أ. د. طه حسين عوض هُديل
أ. د. طه حسين عوض هُديل([1])
الملخص:
شهدت بلاد حضرموت في تاريخها الإسلامي العديد من الصراعات القبلية والغزوات الخارجية التي تضررت منها مدنها التاريخية الشهيرة الواقعة على سواحلها، وفي أوديتها وصحاريها المعروفة، مما توجب على حكامها ومشايخها ضرورة تحصينها عسكريًا، وحمايتها بإحاطتها بالأسوار العالية، والخنادق، والقلاع التي توزعت في أطراف الأسوار ليحتمي بها العسكر، ولمراقبة تحركات العدو، في حين فضّل بعض حكام الحضارم بناء مدنهم على قمم الجبال العالية؛ لتشكِّل قلاعًا حصينة يصعب على العدو الوصول إليها وغزوها، وقد حاولنا في هذه الدراسة التعرف على طبيعة تلك التحصينات العسكرية ودراستها دراسة تاريخية للتعرف على أهمها، ومسمياتها، وتاريخ إنشائها، ودورها التاريخي والعسكري في حماية حضرموت من الغزوات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها في مدة الدراسة.
Military Fortifications for Hadhramauts’ cities
From the 6-10 century AH / 12-16 AD (A historical study)
Summary:
Hadramawt city witnessed during its greatest Islamic history in the Western desert a lot of tribal conflicts and foreign invasions, which affected its famous historical cities located on its coasts, valleys and well-known deserts. This required its rulers and sheikhs to fortify them militarily and protect them by surrounding them with high walls, trenches, and castles that distributed on the outskirts of the walls for the soldiers to take shelter in. This action was in order to monitor the enemy’s movements and reactions, while some of the Hadramis rulers preferred to build their cities on the tops of highest mountains to form fortified fortresses, which will be difficult for the enemy to reach and invade. In addition, its historical and military role in protecting Hadhramaut from the internal and external invasions exposed to during the study period.
المقدمة:
تميزت حضرموت عبر التاريخ بتنوع مظاهرها الحضارية التي لم تكن محصورة في جانب معين ومحدود، أو نمط معين، وقد حرص الحضارم منذ القدم على الظهور بالمظهر الذي يليق بهم على مستوى منطقتهم الجغرافية التي ينتمون إلى ترابها أو على مستوى البلاد التي انتقلوا إليها وعاشوا فيها، ناقلين معهم كل ما يتعلق بحياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، مكونين بذلك صورة طيبة لدى الشعوب التي ارتبطوا بها.
وعلى الرغم من أن المجتمع الحضرمي كان مجتمعًا قبليًا خالصًا، منذ تكوينه الأول، إلا أنه استطاع أن يضع بصمات مختلفة في جميع مظاهر حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وكانت المظاهر الحضارية التقليدية العسكرية من بين أهم المظاهر التي أبدع فيها أهالي حضرموت منذ تاريخهم القديم، وفي حقبة التاريخ الإسلامي – موضوع دراستنا -.
وعلى أية حال، فقد دفعت الصراعات القبلية الشديدة بين قبائل حضرموت نفسها، أو بينها وبين الجماعات التي جاءت غازية إلى أرضها في العصر الإسلامي؛ زعماءها إلى تنظيم أنفسهم والاهتمام بالنواحي العسكرية، فراحوا يضعون أسسها الأولى، وقواعدها المختلفة، حتى يتمكنوا من تحقيق انتصارات ساحقة على أعدائهم، فنظموا أنفسهم في صورة عسكر أو جنود يحتكمون بأوامر السلطان أو الشيخ، وأقاموا الحصون حول مدنهم وقراهم، وسوروا ما يحتاج منها لتسوير، وحفروا الخنادق حول بعضها، وجهزوا أنفسهم بالعتاد من السلاح والخيول والطعام، وعدت مثل هذه التجهيزات العسكرية مظهرا حضاريا مهما في مواكبة حالة التطور الذي كانت تشهدها المنطقة المحيطة بحضرموت، لا سيما منطقة ظفار الحبوظي في الشرق، والدولة الأيوبية ومن بعدها الرسولية في الغرب، وغيرها من الكيانات الموجودة في المنطقة، التي كان لها على حضرموت وأهلها فضل كبير في تطور بعض جوانبها الحضارية العسكرية وغيرها، كما كان لحضرموت فضل كبير على هذه الكيانات في جوانب حضارية أخرى.
ومن بين أهم الأسباب التي دفعتني لكتابة هذا البحث رغبتي في التعرف على مختلف التحصينات العسكرية والحربية للمدن الحضرمية في العصر الإسلامي، على اعتبار أن هذه التحصينات تُعد واحدة من بين أهم المظاهر الحضارية العسكرية التقليدية في هذه المنطقة عبر التاريخ، في محاولة للتعرف على هذه التحصينات، وتاريخ نشأتها وبداياتها الأولى، وأنواعها، وأهميتها العسكرية والحربية الدفاعية، بعدما شدني لها بعض العبارات التي قرأتها في كتب التاريخ الحضرمي وغيرها في المدة الزمنية المحددة للدراسة.
ونظرا لما لهذه التحصينات من أهمية عسكرية في حماية المدن والقرى الحضرمية، حاولنا البحث أولًا عن المظاهر الأولى للحياة العسكرية في هذه المنطقة، وملامحها التي تشير إلى أن حضرموت قد عرفت الجيوش النظامية، وتقسيماتها، وفروعها، ومعداتها المتعارف عليها، وأخذنا في تتبع الإشارات المصرية التي تؤكد ما ذهبنا إليه من معرفة حضرموت وقبائلها للتنظيم العسكري والحربي على بساطته في ذلك الوقت، مبرزين ذلك في نقاط منظمة، ومدعمة بأمثلة تؤكد ما ذهبنا إليه في هذا الجانب المهم، ومن ثَم توجهنا للبحث عن أهم تلك التحصينات، ومواصفاتها، وأنواعها، وأشكالها المختلفة، التي حرص الحضارم على بنائها لحماية مدنهم العريقة، ولتكون مظهرا مهما من مظاهر هذه المنطقة الحضارية، على الرغم من تطبعها بالطابع العسكري الدفاعي.
ولتحقيق الهدف المنشود من هذه الدراسة الموسومة بـ: “التحصينات العسكرية لمدن حضرموت من القرن 6 – 10هـ/ 12 – 16م (دراسة تاريخية) “، قمت بتقسيم بحثي هذا إلى مقدمة ومبحثين رئيسيين، تناولت في المبحث الأول منها المظاهر الأولى للحياة العسكرية في حضرموت في العصر الإسلامي، وخصصت المبحث الثاني لدراسة التحصينات العسكرية لمدن حضرموت، ومميزاتها الخاصة والعامة، وبحثت عن أهم هذه التحصينات وأنواعها ومواقعها، ودورها في التاريخ، وما شهدته من معارك ووقائع مختلفة وثّقتها كتب التاريخ، لا سيما القور والحصون والقلاع، والأسوار، والخنادق وغيرها من التحصينات، وأنهيت دراستي هذه بخاتمة استخلصت فيها أهم النتائج والاستنتاجات التي توصلت إليها، وبعض الصور لعدد من هذه التحصينات الحضارية العسكرية.
المبحث الأول
المظاهر الأولى للحياة العسكرية في حضرموت في العصر الإسلامي
من الصعب جدًّا دراسة الأوضاع العسكرية لبلاد حضرموت دون التعمق في معرفة التاريخ السياسي لهذه المنطقة، وأهم الأحداث التي شهدتها في المدة موضوع الدراسة، إذ إن المطّلع على تاريخ حضرموت في العصر الإسلامي، يلاحظ أن الصراع السياسي في تلك الحقبة التاريخية كان على أشده بين قبائل المنطقة، ولم تكن الأمور تستقر حتى تعود الصراعات مرة أخرى، ومما لا شك فيه أن تلك الصراعات القبلية لم تأخذ الطابع العسكري المنظم، والقائم على التخطيط والتنظيم والترتيب العسكري المعروف اليوم في إطار الجيوش النظامية، ومع ذلك شكّلت تلك الصراعات اللبنات الأولى لملامح الحياة العسكرية التي -على ما يبدو- اتضحت صورتها مع ظهور بعض الكيانات التي وجدت في حضرموت منذ مطلع القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي.
ومن أهم تلك الكيانات السياسية التي ظهرت في حضرموت في ذلك الوقت: إمارة آل راشد التي عرفت بإمارة آل قحطان بتريم (400 – 635هـ/ 1009 – 1048م)، وإمارة آل إقبال (آل فارس) في الشحر (547 – 677هـ/ 1152 – 1287م)، وإمارة آل دغار في شبام (460 – 605هـ/ 1067- 1208م)، وإمارة بني الأعلم بن يماني الحارثية الكنْدية في شبام (605 – 619هـ/ 1208- 1222م)، وإمارة بني سعد الكنديين في شبام (623 – 842هـ/ 1226 – 1421م)، وإمارة آل يماني في شبام (621 – 926هـ/ 1224 – 1519م)([2]).
وتجدر الإشارة إلى أن مدة بقاء الوجود الأيوبي في حضرموت (575 – 621هـ/ 1180 – 1224م)([3])، ثم الوجود الرسولي (636 – 858هـ/ 1453- 1238م) كان له الأثر الأكبر في بناء الكيان العسكري للمنطقة، وترسيخ النظم العسكرية بين أهلها، لما عُرف عن هاتين الدولتين من قدرات عسكرية متميزة، شملت مختلف مجالات البنية التحتية للجيش، سواء في جانب التنظيم العسكري والقيادي، وتقسيم الجيش إلى فرق اختلفت مهام كلٍّ منها بين مهام قتالية أو دفاعية أو هجومية، أم من جانب الترسانة العسكرية المتنوعة التي امتلكتها قوات هاتين الدولتين، من أسلحة خفيفة وثقيلة، هجومية ودفاعية، فضلًا عمّا تميزوا به من تفوق بحري، وأسطول تنوعت أدواته القتالية بين سفن تعددت أشكالها وأحجامها، وبلغ بعضها سواحل حضرموت لتكون بداية لكسب خبرات في هذا الجانب بين أهالي حضرموت([4]).
وقد يرى بعضهم أن الوجود الأيوبي والرسولي لم يكن له دور يذكر في بلاد حضرموت، لاسيما في الحقبة الأيوبية التي لم يعرف عنها في حضرموت إلا القتل والسجن للعلماء والمشايخ وغيرهم، والدمار لكل من يقف في طريق جيوشهم([5])، وفي الحقيقة أنه من دراستنا للتاريخ الأيوبي والرسولي في حضرموت لاحظنا أن أهالي حضرموت ومشايخ قبائلها قد استفادوا من هذا الوجود، وإن كان بصورة غير مباشرة، فقد اكتسبوا خبرات إدارية وتنظيمية وقيادية من القوات العسكرية والحاميات التي كانت تعسكر في مناطق حضرموت المختلفة، وكان لاختلاطهم بهم، وتعاملهم معهم أثره الواضح في أخذ ما هو مفيد من القوات المرابطة هناك، حتى صاروا جزءًا لا يتجزأ من تلك القوات وتنظيمها العسكري بعد لحاق العديد من أبناء قبائل حضرموت بهذه القوات العسكرية الأيوبية أو الرسولية.
وعلى أية حال، فإنه من خلال تتبعنا لما جاء من إشارات يسيرة عن بعض الأحداث والصراعات السياسية والحربية والعسكرية لقبائل حضرموت فيما بينها، أو مع غيرها من قبائل المنطقة أو القوى الغازية لمناطقهم، والوارد ذكرها في المصادر التاريخية في العصر الإسلامي، وما صاحب تلك الأحداث من ترتيبات أولية وتجهيزات ووقائع ونتائج مختلفة، فإننا من الممكن أن نلاحظ أن هناك بدايات أولية قد تشكلت لملامح حياة عسكرية في بلاد حضرموت في مدة الدراسة، وذلك عبر المظاهر الآتية:
أولًا- ظهور الأحلاف القبلية:
وهي أحلاف أقامتها القبائل الحضرمية ذات النسب الواحد مع بعضها بعضًا، أو مع غيرها من قبائل المنطقة التي لا ترتبط معها بقرابة أو نسب، إلا المصلحة والحاجة لتشكيل قوة قبلية حربية مهابة في المنطقة، حتى أصبح التداعي بين القبائل عند اشتداد الأمور وتأزمها، وعند الحروب، أمرا واجبا ومعروفا لنجدة بعضها بعضًا، أو لمساعدة الضعيف منها، وتورد لنا كتب التاريخ العديد من الأمثلة لمثل تلك الأحلاف التي من الممكن أن نعدها أحلاف عسكرية دفاعية أو هجومية، خضعت لتشكيلات شبه نظامية من رجال القبائل والزعامات ذات المكانة الاجتماعية والقبلية في ذلك الوقت، ومن أبرز تلك الأحلاف – على سبيل المثال لا الحصر- قبائل نهد وبني عبيدة من قبائل تجيب، وبني حارثة، ضد عبد الله بن راشد سنة 599هـ/ 1202م([6])، وحلف آل عمر بن مسعود، وولد محمد بن أحمد من آل يماني مع الصبرات ضد آل جسّار في سنة 773هـ/ 1371م([7])، وغيرها من التحالفات التي ورد ذكرها في بعض المصادر التاريخية، التي سنشير لبعضها عند حديثنا عن بعض الوقعات والمعارك التي شهدتها حضرموت باعتبار أنها تعد مظهرا من المظاهر الأولى للحياة العسكرية في المنطقة.
ثانيًا- تعدد الوقائع([8]) الحربية بين قبائل حضرموت:
مصطلح (وقائع) من المصطلحات الحربية التي كثيرًا ما يرد ذكرها في كتب التاريخ دليلًا على معارك قامت بين طرفين مختلفين، وفي موضع أو مكان معين، اشتهرت به هذه المعركة أو تلك، وقد شهدت مناطق حضرموت المختلفة ومدنها العديد من المعارك الحربية التي كانت تقوم بين قبائل المنطقة، أو التحالفات المناطقية والقبلية الخاضعة لبعض زعامات المنطقة، وعرفت مثل تلك المعارك باسم الوقائع، وقد حاولنا رصد أشهر أسماء تلك الوقائع التي اشتهرت في تاريخ حضرموت، على اعتبار أنها تأكيد على وجود بعض مظاهر الحياة العسكرية، لا سيما أن بعضها قامت بدعم من سلاطين بعض الكيانات التي ظهرت في حضرموت في ذلك الوقت.
ومن بين أشهر تلك الوقائع، وأكثرها صيتًا في تلك المدة الزمنية: وقعة الحميراء قرب شبام سنة 504هـ/ 1111م، بين آل إقبال وبعض قبائل حضرموت، وقتل فيها شخص يسمى نصر بن أبي مطروح، وجماعة من أخدام راشد بن أقبال([9])، كما حدثت في أواخر سنة 563هـ/ 675م وقعة شهيرة عرفت بوقعة ضمم دون أن يحدد شنبل([10]) موقع تلك الوقعة، وبين أيٍّ من قبائل حضرموت، ووقعة مريمة([11]) بالسَّرير سنة 567هـ/ 1171م، دون تحديد أطراف النزاع فيها ونتائجها([12]).
ومن الوقائع الشهيرة التي شهدتها حضرموت في ذلك الوقت وقعة الخبة بشبام سنة 573هـ/ 1178م، التي قُتل فيها عبد الباقي ين فارس بن راشد بن أحمد الدغار، وجماعة من أهل شبام([13])، ووقعة قصعان بالقرب من عندل في سنة 579هـ/ 1183م([14])، ووقعة العجلانية التي أدت إلى هزيمة تريم في سنة 584هـ/ 1188م([15]).
وفي سنة 594هـ/ 1197م شهدت حضرموت عددا من الوقائع الحربية، من أهمها: وقعة مرمض تحت شبام، ووقعة مسح، ووقعة بور، ووقائع الحدبة([16])، كما شهدت سنة 595هـ/ 1189م وقعة شهيرة هي وقعت الشعبة التي هزمت فيها نهد وعسكر عبدالله بن راشد، وخربت سيئون بسببها([17])، وشهدت سنة 604هـ/ 1207م العديد من الوقائع، منها: وقعة حاصر تحت مريمة، قُتل فيها محمد بن راشد بن أبي الليل بن يماني مع جماعة من رجاله بعد محاصرته لمدة سبعين ليلة، ووقعت شغرة جفل التي قتل فيها العديد من رجال شبام([18]).
كما شهدت حضرموت في شهر ذي الحجة سنة 605هـ/ 1208م وقعة شهيرة عرفت باسم وقعة جفل، قتل فيها راشد بن أحمد بن النعمان في جماعات من كندة وشبام، وقتل أبناء شماخ عمرو ومنصور وشرية بن معين، ورجال من ظبيان قريبًا من ثلاثين رجلا، وأدخل أهل شبام بني حارثة في ذلك اليوم إلى شبام، وملكها آل يماني بن الأعلم([19])، كما شهد العام نفسه وتحديدًا في شهر محرم وقعة أخرى عرفت بالمقيف، قتل فيها سالم بن واصل، ومن بني سعد منصور بن سليمان بن خليفة([20]).
ومن وقائع حضرموت الشهيرة التي حدثت في مدة الدراسة وقعة القطن([21]) التي حدثت في سنة 613هـ/ 1216م، وهُزم فيها بنو حارثة وبنو سعد، وقُتل فيها يماني بن الأعلم أحد أبرز شخصيات ذلك الزمن([22])، ووقعة مهينم قرية من قرى الريدة سنة 736هـ/ 1335م، انتصر فيها بنو معيبد على بني حرام([23])، وشهدت سنة 817هـ/ 1414م وقعة أخرى عرفت بوقعة برمان بين الصبرات وآل كثير وآل جميل ودويس، وأخذوا زانة (عدة) الحرب كلها، وقُتل فيها نحو ثلاثين من رجال تلك القبائل([24])، وفي سنة 882هـ/1477م حدثت وقعة ملقاة بين آل أحمد والصبرات في النخل المسمى العراقي بالعجز([25])، وقُتل فيها من أصحاب آل جسار نحو تسعة قتلى([26])، وشهدت حضرموت في سنة 902هـ/ 1496م وقعة عُرفت بالخبة بشبام، بين آل محمد بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري وآل عامر([27])، ومن الملاحظ مما ذُكر من وقائع مختلفة أن هناك إعدادا مسبقا لها، وتجهيزات وتخطيطات وتدريبات للرجال والخيول وغيرها، مما يؤكد لنا أن هناك مظاهر حياة عسكرية كانت موجودة في حضرموت، منذ مدة مبكرة من التاريخ الإسلامي.
ثالثًا- وجود المصطلحات الحربية والعسكرية:
عرفت حضرموت العديد من المصطلحات العسكرية التي كانت متداولة بين قبائل المنطقة في ذلك الحين، دون أن يكون لتلك المصطلحات طابع عسكري تنظيمي كما هو متعارف عليه اليوم في الجيوش النظامية، وقد حاولنا البحث عن تلك المصطلحات بين سطور المصادر، ووجدنا من بين تلك المصطلحات: مصطلح جيش، الذي على ما يبدو أنه كان من المصطلحات المتداولة، فقد أورد المؤرخ شنبل([28]) أن راصع بن دويس جيِّش أعدادا من قبائل المنطقة لمهاجمة بعض المناطق في سنة 774هـ/1372م، ثم أخذ هذا المصطلح ينتشر ويتكرر ذكره بين زعامات القبائل الحضرمية([29])، ومع التطورات التي شهدتها حضرموت أخذ مصطلح الجيش بالتطور والتوسع في الحقب اللاحقة؛ ليطلق على الجماعات القبلية التي قادها بعض سلاطين حضرموت، مثلما يُذكر عن جيش السلطان محمد بن أحمد الذي جهزه على تريم ليحاصر عمه راصع في حصنها الشهير سنة 884هـ/ 1479م، وقد قسّم هذا الجيش إلى فرق منظمة، وتكون من (120) فارسا، و (1000) راجل من مختلف قبائل حضرموت([30]).
كما ورد أيضًا ذكر لبعض المصطلحات العسكرية في حضرموت رغم طابعها القبلي، مثل مصطلح: العسكر والعساكر([31])، وقد وجدنا أن هذا المصطلح كان يستخدم بكثرة في حضرموت، ويطلق على الجماعات التي تتبع جهة معينة؛ أكان سلطانا أم أمير أم زعيم قبيلة معروف بإمكانياته الاجتماعية والمالية، وكانت المهام القتالية لهؤلاء العسكر لا تنحصر في خوض المعارك فقط، بل وفي حصار المدن والقرى، ومما يؤكد ذلك الإشارة التي أوردها ابن حسان([32]) عند حديثه عن أحداث سنة 597هـ/ 1200م، التي أورد فيها عن سير عسكر حضرموت إلى ظفار، ومحاصرتهم لها مدة خمسين يومًا، في حين أطلقت بعض قبائل المنطقة مصطلح عسكر على جماعات من أفرادها امتهنوا القتال، وصاروا يشكّلون القوة القتالية للقبيلة التي يعتمد عليها في حماية أفرادها، والمهيأة لأي طارئ قد تشهده ديار القبيلة في أي وقت، مثلما كان يذكر عن عسكر قبيلة جنب([33]).
وتؤكد لنا بعض الأحداث التي شهدتها بلاد حضرموت أن بعض سلاطينها اعتمدوا في صراعاتهم ومعاركهم مع أعدائهم على أعداد من العساكر الغير النظامية التي يعود انتماؤها ونسبها لبعض قبائل المنطقة، وشكّل هؤلاء العسكر قوة ضاربة يتجه بها السلطان حيثما أراد، مقابل أموال معينة تصرف لهم – على ما يبدو- من قبله، أو مكافأتهم بالأموال التي تُغنَم بعد كل معركة ينتصرون فيها([34]).
كما شهدت القوى القبلية المتصارعة في حضرموت تنظيما عسكري خاص لرجالها الذين كانوا يعتمدون عليهم عند اشتداد المعارك، حتى إنهم كانوا يقسمونهم إلى فرق مختلفة تحمل الطابع العسكري، ومن هذه الفرق فرقة الرماة ممن يحملون الرماح أو الأقواس والأسهم لرميها على أعدائهم في المعارك([35]).
ومما لا شك فيه، أنه بدخول بني أيوب (575ﻫ/ 1179م) ومن بعدهم بنو رسول (636هـ/ 1238م) إلى حضرموت ازدادت معرفة الناس بالفروسية وركوب الخيل التي تعد من بين أهم المصطلحات العسكرية التي عرفتها حضرموت، والتي تطلق على كل فارس جاء للقتال على فرس، وأصبحت هناك فِرَق خاصة بالفروسية تتولى المهام الهجومية في المعارك، قد تصل الفرقة منها إلى خمسين فارسا إن لم يكن أكثر([36])، كما وجدت فرق عسكرية أخرى راجلة، وهو ما يبين لنا أن بعض القوى القبلية في صراعاتها كانت تقسم عساكرها إلى فرقتين هما: فرقة الفرسان، وفرقة راجلة([37]).
رابعًا- انتشار الأسلحة المختلفة:
عرفت حضرموت في العصر الإسلامي أنواعا مختلفة من الأسلحة التي كانت في متناول أيدي قبائل المنطقة كضرورة حربية يؤمن بها سكان حضرموت أنفسهم، وتورد لنا المصادر إشارات إلى بعض تلك الأسلحة والعتاد العسكري والحربي، الذي كان يستخدم في المعارك المختلفة في حضرموت في مدة الدراسة من: سيوف ورماح ونبال وغيرها، ولم تكن الأسلحة الخفيفة هي ما عُرف في حضرموت فقط، بل عَرفت المنطقة الأسلحة الثقيلة التي كانت تعرف باسم المنجنيق، ومما لا شك فيه أن معرفة حضرموت لمثل هذا النوع من الأسلحة الثقيلة جاء بعد وصول الأيوبيين إليها، إذ أدخلوها معهم لتكون من الأسلحة التي يُرهبون بها الناس، ويدمرون بها الأسوار والحصون عند حصارها، علمًا أن هذا النوع من الأسلحة – الشبيهة بالمدافع اليوم – تحتاج إلى أعداد من الجند ما بين خمسين إلى مئة رجل لقيادتها وتحريكها وتجهيزها والرمي بها([38])، ومما يؤكد ذلك الإشارة التي أوردها ابن حسان([39]) عند سرده لأحداث سنة 625هـ/ 1227م، حيث يشير إلى أن مسعود بن يماني خرج بالعسكر إلى هينن والهجرين، فسلّم أهل الهجرين البلاد إليه، وحاصر هينن التي رفضت الاستسلام والخضوع، مما اضطره إلى استخدام المنجنيق ورميها إما بالحجارة أو بكُرات النار المبللة بالنفط، كما كان معروف في تلك المدة في اليمن وكثير من البلاد الإسلامية، ولما ورد من إشارة إلى أن استخدام هذا النوع من الأسلحة أخرب هينن وأحرقها.
وفي الوقت نفسه، تميز أهالي حضرموت بلبسهم العسكري الخاص بالحروب، الذي كان يستخدم عند الخروج للمعارك، وتعد الدروع والزنات من بين أهم تلك الملابس العسكرية في ذلك الوقت([40]).
وركب أهالي حضرموت الخيول والبغال والجمال في معاركهم العسكرية، وتحركوا بها لسرعتها، لاسيما الخيول التي وجدت ودربت خصيصًا لعمليات الكر والفر، علمًا أن قبائل حضرموت امتلكت ثروة عظيمة من الخيول والجمال لما لها من أهمية شخصية وعسكرية يتباهون بها في حياتهم، ومع غيرهم من قبائل المنطقة، لهذا كان اغتنام تلك الدواب من الانتصارات التي تباهت بها قبائل حضرموت، مثلما حدث في سنة 603هـ/ 1206م([41])، وكان للمعارك والحروب أثره في فقدان وقتل العديد من هذه الخيول، كما حدث في سنة 790هـ/ 1388م في وقعة الحسيسة بين آل يماني أنفسهم، التي قُتل فيها العديد منهم، بما فيها خيولهم التي فُقد منها الكثير، حتى إن أعداد قتلاها فاقت أعداد القتلى من البشر([42]).
كما عرفت حضرموت الآلات الموسيقية، مثل الطبول والنقر التي – على ما يبدو- كانت تستعمل عند الحروب، أو عند استعراض الفرق العسكرية والجيوش، أو عند خروج موكب السلطان أو قادته وضيوفه، ويذكر أن أول من ابتدع مثل هذه الآلات هو السلطان عبد الله بن علي الكثيري (ت: 850هـ/ 1446م) الذي يذكر أيضًا بأنه أول من تلقب بالسلطان في حضرموت([43]).
خامسًا- الاهتمام بالتحصينات العسكرية:
سعى أهالي حضرموت منذ القدم إلى تأمين أنفسهم، وحماية مدنهم من هجمات الغزاة التي كانت تصل إليهم بهدف السيطرة أو التدمير، فراحوا يعملون التحصينات الضرورية للحد من أي هجوم مفاجئ، وقد تنوعت تلك التحصينات بين قلاع وحصون أو مصانع كما كان يطلق عليها في ذلك الوقت([44])، أو أسوار ودروب، أو خنادق وأخاديد وغيرها من أنواع التحصينات التي حافظوا بها على مدنهم وقراهم وأوديتهم المهمة، حتى شكلت تلك التحصينات لاسيما الحصون منها أساس بقاء المدن أو زوالها في حالة سقوطها بيد الغزاة من القبائل أو أي عدو خارجي، وقد تميزت بلاد حضرموت بكثرة حصونها الشهيرة والمعروفة في المنطقة، والتي ميزتها عن باقي مناطق بلاد اليمن الأخرى بطابعها المعماري الطيني الخاص، وقد انتشرت تلك الحصون ليس على مداخل المدن فقط، أو على أسوارها، بل وجدت في الأودية والسهول والجبال والسواحل كتحصينات دفاعية ذات طابع عسكري ومدني، وبني حول بعضها العمران المدني بعد أن أمنت المناطق التي بنيت فيها، للتطبع بالطابع المدني فضلا عن مهامها الدفاعية([45]).
سادسًا- قدرات الحضارم في التعامل مع البحر وصناعة السفن الحربية:
كانت لطبيعة حضرموت الجغرافية والاستراتيجية الواقعة على سواحل بحر العرب والمحيط الهندي أثرها في معرفة الحضارم للتعامل مع البحر وركوبه، ومعرفة طقوسه وأجوائه ومواسم الرياح فيه واتجاهاتها، وكان امتلاك بعض حكام الكيانات التي حكمت المناطق الساحلية لأساطيل بحرية تعدّ كبيرة في ذلك الزمن رغم بساطتها، بهدف حماية سواحل المنطقة، أو الغزو بها إذا ما دعت الحاجة إلى مناطق ومدن ساحلية أخرى.
وقد كانت مدينة الشحر من أكثر المدن الحضرمية التي تتعامل مع البحر بحكم وقوعها عليه، ومما لا شك فيه أن هذه السواحل شهدت عمليات بناء وصناعة لمختلف أنوع السفن والمراكب الحربية والتجارية والشخصية، حتى أصبحت ترسوا فيها أشكال وأحجام هذه السفن، لاسيما العسكرية منها، ومما يؤكد ما ذهبنا إليه الأسطول البحري الذي تحرك به صاحب الشحر أبو دجانة محمد بن سعد بن فارس الكندي سنة 861هـ/ 1456م حين أراد مهاجمة مدينة عدن، فضلًا عمّا تحتويه تلك السفن من معدات حربية وعسكرية، وقوى عسكرية بشرية كبيرة، وقد بلغ عدد السفن الحربية التي رافقت أبا دجانة إلى عدن تسعة مراكب أعدت إعدادا كاملا لهذه المهمة القتالية([46])، ويرجح أن هذه السفن ماهي إلا جزء من أسطول كان على ما يبدو راسيًا في سواحل مدينة الشحر.
وخلاصة القول، إن مناطق حضرموت ومدنها منذ فجر عصرها الإسلامي شهدت العديد من المظاهر العسكرية الحضارية التي تؤكد لنا وجود حياة عسكرية هناك، على الرغم من قبلية المجتمع الحضرمي، الذي تفنن أفراده ببعض تلك المظاهر لاسيما التحصينات العسكرية التي بنيت بأشكال وأحجام وأنماط مختلفة في كل مدينة وقرية ووادٍ وساحل، لتبين لنا حضارية هذا المجتمع القبلي، وقدرات رجاله المتواضعة على الإبداع في هذا الجانب المعماري والحضاري العسكري والدفاعي – كما سنوضح لاحقًا -.
المبحث الثاني
التحصينات العسكرية لمدن حضرموت
عُرفت حضرموت بتعدد مدنها العتيقة الضارب جذورها في أعماق التاريخ، حتى بلغ صيت بعضها الآفاق، وصارت تحكى عنها الحكايات، لأزلية تاريخها، وقدم بنائها، وندرة نمطها المعماري العتيق، ومما لا شك أنه قد مر على بعض هذه المدن العديد من الأحداث، والمراحل الصعبة، والمعارك الشديدة التي أثرت عليها وعلى نمطها، ومع هذا ظلت هذه المدن باقية وصامدة، وما تبقى اليوم منها دليل على ذلك.
ومن الطبيعي أن بقاء بعض مثل هذه المدن وصمودها جاء بسبب ما كانت تحاط بها من تحصينات عسكرية، وأسوار منيعة حافظت عليها من غزوات القبائل، وحملات الأعداء القادمين إليها من خارج أراضيها، علمًا أن حضرموت اشتهرت بتحصيناتها العسكرية منذ مدة سابقة لمدة الدراسة، وتعد مثل تلك التحصينات من أهم المظاهر الحضارية العسكرية التي تميزت بها حضرموت عبر التاريخ، لما كان لها من دور مهم في صناعة التاريخ. ومن دراستنا لتاريخ مدن حضرموت في العصر الإسلامي، وما شهدتها من أحداث ومعارك متعددة، وجدنا ذكر للعديد من هذه التحصينات، سواءً كانت حصونا (قلاعا) أم مصانع كما كان يطلق عليها في مناطق حضرموت المختلفة، أم أسوارا ودروبا بنيت خصيصًا للحفاظ على هذه المدن وحمايتها من الأعداء، علمًا أنه مع ذكر المصادر التاريخية الحضرمية لمثل هذه التحصينات، إلا أن منها – كما لاحظنا – ما كانت مهمته عسكرية دفاعية، ومنها ما بني لدوافع مدنية وعسكرية، كما كانت بمنزلة مقرات وسكن للأمراء والسلاطين وغيرهم مثلما استنتجنا من بعض الأحداث والعبارات التي أشارت إلى مثل هذه التحصينات، ومن هنا يمكن حصر أهم هذه التحصينات في الآتي:
أولًا- القور أو القارات:
حرص أهالي حضرموت على بناء مدنهم وحصونهم في مواقع معينة، وعلى مساحات أمنة، وبموجب مواصفات خاصة، حرصًا منهم على أن تكون في زوايا دفاعية، ومواقع مهمة واستراتيجية، تمتاز بالارتفاع عن مستوى الأرض، كقمم بعض المرتفعات الجبلية، أو القرون الجبلية – كما كان يطلق عليها وما زال -، في حين ركز بعضهم على بناء هذه المدن والحصون على مرتفعات جبلية عرفت عند أهالي حضرموت وبعض مناطق جنوب الجزيرة العربية باسم القارة([47])، والتي تعرفها كُتب اللغة ومعاجمها بأنها: جبل صغير، منفرد أسود مستدير ملموم طويل في السماء، شبه الأكمة، وجمعها قارات أو قار أو قُور([48])، ويعرفها بعضهم بأنها الجبل الصغير، المنقطع عن الجبال([49]).
ومن هذا التعريف يتبين لنا مدى حرص الحضارم على ضرورة بناء بعض مدنهم في مواقع مرتفعة، لتكون أولًا محصنة، ويصعب الصعود إليها، إلا من طريق واحد، وعادة ما يكون محميًا وأمنًا، ولتكون مطلة على المناطق التي حولها، أو المنطقة التي بنيت لحمايتها من ناحية ثانية، ولتشرف على كل ما حولها، ومما لا شك فيه أن كِبر مساحة بعض تلك القور دفعت بعض تلك القبائل إلى اتخاذها مكان إقامة لهم ولأسرهم وسكنا آمنا، بعد أن وفروا فيها كل متطلبات الحياة من مساكن، وآبار وصهاريج، ودور عبادة ومدارس وحصون وغير ذلك من مقومات الحياة المدنية، مع الحصانة الطبيعية والعسكرية للمنطقة – كما سنلاحظ لاحقًا -، وقد حاولنا رصد أهم تلك القُور التي كان لها دور كبير في تاريخ حضرموت في العصر الإسلامي وتحديدًا في مدة الدراسة، والبحث عن تاريخها ودورها العسكري والحضاري، على اعتبار أنها جزء من التاريخ الحضاري للحضارم، وقد وجدنا أن من أبرز تلك القُور وأهمها في الحقبة الإسلامية:
1- قارة العر أو العز أوالغُز([50]): وهي صخرة جبلية عالية في وسط وادي حضرموت، بجوار بلدة السوم، وشرقي قرية مريمة الواقعة بالشمال الشرقي من مدينة سيئون، ويقع بأعلاها حصن العر الذي تميز بحصانته العسكرية([51])، ويذكرها ابن حسان([52]) باسم قارة الغُز، وأن بناءها كان في سنة 577هـ/ 1181م، واستمرت عملية تجديد عمارتها في فترات زمنية لاحقة كما حدث في سنة 602هـ/ 1205م([53]).
وقد تعرضت هذه القارة للعديد من الأحداث التي أدت إلى تدميرها، لما ورد من إشارة عن بنائها وإعادة إعمارها من قبل ابن مهدي([54]) سنة 619هـ/ 1222م بعد خرابها([55])، بسبب غزو تعرضت له على ما يبدو، وتغفل المصادر ذكر هذه القارة حتى سنة 655هـ/ 1257م، حيث يرد أنه أعيد بناؤها من قبل شخص يسمى نصار، يبدو أنه من القيادات الرسولية في حضرموت، كما قام بربطها بغيرها من المناطق، وبنى تحتها دارًا، قد تكون له([56])، ويذكر شنبل([57]) أن هذه القارة تعرضت في العام الذي يليه سنة 656هـ/ 1258م للخراب، وشرد أهلها عنها، دون أن يحدد على يد من خربت، والسبب في ذلك.
ويصف لنا المقحفي([58]) قارة العز قائلًا أنها قلعة متهدمة اليوم، وتحتوي على صهريج لحفظ المياه، وبئر قديمة، وبقايا أبنية متهدمة، مبعثرة حول قمة التل، وتحتوي على نقوش وكتابات وصور لفرسان يحاربون الأسود، وصور لوعول وغير ذلك، كدليل على قدم تاريخها، وأسبقية بنائها لحقبة التاريخ الإسلامي.
2- قارة الأشباء: وتُعد من أقدم قور بلاد حضرموت، التي اختلفت المصادر فيمن بناها، فيذكر الهمداني([59]) أنها لقبيلة كندة الحضرمية، في حين يورد شنبل([60]) في أحداث سنة 749هـ/ 1348م أن حسن بن يماني بنى قارة الأشباء لآل حسن، كما يذكر أنه في سنة 808هـ/ 1405م بنيت قارة الأشباء من قبل آل جميل([61])، ويشير في موضع آخر في أثناء سرده لأحداث سنة 827هـ/ 1423م أن شخصا اسمه محمد بن علي بن عمر بنى قارة الأشباء([62])، وهو ما يدفعنا إلى القول إن هذه القارة بنيت قديمًا من قبل قبيلة كندة – بحسب ما أورده الهمداني -، وما جاء عن المؤرخ شنبل يدل على أن هناك من أعاد ترميمها أو استحدث مباني جديدة فيها، وزيادات ضُمّت لهذه القارة ونسبت إلى بناتها من آل يماني أو آل جميل أو غيرهم.
وقد ظلت قارة الأشباء ملجأ للعديد من الأسر والقبائل التي قد تتجه إليها في حالة تعرضها لأي ظلم لحصانتها العسكرية، كالجماعات التي أخرجت من شبام سنة 771هـ/ 1369م من آل جميل فتوجهت إلى هذه القارة الحصينة، ليكونوا في حماية سكانها من آل حسن([63]).
وعلى ما يبدو، فإن هذه القارة بتحصيناتها قد شكلت خطرًا تأذى منه بعض مشايخ حضرموت وكبار زعمائها، حتى إن بعضهم سعى إلى تدميرها لأهداف عسكرية، ومما يؤكد ذلك ما أورده المؤرخ ابن حسان([64]) في أحداث سنة 840هـ/ 1436م بقوله: “أخرب ابن كثير قرن باهزيل مكان بالعروض، وقارة الأشبا، وهما يومئذ تحت يده“.
وتعد تلك الإشارة توضيحا لما كان لمثل تلك القور أو القرون الجبلية، وما يبنى عليها من حصون ذات أهمية عسكرية وتأثير دفع بالخصوم إلى ضرورة التخلص منها.
وفي الوقت نفسه، يذكر السقاف([65]) أن هذه القارة هي ما يعرف باسم حصن آل الرباكي، ويصفه اليوم بأنه: “أطلال حصن دائر، بقُلّة قارة شاهقة، فيها بئر عميقة، وبجانب تلك القارة غار يصل إلى البئر، وكأن أحدًا حاصر الحصن، ولما أعياه.. حفر بجانب القارة حتى انتهى إلى البئر فقطع على أهله الماء“. ويبين لنا ذلك الوصف أن مثل تلك القور التي تشيد عليها الحصون كانت تجهز تجهيزًا كاملًا بكل مرافقها، ويتم بناؤها وتحصينها، وتأمين البقاء فيها بحفر الآبار، وتوفير المياه، تحسبًا لأي حرب أو حصار قد يستمر لمدة زمنية طويلة([66]).
3- قارة الشناهز: كما برز في تاريخ بلاد حضرموت في العصر الإسلامي أسماء لبعض القور التي كان لها دور حضاري وعسكري كبير، لما دونته المصادر التاريخية من أحداث دارت حولها، ومعارك طاحنة اشتهرت بها، مما يؤكد لنا الأهمية الاستراتيجية والعسكرية التي تميزت بها بين بقية التحصينات الحضارية الحربية والعسكرية في المنطقة، ومن أشهر هذه القور القارة المعروفة بقارة الشناهز([67])، في نواحي مدينة سيئون بوادي حضرموت([68])، ويذكرها الشاطري([69]) باسم قارة الصناهجة، وأنها تبعد عن تريم بنحو (10) أميال، وقد عرفتها بعض المعاجم اللغوية بأنها قلعة في حضرموت([70])، وهي مَبَانٍ على قارة فاردة لها ثلاثة رؤوس، وفي جنوبها جبل بسفحه قرية لا بأس بها، وحواليها مزارع كثيرة([71])، وعلى ما يبدو أن قارة الشناهز وجدت بها قلعة اشتهرت في ذلك الوقت، وارتبط تاريخها بالمنطقة التي وجدت فيها وعرفت بها (الشناهز)، وقد اختلف المؤرخون في سنة تعمير الشناهز، ومن أول من بناها، مع تأكيد بعضهم على أنها شيدت في التاريخ القديم([72])، ونتيجة لما لها من موقع ظلت هذه القارة من بين أهم المظاهر الحضارية والعسكرية في حضرموت في العصر الإسلامي، وتظهر لنا بعض الإشارات حول ما تعرضت له من حصار ومعارك مدى دورها العسكري، وصمود أهلها أمام غزوات القبائل التي كانت كثيرًا ما تهاجمها بهدف السيطرة عليها، في محاولة لإخضاعها لسلطتهم، كما ورد في أحداث سنة 595هـ/ 1198م، وسنة 598هـ/ 1201م([73]).
وقد كان للتركيبة الجبلية لهذه القارة دوره في قوة بأس أهلها، وحنكتهم العسكرية والحربية، لما لها من طبيعة قاسية انعكست على طبيعة أهلها القتالية، حتى إنهم كانوا يغزون منها إلى بقية المناطق القريبة منهم، مع بعض الأحلاف القبلية التي عرفتها المنطقة، مثلما حدث في سنة 605هـ/ 1208م عندما خرجوا مع بعض قبائل حضرموت ليقاتلوا بعض خصومهم، ويخربوا بلادهم ودورهم، وقد أثبتت هذه الوقعة ما تميز به أهل الشناهز من قوة ومقدرة على القتال والحصار للمدن والقرى المحصنة([74]).
وعلى أية حال، فقد تعرضت هذه القارة رغم حصانتها لحالات ضعف واختراق، أدت إلى سقوطها بيد بعض سلاطين المنطقة وقبائلها، مثلما حدث في سنة 748هـ/ 1347م، عندما هاجمها السلطان أحمد بن يمان ليسقطها ويخرج أهلها، ويشردهم في المنطقة([75])، كما تعرضت في سنة 773هـ/ 1371م لهجوم بعض قبائل حضرموت، لاسيما حلف آل كثير وآل جميل وغيرهم من قبائل نهد الذين دخلوها عنوة وقتلوا عددا من رجال قبائلها([76]).
ومهما يكن من أمر، فقد أصاب قارة الشناهز وحصونها وحكامها الضعف والوهن حتى صارت عرضة لغزوات قبائل المنطقة وزعماءها، حيث يذكر أنه في سنة 791هـ/ 1388م هاجمها السلطان راصع بن دويس وأخذها بكل سهولة ويسر، دون أن تذكر المصادر أي مقاومة تذكر ضده([77])، كما شهدت هذه القارة في سنة 793هـ/ 1390م مقتل يماني بن محمد بن أحمد على يد أخدام ابن عمه راصع بن دويس([78]).
4- قارة آل عبد العزيز([79]): وهي من القور التي اشتهرت في حضرموت كمعلم حضاري حصين بمبانيها المختلفة وحصونها المنيعة، وتقع في جنوب مدينة شبام، وتنسب إلى سكانها آل عبد العزيز من آل كثير من قبيلة آل عامر الشنافر([80])، الذين ترجع أصولهم إلى قبيلة همدان، وهو ما أكده الهمداني([81]) بقوله: “والقارة لهمدان، قرية عظيمة في وسطها حصن“، وقد تعرضت هذه القارة بحصنها للتدمير من قبل بعض قبائل حضرموت في حقب تاريخية مختلفة، منها ما حدث لها سنة 917هـ/ 1511م عندما هاجمها الشنافرة من آل محمد الكثيري بن أحمد بن سلطان من بلاد تريم، ودمروا حصنها الشهير بحصن آل عبد العزيز، وأحرقوا الكثير من نخلها([82]).
5- قارة جُشيب أو جُشير: وكانت من قور حضرموت الشهيرة، وعرفت باسم سكانها من قبائل كندة([83])، الذين كانوا فيها، فضلا عن قبائل أخرى سكنت هذه القارة، مثل قبائل: آل هذيل الذين كانوا يشكلون حلفًا قبليًا قويًا في حضرموت مع بعض قبائل حضرمية أخرى، مثل: بني حارثة وكحلان وبني حرام([84])، ويبدو أن تاريخ بناء هذه القارة كان مع بداية العصر الإسلامي، إذ سكنها السيد أحمد بن عيسى المهاجر (جد السادة العلويين الحضارم) أول القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، عند قدومه من العراق مباشرة([85])، وقد ظلت هذه القارة عامرة حتى تعرضت بكل مكوناتها ومنشآتها للتخريب في سنة 605هـ/ 1208م بعد مهاجمتها من طرف قبائل الشناهز والكسر وشبام([86])، ومع ذلك ظل لهذه القارة ذكر في عدد من المصادر في بعض أحداث حضرموت([87]).
6- قارة الحبوظي، وهي من أشهر قور حضرموت التي عرفت في التاريخ الإسلامي، واشتهرت بعمرانها الكبير وآثارها الواقعة في سفح الجبل الشمالي، غربي صليلة([88])، وشرقي حصون آل الصقير، ويذكر السقاف([89]) أن بهذه القارة بقايا آثار عمارات قديمة، وبئر في أعلاها، ومما لا شك فيه أن تعمير هذه القارة ارتبط بالوجود الحبوظي في حضرموت سنة 673هـ/ 1274م، حتى إنهم كانوا من بين أهم سكانها في العصر الإسلامي([90]).
7- قور أخرى:
أ- قارة باجنادة: وهي من قور حضرموت التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية في مدة الدراسة، وقد جاء عنها أنه قد أخذها آل عامر في أثناء الحرب التي وقعت بين آل عمر ومذحج سنة 792هـ/ 1389م([91]).
ب- قارة آل مخاشن: جاء ذكرها في المصادر التاريخية الحضرمية، ويبدو من بعض الإشارات التي وردت عنها أنها كانت من القور التي شهدت بعض الأحداث، إثر الصراعات القبلية التي شهدتها المنطقة، وكان أهلها من أكثر المتضررين من هذه الصراعات، مثلما حدث لهم في سنة 795هـ/ 1392م([92])، كما تعرضت هذه القارة لهجوم في سنة 822هـ/ 1419م من قبل بعض قبائل المنطقة مثل آل عامر، وقتل على إثره شماخ بن عيسى الذي – على ما يبدو – كان من زعامات هذه القارة([93]).
ج- قارة البيضاء: كانت من بين القور المهمة في حضرموت، ولأهميتها العسكرية والتحصينية بُني عليها حصن بناه السلطان بدر بن عبد الله الكثيري (ت: 882هـ/ 1477م) سنة 860هـ/ 1455م، بعد اشتداد الصراع بينه وبين صاحب مريمة إحدى قرى سيئون، وقد انحاز لصاحب مريمة آل حبوظة وعقدوا صلح معهم، ودخلوا في حلف قوّى موقفهم أمام الكثيري، وأدى ذلك إلى خراب حصن البيضاء وتدميره([94]).
وخلاصة القول، إن تلك القور لم تكن هي الوحيدة في حضرموت، بل وجد إلى جانبها قور أخرى كثيرة، لا يسعفنا المقام هنا ذكرها كلها في هذه الدراسة، إذ اكتفينا بأبرزها ذكرًا في مدة الدراسة، لما شهدته هذه القور من أحداث سياسية وحربية بحكم طبيعتها العسكرية والتحصينية التي بنيت لأجلها، لاسيما أن أكثر حصون حضرموت ومصانعها وقلاعها عُمرت على مثل هذه التحصينات الطبيعية المعروفة باسم القور.
ثانيًا- الحصون (المصانع):
كانت الحصون (القلاع) والمصانع([95]) من أكثر التحصينات العسكرية الحضارية التي عرفتها مدن حضرموت وقراها وأدويتها في تاريخها الإسلامي، مع العلم أن الحاجة إلى الأمن والاستقرار هي التي دفعت معظم قبائل حضرموت إلى التكلف وبذل الجهد والمال لتعمير مثل هذه الحصون حول مدنهم وعلى بعض مرتفعاتهم الجبلية القريبة منهم، لاسيما أن الكثير من مدن حضرموت الكبرى قد اشتهرت بمواقعها الاستراتيجية المهمة، وصار بعضها مراكز تجارية رابحة بعد انتعاش أسواقها، وانتشار صيتها تجاريًا وصناعيًا وزراعيًا، فضلًا عما عرف عنها كمراكز علمية، وهجر علم يتوافد إليها طلاب العلم والمعرفة لتلقي العلوم من منابعها، لما اشتهر عن علمائها من خبرات بكل أنواع العلوم، ومن الطبيعي جدًا أن تسعى القوى التي تحكم بعض هذه المدن إلى إرساء الأمن والاستقرار فيها، لتنعم بالأمن والأمان، وكجانب عسكري وتحصين أمني شيدت الحصون المنيعة حول تلك المدن، لتكون حاميا منيعا لأهلها والوافدين إليها من تجار وطلاب علم وعلماء وغيرهم، ونُشرت الحاميات العسكرية في مثل تلك الحصون، لتكون مقرات أمنية تحمي تلك المدن، أو تكون بمنزلة تحصينات يلجأ إليها الناس عند اشتداد الأمور.
وشكلت الحصون في حضرموت مظهرا حضاريا وعسكريا قديما، حتى إن بعضها ورد ذكره منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، عند أحداث حركة الردة في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حصن النجير الذي تحصّن فيه قوم من كندة كانوا قد ارتدوا عن الإسلام([96]).
ولم تكن تلك الحصون مجرد مبانٍ عادية، أو مقرات ذات طابع عسكري أو مدني تقليدي، بل على العكس من ذلك؛ فقد ارتبط وجود مثل هذه الحصون بالمدن الحضرمية، وشكلت جزءا من عزة هذه المدن وصمودها، وبلغ من مكانتها أنه متى ما سقطت تلك الحصون سقطت المدينة مباشرة، وإن لم تدخلها أي قوات عسكرية أو حاميات([97]).
وقد بنيت حصون بلاد حضرموت بموجب مواصفات عسكرية خاصة، عكست الجوانب الحضارية المتناسبة وطبيعة المنطقة الصحراوية أو الجبلية، وما شيدت لأجله، مع حرصهم على إطلاق اسم: حصن أو مصنعة([98]) عليها لتميزها عن أي مبانٍ ومنشآت عسكرية أخرى.
وقد تنوعت مهام مثل تلك الحصون، وجمع بعضها بين وظيفتي السكن للحاكم، والموقع الدفاعي للمدينة، وشكل ما بني منها في قمم الجبال ملاجئ للسلاطين عند اضطراب مناطقهم، يهربون إليها، ويتحصنون بها حتى تستقر الأمور وتعود لطبيعتها، كما جاء في قصة الأمير راشد بن شجعنة بن إقبال الذي اضطر إلى الهروب إلى قمم جبال مدينة الشحر بعد مهاجمة قوات بني رسول لها سنة 677هـ/ 1278م، واستمر متحصنا في تلك الجبال وحصونها مدة من الزمن حتى استقرت الأوضاع([99]).
وقد انتشرت مثل تلك الحصون حول بعض المدن الحضرمية العتيقة، مثل مدينتي شبام وتريم التاريخية([100])، ومن الإشارات التي تتحدث عنها يتبين لنا أن أعدادا كبيرة من هذه الحصون بنيت حول مدن حضرموت المذكورة وغيرها وعلى أطرافها، وعلى قمم الجبال القريبة منها للمراقبة والحماية، وقد تعرض أهالي هذه الحصون والمناطق القريبة منها في مدة الدراسة للعديد من المتاعب والمعاناة لما شهدته من معارك أثرت عليهم وعلى استقرارهم الاجتماعي([101])، مما أدى في بعض الأحداث إلى نزوحهم عنها، أو الحامية التي كانت تقيم فيها، مثلما حدث مع آل جميل سنة 771هـ/ 1369م عندما أخرجوا رتبة السلطان من حصن شبام وطردوهم عنه([102]).
كما مرت بعض تلك الحصون بمواقف شديدة، ولحظات عصيبة، نتيجة لحصار ساكنيها، لفترات زمنية طويلة، تصل لدرجة انعدام الضروريات منها، من ماء وغذاء ومؤن، ووصل الأمر بأهلها إلى أكل كل ما يجدونه أمامهم لسد جوعهم، والبقاء أطول مدة ممكنة بسبب شدة الحصار.
ومن أشهر محطات الحصار التي تعرضت لها بعض حصون حضرموت في المدة موضوع الدراسة؛ الحصار الذي تعرض له آل حسن سنة 774هـ/ 1472م في شبام من قبل آل جميل، الذين كانوا قد سيطروا على معظم بلاد شبام إلا حصنا لجأ إليه آل حسن بعد أن قُتل العديد منهم، وقد ظلوا فيه محاصرين قرابة شهرين من الزمان، حتى نفد منهم كل ما كان بحوزتهم من ماء وطعام، مما اضطرهم إلى أن يأكلوا الحمير والجلود([103])، وقد تكررت عمليات محاصرة مثل هذه الحصون، وتعب أهلها بسبب ذلك، مما اضطرهم إلى الدخول في صلح مع الجهات المحاصرة لهم تجنبًا لتدهور الأوضاع وانهيارها، مثلما حدث في سنة 791هـ/ 1388م، عندما حط السلطان راصع بن دويس بتريم، وحاصر حصنها بمن فيه من أهالي، مما دفع بهم إلى مصالحته، لفك ذلك الحصار عن حصنهم([104]).
وقد حظيت حصون هاتين المدينتين (شبام وتريم) باهتمام السلاطين ورعايتهم لما لها من أهمية عسكرية دفاعية، ولزيادة تأمينها؛ قام بعض هؤلاء السلاطين بحفر الآبار لتوفير المياه لسكانها والحاميات الموجودة فيها إذا ما تعرضت لأي حصار مفاجئ، ومن تلك الآبار البئر التي حفرها السلطان الكثيري في حصن شبام في سنة 836هـ/ 1432م([105]).
وعلى أية حال، فقد ظلت حصون شبام وتريم قائمة وثابتة في أثناء مدة الدراسة يتحصن بها أهلها في أوقات الأزمات الشديدة، مثلما حدث في سنة 926هـ/ 1519م مع أهالي مدينة تريم عندما هاجمها السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر على رأس قوة تركية يتزعمها قائد تركي يسمى رجب التركي، مما اضطر أهالي تريم إلى اللجوء إلى مثل هذه الحصون نحو عشرين يومًا، والمكوث فيها، ونتيجة لشدة الحصار اضطروا إلى الاستسلام وبذل فروض الطاعة والولاء مقابل حفظهم وسلامتهم([106]).
وفي الوقت نفسه، عرفت مدينة الشحر التاريخية بحصونها العسكرية الشهيرة والتي يعود تاريخ بناء بعضها إلى الحقبة الإسلامية أو أقدم من ذلك، مثل: حصن المصبح، وهو من أقدم حصون الشحر، وقد بني في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، وتحديدًا سنة 670هـ/ 1271م في عهد السلطان المظفر الرسولي يوسف بن نور الدين عمر بن رسول، وقد كان إلى جانب الدور الدفاعي والعسكري لهذه المعالم دور آخر اجتماعي؛ يتمثل في إقامة أهالي الشحر مناسباتهم المختلفة واحتفالاتهم فيها، فيجتمعون في ساحاتها وغرفها في بعض المناسبات، ومن الملاحظ – كما يشير بعض المهتمين- أن بناء مثل هذه الاستحكامات العسكرية بنمطها الدفاعي المتقن إنما يدل على الخبرة العظيمة التي تميز بها أهالي هذه المنطقة، فضلًا عما تميزوا به من قيادة وفروسية، وصناعة لأنواع الأسلحة من سيوف ودروع وغيرها، وتقع بقايا هذا الحصن اليوم غربي حصن بن عيّاش، جنوبي دار السينما، وهو تل عالٍ من التراب([107]).
وقد حاولنا في دراستنا هذه البحث والتقصي أيضًا عن أهم الحصون الحضرمية التي ورد لها ذكر في المصادر التاريخية، في محاولة لحصر المهم منها، لما تمثله من دور عسكري وحضاري بارز في مدة التاريخ الإسلامي، وتحديدًا مدة الدراسة، ووجدنا أن من أهم تلك الحصون وأشهرها هي:
لم تكن تلك الحصون إلا نموذجًا لغيرها من الحصون والقلاع والمصانع الحضرمية التي انتشرت في جبال حضرموت وسهولها ووديانها في العصور التاريخية المختلفة، وقد حاولنا هنا التركيز على أهمها لاسيما التي كان لها دور في العصر الإسلامي، وتحديدًا في مدة الدراسة، وعلى الرغم من دور هذا النوع من التحصينات في حماية المدن، إلا أن هناك تحصينات أخرى أدت دورا كبيرا، وشكلت واحدة من بين أهم التحصينات العسكرية الحضارية في المنطقة إلى جانب الحصون، ألا وهي الأسوار والدروب التي أحاطت بالمدن الحضرمية وزادتها حصانة وقوة.
ثالثًا- الأسوار:
حرص حكام الدول التي قامت في حضرموت عبر تاريخهم الطويل على تحصين مدنهم ببناء الأسوار حولها حفاظًا عليها من هجمات القبائل التي كانت لا تتوانى عن مهاجمتها في أي لحظة ضعف قد يشعرون بها، ومما لا شك فيه أن حضرموت قد اشتهرت بمدنها العظيمة والعتيقة التي من الطبيعي أن تُسوَّر وتحصَّن بأسوار مرتفعة تمتد لمسافات، حتى تكتمل حلقتها حول المدينة المعينة، وإذا نظرنا – على بسيل المثال – إلى مدينة تريم التاريخية لوجدنا إشارات إلى أسوارها الحصينة في العصر الإسلامي، ومن ذلك ما ورد عن سورها أو دربها – كما كان يعرف – الذي بني في عهد السلطان عبد الله بن راشد القحطاني سنة 601هـ/ 1205م([135])، وامتد هذا السور من قارة العز – التي أشرنا لها سابقًا – إلى حيد (جبل) يسمى حيد قاسم([136])، وعلى ما يبدو فإن للحروب والغزوات التي تعرضت لها المدينة أثرا في تخريب سور مدينة تريم – كما لاحظنا فيما سبق من بعض غزوات القبائل لها، وكان أبرز تخريب تعرض له بعد غزو السلطان بدر بن محمد الكثيري([137]) للمدينة سنة 895هـ/ 1490م، ثم عُمّر([138]) دون أن تشير المصادر إلى الجهة التي تولت تعميره مرة أخر.
وفي سنة 910هـ/ 1505م خُرِّب سور مدينة تريم مرة أخرى على يد السلطان عبدالله بن راصع إثر غزوه للمدينة([139])، ثم أعاد تجديده مرة أخرى السلطان محمد بن أحمد بن يمان سنة 913هـ/ 1508م، ونصب سدده (أبوابه) التي عُرفت بضخامتها([140])، وجعل للمدينة ثلاثة أبواب:
الباب الأول: من جهة الجنوب من الحصن عند البئر المسماة عاسل.
الباب الثاني: من جهة الشرق عند حارة آل شريف.
الباب الثالث: من جهة الشمال عند حارة العقارص([141]).
ويشير السقاف([142]) إلى أن ذلك السور لم يكن له وجود بعد ذلك، والسبب يعود إلى أن السلطان بدر بوطويرق([143]) هو من قام بتهديمه كاملًا، بعدما أخذ تريم سنة 926هـ/ 1520م من يد محمد بن أحمد بن يمان([144]).
ومن الملاحظ أن بناء الأسوار حول المدن كان من الأولويات التي ركز عليها الحضارم، لاسيما على المدن الكبرى، كمدينة شبام التاريخية، ويذكر لنا الصبان([145]) أنه وجد حول مدينة شبام سور أحاط بها، وكلما تهدم أعيد ترميمه للحفاظ عليه وعلى المدينة، حتى إنهم لم يجعلوا لهذا السور إلا بابًا (سدة) واحدًا، مصنوعا من الخشب الحمر القوي، ومطبع بمسامير عريضة، ونرجح أنها كانت بمنزلة تشكيلات لهذا الباب، ولكي تعمل على تمكينه وربط خشبه، وكان هذا الباب يغلق ليلًا على زوار المدينة ومرتاديها، كجانب أمني احترازي لتجنب دخول الغرباء إليها([146])، ومما يعاب على المؤرخ الصبان أنه لم يحدد لنا سنة بناء هذا السور وفي عصر أي دولة من الدولة التي قامت على أراضي حضرموت.
وشكلت مدينة الشحر الساحلية من المدن المهمة والحصينة في بلاد حضرموت، ونتيجة لأهميتها التاريخية والاقتصادية حظيت باهتمام بعض الدويلات التي حكمت حضرموت مثل: الدولة الرسولية التي أولت هذه المدينة عناية خاصة في مدة وجودها هناك (677 – 836هـ/ 1278 – 1432م)، ولتكون المدينة في مأمن سعت لتحصينها بسور عرف بسور القرية، وينطلق هذا السور من حارة القرية على ضفاف الدلتا الشرقية بمسيال وادي سمعون بالقرب من البحر، ويقع طرفه الشمالي في السوق الحالي مع الشارع العام الخارج من المدينة، والمؤدي إلى شرقها باسم (مطراق حنين) حتى شاطئ البحر جنوبًا إلى منطقة المجرف، وسميت بهذا الاسم لأنها تقع على أجراف الطين، وهو مبني من اللبن بارتفاع ثمانية أذرع، وللسور عدة بوابات منها البوابة الرئيسة التي تؤدي إلى ساحة السوق، وعلى السور عدد من القلاع الدفاعية، وعلى الشاطئ مثلها([147]).
وعلى ما يبدو فإن الشحر عرفت بتحصيناتها العسكرية وأسوارها الحصينة منذ أزمنة سابقة، ومما يؤكد ذلك الإشارة التي أوردها شنبل([148]) عند حديثه عن أحداث سنة 599هـ/ 1202م التي ذكر فيها عن عبدالله بن راشد الحميري (553 – 616هـ/ 1158 – 1219م) أنه حاصر الشحر مدة شهر كامل، دون أن يذكر لنا شنبل نتيجة هذا الحصار الذي يبدو أنه فشل أمام صمود أسوار مدينة الشحر، كما تعرضت الشحر في سنة 691هـ/ 1291م لحصار شديد آخر من قبل العديد من الزعامات القبلية المعروفة في المنطقة في ذلك الحين، أمثال: عبدالرحمن بن راشد بن إقبال، وشخص يسمى أبو هبري، وآل أبي عويدين، وآل صيف، وأعداد من العساكر الذين ينتمون إلى قبائل بني همام، وقبائل العوابثة، ومائة وعشرين فارسا من قبائل مختلفة، إلا أن تحصينات هذه المدينة أفشلت كل حصار تعرضت له، حيث تذكر المصادر التي أرخت لهذه الحوادث أن الغزاة عادوا دون تحقيق انتصار([149]).
وفي الوقت نفسه، حظيت مدينة سيئون التاريخية بعناية بعض سلاطين بلاد حضرموت الذين اهتموا بتحصينها بدروب وأسوار عالية للحفاظ عليها وحمايتها، وممن يذكر بذلك السلطان بدر بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري الشهير باسم بدر أبو طويرق (902 – 977هـ/ 1496 – 1569م) الذي سور المدينة من الجهة الشمالية في القرن العاشر الهجري/ السادس عسر الميلادي، لتجنيبها غزوات بعض القبائل الحضرمية،، وقد هدم هذا السور ولم يبق منه إلا أطلال بسيطة فيما بعد([150])، ويبدو أن هذا السور حفظ المدينة كثيرًا وحافظ عليها وعلى أهلها.
ومن الملاحظ أن تاريخ التحصينات والأسوار في حضرموت قد حظي باهتمام بعض المؤرخين والجغرافيين اليمنيين وغيرهم منذ المدة السابقة لمدة الدراسة لأهميتها، إذ يذكر المؤرخ والجغرافي الهمداني([151]) الذي عاش في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي بعض هذه التحصينات العسكرية والأسوار التي شيدت للحفاظ على عدد من المدن والقرى الحضرمية، كخطوط دفاعية لها، مثل: سور أو درب رخية الذي عرف بسور بني نعيم، وهم من قبائل تجيب، وعلى ما يبدو فإن هذا السور كان يحيط بقرىً كثيرة كانت تابعة لبني نعيم، وظل موجودا حتى مدة متأخرة من التاريخ الإسلامي.
كما عرفت بعض قرى حضرموت بأسوارها الحصينة في العصر الإسلامي مثل قرية العجز([152]) في نواحي مدينة تريم، وعلى مقربة من سيئون، وقد اشتهرت بقبائلها الحميرية، وكثرة الصلحاء فيها، أمثال آل باقشير، وآل بافضل([153])، وقد شهد هذا السور العديد من المعارك التي حصلت تحته في المدة موضوع الدراسة، وهزمت بسبب حصانته رجال قبائل حاولوا اختراقه وتعديه للوصول للقرية والسيطرة عليها([154]).
رابعًا- الأخاديد أو الخنادق:
الأخدود في اللغة هو الشق المستطيل في الأرض، وضربة أخدود شديدة خدت في الجلد، ويقال في ظهره أخاديد السياط آثارها([155])، في حين تعرف كتب اللغة الخندق بأنه حفير حول أسوار المدن، وهو أيضًا مستطيل وعميق يقي المدن أي هجوم للوصول إليها([156]).
وقد كانت الأخاديد من التحصينات العسكرية المهمة التي سعى حكام بعض المدن الحضرمية، وزعماء قبائلها إلى تحصين مدنهم بها، لتكون خطًّا دفاعيًّا لأسوار هذه المدن وعسكرها، وبحكم أهمية بعض المدن الحضرمية ومواقعها المهمة حصنت بعضها ببناء الأخاديد حولها، مثلما يذكر عن مدينة شبام التاريخية التي ذكر أن ابن مهدي حفر حولها أخدودا أو خندقا لحمايتها ومنع القبائل أو غيرهم من الوصول إليها في سنة 618هـ/ 1222م كجانب احترازي لحمايتها([157]).
الخاتمة:
لقد توصلنا في بحثنا المتواضع هذا الموسوم بـ: “التحصينات العسكرية لمدن حضرموت من القرن 6 – 10هـ/ 12 – 16م (دراسة تاريخية)“ إلى عدد من النتائج والاستنتاجات التي يمكن تلخيصها في الآتي:
([1])أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته – كلية التربية/ جامعة عدن.
([2])انظر: الحامد، صالح، تاريخ حضرموت، ط2، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1423هـ/ 2003م، 2/ 403 – 428.
([3]) هُديل، طه حسين عوض، حضرموت في ظل الوجود الأيوبي 575 – 621هـ/ 1179- 1224م، المؤتمر العلمي الدولي الأول: “التاريخ والمؤرخون الحضارم من القرن السادس حتى القرن العاشر الهجريين“، مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، المكلا، 20 – 21 ديسمبر 2016م، ص5 – 24.
([4])انظر: العراشي، عبد الحكيم محمد ثابت، الجيش في اليمن في عصر الدولة الرسولية 626 – 858هـ/ 1228 – 1454م، ط1، دار الوفاق، عدن، 1435هـ/ 2014م، ص49 وما بعدها.
([5])الجعدي، عمر بن علي بن الحسن بن سمرة، طبقات فقهاء اليمن: تحقيق: فؤاد سيد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1401ﻫ/1981م، ص220 – 221.
([6])شنبل، أحمد بن عبدالله (ت: 920هـ)، تاريخ حضرموت المعروف بـ: تاريخ شنبل، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، ط2، مكتبة صنعاء الأثرية، صنعاء، 1424ﻫ / 2003م، ص83.
([7])ابن حسان، عبد الرحمن بن علي (ت: 818هـ)، البهاء في تاريخ حضرموت (أقدم تاريخ حضرمي مرتب على الحوادث والسنين)، عنى بتحقيقه وقدم له: عبدالله محمد الحبشي، دار الفتح للدراسات والنشر، عمّان، 1441هـ/ 2020م، ص165.
([8])الوقعة في اللغة: هي الملحمة في الحرب، وموضع القتال. انظر: ابن سيده المرسي، أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت: 458هـ)، المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م، 3/ 373.
([11])مَرْيَمة: تقع جنوب شرق سيئون، وتبعد عنها بنحو (8كم). السقاف، عبد الرحمن بن عبيد الله، إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، دار المناهج، بيروت، 1425ﻫ/ 2005م، ص750، حاشية (1).
([12])للمزيد من المعلومات عن تلك الوقعات انظر: ابن حسان، البهاء، ص69.
([13])انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص64.
([16])لتفاصيل أكثر عن تلك الوقعات انظر: ابن حسان، البهاء، ص80.
([19]) انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص90.
([21])القطن: منطقة تقع في ملتقى سيول الأودية الأربعة الرئيسة، كوادي عمد والعين ودوعن، وتمتد من بروج غربًا إلى العنين شرقًا، على شريط ضيق يقع على ضفاف مجرى الوادي، وسكانها من قبائل نهد ويافع. انظر: السقاف، إدام القوت، 483.
([23])الكندي، سالم بن محمد بن سالم بن حميد (ت: 1310هـ)، تاريخ حضرموت المسمى العدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وحديثة، تحقيق: عبد الله محمد الحبشي، ط1، مكتبة الإرشاد، صنعا، 1424هـ/ 2003م، 1/ 124.
([25])قرية العجز في نواحي مدينة تريم، على مقربة من سيئون. انظر: المقحفي، إبراهيم بن أحمد، معجم البلدان والقبائل اليمنية، دار الكلمة، صنعاء، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1422هـ/ 2002م، 2/ 1020.
([26]) ابن حسان، البهاء، ص249.
([27])باسنجلة، عبد الله بن محمد بن أحمد (ت: 986هـ)، تاريخ الشحر المسمى العقد الثمين الفاخر في تاريخ القرن العاشر، تحقيق: عبد الله محمد الحبشي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1428هـ/ 2007م، ص20.
([31])انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص79، 80، 98، 107، 113، 116، 123، 179، 180، 183.
([33])شنبل، تاريخ شنبل، ص96، 100.
([38])الملك المظفر، يوسف بن عمر بن علي بن رسول (ت: 694ﻫ / 1294م)، المخترع في فنون من الصنع، دراسة وتحقيق: محمد عيسى صالحية، مؤسسة الشراع العربي، الكويت، 1989م، ص141.
([41])ابن حسان، البهاء، ص88، 89.
([44])الخزرجي، أبو الحسن علي بن الحسن (ت: 812ﻫ / 1409م)، العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، عنى بتصحيحه: محمد بسيوني عسل، مطبعة الهلال، القاهرة، 1329ﻫ/ 1911م، 1، 208.
([45])سيأتي الكلام بالتفصيل عن هذه التحصينات في المبحث الثاني.
([46])الحداد، علوي بن طاهر بن عبد الله بن طه، الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، دراسة وتحقيق وفهرسة: محمد يسلم عبد النور، ط1، مطبعة وحدين الحديثة للأوفست، المكلا، 1437هـ/ 2016م، 2/ 551.
([47]) السقاف، إدام القوت، ص569.
([48])الزَّبيدي، أبو الفيض مرتضى محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، د. ت، 13/ 488؛ إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، القاهرة، (د. ت)، 2/ 766.
([49])الدمشقي، أحمد بن مصطفى (ت: 1318هـ)، معجم أسماء الأشياء المسمى اللطائف في اللغة، دار الفضيلة، القاهرة، (د. ت)، ص260.
([50])انظر: ابن حسان، البهاء، ص73؛ شنبل، تاريخ شنبل، ص68.
([51])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1035.
([54]) وهو عمر بن مهدي الحميري اليمني (ت: 621هـ/ 1224م). للمزيد من التفاصيل عنه انظر: ابن حاتم، بدر الدين محمد بن حاتم اليامي الهمداني، السمط الغالي الثمن في أخبار الملوك من الغز باليمن، تحقيق: ركس سميث، لندن، 1974م، ص189.
([59])الحسن بن أحمد بن يعقوب (ت: 360هـ/ 970م)، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأكوع، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1410ﻫ/ 1990م، ص168.
([62]) ابن حسان، البهاء، ص209.
([67])شنبل، تاريخ شنبل، ص79؛ بامخرمة، أبو محمد الطيب بن عبد الله بن أحمد، قـلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، إصدار وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 1425هـ/ 2004م، 3/ 3165.
([68])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 879.
([69])محمد بن أحمد، أدوار التاريخ الحضرمي، ط3، دار المهاجر للنشر والتوزيع، تريم، 1415هـ/ 1994م، ص212.
([70])الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت: 817ﻫ/ 1414م)،القاموس المحيط، تحقيق: مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسوس، ط6، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419ﻫ/ 1998م، ص661؛ الزبيدي، تاج العروس، 15/ 181.
([71])السقاف، إدام القوت، ص815.
([72]) انظر: المرجع نفسه، ص816 – 817.
([73])شنبل، تاريخ شنبل، ص79، 82.
([74])عن هذه القبائل والأحلاف انظر: شنبل، المصدر نفسه، ص79، 82.
([76])ابن حسان، البهاء، ص165 – 166.
([79])السقاف، إدام القوت، ص550 – 551.
([80])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1234.
([83])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1235.
([85])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1235.
([87])انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص122.
([88])صليلة: أحد قرى مديرية سيئون في حضرموت. الدليل الشامل لمحافظة حضرموت، مديرية سيئون، 2019م، عبر ويكيبيديا (صليلة سيئون).
([90])انظر: الخزرجي، العقود اللؤلؤية، 1/ 181، 183.
([92]) انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص193.
([95])هي الحصون، والحِصْنُ: كل مَوضِع حَصين لا يُوصل إلى ما في جَوفه، يقال: حَصُنَ الموضع حصانةً وحَصَّنْتُه وأحصنَتْهُ. وحِصنٌ حَصين: أي لا يُوصل إلى ما في جَوْفه. ينظر: الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم البصري (ت: 170هـ)، كتاب العين، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، د. ت، 3/ 118؛ الهروي، أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري (ت: 370هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001م، 4، 143. والقلعة حصن مشرف. ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، 1/ 218. والمَصْنَعَةُ: صيغة اسمية تعني الحصن أو القلعة أو القرية الحصينة والمحصَّنة. الحميري، نشوان بن سعيد اليمني (ت: 573هـ)، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، تحقيق: د حسين بن عبد الله العمري، مطهر بن علي الإرياني، د. يوسف محمد عبد الله، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، 1420هـ/ 1999م، 6/ 3833؛ 8/ 5598، 5609؛ الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي (ت: 666هـ)، مختار الصحاح، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، ط5، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، صيدا، 1420هـ/ 1999م، ص259.
([96])الجندي، أبو عبدالله بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب، السلوك في طبقات العلماء والملوك، تحقيـق: محمد بن علي الأكـوع، مكتبة الإرشـاد، صنعاء، 1414ﻫ/ 1993م، 1/ 111.
([97])الخزرجي، العقود اللؤلؤية، 1/ 208.
([100])الحامد، تاريخ حضرموت، ص495.
([101])شنبل، تاريخ شنبل، ص174، 175.
([102])ابن حسان، البهاء، ص164.
([103])الكندي، العدة المفيدة، ص130؛ باحنان، محمد بن علي بن عوض، جواهر تاريخ الأحقاف، دار المنهاج، جدة، 1420هـ/ 2008م، ص443.
([104])شنبل، تاريخ شنبل، ص190.
([106])باسنجلة، العقد الثمين، ص38 – 39.
([107]) الهندي، خالد يوسف، الشحر حضارة وتاريخ ومعْلم، ط2، مطابع حضرموت الحديثة، الشحر، 1436هـ/ 2015م، ص92.
([108])الصبان، تعريفات تاريخية، ص23.
([109])باسنجلة، العقد الثمين ص57.
([110])الرملة: قرية في أرباض تريم في شمال حصن العز إلى الشرق. انظر: السقاف، إدام القوت، ص847.
([111])شنبل، تاريخ شنبل، ص165.
([112])الريدة: هناك العديد من المناطق التي حملت اسم الريدة في حضرموت، دون أن تشير المصادر إلى أي ريده منها يقصد المؤرخ. انظر عن بعض المناطق التي سميت بالريدة: الحداد، الشامل، 3/ 1089 – 1090.
([113])شنبل، تاريخ شنبل، ص169.
([115])الصبان، تعريفات تاريخية، ص26.
([116])الشاطري، أدوار التاريخ الحضرمي، ص212.
([117])يذكر السقاف أن بعض السواح الأجانب أنكروا أن يكون من بناء الحضارم، وتوهم بعضهم أنه من بناء حكماء اليونان ومهندسيهم، لأنه بصنعهم أشبه. إدام القوت، ص1008. وعلى ما يبدو فإن بعض التشابه في النمط المعماري أو الأشكال الهندسية هو ما جعلهم يعتقدون ذلك.
([118])الصبان، تعريفات تاريخية، ص9.
([120])السقاف، إدام القوت، ص857.
([122])سدبة: من قرى حورة من مديرية القطن في وادي حضرموت، تشتهر بزراعة النخيل والكروم وأشجار السدر. انظر: المقحفي، معجم البلدان، 1/ 780.
([123])السقاف، إدام القوت، ص857.
([124])عمد: واد في غربي دوعن، منابعه من جبل شناع، ومنطقة هينن، غربي القطن. انظر: المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1117.
([125])شنبل، تاريخ شنبل، ص210.
([126]) ابن حسان، البهاء، ص209.
([128])السقاف، إدام القوت، ص495، حاشية رقم (2).
([130])شنبل، تاريخ شنبل، ص223 – 224.
([131])الغرفة: بلدة عامرة بجوار سيئون. الأكوع، إسماعيل ابن علي، البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408ﻫ / 1988م، ص217.
([132])شنبل، تاريخ شنبل، ص225.
([133])ابن حسان، البهاء، ص222.
([134])شنبل، تاريخ شنبل، ص227.
([135])الشاطري، أدوار التاريخ الحضرمي، ص212.
([137])هو السلطان بدر بن محمد بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري، ولد في مدينة شبام، وترعرع بها، وأخذ العلم على يد جماعة من علمائها، وتنقل بين مدن حضرموت المختلفة، ويعد من أفضل سلاطين الدولة الكثيرية وأعلمهم، واشتهر بأنه كان غزير العلم، واسع الاطلاع، يحب رجال العلم، وشغوفا بالأدب والشعر، توفى سنة 915هـ / 1510م، ودفن في مدينة شبام. انظر: ابن هاشم، محمد، تاريخ الدولة الكثيرية، ط1، تريم للدراسات والنشر، تريم، 1423هـ/ 2002م، ص50 – 51.
([138])شنبل، تاريخ شنبل، ص262.
([139])شنبل، تاريخ شنبل، ص278.
([140])شنبل، تاريخ شنبل، ص286.
([141])الصبان، تعريفات تاريخية، ص17.
([143]) هو السلطان بدر أبو طويرق بن عبد الله بن جعفر الكثيري (902 – 977هـ/ 1497 – 1570م)، ولد وتربى وحكم ومات في مدينة سيئون، تولى السلطنة صغيرا بعد وفاة أبيه، ونشأ موفقا في سياسته، طيب السيرة، وافر العقل، جوادا، ويُعد أول من عمل لتوحيد مناطق حضرموت، فاستعان بالترك وكاتب السلطان سليمان القانوني، فجاءته سنة 926هـ/ 1520م قوة منهم، أضاف إليها بعض الزيود من اليمن، ورجالًا من يافع، ومن الموالي الإفريقيين، فتألف جيشه من هؤلاء جميعا، وصدّ غارات البرتغال مرارا، وأطفأ كثيرًا من الفتن الداخلية في بلاده، وطالت مدته إلى أن حجر عليه ابن له اسمه عبد الله، فأقام إلى أن مات. الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الأعلام، ط5، دار العلم للملايين، د. ب، 2002م، 2/ 45.
([144])يذكر الصبان أن السور جدد مرة أخرى في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي. انظر: تعريفات تاريخية، ص17.
([147]) الهندي، الشحر حضارة وتاريخ ومعْلم، ص92؛ نقلًا عن مقال للأستاذ: عبد القادر عوض بامؤمن في مجلة ضبضب، المجلس العمالي بالعقار، العدد (5، 6)، ديسمبر، 2009م.
([150])يذكر الصبان: أنه في عهد السلطان علي بن منصور الكثيري وتحديدًا في سنة 1350هـ/ 1931م أُعيد بناء سور جديد لمدينة سيئون، يبتدئ من حصن الفَلَس، ويسير في خط مستقيم عرض حتى زوية، ثم يتجه في خط طويل يمتد إلى الغرب حتى مسجد الحداد غربًا، ثم ينعطف إلى الجبل القبلي، وجعل للسور ثلاثة مداخل (سدد)، أي ثلاثة بوابات، وخمسة مسالف أي منافذ: السدة الأولى قبلية وفي الناحية الغربية للمدينة، والسدة الثانية شرقي وفي الناحية الشرقية للمدينة (سدة زويا)، والسدة الثالثة في الوسط من الناحية الجنوبية، وهي سدة كلابه، محل حصن طلابة، ويضيف الصبان: أن السور إلى الآن باقٍ أغلبه، وطمست يد العمران الحديثة بعض معالمه. انظر: تعريفات تاريخية، ص11 – 12.
([152])شنبل، تاريخ شنبل، ص99 – 100.
([153])المقحفي، معجم البلدان، 2/ 1020.
([154])انظر: شنبل، تاريخ شنبل، ص100.
([155])ابن أبي الحديد، أبو حامد عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين (ت: 656هـ)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، (د. ت)، 6/441؛ 9/267؛ إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، ص220.
([156])ابن منظور، القاموس المحيط، ص1138؛ إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، ص258.
([157])شنبل، تاريخ شنبل، ص102؛ الحامد، تاريخ حضرموت، ص495.
المصادر والمراجع: