مقدمة الموسوعة اليافعية في بداية الجزء الأول: (المدخل)
مقدمة الموسوعة اليافعية في بداية الجزء الأول: (المدخل) ليطلع عليها من لم يتعرف على الكتاب.. أرجو ممن يهمه الأمر قراءتها بعناية:
المقدمة
الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}(*) نحمده حمدًا يليق بجلاله، ونشكره على نعمه وأفضاله، ونشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم المحيي المميت له الأسماء الحسنى والصفات العُلا، وأن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، هو القائل: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ من تُرَابٍ»( )، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: فهذه (يافع) التاريخ والحضارة والمجد والعزة والعروبة اليعربية نقدمها إليك في هذه الموسوعة أيها القارئ الكريم…
لقد ظل هذا الحلم يراودنا منذ بواكير الشباب، فالإنسان من طبعه حب المعرفة واكتشاف المجهول، ولكننا حين نفتش عن مصادر موسوعية تجيب عن التساؤلات حول تاريخها وأنسابها وبلدانها وعاداتها وتراثها، نصطدم بالفراغ الواسع الذي يجعل المرء كاسف البال قليل الرجاء…
ولم يُعرف طوال القرون الماضية كتاب خُصِّص في تاريخ يافع أو جغرافيتها أو أنسابها، ولم يظهر إلى الآن كتاب( ) يستوعب ما يحتاج القارئ معرفته عن هذه القبيلة العريقة!.
فكانت العزيمة على إخراج (موسوعة يافعية) تدرس بعض هذه الجوانب، وكان المضي في هذا المشروع من الأهمية بمكان؛ لأن قبيلة (يافع) يتناثر أبناؤها في كل أصقاع الأرض، ولم تنقطع هجراتهم يومًا من الأيام منذ القِدَم، وهم في أمسِّ الحاجة إلى معرفة أصولهم وأرضهم وشيء من تاريخهم، قبل أن يندثر باندثار جيل الكبار، وصعود جيل الشباب ممن لم يعرفوا الماضي، ولم يَخْبروا أحواله. ولعلنا نضع حجر الأساس لمن يأتي بعدنا فيكمل من حيث انتهينا.. ولعل الفكرة تثمر موسوعات مشابهة عن بقية القبائل العربية العريقة.
نشأة الفكرة:
كان هذا العمل عبارة عن أفكار أولية نحملها في أذهاننا كلًّا على حدة، حتى يسَّر الله -تعالى- اللقاء بين فريق الموسوعة اليافعية في عام (1424هـ/2003م)، وبدأنا نضع الخطوط الأولية للعمل، وكانت المحاولات الأولى متواضعة، ولم تكتمل الصورة وتتضح الفكرة إلا في أوائل سنة 1427هـ/ 2006م، عندما بدأنا العمل فعليًّا، وأعددنا خطة للنزول إلى معظم القرى اليافعية، وجرى تنفيذها دون توقف بدءًا من تاريخ 26 ربيع الثاني 1427هـ/ الموافق 24 مايو 2006م.
وقد قسمنا مراحل العمل في يافع إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: جمع المعلومات عن طريق المسح الميداني المباشر إلى كل البلاد اليافعية بمكاتبها القبلية العشرة، وبمديرياتها في محافظتي لَحْج وأَبْيَن، فشمل النزول الميداني معظم بلاد (يافع) من أقصى (الحد) شمالًا، إلى ساحل (أَبْين) جنوبًا، ومن وادي (سُلُب) شرقًا، إلى وادي (بَنَا) غربًا، واستغرق ذلك عامًا كاملًا وزيادة.
المرحلة الثانية: قمنا فيها بدراسة ما دوَّناه من مسودات، وقراءة الوثائق التي حصلنا عليها، وتلخيصها للإفادة منها في معطيات البحث، وقمنا بقراءة كثير من كتب التاريخ اليمني عمومًا، وما كُتب عن يافع خصوصًا، وحصر المعلومات المطلوبة في معطيات البحث، والبدء بكتابة البحث، مع الاستمرار في جمع الوثائق ودراستها، وقد راعينا في صياغة البحث المنهجية التي التزمناها ابتداءً، مع تطوير الفكرة، وهذه المرحلة أصعب المراحل؛ لأن عرض المعلومة بالأسلوب العلمي السهل الواضح يحتاج إلى دقة في الألفاظ، وتفكير في المعاني، وغربلة للمعلومات لاختيار زبدتها ووضعها بين يدي القارئ.. وبعد الانتهاء من كتابة أجزاء الموسوعة عرضناها على مجموعة مختارة من المختصين وأهل الخبرة، وقمنا كذلك بإنزال المسودة الأولية للجزأين الأول والثاني (المدخل ومكتب كلد) في أوائل عام 1431هـ/ 2010م على (منتديات الموسوعة اليافعية) في شبكة المعلومات (الانترنت)، ولقيت رواجًا واسعًا، وكان الغرض من ذلك هو التعريف بالمشروع لحث اليافعيين وأهل الاهتمام على التواصل معنا كي نخرج بمعلومات صحيحة وتفصيلية عن كل مكتب من مكاتب يافع. كما قمنا قبل طبع الكتاب بإرسال مسودة من كل جزء إلى بعض المهتمين من المكتب الذي يتحدث عنه الجزء، كشيخ المكتب غالبًا، أو إلى من ينوبه؛ للإفادة من ملاحظاتهم.. وقد استجاب كثير منهم مشكورين وأفادونا ببعض الإفادات.
أهم المشكلات والمعوقات التي واجهت سير العمل:
1) الحاجة إلى مصادر مكتوبة للانطلاق منها: إذ لم يسبق لأحد الكتابة الشاملة عن يافع وجغرافيتها وقبائلها وتاريخها، وكل الكتابات الموجودة عصرية وقاصرة على جزئيات محدودة ولا تخلو من ملاحظات؛ وسبب عدم تدوين الأولين لتاريخهم:
أولًا: فشو الجهل في العصور المتأخرة، وعدم وجود حركة علمية ووعي بأهمية الكتابة والتدوين.
ثانيًا: طبيعة بلاد (يافع) الجبلية، وبُعدها عن حواضر العلم وأمهات المدن، مما أفقدها من وجود حركة علمية تهتم بالتأليف والتدوين وكتابة التاريخ.
ثالثًا: أن الأعلام اليافعيين الذين نبغوا وكان يمكن أن يؤرخوا لها ويكتبوا عنها إنما كان نبوغهم خارجها، ومن الصعب على من لم يعش فيها أن يكتب عنها في أزمنة يصعب فيها السفر ويشق التواصل.
2) الطبيعة ذات التضاريس الوعرة المتداخلة وهذه أدت إلى مشكلتين:
الأولى: صعوبة الوصول إلى كثير من جبالها الشاهقة.
والثانية: وصعوبة وصفها وتحديدها وتجليتها للقارئ.
وقد يسَّر الله -تعالى وله الحمد- كثيرًا من الصعاب، فوصلنا إلى أماكن لم يدخلها باحث من قبل، ولم يكتب عنها أحد، وبقيت أماكن قليلة نائية، لم نتمكن من الوصول إليها، مثل أعماق وادي (سُلُب)، ووادي (السيلة البيضاء)، وقد كتبنا عن هذه الأماكن توصيفًا بالرجوع إلى أهل المعرفة، بذلنا فيه قصارى الجهد وبقي التسديد من الله ثم من القارئ.
3) ضياع معظم وثائق الأُسرتين العفيفية والهَرهَرية وبعض أسر المشايخ: وسبب ذلك نهبها وإحراقها في بداية مرحلة ما بعد الاستقلال بدعوى القضاء على الماضي البائد، فضلًا عن مصادرة آلاف الوثائق الأخرى من القبائل بعد تأميم الأراضي، وإتلاف تلك الوثائق أو نهبها، وما بقي من الوثائق فكثير منها محفوظة بأيدي أصحابها غير متاحة للباحثين.
4) الاعتقاد لدى كبار السن بتعظيم الوثائق القديمة: والمبالغة في حفظها وإخفائها، واشتراط حضور القبيلة كلها عند قراءتها؛ وهذا حرمنا من معلومات مهمة لا يمكن الحصول عليها إلا من الوثائق.
5) وفاة كثير من كبار السن والعارفين بأحوال القبائل وتاريخها قبل أن يدوِّن أحد ما عندهم( ).
من المعالم المنهجية في أجزاء الموسوعة:
من المعالم المنهجية التي التزمناها في كتابة هذه الموسوعة:
الأصل أن نلتزم في كتابة الموسوعة بالمنهجين الوصفي والتاريخي.
تسمية (الموسوعة) عندنا نقصد بها كثرة ما تحتويه من معلومات، لا ما اصطلح عليه المعاصرون في الكتابة الموسوعية التي تعتمد على توزيع المواد حسب ترتيب حروف الهجاء.
نعتمد في تحديد الأنساب على ما توفر من الوثائق الثابتة والشهرة والنقل المستفيض، ونحاول اجتناب مواطن الخلاف وما قد يثير النعرات قدر المستطاع.
عند إضافة القبائل إلى الأجداد يستخدم أهل يافع لفظ (أهل فلان) أو (أهل بن فلان) ولا فرق بينهما، ونحن استخدمناها هنا، وهي لفظة صحيحة الاستعمال من حيث الأصل، وكلمة (آل) مخففة عنها. ويقال في يافع غالبًا عند ذكر الفخائذ والبيوت: (أهل بَنْ فلان) وهي بمعنى: (بني فلان)( ).. ونحن في الغالب نعبِّر بطريقة أهل يافع؛ لأنها أليق في التعبير عن قبائلهم.
أوردنا أسماء الأماكن والبلدان غالبًا كما ينطقها أهلها، بما في ذلك نواحي البدو الذين يستخدمون للتعريف (ام) الحِمْيَرية بدلًا من (ال) التي يستخدمها جمهور العرب، ثم نذكر بجوار الكلمة بين قوسين أو في الهامش نطقها مع (ال) التعريف.
الشخصيات التاريخية المترجم لهم في الفصل الثالث من كل جزء جميعهم من المتوفين، على عادة كتب الأعلام والتراجم التي تقتصر على المتوفين، أما الأحياء فالكتابة عنهم غير منضبطة؛ لأن دورهم في الحياة وتاريخهم لم ينتهِ بعد. وقد جرى ترتيبهم على حسب الحروف الهجائية، ولا نُعِدُّ في الترتيب كلمات: أل، ابن، أبو، أمّ، ذو.
الشخصيات التاريخية المترجم لهم في الكتاب لم نشترط فيهم أن يكونوا من الأعلام الكبار، وإنما الضابط فيهم هو البروز في نطاق المجتمع اليافعي بما قدموه من خدمات أو مواقف أو إبداعات أو تبوأوا من مناصب ورتب كان لها أثر على المجتمع.. وفي هذه الشخصيات من هم أعلام بالمستوى الرفيع كما سيتبين في الأجزاء التالية. ويختلف حجم المعلومات المتوفرة عن كل شخصية بين المصادر والمراجع، وسنحاول استيعاب ما أمكن معرفته عن حياة كل عَلَم نترجم له، ثم صياغته بشكل مختصر مركَّز، مع التنبيه على أبرز الجوانب التي اشتهر بها وما زالت شخصيات تاريخية كثيرة مجهولة لنا؛ لأننا لم نتمكن من العثور على تراجمهم، أو لم يكتب إلينا عنهم أحد.
الكلمات التي تحتاج إلى هوامش إيضاحية نذكرها عادة في أول موضع ترد فيه الكلمة ولا نلتزم بعد ذلك بالإشارة إلى موضع هذا الهامش عند ورود الكلمة نفسها في الصفحات أو الأجزاء اللاحقة.
لا نلتزم بوضع هوامش لكل أسماء الأماكن الواردة في الكتاب إلا ما له صلة بمادة الكتاب، أو نرى أن فيها مزيدًا من التوضيح وإزالة اللبس.
لم نلتزم بالضبط الحرفي، وإنما نذكره عندما تدعو إليه الحاجة، وقد اعتنينا بضبط أسماء الأماكن والأعلام بالشَّكْل بما يزيل اللبس.
نكتفي في الهوامش عند ذكر المصادر والمراجع بذكر اسم الكتاب، ورقم الصفحة غالبًا، أما بقية بيانات الكتاب، من اسم المؤلف، والمحقق، ودار الطبع، وتاريخه، ومكانه، ورقم الطبعة، ونحوها من البيانات، فقد اكتفينا بذكرها في فهرس المصادر والمراجع من باب الاختصار، إلا في حال اشتباه عنوان المرجع بعنوان مشابه له فنشير إلى المؤلف.
لم نتمكن من طباعة جميع الوثائق التي اعتمدنا عليها في كل الجزء وهي كثيرة، وإنما انتقينا عِيْنات قليلة منها في الملاحق إتمامًا للفائدة.
تنبيهات مهمة:
المعلومات الواردة في الكتاب قابلة للتعديل في حال ظهور خطإٍ فيها، بشرط أن يثبت خلافها بالوثائق اللازمة، وسيكون التعديل في طبعات الكتاب القادمة -إن شاء الله-.
الكتاب ليس دراسة تاريخية مركَّزة، وإنما هو دراسة شاملة للتكوين الاجتماعي (القبلي) والمكاني (الجغرافيا)، وشيء من تاريخ المكان، وسير ذاتية لمن وصلتنا تراجمهم من الشخصيات التاريخية، وما ستقرأه في الجزء الأول (المدخل) إنما هو تعريف مختصر عام ببلاد (يافع) يخدم بقية أجزاء الكتاب، ولم يُقصد به التوسع والتقصي على طريقة الدراسات التاريخية المتخصصة.
المعلومات الواردة في الكتاب إنما هي اجتهاد ورأي قابل للخطإ والصواب، لذا لا تعد حُجَّة شرعية تثبت أو تنفى بها الحقوق، أو الحدود، أو الملكيات، أو الأنساب، أو الطبقات الاجتماعية، ونحوها، ولا يتحمل فريق الموسوعة اليافعية أيّة مسؤولية شرعية أو قانونية أو أدبية على الدعاوى أو البينات المستندة إلى هذا الكتاب؛ لأن مقصدنا علمي معرفي بحت نهدف منه إلى تقريب المعلومة للقارئ كما وصلت إلينا دون زيادة أو نقصان.
المشجرات التي لم يدعِّمها أصحابها بالوثائق في الكتاب يتحمل مسؤوليتها من أعدَّها، وإذا ثار حولها خلاف بعد صدور الطبعة الأولى من الكتاب فإنها ستلغى في الطبعة الثانية، بخلاف المشجرات المدعمة بالوثائق فإنها تعتمد، ولا تلغى إلا بوثائق تنقضها.
أي فخائذ أو بيوت أو أماكن أو شخصيات تاريخية لم تُذكر في الكتاب، أو ذكرت دون استيفاء لها، فسبب ذلك عدم معرفتنا بها أو بتفاصيل المعلومات عنها، لذا نرجو تنبيهنا والكتابة إلينا بالمعلومات الناقصة لإضافتها في الطبعات القادمة بإذن الله.
لم نُشِر من بيوت المشيخة إلا إلى مشايخ المكاتب، ثم الطبقة التي تليها غالبًا من مشايخ الأقسام الرئيسة للمكتب، ولم ندخل في تفاصيل مشايخ القرى ونحوها، لأنه ليس من تخصص الكتاب، والدخول فيه يسبب أحيانًا ما لانرضاه من الخلاف فيما لا طائل وراءه.
الملاحظات الواردة على مسودات الكتاب في المرحلة السابقة للطبع منها ما هي فنية، وقد أخذنا بها قطعًا، ومنها ما هي آراء علمية، فنأخذ منها ما نراها صوابًا أو قريبة من الصواب حسب اجتهادنا، لذا نعتذر عن عدم الأخذ ببعض الملاحظات الواردة من هذا النوع، وهي قليلة، مع احترامنا وتقديرنا وشكرنا لأصحاب هذه الآراء، والخلاف في الآراء الاجتهادية لا يفسد للودِّ قضية.
أخوكم: نادر سعد بن حلبوب العُمَري