د. أحمد صالح علي محمد
د. أحمد صالح علي محمد([1])
الملـخـص
تتناول هذه الدراسة البحث في تاريخ هجرة الشوام إلى إفريقيا والعالم الجديد منذ النصف الثاني من القرن 19م حتى بداية القرن 20م، وتأقلم الشوام في المناطق المختلفة من العالم.
وقد بينت الدراسة الدور التي لعبته الظروف والأسباب المختلفة في هجرة الشوام تاركين وراءهم الأهل والأقارب، ويزيد على ذلك الصراع الاجتماعي التي تعرضت له بلاد الشام بسبب التدخل الأجنبي في شئون الدولة العثمانية، والتدهور الديمغرافي الذي خلفته موجات الهجرة خاصة إلى إفريقيا الغربية والعالم الجديد. وفي الصدد نفسه اضطر أكثرية المهاجرين الشوام إلى الهجرة نحو مناطق مختلفة هربًا من الأرض القاحلة التي تبخل على أهلها، والحروب المتتالية على السواحل الشامية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية مما أضر بالأمن الغذائي لسكان بلاد الشام.
وعرضت الدراسة أسباب الهجرة، وأماكن تجمع المهاجرين في أوروبا وعمل الشركات الأوروبية على إغراء الشوام بالوعود، ووصفهم للعالم الجديد بأنه عالم السحر والجمال بجميع مغرياته، كل ذلك كان نتيجة للتعصب الطائفي، وعواصف التصادم بين الشوام بعضهم ببعض، بسبب تسلط الدول الأوروبية لإحداث شرخ في البناء الاجتماعي، ويزيد على ذلك إنشاء العديد من المدارس والجامعات، التي قامت بنشر الثقافة والفكر الأوروبي، وإرسال الإرساليات التنصيرية، وهي تحمل أفكارًا عدائية للمسلمين، ولا نغفل دور القنصليات الأجنبية في تحريك وإثارة الصراع بين الدروز والموارنة، وغرسها للسم في جسد الأمة.
فضلًا عن اختيار بعض الشوام في هجرتهم العامل الجغرافي فقد هاجر بعضهم إلى مصر المحروسة، بسبب قربها جغرافيا، وعدم اضطرار المهاجر لاستخراج الأوراق اللازمة للهجرة لكونهم في الأراضي العثمانية، وعند الحديث عن هذا الجزء (الهجرة لمصر)، تم ذكر المعلومات حسب متطلبات البحث فقط، بسبب وجود العديد من الدراسات التي تتحدث عن هجرة الشوام لمصر. وقد انتقل البحث لمشروع هجرة الموارنة للجزائر ورفض الاحتلال الفرنسي هذا المشروع لمنع حدوث أزمات.
وناقشت الدراسة أيضًا، توجيه فرنسا لبعض الشوام من الذين تنطبق عليهم الشروط للهجرة للعالم الجديد، فتم توجيههم إلى مستعمراتهم في غرب إفريقيا مثل السنغال وساحل العاج وغيرها، ومن انطبقت عليه الشروط توجه إلى العالم الجديد.
Abstract
This study deals with the history of the migration of Al-Sham to Africa and the New World from the second half of the 19th century until the beginning of the 20th century, and the consolidation of Al-Shawam in different parts of the world.
The study showed the role played by the different conditions and reasons in the migration of the tribes, leaving behind the parents and relatives. Moreover, the social struggle that the Levant was subjected to due to foreign intervention in the affairs of the Ottoman state and the demographic deterioration caused by migration waves especially to Western Africa and the New World. In the same context, the majority of the immigrants forced to migrate to various areas to escape the barren land that spared its people, successive wars on the coast of Shami, and the high prices of foodstuffs, which affected the food security of the population of the Levant.
The study presented the causes of migration, the places where immigrants gathered in Europe, the work of European companies on the seduction of the Shawam, and the promises and descriptions of the new world as a world of magic and beauty in all its temptations. This was the result of sectarian fanaticism and storms of clash between the two nations and one another, And the establishment of many schools and universities, which spread European culture and thought, and send missionary missions, carrying ideas hostile to Muslims, and do not lose sight of the role of foreign consulates in moving and stirring the conflict between the Druze and Maronites, Poison in the body of the nation.
In addition to the selection of some immigrants in their emigration geographical factor, some emigrated to Egypt Mahrousa, because of its geographical proximity, and not having to extract the immigrant papers necessary for immigration because they are in the Ottoman territories, and when talking about this part (migration to Egypt), the information was mentioned according to the requirements of the search only, Because there are many studies that talk about the migration of the piles of Egypt. The research of the Maronite migration project for Algeria and the rejection of the French occupation of this project has been moved to prevent crises.
The study also discussed directing France to some of the most qualified immigrants to the New World. They were directed to their colonies in West Africa, such as Senegal, Ivory Coast, and others. The conditions applied to the new world.
أهـــمـــيــــة الــــدراســـــــة
ربط الماضي بالحاضر، بسبب الشتات الذي تعرض له الشوام خلال فترة الدراسة، والشبيه بالوقت الحاضر بسبب الحروب في المنطقة العربية.
وهجرة الشوام وما تعرضت له الدولة العثمانية من تدهور اجتماعي وديمغرافي في أراضيها الشامية، ومن ناحية أخرى يأتي البحث لكشف النقاب عن الوظائف التي شغلها الشوام في كافة المناطق التي هاجروا إليها، فقد عملوا على جمع الفستق في السنغال، وتجارًا وأصحاب محلات وسلسلة مطاعم وغيرها من أعمال في العالم الجديد، ووصل بهم الحال إلى شغلهم وظائف في الجيش الكوبي في حرب الاستقلال الكوبية، وقد واجه البحث العديد من الصعوبات التي تكمن في قلة المادة العلمية بل ندرتها، فكانت شذرات متناثرة في بطون المصادر والمراجع، حتى وصل إلى هذا النحو.
والجدير بالذكر هنا، ما وصل إلينا أنه لم تتوفر دراسة مستقلة تناولت موضوع “هجرة الشوام إلى إفريقيا والعالم الجديد” (منذ النصف الثاني من القرن 19م حتى بداية القرن 20م). إلا بعض الكتب والمراجع ومنها:
وهي لم تغطِّ بشكل كبير تاريخ هجرة الشوام إلى إفريقيا والعالم الجديد.
المقدمة
كثيرا ما تعرض الشوام إلى هزات اجتماعية خاصة في القرن 19م ويعود ذلك إلى الضعف الذي كانت تعاني منه الدولة العثمانية طوال ذلك القرن، بل زيادة التدخل الأجنبي في شئونها الداخلية، مستغلين رعايا الدولة المسيحيين أكبر استغلال.
حيث كان عملهم الشاغل والدؤوب هو إثارة رعايا الدولة ضدها للعمل على كسر الروابط الاجتماعية والتاريخية التي تجمع سكان الدولة العثمانية، التي كثيرا ما كانت تشتعل بسبب أمور غاية في البساطة، لكن لكونها بفعل فاعل، فكانت تدور في فلك واسع ومنتشر، مما أثّر على الدولة العثمانية بالسلب، حيث كان يدخل إلى جسد الأمة مباشرة.
ولا نزاع في أن الدولة العثمانية قد انشغلت بسبب حروبها المستمرة على أكثر من جبهة، وتدهورها الاقتصادي وكثرة ديونها، عن شئونها في الحياة الاجتماعية، وبذلك كانت بلاد الشام فريسة سهلة للتدخل الأجنبي في شئونها الاجتماعية، والعمل على تفريق أبناء الوطن الواحد.
وكانت كثير من تلك الأحداث الواقعة في بلاد الشام التي ستُذكَر في موضعها من البحث، من الأسباب الرئيسة لهجرة الشوام؛ تاركين بذلك منازلهم وأموالهم وأقاربهم من أجل البحث عن أماكن أخرى خارج أراضي الدولة العثمانية وداخلها باحثين عن الأمن والأمان.
وعلى كل حال، فقد كانت السمة السائدة للقرن 19م هي تفاقم الأزمات داخل الدولة العثمانية، خاصة الأزمات الاجتماعية، فالمجتمع الشامي متعدد الطوائف، وهو بذلك أرض خصبة للفتن التي تمارسها الدول الأجنبية، فكانت الفتن الطائفية هي رأس الحربة التي تطلقها تلك الدول للقضاء على وحدة المجتمع في بلاد الشام، مستغلين حملات التبشير والتنصير الممنهج، قاصدين بذلك انتزاع فئات عديدة من المجتمع العثماني، لخلق صدع وتدهور ديمغرافي كبير، واستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة لتحقيق هدفهم المنشود.
ونتطرق هنا في البحث إلى هجرة الشوام إلى قارة إفريقيا وخاصة غربها والعالم الجديد، مع ذلك فقد تم الحديث عن هجرة الشوام إلى مصر لكن بشكل موضوعي فيما لا يضر بجوهر البحث؛ لأن هناك الكثير من الكتب والدراسات التي اختصت بهجرتهم إلى مصر المحروسة، لذلك اختص البحث بهجرتهم إلى إفريقيا الغربية والعالم الجديد.
[1] من أسباب هجرة الشوام:
تتعدد أسباب هجرة الشوام، فهي أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وتبدأ تلك الأسباب في مطلع القرن التاسع عشر، حيث شهد ريف شمال الشام غارات من قبل فرق الوهابية المنطلقة من الجزيرة العربية (الحركة الوهابية)، واضطرت جماعة من دروز منطقة حلب إلى الهجرة من ديارها والاستيطان بين أبناء مذهبها في مناطق الشوف، هاربين بذلك من المخاطر والحروب([2]).
وفي السياق ذاته، وللأسباب نفسها، هاجرت جماعات من الأرثوذكس من الداخل الشامي ومن شرق الأردن وحوران ودمشق إلى فلسطين وجبال لبنان حيث وجدوا بعضا من الأمن([3]).
وعلى كل حال، فمنذ السنوات (1820 – 1860م)، عرف لبنان سلسلة فتن طائفية واضطرابات اجتماعية أدت إلى نزوح وحركات استيطان وهجرات واسعة المجال، وتعددت تلك المناطق في أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين حيث العلم والعيش في أمان داخل تلك البلاد.
وفي الوقت نفسه، كرر الغرب مطالبه لخلق الأزمات الاجتماعية في الدولة؛ بالضغط عليها لإصدار خط شريف همايوني في 18 فبراير 1856م، زادت عبره مطالب الدول الأوروبية لاحتضان الرعايا وقلبهم على الدولة العثمانية([4])، والراجح أن الدولة كانت في غنىً عن إصدار مثل ذلك المنشور الثاني، لكنها رضخت لمثل تلك التنازلات بسبب الضائقة العسكرية لها في حرب القرم (1853-1856م)، والراجح أنها قدمت تلك التنازلات مرة أخرى بسبب المساعدات التي قدمتها لها الدول الأوروبية لصد العدوان الروسي على أراضيها في حرب القرم.
والشاهد على كل ما ذكر أن المنشور الذي أصدرته الدولة العثمانية لم يدخل حيز التنفيذ؛ بسبب عدم إلزام رعايا الدولة بتنفيذه، ويزيد على ذلك أن رعايا الدولة كانوا يتمتعون بموجب الامتيازات الأجنبية بحرية أكثر من الممنوحة في المنشورين.
وفتح المنشور الصادر عام 1856م الباب على مصراعيه أمام الحركات التنصيرية للمبشرين النصارى، ووفر لهم الغطاء القانوني لذلك، فاستقروا بأعداد كبيرة في مختلف ولايات الدولة بتأييد من عدة سفراء أجانب، وسعوا بكل السبل لكسر صمام الأمان الذي صنعته الدولة العثمانية طوال تلك القرون بين المسلمين ورعاياها المسيحيين من حب ومودة وعلاقات طيبة، ويزيد على ذلك محاولة تلك البعثات التنصيرية نشر النصرانية([5])، وقد قام المنشور أيضا بربط الاقتصاد العثماني بالاقتصاد العالمي، حيث ساعد على إنشاء بنوك محلية وأجنبية وإنشاء المشروعات العامة.([6])
وتمتع الفرنسيون منذ عهد السلطان سليمان القانوني بامتيازات كبيرة، فتحت لهم مجالات عديدة في الدولة العثمانية، فبموجب تلك الامتيازات وضعت فرنسا رعايا الدولة الكاثوليك تحت حمايتها([7])، وقد ازدادت سطوة النفوذ الفرنسي مع مرور الوقت على رعايا الدولة([8])، ووضع الفرنسيون نصب أعينهم الطائفة المارونية لخلق الأزمات الطائفية في جبل لبنان([9]).
أما عن جبل لبنان فقد كان يزج بأقلياته المسيحية والدرزية والشيعية، إذ كان بناؤه قائمًا على أساس طائفي، وتركزت السلطة الفعلية في الجبل بأيدي زعماء الطوائف([10])، ولم تستطع الدولة العثمانية في الكثير من الأوقات السيطرة على تلك الطوائف؛ لأنها كانت كبرميل البارود.
وبدأت اللبنة الأولى للأزمة الطائفية في لبنان ببروز الصراع بين الدروز والموارنة بعد امتدادات إبراهيم باشا ابن محمد على والى مصر، وتدخلات أوروبا بحجة حماية الطوائف المسيحية، ومن هنا نشأت منازعات وحروب أهلية طاحنة بين الدروز والموارنة([11]).
وبالفعل بدأت العاصفة ولا سيما في جبل لبنان في أعوام 1841م و1845 و1860م وبدأت المسألة الطائفية، واستغلت الدول الغربية – خاصة فرنسا – جماعة الذميين إلى أبعد حد حتى أضحت أسيرة لسياستها، وقد وصلت أصداء الفتن الطائفية إلى أوروبا، حتى ناشد الرأي العام الأوروبي التدخل لوقف الاعتداءات على المسيحيين([12]) ولا نزاع في أن الدول الأوروبية استطاعت أن تُرسِّخ فكرة التعصب الطائفي داخل الدولة التي عاشت طوال ستة قرون، لا تفرق بين مكونات المجتمع العثماني، وكان من نتيجة هذا أن انفرط العقد المنظوم.
وقد قامت الدولة العثمانية بإجراء عدة استحكامات لحل أزمة لبنان 1860م، بأن أرسلت وزير الخارجية في ذلك الوقت فؤاد باشا* لتسوية الأمور، بعد أن قامت فرنسا بالتدخل عسكريًّا، فأعلن فؤاد باشا إجراءات سريعة لتوطيد الأمن، ومحاكمة المتورطين في المذابح، وبالفعل استطاع الباشا حل النزاع القائم([13]).
وعلاوة على ما تقدم، فإن فرنسا بعدما احتلت الجزائر عام 1830م أقدمت على إنزال قوات لها في لبنان عام 1860م، بدعوى حماية المسيحيين الموارنة من الدروز، وقد نالت تأييد بقية الدول الأوروبية في ذلك، ولقد أرادت فرنسا بتلك التحركات إفهام الدولة العثمانية أنها تشاركها في شؤونها الداخلية ما دام الأمر يتعلق بالمسيحيين الذين من أجلهم منحت الدولة العثمانية حقوقًا للأوربيين لحمايتهم([14]).
وقد تطور عمل الإرساليات التنصيرية كثيرًا، وتسبب هذا التطور في إنشاء عدد كبير من المدارس والجامعات([15])، واهتم رعايا الدولة العثمانية باللغات والثقافة والفكر الأوروبي، وبالفعل نجحت أوروبا التي سعت منذ قرون طويلة سعيًا حثيثًا لتحطيم المقاومة الداخلية العثمانية، فقد نجحت في إحداث تغيير عظيم في فكر عدد هائل من أنصار حركات التجديد في الدولة؛ وذلك في الاتجاه الذي تريده([16])، وسافرت أول إرسالية مكونة من سبعة رجال دين في 21 نوفمبر 1839م إلى استانبول، وقاموا بفتح دار لليتامى وفصول للتدريس، وفي نهاية عام 1840م وصل عدد التلاميذ إلى 230، وفي عام 1842م وصل العدد إلى 500 تلميذ، وهكذا لم تضيِّع أوروبا المسيحية وكنيستها وقتًا طويلًا للاستفادة من ظروف التحديث والتنظيمات في كافة أنحاء الدولة، فبعد سبعة عشر يومًا من صدور الخط (كلخانة) كانت الإرساليات التنصيرية الأولى تغادر مرسيليا باتجاه العاصمة العثمانية، وهي تحمل أفكارها العدائية للمسلمين ولقرآنهم الكريم([17]).
وفي السياق ذاته كانت بلاد الشام مركز نشاط أساس للمدارس الأجنبية والإرساليات التنصيرية وتأثير القنصليات الأجنبية، وكانت لبنان ضحية لمثل هذه التأثيرات وصراع الموارنة والدروز([18])، وقد ظلت الدولة العثمانية في محلها لم تحرك ساكنًا أمام الأنشطة المشبوهة التي كانت تمارسها الدول الأجنبية، وغرسها السم داخل الحياة الاجتماعية للدولة العثمانية وهي تكاد تنتظر رصاصة الرحمة.
وبموجب القانون الأساس الصادر في عام 1876م يطلق لقب عثماني على كل فرد من الأفراد التابعين للدولة العثمانية، وجميع العثمانيين متمتعون بحريتهم الشخصية، والحرية الشخصية مصونة لجميع رعايا الدولة([19]). مع أن هذا اللقب يطلق على جميع الرعايا من ذي قبل.
ويزيد على ذلك إصرار الدولة العثمانية أن تقوم بسلخ مدن الساحل وسهل البقاع الخصب من لبنان وسوريا، فحجّمته لتنحصر رقعته في الجبل والجنوب، حيث التربة تبخل بالعطاء والأرض الزراعية صغيرة الرقعة؛ فهناك كثافة سكانية مرتفعة في مقابل زراعة بدائية وصناعية حرفية محدودة، فضلًا عن تجارة هشة مرتهنة للخارج، أما الضريبة التي كانت تثقل كاهل الفلاحين، فكانت رصاصة الرحمة التي تقضي على أي أمل بتحسين أوضاعهم([20]).
وقامت الدولة العثمانية بتجريد الفلاحين من ملكية الأرض، فأذلهم حكم السادة وأرهقهم بما فرض عليهم من أعباء، ولاسيما إلزامهم تقبيل أيدي السادة([21])، وزاد بتلك الإجراءات الشرخ الذي وقع بين الدولة العثمانية ورعاياها من الشوام بسبب عدم اكتراث الدولة بما يحدث من أعباء اجتماعية، حيث ترك ذلك الشرخ أثرًا كبيرًا في نفس الشوام، فهيئتهم الظروف للهجرة.
ومما يؤخذ على الدولة العثمانية أنها اتبعت أسلوب فرق تسد في بلاد الشام، فكان بذلك من الدوافع الحقيقية لهجرة الشوام إلى مصر وإفريقيا الغربية والعالم الجديد.
والجدير بالذكر أن الضغط الديمغرافي واهتراء الظروف المعيشية وعدم الاستقرار السياسي، فضلًا عن عوامل ثقافية وتاريخية وتقدم وسائل الاتصال ويقال أيضا إن الهجرات الدولية نتيجة التزاوج بين عوامل مختلفة أساسية من جهة، وعدم التوازن بين النمو الديمغرافي والاقتصادي في بلاد الشام وإمكانية استيعاب إليد العاملة في البلد المقصود من جهة ثانية، وكذلك تسهيلات الانتقال ومصادر تمويله وإقامة المهاجر، لهذا وجب فهم معايير وجدلية الهجرة (التوطين) التي أصابت لبنان منذ القرن 19م وأكثرها في القرن 20م، كما أصابت سوريا وفلسطين وغيرهما من البلدان التي لعبت دور الأقطاب الطاردة، وذلك إلى العالم الجديد كمجتمع مستقبل للشوام الذين جعلوا من ذلك العالم أرضا لهم([22]).
وفي الصدد نفسه، قامت الدولة العثمانية بالضغط أكثر على الشوام، بتوطين جزء كبير من الشركس في بلاد الشام، للعمل على استصلاح أراض جديدة. والواضح هنا أن تلك المناطق استمرت بها التوترات بين الشركس والسكان المحليين على مدى عدة عقود([23]).
وكلما مر الوقت زادت الأزمة، فقد وصلت العديد من الأقليات إلى بلاد الشام مع بداية القرن العشرين، وعلى الأخص في نهاية الحرب العالمية الأولى، واعتُبر سببًا اغترابيا جديرًا بالذكر؛ إذ إن هذه الأقليات العرقية الغربية من أرمن وأكراد، راحت تعمل بأجور أدنى من أجور اليد العاملة الوطنية، فنازعت بذلك العامل والحرفي في بلاد الشام مكانهما في العمل، وهذه الموجات الاغترابية هي في نظر البعض عامل تعويض، يملأ الفراغ الذي خلفه رحيل اليد العاملة من بلاد الشام، وأهم الهجرات الداخلية كانت هجرة الأرمن التي بدأت بنهاية القرن 19م، حيث حصلوا بعد ذلك على الجنسية اللبنانية عام 1924م، ويمثلهم خمسة نواب في البرلمان، وأيضا هجرة الأكراد الذين بدأوا بالتسلل لبلاد الشام عام 1915م([24]).
ومن أسباب الهجرة أيضا ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يمس الأمن الغذائي للشوام، خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، حيث وصل رطل الطحين إلى 6,5 قروش، بعدما كان سعره 4,20 قرشًا لعام 1914م، وكان الساحل الشامي ساحة نفوذ للقوى البريطانية والفرنسية والروسية، مما أضر بالاقتصاد كثيرا، وزادت الأزمة في بلاد الشام([25]). وقد استغل تجار بيروت وطرابلس وصيدا وزحلة الأوضاع غير المستقرة واحتكروا الحنطة والحبوب وباعوها بأثمان باهظة([26]).
وزاد من الأمر سوءا أنه في عام 1915م اجتاحت بلاد الشام، خاصة المناطق اللبنانية، أرجال الجراد، حيث غطت مساحات واسعة، والتهمت أشجار التين والعنب والجوز، وباقي الأشجار المثمرة قد بدأت تورق، فالتهم الجراد كل أخضر حتى ورق الزيتون، ولم يسلم من الزراعات الشتوية إلا البصل والثوم المغمورين بالتراب، فعانى أهالي الشام صيفا قاسيا([27]).
كل تلك الأمور سالفة الذكر كانت تؤدي إلى عدم ثقة الشوام في قدرتهم على العيش طويلا في ذلك الشريط الضيق الذي انحصرت فيه كل الظروف القاسية التي تؤدي بهم إلى الهجرة والهرب إلى العالم الجديد؛ بحثا عن معيشة مرضية، وفرصة عمل جيدة، وفي الآتي نعرض وجهة الهجرة الشامية.
[2] الهجرة إلى إفريقيا:
كان العامل الجغرافي هو الأرجح لهجرة الشوام إلى قارة إفريقيا، لأنها قريبة إلى درجة كبيرة، وبعيدة عن بذل المال، الذي هو غير موجود فعليا عند الكثيرين.
وفي الوقت نفسه لن يحتاج الأفراد المهاجرون إلى إجراءات وتصريحات ورقية عند النزوح إلى معظم بلاد شمال إفريقيا لكونها تابعة في الأصل للدولة العثمانية، فكانت هي الوجهة الأولى للمهاجرين، خاصة مصر المحروسة.
أ – الهجرة إلى مصر المحروسة “وادي النيل”:
أصابت الدولةَ العثمانية ضغوطٌ من تقلص أراضيها التي انسلخت منها في البلقان بسبب حروبها المستمرة مع روسيا وخاصة الحرب العثمانية – الروسية الأخيرة (1877 – 1878م)، ونتيجة للحروب الواقعة زادت الكثافة السكانية كثيرا إلى ما يصل سبعة أضعاف الكثافة، خاصة في سوريا والعراق([28]).
ولا نزاع في أن معظم العثمانيين يعيشون في الريف، وبلغ عدد السكان الريفيين حوالي 80% من إجمالي السكان، وقد تغير التوزيع النسبي بين المدينة والريف إلى حد ما خلال القرن 19م وفي ما بين 1840م و 1913م، ارتفعت نسبة سكان المدن العثمانية من 17 % إلى 22 %، وهكذا تزايدت السوق المحلية للمنتجات الزراعية العثمانية بشكل مساوٍ، وإلى حد ما، تزايدت المصنوعات المحلية كذلك، وعشية الحرب العالمية الأولى، كانت مدن دمشق، وحلب، وبيروت والقدس تضم حوالى ربع السكان في بلاد الشام، مما زاد من كثافة السكان والأزمة الاقتصادية والاجتماعية([29]).
ونتيجة لما سبق، هاجر إلى مصر المحروسة مجموعة كبيرة من الشوام، استقبلتهم وفتحت لهم ذراعيها، ولم يلقَ هؤلاء الشوام أية صعوبة في الاندماج في المجتمع المصري، فنظرا لسهولة الانتقال البري والبحري بين مصر وبلاد الشام، وللتاريخ المشترك واللغة المشتركة والتراث الروحي الموحد وغيرها من الأسباب استقر هؤلاء الشوام في معظم المدن المصرية([30]).
فضلًا عن كون الشوام عند هجرتهم إلى مصر تمركزوا في المناطق الساحلية، خاصة على مرافئ البحر الأبيض المتوسط حتى نهاية القرن 19م، حيث اختار الشوام في البداية مدينة دمياط، حتى تبدل الحال وتمركز كثير منهم في مدينة الإسكندرية، حيث شكلت المدينة عنصر استقطاب أساسيا لكثير من الجاليات الأوروبية التي وفدت إليها، فاستقرت فيها أعداد كبيرة منذ القرن 19م؛ لذلك اتجه إليها كثير من الشوام لمتابعة النشاط الاقتصادي وحركة الرساميل الأوروبية الساعية للسيطرة على مصر، وبعد فتح قناة السويس للملاحة الدولية عام 1869م وربط البحر المتوسط بالأحمر انتعشت حركة التجارة العالمية عبر هذا الممر المائي الحيوي، فكان الشوام هم السباقين للاستفادة الاقتصادية ومتابعة حركة الرساميل التي تعبر سنويا قناة السويس، ويمكن جمع ثروات كبيرة عبر الوساطة لها وتسويق التجارة المرتبطة بها، وانتشرت أعداد منهم في مدن القنال، خاصة بورسعيد والإسماعيلية والسويس، واستقر بعضهم، وتابعوا تجارتهم بين القاهرة والإسكندرية، حيث استقر عدد كثير من المهاجرين([31])، حيث وجدوا الأمن والأمان في مصر المحروسة.
ولم يقتصر الوضع على تواجدهم في مصر فقط، حيث اتجه بعض منهم إلى الخرطوم (السودان) بحثًا عن الثروة، فقد هاجر منهم أشخاص طالبين العمل الصحفي والارتباط الوثيق بالحملات البريطانية إلى السودان كمترجمين وأطباء وغير ذلك، فتعرفوا عن كثب على أحوال السودان الاقتصادية والاجتماعية، وقرروا خوض المغامرة لاقتناص الثروة، فلم تكن انطلاقتهم من القاهرة إلى الخرطوم مباشرة، إذ استقر كثير منهم في المحطات السكانية الكبرى الفاصلة بينهما، فسكنوا في القصبات الرئيسة لمديريات الفيوم والمنيا وأسيوط وقنا وأسوان حتى وصل بعضهم إلى الخرطوم، وتابع عدد ضئيل من المهاجرين رحلته إلى ما بعد الخرطوم على مجرى النيل([32]). ومن الملاحظ أن الشوام كانوا شغوفين ومغامرين دائما، ودؤوبين لاكتشاف الآخر، في أماكن عديدة في جميع أنحاء الأرض؛ وتشير الدلائل إلى أنه بمطلع القرن 20م كانت قد استقرت هجرة الشوام في وادي النيل استقرارًا نهائيًّا، فمنذ مطلع القرن لم تعد هناك مناطق جديدة يغامر إليها المهاجرون الشوام بعد أن مارسوا العمل التجاري والصحافي والوظيفي في مختلف مدن وادي النيل، ولم تعد إمكانية الغني السريع مفتوحة أمام المهاجرين الجدد. وفي أعقاب انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وولادة دول سوريا ولبنان فلسطين وشرقي الأردن في ظل الانتدابين البريطاني والفرنسي بدأت القيود تفرض على التحركات السكانية داخل المنطقة، وزالت التسهيلات القديمة لتنقلات بشرية كانت تُعَد طبيعية بين أبناء الشعب الواحد (العثماني) والمناطق الواحدة الخاضعة لحكم مركزي واحد، ورسمت دول الانتداب الحدود الجغرافية الهندسية – السياسية بين هذه المناطق، وعملت على تقسيم تلك المناطق معتمدين على العامل الطائفي، وزادوا على ذلك الإجراءات التي انعدمت من خلالها وفشلت فرص المهاجرين الجدد([33]).
ومن ضمن الدوافع لسعي الشوام الدؤوب للهجرة إلى مصر المحروسة، أن الشوام بغالبيتهم الساحقة من الفئة الفقيرة بل المعدمة أحيانا، فعمل كثير منهم بالتجارة والزراعة ووظائف الدولة، فمنهم من فُتِح له مجال كبير في تجارة القطن، ومنهم الأطباء والمهندسون والمحامون والصحفيون، وبرع الشوام في مصر إلى درجة يستحيل فيها حصر العائلات الغنية، وعلى أية حال فمن ضمن الأسباب المؤدية للهجرة إلى مصر العامل الاقتصادي، فدفع ضيق العيش في جبل لبنان الصخري أعدادًا كبيرة من أبنائه للتفتيش عن مصادر الثروة والجاه في دنيا الله الواسعة([34]).
ويتضح مما سبق، أن المساعي الكثيرة التي رغب بها الشوام في هجرتهم إلى أول أرض قريبة لهم جغرافيا ولغويا وتاريخيا، قد نجحوا فيها بصورة كبيرة وممنهجة، خاصة في نهاية القرن 19م وبداية القرن 20م، حيث وجد الشوام أنفسهم في مجتمع قد انصهروا فيه بكل سهولة، متخذين من كافة المهن التي امتهنوها في مصر المحروسة البداية لدخول مجتمع متشابه إلى حدٍّ ما مع عاداتهم وتقاليدهم، فلم يجدوا ما يعوقهم أيضا في الانتقال من مدينة إلى أخرى لمحاولة الاستقرار اجتماعيا واقتصاديا.
ب) محاولة هجرة الموارنة إلى الجزائر:
تبدأ تداعيات الأزمة المارونية في بلاد الشام، بعد ازدياد نفوذهم وثرواتهم في لبنان؛ لذلك هُجِّروا من أراضيهم عام 1723م([35]).
وتبدأ الهجرة المارونية إلى الإسكندرية في عام 1749م، حيث تذكر أسماء بعض العائلات مع لفظة ماروني أو مارونية إلى جانبها، وذلك استنادا إلى سجلات الآباء الفرنسيسكان في الإسكندرية؛ ويؤكد ذلك على ضعف الوجود الماروني في هذه المدينة، ولم تكن لهم حتى ذلك الحين، كنيسة مستقلة وسجلات خاصة بهم، كما إن لفظة ماروني أو مارونية المشار إليها التي لا تثبت لبنانية المهاجر، بل تثبت على الأرجح قدوم المهاجرين الأوائل من حلب كما في باقي المدن المصرية، خاصة دمياط([36]).
وفي القرن 19م، وبعد خروج جيوش محمد على باشا من بلاد الشام، وخلال الفترة من (1840 – 1860م) شهدت بلاد الشام فتنًا دموية عدة وانتفاضات مختلفة، لاتساع نطاق التدخل الأوروبي، واحتدام الصراع الفرنسي – الإنجليزي، وضعف الدولة العثمانية، ومحاولتها المحافظة على مناطق نفوذها([37]).
ومع ازدياد الأزمة الطائفية في مجتمع هش، ثارت العديد من الفتن، وعرضت الدول الأوروبية على الدولة العثمانية مشاريع تقسيم بلاد الشام، لكن الدولة لم ترضخ لتلك المشاريع والإجراءات، حيث دول الغرب اللاهثة وراء قنص الامتيازات الأجنبية ورغبة الدولة العثمانية في ضرب السيادة اللبنانية، والوحدة بين الدروز والنصارى، لمنع قيام أوطان مستقلة قومية وسلخها من جسد الدولة العثمانية، على العكس تماما من دول الغرب حيث كانت تسعى لخلق كيانات مستقلة؛ لتفرض نفوذها عليها بسهولة، بعيدا عن أيدي الدولة العثمانية، مما جعل فرنسا تصارع لخلق الكيان الماروني، وإنجلترا لفرز الوطن الدرزي، وروسيا لحماية الأرثوذكس وإعطائهم حصصا من وطنهم المجزئ([38]).
أما المشروع الأكثر تداولا والموافق لرغبة الدولة العثمانية والدول الغربية، فهو تقسيم لبنان إلى كيانين، أحدهما مسيحي، والآخر إسلامي، وبالطبع درزي؛ لأن الجبل يسيطر عليه في قسمة الجنوبي الدروز، ولا مجال لضم المدن اللبنانية التي تتمسك بها الدولة العثمانية إلى هذا الجبل، وجعل لبنان بكامل أرضه كيانا واحدا مستقلا، وبعد التناول وطرح المشروعات، طُرِح تقسيم لبنان إلى ثلاث قوميات على النحو الآتي: الأولى: مارونية في المعاملة الشمالية، وتضاف إليها كسروان، والثانية: أرثوذكسية إرضاء للروس، والثالثة: درزية في المعاملة الجنوبية، وتضم ما تبقى من الجبل، ويدعمها الإنجليز. أما الدولة العثمانية فكانت تسعى إلى تعيين والٍ عثماني يخضع له كل أمراء الشام ومقاطعاتها([39]). والواضح هنا أن الدولة العثمانية كانت تسترضي كل الطوائف لتظل تحت مظلة الدولة للحفاظ على الكيان الواحد.
وبعد مرور وقت يسير انفجر الوضع في لبنان مجددا في مايو 1845م؛ لتفاقم الأزمة الاجتماعية بوجهيها الطائفي وهي مشكلة المناطق المختلطة، والطبقي وهو انتفاضة الفلاحين ضد المشايخ([40]).
علاوة على ما تقدم، رافق هذا الانفجار مذابح أدت إلى نزوح فريق من الأهالي إلى مناطق أكثر أمنا، وأحيانا إلى هجرتهم خارج لبنان مثل مصر([41])، وشهدت نهاية القرن 19م هجرة الموارنة بصورة كبيرة إلى الإسكندرية، حيث دلت سجلات الوقف الماروني لعام 1874م، على أسماء أغنياء الموارنة في المدينة، وأبرزهم: حبيب باسط، خليل فارس، ميخائيل موسى، يوسف نعمة، إبراهيم فارس، حبيب عبد الله يزبك، فياض نصر، حاتم سجعان، أنطوان إلياس العضم، إبراهيم خليل كساب، منصور فارس، إلياس عازار، جرجس نجم صوراتي شيخ الموارنة([42]).
وفي الصدد نفسه، أثبتت المصادر وجود سجلات كنسية لأبناء الطوائف المسيحية الشامية الذين هاجروا إلى مصر المحروسة، حيث تذكر أن سجلات الكنيسة المارونية بالإسكندرية دون سواها تملأ 480 صفحة من الحجم الكبير، وذلك خلال الفترة الممتدة (1844 – 1919م)، وتزداد أسماء تلك العائلات تباعا؛ لكثرة الأولاد والأحفاد منذ ذلك التاريخ حتى الهجرة المعكوسة من الإسكندرية متوجهين نحو العالم الجديد([43]).
والجدير بالذكر، أنه بالرغم من المذابح والخلافات قام فريق من الموارنة النازحين من هول المخاطر بتقديم طلب إلى قنصل فرنسا العام لتأمين سفرهم إلى الجزائر([44]). وبالفعل كانت من جملة الاقتراحات التي طرحت آنذاك، فكرة تهجير الموارنة إلى الجزائر ورفض الفرنسيين هذا الاقتراح رفضا باتًّا([45]).
والراجح هنا أن الفرنسيين لم يسمحوا للموارنة بالهجرة إلى الجزائر حتى تصبح قوة طائفية تثير لهم القلاقل داخل مستعمراتهم، وهو ما كانت فرنسا في غنىً عنه، وهي أيضا تستطيع استغلالهم في أماكن أخرى من العالم، خاصة في مستعمراتها في إفريقيا الغربية.
ج) الهجرة الموجهة نحو غرب إفريقيا:
بعد سرد الأسباب المؤدية للهجرة، قرر الشوام الهجرة إلى العالم الجديد، حيث كان مالكو السفن يبحثون بالوسطاء إلى قرى الشام النائية، ليحثُّوا الشبّان فيها على الهجرة، فيقدمون لهم التسهيلات والوعود المعسولة بالإثراء السريع، فالفلّاح في بلاد الشام كان يعاني من صروف الدهر الأمرّين، ويود أن يجرب حظه في بلاد أرأف به من بلدة، فيعمد إلى بيع قطعة الأرض أو البيت التي يملكهما أو إلى رهنهما بأبخس الأثمان، متكبدا مصروفات الرهن والفوائد… وأحيانا كان الفلاح الذي لا يملك شيئا، يستدين المبلغ الضروري لسفره، بإعطاء تعهد خطي أو شفوي بتسديد الدين والفائدة لدي تحصيله الثروة في المَهجَر([46]).
والواضح، أن الهجرة كانت تتم عبر بواخر تسلك المحيط الأطلسي، مثل الإسبانية والفلاندر والفريسيا وفرجينيا والشانبوليون، وغيرها من البواخر([47])، متوجهة إلى الموانئ الأوروبية، حيث لعب وسطاء الشركة الفرنسية للنقل البحري ووسطاء شركات الملاحة البحرية الأخرى، دورا مهما في بث روح المغامرة بين جماعات معدمة، تسعى للفرار من البؤس وشظف العيش واضطراب الأمن([48]).
وغالبا ما كانت الوعود خادعة، وقد خيبت آمال بعض هؤلاء الفلاحين الذين اكتشفوا لدى وصولهم إلى مرسيليا بفرنسا، افتقارهم للشروط الصحية المطلوبة للدخول إلى أمريكا، فأسيئت معاملة بعضهم، وأعيدوا إلى وطنهم في حال يرثى لها، ودفع بعضهم الآخر، كراهية أو طواعية، لتغيير وجهة سفرهم نحو سواحل إفريقيا الغربية([49]).
ومن الملاحظ هنا أن الفقر المدقع الذي وجد فيه الشوام أنفسهم جعلهم لعبة سهلة في أيدي الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين منهم، فما دبرت له فرنسا حدث بالفعل بإخراج الشوام من وطنهم، وتوجههم كما تشاء لوضع يدها وغرس أنيابها داخل جسد بلاد الشام؛ لتعلن فيما بعد الانتداب والتبعية.
وقفت الشروط الصحية المطلوبة للدخول إلى العالم الجديد وخاصة الولايات المتحدة مع نهاية القرن 19م أمام الشوام، حيث حولت مسار هذه الحركة ودفعتها، عن طريق مرسيليا نحو إفريقيا الغربية، وخاصة في اتجاه السنغال، الذي اعتبر بوابة عبور الشوام إلى القارة الإفريقية([50]).
ومهما يكن من أمر ففي أواخر القرن 19م، كان بعض الشوام في طريقهم إلى الولايات المتحدة، عندما توقفوا في ميناء مرسيليا، إما لعجزهم عن تأدية تكاليف السفر الباهظة إلى أمريكا، وإما لعدم استيفائهم الشروط الصحية التي فرضتها السلطات الأمريكية على المسافرين إليها، ومنهم من عدلوا عن رحلتهم الطويلة، إذ أقنعهم وسطاء فرنسيون وشرقيون، بإيعاز من شركات الملاحة البحرية بمتابعة سفرهم إلى إفريقيا الغربية، خاصة دكّار، سان لويس وكوناكري، ومن المعروف أن نجاحهم في التجارة أبقاهم هناك وضاعف أعدادهم، كما كان سببا في انتشارهم في مختلف بلدان القارة الإفريقية، ولاسيما المنطقة الغربية([51]).
وعلى أية حال، فالسلطات الفرنسية المحتلة لغرب إفريقيا، كانت تشجع الهجرة لتلك المناطق، بقصد تنمية العمل في قطاع المحاصيل الزراعيةالمعدة للتصدير، مثل جمع الفستق في السنغال، وجمع البن والكاكاوفي ساحل العاج، وغيرها من المحاصيل المهمة للاقتصاد الفرنسي المستعمر([52]).
وقامت فرنسا بالسيطرة على السنغال لكونها طريقا تجاريا مع السودان، ولما فشلت مشروعات فرنسا الزراعية في السنغال، ترك الأمر لضابط من ضباط الجيش اسمه لويس فيدرهرب، وكان قد اكتسب خبرة حربية وفهما واسعا للإفريقيين المسلمين في الجزائر، لكي يبين ما يمكن عمله في السنغال، وعندما عين حاكما عام 1854م، بدأ هرب في إتمام فتح حوض السنغال وتحويل سكانه إلى فلاحين ينتجون المحاصيل، لاسيما الفول السوداني والفستق الذي يهم فرنسا([53])؛ فكانت الأمور لدى فرنسا اقتصادية بحتة لسيطرتها على دول غرب إفريقيا السنغال وساحل العاج وغيرها من الدول.
وعندما وُضعت الشام تحت الانتداب الفرنسي من قِبَل عصبة الأمم، صدّر إلى إفريقيا الغربية كثير من الطاقات البشرية التي تحتاجها، فعمدت القنصلية الفرنسية في بيروت لمدة طويلة إلى إعطاء المزيد من التسهيلات، دعمًا لحركة الهجرة، مما لاقي صدىً إيجابيا في نفوس الشوام المفطورين على حب الاغتراب، وتؤكد بعض الدراسات أن موجة الهجرات البرية إلى غرب إفريقيا، قد بدأت حوالي عام 1880م، كما تذكر أن عدد المغتربين كان 400 شخصًا عام 1900م، منهم 276 في السنغال وغينيا والسودان الفرنسية، وقدِّر أن يكون العدد قد تجاوز العشرة الآلاف عام 1938م، انتشروا في إفريقيا الغربية وفقا للجدول الآتي([54]):
البلد | |||||
مستعمرات فرنسية | مستعمرات انجليزية | مستعمرات أخرى | |||
السنغال | 4400 | غامبيا | 350 | غينيا البرتغالية | 400 |
السودان الفرنسي | 400 | سيراليون | 1000 | ليبيريا | 100 |
غينيا | 1600 | غانا | 1000 | توغو | 80 |
ساحل العاج | 700 | نيجيريا | 700 | ||
داهومي (بنين) | 40 | ||||
موريتانيا | 20 | ||||
المجموع | 7170 | المجموع | 3050 | المجموع | 580 |
ويتضح من الجدول السابق أن الشوام توجهوا نحو السنغال وغينيا وغيرها من تلك الدول، أي إلى إفريقيا الغربية بأعداد كبيرة، فهي في الأصل هجرة موجهة من المحتل الفرنسي.
وبالفعل ركز كثير من الشوام من أصحاب حرفة الزراعة توجههم إلى السنغال؛ بسبب تشجيع فرنسا لهم، حيث توسع قطاع جني الفستق في السنغال، وقد زاد عدد الشوام في مطلع القرن 20م إلى السنغال دون غيرها من بلاد إفريقيا الغربية، وفقا للجدول الآتي([55]).
الشوام في السنغال | |
العام | العدد |
1900 | 99 |
1909 | 211 |
1914 | 500 |
1929 | 2088 |
ويوضح الجدول السابق أن الشوام مع مرور الوقت كانوا في تزايد مستمر وملحوظ في السنغال الفرنسي. وعلى أية حال، فقد قامت فرنسا بوضع شروط للدخول إلى إفريقيا الغربية، فانعكس ذلك بالسلب على الشوام الذين كانوا أكثرية آنذاك، ففي عام 1917م، حرمت نصوص القانون رقم (1727) الذي أصدرته فرنسا، على الغرباء ممارسة التجارة في مستعمرات فرنسا الأمريكية، وطبق هذا القانون في المستعمرات الفرنسية في إفريقيا الغربية حتى عام 1925م، حيث ألغي ليحل محله قانون آخر يضمن للمغتربين ممارسة كل حقوقهم المدنية، بما فيها حق تعاطي التجارة وممارستها، ومنذ ذلك الحين لا تزال قيود تفرض أو تلغى وفقا للحالة القائمة.
ويمكن الاطلاع في محاضر غرفة التجارة في مستعمرة ساحل العاج، على تظلمات تطلب الحد من وصول الغرباء بخاصة الشوام منهم، ومنذ العام 1910م اعتمدت شروط أخرى للحد من موجة الاغتراب.
كما صدر قرار مؤرخ في السابع من ديسمبر عام 1910م وقعه الحاكم غي وصادق عليه الحاكم العام بونتي، يحدد بصورة نهائية الإجراءات الفعالة الواجب إتباعها، لإحاطة دخول المغترب الضمانات الضرورة، ونورد هنا نص القرار المذكور:
المادة الأولى: لا يسمح بدخول أي مهاجر إلى المستعمرة إلا بعد إبراز وثيقة ولادة وسجل عدلي يثبت أنه غير محكوم، وإن تعذر فيستعاض عن هذا السجل بوثيقة صادرة عن السلطة الدبلوماسية يعود تاريخها إلى أقل من سنة، ولا يعتد بهذه الوثائق ما لم تكن رسمية، مترجمة إلى اللغة الفرنسية، مصدقة ومرفقة بصورة شمسية مصدقة لصاحب العلاقة.
المادة الثانية: يمنع نزول أي مهاجر إلى المستعمرة ما لم يعاينه الطبيب المحلي المختص، ويزوده بشهادة تثبت خلوه من الأمراض المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار الصادر في 24 أكتوبر 1910م، ومن أي مرض جلدي مسبب للعدوى.
المادة الثالثة: على كل مهاجر يصل إلى المستعمرة أن يودِع لدى الموظف الإداري المنتدب لهذه الغاية، المبلغ الكافي لتأمين عودته إلى أوروبا.
وكل مخالفة لأحكام هذا القرار تعرض المخالف لعقوبة السجن من يوم إلى خمسة أيام.
وأن تفحص جوانب التشدد في هذا القرار، يدفع إلى التساؤل عن طبيعة الإجراءات التعسفية التي طبقتها السلطات الأمريكية مطلع القرن 20م، والتي غيرت مسار الاغتراب، باتجاه إفريقيا الغربية.
ولسنا بحاجة للتذكير بمدى تأثير هذه المضايقات التي أثارت مخاوف الشوام في بادئ الأمر، الذين ما لبثوا أن اعتادوا عليها كواقع، غير أن هذه الإجراءات قد تضاءلت بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يعد الوافد الجديد مجبرا على تأمين مبلغ يضمن عودته إلى الوطن الأم، بل يكفي أن يقدِّم أحد التجار كفالة لمصلحته، كما إن قوانين الهجرة إلى إفريقيا الغربية الفرنسية قد طالها كثير من التعديلات، تارة لتشجيع وصول الغرباء، وطورا لإيقاف تدفقهم أو للحد منه([56]). وكل تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية ضد المهاجرين الشوام منعت كثيرًا منهم من إكمال الهجرة نحو غرب إفريقيا، لكن ما لبث حتى قامت الحكومة الفرنسية بتسهيل العديد من الإجراءات حتى تسمح بهجرة الشوام في النهاية، حيث رضخت فرنسا لاستقبالهم في مستعمراتها لظروف اقتصادية.
وقد وصل الشوام أيضا إلى ساحل العاج بأعداد كبيرة منذ عام 1924م، وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، ابتداء من العام 1930م، فتحت أبواب الهجرة في هذه المستعمرة أمام الغرباء، فوفد إليها الشوام بأعداد كبيرة من مختلف بلدان إفريقيا الغربية، مثل السنغال، غانا، غينيا، والسودان الفرنسي ويوضح الجدول الآتي ازدياد أعداد المهاجرين إلى ساحل العاج([57]):
العام | عدد الشوام | عدد الأوربيين غير الفرنسيين |
1908 | 3 | 97 |
1909 | 4 | 100 |
1923 | 56 | ــــــــــــــ |
1929 | 183 | 535 |
1930 | 243 | 529 |
1931 | 148 | 524 |
1932 | 174 | 355 |
1933 | 250 | 530 |
1936 | 454 | 599 |
1938 | 700 | 900 |
ويوضح الجدول السابق أن فرنسا مارست سياسة استعمارية ممنهجة حيث تزايد عدد المهاجرين الشوام إلى ساحل العاج منذ عام (1908-1938م). بسبب مصالحها الاقتصادية.
وعلى الرغم من ذلك فإن المهاجرين الشوام لم يسلموا من أمراض إفريقيا الاستوائية الخطيرة، فأصيب عدد كبير منهم بمرض الملاريا والحمى الصفراء، فما كان عليهم إلا وقاية أنفسهم، بوضع قبعات واسعة من الفلين على رؤوسهم بصورة دائمة وارتداء الثياب الفضفاضة، وارتداء نظارات سوداء على غرار الأوربيين، وكانت ساحل العاج تهدد حياة المهاجرين كل يوم بضغط الحرارة ورطوبة الهواء، وحرارة مضنية وقاتلة، وشمس محرقة ورطوبة مفرطة([58]).
ويتضح هنا أن أبناء بلاد الشام قد تأقلموا مع أصعب الظروف، باحثين بذلك عن أماكن جديدة بعد فشلهم في الهجرة للعالم الجديد، الذي كان بمنزلة الحلم لأي من المهاجرين لبناء مستقبلهم والبحث عن حياة أفضل؛ لذلك تحمل السواد الأعظم الحياة في كل بلاد إفريقيا الغربية.
[3] التوجه نحو أمريكا الشمالية:
لماذا العالم الجديد؟
تعود هجرة الشوام للعالم الجديد إلى عدة أسباب، منها الأرض البكر الغنية بالموارد، خاصة الفضة التي أغرق بها المستعمرون كافة بلاد العالم، وبها سيطروا على اقتصاد العالم.
الهجرة للولايات المتحدة:
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية علاقتها بالدولة العثمانية بإرسال الإرساليات التنصيرية، خاصة البروتستانتية التي كان لها دور غير مباشر في تغذية فكرة الهجرة من خلال تعليم اللغة الإنجليزية وآدابها فضلًا عن تاريخ أمريكا وجغرافيتها؛ إذ فتحوا آفاقا جديدة أمام الشوام وحثوهم على الذهاب إلى العالم الجديد التي فتنتهم أخباره وثرواته المتعددة والكثيرة([59])، ورسمت تلك الإرساليات العالم الجديد على أنه جنة الله في أرضه في أعين الشوام؛ لهذا بات الشوام يحلمون بالهجرة للهرب من الفقر المحيط بهم من كل جانب.
وكانت الدولة العثمانية حريصة جدا في تعاملها مع الدول الكبرى بسبب الظروف الدولية غير المواتية، وهذا ما عمل على تأخر إجراء أي علاقات أو عقد أي اتفاقية بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة حتى مايو عام 1831م([60])، ويتضح هنا أن تلك الصعوبة تعود إلى عدم ثقة الدولة العثمانية في ذلك الوقت بأي من الدول الكبرى، وامتد انعدام الثقة ليشمل الولايات المتحدة، حيث وجدت صعوبة بالغة في التعامل الدبلوماسي بين جميع الأطراف والدولة العثمانية.
لم يذاب الثلج بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة إلا بإصرار الأخيرة على إقامة علاقات تجارية في البحر المتوسط لتصريف منتجاتهم([61])، واستمرت المفاوضات حتى تم الاتفاق فيما بينهم بين الدولة العثمانية – والولايات المتحدة الأمريكية في 7 مايو 1830م([62])، فحددت المعاهدة هيكل العلاقة بين الدولتين طيلة قرن كامل، ومنحت المعاهدة الولايات المتحدة مبدأ الدولة الأكثر حظوة، وضمت المعاهدة تسع مواد، أكدت المادة الأولى منها على أن التجار العثمانيين يدفعون عند توجههم إلى الولايات المتحدة وموانئها رسومًا وضرائب مماثلة لتلك التي تدفع من قبل الدول الصديقة، وبالمقابل فإن التجار الأمريكان يدفعون في الأقاليم العثمانية وموانئها الرسوم والضرائب نفسها التي يدفعها تجار الدول الصديقة للدولة العثمانية التي تتمتع بنظام الامتيازات الأجنبية، و تنص المادة الثانية على تعيين الموظفين القنصليين في الولايات المتحدة والدولة العثمانية، وعلى أن يتمتعوا بالحصانة الدبلوماسية([63]).
وبهذه الطريقة زادت العلاقات بين الدولة العثمانية – والولايات المتحدة، واستغلتها هذه الأخيرة استغلالًا كبيرًا لصالحها في كافة المجالات، حيث قد رسخت علاقات قوية لتأمين طرق تجارتها، وليس من مانع لإرسال الإرساليات التنصيرية لغرس أنيابها في الحياة الاجتماعية للدولة العثمانية خاصة في بلاد الشام.
ويتضح هنا تأثر الشوام بالسياح الأمريكيين الوافدين إلى الأراضي المقدسة، ونذكر أن طانيوس البشعلاني وهو أول مغترب هاجر إلى الولايات المتحدة، إذ قام برحلته إلى الولايات المتحدة بمساعدة عائلة أمريكية من السياح، يحدوه حماس وطموح شديدان إلى الاغتراب([64]).
وخلال النصف الثاني من القرن 19م، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، هي أكثر الدول ارتيادا، وكان وصول طالب اللاهوت طانيوس البشعلاني عام 1854م إلى بوسطن بداية هجرة الشوام نحو الولايات المتحدة الأمريكية([65]).
وفي السياق ذاته، عام 1870م استقر في شارع واشنطن في مدينة نيويورك تجار محترفون من بلاد الشام، وتزايدت أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن 19م وأوائل القرن 20م، فكانت فيلادليفيا وشيكاغو وبالتيمور محط هؤلاء المهاجرين([66]).
وعند النظر لأعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة يصعب تقديرها، فمدير المهاجرة الأمريكية قبل عام 1899م لم يعترف بهويتهم كشوام، بل طواهم مع العرب والأرمن واليونان والأتراك تحت لقب (أتراك آسيويين)، أما الدولة العثمانية فلا علم لها رسميًّا بالهجرة لأمريكا؛ لأنها منعتها على الورق، وكل المهاجرين من أبنائها إنما سافروا لمصر، فقد توجب على المهاجرين استخراج وثيقة (جواز سفر) أو (باسبورتي)([67])، ليُرسَل إلى الولايات المتحدة بطريقة شرعية، لكن دخل كثير من الشوام العالم الجديد بدون وثائق رسمية أو جوازات سفر.
واستغلت السلطات الفرنسية الأعداد الكبيرة من المهاجرين من بلاد الشام، فنُقِلوا على متن البواخر الفرنسية، التي تجمع سنويا قرابة 1,8 مليون فرنك فرنسي، وتذكر التقارير العثمانية أن توزيع المهاجرين على النحو التالي: 55 ألفًا من الموارنة (69 %)، 12 ألفًا من الروم الأرثوذكس (15 %)، و 9 آلاف من الروم الكاثوليك (11 %) و 4 آلاف مسلم معظمهم دروز وشيعة (5 %)، أي أن الهجرة اللبنانية حتى مطلع القرن 20 م كانت بنسبة (95 %) من المسيحيين، موارنة في الغالب، مقابل (5 %) من الطوائف الإسلامية ولم تتبدل هذه النسبة تبدلًا جذريا حتى الحرب العالمية الأولى([68]).
أما عن الإحصاءات الأمريكية، فإن مدير الإحصاء الأمريكي -الذي يحصي كل سكان الولايات المتحدة مرة كل عشر سنين- في إحصائه عام 1910م أنكر وجود أبناء شوام في بلاده، ولم يذكرهم بشيء على الإطلاق، ثم عاد فتكرم بهذا الرقم 46,727 تحت عنوان “المتكلمون بالعربية”([69]).
ومن الملاحظ هنا أن الأمريكيين قد عاملوا العرب والشوام معاملة مواطن من الدرجة الثانية، حيث حاولوا كثيرا إفقاد الشوام هويتهم وأصولهم العربية. ومنذ عام 1899م نشط مدير المهاجرة في الولايات المتحدة وأخذ يدوِّن عدد المهاجرين من الشوام، وهذا تقرير عن عددهم السنوي([70]):
العام | عدد المهاجرين من الشوام | العام | عدد المهاجرين من الشوام |
1899 | 3708 | 1910 | 6317 |
1900 | 2920 | 1911 | 5444 |
1901 | 4064 | 1912 | 5525 |
1902 | 4982 | 1913 | 9210 |
1903 | 5551 | 1914 | 9023 |
1904 | 3653 | 1915 | 1767 |
1905 | 4822 | 1916 | 0676 |
1906 | 5824 | 1917 | 0976 |
1907 | 5880 | 1918 | 0210 |
1908 | 5520 | 1919 | 0231 |
1909 | 3668 | المجموع | 89971 |
ويوضح هذا الجدول ازدياد أعداد المهاجرين الشوام كل عام عن الآخر في الولايات المتحدة، حتى وصل عدد المهاجرين عام 1919م إلى 89,971 مهاجر.
وعلى أية حال، فقد كان المقصود (بالمهاجرين) في عرف دائرة المهاجرة أولئك فقط الذين لدي استجوابهم عند دخولهم الولايات المتحدة يصرحون أنهم ينوون الإقامة فيها واعتبارهم وطنا دائما لهم في مستقبل الأيام، وزد على ذلك أن حكومة الولايات المتحدة لم تسن قانونا يقضي على البواخر التي تبحر من موانئها بتقديم لوائح بأسماء الركاب لتعيين عدد الراجعين المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية إلا بعد عام 1906م فلا سبيل لإحصاء عدد الشوام الذين غادروا الولايات المتحدة قبل تلك السنة([71])، وقد حددت الولايات المتحدة بموجب القانون الصادر عام 1922م نسبة دخول المهاجرين إلى أراضيها بنسبة لا تزيد عن 3 % فقط([72]).
ولا نزاع في أن الشوام انتشروا في كافة أنحاء الولايات المتحدة، حيث تمركزوا في نيويورك ووشنطن، والمدن التي يكثر فيها عدد المهاجرون فهي كما يأتي: ([73])
اسم المدينة | عدد الشوام | اسم المدينة | عدد الشوام |
نيويورك | 18000 | فيلادلفيا | 2000 |
بوسطن | 8000 | ووسترماس | 1000 |
ديترويت | 7000 | فالوقرماس | 1000 |
بيتسبرغ | 5000 | سباتل | 1000 |
سنت لويس | 4000 | شيكاغو | 1000 |
لورنس | 3000 | أكرن أوهايو | 1000 |
كيفلند | 3000 | لوس أنجليس | 1000 |
وغالبا ما كان يعمل الشوام في الولايات المتحدة بالتجارة، وهو بيع جميع البضائع والملبوسات المطرزة([74]).
وتشير الدلائل أن الشوام مارسوا حياتهم الاقتصادية بأريحية تامة، وقد تخصصوا في تجارة المصنوعات اليدوية، فمنها الملابس البدوية والملبوسات النسائية المصنعة باليد، وقد تدرج أكثر التجار في نيويورك من مبادئ وضيعة كبيع “الخردوات” في حقائب يحملونها بأيديهم ويجولون فيها بين البيوت إلى فتح دكاكين صغيرة في شارع واشنطن إلى استئجار مكاتب وغرف لعرض بضائعهم([75])، ومن الملاحظ أن المهاجر كان يبدأ عمله في صورة صغيرة حتى يصل به الحال إلى امتلاك سلسلة من الدكاكين أو سوق تجارية كبيرة لعرض المنتجات الشامية.
وقد تميز الشوام في تجارتهم أيضا بوجود البائع الدوار (الجوال) الذي كان حلقة الاتصال بين التاجر المقيم في مخزنه والمرأة التي تبتاع البضائع في بيتها، وهو الأساس المتين الذي بنيت عليه تجارة الشوام، وظهور فئة أخرى هي البقّالون، حيث ينافسون الإيطاليين واليونان، وفئة المصدرين حيث أقاموا علاقات تجارية مع أمريكا الجنوبية، خاصة في أثناء الحرب العالمية الأولى([76]).
ووجود فئة كبيرة من العمال للعمل في المصانع ومناجم الفحم وآبار البترول وبناء الجسور وتخطيط الطرق، وحرفة الزراعة حيث تميزوا بها لكون معظمهم من المزارعين في بلاد الشام، فعمل كثير منهم بزراعة القطن، وزراعة التبغ بفرجينيا، وفي وسط الولايات المتحدة عملوا بزراعة الحبوب الغذائية وفي الغرب بزراعة الخضروات والبقول و الفواكه([77]).
وتنوعت الحرف التي عمل بها الشوام، فمنها الصراف والمدين والمضارب ومنهم البوليس والجندي والبحري والإسكافي والحداد وسائق العربات، وبينهم القس والمعلم والصحفي والمحامي والطبيب وغير ذلك من الحرف والصناعات([78]).
ويتضح هنا أن الشوام وجدوا سهولة في التأقلم في مجتمع جديد، حيث استغلوا هذه السهولة بصورة جعلتهم فيما بعد أصحاب رؤوس أموال كبيرة ودكاكين وسلسلة محلات كبرى، حيث صرفوا منتجاتهم وتجارتهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تميز الشوام أيضا بفتحهم محلات ومطاعم للمأكولات الشامية والسريعة، حيث تميزوا عن غيرهم في صناعة المأكولات التي نالت إعجاب الأمريكان كثيرا، فكانت بذلك فاتحة خير على استقرار الشوام في الولايات المتحدة.
وعند الحديث عن مستوى المعيشة، فإن الشوام ينفقون على أكلهم أكثر مما ينفقون على فرش بيوتهم وملابسهم، وغالبا فقد وجد الشوام أنفسهم أمام مجتمع مفتوح على مصراعيه، فكانت لهم الفرصة الكبرى في استقرارهم في الولايات المتحدة الأمريكية عن دونها من بلاد العالم الجديد.
[4] هجرة الشوام إلى أمريكا الجنوبية:
كانت أمريكا الجنوبية هي الخيار الثاني للمهاجرين الشوام، ويرجع هذا التصنيف إلى أن تلك البلاد لم تحظ في البداية باهتمام الشوام مثلما حدث مع الأراضي الأمريكية، وبالأخص جزر الكاريبي والجانب الأوسط من أمريكا الجنوبية([79]).
أ) الخيار الأول إلى كوبا:
وصل الشوام إلى كوبا متخذين عدة طرق، حيث كانت أول مجموعة تتضمن المهاجرين الذين قاموا بالرحلة عبر ما يسمى بتركيا الآسيوية التي تشمل منطقة بلاد الشام، وتركيا الأوروبية، وخلال تلك الطرق كانوا يمرون عبر مينائي كورسيكا ومارسيليا فضلًا عن أنهم كانوا يدخلوا عبر لندن، ألمانيا، إيطاليا من بين دول أدنى، ومن بلدان الأرخبيل (جاميكا، بوتوريكو و سنانتودمينجو)، ومن الملفت للنظر أن الموانئ الإسبانية (المستعمرات ذلك الوقت)، التي كانت محطة توقف إجبارية في الماضي فقدت سيطرتها على طريق الشرق الأوسط إلى كوبا، وهو ربما يفسر السبب في أن كوبا حصلت وقتها على استقلالها من المستعمر الإسباني. أما طريق الدخول عبر القارة الأمريكية إلى كوبا فكانت عن طريق الدول الرئيسة: المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن دول من أمريكا الوسطى والجنوبية([80]).
وشهد المهاجرون الشوام عدة أنظمة سياسية (الاستعمار الإسباني، حكومة الاحتلال العسكري الأمريكي الشمالي، الحكم الجمهوري التابع للاستعمار الجديد)، إلا أن النظام الاستعماري الإسباني قد فضل أن تكون الهجرة موجهة تهدف إلى جعل كوبا ومستعمراتها مأهولة بسكان من البيض الآتين من المكان المناسب، وهم من الدين الكاثوليكي، ففي عقدي السبعينات والثمانينات من القرن 19م جري التشجيع على الهجرة من إسبانيا وجزر كناريا والشرق الأوسط (الشوام)، واستقر المهاجرون في قطاع التجارة في المدن، في حين لجأ القادمون من كناريا إلى الأرياف([81])، وعلى الرغم من ذلك كانت كوبا وأمريكا الجنوبية هي الخيار الثاني، بمعنى أنها جهات غير مفضلة لهجرة الشوام في العالم الجديد.
ويتضح هنا من سجلات دخول المسافرين بميناء هافانا بين عامي (1869 – 1900م)، الذي يقدر بحوالي 800 مهاجر من العرب غير المصنفين، وكان هناك موانئ كوبية أخرى يستخدمها المهاجرون محطات انتقال، وكان المسافرون العرب، في المرحلة المذكورة، ينزلون مؤقتا في موانئ إسبانيا مثل برشلونة، هاوس قبل انتقالهم إلى العالم الجديد، وترجع أقدم الحالات تسجيلا لمهاجر عربي من الشرق الأوسط إلى هافانا عام 1870م، وهو العثماني خوسيه جبور. وفي عام 1877م دخل كوبا بنيتو إلياس من دير الأحمر بجبل لبنان، وهذه الموجات الأولى كانت تتكون أساسا من موارنة من جبل لبنان([82])، ويتضح من الأسماء المذكورة آنفا أنها كلها من الشوام المهاجرين إلى العالم الجديد.
وفي السياق ذاته، كان بعض المهاجرين المتوجهين إلى كوبا، يستخدمونها محطة مؤقتة لهجرتهم، بانتظار توجههم إلى نقاط أخرى من القارة، حيث توجه بعضهم إلى المكسيك وغيرها من المناطق الأخرى، وبعض المهاجرين إلى كوبا مثل هوان منصور عام 1879م وخوسيه سلامة الذي وصل عام 1882م وفيليب إلياس عام 1885م، وقد وصل خوسيه و فيليب إلى درجة قائد في الحروب الكوبية الاستقلالية عام (1895 – 1898م)([83]).
وغالبا ما انتهجت الحكومة الكوبية الأولى (1899 – 1902م) سياسة في الهجرة، ساعدت على وصول مهاجرين أصحاء ومنعت دخول الصينيين واستقدام اليد العاملة المشروطة بالتعاقد، وقد ظهر ذلك الأمر العسكري رقم 155 عام 1902م، وبذلك أيضا جرى منع إدخال الأشخاص الذين يعانون من أمراض معدية أو عقلية وغيرها، وأصدرت حكومة كوبا مرسوما هاما في 12 يونيه 1906م هو قانون الهجرة والاستعمار، الذي أنشأ صندوقا بمليون بيسو لاستيراد القوة العاملة في سبيل توجيهها إلى الأراضي التي تنازل عنها مالكوها بغية تأجيرها للمهاجرين([84]). ومن الملاحظ أن الحكومة الكوبية قد وجدت العامل الاقتصادي في اختيارهم للمهاجرين ووضعهم في الأراضي الزراعية هو الخيار الأول.
والواضح من القانون، أنه كان يهدف إلى تشجيع المهاجرين في الإنتاج في البلاد، ودعم منتجي السكر بالعمال، وعبر هذا القانون أُلغي الأمر العسكري رقم 155، كما صدر مرسوم 1910 الذي يشجع دخول العمال الزراعيين من أوروبا إلى كوبا([85]).
وقلّ عدد المهاجرين الشوام بشكل ملحوظ في أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث دخل البلاد فقط 794 عربيًا، وهذا يمكن أن يفسر بأن الدولة العثمانية وكوبا كطرفين أحدهما طارد والآخر مستقبل للمهاجرين على التوالي كانتا في مرحلة من الصراع الدولي متعارضتين، وليس بينهما علاقات دبلوماسية، مما صعب نمو الاتصالات وعمليات الهجرة بين البلدين([86]).
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، شهدت كوبا عام 1920م نموا اقتصاديا بفضل ارتفاع سعر السكر في السوق العالمية وبفضل زيادة الإنتاج، وقد تزايد عدد المهاجرين هذا العام، فوصل إلى 174221 شخصا من كافة الطوائف([87])، وزاد بالفعل عدد الشوام، خاصة الفلسطينيين بعد وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920م.
وتشير الدلائل هنا إلى أن الأراضي الكوبية كانت من ضمن خيارات الهجرة الشامية، بسبب وجود الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة والمزارع التي عمل بها الشوام فاستقروا بذلك لوجود فرص عمل وحالة من توفر الأمن والنظام.
ب) الخيار الثاني- “أماكن أخرى للهجرة”:
من ضمن البدائل في أمريكا الجنوبية كانت البرازيل، فمن الملاحظ أنه بعد زيارة إمبراطور البرازيل دون بذور الثاني، إلى الأراضي المقدسة بين عامي (1877 – 1887م)، نشطت حركة الهجرة والاغتراب بين الشوام متوجهين نحو البرازيل([88])، وقد نشأت في البرازيل جالية كبيرة من الشوام، خاصة في أوائل القرن 20م([89]).
وفي الصدد نفسه، هاجر بعض الشوام إلى كوستاريكا، فبعد أن وصلت بعض العائلات إلى كوبا، قامت بالهجرة إلى كوستاريكا عام 1880م. حيث أقامت فيها قبل هجرتها إلى أراضي أمريكا الوسطى، وقد وجدت أيضا عائلات شامية قد أقاموا في كوبا قبل توجههم إلى كوستاريكا أمثال أنيس حلو، وعزيز، وعائلات يعقوب لويس داهوك يونس، فارس أبوط وعواد جليل وغيرهم([90]).
وامتدت الهجرة الشامية إلى العديد من مناطق العالم الجديد مثل جاميكما والأرجنتين، حيث أطلق عليهم ترك، أي تابعين للدولة العثمانية([91]).
وهاجر بذلك الشوام واضعين أرواحهم في كفة ونجاحهم في العالم الجديد في كفة أخرى، حيث عانوا معاناة كبيرة من الوضع السياسي والحربي في أراضيهم التي كانت عرضة للتدخل الأجنبي، مما ساعدهم كثيرا في اتخاذ قرار الهجرة، هربا من اضطراب الأمن فكان المهاجرون بذلك هم النافذة التي تطل بها بلاد الشام على العالم الجديد طامعين في حياة كريمة.
[5] أموال المهاجرين:
شكّل المهاجرون طوق النجاة لذويهم، من الذين بقوا في بلاد الشام، حيث عانوا كثيرا من الظروف الصعبة والقاسية في ظل النزاع الطائفي وقيام الحروب، خاصة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) التي عاني منها الأهالي من قلة الأمن وندرة الغذاء.
والراجح أن ما يشاهد في لبنان من وراء النعمة والحضارة ورخاء العيش واليسر ليس له أقل علاقة بتربته وجباله، والحقيقة هي أن كل ما يلوح على هذا الجبل من مجالي النعمة والرفاهية لم تجعله عليه التربة والجبال بل كساه إياه المال الذي جمعه ابن الشام بالاقتصاد في بلاد المهجر، فالحياة والنعمة كلتاهما مستعارة في هذا الجبل([92]).
وبوضوح أكثر، كانت التحويلات المالية للمهاجرين، المصدر الوحيد للدخل بالنسبة للعديد من سكان الجبل، وشكّل توقفها واحدة من العوامل الرئيسة التي أدت إلى المحنة في زمن الحرب، عندما انقطعت الاتصالات البريدية مع العالم الخارجي، بسبب حصار الحلفاء للسواحل العثمانية، وحال دون وصول هذه التحويلات، ومما لاشك فيه أن الحرب قد أعاقت وصول المساعدات المالية، إلا أن التحويلات استمرت، ولم يتوقف البريد الدولي بشكل كلي. كما كانت تستعيض عنه أساسا بوسائل وطرق بديلة وبمساعدة الأمريكيين والفرنسيين، وكان لاستمرار تدفق المساعدات المالية أثر إيجابي هام في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والتموينية التي عانت منها المناطق الشامية([93]).
ونتيجة لما كانت تمر به الدولة العثمانية من وضع سياسي متدنٍ، فقد قفز عدد المهاجرين قفزًا حادًّا في فترة الاتحاديين، استجابة لعوامل الطرد ولقانون 1909م “الدستور – المشرطية الثانية” الذي جعل المسيحيين العثمانيين ملزمين بالخدمة العسكرية، وتركت أعداد قياسية من المهاجرين البلد بين عام 1910م إلى 1912م؛ حيث هاجر حوالى 45 ألفًا من الشوام إلى الأرجنتين وحدها، وكان العمال المهاجرون يرسلون مبالغ كبيرة إلى عائلاتهم ويغدقون بكرم على المدارس والمؤسسات الدينية في بلادهم، وقدِّر متوسط تحويلات المهاجرين السنوية حوالى 300 ألف جنيه أسترليني في ثمانينات القرن 19م، وزادت زيادة مطردة لتصل إلى 2,200,000 جنيه أسترليني ما بين عامي (1910 – 1913م)([94]).
وإذ عرجنا إلى وقت الحرب العالمية الأولى، حيث لا يمكن بأي شكل من الأشكال تحديد نسبة الأموال التي استمرت بالتدفق خلال الحرب، وذلك رغم أن المعلومات المتوفرة تشير عكس الفكرة السائدة بتوقف التحويلات المالية، إلى استمرار وصول التحويلات والمساعدات المالية من الخارج، وكانت هذه التحويلات تصل إلى بلاد الشام من ذويهم في الخارج عن طريقين: جزيرة أرواد للمساعدات المالية المرسلة عن طريق الفرنسيين، واللجنة الأمريكية للتحويلات المالية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية. والجدير بالذكر أن أول المساعدات المالية التي أرسلت من المهاجرين من مصر إلى بلاد الشام عن طريق جزيرة أرواد في 29 أغسطس 1916م، وكانت تحتوي على 51,000 قرش بالعملة المحلية، وعلى 150 ونصف بوند إسترليني مرفقة بلائحة بأسماء المستفيدين([95]).
وعلى خلاف ذلك، فإن العمليات العسكرية أدت إلى نقص تحويلات المهاجرين في عام 1915م، حيث ظهرت المجاعات الكبرى، مما أثر على المزروعات كلها. وكان تطور النزاع الكبير سببا في زيادة حدة الأزمة والجوع، وتسبب في وفاة 100,000 نسمة من بلاد الشام تقريبا، بنسبة متوفٍّ واحد من كل 6 أشخاص، مما أدى إلى خلو عدد من القرى من ساكنيها([96]).
وأدى نجاح تهريب الأموال المرسلة للشوام في مصر، عن طريق جزيرة أرواد، إلى توسعها، وأخذت التحويلات المالية تُرسل إلى مصر من إنجلترا وجنوبي إفريقيا، وتقدر هذه التحويلات بحوالي 100,000 ليرة ذهبية، ومع ذلك فلم تكمن كافية لمواجهة الأزمة الاجتماعية في بلاد الشام([97]).
والجدير بالذكر، أن الأموال المهربة كانت نقودا ذهبية، إلا أن البطريرك الماروني كان يبدلها بعملة ورقية عثمانية قبل أن يقوم بتوزيعها؛ كي لا يثير الشبهات؛ لأن النقود الذهبية كانت ممنوعة من التداول([98]). ومهما يكن من أمر، فإن الدولة العثمانية كانت على علم بهذه الأعمال إلا أنها كانت تغض النظر، حيث إنها مساعدات تصل إلى الشوام للتخفيف عنهم([99]).
وعند ازدياد الأزمة، بسبب انقطاع الاتصالات البريدية، حتى جاءت إحدى المؤسسات الأمريكية للإنقاذ، ولعبت دار الطباعة والنشر الأمريكية دور الوسيط في تحويل الأموال من الولايات المتحدة، وكانت الأموال توضع في حساب الدار في نيويورك، وكان مكتبها في بيروت يدفع قيما موازية للأشخاص المحددين. وقد أرسل تشارلز دانا Charles. R. Dana المؤسس لنظام التحويلات المالية الذي أنشأته الدار خلال الحرب، ومدير الدار وأمين صندوق البعثة الأمريكية، برقية في ديسمبر 1914م، إلى أمين صندوق نيويورك دوايت دايت (Dwight Day)، لقبول تحويل أي مبلغ من المال إلى بيروت، من قِبل السوريين المقيمين في أمريكا، الذين يرغبون بتحويل هذا المال إلى أقربائهم في بلاد الشام، وعند استلام المبالغ ولوائح الأسماء، كانت الدار تقوم بدفع المبالغ لأصحابها في أي مكان ببلاد الشام([100]).
ومع مرور الوقت قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحديد المبالغ المسموح بتحويلها؛ إذ لم يكن مسموحا بتحويل أكثر من 125 دولارا شهريا لأي شخص من أفراد العائلة([101]).
وفي عام 1917م، قامت الحكومة البريطانية بمعارضة إرسال هذه المساعدات والتحويلات من الولايات المتحدة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تكن في حالة حرب مع الدولة العثمانية، حيث إن بريطانيا كانت ترى أن كل رعايا الدولة العثمانية، ومهما كانت قوميتهم أو دينهم، هم رعايا أعداء، وأن الأموال المرسلة إلى هؤلاء الناس سوف تؤدي في النهاية إلى مساعدة الدولة العثمانية على إطالة الحرب([102]).
ومع قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة العثمانية في أبريل عام 1917م، كان من الممكن إيقاف برنامج التحويل المالي لولا مساعدة القنصل العام السويدي أرنست شومان (Ernst Showman) الذي سمح لدار الطباعة الأمريكية بتحويل المدفوعات إلى البنك الألماني – الفلسطيني، حيث كان القنصل السويدي مديرا له([103]). ومن الملاحظ أن التحويلات لم تتوقف عن القدوم عبر دار الطباعة الأمريكية، وهذا لهدف الإعانة.
وظلت أموال المهاجرين هي الشيء الوحيد الذي يهوّن على الموجودين داخل بلاد الشام معيشتهم، بسبب معاناتهم من الحرب، وبخل الأرض، وتسلط الأغنياء من مالكي الأرض الزراعية والتجار المستغلين للأزمات الطاحنة التي عانى منها معظم أهالي بلاد الشام.
وكان المهاجرون يقومون بإرسال تلك الأموال لعائلاتهم حتى استقرارهم في أماكن هجرتهم، بعد تهيئة الأوضاع لاستقبال عائلاتهم في جميع أماكن الهجرة في أنحاء العالم.
نتائج البحث
الملاحق
ملحق رقم (1)
جدول بأسماء بعض من شاركوا في حرب التحرير الكوبية.
الاسم واللقب | البلد | المدينة | العام | الدرجة العسكرية | القطاع |
الخاندرو حداد | سوريا | إلىبو | 1877 | جندي | شرقي |
بينيتو إلياس | لبناني | دير الأحمر | 1877 | نقيب | غربي |
نسيم فرح | لبناني | أبا | 1897 | نقيب | غربي |
خوان منصور | لبناني | ـــــــــــ | 1879 | ملازم | شرقي |
خوسيه سالامي | لبناني | بيتشاي | 1882 | عميد | شرقي |
خوان عباد | فلسطيني | بيلين | 1883 | رقيب ثان | شرقي |
فيليب أ. توماس | لبناني | بيتشاي | 1885 | عميد | شرقي |
أجريبن عباد | فلسطيني | بيلين | 1889 | رقيب ثان | شرقي |
أوريليو إلياس | سوريا | صافيتا | 1889 | رقيب ثان | صافيتا |
استيبان حداد | سوريا | ـــــــــــ | 1890 | جندي | شرقي |
خوان حداد | سوريا | حمص | 1893 | جندي | شرقي |
ملحق رقم (2)
المهاجرون العرب الذين وصلوا إلى كوبا (1920-1931م).
العام | العرب | لبنانيون | فلسطينيون | سوريون | المجموع |
1920 | 45 | ــــــــــ | ــــــــــ | 637 | 682 |
1921 | 45 | ــــــــــ | ــــــــــ | 230 | 275 |
1922 | 2 | ــــــــــ | ــــــــــ | 230 | 232 |
1923 | 14 | ــــــــــ | 269 | 1059 | 1342 |
1924 | 15 | ــــــــــ | 566 | 1377 | 1845 |
1925 | 43 | ــــــــــ | 715 | 1037 | 1785 |
1926 | 2 | ــــــــــ | 317 | 820 | 1139 |
1927 | 3 | 23 | 285 | 296 | 606 |
1928 | 5 | 137 | 164 | 340 | 646 |
1929 | ــــــــــ | 154 | 80 | 192 | 426 |
1930 | 2 | 85 | 35 | 58 | 130 |
1931 | 1 | 31 | 6 | 22 | 160 |
المجموع | 175 | 429 | 2439 | 6028 | 9337 |
ملحق رقم (3)
طرق قدوم المهاجرين العرب إلى العالم الجديد
نقاط المغادرة | العدد |
تركيا الآسيوية | 1131 |
المكسيك | 638 |
الولايات المتحدة | 437 |
تركيا الأوروبية | 389 |
جزر الأنتيل (غير المحددة بالاسم) | 352 |
فرنسا، كورسيكا | 329 |
إسبانيا | 299 |
بويرتوريكو | 77 |
أمريكا الجنوبية | 64 |
هياتي | 17 |
جامايكا | 8 |
إيطاليا | 7 |
إنجلترا | 3 |
أمريكا الوسطى | 3 |
سانتو دومينغو | 2 |
ألمانيا | 2 |
المجموع | 3758 |
([1]) أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجامعة الإسلامية – بولاية منيسوتا الأمريكية.
([2]) سركيس أبو زيد: تهجير الموارنة إلى الجزائر، دار أبعاد، بيروت، ط1، 1994 م، ص21.
([4]) عمر عبد العزيز عمر: تاريخ المشرق العربي (1516-1922)، دار المعرفة الجامعية، (د.ت)، ص 277-278؛ قيس جواد العزاوي: الدول العثمانية ” قراءة جديدة لعوامل الانحطاط: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط2، بيروت، 2003م، ص، 216-221؛Mustafa Kara-Dini Hayat: Turkiye Kultue ve Sanat Yilligi,Istanbul,1990,S.174-175 ؛ وللمزيد عن حركة التنظيمات على النسق الغربي أنظر:Resad Kaynar: Mustafa Rasit Pasa ve Tanzimat , Ankara,1954.
([5]) سيد محمد السيد: دراسات في التاريخ العثماني، دار الصحوة، ط1، القاهرة، 1996، ص267؛ عبد الرحمن البزاز: هذه قوميتنا، دار القلم، القاهرة، (د.ت)، ص371.
([6]) Biltekin Ozdemir:Osmaeli Devleti Dis Borclari “1854-1954”,Ankara,2009,S.24.
([7]) قيس جواد العزاوي: المرجع السابق، ص 20.
([8]) سيد محمد السيد: المرجع السابق، ص 266.
([9]) وجيه كوثراني: الاتجاهات الاجتماعية – السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي (1860 – 1920) معهد الإنماء العربي، ط1، بيروت، 1976م، ص 43.
([10]) خليل إينالجك: التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية، ترجمة: قاسم عبده قاسم، دار المدار الإسلامي، ط1، بيروت 2007م، مج2، ص 376.
([11]) سيار الجميل: بقايا وجذور التكوين العربي الحديث، دار الأهلية للنشر، ط1، عمان، 1997م، ص316.
([12]) على عبد المنعم شعيب: التدخل الحكم الأجنبي وأزمات الحكم في تاريخ الغرب الحديث والمعاصر، دار الفارابي، ط1، بيروت، 2005م، ص 160 – 161؛ بولس مسعد: الدولة العثمانية في لبنان وسورية حكم أربعة قرون (1517 – 1916)، طبع بمصر، 1916م، ص 66-71؛ باسل الكبيسي: حركة القوميين العرب، منشورات الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ط1، فلسطين،1974م، ص24-25.
* فؤاد باشا: هو محمد باشا (1815 – 1869): ولد في إستانبول لأسرة من العلماء، ودرس في مدارس أجنبية، وهو واحد من الشخصيات الإصلاحية في الدولة العثمانية، وبسبب شخصيته الإدارية القوية ومعرفته باللغة الإنجليزية اعتمد عليه رشيد باشا في الترجمة، وعينه كاتبًا أول في السفارة العثمانية في لندن، وسفيرًا فيما بعد في بطرسبورغ، وتقلد منصب وزير الخارجية، ثم صدرًا أعظم، وعضوًا في مجلس التنظيمات، ثم رئيسًا له، وظل طوال حياته في خدمة الدولة العثمانية حتى وفاته عام 1869م. انظر:
Kevin Goodwin: the tonzimat and the problem of politkal authority in the ottomen empire 1839 – 1876, Rhode Island college, USA, 2006, p. 27.
([13]) كمال على منذر: نظام الإدارة في جبل لبنان في أثناء مرحلة القائمقامتين (1840 – 1861م)، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة دمشق، كلية الآداب قسم التاريخ، (د.ت)، ص246 247؛Lyne Loheac: Daoud Ammoun et La Creation de I’Etat Libanais,Paris, 1979,p.189-190.
([14]) قيس جواد العزاوي: المرجع السابق، ص 27.
([15]) سيار الجميل: المرجع السابق، ص 317.
([16]) سيد محمد السيد: المرجع السابق، ص 266.
([17]) قيس جواد العزاوي: المرجع السابق، ص61.
([19]) انظر القانون الأساسي للدولة العثمانية، المادة رقم 8.
([20]) دنيا فياض طعان: اللبنانيون في ساحل العاج (1900 – 1986)، منشورات جامعة سيدة اللويزة، ط1، بيروت، 2007م، ص57.
([22]) ريغوبرتو مينينديس باريديس: العرب في كوبا، منشورات جامعة سيدة اللويزة، ط1، بيروت، 2010م، ص 25-26.
([23]) خليل إينالجك: المرجع السابق، ص539.
([24]) دنيا فياض طعان: المرجع السابق، ص 58 ـ 59؛ خليل إينالجك: المرجع السابق، ص 533.
([25]) أنطوان القسيس: لبنان في الحرب العالمية الأولى، منشورات الجامعة اللبنانية، ط1، بيروت 2011م، ج1، ص 24-25.
([26]) يوسف الحكيم: بيروت لبنان في عهد آل عثمان، دار النهار للنشر، ط2، بيروت، 1980م، ص 249.
([27]) أنطوان القسيس: المرجع السابق، ص 25 -26.
([28]) خليل اينالجك: المرجع السابق، ص 518.
([30]) السيد سمير عبد المقصود: الشوام في مصر “منذ الفتح العثماني حتى أوائل القرن التاسع عشر” الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة، 2003م، ص29.
([31]) مسعود ضاهر: هجرة الشوام ” الهجرة اللبنانية إلى مصر “، دار الشروق، ط1، القاهرة، 2009، ص 111 – 113؛ السيد سمير عبد المقصود: المرجع السابق، ص 29 – 63.
([32]) مسعود ضاهر: المرجع السابق، ص 113.
([34]) نفسه، ص 252 ـ 253؛ وللمزيد عن المهن والحرف التي امتهنها الشوام في مصر، انظر: السيد سمير عبد المقصود: المرجع السابق، ص 97 ـ 152.
([35]) عبد الله إبراهيم أبي عبد الله: تاريخ لبنان عبر الأجيال منذ فجر التاريخ حتى الاستقلال، دار نوبليس، ط1، بيروت، 2005م، ج8، ص 59 ـ 60.
([36]) مسعود ضاهر: المرجع السابق، ص 154 ـ 155.
([37]) سركيس أبو زيد: المرجع السابق، ص 33.
([38]) عبد الله إبراهيم: المرجع السابق، ج9، ص18؛ سركيس أبو زيد: المرجع السابق، ص33.
([39]) عبد الله إبراهيم: المرجع السابق، ج9، ص 18.
([40]) سركيس أبو زيد: المرجع السابق، ص 34.
([42]) مسعود ضاهر: المرجع السابق، ص 155.
([44]) سركيس أبو زيد: المرجع السابق، ص 34.
([45]) عبد الله إبراهيم: المرجع السابق، ج9، ص 19.
([46]) دنيا فياض طغان: المرجع السابق، ص 60.
([47]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 53.
([48]) دنيا فياض طغان: المرجع السابق، ص 61.
([50]) دنيا فياض طعان: المرجع السابق، ص 68.
([53]) رولاند أوليفر، جون فيج: موجز تاريخ إفريقية، ترجمة دولت أحمد، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط1، القاهرة، 1965م، ص 164؛ شوقي الجمل: تاريخ كشف إفريقيا واستعمارها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1971، ص496.
([54]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 69.
([55]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 71.
([56]) دنيا فياض: المرجع السابق ص 71 – 73.
([57]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 75 ـ 76.
([59]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 61.
([60]) Waye vucinich: The Othoman Empire, It’s Record and legacy, (New York , 1965) , P, 172 – 173
([61]) هيفاء معلوف: العلاقات الأمريكية الشمال إفريقية في العصر الحديث، المجلة التاريخية المغربية، ع 15-16، 1979م، ص63.
([62]) Reset Ekrem: Osmanli mva Hedeterive kapitulasigohlar (1300 – 1920) , ve lozan muahedesi, (istunbul, 1924), S. 154 – 155
([63]) للمزيد عن نصوص المعاهدة انظر: أرشيف رئاسة الوزراء (استانبول)، دفترهمايون 211 تاريخ الوثيقة 14 ذي القاعدة 1245 هـ، ص2014،
Ic. Hurewitz, Diplomaey in the near and the middle east, documentary record 1635 – 1914 , voll , (new york 1956) , p. 202 – 206
([64]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 61.
([65]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 28.
([67]) فيليب حتي: السوريون في الولايات المتحدة الأمريكية، مطبعة المقتطف في مصر، 1922م، ص 3.
([68]) مسعود ضاهر: الحركة السكانية في المشرق العربي في أواخر العصر العثماني، نموذج الهجرة إلى بيروت في القرن التاسع عشر، بحث ضمن كتاب: عبد الجليل التميمي: الحياة الاجتماعية في الولايات العربية اثناء العهد العثماني، مركز الدراسات والبحوث العثمانية، ط1، تونس، 1988م، ص 73.
([69]) فيليب حتي: المرجع السابق، ص 3-4.
([71]) فيليب حتي: المرجع السابق، ص 5؛
USNA , Microcop: Reports of the commissioneral of Imnigration, Turkey (1900 – 1923) , (In ducive) , Turkey 1910 – 1929 , p. 25-47
([72]) فيليب حتي: المرجع السابق، ص 5.
([79]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 30.
([80]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص46، وللمزيد عن نقاط المغادرة بالأعداد والنسب المئوية انظر: ملحق رقم (3).
([82]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 35.
([83]) نفسه، ص 35- 36، وللمزيد عن أسماء المشاركين في الحروب الكوبية الاستقلالية ورتبهم. انظر: الملحق رقم (1).
([84]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 40-41.
([88]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص62.
([89]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص29.
([91]) دنيا فياض: المرجع السابق، ص 55؛ ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 51.
([92]) إسماعيل حقي: لبنان مباحث علمية واجتماعية، منشورات الجامعة اللبنانية، ط1، بيروت، 1970م، ج2، ص 472 – 473.
([93]) نفسه، ص 367، 470 – 471.
([94]) خليل اينالجك: المرجع السابق، ص 535.
([95]) بشارة البويري: أربع سنين الحرب، دار الهدي، ط1، نيويورك 1926م، ص 201 – 202.
([96]) ريغوبرتو: المرجع السابق، ص 31.
([97]) Nicolas Z. Ajay: mjount Lebanon and the wilayah of Beirut (1914 – 1918) , the war yeas (ph.d Dissertaion , Georgetowt) university, 1937) , p.504 – 505
([98]) Nicolas Ajay: Op. cit, p. 504 – 505
([99]) لحد خاطر: عهد المتصرفين في لبنان (1861 – 1918 م)، منشورات الجامعة اللبنانية، ط1، بيروت، 1967م، ص 206-207.
([100]) Margaret Mewgilvary: The Dawn of a new era in Syria, (new York , 1920) , p. 104 – 105
([101]) U.S. Department of state: papers Relating to the foreign relations of the united states , 1918 , supply2 , the world war , (washing ton 1933) , p. 553 – 554.
([102]) U.S. Department of state, 1918 , suppl. 2 , op. cit, pp. 550 – 552
([103]) Margaret: op.cit, pp. 162-165.
قائمة المصادر والمراجع
أولا الوثائق:
ثانيا المراجع العربية:
ثالثا المراجع المعربة:
رابعا الرسائل العلمية:
خامسا الدوريات العلمية:
سادسا: المراجع الاجنبية: