شعب الوَاق وَاق: أصلهم وهجراتهم إلى شرق إفريقيا .. دراسة في المصادر التاريخية والجغرافية
د. إسماعيل حامد إسماعيل علي
د. إسماعيل حامد إسماعيل علي([1])
ملخص الورقة:
يُعَدّ شعب الواق واق من أكثر الشعوب غموضًا في التاريخ، لاسيما فيما يرتبط بأصل هذا الشعب، وموطنه الأول، وإلى أي الأعراق أو الإثنيات ينتسب هذا الشعب. وقد تناولت الدراسة أصل الواق واق، ودلالة التسمية، وهجراتهم من موطنهم الأول حتى استقروا على ساحل شرق إفريقيا بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإن كان ما ورد قليلًا للغاية عن هذا الشعب الغامض. وخلصت الدراسة إلى أن الموطن الأول للواقواقيين هي منطقة أرخبيل إندونيسيا، أو جزر “بحر الصين” في المحيط الهندي. وتصف بعض الروايات الواقواقيين باسم “البحارة الإندونيسيين”. وعلى أية حال، أشارت الدراسة إلى أن شعب الواق واق هاجروا- في الغالب- من جزر إندونيسيا إلى ساحل شرق إفريقيا جنوب ميناء سفالة (سوفالا جنوب موزمبيق)، وهي تعتبر الهجرة الأولى لهم، ثم انتقلوا من الساحل الإفريقي إلى جزيرة مدغشقر التي صارت الموطن الرئيس للواقواقيين بعد ذلك، وكانت آخر هجراتهم على الراجح. ولعل حديث بعض المصادر عن منطقتين باسم الواق واق، هي إشارة للموطن الأول في بحر الهند، ثم “الموطن الثاني” في شرق إفريقيا، أو جزيرة مدغشقر، وهو ما قصدت به رواية بعض المصادر باسم “واق واق الصين”، وهي الموطن الأول، وواق واق اليمن حيث الموطن الثاني في شرق إفريقيا، ولعل تلك التسمية الأخرى بسبب قرب سواحل بلاد اليمن من الساحل الإفريقي الشرقي حيث استقر الواقواقيون.
abstract
Waq waq People are considered one of most mysterious Peoples in History, especially with regard to the Origin, their first Homeland & their Race. This Study dealt with the origin of the Waq Waq, the connotation of name, and their migration until they settled on East African Coast, according the Sources, although very little was mentioned about this People. The Study concluded that the two condoms were first housed in the Indonesian Islands, or the China Sea Islands in the Indian Ocean, or the Indian Sea. Some accounts describe Al-Waqiun as Indonesian sailor.
In any case, the Study indicated that the Waq Waq migrated mostly from the islands of Indonesia to East Africa, south of the port of Sufala, southern Mozambique, which is considered their First Migration, and then they moved from the African coast to the island of Madagascar, which became the main Home after that. It was the last of their migrations.Perhaps the talk of some Sources about two Regions called Waq Waq, a reference to the first place in the Sea of India, then the Second home in East Africa, or the Island of Madagascar, which is what meant by some Sources in the name of Waq Waq of China which is the first place, and Waq Waq of Yemen is the Second Home in East Africa.
المقدمة:
تهدف هذه الورقة لإلقاء بعض الأضواء حول شعب “الواق واق”، وكذلك تقدم محاولة لرصد “الأصل الإثني” لهذا الشعب الغامض، فضلًا عن الحديث عن هجرات هذا الشعب إلى ساحل شرق إفريقيا من خلال ما هو متاح لنا من الروايات التي أوردها مؤرخو “العصر الوسيط”، وإن كانت تلك الروايات دون ريب قليلة جدًا، وذلك إلى الحد الذي قد يجعل من تناول جوانب من تاريخ هذا الشعب أمرًا في غاية التعقيد سواء من الناحية التاريخية، أم الحضارية نظرًا لشح الأخبار الواردة عن “الواقواقيين” في أثناء المصادر التاريخية. وعلى أية حال، فإن شعب “الواق واق” يعدّ واحدًا من الجماعات الإثنية والعرقية ذات الأصل الغامض، ولا يعرف في الوقت ذاته عن تاريخهم إلا النزر القليل، وهو ما يبدو جليًا حتى يومنا هذا من خلال بعض الإشارات الذائعة في “الموروث الفلكلوري” العربي في حديثنا عن المواضع الغامضة في العالم باسم “الواق واق”. ولعل ذلك الغموض الذي لايزال يحيط بشعب “الواق واق” هو ما يضفي دونما ريب أهمية على هذه الدراسة التي نحن بصدد القيام بها لمعرفة المزيد عن هذا الشعب، وأصله. فثمة مصادر تشير بشكل أو بآخر إلى أن “الواق واق” كانوا يسكنون في الأصل في أقصى جنوب شرق آسيا، ثم هاجروا منها بعد ذلك إلى سواحل شرق إفريقيا، أو في بعض الجزر التي تقع بالقرب منها، بينما تذكر بعض الدراسات مواضع أخرى كان قد استقر بها الواقواقيون.
الكلمات المفتاحية: (شعب الواق واق، بحر الهند، بحر الصين، البحارة الإندونيسيون، ساحل شرق إفريقيا، جزيرة مدغشقر).
أولًا- أصل شعب الواق واق:
لا يُعرف على وجه الدقة “الأصل الإثني” Ethenic Origin لهذا الشعب المعروف باسم: “الواق واق”، وهو شعب يحيط به الغموض ربما أكثر من غيره من الشعوب الأخرى في الأرض. فقد تباينت المصادر التاريخية، وهي بلا ريب قليلة، بشكل واضح حول أصل هذا الشعب، وكذلك اختلفت فيما يخص السبب وراء تسمية تلك البلاد، وكذا الشعب الذي كان يقطنها، وكان يحمل الاسم ذاته، ودلالته. كما لم تتفق المصادر حول تحديد “الموقع الجغرافي” لهذه البلاد على وجه اليقين، أو ما يمكن أن يطلق عليه “الموطن الأول” لهذا الشعب المجهول بالنسبة لنا، ورغم ورود اسم “الواق واق” في بعض المصادر، وتناثر ذكر هذا الشعب هنا وهناك، غير أن الغموض لا يزال يكتنفهم بشكل يثير الارتباك لدى الباحثين ممن لديهم كثير من الشغف حول التعرف على هؤلاء “الواقواقيين”، وحضارتهم إن كانت لهم حضارة، وكذا دراسة ما ورد عنهم في الروايات حتى نبلغ غاية لا تزال بعيدة عن أصلهم، وموطنهم الأول. وقد ورد اسم هذه البلاد بلفظ “الواق واق” في أكثر المصادر التاريخية، بينما تذكر بعض الروايات الأخرى هذه البلاد الغامضة بلفظ: “الواقواق”[2]، أي في لفظ واحد وليس لفظين كما هو معتاد، وإن كانت التسمية الأولى (أي: الواق واق) أكثر ذيوعًا مقارنة بالتسمية الأخرى.
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن سبب تسمية تلك البلاد بـ”الواق واق”، لأنه فيما يقال كان ينمو في أراضيهم نوع غريب من الأشجار، وقد كان لتلك الأشجار ثمر على هيئة تبدو أكثر غرابة، حيث كانت تشبه هيئة امرأة، وكانت المرأة تظهر وكأنها معلقة من شعرها على فروع تلك الأشجار، ويقال إنه إذا أدركت المرأة هذه الأشجار، أو الثمار، كان يسمع منها صوت، يقول: (واق- واق)[3]. ولعل هذا التصور الآنف يبدو فيه كثير من المبالغة، والخيالات الأسطورية التي تبعد عن المنطق، أكثر من كونها حكايات أو روايات واقعية. ومما يلفت الانتباه أن بعض الروايات تذكر أن السكان المحليين في تلك البلاد، الذين يذكرهم البعض باسم “الواقواقيين” كانوا يفهمون من هذا الصوت (أي: واق واق) شيئًا ما، ثم كانوا يتطيرون به[4].
ويرى الباحث أن تلك الرواية آنفة الذكر ليست مقنعة إلى حد كبير، حيث إنها تعتمد في الغالب على بعض الحكايات المحلية والتي تعج في الوقت ذاته بأنماط من الخرافات، والأساطير التي لايمكن أن يتصورها العقل، ولا المنطق بأي حال، لاسيما تلك الروايات ذات الغرابة التي ترد عن بعض الشعوب البدائية مثل شعب “الواق واق”، وكذلك من كان على شاكلتهم من الشعوب البدائية الأخرى، التي تبدو لنا غامضة كأشد ما يكون، ومن ثَم فهذه الشعوب لا تزال تشكل لغزًا ليس من اليسير فك شفرته حتى يومنا هذا. بينما يذهب آخرون إلى أن اسم “الواق واق” ربما يرجع في الأصل إلى لفظ محلي كان يستخدم في هذه البلاد، وهو لفظ: (واكا)، أو “واقا”، وهو في الغالب الذي اشتق منه اسم “واق”[5]. ويقال إن اسم “واكا”، أو “واق” كان يطلق في بعض الجزر في “إندونيسيا” على نوع من القوارب ذات الامتداد الخارجي، وكان يستخدمها شعب “الواق واق”، أو “الواقواقيون”[6]. ويعتقد الباحث أن هذا الرأي الأخير يبدو أكثر منطقية من غيره من الآراء الأخرى التي وردت حول تسمية “الواق واق”. ويذكر “المسعودي” (ت: 346هـ) في روايته ما يقارب متن “الرواية الأولى” ودلالتها، إذ تقول هذه الرواية: “ومما يشبه خلق الإنسان أمة يقال لها الواق واق، وهي حمل شجر عظام لشعورها، ولها أيدي، وفروج مثل فروج النساء، وألوان، ولايزلن يصحن باسم: واق واق، فإن قطعت إحداهن، سقطت ميتة لاتنطق..”[7].
رسم رمزي فيما يبدو لشجرة “الواق واق” المشهورة[8]
وتلك الرواية الآنفة تشبه “الرواية الأولى” التي كنا قد أوردناها من قبل، وهي تميل للخرافة أكثر من كونها رواية منطقية، بينما يذكر الجغرافي “الزهري” (عاش في القرن 6هـ/12م) سبب تسمية “الواق واق” بهذا الاسم، أن في بلادهم أشجارًا كبارًا باسقات، ولها أوراق تشبه “أوراق التين”، وكانت تتميز الأشجار بأقطاف تشبه “أقطاف النخل”، ولما ينفلق القطف كانت تخرج منه قدما فتاة، وفي “اليوم الثاني” كانت تخرج الساقان، وفي اليوم الثالث كانت تخرج ركبتا هذه الفتاة، ثم كان يخرج باقي الجسد من تلك الشجرة فيما بعد[9]، ثم تذكر تلك الرواية أن جسد هذه المرأة كان يخرج من تلك الشجرة، ثم تسقط المرأة على الأرض بعد ذلك، وعندئذ تصيح صيحتين قائلة: “واق واق”، وقيل: إن المرأة كانت تصيح ثلاث صيحات، بالكلمات الآنفة الذكر[10]. ويرى الباحث من ناحية أخرى أنه ربما تكون بلاد “الواق واق” هي ذاتها التي ذكرها الرحالة الإيطالي “ماركوبولو” (ت: 724هـ/1324م) باسم “لاك أو لواك”، وقد قام هذا المغامر برحلات بحرية طويلة عبر موانيء “المحيط الهندي” (بحر الهند)، وتنقل بين سواحله المترامية الأطراف حتى وصل لسواحل بلاد الصين[11].
ثانيًا- الموطن الأول لشعب الواق واق:
اختلفت المصادر التاريخية اختلافًا واضحًا في تحديد الموقع الجغرافي لبلاد “الواق واق”، أو بمعنىً آخر “الموطن الأول” الخاص بهذا الشعب، حيث يذكر بعض منها أن بلادهم، وتحديدًا ما يعرف بـ”جزيرة الواق واق” كانت من بلاد “الصقع الأول” من المعمور في الأرض، وهذا الصقع[12] “يقع ضمن الجزء الأول منه”، ويذكر الجغرافي الزهري بلاد هذا الصقع بأنها: “بلاد الصين– جزيرة الواق واق”[13]، وهو ما يشير إلى الارتباط الواضح بين كل من جزر “الواق واق” وسواحل الصين. ثم يؤكد الزهري الدلالة ذاتها، حيث يذكر أن جزر “بحر الصين” كانت كثيرة العدد، والمشهور منها ثمانية، وكان أكبرها جزيرة “الواق واق”[14]. وتشير أكثر المصادر إلى أن هذا الشعب كان يعيش على الراجح في أقصى الجنوب من ساحل شرق إفريقيا على بعد مسافة غير محددة جنوب منطقة “سفالة” (سوفالا، أو سوفالة، أو سفالا)[15]. وسفالة ميناء معروف يقع على سواحل “شرق إفريقيا”، وهو الساحل المعروف في المصادر الوسيطة باسم “بلاد الزنج”[16]. وقد نال هذه الميناء شهرة واسعة لاسيما من خلال ارتباطه بتصدير الذهب القادم من مناجم شرق إفريقيا، فيقول “المسعودي” (ت: 346هـ): “ومساكن الزنج من حد الخليج المتشعب من أعلى النيل الى بلاد سفالة والواق واق..”[17].
خريطة توضح المنطقة التي يحتمل وجود بلاد الواق واق بها على ساحل شرق إفريقيا (الموطن الثاني)
وتلك رواية تربط بوضوح بين “سفالة” وساحل شرق إفريقيا من جانب، وبلاد “الواق واق” من جانب آخر، ثم يذكر المسعودي أن المسافة بين مساكن بلاد الزنج من أعالي مجرى نهر النيل وحتى ميناء “سفالة” وبلاد “الواق واق” كانت تبلغ حوالي “سبعمائة” فرسخ، ومفهوم “الفرسخ” باعتباره من أدوات قياس المسافات كما هو معروف يعادل تقريبًا “ثلاثة” أميال[18]، أي أن هذه المسافة تبلغ حوالي 2100 ميل من بدايات بلاد الزنج، وحتى بلاد “الواق واق”[19]. وهذه البلاد الممتدة بطول هذه المسافة أراض تعج بالجبال، والرمال، وتكثر بها الأودية[20].
ويتحدث “ابن الفقيه” عن بلاد “واق واق” لاسيما تلك التي تقع بالقرب من الساحل الإفريقي، وهي البلاد التي يطلق عليها البعض اسم: “واق واق اليمن”[21]، وهو ما يشير لقربها من السواحل الإفريقية، تمييزًا لها عن بلاد أخرى باسم “الواق واق” توجد بالقرب من سواحل بلاد الصين، أو في “بحر الصين”، ولهذا كان يطلق عليها حسب البعض “واق واق الصين”[22]. وقد قيل أيضًا: إن بلاد “الواق واق” قد تكون جزيرة تعرف باسم “جزيرة المل”[23]، وهي في الغالب واحدة من تلك الجزر التي توجد بالقرب من “بحر الصين”، أو ربما كانت داخل هذا البحر. وحسب بعض الفرضيات الأخرى، كان “الموطن الأول” لشعب “الواق واق” يقع ضمن جزر “الأرخبيل الإندونيسي”[24]. بينما تجعلهم بعض المصادر الأخرى ضمن جزر “بلاد الصين”، أو بالقرب من سواحل هذه البلاد[25]. ولم يكن غريبًا على أية حال أن يطلق بعض الباحثين المحدثين على “الواقواقيين” اسم: “البحارة الإندونيسيين” بشكل واضح[26]، لاسيما وأن هذا الشعب كان معروفًا بمهاراته الكبيرة في الإبحار بالسفن والمراكب عبر سواحل “المحيط الهندي”، وكذلك موانيه، فهم في الغالب أهل مهارة وحذق بأمور البحار، وارتياد السفن، وذلك منذ قرون بعيدة. وفي الشأن ذاته تذكر إحدى الخرائط الموجودة بـ”المتحف البريطاني” British Museum وهي تصف ما يعرف بـ”سينوس ماجنوس” Sinus Magnus، أو “الخليج العظيم” Great Gulf، وهو الذي يشير إليه البعض بأنه ربما يكون “المحيط الهادي” Pacific Ocean[27]. وهناك توجد “شبه جزيرة” Peninsula يطلق عليها اسم “الواق واق”[28]، ولهذا السبب ربما يربط البعض بين كلٍّ من جزر اليابان من ناحية، وجزر “الواق واق” من ناحية أخرى[29].
فإلى هذا الحد تتباين روايات المصادر في تحديد الموطن الأول لهذا الشعب تباينًا يثير الحيرة والجدل، وحتى يمكننا أن نخرج من تلك “الإشكالية” المحيرة، وذلك الغموض الشديد الذي يكتنف هذا الشعب المجهول، ولفهم ذلك التناقض الواضح بين الروايات التي تحدثت عن هذه البلاد، نشير إلى أن بعض المصادر -مثلما أورده كلٌّ من “الشريف الإدريسي” (ت: 548هـ)، و”ابن الفقيه” (ت: حوالي سنة 340هـ)، و”ابن الوردي” (ت: 861هـ)، وغيرهم من كبار المؤرخين القدامى- تفرق تفريقًا واضحًا لا التباس فيه بين كلٍّ من “أرض الواق واق” التي تقع في رأي البعض إلى الجنوب من ميناء “سفالة” على ساحل شرق إفريقيا، أو على السواحل المقابلة للساحل الإفريقي من جانب، وبين جزائر “الواق واق” التي تقع في “بحر الهند” (بحر الصين) في إحدى مناطق جنوب شرق آسيا[30]، إذ تتحدث بعض المصادر التاريخية الكلاسيكية عن منطقتين تحملان اسم “الواق واق” بشكل مختلف تمامًا.
ويحدد “الإدريسي” بدوره موقع جزر “الواق الواق” بالقرب من “بحر الصين”، أو ما يعرف بـ”بحر الصَنف”، وهي بحر يعد جزءاً من “بحر الهند” (المحيط الهندي)، ومن ثَم تقع هذه البلاد بالقرب من سواحل الصين، وليس سواحل شرق إفريقيا[31]. ويتحدث “الإدريسي” عن “جزائر الواق واق” ضمن حديثه عن بعض الجزائر الموجودة قرب “بحر الصين”، ومنها “جزيرة السحاب”، حيث يذكر: “ومن جزيرة الموجة إلى جزيرة السحاب مسير أربعة مجارٍ، أو أكثر، وجزيرة السحاب سميت بهذا الاسم لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب أبيض يظل المراكب.. وفيما يليها من جزائر الواق واق مواضع مقطوعة بالجبال والجزائر، فلا يصل السالك إليها.. وتتصل بهذه الجزائر جزائر الواق واق، ولا يُعرف ما بعدها، وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة، وهي جزائر عدة، ولا عامر بها إلا الفيلة، وطيرها كثير جدًا، وبها شجر حكى المسعودي عنها أمورًا لا تقبلها العقول من جهة الإخبار عنها، لكن الله على ما يشاء قدير..”[32]. ويرى الباحث أنه يقصد في الغالب في رواية بعض المصادر التاريخية بجزر “الواق واق” تلك الجزر التي تقع بالقرب من سواحل بحر الصين، أو “الجزر الإندونيسية”.
وعن ذات الفكرة أيضًا والتي تفرق بين كل من “أرض الواق واق” (الواقعة في الغالب جنوبي ميناء “سفالة”)، و”جزر الواق واق” الواقعة في “بحر الصين”، ما يرويه “ابن الوردي”[33]. وعلى أية حال تعد رواية ابن الفقيه فيما يرى الباحث من أهم الروايات الواردة في المصادر، إن لم تكن الأهم على الإطلاق، حيث يفرق ابن الفقيه تفريقًا واضحًا بين موضعين باسم “الواق واق”، الأول: عند الساحل الإفريقي الشرقي، ويطلق عليه “واق واق اليمن”، بينما الموضع الآخر يقع بالقرب من سواحل بلاد الصين، أطلق عليه ابن الفقيه في روايته اسم: “واق واق الصين”، تمييزًا بين كلٍّ منهما. ويذكر “ابن الفقيه” في هذا الشأن أن “البحار أربعة: البحر الكبير الذي ليس في العالم بحر أكبر منه، وهو آخذ من المغرب إلى القلزم حتى يبلغ واق واق الصين، وواق واق الصين بخلاف واق واق اليمن..”[34]. ثم يذكر ابن الفقيه في روايته المهمة أن بلاد “الواق واق” القريبة من بلاد اليمن “يخرج منها ذهب سوء”[35]، وهو ما يشير إلى أن بلاد “الواق واق” التي تشتهر بالذهب ربما يقصد بها تلك البلاد القريبة من ميناء “سفالة”، وهو المشهور بـ”ميناء الذهب”.
وهناك رواية يذكرها “ابن خلدون” (ت: 808هـ) عن هذه البلاد الغامضة، فيقول: “وفي جهة الجنوب من بلد زالع، وعلى ساحل هذا البحر (بحر الهند) من غربيه قرى بربر، يتلو بعضها بعضًا.. ويليها هناك من جهة الجنوب شرقيها بلاد الزنج، ثم سفالة على ساحله الجنوبي في الجزء السابع من هذا الإقليم. وفي شرقي سفالة من ساحله الجنوبي بلاد الواق واق، متصلة إلى آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط..”[36]. وهو ما يشير إلى أن “ابن خلدون” يحدد موقع هذه البلاد بالقرب من “سفالة”، وليس قرب “بحر الصين”، بل إنه يحدد بلاد “الواق واق” شرق “سفالة”، وهي ليست على ذات الخط الساحلي لبلاد شرق إفريقيا كما يعتقد، ولعل ذلك يؤكد أن هذه البلاد هي ذاتها: جزيرة “مدغشقر”، وهو الرأي الذي يؤكده بعض الباحثين المحدَثين، وهو ما سوف نتناوله في هذه الورقة فيما بعد. بينما تذهب فرضيات أخرى إلى أنه ربما يكون المقصود بـ”الواق واق” جزر “الفلبين”، وقد قيل أيضًا في الصدد ذاته حسب آخرين أن موقع بلاد “الواق واق” قد يكون في بعض الجزر في مناطق غرب آسيا[37].
بينما تشير بعض الفرضيات الحديثة بدورها إلى أن هذه البلاد ربما تقع في أقصى جنوب سواحل شرق آسيا، ويحدد أصحاب هذا الرأي موقع تلك البلاد جغرافيًا بأن جزر الواق واق هي ذاتها جزر “اليابان”، وعلى هذا فاليابان قد تكون “الموطن الأول” لشعب “الواق واق” حسب هذا الرأي[38]، وهو ما لا يراه الباحث، فلا دليل واضح يعضد ذلك الرأي، بينما يذكر “ابن الوردي” (ت: 861هـ) في روايته: “وأرض سفالة متصلة بأرض الواق واق..”[39]، وهو ربط يبدو واضحًا بين كلٍّ من ميناء “سفالة” و”الواق واق”، بينما يحدد آخرون موقع “الواق واق” في إحدى مناطق جنوب شرق آسيا داخل “المحيط الهندي”، حيث يشير البعض إلى أن هذا الشعب قبل هجرتهم إلى ساحل شرق إفريقيا كانوا يسكنون بالقرب من سواحل إندونيسيا، فكانوا يشتهرون بـ”البحارة الإندونيسيين”، وذلك حسب هذا الرأي[40]، وهو ما يربطهم ربطًا تلقائيًّا بسواحل بحر الصين.
ويرى الباحث أن السبب في وجود منطقتين باسم “الواق واق” ربما يرجع إلى أن “الموطن الأول” لهذا الشعب كان يقع عند الجزر الإندونيسية، أو بالقرب منها، وغير بعيد عن سواحل بلاد الصين، ومن ثم تقع هناك تلك الجزر التي تسميها بعض المصادر باسم: جزائر “الواق واق”، وأحيانًا تسمى بصيغة “المفرد”، أي “جزيرة الواق واق”، فلما هاجروا إلى ساحل شرق إفريقيا فاستقروا فيه، صارت تلك المنطقة الجديدة التي سكنوها تحمل في الغالب الاسم ذاته، وربما يؤيد ذلك إشارة ك. ماكفيدي إلى هجرات قام بها بحارة إندونيسيون حوالي القرن 5م لجزيرة مدغشقر: “أما أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ هذه الخريطة في مناطق جنوب القارة.. كما تتمثل في استعمار جزيرة مدغشقر، فقد وفدت إلى تلك الجزيرة بعض السفن التي كانت تحمل جماعات من الشعوب الإندونيسية المتكلمة بلغة الملاجاسي، واستقرت بالجزيرة..”[41].
ويرى الباحث أن هذا القول يؤكد ما نرمي إليه بأن “الواق واق” في الأصل من البحارة الإندونيسيين الذين هاجروا لشرق إفريقيا، واستقروا بها بعد ذلك، ولعل الإضافة الأخرى هنا أن هجرة الواق واق ربما ترجع لحوالي القرن الخامس الميلادي، ومن ناحية أخرى تربط بعض الروايات بين بلاد “الواق واق” من جانب، وبحر آخر غير معروف، وهو الذي يشتهر في بعض المصادر باسم: “بحر الصَّنَف”[42]، وهو من البحار التي تقع بالقرب من “بحر الصين”. ويذكر “المسعودي” (ت: 346هـ) أن هذا البحر يأتي بعده “بحر الصين”[43]: “ويتصل هذا البحر بالواق واق، ويقول البحريون إنهم لايعرفون منتهاه، غير أن أقصاه جبال تتوقد نارًا ليلًا ونهارًا.. وبعد بحر الصنف.. بحر الصين، وهو بحر خبيث، بارد، ليس في غيره من البحار مثل برده، ويقال إن ريحه من قعره، ويقال إنه بحر مسكون له أخل في بطن الماء..”[44].
ويذكر “ابن الفقيه” من جانبه أن سكان “الواق واق” التي تقع بالقرب من سواحل الصين هم أمة يعيشون في بلاد فيما وراء بلاد الصين[45]. ومن أهم المصادر التي تحدثت عن هذه البلاد، يذكر “الحميري” أن أرض “الواق واق” كانت بلادًا متصلة بأرض “سفالة”، “وفيها مدينتان حقيرتان، وساكنها قليل..”[46]. ويبدو أن “الحميري” كان قد استعان كثيرًا بما ورد في رواية الجغرافي الذي سبق زمانه “الإدريسي” عن هذه البلاد، وهي تسبق أيام “الحميري” بنحو قرن ونصف القرن، بينما يربط “العمري” (ت: 749هـ) في إحدى رواياته بين “الواق واق” وسواحل “سفالة”، و”جزر الهند” في آن واحد، وهو يحدد موضع كليهما ضمن “الإقليم الأول” من المعمور في الأرض: “وأول ما نبدأ به من الغرب على حكم خط الأقاليم بلاد مغزارة الذهب.. وبلاد سفالة الذهب.. ويتصل بذلك جزر فيها الشجر، ثم جزر الهند، وهي ما لا تحصى كثرة، ومن أجلِّها سرنديب.. ثم جزر الواق واق، ودونها ينعطف البحر فيحاذي الصين، ويكون البحر هناك أصعب ما يكون..”[47]، وإن كان العمري يجعلهم أقرب للسواحل الصينية من الساحل الإفريقي.
كما يحدد “القزويني” (ت: 682هـ) موقع (الواق واق)، فيذكر أن هذه البلاد تقع في “بحر الصين”، وهو من أسماء “المحيط الهندي”، ويقصد به تحديدًا البحر القريب من سواحل الصين، ولكنه جزء من بحر الهند[48]. ورغم ذلك فإن بعض الروايات شذت عن هذا التعريف والتحديد الجغرافي المهم، والذي يجعل بحر الصين جزءًا من بحر الهند (المحيط الهندي)، ومن هذه الروايات ما يذكره “أبو حامد الغرناطي” (ت: 565هـ) في كتاب “تحفة الألباب”، حيث يذكر أن أكبر بحار الأرض هو “البحر المحيط”، وهو الذي يحيط بالأرض كلها، وهو المعروف أيضًا باسم “بحر الظلمات”، ولهذا لا تدخله السفن والمراكب خوفًا من الفقدان والهلاك[49]. كما يذكر “الغرناطي” أن “بحر الهند” هو خليج يخرج من “البحر المحيط”، وكذلك “بحر الصين” خليج منه، وكذا “بحر القلزم” خليج منه[50]. ومن الواضح أن قول “الغرناطي” يخالف دون شك ما ورد في أكثر المصادر الكلاسيكية بأن “بحر الصين” هو جزء من “بحر الهند”.
كما يذكر “القزويني” أن “الواق واق” هي جزر تتصل بـ”جزائر الزانج”، ويتم المسير إليها عن طريق النجوم[51]. وهذه الرواية ربما تشير فيما يبدو إلى أن “القزويني” يقصد هنا على الراجح جزر “الواق واق” التي تقع بالقرب من “الجزر الإندونيسية”، أو قرب جزر بحر الصين، فهو لم يقصد بلاد “الواق واق” جنوب سفالة، أو بالقرب منها غير بعيد عن سواحل شرق إفريقيا (أي جزيرة مدغشقر). وعلى أي حال فمن الإشكاليات الأخرى التي ترتبط بتحديد موقع “الواق الواق” أن بعض الروايات التي وردت من جانب مؤرخ واحد من مؤرخينا القدامى قد يفهم منها بشكل أو بآخر بعض التناقض في ذلك الشأن.
وعلى سبيل المثال فـالمسعودي له روايتان مختلفتان في كتابين له، “الرواية الأولى” كانت قد وردت في مصنفه الأشهر “مروج الذهب”، وتذكر أن موقع “الواق واق” جنوب سواحل “بلاد الزنج”، بعد ميناء “سفالة”[52]، أي على سواحل شرق إفريقيا. أما “رواية المسعودي” الثانية، فقد وردت في كتابه الموسوم “أخبار الزمان”، وتذكر أن تلك البلاد توجد في موضع غير بعيد من الصين، وبالقرب من جزر الصين[53]. ولعل الإشكالية هنا أن المسعودي لم يذكر هاتين الروايتين في كتاب واحد، ومن هنا نفهم أنه يتحدث عن منطقتين مختلفتين كليهما تسميان “الواق واق”؛ وذلك على غرار ما ورد عند غيره من المؤرخين القدامى الذين ذكروا وجود منطقتين، إحداهما باسم: بلاد (أرض)، والأخرى: جزيرة (أو جزر) الواق واق، مثل الإدريسي، وابن الوردي، وابن الفقيه، لكن وردت روايتا المسعودي في كتابين مختلفين له، وهو ما زاد من الغموض حول موقع هذه البلاد الجغرافي، وتحديد الموطن الأول لشعب “الواق واق”.
وتشير المصادر لهذين النهرين، أو إلى أحدهما، باسم: “نيل السودان”[54]، وفي الغالب يقصد بهذه التسمية “نهر النيجر”، ولعل المقصود بجريان نهر النيل حتى “سفالة” هو “نهر الزمبيزي”[55]، وهو النهر الموجود في “موزمبيق”، وهو من أكبر الأنهار التي تجري في هذه المنطقة، وربما ظن بعض المؤرخين القدامى أنه كان يرتبط بشكل أو بآخر بنهر النيل الذي يجري بمصر، وغيرها من البلدان حتى الكونغو جنوبًا، ومن ثم جاء الحديث عن كليهما في آن واحد. ويبدو من جانب آخر فيما ورد في إحدى روايات “ابن خلدون” وجود ترابط بشكل أو بآخر بين “سفالة” من ناحية، وجزر “الواق واق” و”جزيرة سرنديب” (جزيرة سيلان) من ناحية أخرى، يقول: “وأما جزائر هذا البحر (المحيط الهندي) فكثيرة من أعظمها جزيرة سرنديب.. وهي قبالة “سفالة”، ثم جزيرة القمر.. تبدأ من قبالة أرض “سفالة”، وتذهب إلى الشرق منحرفة بكثير حتى تقترب من سواحل أعالي الصين، ويحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر “الواق واق”، ومن شرقيها جزائر السيلان..”[56].
فأي المنطقتين من “الواق واق” كان يقصد ابن خلدون؟ فربما روايته تلك تعطي احتمالًا للمنطقتين اللتين تحملان اسم “الواق واق”، فإما واق واق سفالة (واق واق اليمن)، أو “واق واق الصين”. غير أن ذكره للفظ جزر “الواق واق” ربما يشير لتلك التي تقع عند بحر الصين. ومن المعلوم أنه توجد في “بحر سرنديب” العديد من الطرق الواقعة بين الجبال، وهي تُعَد من الدروب الرئيسة لمن أراد الذهاب إلى الصين، وتذكر المصادر أنه توجد في جبال هذا البحر (أي: بحر سرنديب) معادن “الذهب”، وفيها أيضًا بقر وحشية، وكذا فيها خلق مختلفة الصور[57].
أما عن أصل السكان القاطنين لهذه البلاد، ولغزهم الذي يثير كثيرًا من التعقيدات، فيقول ريتشارد هول Richard Hull: “يظل السر في أن جَوّابي (ويقصد بهم: البحارة الذي يجوبون البحار) البحر الإندونيسيين المعروفين باسم الواقواقيين قد اكتسبوا من هذا الاسم العجيب شيئًا غامضًا شأن الكثير من الأمور الأخرى المتعلقة بهم..”[58]. ويُعَدُّ هذا التحديد الذي يشير إليه “هول” من أهم ما ورد في هذا الشأن، والإشارة لأصل محدد لهذا الشعب. ومن جانب آخر يحدد البعض المسافة بين كل من “بحر القلزم”[59]، وبلاد “الواق واق” بحوالي 4500 فرسخ[60]. وتلك المسافة الآنفة تعادل بحسابنا قرابة 13500 ميل تقريبًا، وهي مسافة مغالىً فيها مغالاة لا تقبل الريبة. وعن المسافة بين بلاد الواق واق وبحر القلزم، يقول “ابن خرداذبة”: “وطول هذا البحر (بحر الهند) من القلزم الى الواقواق أربعة آلاف وخمس مائة فرسخ..”[61].
ومعلوم أن “الفرسخ” يساوي حوالي “ثلاثة” أميال[62]، بينما يذكر “العمري” (ت: 749هـ) أن المسافة بين “بحر القلزم” و”الواق واق” 504 فراسخ[63]، وهي تعادل حوالي 1512 ميلًا، ويرى الباحث أن هذا الرقم يبدو منطقيًا؛ وذلك يشير لدرجة التباين بين روايتي “ابن خرداذبة” (ت: 300هـ) والعمري” (ت: 749هـ)، غير أن رواية “ابن خرداذبة” هي الأقدم كما هو معلوم، فهي المقدمة على رواية العمري اللاحقة لها نظريًا، غير أنها ليست مقبولة منطقيًّا، وفي الوقت ذاته تعد “رواية العمري” من أهم المصادر الكلاسيكية، وأكثرها دقة. ويرى الباحث أن الرقم الذي ورد عند “ابن خردذابة” كان فيه فيما يبدو خطأ في النسخ، لاسيما مع تشابه الأرقام الواردة في هاتين الروايتين 4500 فرسخ (عند ابن خرداذبة)، و504 فرسخ (عند العمري)، فلعل الناسخ كان قد خلط بين تلك الأرقام، وهو أمر غير مستبعد.
ومن جانب آخر تشير بعض المصادر إلى أن النيل كان يصل إلى الواق واق[64]، وأنه ينقسم في هذه البلاد عند أحد الجبال الموجودة هناك[65]. وتبدو هذه الرواية غريبة، لأن النيل لا يصل إلى تلك البلاد التي تقع في الغالب في أقصى جنوب “بلاد الزنج”، وتحديدًا بعد ميناء “سفالة” الذي يقع على ساحل موزمبيق (حاليًا). ولعل من أورد هذه الرواية يشير لأحد الأنهار الكبرى التي تجرى في تلك البلاد، ومن ثَم سمّاه بـ”النيل”؛ على غرار ما أوردته بعض المصادر أن “نهر النيل” يجري في بلاد السودان الغربي (غرب إفريقيا)، رغم أنه من المعروف أن أكبر الأنهار هناك هو “نهر النيجر”[66]، ويليه من ناحية الامتداد، والأهمية “نهر السنغال”[67].
ثالثًا- هجرات الواقواقيين إلى ساحل شرق إفريقيا:
بعد أن تناولنا تلك الفرضيات والآراء الآنفة فيما يخص الموطن الأول لشعب “الواق واق”، وفي أي البلاد عاش هذا الشعب المجهول، كان لا بد لنا أن نضع خلاصة تربط كل تلك الآراء مع بعضها، ويمكنها أن توفق فيما بينها إلى حد كبير؛ بهدف معرفة كيف كانت هجرات هذا الشعب؟ وكيف تمت؟ ومن أي البلاد هاجرت جماعاتهم؟ وفي أي البلاد استقروا في نهاية المطاف؟ وعلى هذا فالباحث يعتقد أن “الموطن الأول” لشعب “الواق واق” كان يقع بالقرب من جزر “بحر الصين” من ناحية، وغير بعيد من “الأرخبيل الإندونيسي” من ناحية أخرى.
ولما هاجرت جماعات من “الواقواقيين” من هذه المنطقة إبان فترة زمنية لانعلمها على وجه التقريب إلى سواحل “شرق إفريقيا”، سواء بسبب صراعات داخلية في موطنهم الأول، أم كان مأربهم البحث عن موطن جديد ليستقروا به، فإن المنطقة التي كانوا قد استقروا بها بعد ذلك، وهي إما المنطقة جنوب ميناء “سفالة” (على ساحل شرق إفريقيا) حسب روايات العديد من المصادر، أو أنها كانت “جزيرة مدغشقر” في رأي آخرين، فقد صارت هذه البلاد التي استقروا بها تعرف بعد ذلك بأرض “الواق واق”، أو “بلاد الواق واق”، وما يمكن أن نطلق عليه “الموطن الثاني” للواقواقيين تمييزًا لها عن جزر “الواق واق” في “بحر الصين” حيث يقع “الموطن الأول” الخاص بهم، أو الموطن القديم، لا سيما أن جماعات أخرى من “الواق واق” كانت قد بقيت على الراجح في موطنهم القديم قرب “الأرخبيل الإندونيسي”.
ويرى الباحث أنه صار من المنطقي أن يكون لدينا أرض “الواق واق” عند ساحل شرق إفريقيا قرب “سفالة” (واق واق اليمن)، وجزر “الواق واق” قرب جزر إندونيسيا، وغير بعيد عن سواحل بلاد الصين. وهي ذاتها الجزر التي تذكرها بعض المصادر بـ”واق واق الصين”[68]. ويرى الباحث أن رواية “ابن الفقيه” رغم صغرها تعَدُّ من أهم ما ورد في المصادر التاريخية الكلاسيكية فيما يخص تحديد موقع “الواق واق” الأول، والتفرقة بشكل واضح بين منطقتين كانتا تحملان في الماضي الاسم نفسه. وربما يؤيد ذلك الافتراض أن بعض الدراسات الحديثة تتحدث عن علاقات جمعت بين كل من جزيرة مدغشقر والساحل الإفريقي الشرقي من جانب، والسكان القاطنين في جزر إندونيسيا من جانب آخر[69]، فوُجِدتْ بعض التأثيرات الحضارية المتبادلة، وكذا الحديث عن وجود هجرات بشرية بينهما، فضلًا عن وجود بعض التأثيرات اللغوية بين هاتين المنطقتين[70]، وكلُّ ذلك يعضد فكرة وجود منطقتين باسم هذا الشعب.
وربما كانت بلاد “الواق واق” جزيرة واحدة، أو كانت تتكون من عدة جزر؛ ولهذا ترد باسم جزر “الواق واق” تارة، أو جزيرة “الواق واق” تارة أخرى، ويقصد بها في الغالب تلك الواقعة عند “بحر الصين”. ويرى الباحث أن جزر “الواق واق” كانت تتكون بالطبع من العديد من الجزر، وكان أكبرها في الغالب تلك التي تحمل اسم هذه البلاد، ولهذا سميت جزيرة الواق واق. ويحدد الجغرافي “الزهري” هذه البلاد التي يذكرها “الواقواق” (وليس الواق واق)، بأنها تعتبر واحدة من جزائر “بلاد الصين”[71]، ثم يذكر أن عدد جزر الصين تبلغ ثمان جزائر، وكانت أكبرها: “جزيرة الواقواق”[72]. ويؤكد “ريتشارد هول” Richard Hull أن “الواقواقيين” كانوا قد هاجروا في الأصل من “أرخبيل إندونيسيا”، وأنهم قطعوا آلاف الأميال، ثم استقروا في جزيرة “مدغشقر” قبالة سواحل شرق إفريقيا[73].
ويعتقد الباحث أن المهاجرين “الواقواقيين” ذهبوا أولًا إلى سواحل شرق إفريقيا، وكانوا قد أرادوا الاستقرار هناك في البداية جنوبي ميناء “سفالة” على سواحل موزمبيق، ويبدو أن أكثر الجماعات من مهاجري “الواق واق” لم يطب له المقام جنوبي “سفالة”، فهاجرت أعداد منهم من ساحل شرق إفريقيا قاصدين “جزيرة مدغشقر” بعد ذلك، ثم استقروا بها. وفي هذا الصدد يقول “ريتشارد هول” عن هجرة “الواقواقيين” إلى “جزيرة مدغشقر”: “والحقيقة الوحيدة التي لا مجال للجدل فيها، هي أنهم (أي: “الواق واق”) قد ارتحلوا مسافة ثلاثة آلاف وخمسمائة ميل بعيدًا عن موطنهم، ليكتشفوا مدغشقر قبالة ساحل إفريقيا، ويستقروا فيها..”[74]، وعلى هذا فإن “ريتشارد هول” ممن يرجحون أن جزيرة مدغشقر كانت “الموطن الثاني” للواقواقيين بعد هجرتهم من موطنهم الأول الواقع في جنوب شرق آسيا.
ويمكن بهذا التصور الآنف أن نفهم ما يبدو في بعض الروايات من التناقض الواضح، حيث تذكر أكثرها أن شعب “الواق واق” كانوا يسكنون جنوبي منطقة “سفالة”، بينما البعض الآخر يذكر أنهم سكنوا شرق “سفالة”، ويبدو في ذلك الرأي الثاني إشارة واضحة لجزيرة مدغشقر، هذا إلى جانب أن بعض الروايات التي تتحدث عن أن جزر “الواق واق” كانت تقع بالقرب من “جزر الصين”. وعلى أية حال فيمكن أن نخلص بعد ذلك العرض الذي أشرنا إليه، ومن خلال ما ورد في الروايات والمصادر التاريخية المتعددة إلى أن سكان “الواق واق” كانوا من سكان “الأرخبيل الإندونيسي”، أو ما كان يعرف باسم: “بلاد الملايو”، ثم هاجروا إلى “جزيرة مدغشقر”، وربما هاجروا بعد ذلك إلى المناطق التي تقع جنوبي سفالة (سوفالة). وهذا الرأي الآنف يتوافق بشكل أو بآخر مع أكثر الروايات على قلّتها، التي وردت في المصادر مثل: “رواية المسعودي” (ت: 346هـ)، والقزويني (ت: 682هـ)..الخ.
ويرى الباحث أن “الواق واق” استقروا مدة من الزمن على سواحل شرق إفريقيا لا نعرفها على وجه اليقين بسبب ندرة الروايات في ذلك الشأن، خلال هجراتهم الأولى قادمين من موطنهم القديم، وتركوا بعض التأثير في هذه البلاد، رغم أنهم لم يستقروا في الغالب مدة طويلة هناك، ثم هاجر “الواقواقيون” مرة أخرى في اتجاه الجنوب، وقطعوا مسافة تقدر بحوالي 1000 ميل حتى بلغوا جزيرة “مدغشقر”، ولم يكن هناك من يعارض استقرارهم في تلك الجزيرة، فاستقروا هناك هذه المرة[75]. وقد ورد في بعض المصادر الصينية إشارات مهمة لا سيما من خلال الأخبار التي تذكرها حوليات (سجلات) “أسرة التانج” الصينية الحاكمة (619–906م)[76]، فمن خلال تلك السجلات التاريخية المهمة، يعتقد أنه ربما هاجرت جماعات من المهاجرين “الإندونيسيين” الذين استقروا في عصور تالية في سواحل شرق إفريقيا، وتحديدًا في جزيرة “مدغشقر”، ويعتقد أن تاريخ تلك الهجرات كانت قد تمت بعد سنة 1000م، وربما أنهم اكتشفوا أن شعبًا ينتمي لذات الأصول “الإثنية” التي لهم وهم شعب “الواق واق”، وكتبت له النجاة، ثم إنهم استقروا بالقرب من سواحل شرق إفريقيا، في أراضي جزيرة “مدغشقر”، فصارت موطنًا لهم[77].
وعلى أي حال، فيبلغ طول محيط جزيرة “مدغشقر” التي استقر بها “الواق واق” حوالي 3000 ميل[78]، ويؤكد “ريتشارد هول” قيام هجرات “الواق واق” من جزر “بحر الصين” الواقعة إلى مدغشقر، غير أنه لم يحدد الفترة الزمنية التي وقعت فيها هذه الهجرة التي قام بها “الواقواقيون”، حيث يذكر: “وتعد هجرتهم (أي: الواق واق) إلى إحدى أكبر جزر العالم التي تشبه القارة، التي لم يقطنها البشر حتى ذلك الوقت، فصلًا مدهشًا في حوليات الرحيل في المحيط (يقصد المحيط الهندي)، ويعد تاريخ وصول الموجة الأولى من مهاجرى الواق واق الى مدغشقر أمرًا يدور حوله الجدل..”[79]، ومن المعلوم أن جزيرة “مدغشقر” تُعَد واحدة من أكبر الجزر في العالم[80]. ومن اللافت أن الرحالة الإيطالي المعروف “ماركو بولو” Marco Polo، وهو المتوفي سنة724هـ، يذكر أن سكان هذه الجزيرة (أي مدغشقر) كانوا من المسلمين[81]، وهو ما يشير إلى مدى توغل الدين الإسلامي في هذه البلاد أيام هذا الرحالة الأوروربي، أي خلال حقبة القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي.
ولكن هنا يتبادر السؤال الأكثر إلحاحًا: هل كان المسلمون موجودين في جزيرة مدغشقر قبل هجرة “الواق” واق لهذه الجزيرة؟ أم أنهم جاءوا بعد هجرات الواقواقيين؟ ولعل إشارات “المسعودي” (ت: 346هـ) يفهم منها وجود الإسلام في جزيرة “مدغشقر” في أيامه، لا سيما من خلال ازدهار التجارة العربية مع سواحل شرق إفريقيا والتي كان يسيطر عليها العمانيون. ويرى الباحث أن الإسلام كان له وجود قديم في هذه الجزيرة (أي مدغشقر) منذ ما قبل زمان المسعودي، أي قبل القرن 4هـ/10م، فكان من المنطقي عند قدوم الرحالة “ماركوبولو” لهذه الجزيرة خلال القرن 8هـ/14م أن يلحظ أن السكان كانوا من المسلمين.
الخاتمة
بعد هذه الإطلالة التاريخية حول شعب الواق واق، وأصلهم، وهجراتهم عبر تاريخهم، يمكن أن نخرج ببعض الاستنتاجات المهمة، ومنها ما يلي:
– أشارت الدراسة إلى وقوع تباين كبير في الروايات والمصادر التاريخية حول أصل شعب الواق واق، والموطن الأول الذي كان يقطن به هذا الشعب.
– أكدت الدراسة أن كثيرًا من الحكايات والروايات التي تميل ناحية الخرافات أو الأساطير ترتبط بشعب “الواق واق”، فنحن بحاجة ماسة لمزيد من الدراسات التاريخية في هذا الشأن لنفهم الحركة التاريخية الحقيقية لشعب الواق واق بعيدًا عن الخرافات والأساطير التي ترتبط دومًا بهم.
– أكدت هذه الدراسة أن سواحل جنوب شرق آسيا كانت بمنزلة الموطن الأول لشعب الواق واق، وأنهم كانوا يسكنون – في الغالب – في إحدى جزر بحر الصين، أو أنهم كانوا يستقرون بالقرب من منطقة الأرخبيل الإندونيسي، ولهذا عرف الواقواقيون بحسب البعض باسم “البحارة الإندونيسيين”.
– رجحت الدراسة أن منطقة جنوب “سفالة”، أو سوفالا جنوب موزمبيق على ساحل شرق إفريقيا، أو “جزيرة مدغشقر” كانت بمنزلة “الموطن الثاني” لشعب “الواق واق” الذي هاجروا إليه.
– أشارت هذه الدراسة إلى أن هجرات شعب “الواق واق” من موطنهم الأول إلى موطنهم الثاني بالقرب من سواحل شرق إفريقيا تمت عبر عدة مراحل، فالمرحلة الأولى تمت من الموطن الأول بسبب ظروف داخلية، أو ربما صراعات أو نزاعات بين السكان المحليين، أو ربما بحثًا عن موطن جديد لهم، ثم انتقلوا إلى ساحل شرق إفريقيا، واستقروا بها دون ترحيب فيما يبدو من السكان المحليين لهذه البلاد، فاضطرت أعداد كبيرة من الواقواقيين خلال مرحلة أخرى للهجرة صوب جزيرة مدغشقر، وهي التي استقروا بها فيما يبدو بعد ذلك، فارتبطت جزيرة مدغشقر بهذا الشعب فيما بعد.
[1])) أستاذ مساعد التاريخ الإسلامي – كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا الأمريكية.
[2]ابن خرداذبة: المسالك والممالك، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، دون تاريخ، ص69. وقد ذكرت بعض المصادر هذا الشعب باسم “الواقواق” في كلمة واحدة، ومنها: ابن خرداذبة، المسالك والممالك، ص69-70، وكذلك الزهري: كتاب الجغرافية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د.ت، ص11. وكذلك أورده ابن فضل الله العمري في رواية له واق واق (مسالك الأبصار، جـ1، اختصار وتقديم: د. عامر النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المختصرات التراثية، القاهرة، 2012م، ص96)، وفي موضع آخر باسم: الواقواق (انظر، العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص113).
[3] القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، د.ت، ص33.
[4] المصدر السابق، ص33.
[5] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ترجمة: كامل يوسف حسين، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 1999م، ص50.
[6] المرجع السابق، ص50.
[7] المسعودي: أخبار الزمان، سلسلة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2015م، ص16.
[8] نقلًا عن موقع boarding.magazine.com
[9] الزهري: كتاب الجغرافية، ص11.
[10] المصدر السابق، ص12.
[11] ماركوبولو: رحلات ماركوبولو، ترجمها إلى الإنجليزية: وليم مارسدن، ترجمها للعربية: عبدالعزيز جاويش، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004م، ص55.
[12] بينما تقسم أكثر المصادر التاريخية ما يعرف بـ”المعمور من الأرض” الى عدة “أقاليم”، ومفردها: “إقليم”، بدلًا من لفظ (الصقع)، وعن ذلك يقول المسعودي: “فهو مقسوم بسبعة أقسام يسمى كل قسم منها إقليما..”(المسعودي: التنبيه والإشراف، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2009م، ص33).
[13] الزهري: كتاب الجغرافية، ص11. وللمزيد عن موقع بلاد “الواق واق”، انظر ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، شركة نوابغ الفكر، القاهرة، 2011م، ص5.
[14]وعن ذلك يذكر الجغرافي “الزهري”: “فأما التي في البحر من جزائر الصين فهي كثيرة، المشهور منها والمذكور ثمانية، أكبرها جزيرة الواق واق..” (انظر الزهري: كتاب الجغرافية، ص11).
[15] سفالة: من أشهر المدن على ساحل شرق إفريقيا لارتباطها بالذهب، وكان الذهب يؤتى لها من الداخل، وتقع سفالة حاليًا في موزمبيق، يقول ابن بطوطة: “وذكر لي بعض التجار أن مدينة سفالة على مسيرة نصف شهر من كيلوا، وأن بين سفالة ويوفي من بلاد الليميين (لعله يقصد البليميين!) مسيرة شهر، ومن يوفى يؤتى بالتبر إلى سفالة..” (ابن بطوطة: تحفة النظار، جـ1، ص234). وتذكر بعض المصادر هذا الميناء باسم السفالة بأدوات التعريف، يقول الجاحظ: “وناس من السفالة يأكلون الذبان..” (الجاحظ: تهذيب الحيوان، تحقيق: عبدالسلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999م، ص119).
[16] المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص5.
[17] وفي رواية أخرى يقول المسعودي: “وكذلك أقاصي بلاد الزنج هو بلاد سفالة، وأقاصيه بلاد الواق واق، وهي أرض كثيرة الذهب، كثيرة العجائب..” (المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص5).
[18] الفرسخ: فيما يخص مقاييس الأطوال التي ترد كثيرا في روايات المصادر الإسلامية، ومنها الذراع: وهو يساوي: أربعًا وعشرين إصبعًا، أما الإصبع: فهي تساوي ست شعيرات مضمومة بعضها على بعض، والفرسخ: يساوي ثلاثة أميال، وقيل الفرسخ يعادل ثلاثة آلاف ذراع، وقيل: يساوي أربعة أميال (انظر المسعودي: التنبيه والإشراف، ص29). ومن المعلوم أن الفرسخ لفظ من أصل فارسي قديم، وكان الفرس أول من استخدم هذا اللفظ، وقيل: إنه يعادل 5250م، وكان الجومو أطول من الفرسخ، وهو يساوي ثلاثة فراسخ، أو حوالي 18 كم (روجيه ج. داجنت: تاريخ البحر الأحمر، ترجمة: د. حسن نصر الدين، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2013م، ص242).
[19] المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص5.
[20] المصدر السابق، ص5.
[21] ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، ص9
[22] المصدر السابق، ص9
[23] شوقي عبدالقوي عثمان: تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، سلسلة عالم المعرفة، عدد رقم 151، الكويت، 1990م، ص299.
[24] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ص50.
[25] ابن خرداذبة: المسالك، ص69. وكذلك ربطهم بالصين الزهري (كتاب الجغرافية، ص11).
[26] يقول “ريتشارد هول” عن شعب “الوق واق” والربط بينهم من جانب، وبين جزر إندونيسيا من جانب آخر: “يظل السر في أن جَوّابي البحر الإندونيسيين المعروفين باسم الواقواقيين قد اكتسبوا هذا الاسم العجيب شيئًا غامضًا شأن الكثير من الأمور الأخرى المتعلقة بهم..” (هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ص50).
[27] Al Qazwini: Manuscript of Marvels of Created Things, P. 9.
[28] Ibid, P. 9.
[29] شوقي عبدالقوي عثمان: تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، ص304.
[30] وللمزيد عن التفرقة بين أرض الواق واق وجزائر الواق واق، الإدريسي: نزهة المشتاق، جـ1، ص80.
[31] الإدريسي: جـ1، ص87-88.
[32] الإدريسي: جـ1، ص90-91.
[33] ابن الوردي: خريدة العجائب، ص143، ويتحدث عن جزر الواق واق: ص203-205.
[34] ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، ص9.
[35] المصدر السابق، ص9.
[36] ابن خلدون: المقدمة، جـ1، ص363. وفي موضع آخر من كتاب (المقدمة)، يتحدث ابن خلدون عن جزائر “الواق واق”، حيث يقول: “وأما جزائر هذا البحر فكثيرة من أعظمها جزيرة سرنديب.. وهي قبالة سفالة. ثم جزيرة القمر، وهي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة، وتذهب إلى الشرق منحرفة بكثير إلى أن تقرب من سواحل أعالي الصين، ويحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر الواق واق، ومن شرقيها جزائر السيلان إلى جزائر أخر في هذا البحر كثيرة العدد، وفيها أنواع الطيب، والأفاوية، وفيها يقال معادن الذهب والزمرد..” (ابن خلدون: المقدمة، جـ1، ص363).
[37] شوقي عبدالقوي عثمان: تجارة المحيط الهندي، ص304.
[38] المرجع السابق، ص304. وفي هذا الشأن يقول د. شوقي عبدالقوي عثمان: “اختلف الباحثون حول مكانها (يقصد بلاد الواق واق)، فمنهم من ذهب إلى أنها بورنيو، ومنهم من ذهب إلى أنها اليابان، أو الفلبين، كما ذهب بعضهم إلى أنها مدغشقر، وإن كنت أرجح أنها اليابان، لأن البلاد التي سبق ذكرها لها مسميات في الكتب العربية..” (شوقي عبدالقوي عثمان: المرجع السابق، ص304).
[39] ابن الوردي: خريدة العجائب، ص143.
[40] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ص50.
[41] كولين ماكفيدي: أطلس التاريخ الإفريقي، ترجمة: مختار السويفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، ص69.
[42] المسعودي: أخبار الزمان، ص24-25.
[43] يذكر المسعودي أن “بحر الصين” هو جزء من البحر الحبشي، أو ما يعرف باسم بحر الهند: “البحر الحبشي هو بحر الصين والسند والهند والزنج والبصرة والأُبُلّة وفارس وكَرمان وعُمان والبحرين والشِّحر واليمن وأَيْلة والقُلْزُم من بلاد مصر..” (المسعودي: التنبيه والإشراف، ص52).
[44] المسعودي: أخبار الزمان، ص24-25.
[45] ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، ص5. كما يقول ابن الفقيه أيضا في روايته: “فرأس الدنيا الصين، خلف الصين أمة يقال لها واق واق، ووراء واق واق من الأمم ما لا يحصي إلا الله..” (ابن الفقيه: المصدر السابق، ص5).
[46] الحميري: الروض المعطار، ص602.
[47] العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص69-70.
[48] وعن “بحر الصين”، يقول المسعودي: “وبعد بحر الصنف الذي ذكرناه بحر الصين، وهو بحر خبيث، بارد، ليس في غيره من البحار برده، ويقال إن ريحه من قعره، إنه بحر مسكون له أهل في بطن الماء. وأخبر الثقة من أصحاب البحر أنهم يرونهم إذا هاج البحر في جوف الليل كهيئة الريح، ويطلعون إلى المراكب، وليس يكون ذلك إلى عند هيجان البحر. وذكر البحريون أنهم لايعرفون بعد بحر الصين بحرا يسلك، وهو بحر يغلي كما تغلي القماقم، وليس صفة ما به كسائر البحار. وفي بحر الصين سمكة مثل الحراقة يرمي بها الماء الى الساحل، فإذا انجذر الماء بقيت على الطين، فلا تزال تضطرب مقدار نصف نهار، ثم تنسلخ في اضطرابها ذلك فيخرج لها جناح، فتستقل به، فتطير..”. (المسعودي: أخبار الزمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران، سلسلة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2015م، ص25).
[49] الغرناطي: تحفة الألباب، ص67.
[50] المصدر السابق، ص67.
[51] القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، ص33.
[52] المسعودي: مروج الذهب، جـ1، ص5.
[53] المسعودي: أخبار الزمان، ص36.
[54] يقول العمري عن “نيل السودان” (أو النيجر) في إطار حديثه عن الأنهار في الأرض: “ونحن نذكرهما على صحيح الاستقامة في عمود كل نهر، لاعلى ما تعترضه من التعريجات، أو يشق منه من الأنهار، فمنها النيل، وهو نيلان: نيل السودان، ونيل مصر.. بدليل نيل السودان: نهر النيجر. فأما نيل السودان فهو آخذ بعد انحداره من الجنوب إلى الشمال خلف المعمور من الشرق حتى يصب في المحيط بالغرب كما ذكرنا، وجميع من على ضفتيه، قبلتهم مع استقبال جرية الماء في انحراف على يسارهم إلى الشمال..” (العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص121).
[55] نهر الزمبيزي: هو أهم الأنهار في شرق إفريقيا وجنوبها، يبلغ طول “نهر الزمبيزي” Zambesi حوالي 2700 كيلومتر، أو 1700 ميل، ويجري في دول أنجولا وزامبيا، وزمبابوي، ونامبيا، وموزمبيق، ويصب في المحيط الهندي. وللمزيد، انظر: The Cambridge Paperback Encyclopedia, Edited by: David Crystal, Cambridge University Press, 2000, P. 955.
[56] ابن خلدون: المقدمة، جـ1، ص363.
[57] المسعودي: أخبار الزمان، ص23. وعن “بحر سرنديب”، يقول المسعودي (ت: 346هـ): “وآخر جزائر هذا البحر بسرنديب في بحر هركند، وهي رأس هذه الجزائر كلها.. ويسلك من هذا البحر الى بلاد المهراج، وربما أظلت السحاب هذا البحر يوما وليلة، ولاينقطع عنه المطر، ولاتظهر حيتانه، ودوابه..”.
[58] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح، ص50.
[59] البحر الأحمر: اسمه قديمًا “البحر الأرتيري” (أي البحر الأحمر)، ثم عرف باسم: “بحر القلزم”، وعن سبب تسمية هذا البحر بهذا الاسم، يقول روجيه جـ. داجنت: “وسبب هذا الاسم أن أفونسو ألبوكرك أراد أن يعرفه عندما أبحر، فقال في خطاب بعثه للملك دوم مانويل حول هذا الموضوع أن هذا الاسم أحمر ينطبق عليه تماما، لأننا عندما نبحر فيه في المنافذ (المضيق) فإننا نرى تيارات ماء ضخمة حمراء، تخرج منه، وتمتد أمام عدن، وداخل الموانيء..” (وللمزيد، ر. جـ. داجنت: تاريخ البحر الأحمر، ص242).
[60] الزهري: الجغرافية، ص138.
[61] ابن خرداذبة: المسالك والممالك، ص71.
[62] الزهري: الجغرافية، ص138.
[63] العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص105.
[64] وعن جريان نهر النيل في هذه البلاد، يقول ابن الوردي: “والنيل ينقسم فوق بلادهم عند جبل المقسم..” (ابن الوردي: خريدة العجائب، ص143).
[65] ابن الوردي: المصدر السابق، ص143.
[66] نهر النيجر: ويعرف هذا النهر في المصادر أيضا باسم “نيل السودان”، ويبلغ طول هذه النهر أكثر من أربعة آلاف متر (وللمزيد عن نهر النيجر، انظر العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص121).
[67] نهر السنغال: هو من أهم الأنهار في غرب إفريقيا (السودان الغربي)، ويبلغ طول “نهر السنغال” Senegal river 1635 كيلومتر، أو حوالي 1016 ميل. وهو ينبع من مرتفعات “فوتا جالون” في بلاد غرب إفريقيا. ويفصل هذا النهر بين حدود كلٍّ من دولتي السنغال وموريتانيا، ومن ناحية أخرى يُعَدُّ نهر السنغال ثاني أطول الأنهار في غرب إفريقيا بعد نهر النيجر. وللمزيد عن هذا النهر، انظر: The Cambridge Paperback Encyclopedia: P. 773.
[68] ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، ص9.
[69] Louis Mallet & Paul Ottina: Madgascare entre l” Afrique et L”Indonesie, l”Home Revue Francaise d” Anthropologie, Volume XII, McMLXXII, Cahier 2, Paris, PP.130-135.
[70] Ibid, P. 134-135.
[71]الزهري: كتاب الجغرافية، ص11.
[72]المصدر السابق، ص11.
[73] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ص50.
[74] المرجع السابق، ص50.
[75] ريتشارد هول: إمبراطورية الرياح الموسمية، ص50.
[76] المرجع السابق، ص49-50.
[77] ريتشارد هول: الرياح الموسمية، ص54.
[78] رحلات ماركوبولو: ص78.
[79] ريتشارد هول: المرجع السابق، ص50.
[80] رحلات ماركوبولو: ص78.
[81] رحلات ماركوبولو: ص78.
المصادر والمراجع
أولًا- المصادر:
1- الإدريسي: نزهة المشتاق، جـ1، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2018م.
2- ابن بطوطة: تحفة النظار، جـ1، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت.
3- الجاحظ: تهذيب الحيوان، تحقيق: عبدالسلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999م.
4- ابن خرداذبة: المسالك والممالك، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، دون تاريخ.
5- ابن خلدون: المقدمة، جـ1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2006م.
6- الزهري: كتاب الجغرافية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، دون تاريخ.
7- العمري: مسالك الأبصار، جـ1، اختصار وتقديم: د. عامر النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المختصرات التراثية، القاهرة، 2012م.
8- الغرناطي: تحفة الألباب، تحقيق: د. على محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2003م.
9- ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، شركة نوابغ الفكر، القاهرة، 2011م.
10- القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، د.ت.
11- ماركوبولو: رحلات ماركوبولو، ترجمها إلى الانجليزية: وليم مارسدن، ترجمها للعربية: عبدالعزيز جاويش، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004م.
12- المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت.
13- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: التنبيه والإشراف، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2009م.
14- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: أخبار الزمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران، سلسلة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2015م.
15- ابن الوردي: خريدة العجائب وفريدة الغرائب، تحقيق: د. أنور محمود زناتي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2013م.
ثانيًا- المراجع العربية والمعربة:
16- روجيه جـ. داجنت: تاريخ البحر الأحمر، ترجمة: د. حسن نصر الدين، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2013م.
17- ريتشارد هول: امبراطورية الرياح الموسمية، ترجمة: كامل يوسف حسين، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، 1999م.
18- شوقي عبدالقوي عثمان: تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، سلسلة عالم المعرفة، عدد151، الكويت، 1990م.
19- كولين ماكفيدي: أطلس التاريخ الإفريقي، ترجمة: مختار السويفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م.
ثالثًا- المراجع الأجنبية:
20- Al Qazwini: Manuscript of Marvels of Created Things. British Library, Date back 16th Century, bl.UK.Collections-items.
21- The Cambridge Paperback Encyclopedia; Edited by: David Crystal, Cambridge University Press, 2000.
22- Louis Molet & Paul Ottino: Madgascar entre l’Afrique et l’ Indonesie, l’homme revue francaise d’ anthropologie, vol. x11, MCMLXX11, Cahier 2, Mouton & CO.