د. أحمد عبد الرازق عبد العزيز محمد
د. أحمد عبد الرازق عبد العزيز محمد([1])
الملخص:
هذه الدراسة هي محاولة لعرض العلاقة بين الدولتين المملوكية والعثمانية من خلال طبقات المجتمع المصري، وما طرأ عليه من متغيرات، وكيف تسبب سلاطين البيت العثماني في زيادة العداء مع سلطنة المماليك بسبب عدم مساندتهم ضد شاه ايران، والتقليل من شأن سلطة الدولة المملوكية في السفارات والرسائل المتبادلة، كل هذا كان إنذارا بحرب تحدد قيادة الأمة العربية الإسلامية، بعد أن رأت الدولة العثمانية أن الدور المنوط بدولة المماليك قد انتهى منذ زمن، وحان الوقت لتحل محلها، وتصبح معركة الريدانية (922هـ/1517م) هى الفاصلة لدولة أثبتت وجودها منذ عام 648هـ/ 1250م، وتصبح مصر ولاية عثمانية، ويتغير الشكل الطبقي للمجتمع المصري تحت سلطنة العثمانيين، وهذا ما سنعرض له في ضوء كتاب ابن إياس “بدائع الزهور”.
الكلمات المفتاحية: سلطنة المماليك، الخلافة العثمانية، ابن إياس، طبقات المجتمع المصري.
The class division of Egyptian society at the beginning of the Ottoman era
In light of the writings of IbnAyas
Dr. Ahmed AbdElRazek Abdel Azizmohamed
This research is an attempt to present the correction between the two Mamluk and Ottoman states before talking about the layers of Egyptian society and causing the Ottoman princes to increase hostility with the rulers of the state because of their resorting to any dispute that warns embassies and exchanged letters. All this was the beginning of a war to learn about everything related to the State Conference in Iraq. The first state of the Mamluk Sultans, The battle of Raidaniyah becomes the judge, the arbitrator and the ruler of a state that has existed since 648 AH / 1250 AD, and became a memory in the books of the yearbooks and the works of historians after the year 923 AH / 1517 AD.
The guiding words:Authority, Society, Govmor, Ottomans, Sultan , Merchants.
مقدمة:
هذه الدراسة هي محاولة لعرض العلاقة بين الدولتين المملوكية والعثمانية من خلال طبقات المجتمع المصري، وما حدث طرأ عليه من متغيرات، فقد عانت مصر كثيرًا بعد دخول العثمانيين مصر، وحتى لا تُزور الحقائق فإن كتب التاريخ وثقت وقائع دخول العثمانيين مصر، وما إرتكبوه من إنتهاكات وفظائع بحق أهلها، وكذا أهل الذمة نالوا جانب من تلك الإنتهاكات، ولكي ينجح العثمانيون من البقاء في مصر، فقد حاولوا الإيقاع بين المسلمين وأهل الذمة، بإضطهادهم أعتقادًا منهم أن ذلك سيرضي المجتمع المصري، ولذا وجب علينا إظهار بعض هذه الوقائع التي أدت لدخول مصر في عصر من الظلام، وتأخر حضارتها رغبة في تغيير شكل الهوية المصرية، من خلال كتاب محمد بن أحمد بن إياس “بدائع الزهور في وقائع الدهور”.
وقبل العرض لوضع المجتمع المصري، وطبقاته الإجتماعية في ضوء الحكم العثماني، وجب علينا العرض لسيرة مؤلف كتاب بدائع الزهور، ووضع العلاقة بين دولة سلاطين المماليك والدولة العثمانية، وكيف تطورت العلاقة الودية من سفارت، ومراسلات، وهدايا إلى حالة من الصدام العسكري، وإسقاط أقاليم ومدن حتى الوصول إلى معركة مرج دابق، وسقوط الشام التي تعد الضربة الأولى لدولة سلاطين المماليك، ثم معركة الريدانية الفاصلة.
المبحث الأول- حياة ابن إياس:
يعد ابن إياس أحد أهم مؤرخي عصره، في فترة من أهم فترات التاريخ المصري في العصور الإسلامية الحديثة، وهي عصر سلاطين المماليك، وترجع أهمية مؤرخنا لأنه عاصر كثيرا من أحداثها، وبالأخص في فترة الضعف والانهيار، وغروب شمس الدولة على أيدي الدولة العثمانية بأخذها مكانهم في مصر؛ فكان شاهد عيان على أحداث غيرت وضع مصر ومكانتها في المنطقة، كدولة لها ثقل سياسي واقتصادي واجتماعي بين الدول العظمى في تلك الفترة، إلى ولاية تابعة للدولة العثمانية؛ بمعنى أن سيادتها كدولة أصبحت تحت السيادة العثمانية.
والواقع أن البلاد المصرية استأثرت أكثر من غيرها في عدد المؤرخين الحوليين، والموسوعيين الذين ظهروا فيها، وخاصة في العصر التركي المملوكي، ولكن بدخول الأتراك إلى القاهرة فإن سلسلة هؤلاء المؤرخين تنقطع، وعلى الأخص بموت أحد كبار مؤرخي هذا العصر هو أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس، الذي ينفرد عن غيره من مؤرخي ذلك العصر بأنه عاش عصرين، وشهد أحداث جيلين: أواخر العصر التركي المملوكي، ومستهل العصر التركي العثماني؛ لذلك فإن لكتاباته أهمية خاصة، فهو يكاد يكون المؤرخ المصري الوحيد الذي عاصر تلك الفترة الحاسمة في تاريخ مصر، وكان شاهد عيان على ما وقع فيها من أحداث؛ وتمتد هذه الفترة التي أرخ وقائعها من عام 872هـ/1468م إلى عام928هـ/1522م([2]).
وابن إياس من أصل تركي مملوكي، من تلك الفئة التي عرفت في المجتمع المصري عصر سلاطين المماليك باسم أولاد الناس، وجده لأبيه الأمير إياس الفخري من مماليك الظاهر برقوق (784-791هـ/1382-1388م)، تولى منصب دوادار ثان في دولة الناصر فرج (801-808هـ/ 1398-1405م)، أما أبوه أحمد فكان متصلا برجال الدولة، وتوفي في شعبان 908هـ/ يناير 1502م. ولد ابن إياس بالقاهرة في ربيع الآخر 852هـ/ يونيه 1448م، أى بعد وفاة العلامة المقريزي (760-845هـ/1358-1442م) بحوالي سبع سنوات، وقبل وفاة ابن تغري بردي (813-874هـ/1410-1470م) بحوالي اثنين وعشرين عاما، بينما توفي مؤرخنا ابن إياس بعد فتح العثمانيين لمصر بست سنوات تقريبا، أى عام 930هـ/1523م، وقد عاش من موارد إقطاعه الذي ورثه، وتفرغ للتأليف في كتابة التاريخ، رصد فيه أوضاع المجتمع، وأحواله السياسية، والاجتماعية، وشارك في التعبير عنها بشعره([3]).
تلقى ابن إياس العلوم التقليدية في عصره على أيدي أعلام ذلك العصر مثل جلال الدين السيوطي(849-911هـ/1445-1505م)([4]) ويُذكر أنه قرأ سبعة وثلاثين مؤلفًا، وعندما أراد أن يكتب عن تاريخ مصر في عهد المماليك قرأ عن مؤرخين كانوا أنفسهم من المماليك، أوموظفي الدولة مثل ابن واصل(605-698هـ/1208-1298م)، وابن أيبك الدوادار(ت:736هـ/1335م)، وبيبرس الدوادار، وابن تغري بردي، وغيرهم وكان صديقا لمجموعة من كبار الأمراء مثل الأمير تمراز الأحمدي (وهو مملوك جركسي ولد عام 839هـ/1435م، واشتهر بالذكاء والفطنة وكرم النفس، وأنشأ الكثير من العمائر بعصره) مما جعله يقف منهم على كثير من الحقائق والوثائق بحكم مناصبهم([5]).
وفي رأي المؤرخ محمد عبد الله عنان([6]) أن قيمة كتابات ابن إياس لتاريخ مصر في تلك الفترة تتمحور في معاصرته لحوادث الفتح العثماني لمصر، وسقوط دولة المماليك، عدا ذلك فإن كتابه ماهو إلا صورة مصغره من جهود أسلافه أو تكملة لجهودهم في الكتابة التاريخية، وأشار إلى أهمية القسم الأخير من كتابه بدائع الزهور – وهو تقريبا محور هذا البحث – حيث دوّن حوادث عصره، وبالأخص حوادث الفتح العثماني، ومقدماته، وما تلاه بمجهود واضح من دولة قوية إلى دولة مستعبدة.
وعندما نطالع كتاب ابن إياس بدائع الزهور، وبالأخص في الفترة التي تخص دولة سلاطين المماليك الجراكسة (784-923هـ/1382-1517م) نجده يتطرق كثيرًا لفئات المجتمع المصري، وكأنه واحد منهم عاش حياتهم البائسة، خالف في ذلك ما قرره شيخ المؤرخين المقريزي الذي قسم طبقات المجتمع المصري إلى سبع طبقات برؤية اقتصادية خاصة به([7]) فإن ابن إياس يغوص في تلك الطبقات بشكل مختلف، ويوضح العلاقة بينهم، فنرى كيف أشار لطبقة السلطة وتحكمها في سائر الطبقات الكادحة، ودور القضاة في تسييس أفعالهم الظالمة من ضرائب، ومصادرات، وسخرة، وغير ذلك مع وجود طبقة تفتقر إلى المال وهى العامة؛ فنراه يصور لنا المجتمع المصري برؤية المؤرخ المخضرم بعد دخول العثمانيين مصر؛ وكيف تغير وضع السلطة الحاكمة الساقطة لتحل محلها سلطة الدولة العثمانية؛ بينما المجتمع ظل كما هو خاضع لسلطة جديدة كل هدفها الاستفادة من ذخائر مصر المادية والمعنوية، وطمس كل ما هو مصري إن أمكن.
فنراه مثلا يسرد فظائع الترك، وآثام الغزو، ويشيد ببطولة طومان باي، وفي هذا الصدد يشير المؤرخ عنان([8]) إلى أن ابن إياس لم يكن مصورًا بارعًا للحوادث، ولكن كثيرا من الإفاضة، وطرفا من الملاحظة القوية، تعوض عن هذا النقص في كثير من المواقف، فنرى مثلا كيف كانت الدقة في وصفه في استنزاف ثروات مصر المادية، والبشرية، والفكرية بيد سليم العثماني (918-926هـ/1512-1520م) الذي صادر كل عالم وماهر وصانع، حتى الخليفة العباسي نقله إلى مقر الدولة العثمانية –إسطنبول– ليخيم الظلام على أرض مصر مركز الخلافة العباسية ومنارة الفكر العربي قبل الفتح.
ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن ابن إياس في ذلك الوقت كان قد تجاوز السبعين من عمره، وربما أصابه المرض مما حد من قدرته على سرد الأحداث بدقة، والظاهر أنه كان قليل الطواف والتنقل في تلك الأيام العصيبة التي دوّن أحداثها، ويؤيد رأي الباحث أنه اعتمد على وصف شخص سليم العثماني من صديق له رآه رغم إقامته بالقاهرة([9]) ومع ذلك يشفع له أنه كان مؤرخا شهد وعاصر عصرين بارزين؛ ليصبح نبراسًا لمن جاء بعده، ومصدرا أساسًا في فترة أظهرت انهيار دولة سلاطين المماليك، وغزو العثمانيين لمصر.
فقد أثر سقوط الدولة في ابن إياس تأثيرا شخصيا، وظهر ذلك في اختيار ألفاظه وكرهه الواضح للغزو العثماني، ومع ذلك كان يتميز بعقل عادل في ملاحظة مجتمعه، ولم يتردد في نقده للدولة ورجالها؛ لذا كان الجزء الخامس من كتابه الموسوم ببدائع الزهور هو صرخة واضحة من ألم المجتمع من احتلال غادر بسبب انهيار نظام لدولة شاخت، ولم يفكر رجالها في التجديد حتى سقطت مع أول ضربة من دولة فتية، وكان الخاسر في تلك المعارك الحضارية هو المجتمع المصري بكل فئاته، وقد ترى دموعه وآلامه في صفحات هذا الجزء الفريد، وبين السطور عن طريق مؤرخهم ابن إياس.
لذا فقد نبغ في التاريخ، ومن ثم استحق المكانة التي يقف فيها بين المؤرخين المصريين العظام واستحق لقب مؤرخ الفتح العثماني؛ لأنه عاش بعد سقوط دولة المماليك، وكتابه يمدنا بمعلومات قيمة عن عصر تعوزنا فيه الكتب الأخرى([10]).
المبحث الثاني- أسباب الصراع العثماني المملوكي:
على أي حال، فربما يكون من المهم أن نعرض لوضع العلاقة بين الدولتين المملوكية، والعثمانية قبل الحديث عن طبقات المجتمع المصري، حيث ظلت الدولة العثمانية تتقرب لدولة سلاطين المماليك على مدار عقود عدة، حيث كان الحكام العثمانيون يعترفون بالسيادة الدينية، والزعامة السياسية في المنطقة، حتى سقوط القسطنطينية وهو ما اعتبره المماليك نصرًا للمسلمين، وعلى إثره تبادل الاثنان البعثات والاحتفالات حيث أرسل السلطان إينال (857-865هـ/1453-1460م) التهاني إلى السلطان محمد الثاني الفاتح (855-886هـ/1451-1481م) في عام (857هـ/1457م)، و لكن شَعَرَ سلاطين الدولة المملوكية بعد ذلك بنمو دولة إسلامية قوية، ربما تشكل خطرًا على السلطنة في العاجل القريب، وللمرة الأولى بدأ العثمانيون يتخذون ألقاب “الملوك” أو “السلاطين” بعد أن كانوا لا يزيدون عن”غازي”، بينما سلاطين المماليك عندما يعظموهم يقولون لهم الخوندكار أو الأمير فلان، ويُعد محمد الثاني أول أمير عثماني يتخذ لنفسه لقب سلطان، وبذلك أصبح في مرتبة متساوية مع حكام مصر([11]).
وتمثل أول ظهور للدولة العثمانية كقوة مساوية للسلطنة المملوكية عندما رفض السفير العثماني الانحناء لسلطان مصر خشقدم (865-872هـ/1460-1467م) عام 868هـ/1463م، بل “ولما قرأ مكاتبة ابن عثمان، فلم يجد بها ألقابا بما جرت به العادة“([12])، ويجب أن ننوه أن أفعال السفير العثماني كانت بمنزلة أمر مباشر من السلطان العثماني.
وفي موضع آخر تحولت القاهرة إلى ملجأ سياسي لكل زعيم عثماني، مما أغضب الدولة العثمانية واعتبرته تدخلا في شئونها، ومحاولة سافرة لهز عرشها، وكانت أولى هذه الحالات في (جمادى الآخرة 886هـ/1481م) حينما شب نزاع بين الجمجمة بن عثمان و بين أخيه السلطان بايزيد الثاني (886-918هـ/1481-1512م) مما أدى لالتجاء الجمجمة إلى القاهرة، واستقبله سلطان المماليك قايتباي (872-901هـ/1467-1496م)، واحتواه، وجهز له ما يكفيه([13]).
ويُعدٌ أول تحرك من جانب الدولة العثمانية على بلاد السلطنة عندما “أمد علي دولات بن دلغادر بعساكر كثيرة… واستمرت الفتن من بعد أول عام 889هـ/1484م تتزايد“([14]) وفي (جمادى الآخر890هـ/ يوليو1485م) كان استيلاء السلطان بايزيد الثاني على قلعة كولك (وهى قرية تقع في إيران في محافظة خوزستان الحالية)، وتوالت الأخبار بعد ذلك باستيلاء “عساكر ابن عثمان على أطراف بلاد السلطان“([15])،وبعد ذلك بعام استطاع المماليك إلحاق الهزيمة بالعثمانيين في أول حرب مملوكية/عثمانية استمرت من (891-896هـ/1486-1490م) في حلب، بينما استولى بايزيد الثاني على سيس (كانت عاصمة قليقية الأرمينية وهى بتركيا الآن) وطرسوس (كانت تابعة لأقاليم سوريا الشمالية، وهى على البحر الأبيض المتوسط)، وغير ذلك، وفي (جماد الآخر896هـ/ أبريل1490م) أرسل بايزيد الثاني مفاتيح القلاع التي استولى عليها رغبة في الصلح([16])، وكان ذلك تأجيلًا لحلم العثمانيين المتزايد. بينما وقف السلطان المملوكي الغوري حيادًا بين السلطان سليم، والشاه إسماعيل الصفوي القائد الديني المؤسس للدولة الصفوية في إيران (892- 930هـ/1487-1524م) في الحرب بينهما.
وكانت هزيمة باشاوات قيزيل الذين فقدوا قرابة خمسين ألف رجل في مرج تشالديران في (رجب920هـ/ أغسطس1514م)، هى صاعقة بالنسبة إلى المماليك، بل اهتزت القاهرة لهزيمة الصفويين، ولم يستطع حكام مصر إخفاء خيبة أملهم([17])، وبذلك تأكد أن الصدام بين القوتين السنيتين لقيادة العالم الإسلامي آتٍ لا محالة في وسط العديد من المشاكل الداخلية التي تعاني منها الدولة المملوكية من تدهور اقتصادي عام، وانقسامات داخلية، وغارات العربان، وتدهور الأمن، وغير ذلك من عوامل ساعدت على انهيار الدولة([18]). فبعد هزيمة الصفويين من قبل العثمانيين تحول العداء إلى حرب صريحة بداية من شوال921هـ/ نوفمبر1516م، في أثناء خلاف الطرفين على قلاع بلاد علي دولات، وتأكد ذلك عندما قال سليم الأول لرسول السلطان الغوري (902-922هـ/1501-1516م) في (شعبان922هـ/أغسطس1516م) “قل لأستاذك يلاقيني في مَرْج دابق” لتسقط أملاك الدولة المملوكية في براثن العثمانيين بحلول عام 923هـ/1517م بعد معركة الريدانية([19]).
وبذلك سقطت تحت سنابك الخيول العثمانية بعد معركتي مرج دابق، والريدانية، ودخول مصر تحت التبعية العثمانية، وتحولها من حاضرة الخلافة إلى ولاية؛ وكل ذلك أسهم في تغير الوضع الطبقي للمجتمع المصري في العصر العثماني عما كان سائدا في العصر المملوكي.
وهذا ما سنحاول التعرض له بالتفصيل في صفحات البحث.
المبحث الثالث- تركيبة التقسيم الطبقي للمجتمع المصري:
كان للمفاهيم السياسية التي خلفتها ظروف سلطنة المماليك أن جعلت أمراء المماليك يعتقدون أن عرش البلاد من حقهم جميعا، يجلس عليه أقدرهم وأقواهم، ومن ثَم كان الصراع على السلطة والاستئثار بالثروة والنفوذ هما محورا الوجود المملوكي كله تحت مبدأ “الحكم لمن غلب”([20])، وفي ظل تلك المفاهيم السياسية كان لا بد من الاعتماد على نظام يدر عليهم ربحًا شبه ثابت، ويساعدهم على أن يكونوا في استعداد تام، ويقظة من أي عدو خارجي، ويستحقوا أن يحكموا دولة كمصر، وهذا ما تمثل في شكل نظام الإقطاع الحربي، وتحددت قوتهم ومدى استعدادهم بمدى قوة إقطاعاتهم، وما تدرّه من ربح، وعندما انهار هذا النظام الإقطاعي انهارت معه كل سبل الحياة بالنسبة لهم، وأصبحوا مطمعًا لكل غازٍ، وظهرت براثن عدم الانتماء لأرض عاشوا على خيرها، وأصبحوا أمراء و سلاطين بسببها([21]).
وكانت النتيجة الطبيعية لهذا النظام الإقطاعي، أن ينشأ المجتمع المصري في ذلك العصر على أساس طبقي، حيث نجد طبقتين أساسيتين هما: الحكام والمحكومون أو ما عرفوا باسم الرعية، وتتكون طبقة الحكام من السلطان، وجهازه المعاون، سواء كانوا عسكريين، أم إداريين، مع العلم أن الإداريين كانوا من المصريين؛ وبالأخص من أهل الذمة؛ لمهارتهم في النظام المالي والإداري، أما المحكومون فكانوا الرعية من المصريين في شكل اقتصادي ذي تدرج، كما أشار شيخ المؤرخين المقريزي([22])، وقبل التعرض للتقسيم الطبقي عند ابن إياس في كتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور) كان لا بد أن نشير إلى أن مكانة مصر بصفة عامة قد تحولت من دولة لها سيادة مهابة أمام دول عظمى في تلك الفترة إلى ولاية تابعة للإمبراطوية العثمانية، بل وفصلت عن كل الولايات التي كانت خاضعة لها قبل الغزو العثماني، مثل الشام وشبه الجزيرة العربية (الحجاز) ومع ذلك كانت لها مكانة مميزة وسط ولايات الدولة العثمانية بل وأولاها السلاطين عناية خاصة([23]) لدرجة أن ابن إياس قال في هذا الصدد: “ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين في سائر البلاد قاطبة… ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر“([24])، ومن منطلق أن وضع مصر كان وضع البناء الطبقي للمجتمع المصري، ولكن بشكل يكاد يكون مختلفًا نسبيا تحت عنوانين رئيسيين هما الحكام والرعية.
تكونت الطبقة الحاكمة التي استحوذت على مجريات الأمور في الدولة بعد سيطرة العثمانيين على مصر من الوالي، وقواد الحامية العثمانية، والقضاة، والمماليك الجراكسة، والجهاز الإداري؛ أما الطبقة المحكومة فكانوا التجار، والعامة، والفلاحين، ويأتي العربان، ولكن في شكل منفصل كما كانوا منذ أيام دولة سلاطين المماليك؛ حيث كانوا في دولة داخل الدولة.
كان النائب “خاير بك” هو رأس التقسيم الطبقي في مصر إبان الغزو العثماني، وقد أشار أحد المؤرخين أنه كان لخاير بك جيشه الخاص، وحاشيته مع بروتوكول مملوكي مثالي، كما تمتع باستقلال تام في شؤونه الداخلية، واحتفظ بالتنظيمين الديني والإداري السابقين في البلاد، وحافظ على التقاليد المحلية في حياة الدولة([25]) ولكنه كان يأخذ من السلطان العثماني التعليمات التي تقيّد وتحدّد صلاحياته.
وعندما أرسل السلطان سليم في صفر 926هـ/1520م تفويضا بحكم مصر لخاير بك، وأعمالها، حذّره أن يعطي القصّاد الواردة عليه من بلاد الروم أكثر من ألف دينار، وعليه “أن ينظر في أحوال الرعية… وأن ينظر في أمر المعاملة من الذهب والفضة… وينظر في أمر تسعير البضائع من القمح وغير ذلك“، ودفع مرتبات الجند شهريًا، وفي رجب من العام نفسه وصلته رسالة أخرى من السلطان سليمان (926-974هـ/1520-1566م) مضمونها “التوصية بالرعية… وإنصاف المظلوم من الظالم“، وكان الجديد في الرسالة تكليف قاضي العسكر ليصبح المتكلم في الأحكام الشرعية عن المذاهب الأربعة، ويحكم بين الناس، وهو شخص من الدولة العثمانية؛ مما أضر بالناس بمختلف طبقات المجتمع المصري([26]).
وكان منصب القاضي ذا سطوة على ملك الأمراء؛ فعندما تحدّث مع ملك الأمراء بفساد نساء أهل مصر لعسكر السلطان، أمر خاير بك “بأن امرأة لا تخرج من بيتها مطلقًا، ولا تركب على حمار مكاري، وإلا شنق“، وقد تجددت مظلمة أخرى عندما عيّن الأمير والى جلبي العثماني- الذي حضر من إسطنبول- ناظرا على سائر الأوقاف([27]).
وبموت خاير بك أول نائب للدولة العثمانية بمصر، عدّد ابن إياس مساوءه وظلمه، فأشار إلى أنه كان “جبارا… سفاكا للدماء، قتل في مدة ولايته على مصر ما لا يحصى من الخلايق… فقتل بمصر وحلب فوق العشرة آلاف إنسان… وأتلف معاملة الديار المصرية… وسلّط إبراهيم اليهودي معلم دار الضرب على أخذ أموال المسلمين“، وقرّب شخصا من النصارى، وجعله متحدثًا في الدواوين، وعزل القضاة الأربعة، ورغم ما تركه من مال، كان يؤخر مرتبات المماليك الجراكسة بحجة أن بيت المال ليس به مال، وقال عنه: “لولا ما حصل في أيامه من المظالم، والحوادث… لكان خيار من ولي على مصر”([28])،وكان أهوج في أحكامه، فقد قطع يَدَي رَجُل من العوام لأنه سرق، وشنق رجلًا آخر لأنه سرق عيدان خيار من جنينة، وكان يحكم على الناس وهو جاهل بالشرع مع قلة دين([29])، بينما قال البكري([30])عنه “محصلة مساوئه، أكثر من محاسنه“.
ب: الوالي:
على أي حال كان والي القاهرة بمنزلة قائد العسكر، وتساعده في ذلك الحامية العثمانية، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد النائب؛ فقد كان الوالي خاضعًا للسلطان سليم، ولكن بعد رحيله عن مصر أصبح خاضعًا لأوامر النائب كمنصب، ففي (ربيع أول 923هـ/1516م) قبض الوالي على أحد أفراد الحامية لأنه زنى بأمراة، وقطعت رأسه على إثر ذلك، وربما كان الهدف إظهار العدالة للمجتمع المصري، وأن مجيئهم كان للقضاء على ظلم المماليك([31]) فقد كانت من أولويات الوالي استقرار الحياة الاجتماعية، والاستقرار الأمني، ومن ذلك القبض على الخارجين عن القانون، مثل القبض على حسن وشكر ابنى مرعي (أحد رجال العربان) بالغربية وقتلهما بأمر ملك الأمراء([32]).
ويبدو أن سلاطين الدولة العثمانية كانوا يعتمدون على جواسيسهم في كل ولاية اعتمادا كبيران فتصل إليهم أخبار كل شاردة وواردة؛ ففي (جمادى الآخرة 926هـ/ مايو1519م) وصل سفير السلطان العثماني سليم خان يطلب الأمير كمشبغا والي القاهرة، لما بلغه من ظلمه للناس، وكثرة الشكاوى فيه، وفي ضوء ذلك عُيّن الأمير علي واليًا على القاهرة، وقد أدى مهامه أداء لائقًا؛ ففي (ذي القعدة 926هـ/أكتوبر1519م)، بعد سلطنة السلطان سليمان أمر هذا الوالي بتعليق الزينة للاحتفال بسلطنة سليمان، وعاقب من خالف الأمر، وتكرر أمر الزينة بالإجبار في (ذي الحجة 927هـ/نوفمبر1520م) عند الاحتفال بالانتصار على الفرنج من جانب الدولة العثمانية “وصار الوالي… يضرب الذي ما زين دكانه، فما حصل على أحد من الناس خير“([33])، فقد كان والي القاهرة منفّذًا لأوامر رأس السلطة الحاكمة أيا كانت، بمعنى أنه كان بمنزلة المطرقة في أيدي حاكم مصر يضرب بها من يشاء، ويعاقب من يشاء، ويساعده في ذلك رجاله وأعوانه المتمثلين في الحامية العثمانية، وانضم لهم بعد ذلك في تلك المنظومة بعض المماليك الجراكسة، فقد كانت سلطة والي القاهرة على ما يبدو لنا محصورة داخل القاهرة، وهى بمنزلة مدير الأمن في عصرنا الحالي.
ج: الحامية العثمانية:
يُعدّ قواد الحامية العثمانية هم العنصر الثالث في السلطة، والأداة التي يضرب بها النائب والوالي كل عاصٍ، وعندما رحل سليم عن مصر ترك بها من عسكره في خدمة خاير بك، ومساعده الوالي “نحو خمسة آلاف فارس، ومن الرماة بالبندق الرصاص نحو خمسمائة رامٍ“([34])، فقد كانت تلك الحامية في معزل عن السلطة في مصر، وكانوا أشبه بجماعة خاصة، لهم وضعهم، وإحساسهم أنهم شريك في جعل مصر ولاية خاضعة للدولة العثمانية جعلتهم يشوشون على المجتمع المصري حياتهم الخاصة، بل صاروا مصدر قلق، ونزاع حتى مع الجراكسة، والسلطة؛ فكثيرًا ما كانوا يعترضون على أوامر الوالي بمصر، مما أدى لاستدعاء السلطان العثماني لكثير منهم، وإرسال غيرهم تجنبًا لضررهم على المجتمع بشكل عام، ولكنهم ظلوا يشكلون لأنفسهم وضعا خاصا جدا أضر أكثر مما أفاد، وقد نفر منهم المجتمع المصري لاختلاف عاداتهم، ولسانهم، وجنسهم.
وكان أول تعامل للحامية العثمانية في مصر مع الجراكسة عدوهم الأول فكل “من رأوه من أولاد الناس لابسًا زمطا أحمر أو تحفيفة، يقولون له: أنت جركسي، فيقطعون رأسه، فلبست أولاد الناس كلها عمائم“، وكل من ينتمي للمماليك فعل مثلهم، وصارت العثمانية كل هدفهم نهب الناس والقبض على المماليك حتى “صارت أهل مصر تحت أسرهم“، ووصل الأمر لقتل كثير من العوام، وقدّر ابن إياس عددهم بعشرة آلاف في أربعة أيام، وثمانمائة مملوك، وطردوا الناس من بيوتهم وسكنوا فيها، ووصفهم مؤرخنا بأنهم “كالجراد المنتشر مع كثرتهم… وما خلا منهم موضع في المدينة“([35]).
وفي (صفر923هـ/فبراير1517م) زاد ضررهم؛ فكانوا يتجهون صوب الأراضي الزراعية، ويقطعون الزروع من أجل خيولهم، بخلاف أخذ كل ما يخص الفلاحين من دجاج، وغنم، ومنازل، بل عرّوا الناس، ومن عجز سليم عن ردعهم أمر بعمل دروب وأبواب في كل حارة، وجمع الأموال من الناس بسبب ذلك الأمر، وتزوجوا من نساء مصر لدرجة أن السلطان سليم نادى فيهم بطلاق كل من تزوج من نساء أهل مصر وإلا شُنق([36])، وهذا ما جعل ابن إياس يصف العسكر العثماني بقوله “كانوا جيعانين العين، نفسهم قذرة، يأكلون الأكل وهم راكبون خيولهم في الأسواق، وعندهم عفاشة في أنفسهم زائدة وقلة دين، يتجاهرون بشرب الخمور” ولا يصومون رمضان، ولا يصلّون الجمعة إلا قليل منهم، وهم همج كالبهائم([37])، كل ذلك يبيّن الوضع السياسي لتلك الحامية، ومكانتهم الاجتماعية ضمن التقسيم الطبقي في مجتمع مصر آنذاك.
وبمجرد رحيل السلطان سليم عن مصر، وترك خاير بك نائبا بها، استضعف العسكر العثماني قوته في (شعبان923هـ/أغسطس1517م)، وثاروا عليه من أجل مرتباتهم؛ فطلب منهم الانتظار حتى يعرض الأمر على سلطانهم([38])، ويبدو لنا من الوهلة الأولى في أول احتكاك مباشر مع الحامية العثمانية ضعف النائب، وسطوة العسكر العثماني، وهذه السياسة كانت السائدة طوال فترة حكمه؛ فكان خاير بك عاجزًا أمامهم وأمام أفعالهم، ويخشاهم([39])، وهذا ما جعله يعتمد ويتقوى بالمماليك الجراكسة أمامهم؛ لكي يكونوا سندًا له في السلطة؛ مما جعلهم يثورون ضده، وأعادوا طلبهم بمزيد من الرواتب والإقطاعات، وبعجزه أمامهم قال لهم: (قولوا لأستاذكم) ويقصد السلطان سليم؛ فقاموا بسبه وهموا بقتله([40]).
ويؤكد ذلك ما قام به النائب من تفرقته بقرًا وغنما على الحامية اتقاء لشرهم في عيد الأضحى دون غيرهم، وعندما زاد أذاهم بالناس، وفسادهم بنساء أهل مصر وصبيانهم، عجز النائب عن ردعهم، وقام بحبس أهل مصر في منازلهم، وغلّق الدكاكين بعد المغرب، وعندما وصل خبرهم وأفعالهم للسلطان العثماني؛ طلب استدعاء جماعة منهم؛ فأظهروا العصيان وتفرقوا في البلاد، وكان هذا سببًا مباشرًا لتجرؤ النائب عليهم، وصار يفتش عليهم في البيوت والحارات بحثا عنهم، حتى قبض على كثير منهم وهدّد من خبأ أحدًا منهم بالشنق([41]).
والأصعب من ذلك أن أحد أمراء السلطان سليم صار يحكم بين الناس بوساطة ترجمان، ولا يعرف عن الشرع شيئًا، ولا أحد ينهاه سواء من القضاة أم من رجال الدولة، وقال ابن إياس في هذا([42]) “ضعفت شوكة الشرع في هذه الأيام“، ومن شدة خوف النائب منهم حلّفهم على مصحف بعدم الغدر “وأن يكونوا هم وإياه كلمة واحدة” امام العسكر العثماني الخارجين عنه، والعاصين للسلطان، وفي خضم ذلك دارت معارك، وأحداث بينهم، وحزّت رأس ستة وثلاثين منهم، وأسر الباقي على إثر ذلك في (جمادى الأولى924هـ/ مايو1518م)([43]).
وبصفة عامة كانت الحامية دائمة الشكوى بسبب قلة المرتبات، وكانوا يشوشون على الناس حياتهم، ويبدون الرغبة الدائمة في السفر لرؤية أهلهم، وكان النائب أضعف ما يكون رادعًا لأفعالهم، لدرجة رفض القضاة الأربعة أخذ كتاب إلى السلطان يفيد “بأن مصر في غاية العدل، والرخاء، والأمن“؛ وذلك خوفًا من علم السلطان بحقيقة الأمر، وقد استمرت أعمال الحامية بعد ذلك من نهب، وفساد، وخطف، وإيذاء أهل مصر عامة([44]).
د: المماليك الجراكسة:
يأتي المماليك الجراكسة في المرتبة الرابعة من التقسيم الطبقي، فقد كانوا هم السلطة الحاكمة الأولى في البلاد قبل غزو العثمانيين مصر، وتحكموا في مقاليد الأمور، وقاسى أهل مصر في عهدهم حتى قدّر الله خضوعهم للسلطنة العثمانية.
ومنذ دخول العثمانيين لمصر، صار القتال مع الجراكسة سجالا من كر وفر، ويعد ابن إياس([45]) من أفضل من روى تلك المعارك والأحداث بين الطرفين، فكان الجراكسة “كل من يظفرون به من العثمانية يقطعون رأسه ويحضرون بها بين يدي السلطان طومان باي“، وسرعان ما طاردهم العثمانية من بولاق جزيرة الفيل وملكوها ومن الجزيرة الوسطى إلى الناصرية، ووصل الأمر لهروب الماليك السلطانية من العثمانية خوفًا منهم، “وصارت العثمانية تكبس على الجراكسة في البيوت والحارات، فمن وجدوه منهم ضربوا عنقه“، فقطعوا رقاب ثمانمائة مملوك في يوم واحد، وظل الأمر هكذا حتى أُعدم طومان باي.
وبمجرد شنق السلطان سليم لآخر سلاطين المماليك صفا له الوقت، وبدأ المماليك الجراكسة يفكرون في تغيير سياستهم تجاه عدوهم الجديد، فمع الوقت كانت تلك الطبقة تنظر للعثمانيين بعين المدافعين عن الإسلام، وفقدوا الروح لمقاومتهم للعثمانيين، بل عملوا على محاولة التقرب لهم بلبس زيهم، ومخالتطهم، والركوب معهم في الأسواق، وفي ذلك تملّق أحد قضاة الحنفية الجراكسة بقوله:
زالت عساكرها من الأتراك في * غمض العيون كأنها سِنَة الكرى
وفي موضع أخر قال:
لهفي على أتراكِ مصرٍ إذ غدت * مكسورةً قلوبها لن تُجبَرا([46])
وكان لسياسة سليم العثماني في أخذ خيرات الطبقة الحاكمة معه عندما غادر مصر، سواء كان ذهبًا أم فضة أم سلاحًا أم تحفًا أم غير ذلك، سببًا مبشرًا في بقاء المماليك في فقر مدقع؛ إذ لم تعد لديهم خيول، ولا ملابس لائقة ولا سلاح ولا خدم؛ فكان العثمانيون يطوفون البلاد على خيولهم، بينما الجراكسة يجوبون الأسواق على أقدامهم لدرجة أن ابن إياس وصفهم بقوله: “منهم من سأل الناس في رغيف يقتات به… والسوقة في درهم فلوس يشتري بهم كبشة فول يأكلها“، وبمجرد تولي خاير بك لنيابة مصر نادى في القاهرة في (شعبان923هـ/أغسطس1517م) “بأن المماليك الجراكسة تظهر وعليهم أمان الله“، فظهر منهم كثيرون، وكانوا في أسوأ حال وملبس، لدرجة قول ابن إياس: “إذا رآهم أحد فلا يفرّق بينهم وبين الفلاحين“، وسرعان ما أمر خاير بك في رمضان بأن “المماليك الجراكسة الذين ظهروا بمصر يركبون ويشترون السلاح“، مما أثار حقد الحامية عليهم، وبدأت النزاعات مع الجراكسة حيث تزيوا بزي العثمانية، وخطفوا البضائع، فأمرهم خاير بك بزي مختلف عن الحامية([47]) وأشار أحد الباحثين إلى أن السلطان سليم عفا عنهم وأدخلهم بالجيش بمرتبات ضئيلة، مقابل التخلي عن ملابسهم الفارهة وأي مظاهر للعظمة، وترك لهم لحاهم فقط([48]) فقد أراد السلطان العثماني إذلالهم.
وكان لكتيبة المماليك الجراكسة أهمية خاصة، حيث انضم كثير منهم إلى الجيش العثماني، وكان قائدهم من الأتراك، وهو دليل قاطع على عدم الثقة الكاملة فيهم، وليس لهم الحق لشغل المناصب العسكرية الشاغرة، وكان الأتراك يرون أن المماليك المتكلمين بالتركية مع ما لديهم من تقاليد في إدارة مصر شيئًا ثمينًا جدًا، ولا يمكن الاستغناء عنهم، وكان لهذا الخروج على مبادئ التنظيم العسكري والتجنيد عند العثمانيين، أبلغ الأثر على تاريخ مصر الاجتماعي([49]).
ويرجع الفضل لإعادتهم لجزء من وضعهم السابق إلى خاير بك؛ فكان هو طوق النجاة لهم، وفي الوقت نفسه كانوا هم الوجه الآخر للوقوف أمام أطماع العثمانية؛ فكان لا يثق بهم ويخاف سطوتهم وتمردهم.
وكان خاير بك حريصا على العلاقة مع المماليك الجراكسة ففي (ذي القعدة 923هـ/ نوفمبر1517م) أعطى للماليك الجراكسة رواتبهم، وكانوا فوق الخمسة آلاف مملوك، واستخدمهم في قمع العربان بمساعدة الحامية، وكثيرًا ما كان يتأخر عن دفع رواتبهم شهرين أو أكثر، ولكن نظرًا لدور المماليك الجراكسة في حماية البلاد لتدريبهم الفائق، وفروسيتهم، ومعرفتهم بأحوال البلاد والرعية، فقد اعتمد عليهم السلطان العثماني سليم، ومن بعده سليمان، وكانوا حريصين دائمًا في تنفيذ أوامرهم للنائب خاير بك –الذي شفع فيهم من القتل– ليصرف لهم رواتبهم ويراعيهم، وكذلك أولاد الناس، وهم أبناء المماليك الذين ولدوا على أرض مصر، ولم يجلبوا إليها كرقيق([50])، ولم يستطع العثمانيون القضاء على عنصر رئيس في المجتمع المصري، وهذا مع قتل الآلاف منهم، ولكنهم قضوا على المماليك كدولة وقيادة.
وعندما كانت تحين الفرصة للحامية العثمانية لإهانة الجراكسة لا يتأخرون؛ فبمجرد تكاثر الجراكسة على خاير بك حنق منهم، وأمر الإنكشارية أن يضربوهم، فكان ضربهم مبرحا بالعصى على وجوههم، ويبدو أن هذا الفعل كان ردا على مهاجمتهم لزملائهم العاصين، وقتلهم، وقطع روءسهم، ومع مرور الوقت تزايدت الأحقاد بينهم، واتهم كل منهم الآخر بالخيانة والغدر، وحتى كمشبُغا والي القاهرة وفايق بك قائد عسكر العثمانية اتهموا كلًّا منهما بالخيانة، سواء في الماضي أم الحاضر، وكاد يقع قتال بين الفريقين، ولكن خمدت فتنتهم([51])،وهذا الوضع بين الشد والجذب في التعامل مع الجراكسة كان يتصدر المشهد في مجتمع مصر العثماني، ويوضح الدور الفعال للمماليك الجراكسة في حياة المجتمع حتى بعد سقوط دولتهم، وكذلك تمتعهم بامتيازات اقتصادية وسياسية.
وبمجرد تولي سنان باشا في (ذي القعدة 928هـ/سبتمبر1521م) نيابة مصر أهان المماليك الجراكسة، وأنزلهم من سكنهم بالقلعة، وجاء بجماعة من الأصبهانية -وهو اسم أطلق في العصر العثماني على فرقة من الجنود المأجورين، ويطلق عليهم بلغة اليوم اسم المرتزقة- بدلًا عنهم، ولكن بعد وصول الوزير الأعظم مصطفى باشا في (ذي الحجة 928هـ/أكتوبر1521م) لتولية نيابة مصر، قرئ مرسوم السلطان سليمان في حضور الجميع، ومن مضمونه “الوصية بالرعية قاطبة، والمماليك الجراكسة“([52])، مما يدل على صعوبة الاستغناء عن المماليك الجراكسة؛ فهم أحد أركان الدولة، وبدونهم قد يتأثر وضع النيابة، فحرص سليم بعد ترك مصر، وابنه سليمان بعده على استمالة تلك الفئة والحث على إرضائهم والاستفادة منهم في إدارة شئون البلاد، والاستعانة بهم في الحروب والغزوات الخارجية، والوقوف أمام المناوئين داخليًا كالعربان، وكثيرًا ما أثبتوا حسن الظن.
وهكذا كانت الطبقة الحاكمة التي أدارت مصر بعد أن تحولت إلى نيابة، في حالة صراع مع بعضها بعضًا، وتسببت في الإضرار بالمجتمع المصري عموما، وعدم الاهتمام بمصالح البلاد، بل كان الهدف الأساس هو إرضاء السلطان العثماني في إسطنبول سواء بتنفيذ الأوامر أم بإرسال الأموال المادية والعينية إلى الدولة العثمانية، ووصل الأمر لإرسال طاقة مصر البشرية من خيرة شباب المجتمع المصري من صنّاع، وحرفيين مهرة، حتى التجار لبناء حضارة الدولة العثمانية، وفي الوقت نفسه تنزع مصر من كل أمل في إعادة مجدها ليخيم الظلام على البلاد قرونًا([53]).
في فلك تلك الطبقة الحاكمة، وجد مجموعة من المباشرين، ومديري الديوان، ممن ساعدوا السلطة الحاكمة في تحقيق أهدافها.
أ: المباشرون:
كان من مهام المباشرين التي تخدم السلطة الحاكمة ضبط حسابات البلاد من خراج زرعها ومسح الأراضي، وتحديد أراضي الشراقي- وهى الأرض التي ظمئت في السنة الماضية، واشتدت حاجتها إلى الماء- من الري، فضلًا عن مسح الإقطاعات، والرزق، ومسح الأوقاف، وكان رأي ابن إياس فيهم أكثر واقعية بقوله “اتفقوا على أخذ أموال المسلمين فاستباحوا أموالهم، ودماءهم“، رغم أن أغلب أراضي البلاد قد شرق بسبب قلة النيل عام (923هـ/1517م)، وأشار أن خاير بك طالبهم بالتحايل لجمع أكثر قدر من الأموال، وفي موضع آخر جبوا من الشرقية أكثر من مائة ألف دينار، وخربت البلاد بسبب ذلك، ورحل الفلاحون عنها، وعمت هذه الحادثة أصحاب الأوقاف، والرزق من الرجال، والنساء، وتعطلت الأوقاف بسبب ذلك([54]).
في حين استعين ببعض المباشرين في إسطنبول بالقبض عليهم، وكانوا من أصحاب الهمم العالية، ووصل الأمر بهم للتصرف في أمور البلاد كما أرادوا، فقد ضيقوا على الناس أرزاقهم، ووضعوا أيديهم على البلاد حتى أوقاف الجوامع والمدارس “وأبطلوا الإقطاعات التي بالمناشير، وأدخلوها في ديوان السلطان“، ثم أوقفوا الرزق التي بالمربعات الجيشية بيد أولاد الناس، والنساء، ووضعوا أيديهم على بلاد الأوقاف، ولا يفرجون عنها إلا بعد دفع الرشاوى، وكان النائب يطيعهم في الفساد([55]).
ويتعجب ابن إياس مما وصلوا إليه من سلطة، وغطرسة، فقال: “صارت المباشرون تتزوج بأولاد الأمراء المقدمين“، وفي أثناء زينة القاهرة بمناسبة البشرى بانتصار السلطان سليمان على الفرنج عام (927هـ/1520م) أتى ثلاثة مباشرين نصارى للتفرج على الزينة، وأفحشوا في السكر والمعاصي، وعندما حاول أحد القضاة أن ينهاهم سبّوه وسبّوا دين الإسلام، وعندما قُبِض عليهم، قال أحد القضاة: “إنهم كانوا سكارى لا عقول لهم؛ وكذلك قال بقية القضاة“، فقال ابن إياس([56])عنهم: “صاروا هم الملوك بمصر، ويتصرفون في أمور المملكة بما يختارونه، ليس على يدهم يد، واستغرقوا في اللذات، وانعكفوا على شرب الخمور“.
كان هذا الوضع الطبقي للمباشرين حيث كانت أموال الدولة تدار بوساطة جماعة اهتموا بمصالح أنفسهم أولًا، وإرضاء السلطان العثماني والنائب ثانيًا غير مبالين بأحوال الرعية والعدل فيهم.
وأدت سياسة المباشرين لهروب الفلاحين من أراضيها، وعدم القدرة على دفع مرتبات العسكر؛ لفراغ خزينة الديوان عام (927هـ/1520م) وقلة خراج الأراضي؛ ويرى ابن إياس أن سبب ذلك تقسيم المال الذي يجبى من البلاد على سبع طوائف من العسكر؛ فضلًا عن الاحتفاء بالسفراء القادمين من إسطنبول وغيرها، وهذا بالطبع خارج عما يرد إلى حصة الدولة العثمانية من الخراج، والأموال التي ترد من الثغور؛ فكانت تحمل إلى خزائن السلطان سليم وسليمان “فلا يعترض ملك الأمراء إلى شيء من ذلك” وربما يلتمس ابن إياس العذر له بأن البلاد الشامية والحلبية في غاية الاضطراب والدولة في حاجة للأموال([57])، فقد كان المباشرون بالنسبة لملك الأمراء خاير بك أداة يستخدمها لجمع الأموال دون التفكير في النتائج التي أضرت بالبلاد لهروب الفلاحين؛ مما أدى لبوار كثير من الأراضي، ووصل الأمر لعجز الديوان في آخر عهد خاير بك عن دفع مرتبات العسكر، وكل ذلك من أجل إرضاء السلطان، والظهور أمامه بالولاء التام دون التفكير في حال الرعية أو البلاد.
ب: رجال العلم والفقهاء:
يأتي بعد ذلك أهل العلم والدين؛ حيث كان يساند الطبقة الحاكمة في قراراتهم علماء الدين، ورجال القضاء، وكان أول اتصال لهم بالدولة العثمانية عند دخول السلطان سليم القاهرة، إذ عين جماعة من نواب القضاة والشهود للسفر إلى إسطنبول، وجعل في المدرسة الصالحية قاضيا من قبله سماه قاضي العرب؛ فمنع نواب قضاة مصر والشهود من عملهم، ووكلت كل أشغال القضاء إلى هذا القاضي، فحصل للناس كلفة، ومشقة؛ وقال ابن إياس في هذا “ضاعت على الناس حقوقه، وكان القاضي الذي قرره ابن عثمان… أجهل من حمار، وليس يدري شيئا في الأحكام الشرعية“، وفي هذا الصدد قال أبو الفتح السراجي أحد نواب الحنفية، وأحد علماء النحو، وكان من أفاضل عصره:
لهفي على الشرع الشريف وحكمهِ * قد كان في زمن القضاة موقرا([58])
وقد استعان المجتمع بهذا القاضي بسبب معاملة العسكر العثماني؛ فما كان منه إلا أن دخل على ملك الأمراء وحذّره من ضياع مصالح الرعايا وخراب مصر؛ فأصدر ملك الأمراء أمرا بمنع النساء والصبيان من الخروج من البيت([59]) وعلى الجانب الآخر وُجدَ علماء لم يسعوا للمناصب، فعندما نزل ملك الأمراء من القلعة وزار الشيخ عبدالقادر الدشطوطي قال له: “أتوصى بالرعية، فإنك تُسأل عن ذلك يوم القيامة“([60])، وكان من عادة قضاة المذاهب الأربعة في مستهل الشهر، والمناسبات الدينية الطلوع إلى القلعة، وتهنئة ملك الأمراء خاير بك بالشهر الفضيل، والرجوع إلى دورهم، أو التوجه إلى مقياس النيل للدعاء من أجل أن يوفي النيل، وربما كان ذلك هو دورهم الأساس الذي ارتضوا به في ظل وجود العثمانيين في مصر([61])،ومنذ شهر (شعبان928هـ/ يونيو1521م) لم يطلع أحد من القضاة لتهنئة ملك الأمراء بالشهر الفضيل؛ للعزل القائم عليهم بسبب وجود قاضي العسكر مكانهم بأمر السلطان العثماني([62]).
وقد تراجع حال القضاة في أوائل العصر العثماني عما كان عليه في العصر المملوكي، وزاد من إهانة دور القضاء والقضاة المصريين وجود شخص من أمراء ابن عثمان يجلس بباب المدرسة الصالحية، تحرسه جماعة من الإنكشارية، حيث كان لا يقضي أمرا من الأحكام الشرعية حتى يعرض عليه عن طريق ترجمان، ويأخذ من الشاكي والمشتكي مالًا مقررًا، ولا تستطيع القضاة المعينون معارضته، وإلى ذلك يشير ابن إياس([63]): “ضعفت شوكة الشرع في هذه الأيام جدا”. وقد زاد الغزو العثماني من سلطة القاضي على حساب سلطة الوالي (رئيس الشرطة) والمحتسب –كما سنرى– إذ يحدد القانون أن الوالي لن تصبح له وظيفة قضائية لأن هذه الوظائف تصبح بعد ذلك من اختصاص القاضي دون سواه([64]).
وعندما أساء الزيني بركات بن موسى (هو قاضٍ مصري، كان محتسب القاهرة في أواخر عهد المماليك، وبعد غزو العثمانين لمصر أصبح رجلهم) استخدام منصب الحسبة بتعين أحد العثمانية بدلًا عنه لسفره؛ ضاقت أحوال المسلمين وغلت الأسعار؛ فهجم التركمان على القاضي عبد العظيم، وطلعوا به إلى خاير بك وأجبروه على تولية الحسبة بدلًا عن الزيني حفاظًا لمصر، وفي (رجب925هـ/ يونيو1519م) أمر أحد أمراء العثمانية خاير بك بنفي قاضي القضاة لمعارضته فنفاه، وبعد ذلك بعام خفض ملك الأمراء رواتب القضاة الأربعة، بل قيل لهم أن يتّبعوا القانون العثماني؛ فضلًا عن أخذ الوالي لما يتحصل من عقود الأنكحة وغير ذلك حتى “صارت المدرسة الصالحية ليس يلوح بها قاضٍ ولا شاهد ولا متعمم بعد ما كانت قلعة العلماء“، على حد قول ابن إياس. وقد استخدم ملك الأمراء القاضي الحنفي في أخذ حقوق الناس غصبًا، وعندما روجع من قبل علماء الأزهر، كانت حجته أنه أمر السلطان العثماني([65])،فقد كان الحط من القضاة وعلماء الدين يزداد شهرًا بعد شهر وعامًا بعد عام؛ مما يوحي بعثمنة الدولة تدريجيا وطمس كل ما هو مصري.
والحق أن العلماء ورجال القضاء بصفة عامة كانوا ممزقين بين مصالحهم الشخصية، التي عادة ما يتم إشباعها من الحاكم الجائر، وبين مسئوليتهم الأخلاقية تجاه المجتمع المسلم بصفة عامة؛ إذ كان سلوكهم هو مبدأ الطاعة للسلطة السياسية، مما استبعد أي فعل متطرف أو عنيف، وأيًّا ما كان الأمر؛ فإن كثيرًا ما كان ذلك يتوقف على شخصية العالم كفرد([66]).
وعلى كل حال، كان عهد الدولة العثمانية من أكثر عهود الإهانة والإذلال للقضاة ونوابهم، دون وجود من يرد قراراتهم، فقد أدرك العثمانيون أهمية فقهاء الشرع، وبالأخص القضاة، في تيسير أعمالهم وتنفيذ أحكامهم؛ فضلًا عن أهمية القضاء في إدارة البلاد، ولذا كان لا بد من تطبيع الجهاز القضائي بالدولة بما يتوافق مع سياسة الدولة العثمانية، ولكن كان هذا العمل يتطلب التدريج حتى تم ذلك في عام (928هـ/1552م).
وبعد هذا العرض لوضع الحكام أو الطبقة الحاكمة في حكم الدولة العثمانية، وتغيير مستوى القوى في الدولة، وكيف أصبح صناع القرار هم رجال الدولة العثمانية متمثلين في السلطان العثماني، والنائب الخاضع لقرارات السلطان العثماني، والحامية العثمانية التي كانت عبئًا على كاهل الشعب المصري، ومجرد عيون للسلطان العثماني أكثر من اختصاصهم المنوط به عملهم، بينما حاول المماليك الجراكسة الدخول في جعبتهم بشتى الطرق، بعد فقدانهم كل ما يملكون من سلطة ونفوذ ومال أمام الجيش العثماني؛ فحاولوا حفظ هيمنتهم على المجتمع المصري الذي اعتادوا أن يحكموه ويخضع لهم، وتم لهم ما أرادوا تحت قيادة الدولة العثمانية، أما وظيفة النائب فلم يتح لنا كتاب ابن إياس التعمق في اختصاصات هذه الوظيفة، حيث إن خاير بك القائم بأعمال النائب كان هدفه جمع أكبر قدر من المال، وتقديم سبل الولاء والطاعة للسلطان العثماني؛ ليظل باقيا على كرسيه حتى وفاته في ذي القعدة 928هـ/سبتمبر1521م، بينما كان انتهاء ابن إياس من كتابه بعد ذلك بشهر تقريبا.
وقد أهان خاير بك المنصب، وقلل كثيرا من أهميته لثاني أهم ولاية بالدولة العثمانية لدرجة أن السلطان سليمان ولاها للوزير الأعظم مصطفى باشا بعد وفاته؛ فكان كاللولب في أيدي العسكر ومن قبلهم السلطان، يحركونه كما أرادوا. أما المباشرون ومن داروا في فلك السلطة الحاكمة، فكان عملهم الأساس هو جمع أكبر قدر من المال لإرساله للسلطان العثماني بأمر النائب، وسُلِّطوا على المجتمع المصري بكل طبقاته، وكانت فئة العلماء والفقهاء المتمثلون في القضاء مجرد فئة زالت أهميتهم وقدرتهم على الوقوف في وجه الحاكم مثل أيام السلاطين العظام، ولم يكن لهم رأي يُسمع أو كلمة حق في وقت ظلم، وكان عملهم في تهنئة ملك الأمراء بالشهر الجديد والمناسبات، وكان هذا نوعا من السياسة التي طبّقت عليهم؛ لفصلهم نهائيا عن المجتمع، من أجل عثمنة الدولة بيد قاضي العسكر العثماني المنوط به الحكم بين الناس هو ورجاله في جميع القضايا؛ فلم يُهَن علماء الدين والقضاة منذ أيام السلطان الظاهر برقوق أكثر مما أُهينوا على يد الدولة العثمانية في مصر.
3: طبقة الرعية:
وهي الطبقة المحكومة التي كانت خاضعة لأوامر السلطة الحاكمة، فقد شكل العامة السواد الأعظم من هذا المجتمع، يتأثرون بمشاكله، ويؤثرون فيه، ويخضعون لقانون الدولة رضوا أم لم يرضوا؛ فكان كل ما يهمهم هو أن يعيشوا في أمن تام، ويجدوا ما يسد رمقهم.
وبدخول العثمانيين للقاهرة عنوة نهب عسكرهم أهلها، وأشار ابن إياس لأفعالهم بقوله “انطلق في أهل مصر جمرة نار“، حيث صاروا يخطفون جماعة من الصبيان المُرد والعبيد السود، ورغم المناداة بعدم التشويش على الرعية، إلا أن العسكر صاروا ينهبون بيوت الناس، واستمر النهب ثلاثة أيام، “وصارت أهل مصر تحت أَسْرهم“([67])، حتى قيل إنه قُتِل فوق عشرة آلاف إنسان في أربعة أيام، واستولى العسكر على بيوت الناس في الأحياء، وسكنوا فيها، وتكرر الأمر بعد ذلك ليزداد العوام فقرًا، وعند مطاردتهم للسلطان طومان باي أخذوا السقائين غصبًا، وقاسى أهل مصر من قلة الماء بسبب ذلك([68])،ويبدو أن ذلك قد وافق هوى السلطان سليم، فعندما سافر إلى غزة أخذ السقائين معه؛ فقاسى الناس العطش([69]).
ومن شدة خوف الناس في القاهرة من الحامية العثمانية، ضيقوا أبوابها الكبار حتى لا يدخل منها راكب؛ فضلًا عن العُملة الجديدة التي أصدرها سليم، والتي جعلت البضاعة تباع بسعرين، فتسبب ذلك إما بإغلاق الأسواق، أو بزيادة الأسعار([70])،وأشار ابن إياس إلى أن عدد الذين رحلوا عن مصر إلى إسطنبول في حدود ألف وثمانمائة إنسان من جميع فئات المجتمع، مما يدل على قسوة السلطان سليم؛ فكانت عادته حينما يفتح بلدًا أن يأخذ جماعة إلى بلاده، ويحضر من بلاده عوضًا عن الذين أخذهم، وقد لاقى الناس أشد الإهانة لسفرهم وكأنهم مجرمون([71])،ومن تلك الأحداث رسم لنا ابن إياس صورة لحال عامة المجتمع المصري، حيث قال عن أفعال السلطان سليم في العامة “انتهك حرمة مصر… ويتّم أطفالها، وأَسَر رجالها، وبدّد أحوالها وأظهر أهوالها“، ولم يكتفِ بذلك بل خرج محمّلا بكنوزها بكل شكل ونوع، وسرق وزراؤه كتبها، وأبطل العديد من الاحتفالات التي كانت في عهد الدولة المملوكية “وصارت مصر لا يُعرف لها نظام مما كان يُعمل بها“، وفي أثر ذلك ضاع على أهل مصر كثير من التوسعة والهبات([72])، وكان خاير بك النائب أكثر قسوة مع العامة فكان “يحكم بين الناس بالعسف والظلم“([73]) مما زاد من معاناة المجتمع المصري وزاد في فقرهم.
وكان أول تفاعل إيجابي للعامة ضد خاير بك في (رمضان924هـ/سبتمبر1518م) عندما غلت الأسعار، وقل الخبز في الأسواق حيث “قالوا له: انظر في أحوال المسلمين… ألا تضير في ذمتك“، فرسم بفتح شونتين (والشونة مخزن الغلة والحصائد والتبن والعلف)، لتفرّق على الطحانين([74])، وقد صار الظلم على العامة بوضع أيدي المباشرين على الأوقاف والأرزاق، ومن جهة أخرى كان العسكر العثمانيون يخطفون النساء والصبيان والمرد ويفسقون بهم أمام الناس، ورغم ذلك عنّف السلطان العثماني خاير بك لرخوه أمام أفعال العسكر، وضرب رقاب أربعمائة من عسكره لفسادهم بأهل مصر، وتعددت الخطابات بعد ذلك للنائب من السلطان سليم والسلطان سليمان، بأن يتوصى بالرعية، وينظر في أحوالهم، ولا يمكِّن العسكر العثمانيين من النزول إلى المدينة([75])، وعندما تولى الباشا الجديد، بعد وفاة ملك الأمراء، بدأ في عثمنة الولاية المصرية بمظلمة جديدة، حيث عزل المحتسب بركات بن موسى، وعيّن أحد أقاربه فيها، وأخذ مفاتيح حواصل القلعة، وسلّمها إلى جماعة من الأروام من حاشيته؛ حيث “طرد البوابين والغلمان والركابة والبابية والركب دارية والفراشين… وأبطل الطباخين من المطبخ، حتى أبطل السقايين، وأقام جماعة من الأروام عوضهم وأبطل المقرئين… وأبطل جميع نظام القلعة“([76]).
لقد كانت كل تلك الأفعال المقصود بها إفقار طبقة العامة، وجعل قوت يومهم بأيديهم فقط –أي: العثمانية– وجعل المجتمع المصري في حاجة دائمة، وليس له الحق في أن يفكر في أكثر من ذلك؛ فكان الغرض من هذا إذلاله وإهانته.
أ: التجار:
إذا نظرنا للوضع الطبقي لهذه الفئة؛ نجد أن فئة التجار هم أرفع فئات الطبقة المحكومة قدرًا، وبشكل عام كان أول تعامل بين الدولة العثمانية مع الرعية في أثناء جمع فئات المجتمع في المدرسة الغورية من أجل السفر إلى إسطنبول، ومن ضمن هؤلاء كان التجار، مثل تجار الوراقين والشرب والباسطية وغيرها من أعيان التجار “وكانت هذه الواقعة من أبشع الوقائع المنكرة التي لم يقع لأهل مصر قط مثلها فيما تقدم من الزمان“، على حد قول ابن إياس([77])،ونقل ابن إياس عن القاضي الفتح السراجي فيهم:
وكذاكَ أعيانُ التُّجارِ وغيرُهم * ممن بمصرَ صار دمعوا أنهُرا([78])
ويُعد كبار التجار وأعيانهم جزءا فعّالا من الاقتصاد المصري، بفضل نشاطهم وأعمالهم، ولكن صدامهم المستمر مع السلطة العثمانية في مصر، عرّضهم للعديد من الانتهاكات وصل إلى حد السجن، ومصادرة أموالهم، فضلًا عن ترك تجارتهم لهجمات العربان، مما أدى لتدهور الاقتصاد المصري، حيث قام في ضوء ذلك بقية التجار بإغلاق تجارتهم، وتعطلت الأسواق، وزادت تلك الأحداث في أثناء خلافات الحامية العثمانية والمماليك([79]).
ويعد موضوع صرف العُملة إحدى المشاكل التي واجهت التجار، وغالبًا ما كان ملك الأمراء يجبرهم على التعامل بسعر الصرف الذي حدده، رغم ضرر الناس بذلك([80]) وربما تعرض بعض التجار لضائقة مالية بسبب الظروف التي آلت إليها البلاد، ودفع بعضهم حياته ثمن ذلك أحيانا([81]).
وأدى نظام عثمنة الدولة الذي أصدره السلطان سليمان في (ذي الحجة 927هـ/ نوفمبر1520م) إلى أن التجار وأرباب البضائع لا يتعاملون إلا بالذراع الإسطنبولي وإبطال الذراع الهاشمي([82])؛ فشق ذلك على التجار وأرباب البضائع، وكانت رسل المحتسب تدخل الدكاكين وتأخذ الأذرعة الحديد التي عندهم وتكسرها، وتكرر الأمر بعد ذلك بعام، ولم يكن هذا فقط؛ بل نودي في القاهرة بإبطال السنج والأرطال القديمة، والتعامل بسنج نحاس وأرطال تسمى العثمانية([83]).
ورغم أن التجار كانوا أعلى فئة في الطبقة المحكومة قدرا ومالًا، إلا أنهم تعرضوا لسياسات الإهانة والإذلال بالقبض عليهم والسجن، وكان السبيل الوحيد لحفظ كرامتهم على حد قول ابن إياس “يشترون أنفسهم من جماعة الوالي… حتى يخلصوا من أيديهم”([84])، فقد عانت هذه الفئة من المجتمع المصري بسبب عسكر الدولة؛ فعندما تعثرت ظروف الحامية العثمانية بالدولة أجبرت التجار على الدخول في عمليات المشاركة التجارية، وتمت بين التجار وقادة وأفراد من الوحدات العسكرية العثمانية ليصبحوا مع الوقت هم والتجار طبقة تكاد تكون واحدة([85]) ؛ فضلًا عن ذلك انهارت كثير من الصناعات، حيث أُبطلت خمسون صِنعة، وخربت بيوت أصحابها بيد الدولة العثمانية، وذلك لطمس الحضارة المملوكية بترحيل كثير من الصناع لإسطنبول، وإن قسنا نتائج تلك الأفعال سيظهر لنا تأثير ذلك على التجارة، وانهيار وضع التجار اجتماعيًا، واقتصاديًا([86]).
ب:الصنّاع:
تأتي بعد فئة التجار الصناع، والسوقة والفلاحون، فقد تعمد السلطان العثماني أن يفرغ مصر من خيرة أبنائها من الصناع المهرة من “البنائين والنجارين والمرخمين والمبلطين والحدادين وغير ذلك من المعلمين“، من أجل أن يسافروا إلى إسطنبول، وذلك لبناء جامع وحمّام على طراز مدرسة الغوري، ونرى الإذلال في أثناء طلب الصناع العودة لبلادهم بعد الانتهاء من عملهم لرؤية أولادهم، فوافق السلطان على طلبهم شريطة وجود ضامن برجوعهم إلى إسطنبول([87]) وتُعد تلك إحدى الخطوات لبناء الحضارة العثمانية بإسطنبول، وطمس الحضارة المملوكية، والتفكير في عثمنة الدولة المصرية.
ج: السوقة:
نرى السوقة عندما توقف النيل عن حد الوفاء في (رجب923هـ/يوليو1517م) اضطربت الأسواق، وعند وفاء حد النيل منعت الاحتفالات([88]) ووجدت طرق أخرى للتضييق على أرزاق السوقة ففي أول عام (925هـ/1519م) طلب نائب المحتسب من السوقة أن يبيضوا دكاكينهم ويزخرفوها، لمجئ بركات بن موسى المحتسب من الحجاز؛ فضلًا عن شكوى السوقة وغيرهم من نظام المعاملة النقدية الجديدة إلى ملك الأمراء؛ فما كان منه إلا أن بعث للعسكر الانكشاري لضربهم بالعصي، ولم يراعِ أحوالهم وتعنت معهم([89]).
د: المكارية:
من ضمن الفئات الأخرى التى كان لها نصيب في ذكر مؤرخنا، كانت المكارية (أي سائقي الحمير)؛ ففي(رجب928هـ/ مايو1521م) عندما وجد قاضي العسكر نساء مصر يتحدثن مع جماعة من عسكر الأصبهانية في وسط السوق، فعنّف ملكَ الأمراء الذي أمر بمنع ركوب النساء مع مكاريٍّ مطلقا، وإلا شُنق؛ مما أدى لكساد عملهم، وقطع أرزاقهم؛ فباعوا حميرهم واشتروا بدلها جمال، وركبت النساء عليها وذلك “على طريقة أهل إسطنبول، وفيهم من ركب على بغل“([90])، وما يلفت الانتباه هنا هو محاولة عثمنة مصر المملوكية بالعادات، والتقاليد، أو التعامل مع الصناع، والسوقة بترحيلهم إلى إسطنبول.
هـ: الفلاحون:
أما الفلاحون فقد قاسوا من الحكام، سواء من أهل البلد أم من خارجها، على الرغم أنهم الدعامة الأساس لعصب الاقتصاد المصري؛ فبدونهم تنهار سبل الحياة؛ فهم ونهر النيل وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الاستغناء عن أي منهما، ومع كل ذلك كانوا دائمًا مقهورين من السلطة الحاكمة يُستخدمون لتحسين الاقتصاد المصري من الزراعة، ومع كل ذلك ليس لهم أية حقوق، بل عليهم كل الواجبات.
وكان أول احتكاك لهم مع الدولة العثمانية عندما دخل عسكر السلطان بلبيس، ورحّلوا فلاحيها عنها، فدخلوا القاهرة خوفا من النهب، وفي موقف آخر هجم جان بردي الغزالي (شركسي الأصل، وكان مملوكا للأمير تغري بردي، وتولى حكم دمشق بعد سقوط مصر والشام) على بلاد الشرقية فنهب ما فيها من حيوانات، وأَسَر نساء الفلاحين وأولادهم وباعهم بأبخس الأثمان، وعاتب وزيرُ الدولة العثمانية يونس باشا (أحد الوزراء البارزين بالدولة العثمانية) الغزاليَّ على تلك الأفعال، ونادى في القاهرة بردِّ ما أُخذ لأصحابه([91]) وقد ظهر حكم العثمانيين وسيطرتهم على البلاد عندما توجه المباشرون إلى الشرقية، ومسحوا الأراضي، وجاروا على المقطعين في المساحة، وقرروا على البلاد التي نزلوها أموالًا بحسب رغبتهم؛ فجبوا أكثر من مائة ألف دينار بعد الضرب المؤلم للفلاحين، ووضعهم في الحديد، وكل هذا بعلم ملك الأمراء، حتى قال عنه ابن إياس: “عد هذا من جملة مساوئة في حق أهل مصر“، ولصقت بالفلاحين الضرب والإهانة حتى إنه أدى لموت أحد الفلاحين بالغربية من شدة الضرب، وهذا بخلاف العسكر العثماني الذي استحلّ نساء الفلاحين وبناتهم؛ وفضلًا عن نهبهم للضياع المتاخمة لبلبيس والصالحية([92]).
وربما هذا ما دفع جمعا غفيرا من الفلاحين إلى الاستغاثة بالأمير سنان باشا (قائد عسكري عثماني من أصل ألباني، وسمي حاكما على مصر 977هـ/1569م) في أثناء مروره على ضياع الشرقية، حيث قالوا له “قد خربنا من الظلم… فأوعدهم بالنظر في أحوالهم؛ فلم يظهر لقوله نتيجة فيما بعد، واستمر كل شئ على حاله“، ومما زاد من سوء أحوال الفلاحين أمر المعاملة الجديدة من العملة مما أدى لخراب البلاد؛ فضلًا عن الضرائب التي تفرض عليهم من آن لآخر، فمثلًا أخلع ملك الأمراء على بركات المحتسب وقرره في التحدث على جهات الشرقية من المطرية – التي تتبع محافظة الدقهلية – إلى دمياط، ويلتزم بدفع أربعمائة ألف دينار سنويًا([93])،وعلى النقيض من ذلك وصل الأمر إلى أن أحد الباحثين صوّر التركي بالمُدافِع عن الفلاحين الذين يتعرضون لأشد أنواع العذاب([94]) بل وأورد رؤية السلطة العثمانية في الاهتمام بإعادة إسكان القرى المهجورة، وحماية الفلاحين من البدو، ووفقًا لقانون نامة مصر أعطى الحق للفلاحين أن من يأتي برأس بدوي نهّاب فله الحق في أخذ حصانه وسلاحه وثيابه([95]).
د: الذعران والغلمان:
كان للذعران والغلمان دور في حالة الفوضى التي عمت البلاد في أثناء دخول العثمانيين القاهرة – فهم يقبعون في الفقر- حيث نهبوا البيوت في حجة العثمانية، وفي موضع آخر صار “عياق مصر يغمزون العثمانية على حواصل الخوندات والستات… فانفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر“([96])، ويقصد بذلك أن بعض الطبقات -عامة مصر والقاهرة– كانوا يقومون بالوشاية لصالح العثمانيين على من تمتلك مالًا من زوجات المماليك؛ فكان هذا عملهم الوحيد الذي يدر لهم بعض الربح.
ن: الفقراء:
أما الفقراء من القراء والوعاظ، وبعض الفقهاء فقد زادوا فقرًا، وذلك لأن اعتماد كل هؤلاء في أرزاقهم بعد الله على المناسبات، والموالد التي كان يقيمها سلاطين المماليك، ولكن بمجرد أن أصبحت مصر نيابة، اختُصرت كل الاحتفالات والأعياد، فمثلًا الاحتفال بالمولد النبوي في عهد ملك الأمراء “لم يشعر به أحد من الناس“، وضيق على هؤلاء الفقراء، ويقارن ابن إياس بين تلك الأيام في عهد نيابة خاير بك، وأيام سلاطين المماليك، وطريقة احتفالاتهم بالمناسبات لدرجة أنه قال “مد سماطًا لا يسمن ولا يغني من جوع، وأين هذا مما كان يعمل في موالد من تقدم من سلاطين“([97]) وفي(شوال928هـ/أغسطس1521م) زاد حال الفقراء سوءًا عندما قَدِم الخواجا ابن عباد الله من إسطنبول، الذي أقره السلطان سليمان في نظر الأوقاف بمصر والشام؛ فكان من مهامه كشف سائر أوقاف الجوامع والمدارس، وعَزَل من الصوفية من شاء وأبقى من شاء؛ بل عزل الفقهاء عن الوظائف وقرر بها الأروام([98]).
وبمجرد تولي إبراهيم باشا حكم مصر عام (931هـ/1524م) أعاد تنظيم البلاد، وأطلق سراح الفقراء المسجونين بسبب الديون، وأصدر أمرًا بإعالة اليتامى على حساب الدولة، وإصلاح المساجد والمآوى وغيرها من المؤسسات الإسلامية، وأطلق المنادون في الشوارع يدعون كل من له شكوى أن يتقدم بها إلى الصدر الأعظم مباشرة، بل استطاع الباشا أن يجمع بين محبة الشعب للطريقة العثمانة النموذجية، وأقصى صنوف الاضطهاد والتنكيل، وتمكن بذلك من إقرار الأمن في البلاد وعاد في (932هـ/1525م)([99])، ورغم كل هذا يأتي أحد الباحثين ويشير إلى النظر للشخص التركي على أنه يقف بثبات إلى جانب المساكين والفقراء، الذين يطعمون السادة الأغنياء بعملهم، ولا يحصلون لقاء ذلك إلا على المزيد من المتاعب([100]) في حين أشار مؤرخ آخر أن لكل جامع في القاهرة نحو700 مطبخ للمحتاجين، وأن هذا العدد هبط عند دخول السلطان سليم إلى المدينة حتى وصل إلى 165 مطبخًا، وقد حاول العثمانيون المحافظة على هذا العدد([101]) ورغم أن هذا العدد غير واقعي ومبالغ فيه جدًا إلا أنه دليل على الانهيار الحضاري والاجتماعي للدولة.
ح: العربان:
وتعد طائفة العربان جزءا لا يتجزأ من المجتمع المصري، ومع ذلك كانوا منفصلين عن الدولة لا تدين بالولاء لأحد، فهم دائما وأبدا مصدر إزعاج للسلطة الحاكمة، وهدفهم الأول هو مصالحهم التي يسعون للمحافظة عليها بأي طريقة كانت، ومن شدة قوّتهم وعصبيتهم حاولت السلطة الحاكمة بمصر مهادنتهم بشكل كبير، ولكن عندما تشتد وطأتهم على البلاد، وبالأخص الفلاحين تقوم السلطة بإرسال تجريدات للحد من قوتهم، وغالبا ما يعودون لما كانوا عليه؛ فكانوا بمنزلة دولة داخل دولة.
والعربان أو الأعراب هم القبائل التي دخلت مصر مع الفتح العربي، ولم تندمج بين طيات الشعب، وتناثرت شمالًا وجنوبًا، وهذه القبائل تنشطر إلى بطون وأفخاذ وعشائر عديدة، وحازت على كثير من الإقطاعات في معظم أقاليم مصر في العصر المملوكي([102]) وذكر ابن طولون([103]) عن أمراء العربان: إذا أعطاهم السلطان إقطاعًا قطعوا الطرقات وسفكوا الدماء، كما يأخذون المرأة غصبًا حتى لو كانت في عصمة رجل آخر، وقد أحصى المقريزي والقلقشندي قبائل العربان كما ذكروا أصولها وأماكن تجمع كل منها، سواء في الوجه البحري أم القبلي، بما يدل على قوتهم، بل أشاروا لمدى وصولهم لدرجة كبيرة من الثروة والغنى([104]).
وكانت غارات العربان هي أحد مظاهر تحدي الدولة من الداخل، بما تسببه من تشتت قوى الجيش المملوكي في القضاء على تمردهم، فضلًا عن تدمير الاقتصاد المصري بالتعدي على القوافل التجارية، وهروب الفلاحين بسببهم؛ ليؤثر ذلك على الجانب الزراعي الذي هو أحد أهم الأركان لاقتصاد الدولة ومصر بصفة عامة.
وقد كان العربان ذوي طابع خاص مختلف عن أهل الحضر فنظرًا “لتفردهم عن المجتمع، وتوحشهم في الضواحي، وبُعدهم عن الحامية، وانتباذهم عن الأسوار والأبواب، قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يَكِلُونها إلى سواهم، ولا يثقون فيهم بغيرهم، فهم دائمًا يحملون السلاح، ويلتفتون عن كل جانب في الطرق… واثقين بأنفسهم قد صار لهم البأس خُلقًا، والشجاعة سجية، يرجعون إليها متى دعاهم داع… وأهل الحضر مهما خالطوهم في البادية أو صاحبوهم في السفر… لا يملكون معهم شيئًا من أمر أنفسهم“([105]).
وكان أول لقاء بين العربان والدولة العثمانية في المعارك الداخلية أول عام(923هـ/1517م)، عندما تمركز العربان عند قنطرة الحاجب (أنشأها الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب عام 725هـ/1334م، وهى تصل بين أرض الطبالة ومنية السيرج)، وقتلوا من يلوح لهم من العثمانية؛ فضلًا عن حمايتهم للسلطان طومان باي، و لكن عندما أحسوا بدنو موقف المماليك، وعلو شأن العثمانيين فكروا في مصلحتهم أولًا، ويظهر ذلك من خلال كشف حسن بن مرعي-أحد قواد العربان-عن هوية السلطان طومان باي للسلطة العثمانية؛ مما تسبب في شنقه في ربيع أول([106]).
وقد حذا زعماء القبائل البدوية الكبرى في مصر حذو أهالي القاهرة في الإعراب عن ولائهم للسلطان سليم، ومع ذلك تفهّمت الإدارة العثمانية حياة البدو، ولم تتدخل في أسلوب حياة القبائل البدوية، ولكن قُضي على إخلالهم بالأمن، وتهديدهم للطرق، ونلاحظ أنه لم يطرأ على عرب المشرق تبدل يستحق الذكر بالنسبة لما قبل الدولة العثمانية([107]).
ويبدو أن تعاونهم مع العثمانيين جعلهم في مأمن لبعض الوقت؛ حيث استغل شيخ عبد الدايم بن بقر أحد زعماء العربان فرصة انشغال الجيش العثماني بالتصدي لأمراء المماليك، وقام بتخريب أغلب مناطق الشرقية، ونهب أموال التجار، واستمر بالفساد في تلك الجهات، وفشل خاير بك في استمالة الشيخ عبد الدايم؛ فعيّن والده أحمد، ولكن في (صفر924هـ/ فبراير1518م) كثرت الإشاعات بعصيان عبد الدايم، واضطربت أحوال الشرقية؛ واستمرت عاداتهم طوال الحكم العثماني بمصر من فساد وقطع طرق على الفلاحين وسرقة ونهب، وكان الحل من وجهة نظر السلطة الحاكمة تنصيبهم على بعض البلاد لرعايتها، والمحافظة على خراجها وإرسال التجريدات لهم تارة أخرى للحد من فسادهم، سواء في البلاد أم مضايقتهم للحجاج، ولكن هذا لم يعط فائدة ملموسة بدليل تكرار أفعالهم([108])، وبعد وفاة السلطان سليم لجأ ملك الأمراء لاتّباع سياسة أكثر هدوءًا مع العربان؛ وبالأخص عندما وردت الأخبار من الشام بسلطنة الغزالي، حيث عمد إلى الاستعانة بهم في (ذي الحجة926هـ/ نوفمبر1519م) لملاقاة نائب الشام؛ فضلًا عن تأمين جانبهم من أعمال الشغب والفساد في البلاد، ولكن زاد فسادهم ووصل الأمر لتحالف سبع طوائف من العربان لخروجهم عن الطاعة وإظهار العصيان، ونهب البلاد كما حدث بالشرقية، وفي ضوء هذا أيقن السلطان سليمان أن التعامل معهم بود ولين أفضل من القسوة والشدة؛ فأرسل لمشايخ العربان- لكل واحد منهم- بمصر مرسومًا مع قفطان([109])، وكانت قدرة العربان على تحدي سلطات الدولة تأتي من إمكانية تحركهم السريع وتغيير أماكن إقامتهم؛ فضلًا عن امتلاكهم للخيول، وهي القوى الضاربة في جيوش ذلك العصر([110]).
فقد حرص العربان على البحث عن مصالحهم في المقام الأول، ومنهم من كان معروفا بالطاعة والخضوع، وغيرهم بالتمرد والعصيان، وقد وُجِدت في قبيلة واحدة النوعان، وقد يتغير قرارهم من العصيان إلى الخضوع حسب الظروف الموالية للأحداث. وعموما فقد كان مؤرخنا ابن إياس أكثر معرفة بوضع العربان، فكل إشاراته لهم تنم عن قوتهم وفسادهم، وفشل السلطة في مقاومتهم بما يوحي بأنهم أشبه بدولة داخل الدولة؛ حتى سلطان الدولة العثمانية عندما أيقن هذا الأمر عمل على مهادنتهم؛ فهم فئة لهم قوانينهم وعاداتهم ولا يخضعون لأي سلطة أخرى، ومثلوا جزءا لا بأس به من المجتمع المصري على الأراضي المصرية بشكل عام.
4: أهل الذمة:
أما عن أهل الذمة فهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري، يتأثرون بعاداته وتقاليده واحتفالاته وأفراحه، فكان التعامل معهم كبقية المجتمع المصري، حيث قام السلطان بنقل جماعة من اليهود مع نسائهم، وأولادهم لإسطنبول، بينما كان أول تعامل لهم مع النائب خاير بك عندما قبض على معلمي دار الضرب من اليهود في (جمادى الأولى 925هـ/ مايو1519م) بسبب الغش في عملات الذهب والفضة، فعاقبهم بدفع مائة ألف دينار أويتوجهون لإسطنبول، أو يصلحون ما فسد، فأغلظ عليه بعض اليهود، وقالوا له: أرنا مرسوم السلطان بالذهاب لإسطنبول، فكان مصيرهم سجن القلعة، وتكرر الأمر بشنق يهودي وآخر نصراني، لوجود غش في العملة، وآلة لغش العملة عند أحد اليهود([111])، ورغم ذلك يجب أن نشير إلى أن تفوقهم في الأعمال المالية والتجارية كان سببا مباشرًا في اعتماد النائب عليهم في تلك المناصب الهامة بالدولة، ولكنهم أساؤوا استخدام مناصبهم في جمع الأموال، بالتلاعب في العملة مما أضر بالسوق، وتحمل العامة عبء زيادة أسعار مختلف البضائع.
ويشير أحد المؤرخين أن ترحيل يهود القاهرة إلى إسطنبول الذي عَدَّه القاهريون إجراء قاسيًا، هو اعتراف عثماني بالمهارات الخاصة لدى الجالية اليهودية، تمامًا مثل غيرهم من الجماعات الأخرى الذين رُحِّلوا، وكذلك كان الوضع بالنسبة للأقباط، وأشار أنه في أثناء حكم خاير بك كأول حاكم عثماني لمصر، لم يمر وضع الذميين بأي تغيير([112])، في حين أشار إلى أن الفتح العثماني قد حسّن من ظروف الجالية اليهودية، بينما الحكم المملوكي كان حكمًا طاغيًا، ومستغلًا وتعسفيًا، يميل إلى ظلم الأقليات الدينية، فبدخول العثمانيين تخلصوا من المتاعب الاقتصادية، وتدهور الأمن لدى الذميين، واستفاد العثمانيون من مواهبهم الاقتصادية([113])، وفي ضوء هذا انتشرت أساطير كثيرة في تسامح العثمانيين في الدين ومحبة الشعب لهم، فجذبت إليهم قلوب المضطهدين والبائسين([114])، وهذا ما يمكن أن نسميه بالدعاية الإعلامية قبل الغزو.
أما النصارى فقد تقلدوا المهن العامة بالدولة، والخاصة بالشئون المالية، لما لهم من باع طويل في جمع الأموال، وبالأخص من الفلاحين، والطبقات الضعيفة، ووصل الأمر إلى سطوتهم في تلك الفترة، وتحكمهم في أموال مصر، ففي (ذي القعدة927هـ/أكتوبر1520م) تجاهر ثلاثة مباشرين نصارى بالمعاصي والسُّكْر، وعندما نهاهم أحد القضاة سبّوه وسبّوا دين الإسلام، ولكن لضعف القضاء في ذلك الوقت عجزوا عن قول كلمة حق وعن محاكمتهم، وما كان من العوام إلا أن حاولوا رجم القضاة([115])، وبتكرار الأمر والقبض على أحد النصارى والحكم بحرقة، أعلن إسلامه فعُفي عنه، أما الباقون فهربوا حتى تخمد الواقعة([116]).
ولكن قانون نامة مصر وُضِع به بند يوصي بعزل الذميين والمنوط بهم العمل كمباشرين، وعزل موظفي الجمارك اليهود في مينائي الإسكندرية والسويس، وهذا لاتهامهم بالتصرف على عكس الشريعة، ولا بد إحلال مسلمين محلهم([117])، فكان من شأن تلك القرارات إحداث خلل في العلاقة بين أهل الذمة والمسلمين؛ فضلًا عن تنمية الشعور عند أهل الذمة بالاضطهاد.
أهم نتائج البحث
([2] ) ابن إياس: محمد بن أحمد بن إياس الحنفي المصري، كتاب تاريخ مصر المشهور ببدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى، (القاهرة، ط2، دار الكتب، 2008م)، ج1ق1، ص4.
([3] ) ابن إياس، جواهر السلوك في أمر الخلفاء والملوك، تحقيق: محمد زينهم محمد عزب، (القاهرة، ط1، الدار الثقافية، 2006م)، ص4-6، 15.
([4] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج4، ص83، 374؛ قاسم، قاسم عبده قاسم، الرؤية الحضارية للتاريخ، (القاهرة، ط2، دار المعارف، 1985م)، ص219.
([5] ) ابن إياس، المصدر نفسه، مقدمة المؤلف، ج1ق1، ص3؛ محمد مصطفى زيادة، المؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر الميلادي، (القاهرة، ط2، 1954م)، ص 54.
([6] ) مؤرخو مصر الاسلامية ومصادر التاريخ الاسلامي، (القاهرة، مكتبة الأسرة، 1999م)، ص154،155.
([7] ) المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد، إغاثة الأمة بكشف الغمة، نشره: محمد مصطفى زيادة، جمال الدين الشيال، (القاهرة، ط3، دار الكتب، 2002م)، لمزيد عن تقسيم طبقات المجتمع المصري برؤية المقريزي في عهد دولة سلاطين المماليك انظر: ص72-75
([8] ) مؤرخو مصر الإسلامية، ص162.
([10] ) موير، وليم، دولة المماليك في مصر، ترجمة: محمود عابدين وسليم حسن، (القاهرة، ع25، مكتبة مدبولي، 1995م)، ص9؛ زيادة، المؤرخون في مصر، ص35؛ وقد قيل إنه تولى وظيفة مؤرخ للدولة في الحكومة المملوكية، برغم أنه لم يذكر شيئا من ذلك في كتبه، مع العلم أن وظيفة بهذا الاسم لم تعرف في نظام المماليك، انظر: زيادة، المرجع نفسه، ص51.
([11] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج2، ص316، ج5، ص364، 365.
([12] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج2، ص420.
([13] ) ابن تغري بردي: جمال الدين ابي المحاسن، يوسف بن تغري بردي الأتابكي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق محمد فهيم شلتوت، (القاهرة، ط2، دار الكتب المصرية، 2006م)، ج16، ص394-396؛ السخاوي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد، الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، (بيروت، د0ت)، ص201-205؛ ابن إياس، المصدر نفسه، ج3، ص183، 186.
([14] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج3، ص206، 210.
([15] ) نفسه، ج3، ص213، 218، 219، ويعد السبب الأساس في تلك الوحشة هو استيلاء سلطان المماليك على خنجر من هدية أرسلت من أحد الملوك إلى ابن عثمان مما أدى لغضب الأخير، وساعد أخو سوار في حربهم مع المماليك مما أدى لتخاذل السلطان، وأرسل هدية لابن عثمان و معها الخنجر بل، واعتذر له أملًا في الكف عن مساعدة علي دولات أخو سوار، حتى أرسل يسأل في الصلح مع السلطان، انظر: نفسه ص215-222.
([16] ) نفسه، ج3، ص 226، 228-230، 235، 237، 246، 250، 251، 254-257، 261، 266، 269، 273، 278، 282.
([17] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج4، ص398، ح5، ص361؛ أوليا چلبي: سياحة نامة مصر، (ترجمة: محمد علي عوني، تحقيق عبد الوهاب عزام، أحمد السعيد سليمان، دار الكتب، القاهرة، 2009م)، ص154، 155؛ البكري: التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية، (تحقيق: عبد الرحمن عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، دار الكتب، 2005م)، ص14، 32.
([18] ) لمزيد من التفاصيل عن انحسار التجارة العالمية وتدهور الاقتصاد انظر: ابن إياس، المصدر نفسه، ج4، ص359، 381، 382، 424، 436، 466، 472، ج5، ص82،90، وعن زيف النقود وتعدد الضرائب انظر: نفسه، ج4، ص357، 380، 428، 471،ج5، ص14،17، 19، 52-60، وعن دور المماليك في تدهور الأمن العام انظر: نفسه ج4، ص177، 178، 207، 235، 278، 295، 368، 427، 431، 464، 465، 474، 485، وعن المجاعات والأوبئة التي ألمت بمصر في أواخر عصر المماليك، انظر: نفسه، ج3، ص387-391، 411، ج4، ص63، 64، 75، 76، 296، 309، وعن دور العربان في تدهور الأمن، انظر: نفسه، ج3، ص393، 400، 414، 415، 445، ج4، ص52، 55، 72، 99، 104، 217، 256، 305، 357، 359، 371، 372، ج5، ص32، 79، 82، 110، 133.
([19] ) نفسه، ج5 ص123، 133، 138،140-142،145-151؛ البكري، المصدر نفسه، ص75، 77، 91.
([20] ) المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك (تحقيق: محمد مصطفى زيادة، ج1، ج2، سعيد عبد الفتاح عاشور ج3،ج4، القاهرة، ط3، دار الكتب، 2009م)، ج1ق2،ص436، 437؛ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، (القاهرة، مكتبة الآداب، 1996م)، ج1،ص361،ج2،ص302؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج7،ص83، 84؛ عاشور، سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام، (القاهرة، ط2، النهضة العربية، 1976م)، ص25 وما بعدها؛ قاسم، قاسم عبده قاسم، دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي عصر سلاطين المماليك، (القاهرة، ط1، المعارف، 1983م)، ص14، 15؛ بعض مظاهر الحياة اليومية في عصر سلاطين المماليك، موسوعة الحضارة العربية، (سوسة، تونس،ع16، المعارف، 1994م)، ص7.
([21] ) المقريزي، الخطط، ج1، 145،146،156؛ القلقشندي: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا (القاهرة، ط3، دار الكتب، 2010م)، ج3، ص457،ج4، ص4، 6،ج13، ص117؛ الأسدي:محمد بن محمد بن خليل، التيسير والاعتبار والتحرير والاختبار فيما يجب من حسن التدبير والتصرف والاختيار، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات (القاهرة، دار الفكر العربي، 1967م)، ص81، 82؛ ابن إياس، بدائع الزهور، ج4،ص125، 126؛ قاسم، قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب الصليبية،(الكويت، مجلة عالم المعرفة، ع 149، 1990م)، ص212-215، 169، 198؛ دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي، ص15-19؛ طرخان، إبراهيم على طرخان: مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة (1382- 1517م)،(القاهرة،النهضة المصرية، 1960م)، ص238.
Lane poole, Stanley, ahistory of Egypt in the middle ages, new imp. of (London 1968, p. 252
([22] ) ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: رضوان إبراهيم، مراجعة أحمد زكي، (القاهرة، ط1، دار إحياء الكتب، 1960م)، ص183؛ المقريزي، إغاثة الأمة، ص72-75؛ قاسم عبده قاسم، دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي، ص16، 17، 27.
([23] ) أوليا چلبي، سياحة نامة مصر، ص522.
Lane poole, Stanley, ahistory of Egypt in the middle ages, new imp. of
(London 1968), p. 355
([24] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص206، 207.
([25] ) إيفانوف، نيقولاي، الفتح العثماني للأقطار العربية 1516-1574م، ترجمة: يوسف عطا الله، (مراجعة مسعود ضاهر، القاهرة، تاريخ المشرق العربي الحديث، ع3، الفارابي، 1988م)، ص79.
([26] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص436، 459.
([28] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص481-485؛ البكري، التحفة البهية، ص104.
([29] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص273.
([30] ) التحفة البهية، ص19، 104.
([31] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص179، 267.
([32] ) نفسه، ج5، ص295، 296، 304، 330.
([33] ) نفسه، ج5، ص336، 338، 417، وقد أشار مؤرخنا لتغير خاطر ملك الأمراء من قبل الأمير كمشبغا الوالي فخرج الأخير مستاء من عنده، واحتجب في بيته، ولكن سرعان ما رضي عنه، وخلع عليه ملك الأمراء قفطانا، وقيل كان هذا مقابل دفع رشوة ستة آلاف دينار، انظر: نفسه، ج5، ص301.
([34] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص206؛ ولمزيد من التفاصيل عن فرق الحامية العثمانية، وهى سبع فرق، ينظر: كمال حامد مغيث، مصر في العصر العثماني 1517-1798م المجتمع والتعليم،(القاهرة، ط1، مركز الدراسات و المعلومات القانونية لحقوق الإنسان، 1997م)، ص63، 64.
([35] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص150، 151، 156، 157، 160، 161؛ البكري، التحفة البهية، ص80، 81.
([36] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص163، 164، 187.
([41] ) نفسه، ج5، ص226، 233، 234-240، 283.
([42] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص243، 244.
([44] ) نفسه، ج5، ص283، 286، 293، 298، 299، 306-309، 319، 329، 332، 333، 342، 343، 367، 379.
([46] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص177، 186، 187، 197-200؛ إيفانوف، الفتح العثماني، ص51.
([47] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص208،212، 213، 219، 220، 256-259، 261؛ إيفانوف، المرجع نفسه، ص73، 74.
([48] ) إيفانوف، المرجع نفسه، ص74.
([49] ) ميكل ونتر، المجتمع المصري تحت الحكم العثماني، ترجمة: إبراهيم محمد إبراهيم، (القاهرة، مراجعة عبد الرحمن عبدالله الشيخ، الهيئة العامة للكتاب، 2001 م)، ص87،88.
([50] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص224، 237-247، 255، 259، 261، 278، 284، 310، 322، 328، 366، 367، 404، 410، 428، 430، 436، 453، 483، 485، ونظرا لمهارة الجراكسة في الفروسية فقد اعتمد عليهم السلطان سليمان في غزوة رودس، وقيل إنه أجتمع بهم في رودس وأثنى عليهم، وأكرمهم، انظر: نفسه، ص463، 474، 475.
([51] ) نفسه، ج5، ص257، 271، 287، 288، 314.
([52] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص488-491.
([54] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص194، 222، 223، 262، 263؛ لمزيد من التفاصيل انظر: أوليا جلبي، سياحة نامة مصر، ص190،191؛ ابن مماتي، (الأسعد بن المهذب بن أبي مليح، ت 606هـ)، قوانين الدواوين، (تحقيق: عزيز سوريال عطية، الذخائر، ع 209، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة،2012م)، ص201
([55] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص278،279، 291-293.
([56] ) نفسه، ج5، ص 406، 411، 412.
([57] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص408-410، وقد كرر ابن إياس حال الديوان وأنشحاتة عام 928هـ/1521م في موضع آخر من الكتاب لعدم دفع مرتبات العسكر المملوكي. انظر: المصدر نفسه، ص429، 430.
([58] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص165، 182، 200، ويعد أول قاضٍ على مصر بعد عام 923هـ/1517م هو كمال باشزاده أحمد أفندي من أكبر علماء العثمانية، الذي صار صدرًا أعظم فيما بعد، وكان له مائة موظف ومائة خادم تابعين لأمره، وله مشاورون من المذاهب الأربعة، ويخضع له ثمانون قاضيًا من قضاة مصر. انظر: يلماز أوزنوتا، تاريخ الدولة العثمانية، (ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة محمود الانصاري، إستانبول- تركيا، م الثاني، منشورات فيصل، 1990م)، ص484، 835.
([59] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص234.
([61] ) نفسه، ج5، ص239، 254، 270، 284، 300، 302، 312، 316، 317، 320، 324، 330، 332، 337، 341، 343، 348، 353، 355، 368، 376، 379، وعن النيل انظر: المصدر نفسه، ص348، 349.
([62] ) نفسه، ج5، ص380، 392، 395، 399، 407، 414، 431، 439، 443، 450، 465، 470، 471، 477، 488.
([64] ) ميكل ونتر، المجتمع المصري، ص340.
([65] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص 303، 305، 417، 424-428.
([66] ) ميكل ونتر، المجتمع المصري، ص183.
([67] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص 146، 148-151.
([68] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص147، 156، 160-164، 168، 181، 195، 196، 214.
([70] ) نفسه، ج5، ص174، 180، 181، 332، 452، 453، 462، 463.
([71] ) نفسه، ج5، ص178، 182-188، 204، وفي موضع آخر أشار مؤرخنا أن عدد من رحل إلى أسطنبول دون الألف إنسان. انظر: نفسه، ص232؛ البكري، التحفة البهية، ص93، 94، 98.
([72] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص179، 226، 275، 276.
([73] ) نفسه، ج5، ص254، 255، 273، 274، 333، 358، 359، 377، 378، 484.
([74] ) نفسه، ج5، ص276، 282، 283، 302-304، 344.
([75] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص293، 323، 329، 353، 385، 392، 402،411، 424، 425، 436، 444-450، 491.
([77] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص178، 179، 182، 183، 231؛ البكري، التحفة البهية، ص94.
([78] )ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص200.
([79] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص221، 314.
([82] ) الذراع الهاشمي: كان يستخدم كمقياس للطول والمساحة حتى أوائل القرن (العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي) حيث استبدل بالذراع الأستانبولية، وقد استخدمت الذراع الهاشمية منذ عام (44هـ/664م) لمسح أرض العراق، وعندما تسلّم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (136-158هـ/754-775م) أقر تلك الذراع للتعامل بها بين الناس في مدينة الهاشمية عاصمة الدولة العباسية قبل بغداد، ورواية أخرى تقول إنها عرفت بالهاشمية لأن الأئمة من بني هاشم -رضى الله عنهم- استعملوها في المساحة فنسبت إليهم، والذراع الهاشمية طولها بالمتر يساوي 65,769 سم، أما الذراع الأستانبولية نسبة إلى مدينة استانبول، فقد تم استخدامها اعتبارًا من شهر (ذي الحجة 927هـ/ نوفمبر1521م) في عهد السلطان سليمان الأول، والذراع الاستانبولية تزيد “على الذراع الهاشمي خمسة قراريط ونصف قيراط” أي خمس أصابع؛ لأنهم يسمون الأصبع في مصر قيراط، والذراع الاستانبولية طولها بالمتر يساوي 76,0465 سم. انظر: القلقشندي، صبح الأعشى، ج3، ص446، 447؛ ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص415؛ أحمد صدقى شقيرات، مقاييس الطول والمساحة العثمانية وما يعادلها بالمقياس المتري، (الأردن-اربد، ط 1، دار الكندي، 2007م)، ص21-25، 30-35.
([83] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ح5، ص415، 416، 444، 471. يقول القلقشندي عن الرطل المصري “ورطلها الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة والفسطاط وما قاربهما الرطلُ المصري، وهو مائة وأربعون درهما، وأوقيته اثنا عشر درهما”. أما ابن إياس فيشير للأرطال العثمانية “وهي عبارة عن تسعة دراهم، فتنقص كل مائة درهم أربعة دراهم في سائر الأوزان قاطبة في البضائع والأصناف… فتصير كل مائة درهم ستة وتسعين درهما”. لمزيد من التفاصيل انظر: القلقشندي، صبح الأعشى، ج3، ص445، ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص444، 445.
([84] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص464.
([85] ) كمال حامد مغيث، مصر في العصر العثماني، ص64، 65.
([86] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص178، 182، 183، 207.
([87] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص178، 182،186، 308،؛ البكري، التحفة البهية، ص94، ولمزيد من التفاصيل عن الصناع والحرفيين انظر: اوليا جلبي، سياحة نامة مصر، ص453-477.
([88] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص195، 196.
([89] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص287، 444.
([91] ) نفسه، ج5، ص142، 168، 169.
([92] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص262، 263، 296، 333، 379.
([93] ) نفسه، ج5، ص450، 457، 468، 471، 492.
([94] ) إيفانوف، الفتح العثماني، ص47.
([96] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص146، 151.
([97] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص245، 295، ولمزيد من التفاصيل عن وضع الفقراء انظر: أوليا جلبي، سياحة نامة مصر، ص316، 319، 327- 334، 339.
([98] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص475.
([99] ) إيفانوف، الفتح العثماني، ص82.
([101] ) أوزنوتا، تاريخ الدولة العثمانية، ج2، ص840.
([102] ) المقريزي، البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، تحقيق عبد المجيد عابدين،(القاهرة، ط1، عالم الكتب، 1961م)، ص125،133-136، 139، 142، 144، 147-153.
([103] ) ابن طولون، نقد الطالب لزغل المناصب، تحقيق محمد وخالد أحمد دهان، نزار أباظة،(بيروت – لبنان، ط 1، دار الفكر المعاصر، الكتاب 938، 1992م)، ص85.
([104] ) القلقشندى، صبح الأعشي، ج1، ص363- 366، ج4، ص67 – 72، ج7، ص160 – 163؛ المقريزي، البيان والإعراب، ص133-153؛ لمزيد من التفاصيل عن البدو، انظر؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون (ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، قدمها عبادة كحيلة،(القاهرة، ع 153-159، الذخائر، هيئة قصور الثقافة، 2007م)،ج1، ص101- 107.
([105] ) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج1، ص105.وكانوا منذ عصر سلاطين المماليك مصدرًا لإثارة الفتن والمتاعب في وجه الحكومة باستمرار، كما أن الفلاحين في قُراهم، وسكان المدن لم يسلموا من أذاهم، وكثيرًا ما خرجت الحملات ضدهم، ولكن ذلك لم يقض على اعتداءاتهم على القرى والمدن، واعتراضهم طريق قوافل الحج، وظلوا مصدرًا لاضطراب الأمن في البلاد طوال ذلك العصر، لمزيد من التفاصيل انظر: قاسم عبده قاسم، النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك،(القاهرة، ط1،دار المعارف، 1978م )، ص96، تاريخ مصر الإجتماعي، ص60، عصر سلاطين المماليك التاريخ السياسي والاجتماعي،(القاهرة، عين، 2007م)، ص149.
([106] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص142، 155، 174-176؛ البكري، التحفة البهية، ص92-95؛ أوليا جلبي، سياحة نامه مصر، ص175-177.
([107] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص221-228؛ اوزنوتا، تاريخ الدولة العثمانية، ج2، ص813؛ إيفانوف، الفتح العثماني لمصر، ص70.
([108] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص212، 218، 221، 240، 241، 259-261، 264، 274-278، 280، 284، 325، 328، وفي (ربيع أول 925هـ/1519م) استطاع إينال السيفي كاشف الغربية القبض على حسن بن مرعي، وأخيه شكر، وقطع روءوسهما – وقد كانوا هم أنفسهم سببا للقبض على السلطان طومان باي – وأمر ملك الأمراء بأن تعلق رؤوسهم على باب زويلة. انظر: المصدر نفسه، ص295، 296.
([109] ) نفسه، ج5، ص370، 372، 375، 379، 396، 397، 443، 474، 475، وقد نلاحظ أنه بمجئ مصطفى باشا عام (929هـ/1522م) للحكم بعد خاير بك قد انضم الشيخ أحمد بن بقر إليه، ومعه عشرة من أبنائه، وانضم شيخ عرب الغربية للجيش العثماني، وقدّم الشيخان فروض الطاعة لمصطفى باشا. انظر: سيد محمد السيد، مصر في العصر العثماني القرن السادس عشر، (دراسة وثائقية في النظم الادارية والقضائية والمالية والعسكرية، القاهرة، مدبولي، 1997م)، ص114، 115.
([110] ) كمال حامد مغيث، مصر في العصر العثماني، ص81.
([111] ) ابن إياس، بدائع الزهور، ج5، ص178، 179، 182، 301، 445؛ البكري، التحفة البهية، ص94.
([112] ) ميكل ونتر، المجتمع المصري، ص300.
([113] ) ابن إياس، المصدر نفسه، ج5، ص 298، 299.
([114] ) إيفانوف، الفتح العثماني، ص49.
([115] ) أزوتونا، تاريخ الدولة العثمانية، ج2، ص412.
([117] ) ميكل وانتر، المجتمع المصري، ص 302، 306.
قائمة المصادر والمراجع
قائمة المصادر:
قائمة المراجع: