أ.د. محمود علي السالمي
د. محمود علي السالمي([1])
د. لبيد حسين الجابري([2])
الملخص:
شهدت أسلحة الإنسان في العصر الحديث تطورًا كبيرًا، لاسيما بعد ظهور الثورة الصناعة، إذ تراجعت الأسلحة والوسائل البدائية التي كانت تعتمد على المواجهة الفردية المباشرة، وسادت العالم الأسلحة النارية التي امتلكت القدرة على القتل بدرجة أكبر، ومن مسافات أبعد، مثل: البندقية، والمدافع، والصواريخ، والطائرات، والسفن الحربية، التي ما زالت تشهد تطورًا مطَّردًا في صناعتها بهدف رفع قدرتها وكفاءتها لتُلحِق أكبر قدر ممكن من القتل والدمار. وفي غضون ذلك السباق العسكري، والبحث عن وسائل جديدة لإلحاق الهزيمة بالخصم بأسرع وقت، وبأقل جهد، ظهرت بأوقات متفاوتة أسلحة من نوع آخر لها قدرة هائلة على تدمير وقتل كل شيء، مبانٍ وإنسان وحيوان ونبات، وتلويث بيئة وتربة وماء وهواء، وهي الأسلحة التي تعرف اليوم بأسلحة الدمار الشامل، والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: كيميائية، ونووية، وبيولوجية، وهي موضوع هذا البحث.
Abstract
Human weapons have witnessed a great development in the modern era, especially after the emergence of the industrial revolution, so the primitive weapons that were dependent on direct confrontation retreated, and the world dominated the firearms that had greater ability to kill and from further distances, such as rifles, cannons, missiles, aircraft, and ships The war, which is still witnessing development in its industry with the aim of increasing its ability to inflict the largest possible amount of killing and destruction. During that development, and the search for new means to defeat the opponent in the fastest time, and with the least effort, other types of weapons have appeared that have a tremendous ability to destroy and kill everything, buildings, people, animals and plants, and pollute the environment, soil, water and air, which are the weapons known today as weapons of destruction Comprehensive, which is divided into three sections: chemical, nuclear and biological, and it is the subject of this research.
مقدمة
انشغل الإنسان منذ ظهوره على هذه الأرض، بصنع الأدوات والأسلحة التي مكنته من الدفاع عن نفسه، ومن الحصول على الصيد، وحتى من مهاجمة غيره، واستمر في تطوير تلك الأدوات والأسلحة مع تقدم معارفه وتطور تقنياته، فانتقل من استخدام السكاكين والنصال والرماح الحجرية والخشبية، التي كانت تتسم بمحدودية تأثيرها وقدرتها على القتل، إلى الأسلحة الحديدية الأكثر متانة وحدة، بعد أن اكتشف المعادن وعرف طرق تطويعها، فحلت السيوف والسكاكين ورؤوس الرماح والنبال الحديدية محل الحجر، وعلى الرغم من الفارق الكبير الذي أحدثه دخول الحديد في سلاح الإنسان إلا أن جميع تلك الأسلحة وأهمها السيف الذي كان يعتمد على المواجهة المباشرة كانت لا تستطيع أن تقتل أو تجرح أكثر من شخص في الضربة الواحدة، وكذلك السهام والرماح والأقواس التي تستخدم لإلحاق الإصابة أو القتل في الخصم من بعد. ومثّل سلاح المدفع (المنجنيق) الذي كانت قذائفه تصنع من كرات الحجارة ثم من الحديد مرحلة أخرى من مراحل تطوره، وبرزت أهميته في قدرته على إحداث الإصابات الجماعية، وفي تحطيم أسوار المدن والقلاع والحصون التي عجزت عنها الأسلحة السابقة، وشهدت أسلحة الإنسان تطورًا كبيرًا في العصر الحديث، لاسيما بعد ظهور الثورة الصناعية، إذ حلت محلَّ أسلحة المواجهة المباشرة الأسلحةُ النارية التي امتلكت القدرة على القتل من مسافات أبعد من السابقة، مثل البندقية، والمدافع، والصواريخ، والطائرات، والسفن الحربية، وجميع تلك الأنواع من الأسلحة شهدت تطورا في صناعتها ومازالت تشهد؛ بهدف رفع قدرتها على إلحاق أكبر قدر ممكن من القتل والدمار.
وفي غضون ذلك التطور، والبحث عن وسائل جديدة لإلحاق الهزيمة بالخصم بأسرع وقت ممكن، ظهرت أسلحة من نوع آخر لها قدرة هائلة على تدمير كل شيء وقتله، مبانٍ وإنسان وحيوان ونبات، وتلويث بيئة وتربة وماء وهواء([3])، والصفة الوحيدة المشتركة بين كل أنواعها أن أيًّا منها يمكن أن يدمر ويقتل أعدادًا ضخمة في فترة زمنية وجيزة نسبيًا([4])، وهي الأسلحة التي تعرف اليوم بأسلحة الدمار الشامل، والتي تعد نتاجًا لسباق التسلح المحموم بين الدول العالمية الكبرى التي تنافست على المصالح والثروة والنفوذ العالمي، وما زالت تتنافس. ويمكن حصرها في ثلاثة أنواع هي([5]):
المبحث الأول
الأسلحة الكيميائية
تعد الأسلحة الكيميائية إحدى أنواع أسلحة الدمار الشامل، فهي تؤدي إلى إبادة وقتل جماعي، وإلى تدمير واسع في الأماكن التي تسقط بها، والسلاح الكيماوي ليس سلاحًا منفصلًا عن بقية الأسلحة التقليدية، وإنما يستخدم من خلالها، إذ تُضاف عناصر ومركبات كيميائية معينة إلى محتويات القنابل والذخائر التي تستخدمها تلك الأسلحة العادية، والتي تتسبب في مضاعفة قوة انفجار تلك القنابل وزيادة مساحة تدميرها، وكذلك في إحداث إصابات وقتل جماعي لقوات الخصم في مساحات معينة من خلال الغازات والعناصر الكيماوية السامة المضافة إلى تلك القنابل، فبعضها تصيب بالعمى، وأخرى بضيق التنفس والاختناق، أو بالاحتراق والتشوهات الجسدية، ومجمل تلك الإصابات إن لم تؤد إلى الموت السريع لعناصر الجماعات المستهدفة، فقد تؤدي في أضعف الحالات إلى عجز كامل في حركتها، وتلغي قدرتها على المواجهة، ولاشك في أن الفرق في نتيجة حالة الإصابات بالسلاح الكيماوي تعتمد أساسًا على نوع المواد المضافة إلى القنابل وكميتها، وعلى الأهداف المراد تحقيقها منها.
ظهور الأسلحة الكيميائية
تعد الأسلحة الكيميائية من أقدم الأسلحة التي عرفها الإنسان، والعلاقة بينه وبين المواد الكيماوية الطبيعية علاقة قديمة تعود إلى مراحل مبكرة من التاريخ، ففي التاريخ القديم استخدم الفراعنة النار المشتعلة والدخان لحماية أنفسهم من الحيوانات المفترسة، كما أضاف كهنتهم على النار المشتعلة في القناديل بعض المواد السامة للتخلص بحسب اعتقادهم من أعداء المعبد، واستخدم الفرعون أحمس في أثناء حربه على الهكسوس وطردهم من مصر النار على السهام والحراب والمنجنيق([6]). وفي العهد اليوناني القديم استخدمت الأسلحة الكيميائية أيضًا، ففي القرن السادس ق.م قامت جيوش أثينا في أثناء هجموها على مدينة كيرها بمزج نباتات “الخربق”([7]) بمياه الشرب الخاصة بالمدينة، فنتج عنه سُم أدى إلى موت كل أهالي المدينة([8]). وفي مدينة “أسبارطة” في اليونان القديمة قام أهاليها بإشعال النيران على ألواح الأخشاب المشبعة بمادة “الكبريت” لإنتاج أدخنة سامة لخنق أعداء مملكة “أسبارطة”. وفي الهند القديمة اعتمدوا قبل ألفي عام على كثافة أدخنة النيران لحجب الرؤية عن الأعداء، وفي عهد مملكة سونج الصينية استخدمت أبخرة “الزرنيخ” لطرد أعدائهم([9]).
في العصر الإسلامي تطورت استخدامات الأسلحة الكيميائية عند العرب، إذ أضافوا موادًّا كيميائية سامة إلى رؤوس السهام النارية بهدف زيادة قدرتها على القتل والاشتعال، وفضلًا عن ذلك عملوا على تطوير المواد الحارقة وزيادة قدرات اشتعالها ومساحة تأثيرها من خلال استخدام المدفع “المنجنيق”([10]) في قذف الكرات النارية المشبعة بالسموم إلى مسافات أبعد، حتى يصل تأثيرها إلى عمق تجمعات أعدائهم، وكذلك استخدم الأوربيون السلاح الكيميائي في حربهم ضد المسلمين الأتراك عام 1456م لمنعهم من الوصول إلى مدينة بلغراد والسيطرة عليها([11]).
وفي التاريخ الحديث نفذت القوات الفرنسية واحدة من أبشع الجرائم في الجزائر عام 1845م بحبس ألف جزائري داخل مغارة جبلية وقتلهم بأدخنة النيران السامة، وعملت القوات البريطانية مثل ذلك في أفريقيا الجنوبية عند حرب “البوير” عندما أشعلت حمض الكبريتيك في مقذوفات مدافعها، فنتج عنها مادة سامة قضت على كل المهاجرين الهولنديين الأوائل في أفريقيا الجنوبية لتنفرد وحدها بالسيطرة على كامل المنطقة([12]).
حرب الكيميائيين
أدت صناعة الحرب في بداية القرن الماضي إلى اختراع وسائل بالغة الأثر في هلاك الجنس البشري، أو شل مقوماته، وذلك باستعمال المواد الكيماوية. وبناء على ذلك سمي هذا النوع من الحروب بالحرب الكيماوية (الحرب الصامتة)، ولم يقتصر استخدام هذه الغازات على الحروب فقط بل في أشياء أو أغراض أخرى كالغازات المسيلة للدموع، والغازات أو الأدخنة التي تغطي تقدم الجيوش أو انسحابها.
واستعملت الغازات الكيماوية ذات الدمار الشامل أول مرة في الحرب العالمية الأولى (1914م –1918م) التي دارت أحداثها بين الدول الأوروبية المتنافسة على النفوذ والمصالح في أوروبا وخارجها، ولم يكن في حسابات تلك الدول أن تستمر الحرب عدة سنين، وأن تشمل كل أجزاء القارة الأوربية، وأن تنتقل إلى خارجها، ومع استمرار الحرب واستنزافها للجنود والعتاد الحربي، حاولت كل دولة من تلك الدول المتحاربة البحث عن أسلحة بديلة تُخضع العدو بسرعة أكبر وتكلفة أقل، وبذل العلماء المختصون ومنهم علماء الكيمياء دورًا مهمًّا وجهودًا كبيرة في مراكز الأبحاث الكيماوية للحصول على مركبات كيميائية سامة أو قاتلة تستطيع أن تعزز جبهات جيوش دولهم، وتلحق الهزيمة في صفوف خصومها، ونتيجة لذلك ظهرت الأسلحة الكيميائية ذات القتل والدمار الشامل في تلك الحرب، وهي التي أطلق عليها اسم حرب الكيميائيين([13]).
وأول استخدام للغازات الكيماوية كان على يد الجيش الألماني في 22 أبريل عام 1915 عندما أطلق غاز الكلور على مساحة أربعة أميال مربعة، وتسببت في حدوث خمسة عشر ألف إصابة، منها خمسة آلاف قاتلة([14]). وكان للعالم الألماني “فرتزهايبر” الذي كان أبرز علماء الكيمياء في العالم وأشهرهم في ذلك الوقت، الدور الرئيس في تلك العملية القاتلة، مع العلم أنه سبق له أن قام بإنقاذ ملايين البشر من الموت جوعًا بعد أن انعدمت الأسمدة “النتروجينية” بسبب الحرب وهلكت الكثير من المزارع، قام بتحضير مادة “الأمونيا”، ثم قام بخلطها ببقايا الروث الحيواني فنتج عنها نوع جديد وممتاز من السماد الزراعي، أسهم في إنقاد البشرية من المجاعة، ومنحت له بعيد الحرب بسبب ذلك الاكتشاف جائزة نوبل في عام 1919م([15])، وكانت الحكومة الألمانية قد طلبت منه في أثناء الحرب المساعدة في إيجاد بدائل للذخائر التي أخذت تتناقص تناقصًا كبيرًا، فتمكن من تحضير غاز الكلور الذي استخدم في معركة “إيبر” الثانية في 22 أبريل 1915م، إذ عمل على تعبئة 150 طنًّا من غاز الكلور في 6000 أسطوانة مضغوطة، وحملها للمنطقة المحاذية لخنادق القوات الفرنسية وبقية قوات الحلفاء، وانتظر إلى أن تحولت الرياح باتجاه خنادقها فأطلق أنابيب غاز الكلور لتندفع باتجاه خنادق قوات الحلفاء في مدينة أيبر البلجيكية، فأودت سمومه -كما ذكرنا- بحياة الآلاف .
وفي الوقت الذي نجح فيه العالم الألماني “فرتزهايبر” في إنقاد البشرية من الجوع فقد نجح فيه أيضًا في إنتاج الأسلحة الكيميائية السامة ذات القتل الجماعي التي جعلته مجرم حرب بسبب إشرافه على تنفيذ المجزرة بنفسه، لكن الحكومة الألمانية ظلت تعتبره بطلًا قوميًّا وعملت على تكريمه، وأطلقت اسمه على المعهد العسكري للأبحاث الكيميائية([16]).
كما لمع في ذلك الوقت نجم العالم الكيميائي اليهودي الأصل والروسي المولد “حاييم وايزمان“([17]) الذي نال الجنسية البريطانية بعد أن ذاع صيته في كل العالم بسبب تمكنه من تحضير المواد الكيماوية التجارية مثل: الطلاء والكافور والمطاط الطبيعي، فطلبت منه الحكومة البريطانية المساعدة العسكرية بعد حادثة مدينة إيبر البلجيكية، فنجح في عزل البكتيريا عن الذرة، وفي زيادة أعدادها، واستخدامها لتحضير مادتي “البيوتانول” و”الاسيتون” اللتين أضيفتا إلى مادة البارود، وتمكن من إيجاد نوع جديد من الذخائر القوية عديمة الدخان، كما استخدم البكتيريا لإنتاج ذخائر ذات غازات سامة، وبفضل مجهوداته انقلبت موازين القوى في الحرب لصالح الحلفاء([18])، وبعد ذلك استمرت جهوده العسكرية في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية([19]).
واستعمل الألمان في نهاية الحرب، وبالتحديد في عام 1917 غاز “الخردل” وكان حينها أكثر مادة لها خسائر وإصابات، وقد جرى إطلاق تسعة ملايين قذيفة مليئة به، أحدثت أربعمائة ألف إصابة، وبصفة عامة فتأثير ذلك العدد يفوق أضعاف تأثير العدد نفسه من القذائف شديدة الانفجار([20]).
ولعله من المفيد أن نعلم أن الطرفين المتحاربين في الحرب العلمية الأولى استعملا ما يزيد على 125.000 طن([21]) من هذه الغازات كان عدد ضحاياها مليون وثلاثمائة ألف إنسان، معظمهم من القوات الفرنسية والبريطانية والألمانية([22])، وهي الدول التي حثّت علماءها على صنع تلك الأسلحة الكيميائية القاتلة وتطويرها.
أنواع الأسلحة الكيميائية
أدى الاهتمام الدولي بالأسلحة الكيمائية وبتطويرها إلى ظهور عدد كبير من أنواعها، واعتمد تأثير كل تلك الأنواع على عدة عوامل، الأول: الصفات الفيزيائية للمادة الكيماوية، مثل خاصية التبخر، والتطاير، ودرجة الذوبان، والغليان وضغط بخار العامل الكيماوي. والثاني: الطقس وحالته عند لحظة الانتشار مثل درجة الحرارة ومدى تغيرها، وسرعة الريح واتجاهها وتأثيرها في نشر ذرات العامل الكيماوي وتركيزه. والثالث: طريقة نشر الغاز، إن كان غازًا، أو مادة سائلة أو صلبة، فضلًا عن أنها تعتمد على السلاح الذي أطلقت منه، وعلى القوة الحرارية وقوة الانفجار والدفع لتلك المادة، وكذلك إذا كان القذف من الجو أو من الأرض، والرابع: طبيعة الهدف مثل التربة، والمستنقعات، والتلال والمباني العالية التي لها تأثير على التركيز ومداه([23]).
ويمكن تقسيم تركيب السلاح الكيماوي إلى عائلات، ففي غازات التقرح تجد عائلة الخردل الشهيرة بمشتقاتها المختلفة المحتوية على الكبريت والنيتروجين احتواء أساسيًّا، وهي تمتلك قدرة عالية على التغلغل في الأغشية والذوبان في مكوناتها، فضلًا عن ثباتها الكيميائي المرتفع. أما السيانيد ومركباته من سيانيد الهيدروجين والسيانوجينات، فإنها تمثّل العائلة الكيميائية الأساسية في الأسلحة التي تستهدف الدم؛ إذ تتفاعل هذه العائلة مع الهيموجلوبين في الدم لتصبح النتيجة النهائية تفريغ الجهاز التنفسي من الأكسجين ومنعه من الوصول للخلايا بشكل عام([24]). وفي عائلة الغازات المسببة للاختناق يظل الكلور ومركباته -وأهمها النيترو كلوروفورم- في مقدمة الأسلحة المستخدمة لسهولة تحضيره وانتشاره رغم تراجعه من جبهات الحروب الأكبر لسهولة اكتشافه وإمكان الهروب منه. ويأتي الفوسجين وثنائي الفوسجين في المرتبة التالية، وتباشر هذه النوعية من الغازات عملها كما أسلفنا عبر تورم الأغشية وتراكم السوائل فيها مسببة الاختناق، وتأتي الأسلحة الكيماوية الأشهر على الإطلاق من قسم غازات الأعصاب، وتتربع أسلحة السومان والتابون والسارين على عرش أخطر الأسلحة الكيماوية منذ اكتشاف كل منها في ألمانيا، وتبلغ سمية السارين ضعف سمية التابون بينما تقدر سمية السومان بضعف سمية السارين، وكلها غازات تتدخل تدخلًا مباشرًا مع نشاط الجهاز العصبي البشري([25]). ويمكن تقسيم الأسلحة الكيمائية تقسيمًا عامًّا إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي: غازات حربية، مواد حارقة، مواد دخان.
وتنقسم الغازات الحربية إلى سبعة أنواع هي: غازات أعصاب، وغازات كاوية، وغازات دم، وغازات خانقة، وغازات هلوسة، وغازات مقيئة، وغازات مسيلة للدموع([26]).
خطر الأسلحة الكيميائية والمواقف الدولية منها
بعد التطور السريع الذي شهدته الأسلحة الكيماوية والإبادة الكبيرة التي سببتها في الحرب العالمية الأولى، جعلت جميع الدول التي عانت منها وغيرها من دول العالم تدرك مخاطرها وتتعاطى تعاطيًا إيجابيًّا مع الجهود التي بُذلت من قبل الحرب العالمية الأولى لحظر استخدامها وامتلاكها، فجرت من أجل ذلك كثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المبرمة بين العديد من الدول الكبرى، لكن على الرغم من كل تلك الجهود فقد استخدم السلاح الكيمائي بعد الحرب العالمية الأولى في بعض الحروب والنزاعات وإن كان على نطاق محدود، فقد استخدمته بريطانيا ضد العراقيين عام 1920م، وأسبانيا ضد المغاربة عام 1921م، واستُعملت أيضا هذه الأسلحة في حرب كوريا، وحرب فيتنام، وحرب العراق ضد إيران، واستعملها صدام حسين ضد الأكراد، واستُعملت في الحرب الأهلية في سوريا التي اندلعت عام 2011م، وعمومًا فأهم تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي عُقدت للحد من الأسلحة الكيميائية هي:
هي أول اتفاق دولي وقّع في عام 1675م للحد من استخدام المواد الكيميائية كسلاح، وذلك بسبب شيوع استخدام الرصاص السام في النزاعات الحربية في ذلك الوقت([27]).
اتفاقية بروكسل:
هي الاتفاقية التي حدد فيها قوانين الحرب وأعرافها، وذلك في عام 1874م وشدد على حظر استخدام السموم ضمن الذخائر الحربية ومنعها([28]).
مؤتمر السلام (1):
هو المؤتمر الذي عقد عام 1899م في مدينة لاهاي، ووافقت فيه الدول الأوربية على الامتناع عن استخدام مقذوفات تحتوي على غازات ضارة أو خانقة ([29]).
مؤتمر السلام (2):
عقد هذا المؤتمر في مدينة لاهاي أيضًا، ويعتبر مكملًا للمؤتمر السابق وإن كان قد عقد بعده بحوالي ثمان سنوات، أي في عام 1907م، وأضاف المؤتمر بنودًا جديدة لما أُقِرّ في مؤتمر السلام (1)، وهي حظر استخدام السموم والأسلحة ذات الذخائر المسممة ([30]).
معاهدة فرساي:
وقعت في فرنسا عام 1919م، وحُظر فيها استخدام الغاز السام في ألمانيا([31]).
معاهدة حرب الغواصات:
جرت مداولاتها عام 1922م لحظر استخدام الغواصات والغازات الضارة في أثناء النزاعات الحربية إلا أن فرنسا اعترضت على الكثير من البنود حول حرب الغواصات مما تسبب بفشل التوقيع على هذه المعاهدة وعدم العمل بها.
بروتوكول جنيف:
عقدت في مدينة جنيف السويسرية عام 1925م، وفيها اتُفِق على حظر استخدام الغازات السامة أو الخانقة وكل ما في حكمها من السوائل والمواد والأجهزة الخطيرة([32]).
معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية:
وهي المعاهدة الأكثر شهرة؛ حيث وقعت من غالبية دول العالم في مدينة نيويورك الأمريكية عام 1993م، ونصت على حظر تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها، وعلى تدميرها، وأن يتم كل ذلك بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أنشئت للقيام بتلك المهمة، وجعل من مدينة “لاهاي” في هولندا مقرًا لها، وتم الاعتراف الدولي بكل تلك النقاط، ودخلت تلك المعاهدة حيز التنفيذ منذ عام 1997م([33]).
المبحث الثاني
الأسلحة النووية
السلاح النووي هو جهاز يستخدم تفاعلًا نوويًا لإحداث انفجار؛ بحيث يكون الانفجار أكبر بكثير من ذلك الذي يحدث في المتفجرات التقليدية، فالانفجار النووي تخرج منه أربعة أنواع من الطاقة، وهي الموجات الانفجارية، والضوء المركز، والحرارة، والإشعاع، ويمكن أن يكون السلاح النووي في صورة قنابل أو صواريخ.
والسلاح النووي عندما ينفجر تخرج منه كرة كبيرة من النار، وكل شيء داخل هذه الكرة النارية يتبخر ويرفع إلى الأعلى ويؤدي ذلك إلى ظهور سحابة كبيرة على شكل “عش الغراب” وتتعرض المواد الموجودة في تلك السحابة لبرودة تحولها في الهواء إلى جسيمات صغيرة فتعود إلى الأرض كغبار متساقط، ويمكن للرياح حمل ذلك الغبار في أثناء تساقطه إلى أميال بعيدة عن منطقة الانفجار، ولعل أهم ما في ذلك الأمر هو أن ذلك الغبار المتساقط مشع وملوث، ويمكن لتلك الإشعاعات والمواد المتلوثة الطائرة مع الرياح أن تصيب أي مناطق تسقط عليها بإصابات وتشوهات خلقية خطيرة يصعب علاجها ويطول، وتتوارث جينيًا عبر الأجيال، أما المناطق التي يقع فيها الانفجار فتتعرض لدمار كامل، ولفناء كل ما عليها من مخلوقات بشرية وحيوانية ونباتية([34]).
ظهور أول تفاعل نووي:
إذا كانت الحرب العالمية الأولى قد سميت بحرب الكيميائيين نتيجة للدور الكبير الذي لعبه علماء الكيمياء في ابتكار الأسلحة الكيميائية، فإن الحرب العالمية الثانية قد أطلق عليها اسم حرب الفيزيائيين، وذلك للدور الكبير الذي لعبوه في ابتكار نوع جديد من الأسلحة الفيزيائية التي عرفت بالأسلحة النووية، والتي لها قدرة تدمير هائلة لم تعرفها الأسلحة من قبل. وقد بدأ الأمر بتجميع عالمي الفيزياء “فيرمي” و”زيلارد” عام 1939م في مدينة نيويورك، حيث كان فيرمي عائدًا من مدينة ستوكهولم بعد أن تسلم جائزة نوبل لعام 1938م، عن أبحاثه العلمية في مجال قذف اليورانيوم بالنيوترونات الذي ساعد على اكتشاف عناصر أثقل من اليورانيوم، أما زيلارد فقد عمل العديد من الأبحاث في التفاعل النووي المتسلسل لإنتاج طاقة إلكترونية لاستخدامها في محطات الطاقة الكهربائية والأسلحة النووية، ولكن المشكلة التي أعاقته هي كيفية إيجاد العنصر الذي يستطيع توليد ذلك التفاعل المتسلسل، وفي عام 1939م تمكن زيلارد من المرور عبر النواة، لكن ظلت الصعوبة التي تواجه هي معرفة أن كانت القوة الصادرة من النيوترونات الناتجة عن الانشطار أم النيوترونات الأصلية، وفي ذلك الوقت كان فيرمي قد توصّل إلى نتائج أكثر وضوحًا جعلتهم يعملان معًا حتى توصّلا إلى أن الماء الثقيل يمكن استخدامه كمهدئ فعّال لوقود اليورانيوم الطبيعي، لكن واجهتهما مشكلة أخرى هي ندرة وجود الماء الثقيل وارتفاع ثمنه في ذلك الوقت([35]).
وفي خضم الحرب العالمية الثانية وجّه الرئيس الأمريكي “روزفلت” رسائل إلى علماء الفيزياء الأمريكان في داخل أمريكا وخارجها، وكذلك لعلماء الدول الحليفة للولايات المتحدة في الحرب، طلب منهم إرسال تقارير عن جهودهم في محاولة التوصل لاختراع أسلحة فعالة، وكان أول رد وصل لمكتب الرئيس الأمريكي “روزفلت” من العالم “ألبرت أينشتاين” في 2/8/1939م حذره فيها من ألمانيا النازية، وذكر أنه قد سمع عن جهودها لمحاولة التوصل لاختراع سلاح نووي، كما تلقى الرئيس الأمريكي روزفلت ردًّا من العالمين البريطانيين “فريش” و”بيرلز” في مارس 1940م قدّما فيه وصفًا دقيقًا لمبدأ الانشطار النووي([36])، وكان روزفلت قد استلم تقريرًا عن المجهودات التي يقوم بها العالمان “فيرمي” و”زيلارد” في مجال تخصيب اليورانيوم، ونتيجة لكل تلك التقارير قرر الرئيس الأمريكي روزفلت تشكيل لجنة اليورانيوم الفيدرالية برئاسة زيلارد ورفاقه العلماء، وحصلوا خلال أسابيع قليلة على مبلغ 6000 دولار للقيام بتجاربهم العلمية التي اتخذت في البداية من مختبرات جامعة كولمبيا مقرًا سريًا لها لبحث التفاعل النووي المتسلسل وذلك مطلع عام 1942م([37]).
مشروع مانهاتن:
في عام 1934م اكتشف العالم الألماني “أوتوهان” بأن انشطار ذرة اليورانيوم يحدث سريعًا، ومنذ ذلك الوقت بدأ يعمل على توليد طاقة هائلة من ذلك الانشطار يمكن لها أن تكون مدمرة، وعندما علم المستشار الألماني أدولف هتلر عمل على إنشاء مركز لتطوير القنبلة الذرية بصورة سرية؛ لكي تسهم في ترجيح كفة ألمانيا العسكرية في الحرب، كما أمر بإيقاف تصدير اليورانيوم من مناجم تشيكوسلوفاكيا المحتلة من الألمان حتى لا يمكّن الحلفاء من الاستفادة منه في صُنع أسلحة مماثلة، فأزعج ذلك الحلفاء كثيرًا الذين كانوا على علم مسبق بمحاولة ألمانيا في صناعة قنبلة ذرية، من خلال رسالة العالم الألماني اليهودي “ألبرت أينشتاين” سابقة الذكر، وكان أينشتاين قد اضطر لمغادرة ألمانيا نتيجة لمعارضته لما يقوم به هتلر النازي من استخدام للطاقة النووية في صناعة أسلحة دمار شامل ذات قدرة تدميرية قوية، خاصة في ظل طبيعته العدوانية([38]).
وكانت الانتصارات الكبيرة والسريعة التي حققتها ألمانيا في بداية الحرب العالمية الثانية التي مكنتها من احتلال عدة دول أوروبية قد دفعت بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت للعمل بكل ما في وسعه لوقف انتصارات ألمانيا، فأصدر قرارًا في منتصف 1942م بإنشاء مشروع مانهاتن لصناعة القنابل الذرية الذي يبعد مقره 200 ميل عن الحدود الدولية والتجمعات البشرية لتفادي وقوع أي أخطاء يمكن أن تكلف الولايات المتحدة الكثير من الأرواح، وأقيم المشروع في عشرة مواقع في مدينة “نيويورك” التابعة لولاية “مانهاتن” الأمريكية وكانت عدة عوامل قد لعبت دورًا في اختيار “مانهاتن” لذلك المشروع إذ يوجد بها مقر سلاح المهندسين التابع لحلف شمال الأطلسي، كما أن لديها ميناء بحريًّا مهمًّا يمكن الحصول عبره على اليورانيوم، وفضلًا عن ذلك فهي الولاية التي ينتمي لها أغلبية العلماء الأمريكان، لاسيما في مجال الفيزياء، واستمرت الأعمال البحثية في صنع القنبلة الذرية من منتصف 1942م بجهود حثيثة، حتى تكللت جهود صنعها بعد ثلاثة أعوام من المحاولات المتواصلة بالنجاح([39]).
أول التجارب النووية:
بعد نجاح العلماء الأمريكيين في صناعة القنبلة النووية، كانت الخطوة التالية هي القيام بتجريبها لمعرفة مدى فاعليتها وتأثيرها، وكانت التجربة الأولى بتفجير أول قنبلة نووية اختبارية في 16 يوليو 1945م، في صحراء “ألاموغوردو” في ولاية “نيومكسيكو” في الولايات المتحدة الأمريكية، وسميت هذه القنبلة باسم القنبلة A، وفي كل الأحوال فقد مثّل نجاح انفجارها ثورة في عالم المواد المتفجرة والأسلحة المدمرة([40]).
وكان أول استخدام للولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة النووية مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ففي 8 أغسطس 1945 وجهت الأوامر للكولونيل “بول تيبيتس” من السرب 393 الذي كان يقود قاذفة القنابل بي-29 “إينولا جاي” برمي قنبلة نووية على مدينة “هيروشيما” اليابانية، وأطلق على تلك القنبلة اسم الولد الصغير، ولم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بما سببته تلك القنبلة من قتل ودمار بل وجهت في اليوم الثاني برمي القنبلة النووية الثانية التي كانت تحمل اسم الرجل البدين على مدينة “ناجازاكي” اليابانية، وقد أدى إسقاط هاتين القنبلتين إلى مقتل ما يقارب من 120000 شخص من أهل المدينتين في لحظة الانفجارين فقط، وما يقارب من ضعف العدد خلال عدة سنوات لاحقة بسبب آثار الإشعاع النووي، كما دُمّرت نحو 90% من مباني المدينتين ومنازلهما([41]).
سباق التسلح النووي:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية برزت على الساحة الدولية قوتان عظيمتان جديدتان هما الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة المعسكر الرأسمالي، والاتحاد السوفييتي زعيم المعسكر الاشتراكي، فخاضتا حالة صراع وتنافس شديد بينهما للسيطرة على مناطق العالم، وفي غضون ذلك التنافس سعت كل منهما لإحراز تفوقها العسكري على الأخرى، فدخلتا في سباق عسكري، ومنه سباق التسلح النووي، فانفراد الولايات المتحدة في صناعة القنبلة الذرية لم يطل كثيرًا، ففي عام 1949م نجح الاتحاد السوفييتي في إجراء أول اختبار لقنبلته الذرية الأولى التي كانت قوتها مطابقة للقنبلة الأمريكية 22 كيلو طن، وكانت عملية التطابق بين القنبلتين، وسرعة إنتاج الاتحاد السوفيتي لها، قد دلت على وقوف عملية تجسس سوفييتية داخل مختبرات البرنامج الأمريكي للأسلحة النووية وراء ذلك التطابق بين مكونات القنبلة. والمهم في الأمر أن نجاح الاتحاد السوفيتي في كسر الانفراد الأمريكي في صناعة القنبلة النووية قد دشّن مرحلة سباق تسلح نووي قوي بين المعسكرين، فالولايات المتحدة الأمريكية قررت في عام 1950م مواصلة جهودها النووية بصورة سرية للغاية لإنتاج القنبلة الهيدروجينية، وفي عام 1952م نجحت في صناعتها، وقدرت قوة انفجارها بأكثر من 10 ميغا طن، ولم يسكت الاتحاد السوفييتي على ذلك بل نجح في عام 1953م في صناعة القنبلة الهيدروجينية بقوة تقدر بحوالي 400 كيلو طن، وضوعفت تلك القوة بعد سنتين لتصل إلى ميغا طن ونصف([42])، وفضلًا عن التنافس الذي استمر بين القطبين في سباق التسلح النووي فقد دخلت في ذلك السباق العديد من الدول الكبرى التي مكنتها قدراتها العلمية والاقتصادية من صناعة مثل تلك القنابل الذرية والهيدروجينية والنيترونية، وتطورت صناعة تلك القنابل خلال ذلك السباق فاتخذت أشكالًا مختلفة، وأحجامًا أصغر، ولا تزال تقنيات صناعتها في تطور مستمر حتى الآن، ولجأت الكثير من الدول مع الضغوط الدولية على وقف سباق التسلح النووي إلى تصنيعها بصورة سرية، ولذلك أصبحت دولًا كثيرة تمتلك الأسلحة النووية، وتتمادى في تصرفاتها، وتهدد بها الأمن والسلام العالمي([43]).
الترسانة النووية في العالم:
الدولة | 2002م | 2007م | 2011م | 2018م |
أمريكا | 10500 | 10000 | 8500 | 6185 |
روسيا | 18000 | 15000 | 11000 | 6500 |
بريطانيا | 200 | 180 | 225 | 200 |
فرنسا | 350 | 350 | 300 | 300 |
الصين | 400 | 140 – 400 | 240 | 290 |
الهند | 6090 | 50 – 100 | 100 | 140 |
باكستان | 2848 | 50 – 100 | 110 | 160 |
كوريا الشمالية | – | – | – | 30([44]) |
إسرائيل | – | 80 – 100 | 110 | 90 |
تشمل تلك الإحصائيات كل أنواع الأسلحة النووية من قنابل ذرية وهيدروجينية ونيوترونية ورؤوس نووية([45]).
حظر الأسلحة النووية
دفع سباق التسلح النووي بين الدول الكبرى إلى انتشار حالة من الخوف والرعب من تلك الأسلحة الفتاكة، ومن الأثار السلبية التي تخلفها على المدى القصير والطويل، حتى داخل تلك البلدان نفسها، خاصة بعد قيام تلك الدول المتسابقة بسلسلة من الاختبارات النووية التي أرعبت أصواتها وصور انفجاراتها سكان العالم، كما أظهرت الدراسات التي قام بها العلماء في أماكن مختلفة من العالم مدى تأثير الحرب النووية في حالة وقوعها على العالم ومن ذلك محاولة حساب حجم الطبقة الكثيفة التي يمكن أن تشكل في الجو نتيجة للتفجيرات النووية، حيث تتكون من مقادير ضخمة من الأدخنة والخام السخام الناتج عن احتراق الغابات والمدن التي تحول دون وصول أشعة الشمس إلى سطح الأرض، حيث دلت هذه الدراسات بأن الظلام سوف يستمر أسابيع عدة ،كما أن تجمع هذه السحب الدخانية التي تتكاثر لتحجب نور الشمس قد تؤثر على التوازن الحراري؛ إذ قد تهبط درجة الحرارة إلى ما دون الصفر وقد يدنو ما يصل الأرض من أشعة الشمس إلى مستويات لن تكون كافية لضمان حياة النباتات، وقد تنقشع معظم تلك السحب من الغبار والسخام بعد عدة أشهر؛ ونتيجة للدمار الذي يكون قد لحق بطبقة الأوزون من جراء تصاعد الانفجارات النووية الكبرى فإن أشعة الشمس التي تصل الأرض ستحتوي على كمية أكبر من الإشعاعات فوق البنفسجية الضارة، وسيحمل غبار الغيوم المتساقط موادًّا مشعة تنتشر في مناطق بعيدة عن الأماكن التي وقع فيها الانفجار، وتدعى هذه الظواهر مجتمعة (الصقيع، والظلام المتساقط الإشعاعي والأشعة الفوق بنفسجية) بالشتاء النووي([46]).
وحسب التقديرات، فعند حدوث تفجير نووي بقياس 5000 ميغا طن فإن متوسط درجة الحرارة على اليابسة قد يهبط إلى 25 درجة مئوية تحت الصفر خلال أسبوع أو أسبوعين باستثناء المناطق الساحلية، وبأن المياه في البحيرات والخزانات قد تتجمد، وبأن ضوء النهار قد ينخفض بنسبة 95٪ أو أكثر، وسوف تتأثر الكائنات الحية في الكرة الأرضية بالشتاء النووي، وأن العديد من الأجناس الحية ستباد نهائيًّا([47]).
ونتيجة لذلك ظهرت العديد من الأصوات الرافضة لتلك التجارب ولذلك السباق المحموم، وتفاعلت الأمم المتحدة مع تلك الأصوات، وبدأت محاولتها للعمل على إنهائها أو الحد من انتشارها ووقف تجاربها، فسعت بالتشاور مع الدول الكبرى لوضع حد لترسانة السلاح النووية، وكان من نتاج ذلك الجهد توقيع العديد من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بحظر الأسلحة النووية والحد من استخدامها، ومنها:
معاهدة الحد الجزئي من الاختبارات النووية:
وهي معاهدة خاصة بحظر الاختبارات والتجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء الخارجي وتحت الماء، وقعت في 5 أغسطس 1963م في مدينة موسكو، من وزراء خارجية كل من: “أندريه كروميكو” وزير خارجية الاتحاد السوفييتي، و”دين رسك” وزير الخارجية الأمريكي، و”ألك دوكلاس هوم” وزير الخارجية البريطاني، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة “يوثانت” والرئيس السوفييتي “خروشوف”([48]).
معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية:
وهي معاهدة دولية هدفت إلى منع انتشار الأسلحة النووية، وتحويل صناعتها من الجوانب العسكرية إلى الجوانب السلمية للطاقة النووية، وقعت في 1 يوليو 1968م في مدينة “جنيف” السويسرية، بإشراف 18 دولة، وبرعاية الأمم المتحدة، وأصبحت هذه المعاهدة سارية النفاذ منذ 5 مارس 1970م([49]).
معاهدة حظر الأسلحة النووية:
قدمت هذه المعاهدة كمقترح من فرنسا للأمم المتحدة في 1993م، ولم تحصل على النصاب القانوني للتوقيع عليها خلال عدة جلسات، منها جلسة في عام 1996م، وجلسة في عام 2000م، وجلسة أخبره 7 يوليو 2017م. ومن أسباب رفض التوقيع عليها تخوف بعض الدول من تجريدها من أسلحتها النووية، لكن الكثير من دول العالم لاسيما دول العالم الثالث نظرت لها بإيجابية، واقترحت تعديل الكثير من مواد تلك المعاهدة بما يتناسب مع وضع العديد من الدول في الوضع الراهن، وعمومًا فما زالت تلك المعاهدة مجمدة، وغير متفق عليها، ولا يعمل بها حتى الآن، ولم تستطع الأمم المتحدة فرضها على الدول وخاصة الكبرى([50]).
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد قامت بتحديد عدة أقاليم وبحار مهمة للملاحة الدولية، ومنعت استخدام الأسلحة النووية وتجربتها في تلك المناطق من خلال توقيع خمس من المعاهدات وهي:
المبحث الثالث
الأسلحة البيولوجية
تعد الأسلحة البيولوجية من أخطر أسلحة الدمار الشامل على الإطلاق؛ لأنها يمكن أن تودي بحياتك دون أن تراها أو تسمع صوت انفجار لها، أو تدركها أي حاسة من حواسك، حيث تستخدم فيها كائنات حية صغيرة معدية لا ترى بالعين المجردة، وتؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض الوبائية التي تزداد خطورتها أكثر مع مرور الوقت، ومع زيادة مدى انتشارها، كما أن من مميزاتها أيضًا أنه يمكن تصنيع عدد هائل منها في وقت قصير([52]). وعمومًا فإن السلاح البيولوجي يتكون من أربعة عناصر هي:
1- السلاح البيولوجي: وهي الكائنات الحية السامة والمعدية مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات أي الشحنة المتفجرة التي توضع داخل وعاء.
2- الذخيرة: وهي عبارة عن وعاء يصنع خصيصًا وبطريقة معينة لكي تظل الشحنة البيولوجية المتفجرة الموجودة بداخله في حالة نشطة ومؤثرة حتى موعد إطلاقها ونشرها بعد الانفجار.
3- وسائل الإطلاق: وهي الوسائل التي تنقلها إلى المكان المستهدف ويمكن أن تكون على شكل صاروخ، أو قذائف مدفعية، أو قنبلة، أو من خلال طائرة.
4- وسائل نشر السلاح البيولوجي: وهي الوسائل المستخدمة لنشرها مثل قوة الانفجار، أو أجهزة الرش التي تعمل على نشر المحاليل المعدية، أو نشر العدوى بين الحيوانات، أو الحشرات أو برك المياه([53]).
ظهور الأسلحة البيولوجية:
تفنن الإنسان في تطوير الأسلحة والأدوات الدفاعية التي استعان بها في غالبية الحروب التي خاضها عبر الأزمان، لكن رغم خطورتها وقوتها التدميرية يعتقد بعضهم أن الإنسان لم يصنع السلاح الأكثر فتكًا، إلا حين صنع الأسلحة البيولوجية في القرن الماضي، وهي التي يمكن القول بأن فكرتها مستوحاة من خبرات عدة قرون مضت، فقد أدركت بعض الحضارات القديمة أن بعض الأمراض المعدية يمكن أن تكون أكثر فتكًا بالأعداء من السيوف والرماح والمدافع، وعلى الرغم من أن الفيروسات والبكتيريا التي تشكل أهم مادة السلاح البيولوجي اكتُشِفت في القرون الحديثة، غير أنها ليست المجال الوحيد للحرب البيولوجية فالحرب القديمة استخدمت عدة حيوانات خطرة مثل الأفاعي والعقارب والحشرات الناقلة للأمراض كالبراغيث([54]).
وتشير السجلات التاريخية إلى أن أقدم استخدام للأسلحة البيولوجية في الحروب كانت ما بين 400 – 500 ق. م عندما أقدم ملك أثينا “سولون” على تلويث المياه الواصلة إلى مدينة “كيراة” القديمة بنبات الزين (الخربق السام)، وبحسب المؤرخين فإن جيش مملكة “سكيثيا” الفارسية القديمة كان يلوث سهامه في عام 400 ق.م بغمسها في جثت متحللة أو في دم مخلوط بالسماد لقتل أعدائه. وفي القرن السادس ق. م سمم الآشوريون آبار الماء التي يشرب منها أعداؤهم باستخدام فطر مهمان الجودر السام الذي يسبب مرض الهلوسة، وهو الفطر الذي يستخدم حاليًّا لإنتاج الدواء المخدر إل إس دي، وتمتلئ كتب الأدب والشعر الفارسية واليونانية والرومانية منذ عام 300 ق.م بالعديد من أمثلة استخدام الحيوانات الميتة لتلويث الآبار ومصادر مياه الأعداء. وفي معركة “يوريمدون” عام 190 ق.م حقق البطل القرطاجي “هانيبال” نصرًا بحريًا كبيرًا على الملك “أدومنتيس” الثاني من خلال نقل أفاعٍ سامة من سفن خاصة إلى سفن العدو([55]).
وكانت الأسلحة البيولوجية في العصور الوسطى ضمن الأدوات المهمة التي تستخدمها الجيوش في الكثير من الحروب، ففي معركة “تورتونا” في القرن الثاني عشر الميلادي استخدم بارباروسا الجثث المتحللة للجنود القتلى التي تحتوي على الكثير من البكتيريا والفيروسات السامة لتسميم المياه الواصلة لآبار أعدائه، كما أن “جنكيز خان” عندما غزا أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي أطلق العنان عن غير قصد، بحسب قوله، لطاعون الماشية وطاعون الأبقار، ويؤثر هذا الفيروس على المواشي والماعز والثيران والزرافات ويصيبها بالحمى وفقدان الشهية والتهاب الأغشية المطاطية ويستمر من 6-10 أيام يتعرض بعدها الحيوان للجفاف ثم الموت، وحدث الحال كذلك في حصار مدينة “كافا” في شبه جزيرة القرم في القرن الرابع عشر الميلادي، إذ ألقيت جثث مصابة بالطاعون في داخل المدينة، بهدف نقل الوباء للجيش المدافع عنها، فانتشر المرض وأدى لاستسلام كل سكان المدينة، وقد ترتب على تلك العملية انتشار مرض الطاعون في القارة الأوربية كلها، وتسبب في قتل الملايين من سكانها. ومن وسائل الإبادة الجماعية التي استخدمت في العصور الوسطى هي قيام القائد الإسباني “بزارو” بتقديم هدايا للهنود الحمر في أمريكا كانت عبارة عن ملابس ملوثة بفيروس الجدري وذلك بغرض أبادتهم والسيطرة على القارة الأمريكية([56]).
في عصر النهضة الأوربية استُخدِمت الأسلحة السابقة نفسها في حوادث تاريخية مشابهة، فعندما حاصرت القوات الروسية القوات السويدية في عام 1710م في مدينة “ريغال” بإستونيا أرسلت جثث قتلى ملوثة بمرض الطاعون إلى داخل المدينة، مما أدى إلى انتشار وباء الطاعون وموت الكثيرين، وفي عام 1763م وخلال الحرب البريطانية الهندية أرسلت القوات البريطانية هدايا لزعماء القبائل الهندية تتكون من بطانيتين ومنديل لكل شيخ بعد أن لُوثت بالفيروسات والبكتيريا الناقلة لمرض الجدري، وهو الأمر الذي أودى بالكثير من الأرواح في بلاد الهند آنذاك، وعمومًا فقد مكنت الأسلحة البيولوجية بريطانيا من السيطرة على أمريكا واحتلالها والقضاء على سكانها الهنود الحمر واستعباد السود؛ وما كان للرجال ذي البشرة البيضاء السيطرة على أمريكا لولا تلك الأسلحة([57]).
تطور الأسلحة البيولوجية وتجارب استخدامها
في القرن الماضي تطورت أساليب الحرب البيولوجية تطورًا كبيرًا بصورة أكثر خطورة مما كانت عليها من قبل، وأسهم التقدم العلمي في تطوير كائنات الأمراض والأوبئة البيولوجية الفتاكة في حصد أرواح ملايين من البشر، ويذكر كثير من المؤرخون أن الجيش الألماني طور خلال الحرب العالمية الأولى الجمرة الخبيثة، والغدد، والكوليرا، وفطريات القمح، لاستخدامها كأسلحة بيولوجية، كما قام بنشر مرض الطاعون في مدينة “سانت بطرسبورغ” الروسية، وبنشر الالتهابات والفيروسات في بغال بلاد ما بين النهرين وحميرها، وكذلك في الخيول الفرنسية، كما وجهت تهم لألمانيا بإرسال قطعان من الماشية المصابة بمرض الحمى القلاعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبمحاولة نشر الكوليرا في إيطاليا، وعلى الرغم من فشل الحلفاء في إثبات تلك التهم بحق القوات الألمانية، إلا أنها ظلت قائمة، وشكلت مصدر قلق كبير في كل دول العالم، ولم تكن ألمانيا وحدها من امتلكت السلاح البيولوجي، فبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية امتلكتا في الحرب العالمية الأولى قنابل تزن 200 كيلوجرام محملة بفيروسات مرض الجمرة الخبيئة، ولكنها كانت بمنزلة سلاح احتياطي ولم يثبت استخدامه([58]).
وفي الحرب العالمية الثانية عملت القوات اليابانية على إنشاء مختبرات سرية لتطوير الأسلحة البيولوجية، وأطلقت عليها اسم الوحدة 731، وهي التي جرى فيها تجارب جرثومية مرعبة على السجناء وكُشف عن 3000 سجين مصاب بالطاعون، والجمرة الخبيثة، والزهري وأوبئة أخرى، كما قامت القوات اليابانية بنشر البكتيريا المسببة للطاعون في عدة مدن صينية عبر قنابل انشطارية وبراغيث حاملة للمرض، وبالمثل عملت قوات الولايات المتحدة الأمريكية على إنشاء “باين بلف” في ولاية أركنساس لتطوير الأسلحة الجرثومية، وهو الأمر الذي أدى لتوجيه العديد من التهم للولايات المتحدة باستخدامها العديد من تلك الأسلحة في حربها مع كوريا الشمالية عام 1952م، وفي حرب فيتنام عام 1960م، ولم يكن الاتحاد السوفييتي بعيدًا عن كل ذلك التطوير الذي حدث بالأسلحة البيولوجية، وعلى الرغم من إنكاره امتلاك مثل تلك الأسلحة إلا أن الانفجار الذي حدث في عام 1978م في إحدى المعامل السوفييتية الخاصة بتطوير الأسلحة البيولوجية بمنشأة “سفيردلوفسك” الروسية، وضعه في ورطة، إذ انتشرت البكتيريا المسببة لمرض الجمرة الخبيثة في أثناء الانفجار الذي نجم عنه مقتل 66 شخصًا، وجعلت إنكاره، وتبريره سبب الوفاة في المعسكر بأنها نتيجة لتناول لحوم مصابة في محل شك كبير، وفي عام 1992م اعترف الرئيس الروسي “برويس يلتسن” بالحادث وبأن المعسكر كان مركزًا لتطوير الأبحاث البيولوجية الروسية([59]).
وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990م انتهت حقبة الحرب الباردة، وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، وكان من الطبيعي أن تستمر في تصنيع الكثير من الأسلحة البيولوجية لتعزز تفوقها العسكري، ولتهدد الدول الخارجة عن طوعها، وهو الأمر الذي دفع بالكثير من الدول التي أصبحت تحت التهديد الأمريكي للسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل ومنها البيولوجية، وتسبب ذلك السعي بقلق الولايات المتحدة التي اتخذت مواقف متشددة تجاه تلك البلدان ومنها العراق، الذي انتهت الضغوط عليه بغزوه في 2003 ، وكوريا الشمالية، وإيران، اللتان تفرض عيهما الكثير من العقوبات والضغوط للتخلي عن برامجهما النووية والصاروخية والبيولوجية.
ولعل من أبرز الأمراض التي انتشرت وتسببت في مقتل الكثير من سكان العالم لاسيما الدول الفقيرة والتي لا يمكن فصلها عن الحرب البيولوجية هي:
الطاعون – الجمرة الخبيثة – الجدري – إنفلونزا الخنازير – إنفلونزا الطيور – جنون البقر – السارس – الزهري – التيفوئيد – الملاريا – الكوليرا – الضنك – الشيكونغونيا (المكرفس) – التهاب السحايا – التهاب المعدة – التهاب الأمعاء – كوكساكي – التهابات جهاز التنفس – التهاب الكبد الوبائي – الحمى الفيروسية – السالمونيلا (التسمم الغذائي) – المتفطرة السلية (السل اللعين) – المكورات العنقودية (حمى الوفاة) – المطغية العسيرة – الملوية البوابية – التيسرية البنية – المكورات العقدية – وآخر تلك الأمراض التي يعتقد البعض بأن مصدرها مختبرات الأسلحة البيولوجية مرض “كورونا المستجد” أو” كودافيد 19″، وقد تطول القائمة إذا لم تقف الهيئات الدولية بحزم في وجه كل من يستخدم أو يملك تلك الأسلحة البيولوجية الخطرة([60]).
حظر الأسلحة البيولوجية
تكمن خطورة الأسلحة البيولوجية، كما ذكرنا سابقًا، في انخفاض تكلفتها، وسرعة تحضيرها ونقلها واستخدامها وسهولته مقارنة بأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وكذلك في أنها تنتشر انتشارًا خفيًّا عبر الهواء؛ فهي بلا لون ولا رائحة مما يعني صعوبة اكتشافها أو تجنبها أو حتى تحديد مصدرها. كما يصعب التفريق بينها وبين الحالات المرضية الطبيعية التي قد تشترك معها في الأعراض. وقد زاد من خطورتها التقدم العلمي في الهندسة الحيوية الذي بات يوظف لأهداف عسكرية.
وهنالك اعتراف علمي متزايد بخطورة الأمراض البيولوجية على التنوع الحيوي في العالم، وتهديدها للكثير من السلالات بالانقراض. وعلى الرغم من وجود اللقاحات والأدوية المضادة لمعظم الأمراض المستخدمة عسكريًا، إلا أنها قد لا تتوفر بكميات مناسبة لمواجهة التفشي الوبائي للأمراض، مثلما حدث مع فيروس كورونا مؤخرًا، كما أن تلك الأدوية لا تستطيع أن تعالج الآثار الكارثية التي ستتعرض لها النباتات والحيوانات البرية.
ونتيجة لتلك المخاطر فقد تعالت الأصوات في المجتمع الدولي، بما فيها صوت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة للسيطرة على الأسلحة البيولوجية المدمرة، لما تشكله من خطر فادح على البشرية والبيئة على حد سواء، ويمكن القول بأنه ليس من السهل وضع حد صارم لسباق التسلح البيولوجي بحكم مرونته، ولذلك فإنه يتوجب توحيد الجهود العالمية ومضاعفتها للسيطرة عليه. وكانت الدول الكبرى قد حاولت بعد الحرب العالمية الأولى وضع معاهدات دولية لمنع تطوير الأسلحة البكتيرية والأسلحة السمية الوبائية وإنتاجها وتخزينها، غير أنه من الصعب الحديث عن نجاح كل أهدافها، ومن أهم تلك المعاهدات هي:
بروتوكول جنيف 1925م:
برزت حاجة الدول الكبرى في ذلك الوقت لهذ الاتفاق بعد استخدام ألمانيا للأسلحة البيولوجية في أثناء الحرب العالمية الأولى، غير أن ما يؤخذ على هذا الاتفاق أنه منع استخدام الأسلحة البيولوجية، ولم يمنع تطويرها وحيازتها ([61]).
معاهدة بريطانيا:
في 10 أبريل 1972م قدمت بريطانيا نسخة معدلة من الاتفاقية السابقة إلى هيئة الأمم المتحدة وشمل المنع استخدام الأسلحة البيولوجية وحيازتها وتطويرها، وتمت المصادقة عليها في 26 مارس 1975م، من قبل 179 دولة، وما تزال سارية المفعول حتى اليوم ([62]).
الخاتمة:
مثّل السلاح أهمية كبيرة في حياة الإنسان منذ سنواته الأولى على هذه الأرض، ويمكن القول بأنه قد اهتدى إلى أدوات السلاح قبل أن يهتدي إلى أدوات الاستعمالات الأخرى، فالأخطار التي كان يواجها من الحيوانات المفترسة الضخمة، وقيامه بعمليات الصيد دفعت به إلى الاهتمام والتركيز على صنع الأسلحة أكثر من أي أدوات أخرى، ومع التقدم الذي أحرزه الإنسان في مجال صنع أدواته المختلفة، برزت لدية أهمية التطوير والتنويع لسلاحه الذي أخذ يتجه بصورة متزايدة نحو صدر أخيه الإنسان.
ومع قيام الدول وتنافسها على مصادر القوت برزت الحاجة ليس إلى تطوير أدوات الأسلحة فحسب، بل إلى وجود جيوش منظمة تخوض عمليات الدفاع عن الدولة، أو الهجوم على الدول أو الجماعات لأخرى، وكما لاحظنا فقد قاد سباق التسلح لاسيما بعد عصر الثورة الصناعية إلى ظهور الأسلحة الفتاكة التي تعرف اليوم بأسلحة الدمار الشامل، والتي لا تهدد الخصم وحده، ولا حتى الإنسان وحده، وإنما الحياة على الأرض كلها، وزاد من أخطار تلك الأسلحة ذات الدمار الواسع، مع التطور العلمي الذي سهل من صناعتها، وصغر حجمها، احتمالية وقوعها في أيدي الجماعات المتهورة والمتطرفة.
ولذلك فلا مجال أمام الإنسان على هذه الأرض من أجل الحفاظ على حياته وعلى بيئته غير رفع صوته ضدها، وتعزيز جهود المجتمع الدولي الهادفة للتخلص من تلك الأسلحة وتحريم تصنيعها وتطويرها وخزنها، والتدخل الدولي الفعال لحل الخلافات والنزاعات والحروب التي تشهدها مناطق العالم، بصورة سلمية وعادلة، للحفاظ على السلم والاستقرار العالمي من جهة، ولقطع الطريق على دوافع سباق التسلح في العالم ومبرراته من الجهة الأخرى.
([1]) أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك / كلية الآداب – جامعة عدن.
([2]) أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك / كلية التربية عدن – جامعة عدن.
([3]) غسان الجندي: الوضع القانوني للأسلحة النووية، دار وائل للنشر – عمّان، 2000م، ص66.
([4]) وزارة الداخلية قطاع شئون العمليات الإدارة العامة للدفاع المدني: مقدمة تعريفية في أسلحة التدمير الجماعي، الكويت، سلسلة إصدارات
الإدارة العامة للدفاع المدني للسلامة العامة، بدون تاريخ، ص4.
([5]) مها عبدالرحيم وآخرون: إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، منشورات الأمم المتحدة – جنيف، 2004م، ص1.
([6]) صحيفة اليوم السابع: الجنة والنار عند الفراعنة، سارة علام، الثلاثاء 1/9/2020م.
([7]) الخَرْبَقُ (باللاتينية: Helleborus) جنس من الأعشاب السامة، يشمل على حوالي 25 إلى 30 نوعًا.
([8]) مجلة مركز دراسات البلقان، شبح أثينا، سباروزفروناز، العدد 43، 30/12/2017م، ص115.
([9]) صحيفة الرياض: أسلحة الدمار الشامل: أولًا الأسلحة الكيميائية، حمد اللحيدان، 31/8/2020م، ص3.
([10]) بدأ المنجنيق بأشكال قذف بسيطة من الخشب ثم تطور الى ماسورة حديدة لها قاعدة ثابتة. (محمود شيت خطاب: العسكرية العربية الإسلامية، عقيدة وتاريخًا وقادة وتراثًا، قطر، سلسلة كتاب الأمة 3، صادر عن رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، بدون تاريخ، ص165- 164)
([11]) محمد نامق: فاتحة الفتوحات العثمانية، المطبعة الوطنية – حيفا، 1909م، ص43.
([12]) صحيفة الشرق الأوسط: حرب البوير في جنوب أفريقيا، محمد البدري، السبت 11/3/2017م، ص12.
([13]) أحمد الغامدي: الحرب العالمية الأولى – حرب الكيميائيين، إصدارات جامعة الملك سعود – الرياض، 2015م، ص1.
([14]) د. منيب الساكت وآخرون: أسلحة الدمار الشامل، دار زهران للنشر والتوزيع، للأردن، الطبعة الأولى 2010، ص 13.
([15]) طه عبدالناصر: أبو الحروب الكيميائية، العربية للطباعة والنشر – تونس، 2018م، ص52.
([16]) طه عبدالناصر: المرجع السابق، ص54.
([17]) ولد في روسيا عام 1874م.
([18]) مريم الدجاني: الكيميائي الذي انتزع وعد بلفور، دار الجزيرة للطباعة والنشر – الدوحة، 2017م، ص21.
([19]) تم تكريم حاييم وايزمان من الحكومة البريطانية بإطلاق وعد بلفور، واستمر بعد ذلك في تعاونه مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية في صنع نظام التفجير للقنبلة النووية ونجاح تجربة إطلاقها على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، وساعدته الولايات المتحدة الأمريكية في قيام دولة إسرائيل عام 1948م وقدمت كل الدعم له ليصبح بعد ذلك أول رئيس لدولة إسرائيل، المرجع السابق والصفحة.
([20]) د. منيب الساكت وآخرون: المرجع السابق نفسه، ص13-14.
([22]) عبدالعزيز نوار: التاريخ الأوربي الحديث، دار الفكر العربي – القاهرة، 1999م، ص477.
([23]) د. منيب الساكت وآخرون: المرجع السابق نفسه، ص 17.
([24]) Jared Ledgard: A Laboratory History of Chemical Warfare Agents, Second Edition, United States of America, (2006). Sections 3,p72
([25]) Ibid, p75-98
([26]) معين أحمد محمود، “الأسلحة الكيماوية، والجرثومية”، دار العلم للملايين، بيروت، يونيه 1982. ص ٣١.
([27]) وثيقة اتفاقية ستراسبورغ 1675م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([28]) وثيقة اتفاقية بروكسل 1874م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([29]) وثيقة معاهدة لاهاي 1899م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([30]) وثيقة معاهدة لاهاي 1907م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([31]) وثيقة معاهدة فرساي – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([32]) وثيقة بروتوكول جنيف 1925م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([33]) وثيقة معاهدة نيويورك 1993م – الأمم المتحدة – جنيف، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – لاهاي.
([34]) Department of Health and Human Services – USA –cdc, Awareness leaflet from Interpol.
([35]) ممدوح عطية: الأسلحة النووية في عالمنا المعاصر، دار سعاد الصباح – الكويت، 1992م، ص11.
([36]) برونو تيرتري: السلاح النووي بين الرد والخطر، ترجمة عبدالهادي الإدريسي، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – أبوظبي، 2011م، ص8.
([37]) ممدوح عطية: المرجع السابق، ص12.
([38]) ميليسا غيليس: نزع السلاح، الطبعة الثالثة، الأمم المتحدة – نيويورك، 2013م، ص17.
([39]) جوزيف سيراكوسا: الأسلحة النووية، ترجمة محمد فتحي خضر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة – القاهرة، 2012م، ص23.
([40]) محمود خيري: القانون الدولي واستخدام الطاقة النووية، الطبعة الثانية، مؤسسة دار الشعب – القاهرة، 1971م، ص66.
([41]) بيروايدن: اليوم الأول قبل هيروشيما وبعدها، ترجمة هاشم حبيب الله، إصدارات المجمع الثقافي – أبو ظبي، 2002م، ص257.
([42]) ستيف توليو وتوماس شمالبرغر: قاموس مصطلحات تحديد الأسلحة ونزع السلاح وبناء الثقة، منشورات الأمم المتحدة – جنيف، 2003م، ص76.
([43]) مجلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمن اليوم وغدًا، محمد البرادعي، العدد 2/48، مارس 2007م، ص6.
([44]) أعلنت كوريا الشمالية عن تصنيع الأسلحة النووية عام 2018م ولم يسجل خلال أعوام الإحصائيات السابقة امتلاكه أي نوع من الأسلحة أو الرؤوس النووية.
([45]) برونو تيرتري: المرجع السابق، ص98.
([46]) د. منيب الساكت وآخرون: المرجع السابق نفسه، ص 99.
([48]) وثيقة معاهدة الحد الجزئي من الاختبارات النووية، الأمم المتحدة – جنيف، منظمة الحظر الشامل للسلاح النووي – فيينا، 1963م.
([49]) وثيقة معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، الأمم المتحدة – جنيف، منظمة الحظر الشامل للسلاح النووي – فيينا، 1968م.
([50]) وثيقة بنود معاهدة منع لأسلحة النووية، الأمم المتحدة – جنيف، منظمة الحظر الشامل للسلاح النووي – فيينا، 2017م.
([51]) وثائق المعاهدات من موقع الأمم المتحدة – جنيف، الوكالة الدولية لطاقة الذرية – فيينا، 1998م – 2020م.
([52]) عبدالهادي مصباح: الحرب البيولوجية والكيميائية بين الحرب والمخابرات والإرهاب، الدار المصرية اللبنانية – القاهرة، 2000م، ص23.
([53]) مجلة الاجتهاد، سالم أقاري، الآثار البيئية لاستخدام أسلحة الدمار الشامل في الحروب، العدد1، المجلد9، 2020م، ص862.
([54]) الإنتربول، الامانة العامة، برنامج منع الارهاب البيولوجي، دليل منع حوادث الإرهاب البيولوجي، ميثاق الإنتربول لتصنيف التهديدات البيولوجية، 2006م، ليون – فرنسا، ص2.
([55]) صحيفة الاقتصادية، قنابل من الحشرات، هيا الجوهر، الاثنين 11/يوليو/2016م، ص4.
([56]) منيب الساكت: تاريخ أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والبيولوجية والنووية، دار زهوا – عمّان، 2009م، ص129.
([57]) مصطفى عاشور: الميكروبات والحرب البيولوجية، دار منشأة المعارف – الإسكندرية، 2005م، ص6-7.
([58]) صحيفة الخليج، تراشق الفيروسات بين الصين وأمريكا، طه الراوي، الخميس 12/3/2020م، ص13.
([59]) صحيفة البيان، هاجس الحرب البيولوجية، مؤسسة دبي للإعلام، 7/11/2001م، ص11.
([60]) وزارة التغير المناخي والبيئة – اللجنة الوطنية للأمن البيولوجي، الإمارات العربية المتحدة، 2017م.
([61]) وثيقة بروتوكول جنيف 1925م، اللجنة الدولية للصليب الأحمر – قسم معاهدات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي، 10/4/1972م.
([62]) معاهدة بريطانيا وثيقة 1972م، اللجنة الدولية للصليب الأحمر – قسم معاهدات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي، 10/4/1972م.
المصادر والمراجع
الوثائق والتقارير:
الكتب العربية:
الدوريات:
مراجع أجنبية: