د. إسلام إسماعيل عبد الفتاح أبوزيد
د. إسلام إسماعيل عبد الفتاح أبوزيد([1])
الملخص:
قامت الدولة المملوكية بدور هام وحيوي في الحفاظ على حقوق الإنسان، ولقد تجسد ذلك الدور في مدى التزام الدولة المملوكية في تطبيق المبادئ الإسلامية الخاصة بحقوق الإنسان داخل السجن، والبحث يطرح عده تساؤلات وهي، هل شكل الاهتمام بحقوق الإنسان السمة الغالبة في تلك الحقبة؟ أم أن تلك الحقوق كانت منقوصة؟
ولقد تمثلت حقوق الإنسان في الدولة المملوكية في صور متعددة منها على سبيل المثال: أحوال المساجين من حيث الطعام والشراب والملابس والرعاية الصحية وتواصلهم مع المجتمع الخارجي، وأحوالهم وقـت المجاعـات، وكيفية قضاء أوقاتهم سواء بالعبادة أم اللعب والتسلية، أم التأليف والكتابة، والشعر، وجهود السلاطين المماليك لتحسين أحوال المساجين، وتحدثت أيضًا عن استخدام إدارة السجون للمساجين في الأعمال الشاقة والتعذيب في فترات بعض السلاطين والأمراء المماليك لحقوق المساجين.
الكلمات المفتاحية، حقوق، المساجين، الدولة المملوكية.
The rights of prisoners in Egypt and the Levant in the era of the Mamluk state
648 – 923 AH / 1250-1517 AD
The Mamluk state played an important and vital role in preserving human rights، and that role was embodied in the extent of the Mamluk state’s commitment to applying Islamic principles of human rights in prison. Was the concern for human rights the dominant feature in that era? Or were those rights deficient?
Human rights in the Mamluk state were represented in several forms، for example: the conditions of prisoners in terms of food، drink، clothing، health care، their communication with the outside community، their conditions in times of famine، and how they spend their time، whether in worship، play and entertainment، or writing and writing، poetry، and the efforts of the sultans The Mamluks to improve the conditions of the prisoners، and she also talked about the prison administration’s use of prisoners in hard labor and torture during periods of abuse by some Mamluk sultans and princes of the rights of prisoners.
مقدمة:
ألصق المستشرقون بتاريخنا الكثير من التهم والإفتراءات، فاتهم بالظلم والتعسف مع الإنسان، إلا أننا لو كلفنا أنفسنا جهدًا يسيرًا وقلبنا صفحات تاريخنا لاكتشفنا واقع حقوق الإنسان، فقد سبق الإسلام كل الشرائع والقوانين بتقريره لحقوق الإنسان من خلال النصوص العديدة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، والحق أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة لحقوق الإنسان في أجمل صورة وأوسع نظام، وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتقرر الخير للإنسان، ولتبدد من أمامه الشر والأذى حتى يعيش آمنًا مطمئنًا، ومنها ملامح الفترة قيد البحث في بلاد مصر الشام في عصر الدولة المملوكية (648 – 923هـ/1250-1517م)، ونتحدث عن المساجين نموذجًا.
وفي هذا السياق تسلط الدراسة الضوء على حقوق الانسان في مصر وبلاد الشام في الدولة المملوكية “المساجين نموذجًا” (648 – 923هـ/1250-1517م)، وحول أوضاع حقوق الإنسان في تلك الحقبة، ومدى التزام الدولة المملوكية في تطبيق المبادئ الإسلامية الخاصة بحقوق المساجين، أم أن تلك الحقوق كانت منقوصة ويوجد فجوة كبيرة بين المبادئ والتطبيق.
وستوفر الدراسة للمتخصصين في مجال الحياة الإجتماعية في العصر المملوكي والمهتمين به ملمحًا جديدًا من ملامح التواصل الاجتماعي بين الدولة والمساجين في العصر المملوكي في مصر والشام، وستلقي الضوء على أحوال المساجين، وجهود سلاطين الدولة المملوكية في رعاية المساجين وتوفير حقوق الإنسان لهم، ولم أتناول أنواع السجون وتنظيماتها والعقوبات والخروج من السجن لأنها سبق تناولها في دراسة عبد الرؤوف جبر القططي في “السجون في مصر وبلاد الشام في الدولتين الأيوبية والمملوكية 567-923ه/1171-1517م”، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، فلسطين، 2012م.
وقد حددت الفترة في عصر الدولة المملوكية (648 -922هـ /1250- 1517م) كمجال زمني للدراسة؛ ورغم مكانة حقوق المساجين في مصر وبلاد الشام في الدولة المملوكية، فإن الدراسات السابقة المتخصصة قليلة في هذا الجانب، ومن أهم الدراسات السابقة التي استفاد منها الباحث دراسة للباحث محمود أحمد غسان: “موقف الدولة الاسلامية من حقوق السجين (1-132هـ/622-749م)”، المجلة العلمية لكلية الآداب، جامعة أسيوط، 2012م؛ إلا أنها لم تتناول حقوق المساجين في عصر المماليك، وتوقفت مع نهاية العصر الأموي، ودراسة للباحث ثروت محمد البيك عن حقوق الإنسان في الخلافة العباسية، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، 2015م؛ ولم يتناول الباحث بشكل كافٍ دور السلاطين المماليك في إعطاء المساجين حقوقهم، ومن هنا تأتي أهمية دراستنا.
وارتكزتُ في الدراسة على المنهجين الوصفي والتحليلي الاستقرائي، وقسمتها إلى تمهيد التعريف بحقوق الإنسان في اللغة والاصطلاح لحقوق الإنسان، وثلاثة مباحث؛ فعرضت في المبحث الأول: حقوق المساجين من وقت دخولهم الي خروجهم من السجن، وركزت اهتمامي في المبحث الثاني على جهود سلاطين المماليك في إعطاء المساجين حقوقهم، لإتمام الفائدة، ولما للموضوع من دور كبير في الناحية الإجتماعية في العصر المملوكي، وختمت الدراسة بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها.
التمهيد:
قبل البدء في الحديث عن الدوافع الشرعية للمماليك لتطبيق حقوق الإنسان، لابد من تعريف حقـوق الإنسـان كمصـطلح مركـب مـن كلمتـين حقـوق وإنسان، وللتعريف على هذا المفهوم لا بد للرجوع للمعنى اللغوي والإصطلاحى.
أما في اللغة فالحق ضد الباطل أو نقيضه وجمعًا؛ حقوق وحقاق، والحق صدق الحديث، واليقين بعد الشك([2])، وفى المعجم الوسيط ([3]) اليقين بلا شك، والحق من أسماء الله تعالى أو من صفاته.
كذلك وردت كلمة الحقوق في السنة النبوية، فكلمة الحقوق وهي جمع حق وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وأربعين مرة، وبصيغة المفرد أكثر من ألف مرة، حيث جاءت بمعانٍ مختلفة ومتعددة([4]).
كما قيل أيضًا: إن “الحق أمر عام يطلق على صورة فكرية أو قولية مطابقة لما عليه حال الشيء الذي تحكيه هذه الصورة وجودًا أو عدمًا([5])”.
وفي الإصطلاح:
هي مجموعة القواعد والنصوص الشرعية التي تنظّم على سبيل الإلزام علاقات الناس من حيث الأشخاص والأموال([6])، وعرّفه البعض بأنه اختصاص يقر به الشرع سلطة على شيء أو اقتضاء أراد من آخر تحقيقًا لمصلحة معينة([7]).
وهو جزء من حقوق الله على عباده، وهى حقوق تقابلها واجبات، ومن قصّر في واجب ضاع عليه الحق، والحقوق والواجبات فرائض دينية يثاب فاعلها ويعاقب تاركها([8]).
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية، أن الحقوق هي الحقوق الشرعية وما يتصل بها من التزامات في الشريعة الإسلامية، على أن يفرق المرء بين حقوق الله أي الحد، وحقوق الإنسان وهى الحقوق المدنية، أما في المصطلح الحديث والمعاصر فتدل الحقوق على القانون([9]).
وحقوق الإنسان في الإسلام تنبع من تكريم الله الإنسان، وتفضيله على جميع المخلوقات وهي مبنية كذلك على أساس اعتقادي وهو أن الإنسان أيًّا كان أصله وجنسه ولونه ونسبه، حتى لو كان مرتكب ذنب ومسجونا.
وقد وجه القرآن الكريم ولاة أمور المسلمين من حكام ومسؤولين في جميع المستويات وألزمهم بضرورة توفير حقوق الإنسان للرعية، بل حمايته حتى للمذنبين من المساجين، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”([10]).
فإن السجون وسيلة من وسائل معاقبة الجناة وتأديبهم، وكف أذاهم عن المجتمع، وكذلك فهي مكان للحفاظ على الأسرى حتى يفصَل في أمرهم باستبدالهم مقابل تحريـر أسـرى مسلمين من سجون الأعداء، ولا يخلو الأمر من الظلم في بعض الأحيان، وافتقاد المساجين لحقوقهم ووقوعهم تحت التعذيب والإهانة، لذلك حرصت على تسليط الضوء عليهم كنموذج، دراسة أحوال فئة كانت مهمشة في ذلك العصر ألا وهي فئة المـساجين، وكيف كانت أوضاعهم وحالة السجون التي كانوا يقبعون فيها.
ولم يكن حال المساجين متشابهًا بالنسبة لحقوقهم من ناحية الطعام والشراب والعناية الصحية وغيرها من متطلبات الحياة، فنجد أنه في أحيان يشدد على السجين حتى يصل إلى حالة الموت في الـسجن، وفي حالات أخرى نجده تتوفر له ظروف حياة جيدة داخل السجن، ونضرب مثالًا على ذلك:
في سنة 843هـ/1439م اعتقل أحد تجار الإسكندرية ويدعى عبد الباسط فـي بـرج الإسكندرية بعد أن قرر عليه السلطان جقمق (842-857هـ/1438-1453م) ثلاثمائة ألف دينار، وحبس في برج مظلم وضيق عليه، فأقام مدة، ثم أمر بإخراجه منه، وتسلمه نائب القلعة، فأنزله في غرفة علِّية، وهي أعلى بنـاء في القلعة، فأقام فيها أكثر من شهر إلى أن أُفرج عنه([11]).
ويمكننا تحديد حقوق المساجين في عدد من الحقوق منها:
المبحث الأول- حق المساجين في العصر المملوكي:
1- حق المساجين في الطعام والشراب:
كان السجناء في سجون الدولة المملوكية يحصلون على احتياجاتهم من الطعام إما مـن أهليهم أو صدقات أهل الخير، ويحضر كل من جاءه شيء من الطعام من أهله في مائدة، وأكل كل من في الحبس([12]).
وُعِرفَ كثير من أهل الخير بالصدقة على المساجين ومـنهم عبداالله بن مشكور الحلبي ناظر الجيش([13]) (ت 778هـ/1376م) الذي له مآثر معروفة بحلب، منها أنه أوقف أوقافًا على المحبوسين في حبس أولي الجرائم، ومن أهل الخير الذي أوقفوا الأوقاف لصالح السجناء خطيـب قريـة جرود الذي أوقف وقفًا ينفق جزء من ريعه كل سنة 100 فضة لسجن باب البريد بدمشق([14]).
وكان السجناء يخرجون من السجن إلى الطُّرقات وهم مكبلون بالحديد بحراسة الأعوان حتى يشحذوا، وهم يصرخون من شدة الجوع، ويصف المقريزي([15]) حـال المـساجين وهـم يتسولون في الطُّرقات قائلًا: “ويرى المرء أحيانًا في الطريق ثلاثة أو أربعة رجـال مقيـدين بسلسلة حديدية، وهم لصوص يستجدون الناس الطعام”.
وكانت الدولة توزع عليهم في بعض الأحيان طعاما مما يجمع من المصادرات، فعـرف عن البدر العيني([16]) حينما كان محتسب القاهرة أنه يعزر من يخالف أمره بمـصادرة بـضاعته وإطعامها للفقراء والمحابيس([17]).
أما المساجين الذين في سجون القلاع وهم من الأمراء، فقد كان القائمون على سجنهم هم من يقومون بتقديم الطعام لهم، وهو على الغالب الماء والخبز، وكان يعين للمـساجين خبـاز مهمته فقط تجهيز الخبز للمساجين([18]).
وأرسل نائب الإسكندرية الأمير بكتوت الخزندار([19] (للأمير أيدمر الخطيـري([20]) في أثنـاء اعتقاله في سجن الإسكندرية سنة 709هـ/1310م إناء كبيرًا جدًا من الماء ورغيفًا ليتقوت به عدة أيام، وذلك خشية أن يقوم السلطان بمنع الطعام عنه حتى الموت([21])، وأُجري لأبي الخير النحاس كل يوم رغيف بعدما ضيق عليه في سجنه([22]).
وعندما كان الأمير حسام الدين([23]) في جب قلعة بعلبك كان ينزل إليه في كل يوم قليل خبز وقليل من الماء، وربما أنزل إليه جرزة بقل، وقد حرم هذا الأمير من الطعام والماء مدة مـن الزمن، ولكن الذي ساعده هو أنه كان يخزن قليل من الخبز والماء في جرة كانت عنده([24]).
ولكن في المقابل حصل بعض المعتقلين على امتيازات في الطعـام والـشراب في أثنـاء اعتقالهم، كما حدث في سنة 671هـ/1273م حينما اعتقل السلطان الظاهر بيبرس رجلًا يدعى الشيخ خضر([25])،اتهم بممارسة الزنى واللواط وفساد الأخلاق، ووضعه في سجن انفـرادي لا يرى فيه أحدًا، وكان يقدم له الأطعمة والأشربة الفاخرة والملابس والفواكه، وذلك أنـه كـان يخبر السلطان بأمور مستقبلية تحدث له، ولما ثبت عليه الدليل لاعتقاله وأراد السلطان عقابـه قال له: “يا بيبرس أنا أعلم أن أجلي قد اقترب وكذلك أجلك، وأن بيني وبينك مدة قصيرة، فأينا مات منا قبل الآخر لحقه صاحبه بعد أيام([26]).
ويظهر أن المساجين كانت تشتهي أنواع الطعام الأخـرى، حتـى إن مجموعـة مـن المساجين في خزانة الخاص بقلعة القاهرة قامت بزراعة البصل في قصريتين وقاموا برعايتها وسقايتها بالماء وذلك سنة 791هـ/1389([27](.
2- حقوق المساجين في الملابس
يظهر أن السجين يبقى في ملابسه التي اعتقل فيها داخل السجن، فنرى فـي حادثـة الإفراج عن الأمير شيخون([28]) من سجن الإسكندرية يذكر: “وقلع عنه ثياب السجن وهي ملّوطـة([29]).
3- حقوق المساجين في المعاشرة الزوجية
أما عن اتصال السجين بزوجته فعادة لا يستطيع السجين أن يتصل بأهلـه ولا يجـامع زوجته، فنجد عند خروجهم من سجن الأشرف خليل شـكوا احتياجهم إلى النساء([30]).
وكان من النادر أن تمكث الزوجة مع زوجها في سجنه، ويكون الأمر حينها أن يحجز الأمير المسجون مع عائلته في برج من الأبراج، وعليه حراسة مشددة، ويمنع من الخروج، أو يدخلون إليه زوجته أو جاريته فيقضي حاجته معها ثم تخرج، ونذكر على سبيل المثال:
عند اعتقال الأمير كراي المنصوري([31]) بقلعة الكرك أرسل إليه السلطان الناصر فرج بن قلاوون (801- 815هـ/ 1399-1414م) مـن يخدمـه، وجهز إليه جارية سنة 811هـ/1409م، وكذلك اعتُقل الخليفة المستكفي بالله العباسـي مع عياله في برج بقلعة القاهرة في زمن السلطان الناصر محمد سنة 736هــ/1336م، واعتقل ابن عمه إبراهيم في برج بجواره مع عياله أيضًا([32]).
وسمح للملك العزيز يوسف أن ترافقه ثلاث جوارٍ لخدمته في سجن الإسكندرية سـنة (843هـ/ 1439م)[33]، وفي أول سنة من حكم السلطان الظاهر قانصوه الأشرفي (904ـ905هـ /1498-1500م) اعتقل قانصوه الأشرفي وأُرسل إلى الإسكندرية، ووضع في البرج، واستمر محبوسًا 17 سنة، وولد له هناك أولاد([34])، مما يعني أنه كان يسمح لزوجته بالدخول إليه.
4- حقوق المساجين في الرعاية الصحية
كان حال السجن في غالب الأحيان سيئا من الناحية الصحية، فكان من يـسجن فـي سجن دمشق يقاسي شدائد عظيمة من البق والبراغيث، وكان يشم من يمر بجواره رائحة كريهة، ويسمع صراخ المسجونين وشـكواهم الجـوع والعـري والقمل([35]).
وكثيرًا ما كان السجناء يصابون بالأمراض التي يسببها طول المكوث في السجن، مثل حدبة في ظهره انحنى ظهره منها في مـدة اعتقالـه مـن سـنة 726هـ/1325م حتى 734هـ/1333م([36]).
وأحيانًا كان يُشدد على السجين، ويُهمل إهمالًا متعمدًا انتقامًا منه، فيثقَّل بالحديـد فـي رجليه وبالخشب في يديه حتـى الوفاة فـي الاعتقـال سـنة 619هـ/ 1222 م([37]).
وقدم جاستون فييت([38]) أوصافًا عن حال سجون القلعة، فقال أحدهم: يرى الإنسان أحباسًا وسجونًا، وهو في الوقت الحاضر عفن نتن حيث تُساء معاملة المسجونين بالسلاسل والمشدودين بالحديد إلى كتل الخشب، وإذا لم يمنحوا صدقات، فسوف يكون مآلهم الموت جالسين على أرض رطبة وعلى القاذورات التي تتكوم في كل مكان.
وكثيرًا ما كان يتعرض السجين إلى الإهمال الصحي إلى أن يتوفى، فقد أصـيب ابـن النويري([39]) بالإسهال الشديد، وقاء دمًا، في أثناء مدة حبسه في سجن حلب، وبقي ملقىً علـى بـاب السجن في أسوأ حال، والناس ينظرون إليه أفواجًا، حتى توفي في سنة (853هـ/1449م) مـن دون أن يعالجه أحد، وأخرج إلى المارستان بعد وفاته ليغسل ويصلى عليه([40]).
وحدث مرة أن الأمير جمال الدين آقوش الأشرفي([41]) حينما كـان محبوسـًا فـي سـجن الإسكندرية ظهرت في رأسه سِلعة، فطالب بإجراء عملية جراحية له لقطعها، فرسـم لـه السلطان بذلك، فقطعوها، فمات في الاعتقال بالإسكندرية سنة 736هـ/1336م، وقيـل إن السلطان بدلًا من أن يسمح للمزين بقطع السلعة أرسل مقدم الرماة ليقتله([42]).
ولكن من ناحية أخرى اعتنى بعض السلاطين بالسجناء وقدموا لهم العناية الصحية، فقد أوصى السلطان قلاوون (678-689هـ/1279-1290م) عند خروجه للغزاة على المعتقلين في قلعة القاهرة من الأمراء، وأكد على ولي عهده مباشرة القلعة بالليل والنهار، وتوفير ما يترتب لهم من طعام وشراب وتفقـد مرضاهم “المتحقق مرضه”،وذلك عن طريق أطباء الخدمة، وأمر بتوفير ما يحتاجون إليه، وقد اتخذ حينها في كل قلعة طبيبا بمال معلوم من بيت كسوة “بل تفاض عليهم من أوانها، المال مهمته تطبيب الأمراء وأهل القلعة عند المرض” ويعتبر السبكي([43]) (ت771هـ/1369م (أن واجبات السجان الرفق بالمحبوسين وإعطاؤهم حقوقهم الآدمية، ولا يمنع المحبـوس مـن شـم الريـاحين إن كـان مريضًا.
أما عن الحمامات ودورات المياه ومكان البول والبراز في السجن، فقد كانـت أبـراج القلاع مجهزة بدورات المياه، كما هو الحال في أبراج قلعة القاهرة، ومنها برج كركليان الذي بني في عهد الملك العادل الأيوبي، ومن خلال الوصف الهندسي للبرج يقول الباحـث خالـدعزب إنه “يوجد ممر ضيق يفتح على الذراع الشمالي من التخطيط المتعامد عند نهايته دورتا مياه([44]).
وفي وصف برج الصفة في قلعة القاهرة يقول: “وهو يتكون من قاعة محاطة بأربعـة إيوانات مختلفة الأعماق، مع وجود دورات مياه بهما، وكذلك الحال في برج الصحراء حيث يقول: “قاعة كبيرة مستطيلة مغطاة بقبو مدبب تفتح من جهة الجنوب بشباك يطل على داخـل القلعة، ملحق بها دورة مياه، وبالجهة الغربية من الممر بابان، أحدهما يصعد منه إلـى ممـر منكسر عند ناحية الشمال حيث يؤدي إلى قاعة كبيرة ملحق بها دورات مياه”([45]).
وإذا لم يوجد في البرج دورات مياه كان المساجين يستخدمون حمامات تسمى المرتفق، خارج برج الاعتقال، ففي قصة اعتقال آل مهنا الذين اعتقلوا في أحد أبراج القلعة، يقـول الأمير مظفر الدين موسى بن مهنا: “لما كنا في الاعتقال كان عمي محمد بن عيسى مغـرىً بدخول المرتفق والتطويل فيه، وكان المرتفق مقاربًا لدور حريم السلطان أو لبعض الأمـراء، فقلت له في ذلك فقال: يا ولد مهنا، لعلي أسمع خبرًا من النسوان، فإنهن يتحدثن بما لا يتحدث به الرجال”([46]).
5- حقوق المساجين في التواصل مع المجتمع الخارجي.
كان يسمح للزوار بزيارة المساجين، فقد كان أحد أشراف الإسـكندرية يـسمى الشريف السرسنائي يتردد إلى حصن الدين بن ثعلب([47]) لتأنيسه وقضاء حوائجه في سـجنه، ولكن نهايتهما كانت القتل بعد فرار ابن ثعلب من الـسجن سـنة 663هــ/1264م واتهـام السرسنائي بمساعدته([48]).
وفي سنة 796هـ/1394م أرسل الأمير الشريف العنابي رسالة إلى شيخ عرب العائد([49]) ويدعى موسى بن محمد بن عيسى العائدي -وكان في السجن- يطلب منه مساندته برجال من عشيرته للخروج على السلطان، وكان مضمون الرسالة: “يا موسى أرسل إلى عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب القاهرة، فإذا جاز السلطان قطية( ([50]أركب أنا ومن معي من المماليك فنملـك القاهرة، وتخلص من الحبس، ونتساعد على ذلك، فإذا غلبنا قررنا سلطانًا نتفق عليه، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر”، ولكن شيخ العرب لم يوافق وأوصـل الورقـة إلـى الوالي، الذي سلَّمها للسلطان فأمر السلطان بالقبض على الشريف العنّابي وقتله بعدما اعترف بالواقعة([51]).
وهذا يوضح لنا أن السجناء كان يحق لهم رؤية أهليهم وخواصهم من خلال الزيـارة، حيث إن الشريف العنابي لو لم يكن متأكدًا أن الرسالة سيرسلها شيخ العرب إلـى أيـدٍ أمينة لتصل إلى قبيلته، ما كان ليعرض نفسه للخطر ويرسل له رسالة بخطه، ولكـن شـيخ العرب أحب أن تكون له يد عند المماليك ليخرج من السجن فأفشى سر الشريف العنابي.
وفي أحيان أخرى يكون السجين في معزل عن المجتمع، ولا يحصل على حقوقه في التواصل مع المجتمع الخارجي، ولا تصله الأخبار إلا باستراق السمع والبصر، فعندما حبس آل مهنا في القلعة في زمن السلطان الأشرف خليل بن قـلاوون كانوا يسألون السجانين عن الأخبار، فلا يخبرونهم بشيء، وكان لهم صاحب من العرب، كان يقف قبالة البرج الذي هم فيه، ويومئ إليهم بالإشارات، وفي أحد الأيام جاء صاحبهم وأومأ ثم مد يده إلى التراب وصنع فيه هيئة قبر ونصب عليه عودًا، عليه خرقة صفراء كأنها صنجق سلطاني ثم نكسها وقعد كأنه يبكي، ثم وقف قائمًا ورقص، فعلموا بذلك أن الملـك الأشـرف خليل قد مات، فلما فُتح عليهم في اليوم التالي سألوا السجانين فأنكروا، ثم اعترف بعضهم([52]).
6- حقوق المساجين في قضاء أوقاتهم بالسجن:
كان المساجين يعملون على تمضية أوقاتهم في السجن في أعمال مختلفة ومنها:
(أ) العبادة والصلاة:
كان من السجناء من يشغل وقته بالذكر وقراءة القرآن، فكان الشيخ عز الدين بن عبـد السلام يقرأ القرآن ويصلي في سجنه عندما اعتقل، بعدما اعترض على مهادنه الفرنجة، ثُم أفرج عنه([53])، وعرف عن عماد الدين إسماعيل ابن السلطان الناصر محمد في أثناء فترة سجنه بقـوص العفة والتدين والصلاة الدائمة وقراءة القرآن وصيام الإثنين والخميس، حتـى خـرج سـنة 742هـ/1341م، وكذلك كان خير بك الأشرفي حينما كان معتقلًا بقلعة دمشق([54]).
(ب) التأليف والكتابة:
كان بعض المساجين يشتغلون بالكتابة إذا توفرت لهم أدوات الكتابة، فقد كتب الكاتب إسماعيل بن حامد معجمًا هائلًا في أربع مجلدات ضخمة، صنفه وهـو في سجن بعلبك في القلعة([55])، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية في سجنه رسالة في “الرد على الأخنائي”، وهو القاضـي عبد االله بن الأخنائي الذي كتب في موضوع زيارة القبور وخاصة قبر رسـول االله بمـا يخالف عقيدة ابن تيمية، فرد عليه ابن تيمية وهو في الحبس برسالة أثبت فيها أن هذا القاضي المالكي قليل البضاعة في العلم ضعيف الحجة، يقول بما لم يقـل علمـاء الـسلف، فغـضب القاضي، واشتكى إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون في فترة حكمه الثالثة (709-741هـ/1310-1340م) فأصدر السلطان مرسومًا بمصادرة جميع ما عند الشيخ مـن أدوات الكتابة والكتب حتى لا يبقى عنده ما يستعين به في التأليف والكتابة، وفي غرة رجـب (728هـ/1327م) أرسلت جميع مسوداته وأوراقه من المحبس إلى المكتبة العادليـة الكبـرى، وكان ذلك نحو 60 مجلدًا من الكتب، و14 ربطة كراريس التي كـان يـشتغل بهـا دراسـة وتأليفا([56]).
وكان الأمير علم الدين سنجر الجاولي ينسخ القرآن وكتب الحديث وغيرها في أثناء مـدة اعتقاله التي بلغت أكثر من ثماني سنوات، وانتهت بالإفراج عنه سنة 728هـ/1327م([57]).
كما أملى الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري رسالة في مسألة رفع اليدين في السجود، ومسألة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ورسالة في الإمامة([58]).
وكان الشمس البساطي في سجن حماة يكتب لأصحابه بخطه بعدما انقطعت مكاتبـاتهم عنه، وذلك سنة 814هـ/1412م([59]).
وكتب أبو الخير النحاس في سـجنه بطرسـوس ربعـة ومـصحفًا عظيمـين سـنة 854هـ/1450م، وأرسلهما إلى السلطان جقمق ليرق له، فأطلقه فرجع إلى طـرابلس، ثـم إلـى مصر([60].(
(ج) الشعر:
وفي بعض الأحيان كان السجين يسلي نفسه ويواسي زملاءه بالشعر، فقد أنشد ودُي بن جماز الحسني أمير المدينة المنورة عندما كان محبوسًا في مصر سنة 729هـ/1328م قصيدة مطلعها:
أنا ابن الكرام الطيبين بنـي عمـر ومن بهم في الجدب يستنزل المطـر
ومن لهم فـي فـضلهم ولجـدهم ضجيع النبي المصطفى حسن الـسير([61])
وكانت هناك مراسلات شعرية بين شرف الدين النابلسي الناسخ عندما كان في السجن، وبين الكاتب صلاح الدين الصفدي، حيث يخبر الصفدي بنفسه قائلًا: “وكان قد كتب إلـي– شرف الدين عيسى بن المحب النابلسي- من السجن وأنا بالقاهرة سنة ثمانٍ وعشرين وسـبع مئة([62])، كما أنشد الشيخ ابن تيمية أبيات من الشعر ليواسي زميله في سجن دمشق عمر بن عمران بن صدقة البلالي وهي:
تفكرنْ وثــق بــالله إن لــه ألطافَ دقّت على الأذهان والفطـن
يأتيك من لطفه مـن لـيس تعرفـه حتى تظن الذي قد كـان لـم يكـنِ([63])
ولكن في حالات لم ينجح الشعر في الشفاعة لصاحبه، ففي سنة 759هـ/1358م أرسل الأمير صرغتمش بن عبد االله الناصري من سجنه بالإسكندرية كتابًا إلى الملك حـسن يتخضع فيه وفي أوله:
قلبــي يحــدثني بأنــك متلفــي روحي فداك عرفتَ أم لـم تعـرفِ
فلم يلتفت الملك الناصر لكتابه وأمر بقتله فقُتل([64]).
(د) التسلية بالألعاب:
وكان منهم من يقضي وقته في الألعاب والتسلية، فعندما أُدخل ابن تيمية سـجن الـديلم بالقاهرة، وجد السجناء مشتغلين بأنواع من اللعب يلتهون بها عما هم فيه كالشطرنج والنـرد، ونحو ذلك من تضييع الصلوات، فأنكر عليهم الشيخ ذلك، وبدأ يـأمرهم بملازمـة الـصلاة والأعمال الصالحة حتى صار السجن مدرسة، وصار جماعة من المفرج عنهم يعودون إلـى السجن لزيارة الشيخ وأخذ العلم عنه حتى كثر المترددون، وامتلأ السجن منهم([65])، كما لعب السجناء في حبس باب البريد في دمشق العديد من الألعاب مثل لعبة تسمى “الطاب والدك“([66]).
7- حقوق المساجين وقت المجاعات:
وفي أوقات المجاعات والغلاء كان السلاطين يأمرون بإطعام المساجين كما حدث فـي سنة 798هـ/1396م حين حدث غلاء فاحش فأمر السلطان برقوق بعمل الخبز من عشرين إردبًا( ([67]من القمح ووزعت على فقراء القاهرة ومصر وأهل السجون وسكان القرافة([68]).
وفي مجاعة سنة 822هـ/1419م خرج السلطان المؤيد شيخ ومعه العلمـاء والعامـة ونـصبوا المطابخ السلطانية وذبحوا 150 كبشا سمينًا و10 بقرات وجاموستين وجملين وفرقوها علـى الجوامع والخوانك والزوايا والفقراء، وبعث إلى السجون عدة أرغفة وقدور أطعمة([69]).
كما كان يلزم أرباب الديون بمؤونة المدينين من المساجين، ففي المجاعة التي حـدثت سنة 839هـ/1435م بمصر كتب القاضي على ورقة اعتقال مدين: “يعتقل بشرط أن يفرض له رب الدين ما يكفيه من المؤونة”، وعندما اشتد الغلاء والمجاعة أُفرج عن المـساجين مـن كثرة شكواهم من الجوع([70]).
8- حقوق المساجين عند الخروج من السجن:
وعند خروج المساجين كانت تعقد الأفراح ومراسيم الاستقبال لهم مـن قبـل أهلـيهم وأصدقائهم فرحًا بخروجهم، فعلى سبيل المثال، عندما خرج الأمراء الـذين كـانوا بـسجن الإسكندرية إلى القاهرة سنة 742هـ/1341م ركب الأمراء إلى لقـائهم، وخرجـت العامـة لرؤيتهم بحيث غلقت الأسواق يومئذ، حتى طلعوا إلى القلعة، فتلقت الأميرة خوند([71]) الحجازية زوجها الأمير ملكتمر الحجازي بجواريها وخدمها ومغانيها تضرب بالدفوف والشبابات فرحًا به.
وفي سنة 752هـ/1351م لما وصل الأمراء المعتقلون من سجن الإسـكندرية وهـم سبعة، أسماؤهم كالآتي: منجك الوزير وفاضل أخو بيبغاروس وأحمد الساقي نائب صفد وعمر شـاه الحاجـب وأمير حسين التتري وولده ومحمد بن بكتمر الحاجب، ركب الأميـر طـاز ومعـه الخيـول المجهزة لركوبهم حتى لقيهم وطلع بهم إلى القلعة، فخلع عليهم بين يدي السلطان ابن الناصر محمد بن المنصور قلاوون (752هـ/1351م- 755هـ/1354م)، ونزلوا إلى بيوتهم فامتلأت القاهرة بالأفراح والتهاني، ونزل الأمير شيخو والأمير طاز والأمير صرغتمش إلى إصطبلاتهم وبعثوا إلى الأمراء القادمين من السجن التقادم السنية من الخيـول والتعـابي القماش([72]) والبسط وغيرها، فكان الذي بعثه الأمير شيخو لمنجك خمسة أفراس ومبلـغ ألفـي دينار([73]).
المبحث الثاني- جهود سلاطين المماليك في إعطاء المساجين حقوقهم:
أولًا- جهود السلاطين لتحسين أوضاع المساجيين:
1- هدم السجون:
كما فعل السلطان المنصور قلاوون (678-689ه/1279-1290م) منذ توليه السلطنة بهدم حبس المعونة بالقـاهرة، وبنـى مكانها قيسارية العنبر سنة (680هـ/1281م)، وكان يمر بجوار حبس المعونة بالقاهرة فـي طريقه من بيته إلى قلعة الجبل في زمن دولة الظـاهر بيبـرس (658-676هــ/1260م)، وكان يشم رائحة كريهة ويسمع صراخ المسجونين وشـكواهم الجـوع والعـري والقمل، فجعل على نفسه نذرًا إن جعل االله له من الأمر شيئًا أن يبني مكان هذا الحبس مكانـًا طيبا([74]).
وهدم السلطان المؤيد شيخ سجن خزانة شمائل سنة 818هـ/1416م، وبنـى مكانـه مسجد المؤيد، وذلك بسبب أنه سجن فيها في دولـة الناصـر فـرج بـن برقـوق (801-808هـ/1399 -1412م)، وقاسى بها مصاعب شديدة من الحشرات والبق والبراغيـث، فنذر لله إن خلص من هذه الشدائد، وصار سلطانًا أن يهدم هذا السجن ويبنى مكانه جامعًا([75]).
كما قام الملك الناصر محمد بن قلاوون بهدم جب قلعة الجبل في سنة 729هـ/1328م وذلك أن شاد العمائر نزل إليه ليصلح عمارته، فشاهد أمرًا مهولًا من الظلام وكثرة الوطاويط والروائح الكريهة، واتفق مع ذلك أن الأمير بكتمر الساقي كان عنـده شـخص يـسخر بـه ويمازحه، فبعث به إلى الجب ودلي فيه، ثم أطلعه من بعد ما بات به ليلة، فلما حـضر إلـى بكتمر أخبره بما عاينه من شناعة الجب، وذكر ما فيه من القبائح المهولة، وكان شادُ العمائر في المجلس فوصف ما فيه الأمراء الذين بالجب من الشدائد، فتحدث بكتمر مع السلطان فـي ذلك فأمر بإخراج الأمراء منه، ورُدم وعمر فوقه أطباق المماليك([76]).
2- محاولات إصلاح السجون وتجديدها.
وفي رمضان سنة 820هـ/1417م حاول الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفـرج الأستادار أن يخصص سجنًا جديدًا أفضل حالًا من سجن المقشرة، بعدما سـمع عمـا يعانيـه السجناء فيه من شدة الضيق وكثرة الغم، فعين قصر الحجازية ليكون سجنًا لأرباب الجـرائم، واستأجره بعشرة آلاف درهم عن أجرة سنتين، فشرع البناؤون في عمل سجن وأزالوا كثيـرا من معالمه، ثم أُهمل ولم يتخذ سجنًا([77]).
كما نجد أن بعض السلاطين والأمراء كانت لهم عناية وشفقة على المـساجين فعملـوا على تحسين أوضاعهم، خاصة في وقت المجاعات، فقد أمر السلطان برقوق لما كثر الغـلاء أن لا يحبس أحد على دين، وأُفرج عن المساجين([78]).
وكان الأمير آنص العثماني الجركسي إذا ركب ولقي في طريقه أحدًا من المحـابيس([79]( الذين يعملون في الأشغال الشاقة، يأخذه من حارسه ويطلقه في الحال من زنجيره، ولا يقـدر أحد أن يرده عن ذلك، لأنه والد السلطان برقوق، فأصدر السلطان برقوق أمرًا أن لا يخـرج المحابيس للأعمال الشاقة خوفا من أن يطلقهم، وكان إذا رأى أحدًا منهم يسأل: هذا مـسلم أم كافر؟ فيقولون له: مسلم؛ فيقول: كيف يفعل بمسلم هكذا في بلاد الإسلام! أطلقوه فيطلق فـي الحال([80]).
وقد كان السلاطين والخلفاء والأمراء يتفقدون أحوال المساجين في المناسـبات الدينيـة مثل شهر رمضان المبارك والأعياد، فكان من عادة بعض السلاطين في غـرة رمـضان أن تكتب له أوراق بأسماء المحبوسين، ويكون في ذلك فرج لمن يريد االله خلاصه([81]).
وكان الظاهر برقوق (784-801هـ/1382-1399م) طوال مدة إمارته وسلطنته يذبح في كلّ يوم من أيام شهر رمضان المبارك خمسا وعشرين بقرة، يتصدق بها بعدما تطبخ، ومعها آلاف من أرغفة الخبز النّقي، تفرق على أهل الجوامـع والمـساجد والـربط وأهـل السجون، لكل إنسان منهم رطل لحم مطبوخ، وثلاثة أرغفة([82]).
ثانيًا- نماذج سلبية:
1- القسوة والتعذيب:
شهد عصر سلاطين المماليك في بعض الفترات انتقاصا من حقوق الإنسان بالنسبة للمساجين، تمثل في أنواعًا قاسية وعنيفة من التعذيب الجـسدي والمعنـوي، تقـشعر لوصفه الأبدان، ويجدر الإشارة إلى أن هذا التعذيب مثل: الـضرب، وتكحيـل الأعـين، وعـصر الأعضاء، والتشهير والتقريع للمعتقل، وغيرها ليس لها أي مسوغ شـرعي فـي الـشريعة الإسلامية، وهي تنافي تعاليم الدين الإسلامي، حيث فيها إهدار للكرامة الإنسانية، إذ لا يجوز تعذيب المجرم فضلًا عن المتهم، لقول النبي”:e إن االله يعذب الذين يعـذبون النـاس فـي الدنيا([83])”، كما لا يجوز حمل المتهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل، لقول النبي”:e إن االله وضع عن أمتي الخطأ، والنـسيان، ومـا اسـتكرهوا عليه”([84]).
2- أعمال السخرة:
ومن أمثله ذلك استخدم السلطان الناصر محمد المساجين عمالًا بالسخرة لبناء اصطبل( ([85]فـي بركـة الفيل، حيث استمر العمل فيه أكثر من عشرة أشهر([86](.
وفي سنة 713هـ/1313م أسر الملك الناصر محمد عددًا كبيرًا من عربان الصعيد بعد أن خرجوا عليه، وسجنهم واستخدم بعضهم في حفر الجسور([87])، وفي سنة 730هـ/1329م بدأ الأمير قوصون ببنـاء جـامع قوصـون بالقاهرة باستخدام الأسرى([88]).
كما نجد من بعض السلاطين تعديات كثيرة على كرامة الإنسان المسجون، وأنواع من التعذيب الشديد، ومن أشد الناس تعذيبًا بالمقارع الوزير موسى بن التاج فقد اعتُقل بسعاية مـن أحـد الأمراء يدعى النشو سنة 731هـ/1330م وصودرت ممتلكاته وضرب بالمقارع أكثـر مـن مائتي شيب وسعط بالماء والملح وبالخل والجير حتى ظنوا أنه مات، فأصبح سويًا، ثم عقِّد له شيب المقرعة وضرب بها، فكانت إذا نزلت على جنبه تثقبه، وفي أحد المرات قطعـت مـن ظهره قطعة لحم كمثل الرغيف، حتى ظنوا إنه مات، فوجدوه حيًا، واستمروا على ذلك أشهرًا، ثم عذبوا زوجته وكانت حاملًا فولدت فعاش ولدها حتى كبر، وما زالا في العقوبة حتى هلك([89]).
وربما توفي السجين المضروب من شدة الألم والخوف، كما حدث مع إحدى مغنيـات مصر وتدعى خديجة الرحابية، التي قبض عليها والي القاهرة يشبك بن حيدر، وكانـت مـن أعيان مغنيات مصر، جميلة حسنة الغناء، ولها حظوة عند أرباب الدولة والرؤساء، فافتتن بها كثير من الناس، فلما قبض عليها يشبك كانت في بعض الأفراح، فلما مثلت بين يديه قال لها: “أنت التي أفسدت عقول الناس”، ثم أمر بضربها بين يديه نحوًا من خمسين عصا، وقرر عليها مبلغًا له صورة([90] )، وكتب عليها قسامة أنها لا تغني ولا تحضر مقاما، فلما خلصت من ذلـك قامت مريضة مدة من الرجفة التي وقعت لها، ثم ماتت عقيب ذلك، وكان عمرها ثلاثين سنة)[91](.
وقد ضرب سعد الدين ابن البقري ناظر الخاص سنة 785هـ/1383م بالمقـارع فـي حضرة السلطان الملك الظاهر سيف الدين برقوق بن أنس بن عبدالله الشركسي (784هـ/1382م- 790هـ/1388م)، ثم أعيد الضرب عليه، فضرب تحت رجليه ثلاثمائة عصا، وعلـى ظهـره مقترح مثلها وعلى استه مثلها، وصار من شدة الضرب يمرغ وجهه في الحصباء إلى أن أثر ذلك في وجهه أثرًا لم يزل إلى أن مات([92](، وكذلك يلبغـا الـسالمي ضـرب مقتـرح سـنة 802هـ/ 1400م)[93](، وضرب رجل أعجمي ضربًا مبرحًا مائة عصا وجرس، بسبب أنه قال للسلطان برقوق إن النيل سوف يتوقف ماؤه، فأمر بحبسه وضربه سنة 783هـ/1381م)[94]).
وسُجن جمال الدين الأستادار سنة 812هـ/1410م حيث أحضر بين يـدي الـسلطان فرج بن الظاهر برقوق (808هـ/1405م- 815هـ/1412م ) محمولًا لعجزه عن المشي من شدة العقوبة، فقد عوقب بالضرب في رجليه، فدل على أموال قد خبأها وجدت مدفونة في التراب عبارة عن ذهب زنته خمسة وعشرون ألف مثقال، وأمـوال أخرى وجدت في تسع قفاف مملوءة ذهبًا، كما عذبوا ابنه بحضرته فدل على مائتي ألف دينار وغيرها، وبقي يزيد عليه في التعذيب والعصر حتى دل على أموال كثيرة، ثم أعاده إلى سجنه وأمر بمعالجته حتى يبرأ)[95](.
الخاتمة:
استقصيت في الدراسة عن حقوق الانسان في مصر وبلاد الشام في عصر الدولة المملوكية “المساجين نموذجًا”، بتحليل عدد لا بأس به من المصادر والمراجع التي تناولت جوانب الدراسة من زوايا مختلفة، وارتكازًا على المنهج العلمي والرؤية التاريخية الشاملة لجوانب موضوع حقوق المساجين في العصر المملوكي، يمكننا استخلاص عدد من النتائج، على النحو الآتي:
([1]) دكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية كلية الآداب – جامعة الإسكندرية.
([2]) ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت: 711هـ) لسان العرب، الناشر: دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة – 1414هـ، ج10، 52؛ الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (ت: 666هـ)، مختار الصحاح المحقق: يوسف الشيخ محمد الناشر: المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت – صيدا الطبعة: الخامسة، 1420هـ / 1999م، ج1/77
([3]) إبراهيم والزيات وآخرون، المعجم الوسيط، الناشر: دار الدعوة، ج1/188.
([4]) البيك، ثروت محمد، حقوق الانسان في الخلافة العباسية، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، 2015م، ص5.
[5] ) الدمشقي،عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (ت: 1425هـ) الحضارة الإسلامية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحات من تأثيرها في سائر الأمم، دار القلم، دمشق، 1985م، ج1، ص37.
([6]) الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، ب.م، 1425هـ/ 2004م، ج1، ص5.
([7]) الجبوري، عبد الجبار عبد الوهاب ، حقوق الإنسان بين النصوص والنسيان، دار الفرابي، القاهرة، 2015م، ص61،60.
([8]) وشاح، غسان محمود، حقوق الإنسان في الدولة الإسلامية، دار النهضة العصرية،2019م، ص6.
([9]) هوتسما، أرنولد، موجز دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد وأحمد الشنتناوي، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الإمارات، 1418 – 1998، ج13/4095.
([11]) ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقلاني (ت: 852هـ)، إنباء الغمر، إنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق: د. حسن حبشي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر عام النشر،1389هـ، ج4، ص133.
([12]) الحنبلي، أبو الفلاح عبدالحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العكري، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، 1406 – 1986م، ج7، ص400.
([13]) ناظر الجيش: هو الذي يتحدث في أمر الجيوش وضبطها، دهمان، محمد أحمد، معجم الألفاظ التاريخية، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 1410 هـ/ 1990 م، ص150.
([14]) أبو الشعر، هند: واقع الأوقاف في نيابة دمشق في العهد المملوكي (801 هـ-915هـ / 1398-1509م)، مقدم لمؤتمر تاريخ دمشق، كلية الآداب، جامعة دمشق، مطبوع 2005م، ص4.
([15]) أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين (ت: 845هـ) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروفة بالخطط المقريزية، ج3، ص328
[16])) العيني، محمد بن محمود بن أحمد بن موسى بدر الدين،كان عالمًا إسلاميًا سنيًا في المذهب الحنفي، العيني هو اختصار للعينتابي، في إشارة إلى مدينته الأصلية، ولِيَ الحِسبةَ والقضاء ونظارة الأحباس، موسي شاهين لاشين، البدر العيني ومنهجه، رسالة دكتوراة، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة الأزهر، القاهرة،1980م
([17]) السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد (ت: 902هـ) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت، ب.ت، ج10، ص132.
([18]) إحسان عباس: شذرات من كتب مفقودة في التاريخ، دار الفكر العربي، دمشق، ب. ت، ج2، ص450.
([19]) الخِزندار: لقب للذي يتحدث على خزانة السلطان أو الأمير أو غيرهما، وهو مركب من خزانة، وهي ما يخزن فيه المال، وكلمة دار ومعناها ممسك، والمقصود ممسك الخزانة. دهمان: معجم الألفاظ، ص78.
[20])) الأمير عز الدين مملوك شرف الدين أوحد بن الخطيري الأمير مسعود بن خطير، انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون فرقّاه حتى صار أحد أمراء الألوف، بعدما حبسه بعد مجيئه من الكرك إلى مصر مدّة ثم أطلقه وعظم مقداره إلى أن بقي يجلس رأس الميسرة، ومعه أمرة مائة وعشرين فارسًا. المقريزي، الخطط المقريزية، ج3، ص395.
([21]) كان الرطل في ذلك الوقت يزن 140 درهمًا / 5.437غم. هنتس، فالتر: المكاييل والموازين، (ت: كامل العسيلي، منشورات الجامعة الأردنية، 1970، ص31.
([22]) المقريزي، تقي الدين المقفي (ت ٨٤٥ هـ/ ١٤٤٠ م)، ت: محمد اليعلاوي، دار الغرب الاسلامي، بيروت، الطبعة: الثانية، ١٤٢٧ هـ / ٢٠٠٦ م، ج2،ص366.
[23])) حسام الدين لاجين: مملوك من مماليك السلطان نور الدين علي بن أيبك، اشتراه قلاوون الألفي ولقبه «لاجين الصغير»، ثم اعتقه ورقاه في الخدمة ورفع من درجته، فلما تسلطن ولّاه نيابة دمشق، وزوّجه إحدى بناته، ولما تمرد الأمير سيف الدين سنقر الأشقر على السلطان قلاوون ونصّب نفسه سلطانًا بدمشق قبض قلاوون على لاجين وحبسه مدة، ثم عفا عنه بعد انكسار سنقر الأشقر، المقريزي، السلوك، ج2، ص247.
([24]) اليونيني، قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد (ت: 726هـ)، ذيل مرآة الزمان بعناية وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية للحكومة الهندية، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، ط2، 1413هـ/1992م، ص186.
[25])) الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي،هو شيخ الملك الظاهر بيبرس، كان حظيًا عنده مكرمًا لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنفسه إلى زاويته التي بناها له في الحسينية، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعًا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالًا كثيرًا، ويطلق له ما أراد، حتي حدثت فجوة بينهما دخل السجن بعدها. المقريزي، السلوك، ج2، ص224.
([26]) الدواداري، أبو بكر بن عبد الله بن أيبك، الدرة الزكية، ت: سعيد عبد الفتاح عاشور وآخرين، مكتبة عيسى البابي الحلبي، 1402/ 1982، ص223، ابن حجر العسقلاني، إنباء الغمر بأبناء العمر، ج1، ص154.
([27]) ابن تغري بردي بن عبدالله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين (ت: 874هـ)، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، ت: محمد محمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب ج1، ص271.
[28]) هو أحد مماليك الناصر محمد بن قلاوون. وكان قد جلبه إلى مصر الخواجا عمر فاشتراه الناصر محمد بن قلاوون، ترقى في البلاط حتى صار أحد أمراء المشورة في أيام السلطان حسن، وعظم شأنه وأصبح زمام السلطة بيده، عينه السلطان نائبًا لطرابلس سنة 1350م. ولكنه لم يلبث أن قبض عليه وسجنه في الإسكندرية. المقريزي، الخطط، ج2، ص 314.
[29])) الملوطة رداء واسع الكمين طويلهما يلبس فوق لبـاس يـسمى الفرجيـية وكانت تصنع أحيانًا من الحرير الخالص أو الكتان الرقيق، وكانت لباسًا قوميًا فـي عـصر المماليك. سعيد عبدالفتاح عاشور، العصر المملوكي في مصر والشام، دار المعارف، القاهرة، ب.ت، ص476.
([30]) الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، أعيان العصر، أعيان العصر وأعوان النص، ت: علي أبو زيد وآخرون، 1418 – 1998م، ج5، ص465
[31])) هو أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر اليمامي الهاشمي مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء، الأمير كراي المنصوري نائب القدس، كان أميرًا كريمًا صار كراي يمد في كل يوم سماطًا عظيمًا للمقيمين والواردين عليه، فأنفق في ذلك أموالًا جزيلة من حاصله؛ واجتمع عليه بغزة عالم كثير، وهو يقوم بكلفهم ويعدهم عن السلطان بما يرضيهم، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ص363.
([32]) الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز (ت: 748هـ)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، المكتبة التوفيقية، ج47، ص270؛ ابن الوردي زين الدين عمر بن المظفر أبو الفداء اسماعيل بن علي، تاريخ ابن الوردي، المطبعة الحيدرية، 1969م، ج2، ص252.
([33]) ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، النجوم الزاهرة، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، وزارة الثقافة، مصر، 1383 / 1963م، ج15، ص333
([34]) الصدفي، رزق الله منقاريوس، تاريخ دول الإسلام، مطبعة الهلال، 1907-1908م، ج3، ص88.
([35]) ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني، الدرر الكامنة، لدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد، 1349 ج2، ص26.
([36]) الصفدي؛ خليل بن أيبك بن عبد الله، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي،2007م، ج7، ص148.
([37]) ابن خلكان؛ أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي وفيات الأعيان، ت: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، 1972م، ج1، ص181.
[38])) القاهرة مدينة الفن والتجارة، سينما وفنون وإعلام; القاهرة، ص236.
[39])) هو العلامة محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن علي بن محمَّد بن إبراهيم ابن عبد الخالق المحب ابن الفاضل الشمس النويري شهرة العقيلي نسبًا المالكي مذهبًا، اشتهر بكنيته فهو أبو القاسم النويري. اشتغل بادئ حياته في نسخ الكتب القيمة، وكان يكتب النسخة من صحيح البخاري ويبيعها بألف دينار، كما عمل في بلاط السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ونال حظوته، ومارس الكتابة والحسبة، تولى جيش طرابلس مما أسهم في توسيع مداركه وأكسبه ذلك معرفة موسوعية. الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ج1، ص165.
([40]) ابن العجمي، أبو ذر سبط أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل، موفق الدين (ت: 884هـ) كنوز الذهب في تاريخ حلب، دار القلم ج2، ص215.
([41]) الأمير جمال الدين آقوش النجيبي الصالحي النجمي نائب السلطنة بدمشق، أمره مولاه الصالح وجعله أستاذ داره وكان يعتمد عليه، وُلِدَ في حدود العشرين وستمائة، وجعله الظاهر أستاذ دار أول دولته، ثم ناب له بدمشق تسع سنين، وصرف بعز الدين أيدمر فانتقل إلى القاهرة وأقام بداره بطالًا عالي المكانة وافر الحرمة. الزركلي، الأعلام، ص213.
([42]) المقريزي، المقفي، ج2، ص245.
[43])) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (ت ٧٧١هـ)، معيد النعم ومبيد النقم، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، ١٤٠٧هـ/ ١٩٨٦ م ص22.
([44]) خالد عزب، سور وقلعة صلاح الدين، دار زهراء الشرق، ص82.
([45]) السبكي، معيد النقم، ص142.
([46]) السبكي، معيد النقم، ص143؛ خالد عزب: سور وقلعة صلاح الدين، ص72
([47]) الأمير حصن الدين ثعلب أمير الجعافرة ورئيس القوم الذي أنف من سلطنة المماليك الأتراك وثار فـي سلطنة الملك المعز أيبك التركماني وكاتب الملك الناصر يوسف بن العزيز صاحب دمشق، وجمع عربان مصر، فخرجت إليه المماليك وحاربوه فقبض عليه وسجن بالإسكندرية حتى شـنقه الظـاهر بيبـرس. المقريزي، البيان والإعراب، ص2.
([48]) قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد اليونيني (ت: 726 هـ) ذيل مرآة الزمان بعناية: وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية للحكومة الهندية الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة الطبعة: الثانية، 1413هـ/ 1992م، ج2، ص323.
([49]) عرب العائد: وهم بطن من جزام من القحطانية ومن أقدم القبائل العربية في مصر، وقـد سـكنوا فـي المنطقة الممتدة بين بلبيس والعقبة بفلسطين، وكانوا يتولون حراسة القوافل في هذه المنطقة. السيد سالم، تاريخ القبائل العربية، ص54.
([50]) قطية: قرية في طريق مصر في وسط الرمل قرب الفرما، بيوتهم صرائف من جريد النخل وشربهم من ركية عندهم جائفة ملحة، ولهم سويق فيه خبز إذا أكل وجد الرمل في مضغه، فلا يكاد يبالغ في مـضغه، وعندهم سمك كثير لقربهم من البحر. ياقوت، معجم البلدان، ج4، ص378
([51]) العسقلاني، إنباء الغمر، ج1، ص471.
([52]) العدوي، أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري، شهاب الدين (ت: 749هـ)، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار الناشر: المجمع الثقافي، أبو ظبي الطبعة الأولى، 1423ه، ج4، ص318.
([53]) ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن حجر رفع الإصر عن قضاة مصر المحقق: علي محمد عمر الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، 1418هـ/ 1988م، ص240.
([54]) السخاوي، الضوء اللامع، ج3، ص207.
([55]) الصفدي؛ خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، صلاح الدين الوافي بالوفيات، الناشر: دار إحياء التراث العربي، سنة النشر: 2000م، ج9، ص65.
([56]) ابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد إبراهيم محمد العلي، رجل الإصلاح والدعوة، دار القلم – دمشق، 1421هـ، ص300-301.
([57]) المقريزي: السلوك، ج3، ص110.
([58]) السخاوي، الضوء اللامع، ج2، ص97.
([59]) السخاوي، الضوء اللامع، ج7، ص8.
([60]) العجمي، كنوز الذهب في تاريخ حلب، ج2، ص233.
([61]) العسقلاني، الدرر الكامنة، ج6، ص147.
([62]) الصفدي، أعيان العصر، ج3، ص719.
([63]) النويري، نهاية الأرب، ج29، ص134
([64]) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج10، ص328.
([65]) الألوسي، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء (ت: 1342هـ) غاية الأماني في الرد على النبهاني، المحقق: أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ/ 2001م، ج2، ص23.
([66]) الحنفي، شمس الدين محمد بن علي بن خمارويه بن طولون الدمشقي الصالحي (ت: 953هـ)، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، وضع حواشيه: خليل المنصور الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ/ 1998م، ص395.
([67]) الإردب: مكيال مصري للحنطة، ويتألف من 6 ويبات كل ويبة 8 أقداح كبيرة أو 16 قدحًا صغيرًا، ومن الصعب تحديد الإردب بدقة. هنتس، المكاييل والأوزان، ص58.
([68]) المقريزي، السلوك، ج5، ص385.
([69]) العسقلاني، إنباء الغمر، ج7، ص357.
([70]) المقريزي: المصدر السابق، ج7، ص305.
([71] (الخوند: في الفارسية: السيد العظيم أو الأمير، استعملت في العربية لقبًا بمعنى السيد أو السيدة. دهمـان، معجم الألفاظ التاريخية، ص70.
([72] ( التعابي: ومفردها تعبية، أي الثياب أو قطع القماش. عاشور، العصر المماليكي، ص424.
([73]) المقريزي، السلوك، ج4، ص144.
([74]) المقريزي، المواعظ والاعتبار، ج4، ص201
([75]) المقريزي، المصدر السابق، ج3، ص63.
( ([76]المقريزي، المواعظ والاعتبار، ج3، ص186
([77] ( المقريزي، المواعظ والاعتبار، ج3، ص130.
([78] ( العسقلاني، إنباء الغمر، ج2، ص84.
([79] ( هو والد السلطان برقوق، قدم القاهرة وأسلم وحسن إسلامه، وأقام بعد ذلك دون السنتين ومات. ومع هذه المدة القصيرة من إسلامه أظهر فيها عن دين كبير وخير وصدقات كثيرة ومحبة لأهل العلم وشفقة على الفقراء وأهل الصلاح. وكان لا يدخر شيئا من المال، بل كان مهما حصل في يده فرقه في الحال علـى الفقراء والمساكين. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج11، ص218.
[80]) ) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج11،ص218
([81]) العيني، بدر الدين محمود: عقد الجمان في أخبار أهل زمان، (ت) محمود رزق محمود، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2010م، ص227.
([82] ( ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج12، ص109.
([83]) مسلم، بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261هـ)، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4، ص2018.
([84] ( ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت: 273هـ)، سنن ابن ماجه، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي، ج1، ص659.
([85] ) الإصطبل: مجموعة من المباني يبنيها الأمير لسكنه وسكن أسرته ومماليكه وخيوله. عاشـور: العـصر المماليكي، ص413.
([86] ( الصفدي، أعيان العصر، ص209؛ المقريزي، المواعظ والاعتبار، ج2،ص217.
([87] ( محمود رزق سليم: موسوعة عصر سلاطين المماليك الطبعة. 1، دار المعارف، القاهرة، 2000م، ج2، ص306.
([88] ( المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج4، ص108.
([89] ( ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ج11، ص110-112.
([90]) مال له صورة: أي كثير. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ج14، ص487.
([91]) ابن إياس: بدائع الزهور، ص506
([92] ( العسقلاني: إنباء العمر، ج1، ص277
([93] ( المصدر السابق، ج2، ص104
([95] ( المقريزي، السلوك، ج6، ص239.
قائمة المصادر:
قائمة المراجع: