون العلماء والأدباء مع الوالي، ومن ثمّ كان ارتفاع نجم الآلوسي في العراق وخارجه على غير هوى السلطات العثمانية.
وهكذا تهيأت الظروف لأن يوجه محمد نجيب باشا والي بغداد (1842-1848) ضربات متتالية لأبي الثناء الآلوسي، إذ عمد إلى عزله عن الإفتاء في شوال 1263هـ/ 1847م[70]، ورحّب الآلوسي بذلك معتبرًا أنه غاية مطلبه، حتى يتفرغ لإتمام تفسيره[71]، ولكن نجيب باشا لم يكتفِ بذلك بل أقدم على تجريده من أوقاف مدرسة مرجان عملًا بمشورة بطانته، التي أوهمته أن هناك “فتنه خرقاء”[72] يقودها مفتي بغداد، وأن عزله وتجريده من كل ما في يده هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على هذه الفتنة في مهدها.
وهكذا ساءت أحوال أبو الثناء، وبلغ من العسر حتى باع كتبه، وأثاث بيته، وعاش بثمنها مدة من الزمن، حتى كاد يأكل “الحصير”، ويشرب عليه “مداد التفسير”[73]، فلم يجد بُدًّا من السفر إلى الأستانة؛ استجابة لدعوة السلطان عبدالمجيد الثاني (1842-1918) لحضور حفل ختان ولديه عام 1267هـ/ 1851م لعرض أمره على الباب العالي؛ ليعمل على رفع الحيف الذي وقع عليه، جراء إرسال نجيب باشا رسالة اعتذاره عن حضور الحفل المذكور[74] التي كتبها تحت ضغط منه، عن طريق “الباليوز الإفرنساوي”[75]، وكان قد أتم تفسيره، فأخذه معه، والتقى شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت، واقف المكتبة العظمى في المدينة المنورة[76]، فأعرض عنه بسبب ما بلغه عنه من وشاية الواشين وحسد الحاسدين، ولكنه استطاع أن يحمل شيخ الإسلام على تغيير موقفه، إذ لم يطل الوقت حتى دارت بين الاثنين مناقشات ومناظرات علمية أوقفت كلًّا منهما على فضل صاحبه فتفاهما وأجاز أحدهما الآخر[77].
ونُقل أبو الثناء إلى دار الضيافة السلطانية، ثم عُرض أمره على الصدر الأعظم مصطفى رشيد باشا، وزار الباب العالي فأكرمه السلطان، وأنعم عليه بخمسة وعشرين ألف قرش إسطنبولي، وله مثلها كل عام، ومنحه شيخ الإسلام خمسين ألف قرش من ماله الخاص، وعرض عليه قضاء أرضروم، فأباه، وهكذا تحسّنت حال أبي الثناء، وعاد إلى بغداد بعد أن غاب عنه قرابة سنتين، وكتب رحلته هذه في كتاب “غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب”، وفي كتابين آخرين سجّل فيهما رحلة الذهاب والإياب: “نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول”، “نشوة المدام في العودة إلى دار السلام”. وكان خطّاطًا بارعًا دوّن وخطّ معظم كتبه بخطه الحسن[78]، “كاللؤلؤ والمرجان أو العقود في أجياد الحسان، قلده فيه كثير من الرجال فلم يجيده مثله بحال”[79]، كما نسخ كتبًا لغيره[80]، وقد أخذ إجازة الخط من الخطاط سيفان الوهبي، أحد أشهر الخطاطين في بغداد.
وفي أثناء رجوعه من إسطنبول إلى بغداد، اعترته الحُمَّى، وظلت تعاوده بين الحين والآخر، حتَّى نحل جِسْمُه، وحضرَتْهُ الوفاة يوم الجمعة 25 ذي القعدة 1270هـ/ 20 أغسطس 1854م، ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي[81].
يعد أبو الثناء الآلوسي رائدًا من رواد العراق، وأحد أعمدته، مفسرًا لا مثيل له في عصره، ومؤرخًا، وفقيهًا، وقد نُصب مفتيًا للحنفية وهو في الثلاثين من عمره، وهذا دليل نبوغه وريادته، ومن الصعوبة التنبؤ بالدوافع التي جعلت الآلوسي يغير موقفه في هذا الوقت الوجيز من المعارضة إلى التأييد، ولعلها كانت دوافع مادية بهدف الحصول على منافع دنيوية، وكذلك قد يكون الوازع الديني قد لعب دورًا كبيرًا في موقفه هذا، فقد كان العصر، عصر صحوة الأيديولوجيا الإسلامية، في مواجهة الإمبريالية الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي، حتى إن الدولة العثمانية ما كانت تذكر كلمة الترك في ألقاب السلاطين، وعبّر العثمانيون عن صلة الرابطة بكلمة الملة، وكانوا يقولون إن الدين هو الملة، وكانوا يلقنون ذلك لأطفال رعاياهم، كما خاضت جيوشهم المعارك تحت شعار إما غازي وإما شهيد، وكان ينظر إليهم أنهم خلفاء المسلمين؛ امتدادًا واستمرارًا للخلافة العباسية فالأموية فالراشدة.
فقد كانت الدولة العثمانية دولة إسلامية، وكان العرب المسلمون التابعون لها ينظرون إليها كنتيجة للخلافة الإسلامية، وحلقة متصلة بالتاريخ الإسلامي، وتتمة له، ولذا تمسك معظم المفكرين العرب في القرن التاسع عشر بالرابطة العثمانية، ولم يفكروا بالانفصال النهائي عنها والاستقلال التام، وظهر تيار الرابطة العثمانية بشكل واضح بعد ضعف الدولة العثمانية، إذ دعى إلى ضرورة التمسك بها والدفاع عنها في صراعها مع الدول الأوروبية الطامعة فيها والراغبة في القضاء التام عليها. بل ذهب البعض إلى اعتبار الولاء للدولة العثمانية والمحافظة على كيانها جزءًا من العقيدة الإسلامية وركنًا رئيسًا من أركانها[82]، ومن المؤكد أن هذه الأفكار كان لها تأثيرها على رجل دين، من الدعاة إلى الإصلاح، تشكِّل الأيديولوجيا الإسلامية نواة فكره.
كما أن وقفة أبي الثناء الآلوسي إلى جانب داود باشا الثائر على السلطان، والخارج عن طاعة خليفة المسلمين، لا تعني أن تلك الثورة كانت من أجل فصل العراق عن دولة الخلافة العثمانية، فتلك كانت وجهة نظر السلطان وبابه العالي في ثورة داود باشا. أما داود نفسه ومن معه من المماليك والعلماء من أمثال الآلوسي، فكانوا يرون أن داود هو الأكفأ لحكم العراق من غيره من ولاة الخارج، الذين كان يبعث بهم السلطان العثماني لحكم ولايات الدولة العثمانية حكمًا مركزيًا، فالمماليك من وجهة نظر الآلوسي، أجدر من غيرهم في حكم البلاد، لأنهم كانوا يعيشون بين أهل العراق وعلمائه، ويعرفون أساليب حكم هذه البلاد، بعكس الحال بالنسبة لولاة الخارج الذين يفدون على العراق دون سابق معرفة به وبأهله، فلا يراعون مكانة علمائه، ولا يدبرون أموره بمشورتهم، ولهذا لم تعلن ثورة البغداديين المُساندة لداود باشا، الخروج على الباب العالي، بل إنهم في الوقت نفسه كانوا يُعلنون الطاعة للسلطان العثماني، وأنهم يدافعون فقط عن العراق ضد جيش علي رضا باشا[83].
إلا أن إقامة الآلوسي في الأستانة، جعلته يُعيد النظر في فكرته هذه، وانزوت الأيديولوجيا الإسلامية من تفكيره، لتحل محلها أيديولوجيا القومية العربية؛ لأنه لمس عن قرب مدى ما كان في قلوب علماء الأستانة وأدبائها ومدرسيها من كراهية دفينة للعرب بصفة عامة، فهو يقول عن مدرسي الأستانة أنهم “في غاية الاستكبار والأنانية، ولولا خوف قطع وظائفهم لأعلنوا بدعوى الربوبية… وقد استمعت كثيرًا منهم فرأيت سُدى وعظهم ولحمته هذيان، وعلى ذلك تجمع لهم الدراهم”. ويقول: “رأيت معظم مشايخ إسلامبول يبيعون المناصب للمعزول”. ويقول: “علماء القسطنطينية أجهل الناس بالفنون الأدبية، وأما الشعر العربي فطريقه بينهم بالكلية غير مسلوك، ولا بدع فالعربي بين الترك من قديم متروك”. ثم أبدى تألمه من أن أولئك العلماء الأتراك الذين ليسوا على المستوى العلمي للعلماء العرب يتمتعون بالمرتبات العالية، واحتكروا لأنفسهم المناصب، بحيث لا يشاركهم فيها بقية علماء الدولة، وخاصة العرب. فنرى أن مجرد كون العالم عربيًّا كفيل بأن يحل على نفسه نقمة علماء الأستانة من الأتراك، فيقول: “إن رؤية العالم العربي في أعينهم الموت الأحمر، وإن صحبته ولو مقدار ذرة في اعتقادهم الذنب الأكبر، والشرك الذي لا يغفر”[84].
وفي اعتقادنا لو أن رحلة الآلوسي هذه سبقت موقفه من الصراع المصري العثماني، لكان له رأي آخر، وموقف مغاير تمامًا لموقفه الذي وقفه، فدعواته الصريحة إلى حث العلماء العرب على الوقوف في وجه احتكار الأتراك لمجالات التفوق في الحكم والإدارة والأدب، ربما كانت ستجد آذانًا مصغية من شعب العراق، ليقف مساندًا لحركة محمد علي الإصلاحية الرامية لتأسيس إمبراطورية في المنطقة العربية، ولكن (لو) لا محل لوجودها في التاريخ. كما أننا نرى في تفكيره هذا بداية ميلاد فكرة القومية العربية.
الهوامش
[1])) صحفي أكاديمي مصري.
[2] ونسبه هو: السيد أبو الثناء محمود شهاب الدين ابن السيد عبدالله صلاح الدين ابن السيد محمود جمال الدين أبي المعالي ابن درويش بن عاشور بن محمد بن الحسين الطاهر ابن علي بن الحسين بن كمال الدين بن شمس الدين بن محمد بن شمس الدين بن شهاب الدين ابن أبي القاسم ابن أمير ابن أبي الفضل محمد بن بندر النقيب ابن عيسى بن محمد بن أحمد جمال الدين ابن موسى بن أحمد النقيب ابن محمد الأعرج ابن أحمد بن موسى المبرقع ابن الإمام محمد الجواد ابن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن أبي جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب. يونس الشيخ إبراهيم السامرائي: القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق، (بغداد: مكتبة الشرق الجديد، 1988)، ص 20.
[3] الكرخ: بالفتح، ثم السكون، وخاء معجمة، وهي نبطية، يقولون كرخت الماء وغيره من البقر والغنم إلى موضع كذا، جمعته فيه في كل موضع. ياقوت الحموي: معجم البلدان، (بيروت: دار صادر، 1977م)، الجزء الرابع، ص 447.
[4] أبو الثناء شهاب الدين محمود أفندي الآلوسي: غرائب الاغتراب ونزهة الألباب، (بغداد: مطبعة الشابندر، 1327هـ)، ص 5.
[5] جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، تحقيق شوقي ضيف، (القاهرة: دار الهلال، د. ت.)، الجزء الرابع، ص 257، 258.
[6] خير الدين الزركلي: الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، (بيروت: المؤلف، 1969)، الجزء الأول، ص 18.
[7] محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، (دمشق: دار القلم؛ بيروت: الدار الشامية، 1995م)، الجزء الثاني، ص 34.
[8] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 6.
[9] راجع نص إجازته في عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، (بغداد: شركة التجارة والطباعة العالمية، 1958م)، ص 18، 19.
[10] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 20.
[11] ولد سنة 1180هـ/ 1766م، تلقى العلوم العقلية والنقلية على والده وغيره من علماء عصره، وصارت داره موئلًا لطلاب العلم، أسند إليه التدريس في مدرسة شهاب الدين السهروردي، توفي 1242هـ/ 1826م. السيد محمد المحلاوي البغدادي: تاريخ الأسر العلمية في بغداد، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1997)، ص 75، 76.
[12] يونس السامرائي: المرجع السابق، ص 20.
[13] أكرم علي حمدان: “الجانب الصوفي في تفسير روح المعاني”، مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد 14، العدد الثاني (يونيو 2006)، ص 77.
[14] محمد البيومي: المرجع السابق، ص 34.
[15] خالد بن أحمد بن حسين، أبو البهاء، ضياء الدين النقشبندي، صوفي، ولد في قصبة قرى طاغ، من بلاد شهر الزور، عام 1190هـ/ 1776م والمشهور أنه من نسل عثمان بن عفان، هاجر إلى بغداد في صباه، وهاجر إلى الشام سنة 1238هـ/ 1822م، وكان يسعى إلى تصفية الأحقاد بين الزعماء الأكراد، واستطاع أن يكوّن جماعة كبيرة من المريدين على مختلف المستويات، ويبدو أن السلطات العثمانية خشيت من النمو المطرد لمريديه فعملت على مطاردته وتشريده. توفي في دمشق بالطاعون سنة 1242هـ/ 1827م. خير الدين الزركلي: المرجع السابق، ج 2، ص 294؛ أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 17، 18؛ كلوديوس جيمس ريج: رحلة ريج المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد وكردستان وإيران، ترجمة اللواء بهاء الدين نوري، (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008)، ص 227، 228؛ عثمان بن سند الوائلي البصري: مطالع السعود تاريخ العراق من سنة 1188 إلى سنة 1242هـ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف (الموصل: مطابع دار الحكمة للطباعة والنشر، 1991)، ص 17، 18.
[16] علي بن محمد سعيد بن عبدالله السويدي، البغدادي، العباسي، محدث، مؤرخ، متكلم، أديب، ناظم، ناثر، ولد ببغداد، وتوفي في دمشق سنة 1237هـ/ 1821م. عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1993) ج 2، ص 464؛ مجلة لغة العرب، السنة 2، الجزء 9، (آذار 1913)، ص 383-385.
[17] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 9.
[18] منهم محدث دمشق الشيخ محمد بن عبدالرحمن الكزبري، ومفتي بيروت الشيخ عبداللطيف. جرجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، (القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2011)، الجزء الثاني، ص 225، 226. وكان الحصول على إجازة العالم الجليل الكزبري (ت 1220هـ/ 1805م) أمرًا يفتخر به علماء ذلك العهد. أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 19؛ عثمان بن سند الوائلي البصري: المصدر السابق، ص 18.
[19] خورشيد باشا: رحلة الحدود بين الدولة العثمانية وإيران، ترجمة مصطفى زهران (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2008)، ص 128.
[20] محمود شكري الآلوسي: المسك الأذفر، (بغداد: مطبعة الآداب، 1930)، ص 8.
[21] أحمد لطيف الجنابي: “علوم القرآن الكريم”، حضارة العراق، (بغداد: 1985)، ج 11، ص 55.
[22] من نوابغ الشعراء، قوي الشاعرية واسع الخيال، ولد في الموصل نحو سنة 1220هـ/ 1805م ونزح إلى بغداد، سمي الأخرس للكنة في لسانه، جمع شعره في ديوان طبع في الآستانة عام 1304هـ/ 1886م “الطراز الأنفس في شعر الأخرس”، توفي 1290هـ/ 1873م. جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج4، ص 216؛ تراجم مشاهير الشرق، ج2، ص 33؛ عمر رضا كحالة: المرجع السابق، ج 2، ص 174.
[23] إبراهيم الدروبي: البغداديون أخبارهم ومجالسهم، (بغداد: مطبعة الرابطة، 1958)، ص 27.
[24] عبدالفتاح بن سعيد البغدادي، الشهير بالشواف، أديب، ناثر، ناظم، مؤرخ، من آثاره حديقة الورود في مدائح شيخه أبي الثناء شهاب الدين الآلوسي في مجلدين، توفي سنة 1262هـ/ 1846م. خير الدين الزركلي: المرجع السابق، ج 4، ص 36؛ عمر رضا كحالة: المرجع السابق، ج 2، ص 182.
[25] هو المولى السيد عبدالغني جميل أفندي ابن الشيخ محمد جميل أفندي ابن الشيخ عبدالجليل أفندي ابن الشيخ السيد عبدالجميل أفندي الحسني. فردوس إسماعيل عواد: “عبدالغني جميل حياته وشعره”، مجلة دراسات تربوية، العدد السابع (تموز 2009)، ص 227. أصل نسبه من سورية، ثم سكنت عائلته بغداد، حيث ولد بها في 20 ذي القعدة 1194هـ/ 1780م، جعلته نشأته في بيت علم، يبحث عن المعرفة، ويتفقه في الدين، حتى صار من علماء بغداد المعروفين، ذوي الوجاهة والزعامة في الأوساط العراقية، وتقلد مناصب دينية وسياسية، وكان عالمًا متضلعًا وشاعرًا وكاتبًا وفقيهًا ومحدثًا، وكان له مجلس للوعظ والإرشاد في مسجد آل جميل، في محلة قنبر علي، الذي كان يحضره، ويداوم على دروسه الكثير من علماء بغداد، منهم أبو الثناء الآلوسي، وتوفي في 9 ذي الحجة 1279هـ/ 27 مايو 1863م . علي عفيفي علي غازي: “ثورة عبدالغني الجميل زاده في بغداد 1832″، مقبول للنشر في أبحاث ندوة 25 يناير 2011 بين ماضي الثورات العربية وحاضرها، (القاهرة: الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والمجلس الأعلى للثقافة، 2012).
[26] محمد رجب البيومي: المرجع السابق، ص 33.
[27] طبع لأول مرة ببولاق بمصر سنة 1301هـ/ 1883م، وطبع بعد ذلك طبعات أخرى آخرها في ستة عشر مجلدًا سنة 1978 عن دار الفكر ببيروت، بتحقيق محمد حسين العرب. بلال علي العسيلي: منهج الإمام الآلوسي في القراءات وأثرها في تفسيره روح المعاني، رسالة ماجستير (غزة: كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية، 2009)، ص 42. وعن خصائص منهجه، راجع: أحمد الجنابي: المرجع السابق، ص 56-58.
[28] فردينان توتل اليسوعي: المنجد في الأعلام، (بيروت: دار المشرق، 1978)، ص 5.
[29] جرجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق، ص 226، 227؛ إبراهيم الدروبي: المرجع السابق، ص 29؛ إسماعيل باشا البغدادي: هدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين، (أستانبول: وكالة المعارف الجليلة، 1955)، ص 418، 419.
[30] أكرم حمدان: المرجع السابق، ص 78.
[31] شوقي ضيف: المقامة، (القاهرة: دار المعارف، 1954)، ص 78.
[32] عباس العزاوي: مجموعة عبدالغفار الأخرس، (بغداد: شركة التجارة والطباعة، 1949)؛ وراجع مؤلفه غرائب الاغتراب، المصدر السابق، ص 210، 211، ومحمود شكري الآلوسي: المرجع السابق، ص9، 10، 34-38.
[33] عن تأثير دعوة ابن عبدالوهاب، راجع: عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم: “تأثر حركة الإصلاح الديني والاجتماعي في مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية”، مجلة الدارة، السنة 7، العدد 2 (محرم 1402هـ/ نوفمبر 1981م)، ص 104؛ عبدالفتاح مقلد الغنيمي: “أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في غرب أفريقيا”، مجلة الدارة، السنة 5، العدد 3، (ربيع الثاني 1400هـ/ مارس 1980م)، ص 90.
[34] السيد محمد المحلاوي البغدادي: المصدر السابق، ص 165.
[35] وعندما علم محمد علي بأمر مقتل مبعوث السلطان العثماني بعث إليه يعلن عن استعداده لأن يُصدر أوامره لجيشه كي يقبض على داود الذي دنّس يديه بدم مبعوث السلطان، مؤكدًا على أنه لو كانت لديه قوة بجوار العراق لفعل ذلك دون انتظار أوامر السلطان. دار الوثائق القومية: دفاتر ديوان المعية سنية تركي، دفتر 40، من محمد علي إلى برتو أفندي، في 19 رجب 1246هـ/ 4 يناير 1831م.
[36] عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، (بغداد: شركة التجارة والطباعة المحدودة، 1953)، الجزء 5، ص 301، 302.
[37] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 21.
[38] يوسف عز الدين: داود باشا ونهاية المماليك في العراق، (بغداد: مطبعة الشعب، 1976)، ص 58، 59.
[39] لفظة صقلبية تعني الرئيس تداولها الأتراك بمعنى نائب الوالي أو المتسلم. دوبريه: رحلة دوبريه إلى العراق 1807-1809، ترجمة الأب بطرس حداد (بغداد: شركة الوراق للنشر المحدودة، 2011) ص 33.
[40] عبدالعزيز سليمان نوار: داود باشا والي بغداد، (القاهرة: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، 1986)، ص261.
[41] علي الوردي: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الأول: من بداية العهد العثماني حتى منتصف القرن التاسع عشر، (بغداد: مطبعة الإرشاد، 1969)، ص 277.
[42] يوسف عز الدين: المرجع السابق، ص 59.
[43] عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص 325، 327.
[44] لتفاصيل مذبحة القلعة التي دبرها محمد علي للمماليك. راجع، عبدالرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، (القاهرة: مكتبة الأسرة، 2003)، الجزء السابع، ص206– 213.
[45] عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص 328.
[46] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 23.
[47] حيث كان قد غادر العراق إلى الشام لتجنب ويلات الحرب بين داود وعلي رضا باشا، وكذلك أخطار الطاعون والفيضان. عبدالعزيز سليمان نوار: “مواقف سياسية لأبي الثناء الآلوسي”، المجلة التاريخية المصرية، المجلد الرابع عشر، (1968)، ص149.
[48] عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، ص15.
[49] عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص49.
[50] علي عفيفي علي غازي: المرجع السابق.
[51] عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، ص 48.
[52] وقيل منهم الشيخ عبدالفتاح العقراوي. عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، ص 50؛ تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص 27
[53] F. O.: 78/210, Intelligence from Bagdad, Contained in Report from Wood, 2, August 1832.
[54] دار الوثائق القومية: محافظ الشام، محفظة 68، وثيقة 198،غاية المحرم 1248هـ/ 29 يونيو 1832م.
[55] دار الوثائق القومية: محافظ الحجاز، محفظة 103، صورة الوثيقة العربية رقم 4 حمراء، من خورشيد باشا إلى باشمعاون جناب داوري، غرة جمادى الثانية 1255هـ/ 11 أغسطس 1839م.
[56] إذ أرسل بامستون وزير خارجية بريطانيا بتعليماته إلى القنصل العام البريطاني في القاهرة يطلب منه توجيه إنذار حاسم إلى محمد علي بأن لندن “لا تبارك نواياه الشرقية”.
F. O.: 78/ 343, Palmerston to Campbell, 29, November 1838.
[57] وكان العثمانيون ينظرون إلى العلماء العرب بصفة خاصة نظرة احترام وتقدير؛ لأنهم أقدر على استيعاب مضمون اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ونطق بها الرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ودونت بها كتب الفقه، إلا أن هذه النظرة قد تغيرت في أواخر القرن التاسع عشر كما سيبدو لاحقًا.
[58] عبدالعزيز سليمان نوار: مواقف سياسية لأبي الثناء الآلوسي، ص153.
[59] عبدالعزيز سليمان نوار: تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا، (القاهرة: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، 1968)، ص 192.
[60] عبدالعزيز سليمان نوار: مواقف سياسية لأبي الثناء الآلوسي، ص 146-148، 151؛ على الوردي: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الثاني: من 1831 حتى 1872، (بغداد: مطبعة الإرشاد، 1971)، ص100-103.
[61] كذلك حاولت الدولة العثمانية تطبيق تلك السياسة، لما نشبت الحرب العالمية الأولى، وهاجم البريطانيون العراق، فانتدب الباب العالي حفيده محمود شكري الآلوسي (1857-1924م) للسفر إلى نجد، والسعي لدى الأمير عبدالعزيز آل سعود (ملك المملكة العربية السعودية بعد ذلك) للقيام بمناصرتها، فقصده الآلوسي سنة 1333هـ/ 1914م عن طريق سورية والحجاز، وعرض عليه ما جاء من أجله، فاعتذر، فآب ملتزمًا منزله عاكفًا على التأليف والتدريس، فلما دخل البريطانيون بغداد 1335هـ/ 1917م عرضوا عليه القضاء فزهد فيه. خير الدين الزركلي: المرجع السابق، ج 8، ص 49.
[62] يوسف عز الدين: الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر، (بغداد: مطبعة الشعب، 1958) ص49، 50.
[63] عبدالعزيز سليمان نوار: مواقف سياسية لأبى الثناء الآلوسي، ص152، 153.
[64] علي الوردي: المرجع السابق، ج 2، ص 105.
[65] يوسف إليان سركيس: معجم المطبوعات العربية والمعربة، (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، د. ت.) الجزء الأول، ص 3، 4.
[66] عبدالعزيز سليمان نوار: مواقف سياسية لأبى الثناء الآلوسي، ص 154.
[67] خورشيد باشا: المرجع السابق، ص 128.
[68] عبدالعزيز سليمان نوار: مواقف سياسية لأبى الثناء الآلوسي، ص 155.
[69] بلال علي العسيلي: المرجع السابق، ص 30.
[70] المرجع نفسه، ص 38.
[71] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 24.
[72] محمد مهدي البصير: نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر، (بيروت: دار الرائد العربي، 1990)، ص 223.
[73] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 25.
[74] محمود شكري الآلوسي: المصدر السابق، ص 13.
[75] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص 25.
[76] جرجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق، ص 226؛ تاريخ آداب اللغة العربية، ص 132.
[77] محمود شكري الآلوسي: المصدر السابق، ص 14، 15.
[78] عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، ص 93.
[79] محمود شكري الآلوسي: المرجع السابق، ص 11.
[80] ومن ذلك نسخه كتاب “بهجة النظر في نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر” سنة 1235هـ/ 1819م عن نسخة بخط مؤلفه. عثمان بن سند الوائلي البصري: المصدر السابق، ص 24.
[81] عباس العزاوي: ذكرى أبي الثناء الآلوسي، ص 5.
[82] علي المحافظة: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798-1914، (بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1978)، ص 120.
[83] سليمان فائق: تاريخ بغداد، (بغداد: مطبعة المعارف، 1962)، ص 82، 89، 90.
[84] أبو الثناء الآلوسي: المصدر السابق، ص173، 188، 313، 169.
المصادر والمراجع
أولا: وثائق عربية غير منشورة
ثانيًا: وثائق أجنبية غير منشورة
ثالثًا: رسائل جامعية
رابعًا: باللغة العربية ومعربة
خامسًا: مقالات في دوريات